فوائد السفر ولو لغير المؤتمر

بقلم  عبد الكريم سلمان

أراني وأنا أقص على قومي مثل هذا القصص، قد أُحدث عن معلوم، وأتعرض لبيان مفهوم، ولكني مع ذلك لا أخالهم إلا موافقين على أن في الإعادة إفادة، وعلى أنه ربما سنح للمتأخر من فكر المتقدم بعض لوازم كانت غير بينة، فأدركها، ثم صاغها على أسلوب جديد فراقت للناظرين، ولكل زمان مقال، كما أنه لكل مقال مجال.

القرآن الشريف والسنة النبوية يحُضان على الرحلة من دار الإقامة إلى غيرها من الدّيار: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا،١  أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ،٢  قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ،٣ إلى غير ذلك من الآيات. وعملُ النبي وعمل الصحابة — رضوان الله عليهم — من بعده أكمل وأجلى في الاستدلال.

الحكمة في مشروعية هذا الأمر مبينة في الآي الكريمة وهي تَذكر حال الماضين، والاعتبارُ بما كان لهم في زمانهم، وما انتهى إليه أمرهم من عمارٍ أو دمارٍ، وليس هذا إلا ليزداد الفكر تنوُّرًا، والعقل تبصرًا، وينفسح أمامه مجال النظر والتصرف وترتيب المسببات على الأسباب سنة هذا الشرع الحنيف فيما كلفنا به من الأعمال.

أتذكر أنه وأنا في التاسعة أو العاشرة كان يَفِدُ إلى مقر إقامتي مع والدي وأهلي سفن شراعية كبيرة، فيها تجار من الإفرنج يبيعون إلى أهل شواطئ النيل أمتعة المنازل وزينتها وحاجات الحياة، فكنت ممن يخرجون مع آبائهم للشراء، ولكن غرضي وغرض أترابي غير ما كان للوالدين، فلم نَكُ لنقصد إلا مشاهدة تلك السفن — وكان اسمها عندنا (الغُليون) — وتعرُّف من فيها من الباعة الإفرنج إن كانوا من جنسنا وعلى زيِّنا كما يقول آباؤنا، أو هم على ما في خيالنا يخالفوننا في الطول والعرض والصورة والوضع، فلما كنا نراهم طبق الأصل كما أَخبرنا، لا مخالفين كما تخيلنا، نرجع وقد استفدنا بانتقالهم إلينا وانتقالنا إليهم في سفينتهم شيئًا جديدًا، ما كان يتأتى لنا لو لم يحضروا عندنا أو بقينا في دورنا، واندفع عنا ذلك الخيال قبل أن نصل إلى سن الرجال، فهذه فائدة صغيرة تناسب ذلك السن سنَّ الأطفال.

المُشاهد أن أهل القرى — وهم طبقات كثيرات — يكون أولادهم مختلفين في النجابة والذكاء الفطريَّيْن، ولكن النجباء منهم يمتاز ابن التاجر من بينهم بأن له معلومات أوسع من سِواه، فتراه يحُدِّث أترابه بما ليس لهم به علم إذا رجع مع أبيه من بعض الأسفار، ينبئهم بأن البلد الذي كان فيه مع أبيه أطول بنيانًا وأوسع عمرانًا، وبأعمال البيع والشراء والكيل والميزان، وغير ذلك من أطوار الآدميين مما يسعه عقل الصبي في صباه. وكذلك نجد طلاب العلم في الأزهر والمدارس في مصر وبقية المدائن يُحصلون شيئًا آخر غير ذلك العلم الذي طلبوه، فنجدهم وهم من أهل الريف يقتبسون معلومات عن أحوال الناس وعشرتهم، ليست من منقولات الكتب ولا مباحث تلك العلوم، وكذلك نرى البدويَّ وهو في بيته الشَّعر وعيشه الضيق ليس حوله غير الأجمال تنوء بالأحمال، يتغير حاله إذا ترك البادية وحل بالحاضرة، ونظر المزارع والزُراع والدُور والمتاع، ولو غادرها وعاد ذَكر لقومه أسماء، ووصف لهم ما دلت عليه من المسميات التي هم عنها بمعزلٍ بعيد.

وكذلك توجد في قُطرنا قرى يشُط مزارها ويتباعد جوارها، ليس لأهلها بالناس اختلاط ولا للناس بهم ارتباط، فنرى أهلها كأنهم قريبون من أول الخَليقة أو حوالي زمن الطوفان، وهذا على العكس من حال القرى المتجاورة وأهلها المتزاورة، فإنهم أوسع مدارك وأكثر معلومات. ونرى الفرق بين كل طبقة مما تقدم وبين مقابلها بمقدار الانتقال عن المواطن عدمًا ووجودًا وقلةً وكثرةً، والتفصيل في هذا مما لا يحتمله المقام، فلا بد من الرجوع إلى الإجمال.

الفائدة العائدة من الانتقال ليست قاصرة على ذات المنتقلين، ولكنها من الأمور المتعدية للآخرين. نعم إنها لنفس المنتقل أكبر وأجمع، فإنه وحده الذي يمكنه التلذذ بالمناظر البهجة، والتأثر بالمبصرات الغريبة، والانفعال في الرائين أشد منه في السامعين، إلا أن هذا إذا رجع لقومه وحدَّثهم بما رأى عن علم وكمال توصيف، أوجد عندهم شيئًا مما ذاقه، وبث فيهم روح الطلب إلى خيرٍ مما هم فيه من حيث المعيشة ولوازم الحياة الطيبة، وقد يجدُّ بهم السير إلى اختيار الحسن مما سمعوه وإجادة التقليد فيه، فما هي إلا أزمان قلائل حتى يُعرف الحسن في البلاد وتتسابق إليه الهمم، فتنتشر المنفعة ويتقدم النفع كلما تقدمت الأجيال.

الأمة بالقياس إلى غيرها من الأمم لا تختلف عن القرية بالقياس إلى سواها من القُرى، فإن كانت إحدى الأمم راكدة في موطنها ليس للكثير من أفرادها تردد على مجاوريهم، كانت أقل معلومات وأقرب إلى السذاجة عن سعة الإدراك، فكانت كالقرية البعيدة المزار المتنائية الجوار، وحالها ما قدمناه من وقوف حركة الأفكار، فإنها لم تشاهد ما ينبهها إلى الجولان، وإن كانت واحدة من الأمم قد نجب فيها أقوام، وهمُّوا بنيل الأوطار، فأكثروا من الأسفار، استفادوا ما لم يعتادوا، فأفادوه مواطنيهم، وانتشرت بذلك بين أهليهم أخبار مجاوريهم، فأخذوا أحاسنها، وترقَّت الأمة بتمامها من حال إلى حال.

الشاهد على صدق هذه القضايا هو حال أمتنا المصرية في زمانَيها الغابر والحاضر، فإنها لما كانت غريبة في باب الحضارة وأقل تنوُّرًا مما هي عليه الآن، كان أمر السفر منها إلى غيرها يُعد من الأعاجيب، ولا ننسى أننا كنا نفزع غرابة إذا قيل إن فلانًا منا سافر إلى (بحر برًّا) أو قدم منه. كان هذا اللفظ عندنا عنوانًا على ما سوى ديارنا، سواء كان من البلاد الأوروبية أو الآسيوية (عدا الحجاز)، أما الآن وقد تنورت العقول، فقد بدلت تلك الغرابة عند العامة بشبه العادة، وكثر تردد أهلينا على تلك الديار الخارجية عنا، وعرفت الفائدة بما نقلوه إلينا من أحوالهم العامة والخاصة. وقد رأينا أن التقدم والتأخر في حركة الفكر والإقبال على الانتقال والتناكص عنه، متلازما الحصول، حتى كأن كلًّا منهما علة لوجود الثاني والفصل بينهما من المحال.

المأخوذ مما تقدم أن فائدة السفر تعود على المسافر نفسه وعلى قومه، وقد ترجع أيضًا على البلاد التي إليها السفر، وليس ذلك بالأمر البعيد على الإدراك، ولا نذهب في التمثيل له إلى غير هذه البلاد المصرية، فإن أهل الديار الأوروبية كانوا لا يعتقدون فينا إلا أننا من متوحشة الأفريقيين، فيصدقون عنا كل خبر سمعوه، ولا يرون منا إلا قومًا عُطلًا من كل فضيلة، وكان لا يكفيهم ما ينقله لهم عنا رجالهم إلينا من أننا مثلهم في قابلية الكمال، فلما كثر ترددنا إليهم في ديارهم وخالطوا رجالنا فيهم، ورأوا منهم أناسًا مهذبين ورجالًا عارفين يخوضون معهم في كل حديث عن القديم والحديث، يضربون في كل علم عن دراية وفهم، أيقنوا بأن الإنسان واحد في الغرب والشرق، وسوَّوا بيننا وبينهم في الحكم بأننا من نوع واحد، يجوز على أحد المثلين ما يجوز على الثاني من العلم بعد الجهالة، ومن التمدن بعد الوحشية، ومن الرفعة بعد الضعة والانحطاط. فهذه فائدة لهم بانتقالنا إليهم عرفونا بعد ما جهلونا، وحكموا صوابًا بعد أن كانوا خاطئين. نعم إننا شاركناهم في هذه الفائدة، فقد صرنا في أعين الغائبين عنا من نوع الإنسان، لنا ما لهم وعلينا ما عليهم من الحقوق والواجبات، فكانت الفائدة من سفر المصريين إلى الديار الأوروبية مزدوجة بين الطرفين، وهذا ما يُعظم شأو الأسفار ويجعلها هينة على النفوس، وإن كان عَذابها لا يُحتمل وفيها ما لا يطاق من الأهوال.

البُرهان على أن هذه الفوائد حصلت من أسفار المصريين، وعلى حصرها في السفر أن البلاد التي لم تجرِ رِجلنَا إليها ولم يُشاهد لنا فيها شبح، قد بقيت فينا على ذلك التصور، ولم يعلم أهلها من أخلاقنا غير أخبار النَّقَلة خطأً كان أو صوابًا. يدلنا على هذا ما رواه بعض الصينيين الموجودين في ديارنا الآن من أنهم جاءوا مصر وهم على عقيدة أن المسلمين لا يفلتون من يحل في ديارهم وإن كان من المسلمين، ولما شاهدوا غير ما سمعوه من لطف المعاملة وكريم المجاملة لم يسعهم إلا الإقرار بالمروءة العربية، وقالوا: إننا سننشر ضد ذلك المسموع ونذيعه في أنحاء بلادنا، وبذلك ربما ارتفع الوهم عن النفوس. ولا نرتاب في أن بعض البلاد المشرقية التي لم يتعرفها سواها، ولم يشارف أهلها غيرها من الديار الأوروبية، قد بقيت على حال لا ترى معها في أعين الغائبين عنها إلا كما نُرى به نحن قبل أن يكثر سفرنا إلى الديار الأوروبية، ويرتفع مقدارنا فيها من أنهم لا يقبلون الكمال بحال من الأحوال، وكذلك لا نشك في أن أهل تلك البلاد المشرقية الباقية على الخمول لو اتجهت رغباتهم إلى ما اتجهنا إليه من الأسفار، لارتفع ذلك الحجاب عنهم كما ارتفع عنا، وأخذوا من قلوب القوم مكانًا، وكذلك لو زادت رغبتنا نحن في الأسفار إلى غير ما شاهدناه من الديار، وكثر رحالنا في أقاصي الأرض وجوانبها من مشارقها ومغاربها، لاستجلبنا من الفوائد واستجمعنا من الشوارد ما يجعلنا في الوجود كبارًا، وينقل أقدامنا في سبيل الاجتماع المدني خطوات بها تحل محل الاعتبار والإجلال.

الفضل كل الفضل في اتصال العالم ببعضه وتمكُّن الإنسان من مجاوزة أرضه، لِما تجدد من المخترعات البخارية برية كانت أو بحرية، فأهل الأجيال الأول كانوا معذورين ولا تحسبهم مقصرين، إذا لاحظنا طول المسافات ووعورة المسلوكات، فقد كانوا مع ذلك يتجشم بعضهم المشقة على بُعد الشقَّة، ويخترق البحار إلى القفار، تحمله الناقة وزاده وزادها، ويضطر إلى الاقتصاد منهما خوف ضارية الجوع على الحامل والمحمول، ولا يعود إلا وقد صاحب الأرب وتزود الأدب، ورجع إلى أهله فعلمهم ما عَلم، وأفادهم ما غنم: فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِم،٤ وكفى بفرض الحج على كل المسلمين والسفر إليه مرغبًا لهم ومعينًا على هاتيك الأسفار الصعاب، التي هي في الحقيقة قطعة من العذاب، وساعد على تحمله أيضًا مشروعيته لطلب العالم: «اطلبوا العلم ولو بالصين»، وسرى ذلك إلى كل الأمم المختلفة، فكان لكل أمة النصيب الكافي من السفر إلى غيرها على قدر الاستطاعة في تلك الأزمان، وإن كان لا يحسب شيئًا فيما هو حاصل في هذا الزمان.

نعم إن الأسفار في زماننا هذا تعد قليلة بالنسبة لسهولة الاتصالات وقلة النفقات، فلا بد أن نرى الأمم كلها أو غالبها يومًا من الأيام كأنها أمة واحدة، بما يكثر من تردد أفراد كل واحدة على الثانية في ديارها، وتبادل المنافع بينها، وتعرُّف كل منها أحوال صواحباتها، وهنالك تكون الفائدة الحقيقية من الأسفار وتحل الحقيقة محل هذا الخيال.

المظنون أن قد تبينت فوائد السفر في هذه النبذة الصغيرة، وإن كان ذلك على وجه مجمل بغاية الاختصار، ولما كان المناسب في هذا المقام أن يُذكر بعض الفوائد الخاصة لبعض الأسفار الخصوصية، رأيت أن أذكر طرفًا مما يناسب هذه الرحلة التي كانت لأحد الشبان الأفاضل من المصريين إلى الديار الأوروبية وما ينجم عنها من الفوائد في حد ذاتها مضافًا إلى تلك الفوائد العامة للأسفار العمومية.

فأما الراحل فشهرته بالفضل، وإقباله على العمل، وأعماله المنتشرة بيننا، مما يغنينا عن الإطناب في تعريفه والتنويه بتوصيفه، وأما الرحلة فإلى مجتمع العلوم الشرقية سنة ١٨٩٢ في مدينة لوندرة، وأما الغرض منها فالنيابة رسميًّا عن الحكومة الخديوية في هذا المؤتمر، وأما الفائدة منها فنبينها موجزة ولا نطيل فيها المقال.

الواجب على هذا الراحل ليس إلا الوصول على مكان الاجتماع في وقته المعين، وتقديم شيء من التأليف العربي إلى هيئته، وحضور جلساته على الانتظام، وإبداء رأيه فيما تدور عليه المذاكرة فيه، وإن نيط من قبله بعمل أتاه على الوجه المطلوب كما أجمع عليه رأي أهليه، هذا كل ما كان يلزم حضرة هذا المندوب المصري. وإذا أدَّاه كما وجب فقد خَلُص من تبعة التقصير، واستحق الثناء من مُرسله عليه. إلا أنه لم يكتفِ بهذا الواجب، بل أحاطه بنوافل أدَّاها قبله وبعده وفي أثنائه، كان القصد منها استفادة ما عليه أصناف الإنسان الآخرون، من حيث عملهم في دنياهم وعيشهم وبناؤهم وصناعتهم وعلومهم، وكيفية التربية عندهم، وما لهم من الأخلاق والعادات والمشارب والمعتقدات، وما هم فيه من نعمة ورخاء وشغل وعناء، وما جددوه من المخترعات، إلى غير ذلك مما هم عليه من جميع الأحوال.

النوافل التي أداها حضرة هذا الفاضل كان يتأتى له مشاهدتها، وأن تقتصر عليه لذَّاتها، ولما يعود يحدثنا عنها حديث الرائين، ولكنه لم يُرد أن تكون المنفعة من رحلته قاصرة عليه أو متعدية لنا، ولكن لتبقى بعدنا لأبنائنا؛ فلذلك قيَّد كل ما رآه من الأوابد والشوارد، وبعد رجوعه ضمها إلى بعضها واستخرج منها هذه الرسائل الفعالة في النفوس، الآخذة بمجامع القلوب عجبًا واستغرابًا، ولقد كان من الممكن أن يأخذ في سفره هذا طريقًا واحدًا في الذهاب والإياب، وأن لا يتغيب عن بلده أكثر من الزمن الذي يستلزمه ما كُلف به فيقتصد من زمانه وماله، ولكن أحبَّ استجماع الفوائد فنحا منحى السائحين الأقدمين، واختار أن يشهد له الطريقان طريق الغدو وطريق الرواح، وقد أخذت الأقطار أمامه في رجوعه برقاب بعضها، فكلما خَلُص من بلد تذكر الثاني فانساق إليه بحكم حب الاستطلاع، وإن لم يكن في طريقه ولا في حسبانه وقت مبارحته دار إقامته الأولى، وطوحت به الرغبة في الاستكناه إلى أن عرج على بلاد الأندلس العربية الأصل، وليست من إحدى طرقه إلى بلده، وأضاف إليها بلاد البرتغال وهي كذلك لم تتعين طريقًا له، وتغيَّب عن بلاده تلك الشهور الطوال.

المعجِب في كتاب هذه الرحلة هو استنهاض هِمة قومه كلما رأى لذلك فرصة، وتنبيههم على ما جَرَّ العظمة والفَخَار لأولئك الأقوام، ومقابلة أعمالهم بأعمالنا، والتنبيه على مواضع انتقاصنا، واستحسان بعض العوائد عندنا مع مقارنتها بما هم فيه، واستجماع ملاك البيان في التوصيف بعبارات كأنها فوتغراف نَقلت إلينا صورة معانيهم بالتدقيق، فلم يفتنا مما تجمل الإحاطة به فائتة، وكان هو عندهم حاكيًا عما صرنا إليه من التقدم ومحبة التعلُّم واجتلاء الحقائق على ما هي عليه، والرغبة في الاستفادة والتقاط الحكمة من أي طريق، وإن هذا لهو السحر الحلال.

المسطور في عبارات هذا الكتاب أن مؤلفه الفاضل أخذ على نفسه أن يُفَصِّل رحلته إلى تلك الديار في كتاب أوسع من هذا يأتي فيه على ما لم يتح له في هذا الكتاب من مقابلات الأخلاق والعوائد، والبحث في أصولها ومرجع اللغات والأعلام ومآخذها بعبارات علمية مؤسسة على البراهين العقلية والنقلية، ولا تظنه إلا فاعلًا؛ لأنه عودنا الجد والنشاط، وقد استبان مع ذلك ما توخيناه من الفائدة الخاصة بهذه الرحلة في حد ذاتها كما يفهمه القارئ مما تخلَّل عباراتها من حكمةِ وضعها وأسلوب صنعها، وما قصده واضعها منها. نسأل الله أن يوفقنا وإخواننا إلى معرفة الفضل لذويه، وأن يكثر من أمثال هذا الفاضل في البلاد حتى تتجسم منافع السفر للعيان وتتشربها الأرواح والأبدان، فيزداد فينا عدد السائحين والغادين والرائحين، ويعمل كل منهم على نشر ما استفاد من السياحة في البلاد فيكون كُلُّنا عونًا لأخيه في الحَط والترحال، ونَصِل إلى ما قصدناه من الكمال.

هوامش

(١) النساء: ٩٧.
(٢) الروم: ٩.
(٣) الأنعام: ١١.
(٤) التوبة: ١٢٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤