الفصل الثامن

أركان الرواية الإنجليزية

القصة الرومانسية والرواية

في ديسمبر من عام ١٨١٧ ظهر إعلان في جريدة «مورنينج كرونيكل» يعلن عن اقتراب نشر «القصة الرومانسية «دير نورثانجر» ورواية «الإقناع» لمؤلفة «كبرياء وتحامل» و«حديقة مانسفيلد» وغيرهما.» وثمة أمران لافتان للنظر هنا؛ وهما: إخفاء اسم المؤلفة والتمييز الضمني بين الرواية والقصة الرومانسية. وفي «قاموس اللغة الإنجليزية» ﻟ د. جونسون قبل ذلك بنصف قرن، كان تعريف الرواية بأنها «قصة قصيرة تتحدث عمومًا عن الحب» والقصة الرومانسية بأنها «حكاية عن المغامرات الطائشة في الحرب والحب.»

وكان لجونسون تعريف ثانٍ لكلمة «رومانسية»: «كذبة أو خيال.» وطوال حياته كان ثمة قدر من الاعتباطية في إطلاق اسم رواية أو قصة رومانسية على القصص النثرية، ولكن العديد من الكُتَّاب اتفقوا على أن القصص الرومانسية كانت من الأوضح كذبًا أو خيالًا، والقصص الرومانسية تضم «مصادفات رائعة وأعمالًا مستحيلة»، بينما «الروايات ذات طبيعة مألوفة أكثر من ذلك، فهي تقترب منا وتمثل لنا المؤامرات عمليًّا، وتُدخِل علينا السرور عن طريق المصادفات والأحداث العجيبة، ولكنها ليست نادرة تمامًا أو غير مسبوقة» (ويليام كونجريف، مقدمة إلى رواية «التخفي: أو التوفيق بين الحب والواجب»، ١٦٩٢). وتجد القصص الرومانسية غايتها في المغامرات الطائشة، بينما تزعم الروايات أنها تطابق الواقع. وقد يبدو كِتاب عن المغامرات المروعة في دير قوطي كما لو كان قصة رومانسية، بينما يبدو كتاب عن شابة يقنعها من حولها بالقيام بالاختيار الصحيح لشريك حياتها أقرب إلى الرواية، ولكن في حقيقة الأمر فإن «دير نورثانجر» ينتمي إلى النوع الأخير لا الأول من الكتب، ولم يطلق عليه «رواية» أو «قصة رومانسية» على صفحة الغلاف، بل إن تعليق المؤلفة جين أوستن قد أشار إليه بوصفه «عملًا قصيرًا».

fig7
شكل ٨-١: صفحة عنوان أول رواية منشورة لجين أوستن غير مذكور بها اسمها، وتذكر رواياتها اللاحقة أنها هي مؤلفة الروايات السابقة، إلا أنها لم تذكر اسمها قَط.
وبالنسبة لبعض المعلقين يُعَدُّ كلا النوعين «هراء»، فقد اشتكى كُتَّاب الأعمدة في المجلات بحدَّة من «القصص الرومانسية والشيكولاتة والروايات والمثيرات المشابهة» («ذا سبيكتيتور»، العدد رقم ٣٦٥)، فقد كانت الروايات — مثلها مثل احتساء مشروب الشيكولاتة — مثيرًا جديدًا خطيرًا للشهوة، وخاصة لدى النساء، فقد كانت النساء هن أكبر فئة مستهلكة للشيكولاتة والحلوى في القرن الثامن عشر. ومن ثَمَّ فقد كتب هنري جيمس باي، وهو شاعر للبلاط بغيض بالفعل، عام ١٧٩٢ قائلًا:

يعد التأثير العام لقراءة الروايات على الجنس اللطيف أوضح من أن تخطئه العين؛ فهو يثير العاطفة التي هي موضوع الحكاية الأساسي ويشعلها، كما أن ميل النساء الشديد إلى ارتياد المكتبات الشهيرة يُضرب به الأمثال.

وفي ضوء تلك التهديدات، من المفهوم أن تُفضِّل ابنةُ رجلِ دِين مثل جين أوستن عدم ذكر اسمها على صفحات عناوين رواياتها.

تعد القصة الرومانسية نمطًا أدبيًّا شديد القِدَم، وإذا كنا نعني بالمسمى «رواية» قصة نثرية ذات طول معين غالبًا ما تتضمن قصة حب وحبكة تحرك الشخصيات في مواقع مختلفة، فإن أصول هذا النمط قد تعود إلى القصص الرومانسية في العصر الهلنستي. ومن الأمثلة التقليدية مغامرات أبولونيوس التي رويت في نسخ مختلفة سواء كلاسيكية أو في العصور الوسطى، وهي المصدر الأساسي لمسرحية ويليام شكسبير وجورج ويلكينز «بيريكلز أمير صور» (١٦٠٨، والتي أعاد ويلكينز صياغتها نثرًا). تتناول القصص الرومانسية موضوعات؛ من أهمها الألغاز والغرباء، تحطم السفن والخطأ في الهوية، المصادفات السعيدة وغير السعيدة، المطالب والصراعات، الخطر والإنقاذ، التلميح بزنا المحارم، التنقل بين مؤامرات البلاط والانسحاب إلى الحياة الريفية، فقدان الطفل والعثور عليه مرة أخرى، عودة مَن ظنَّهم الآخرون موتى إلى الحياة. وفي عصر شكسبير كان بإمكانك قراءة عشرات القصص من هذا النوع على هيئة نثر، تتخلله غالبًا فواصل من الشعر، ثم مشاهدتها على المسرح. وقد بُنيت «حكاية الشتاء» (١٦١٠) على قصة «باندوستو» (١٥٨٨) لروبرت جرين، ولكن مع «نهاية هوليودية» تصحيحية من وحي خيال شكسبير.

تحفل القصة الرومانسية التقليدية بالنبلاء والأمراء الذين غالبًا ما يكونون متنكرين، ويمر البطل بمغامرات درامية في ظروف غير عادية، وغالبًا ما يؤدي السِّحْر والظواهر الخارقة للطبيعة دورًا. ولما كانت القصص الرومانسية تتميز بالتهرب من الواقع وعدم الواقعية غير المبرَّرة، فقد تؤدي قراءة الكثير جدًّا منها إلى إعطائك نظرة مشوهة عن حقيقة العالم، وهذا الفكر هو نقطة البدء لمحاكاة ميجل دي ثربانتس الساخرة لهذا النوع «دون كيخوتة» (١٦٠٥، والترجمة الإنجليزية ١٦١٢). وبوصفها نقيضًا للقصة الرومانسية، قد تعتبر «دون كيخوتة» رواية نموذجية. فبينما يتبع بطل القصة الرومانسية خطوات أوديسيوس بطل هوميروس؛ حيث يسافر إلى جزر غامضة في البحر المتوسط ويقابل ساحرات ينتمين للعالم الآخر، يتبع بطل الرواية خطوات دون كيخوتة وتابعه المخلص سانشو بانزا؛ حيث يسافر في طرق عادية ويقابل زوجات أصحاب الخانات الواقعيات. وأصبحت رواية الطريق شكلًا مميزًا في الأدب البريطاني في القرن الثامن عشر، وذلك تأثرًا بنمط «التشرد» التقليدي («المتشرد» هو بطل خبيث محتال أو ينتمي للطبقة الدنيا). وكان من رواد هذا النمط الاسكتلندي توبياس سموليت الذي نشر ترجمات لكل مِن دون كيخوتة ورواية «جيل بلاس» الفرنسية التقليدية التي تصور حياة المتشردين، بينما كان الإنجليزي هنري فيلدينج هو أستاذ هذا النوع بأبطاله السذج جوزيف أندروز وتوم جونز ورفاقهما بارسون آدامز وبارتريدج.

تجسدت فكرة تشويه الشخصية بقراءة الكثير جدًّا من القصص الرومانسية في أذهان العامة وتمت محاكاتها بطريقة ساخرة في رواية شارلوت لينوكس «أنثى كيخوتة» (١٧٥٢)، وهو الكتاب الذي «أعطى طعنة الموت» ﻟ «انحدار الذوق» في نوع القصص الرومانسية الذي أصبح «الآن لا وجود له على الإطلاق»، وذلك طبقًا للكاتبة آنا سيوارد في مقال كتبتْه عام ١٧٨٧. وغالبًا ما يُجازَى النقاد الذين يُعلِنون عن وفاة نوع أدبي برؤيته وهو يشهَد انتعاشةً كبرى خلال بضعة أعوام، ولم تكن آن سيوارد استثناءً في ذلك؛ حيث شهدتِ التسعينياتُ من القرن الثامن عشر انطلاقةً في القصص الرومانسية، وكانت مَلِكة هذا النوع آن رادكليف مؤلفة «قصة حب في صقلية» (١٧٩٠) و«غرام في الغابة» (١٧٩١) و«ألغاز أودولفو: قصة غرامية» (١٧٩٤)، و«الإيطالي أو كرسي اعتراف الزنوج التائبين» (١٧٩٦). وأصبحتْ تلك الكتب تُعرَف لاحقًا باسم «الروايات القوطية»، وذلك تلميحًا إلى قصة هوراس والبول الرائدة «قلعة أوترانتو: قصة قوطية» (١٧٦٤)، والتي تدور أحداثها المرعبة في خلفية من العمارة القوطية التي تنتمي للعصور الوسطى (وهو أسلوب أعاد والبول إحياءه في تصميم منزله الذي يحمل اسم ستروبري هيل).

قلعة مظلمة في مشهد جبلي مُقْفر (موصوف ببراعة)، وبطلة شابة بريئة جميلة شُجاعة منعزلة عن عائلتها ورفاقها، وشرير يوحي بالتوجس والخطر ذو سِرٍّ مشئوم في ماضيه، وأحداث مخيفة تبدو خارقة للطبيعة، تلك هي المواد الخام لقصص رادكليف الرومانسية، «ولكن» سلوك الفتاة الشابة منزَّه دائمًا عن الخطأ، ولن تظن أبدًا أنها سوف تُغتصَب كما حدث لكلاريسا في رواية صامويل ريتشاردسون الأقل غرابة بكثير ولكنها رواية حقيقية مأساوية أكثر ترويعًا بكثير كتبها منذ جيل كامل. ويتضح أن كل الأحداث الخارقة للطبيعة في أعمال رادكليف لها تفسير عقلاني. وهكذا فقد جعلتْ رادكليف هذا الشكل الأدبي محترمًا، وذلك على النقيض من إم جي لويس الذي تصور روايته «الراهب: قصة رومانسية» (١٧٩٦) راهبًا مصابًا بالهوس الجنسي يرتكب جريمة الاغتصاب، بالإضافة إلى موضوعات زنا المحارم والتأثير الشيطاني واليهودي الضال وقلعة من الراهبات الساديات والجماهير الثائرة ومحاكم التفتيش الإسبانية. واعتبر ماركيز دي ساد الذي كان خبيرًا بهذا النوع من الأدب رواية «الراهب» أفضل كتاب من نوعه، لا بسبب ما فيها من الجنس الفاضح والعنف فحسب، بل أيضًا نظرًا لإدراكها الضمني أن الترويع الدموي للثورة الفرنسية قد جعل الواقع اليومي مروعًا لدرجة أنه لم يعد ثمة موضوعات تصلح أن تكون ذات تأثير أكثر رعبًا في عالم الأدب سوى الموضوعات الشيطانية والخارقة للطبيعة.

fig8
شكل ٨-٢: محاكاة لقارئاتٍ من قِبَل الفن القوطي؛ تظهر على الطاولة نسخة من رواية «الراهب» وأداة لكيِّ الشعر وُضِعتا بعناية لإثارة الفزع في النفوس (رسم كاريكاتوري بريشة جيمس جيلراي).
تعد رواية «دير نورثانجر» محاكاة ساخرة للقصة الرومانسية القوطية، فلا توجد امرأة مجنونة في العُلِّيَّة ولا تضم الخزانة القديمة مخطوطة مخبأة بل كومة من الملابس المتسخة المجعدة. ويعيد هنري تيلني كاترين مورلاند الصغيرة لصوابها، وتدرك أنه:

رغم أن كل أعمال السيدة رادكليف رائعة، ورغم أن كل أعمال مقلديها رائعة أيضًا، فلم تكن هي المكان الذي يبحث فيه المرء عن الطبيعة الإنسانية، على الأقل في المقاطعات الداخلية بإنجلترا. قد تعطي وصفًا دقيقًا لجبال الألب والبيرنيه، بما فيها من غابات الصنوبر والنقائص، وقد تزخر كلٌّ من إيطاليا وسويسرا وجنوب فرنسا بألوان الرعب كما صورت. لم تجرؤ كاثرين على الشك خارج نطاق بلادها، وحتى إن فعلت ذلك تحت ضغط فإن الشك كان سيقتصر على الأطراف الشمالية والغربية، ولكن في وسط إنجلترا كان ثمة بعض الأمان لحياة الزوجة حتى وإن لم تكن محبوبة، وذلك طبقًا لقوانين البلاد وعادات العصر، فلم يكن يوجد في جرائم القتل مجال للتسامح ولم يكن الخدم عبيدًا، ولم يكن يمكن الحصول على سم أو جرعات دواء منومة مثل عشب الراوند من أي صيدلي.

ولكن سرعان ما تحررت كاثرين من أوهام خيالاتها القوطية، وفي تطور غير متوقع يميز سخرية جين أوستن متعددة المستويات تلقى كاثرين مصير البطلة القوطية؛ حيث يطردها بطريرك متسلط خارج المنزل في منتصف الليل دون أن تكون لديها وسيلة للعودة إلى المنزل. ولكن الجنرال تيلني ليس مدفوعًا بدافع الشرير القوطي الذي أبرم عقدًا مع الشيطان، بل إنه اكتشف فحسب أن كاثرين لا تملك مالًا بالقدر الذي افترضه، وهكذا فإنها لن تجلب له الصداق الذي يطلبه من زوجة ابنه المستقبلية. وتفوق واقعية أوستن عن الطبيعة البشرية عالم الرومانسية، ففي رواية «العقل والعاطفة» تقوم بحيلة مشابهة فيما يتعلق بشكل آخر من أشكال الأدب القصصي السائدة في ذلك العصر، وهي رواية شديدة العاطفية يغلب عليها الطابع الذي تميز به روسو؛ حيث تتزوج ماريان داشوود التي تجسد جانب العاطفة من الكولونيل براندون الذي يرتدي صدرية من الصوف زواجًا قائمًا على العقل، بينما تتزوج إلينور داشوود التي تجسد جانب العقل من رجل دين عادي بدافع الحب، وذلك في مقابل فكرة الارتباط بصاحب منزل ضخم من أجل المال.

كانت شارلوت برونتي تكره عالم أوستن نظرًا لاهتمامه المغاير للرومانسية بقيمة الصداق في الزواج والدخل السنوي والسلوك المهذب والتجول في حدائق مشذَّبة في مقابل الانطلاق في المستنقعات. ويعد السيد روشستر نسخة صارمة من البطل الجذاب وفي الوقت ذاته الرومانسي الخطر (مثل ويلوبي وويكام) الذي يتعيَّن على بطلات أوستن أن يتعلَّمْنَ كيف يرفضْنَه، رغم أنه في نهاية الأمر يهذبه الحريق ويخرج من الهيكل المحترق لقلعته القوطية إلى مكان هادئ بسيط يمكن لجين إير فيه أن تصبح ملاكه الذي يرعاه. وعلى النقيض من ذلك، لا تعقد رواية إميلي برونتي «مرتفعات ويذرينج» (١٨٤٧) هذا التوفيق، إذ يُنظر إلى آل لينتون الأرستقراطيين ومنزلهم الأنيق ثراشكروس جرانج باحتقار. وتستغل الرواية كل العاطفة والطاقة التي بها في نسخة مكثفة نفسيًّا من الشخصيات القوطية (هيثكليف المكتئب بأصوله الغامضة وكاثي التي يحكمها قلبها لا عقلها) والأماكن (المنزل الذي يطل على المستنقعات والمنظر الطبيعي نفسه والظلام والقبر) والأدوات (الخلفية الزمانية لجيل كامل قبل زمن الكتابة والسرد داخل السرد والأشباح والوفاة أثناء الولادة).

وبالإضافة إلى مهاجمة القصة الرومانسية فإن «دير نورثانجر» تتضمن دفاعًا عن الرواية:

«لست قارئًا للرواية، ونادرًا ما أتصفح الروايات، لا تظن أنني أقرأ الروايات غالبًا، إنها حقًّا أفضل من أن تكون مجرد رواية.» تلك هي اللهجة السائدة. «ماذا تقرئين يا آنسة؟» وترد الشابة وهي تضع كتابها بلا مبالاة مصطنعة أو بخجل لحظي قائلة: «حسنًا، إنها مجرد رواية! إنها مجرد سيسيليا أو كاميلا أو بيليندا.» أو باختصار فهي مجرد عمل تتضح فيه أعظم قوى العقل وتنقل من خلاله للعالَم أعمق معرفة بالطبيعة البشرية وأنسب وصف لأنماطها المختلفة وأقوى تدفق لروح السخرية والدعابة بأفضل لغة منتقاة.

والأعمال المستشهد بها هنا هي لفرانسيس (فاني) بيرني وماريا إدجوورث اللتين تأثرت بهما أوستن تأثرًا عميقًا؛ حيث يظهر اسمها في قائمة المشتركين المطبوعة على غلاف رواية «كاميلا» (١٧٩٦) لبيرني. بيرني هي رائدة الروايات التي تصف «دخول فتاة إلى العالَم لأول مرة»، وهو العنوان الفرعي لروايتها «إيفيلينا» (١٧٧٨)، وقد علَّمت أوستن فن الكتابة من وجهة نظر بطلتها مع الاحتفاظ بصوت المؤلف على مسافة منها، وأتقنت أوستن ذلك في استخدامها المبتكر تمامًا لتقنية أصبحت تعرف باسم «الخطاب الحر غير المباشر» والتي ينقل السرد من خلالها أفكار البطلة ومشاعرها بنفس الطريقة المباشرة التي نجدها غالبًا في السرد بصيغة المتكلم، ولكنها أيضًا تصدر أحكامًا ساخرة عليها بموجب صوت الغائب («أُلقي في رُوعها بسرعة السهم أن السيد نايتلي لن يتزوج سواها!» «إيما»).

كانت بيرني أول كاتبة روائية إنجليزية تكتب دفاعًا واعيًا عن الشكل الأدبي ذاته؛ حيث بدأت مقدمتها لرواية «إيفيلينا» قائلة «في عالم الأدب»:

لا يوجد مَن هو أقل شأنًا أو أكثر ازدراءً من زملائه من أرباب القلم من الروائي المسكين، ولا يقل مصيره صعوبةً في الحياة بصفة عامة، فبين فئة الكُتَّاب قد لا يمكننا تحديد مَن يملك أكثر عددٍ من المعجبين وأقل احترام سواه.

الرواج في السوق الذي يساوَى بقِلَّة الاحترام من المؤسسة الأدبية؛ إنها حكاية مستمرة. وتُحدِث بيرني انفصالًا حاسمًا عن التقاليد عن طريق تجاوُز الجمهور المحتمَل من الصفوة وأقطاب المجتمع إلى «العامة، كما سيطلق كُتَّاب الرواية على قُرَّائها.» وهي أيضًا تفصل الرواية عن «مناطق الرومانسية الخيالية حيث يتلون الخيال بالألوان الزاهية للخيال الخصب ويصبح العقل منبوذًا ويرفض سمو الشيء الرائع جميع أنواع المساعدة المحتمَلة.» وهي تُعرِّف المهارة الفنية للروائي بأنها رسم شخصيات من الطبيعة وإن لم تكن من الحياة، وتحديد أسلوب العصر وعاداته؛ أي إنها الواقعية ولكن دون نقل حياة الأشخاص الحقيقيين إلى الخيال بالأسلوب الذي أصبح يطلق عليه «الرواية المستوحاة من قصة واقعية»، وهي تقنية استخدمتْها ديلاريفييه مانلي بتأثير مثير للخلاف في رواياتها في وقت سابق من هذا القرن.

ومن قَبِيل المفارقة أنه على الرغم من الزعم بأن الشخصيات في رواية «إيفيلينا» مستمدة من الطبيعة لا من الحياة، فإن بيرني تؤكد رواية أنها «المحرِّرة» الوحيدة لمجموعة الخطابات التي تتكون منها القصة، وهي حيلة مفضَّلة في أدب الرسائل استخدمها على النحو الأكثر تعقيدًا رائد هذا النوع الأدبي صامويل ريتشاردسون، والذي كانت رواياته «باميلا» (١٧٤٠، عن خادمة ترفض الاستسلام لمحاولات سيدها التحرش بها وتُكافَأ في نهاية الأمر بالزواج منه) و«كلاريسا» (١٧٤٨، عن شابة فاضلة يختطفها وَغْد ذو شخصية جذابة ويغتصبها) و«السير تشارلز جرانديسون» (١٧٥٣-١٧٥٤، وهي قصة رجل فاضل) أكثر الروايات الإنجليزية تأثيرًا في عصره. ويقصد بحيلة «التحرير» أن تضفي على الخيال لمسة من الرجحان والاحتمالية، ففي حالة ريتشاردسون تُلغِي هذه الحيلة الفارق بين رواياته وبين مجموعات الخطابات المقصود بها العبرة التي توصي بالسلوك الحسن التي كان قد نشرها من قبل. وعلى نحو مشابه، فقد زوَّد دانييل ديفو روايته «روبنسون كروزو» (١٧١٩) بالخرائط كي يجعلها تبدو كما لو كانت قصة بِحَار حقيقية، كما ابتكر روايته «مول فلاندرز» (١٧٢٢) محاكيًا اعترافات المجرمين الحقيقيين التي كانت تَلقَى رواجًا في أكشاك بيع الكتب في مطلع القرن الثامن عشر. ولحَدٍّ ما كانت تلك كلها حِيَلًا للتأكيد على أن «هذا الكتاب حقيقي وليس قصة رومانسية خيالية.»

كان لدى هنري فيلدينج طريقة أخرى للتهرب من الاسمين سيئَيِ السمعة «رواية» و«قصة رومانسية»: فقد أطلق على «جوزيف أندروز» (١٧٤٢) «ملحمة كوميدية نثرية»، وزوَّد «توم جونز» (١٧٤٩) بنسخ كوميدية من أدوات الملحمة الكلاسيكية، كمحاولات استحضار عروس الشعر ومعركة ضخمة وما إلى ذلك. وهكذا فقَبْل بيرني كان ثمة إحجام عن التصريح بأن «هذا الكتاب رواية، وهي نوع جديد من الأدب القصصي يمكنه تصوير الشخصيات الإنسانية والمجتمع بمزيد من الصدق تجاه تجربة جمهور القراء أكثر من أي وقت مضى.»

وضع إنجلترا

في يونيو عام ١٨٢٩ نشرت مجلة «إدنبره ريفيو» مقالًا بعنوان «علامات العصور» بقلم الاسكتلندي توماس كارلايل والذي حاول أن يُبرهِن بشراسة غير مسبوقة أن العصر الميكانيكي — أي الثورة الصناعية — يدمر فردية الإنسان، وأن إنجلترا تمر بأزمة أخلاقية:

تنازل المَلِك فعليًّا عن العرش، وأصبحتِ الكنيسة أرملة بلا إرْث، وذهبت المبادئ العامة إلى غير رجعة، والأمانة الشخصية في طريقها إلى الزوال؛ أي إن المجتمع باختصار ينهار، وثمة عصر قادم من الشر المحض.

عودةً إلى تلك الأزمة في كتيباته اللاحقة «الميثاقية» (١٨٤٠) و«الماضي والحاضر» (١٨٤٣)؛ فإن كارلايل يطلق عليها «مسألة الوضع في إنجلترا». وبالمثل، فقد كان إضفاء الطابع الميكانيكي على الروح الإنسانية والتكلفة الأخلاقية الكبيرة للتغير الصناعي من الموضوعات التي تناولها عدد من أقوى الروايات في العقود التالية مثل «ماري بارتون» (١٨٤٨) و«الشمال والجنوب» (١٨٥٤) لإليزابيث جاسكيل، و«ألتون لوك» (١٨٥٤) لتشارلز كينزلي و«أوقات عصيبة» لديكنز و«فيليكس هولت المتطرف» (١٨٦٦) لجورج إليوت.

ولكن رواية القرن التاسع عشر بصورة أعم تصف وضع إنجلترا، فالمنزل الكبير الذي ينفق من أرباح مزرعة قصب السكر في جزر الهند الغربية في رواية «مانسفيلد بارك» (١٨١٤) لجين أوستن هو إنجلترا، والعالَم الذي تُوصَم فيه تس سليلة دربرفيل — في رواية تحمل نفس الاسم لتوماس هاردي (١٨٩١) — بأنها امرأة ساقطة ويُطرَد فيه جود المغمور — في رواية تحمل نفس الاسم للمؤلف نفسه (١٨٩٥) — من الجامعة هو إنجلترا، وبيت القس الذي يفقد فيه روبرت إلزمير — في رواية تحمل نفس الاسم للسيدة هامفري وارد (١٨٨٨) — إيمانه في واحد من أفضل الكتب مبيعًا في عصره هو إنجلترا. وتعد كلٌّ من سلسلة روايات «بارستشير» لترولوب و«فاينتي فير» (١٨٤٨) لثاكري بحثًا في وضع إنجلترا، بالإضافة إلى رواية «آلة الزمن» (١٨٩٥) لإتش جي ويلز التي تسلط الضوء على مستقبل البشرية المظلم لاتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء وذلك من خلال ما عرضتْه من التقسيم الطبقي بين «المورلوك» البدائيين و«الإلوي» المرفَّهين المتخاذلين.

«والمنزل الكئيب» في الرواية التي تحمل نفس الاسم (١٨٥٣) هو إنجلترا؛ فهو منقسم كما هو الحال في إنجلترا منذ عدة قرون بين الريف والمدينة، وفي كيزني وولد تختنق الليدي ديدلوك — وهي نسخة متطرفة من الليدي برترام في رواية «مانسفيلد بارك» — في حياة الملل الأشبه بالموت وهي تخفي سرًّا غامضًا في قلبها بينما المطر يهطل على نوافذ المنزل الكبير. وحاول جون راسكين في محاضرة بعنوان «سحابة القرن التاسع عشر السوداء» (١٨٨٤) أن يبرهن على أن البصمة الكربونية التي خلَّفها التمدن والصناعة قد أدتْ إلى اختناق الروح المعنوية لأفراد الأمة. وتتوقع افتتاحية «المنزل الكئيب» نفس الفكرة بأسلوب ديكنز المميز، فالضباب في كل مكان في لندن سواء كان حرفيًّا أم مجازيًّا:
لندن. انتهى عيد القديس ميخائيل منذ وقت قريب، ورئيس مجلس اللوردات يجلس في قاعة هيئة لنكولن. جو نوفمبر العنيد، وكثير من الوحل يغطي الشوارع كما لو كانت المياه قد اختفتْ مؤخرًا عن وجه الأرض، ولن يكون من الرائع مقابلة ديناصور ضخم من الديناصورات آكلة اللحوم يبلغ طوله حوالي أربعين قدمًا يتهادى كسحلية ضخمة صاعدًا تل هولبورن. يتصاعد الدخان من أسطوانات المداخن، مكوِّنًا رذاذًا أسود ناعمًا، مع طبقات رقيقة من السخام في حجم ندفات الثلج المكتملة، تحوَّلت إلى نحيب — كما يمكن أن يتوقع المرء — على موت الشمس …

ضبابٌ في كل مكان. ضبابٌ فوق النهر؛ حيث يتدفق بين المروج والجزر الصغيرة الخضراء؛ ضبابٌ أسفل النهر، حيث يتدفق في خُيَلاء بين أرصفة الشحن وصور التلوث على ضفته في مدينة عظيمة (لكنها ملوثة بالقاذورات) …

وقت الظهيرة شديد الوطيس في أقصى درجاته، والضباب الكثيف في أحلك لحظاته، والشوارع المُوحلة في أبشع حالاتها بالقرب من «تيمبل بار»، ذلك السد القديم المغطَّى بالرصاص، الذي يصلح أن يزدان به مدخل شركة قديمة معبأة بالرصاص. وبجوار «تيمبل بار» مباشرةً، في قاعة هيئة لنكولن، في قلب هذا الضباب، يجلس رئيس مجلس اللوردات في قاعة محكمته العليا.

ولكن من قلب الظلام يستحضر ديكنز الحياة ويضع سلسلة من أكثر الشخصيات الانتقائية والغريبة التي شهدها الأدب على الإطلاق، مثل كروك الذي يشتعل ذاتيًّا، وجابي المتحمس كالجَرْوِ، والسيدة جيليبي «فاعلة الخير ثاقبة النظر» التي يتسبب مشروعها لتعليم أهالي بوريوبولا-جا في إهمالها لأسرتها، وجو عامل النظافة الجوال المتشرد الذي ينتمي إلى أدنى طبقات الوسط الاجتماعي ولكنه يُخفي سر هوية نيمو — الرجل الذي لا يحمل اسمًا — الحقيقية، وهو سر سوف يفتح قلب الليدي ديدلوك المغلق ويُفيقها من سُباتها ويأخذها نحو الحب والموت في مقبرة كئيبة وباردة بلندن، وتالكينجهورن المحامي المنحرف، والمفتش باكيت وهو نمط المحقِّق الذي سيصير مألوفًا بشدة في الأدب الإنجليزي لاحقًا، بالإضافة إلى عشرات الشخصيات الأخرى. وكما قال الروائي جورج جيسينج، فإن كل شيء تقع عليه عينا ديكنز كان «يُسجَّل في عقله».

في صيف ١٨٤٥ حقق ديكنز نجاحًا على خشبة المسرح في دور كابتن بوباديل المتباهي في إنتاج للهواة لمسرحية بن جونسون «كل رجل وطبعه»؛ حيث وزَّع الأدوار على الممثلين وأنتج العمل وأخرجه بنفسه. كان ديكنز يحب المسرح أكثر من أي شيء، ويمكننا أن نخمِّن ذلك من تصويره العاطفي لمجتمع المسرح في روايته «نيكولاس نيكلبي» (١٨٣٩)، وقد ورث الأنماط الكوميدية التي اخترعها والتي غالبًا ما تحمل أسماءً تكشف عن شخصياتها من الكوميديا الهزلية لجونسون. يقع المسرح في صميم الرواية الإنجليزية؛ فقد أصبح فيلدينج روائيًّا لأن مسيرته المهنية في المسرح قد توقفتْ بسبب قانون الترخيص لعام ١٧٣٧، وتصرَّف لافليس — إحدى شخصيات ريتشاردسون في روايته — على غرار الأشخاص الفاسقين والماجنين في مسرح عصر الإحياء، وكانت بيرني تفضل أن تصبح كاتبة مسرحية أكثر منها روائية، وكانت جين أوستن تحرص على حضور المسرح وتبني رواياتِها على هيئة مشاهد وتقرأ الحوار بصوت عالٍ على مسامع عائلتها وأصدقائها. ولكن ديكنز كان أكثرهم تأثرًا بالمسرح؛ حيث كان يحوِّل المشاهد المهمة في رواياته إلى مشهد لرجل واحد في الندوات العامة المزدحمة لقراءة نصوص الأعمال الأدبية.

كتب جيسينج عن إحدى أشهر الشخصيات الغريبة لديكنز وهي السيدة جامب في رواية «صديقنا المشترك» (١٨٦٥) قائلًا إن روح الدعابة لا تنفصل عن فعل الخير، فلم تمكِّن روح الدعابة ديكنز من «رؤية تلك المخلوقة الفظَّة شخصًا مسلِّيًا» فحسب، بل إنها أيضًا وعلى نحو أكثر عمقًا قد «أمدَّتْه بذلك التسامح الكبير الذي ينظر في الأمور من الخارج ويقدِّر الظروف ويحافظ على نوع من التواضع والاعتدال في إطلاق الأحكام على البشر.» وقد لا يكون ذلك تعميمًا صحيحًا عن روح الدعابة؛ فالسخط الوحشي لجوناثان سويفت أو لمارتن آميس في «المال» (١٩٨٤) لا يتصف بالضبط بالتسامح الكبير والتواضع في إطلاق الأحكام، ولكنه ينطبق على الكثير من الروايات الكوميدية الإنجليزية العظيمة مثل رواية جورج ويدون جروسميث «مذكرات نكرة» (١٨٩٢) ورواية إيفلين فو «الانحدار والسقوط» (١٩٢٨) ورواية ستيلا جيبونز «المزرعة الباردة المريحة» (١٩٣٢) ورواية بي جي وودهاوس «شفرة ووسترز» (١٩٣٨) ورواية نانسي ميتفورد «ملاحقة الحب» (١٩٤٥). وينطبق الأمر نفسه أيضًا إلى حد بعيد على ديكنز.

fig9
شكل ٨-٣: الرواية كدراما: ديكنز في ندوة عامة لقراءة نص أحد أعماله الأدبية.

روايات ديكنز هي احتجاجاتٌ ضد عمالة الأطفال والظلم الاجتماعي والفقر والضغينة والبذاءة والنفاق الإنجليزي، ولكنها ذات طابع رقيق في جوهرها وغالبًا ما تنتهي بتوزيع المكافآت (إرث مفاجئ لمن يستحق). وثمة جانب آخر لفن الرواية يتطلب التحلي بالذكاء البشري من أجل الوصول إلى أعمق فهم للتركيبة البشرية المعقدة وعلاقاتهم ومحيطهم الاجتماعي.

تبدو رواية «ميدل مارش: دراسة عن الحياة الريفية» (١٨٧٢) من عنوانها كما لو كانت وصفًا للرواية التي تصور حالة أبناء الطبقة الوسطى في إنجلترا، ولكن يتضح أنها أكثر من ذلك بكثير؛ حيث تمثل قصة دوروثيا بروك التراجيديا الكلاسيكية مقربةً إلى مستوى أذهان العامة. وكما توضح جورج إليوت في مقدمة الرواية، فإن دوروثيا هي القديسة تريز العصرية؛ حيث تحيا «حياة مليئة بالأخطاء، وهي نتاج نوع من العظمة الروحية المتنافرة مع حقارة الانتهازية»: «ولا يساندها أي معتقد ونظام اجتماعي متماسك يمكنه أداء الدور المعرفي للروح المتعطشة لها بشغف، وهكذا فهي تتقلب بين هدف مثالي غامض وبين رغبات الأنوثة العادية، بحيث يصبح الأول مرفوضًا بوصفه نوعًا من المغالاة، والأخرى مستنكرة بوصفها هفوة.» وعندما يصبح الوضع في إنجلترا هو «غياب المعتقد والنظام الاجتماعي المتماسك»، فعلى الروائي أن يتدخل ويخلق نظامًا أو عالمًا قابلًا للسيطرة. ويمكن للرواية أن تقدم «نوعًا من العظمة الروحية» لا يهدده افتراض أننا ربما نكون قد انحدرنا من سلالة القرود ولم تصنعنا يد الله. ويقدم لنا الرجل الذي تزوجتْه جورج إليوت في أواخر حياتها فهمًا للعمل الذي تطلبه مثل هذا الخلق:

لقد أخبرتْني أنه في كل ما اعتبرتْه أفضل أعمالها كان ثمة «نفْس غيرها» تستولي عليها، وأنها شعرتْ بأن شخصيتها مجرد الأداة التي تعمل من خلالها تلك الروح إذا جاز التعبير. وقد تناولتْ ذلك بإسهاب فيما يتعلق بالمشهد بين دوروثيا وروزاموند في رواية «ميدل مارش» قائلة إنها على الرغم من أنها كانتْ تعلم طوال الوقت أنهما سوف يجتمعان عاجلًا أو آجلًا، فقد طرحت الفكرة من ذهنها بإصرار حتى أصبحتْ دوروثيا في قاعة استقبال روزاموند، ثم تركتْ نفسها تستسلم لوحي اللحظة وكتبت المشهد بأكمله كما هو بلا تعديل أو حذف وهي في حالة شديدة من الإثارة والانفعال وهي تشعر كما لو كانت مشاعر المرأتين تستولي عليها تمامًا … وبهذا الشعور من «الاستحواذ» يسهل علينا تخيل الثمن الذي دفعتْه المؤلِّفة من تأليف الكتب التي كانت لكلٍّ منها مأساته الخاصة.

جيه دبليو كروس، «حياة جورج إليوت كما رُويت في خطاباتها ويومياتها»، ١٨٨٤

وهذا هو ما يمكن لأعظم الأعمال الأدبية أن تفعله: قوة «غيرية» بشكل ما «تستحوذ» على الكاتبة وتمكِّنها من خلق عالَم ثانٍ لديه القدرة على «الاستحواذ» علينا كقراء ونقلنا خارج عالمنا الخاص بطريقة تجعلنا عندما نعود إلى المنزل نشعر بأننا قد أصبحنا أكثر إنسانية وأكثر ذكاء عاطفيًّا. واسترشادًا بأسلوب جورج إليوت النابض بالحياة، فإن الرواية تصير مكانًا يجد فيه الشخص الذي يكرِّس وقته لقراءة الرواية نوعًا جديدًا من التلاحم والترابط وإن كان مؤقتًا.

تيار الوعي

كتبت فرجينيا وولف في مقالها الذي يحمل عنوان «السيد بينيت والسيدة براون» (١٩٢٤) قائلة «في شهر ديسمبر عام ١٩١٠ أو نحو ذلك تغيرت الطبيعة الإنسانية، فقد تحولت جميع العلاقات البشرية، وعندما تتغير العلاقات البشرية فإنه يصحب ذلك في الوقت ذاته تغير في الدين والسلوك والسياسة والأدب.» كانت روايات أرنولد بينيت الواقعية المميِّزة لعصر الملك إدوارد السابع عن الحياة الريفية تضم الكثير جدًّا من الحشو، ويلعب الأثاث دوره في تشكيل ملامح الحياة الداخلية، وهكذا تؤكِّد وولف أنه كي تخلق «شخصية السيدة براون من لحم ودم» عليك تجاهُل التفاصيل الخارجية وتقبُّل التعقيد التام وعدم الترابط الذي عليه الحياة الداخلية والذي كان سيجموند فرويد يعلِّمه للعصر الحديث.

إن شخصية السيدة براون الخيالية التي حاكتْها وولف تُعَدُّ إلى حَدٍّ ما ردًّا على شخصيتَيِ السيد والسيدة بلوم في رواية «عوليس» لجيمس جويس، على الرغم من أن وولف كانت تُخفي بعض التحفظات الخاصة بأبناء الطبقة المتوسطة العليا على لغة الرجل الأيرلندي البذيئة وإصراره على الحديث عن الوظائف الجسدية، فثمة الكثير نوعًا ما من الحديث عن الطبيعة البشرية في روايات جويس بالنسبة لذوق وولف الأرستقراطي. ولكن في مقال عن «الأدب القصصي الحديث» كتبتْه وولف بعد نشر «أهالي دبلن» وقبل نشر «عوليس»، أشادتْ بقدرته على الاستغراق في اللحظة: «دعونا نسجل لحظات توارُد أدق التفاصيل على العقل بالترتيب الذي تتوارد به، ودعونا نتتبع النمط الذي يثيره في الوعي كل مشهد أو كل حادثة مهما كان مفككًا وغير مترابط.» ويفسر اقتناع وولف بأن مهمة الكاتب الحديث هي التقاط تفاصيل «لحظة الوجود» فيما يخص تصورها البارع لتحديد بداية الحداثة في لحظة معينة، وهي قرابة وفاة الملك العجوز المتجهم إدوارد السابع.

وفي روايات هنري جيمس التي تنتمي لعصر الملك إدوارد، احترف جيمس — وهو أمريكي يعيش في ساسكس — أسلوب جين أوستن المتمثل في تقمص الشخصية والوقوف خارجها في الوقت ذاته، وذلك بأسلوب تقديم أفكار المتكلم بصيغة الغائب من أجل تحقيق وحدة كانت مستحيلة فيما مضى بين الاندماج المتعاطف وبين الانفصال الساخر. وقد قادت جملة مفتاحية في مقال جيمس الذي يحمل عنوان «فن الأدب القصصي» (١٨٨٤) الحياة الداخلية نحو صورتها الحديثة:

إن التجربة دائمًا غير محدودة ولا تكتمل أبدًا، وهي إحساس هائل ونوع من خيوط العنكبوت الضخمة المنسوجة من أنعم خيوط الحرير، معلقة في غرفة الوعي، تلتقط كل ذرة يحملها الهواء في نسيجها.

وهذا استباق واضح لتصريح فرجينيا وولف عن رواية تيار الوعي والتي تعد «عوليس» أروع مثال عليها.

في عام ١٩٨٣ قرأ الفيلسوف دانييل دينيت بحثًا في ندوة عن الوعي أكَّد فيها أن النفس البشرية ما هي إلا «مركز الجاذبية السردية» في المخ، وبمعنًى متعمق فكلٌّ منا روائي؛ حيث كتب دينيت مُبَلْورًا الفكرة بمزيد من التوضيح في كتابه «تفسير الوعي» (١٩٩١) قائلًا: «فحكاياتنا منسوجة، ولكننا في معظم الأحيان لا ننسجها بل هي التي تنسجنا.» وأضاف قائلًا: «ويُعَدُّ وعيُنا الإنساني وفرديتنا السردية نتاجًا، وليس مصدرًا، لها.» وأطلق على ذلك نظرية الوعي «متعدد المُسَوَّدات»، وهي فكرة تبدو شديدة الأدبية.

وأكَّد باحث آخر في الوعي وهو عالِم الفسيولوجيا العصبية أنتونيو داماسيو في كتابَيْه خطأ ديكارت (١٩٩٤) والشعور بما يحدث (٢٠٠١) أن الانقسام بين كل من العقل والعاطفة والإدراك والمشاعر، وهو تعارض يرجع إلى أيام أرسطو، يُعَدُّ من وجهة نظر عِلْم الأعصاب مغالطة. وأوضح داماسيو وزملاؤه أن المشاعر جزء لا يتجزأ من عمليات التفكير واتخاذ القرار في كل الأحوال، وأن تصور رينيه ديكارت في عصر التنوير عن وجود عقل بلا جسد يأتي على نفس القدْر من المغالطة؛ فلا وعي للعقل إلا عن طريق الجسد، والجسد هو المسرح الذي تتجسد عليه مشاعرنا كما يتضح بالقدْر الأكبر في الاحمرار خجلًا أو حتى الانتصاب (وهما ظاهرتان افتُتن بهما جون كيتس وجيمس جويس). وبالإضافة إلى ذلك فإن النشاط المعرفي يتكون عن طريق مخططات تصويرية تتكون بدورها عن طريق الخبرة الجسدية، فالعقل لا يشبه الحاسب الآلي؛ لأن الحاسب الآلي لا يملك جسدًا، وتلك الأمور يمكن استنتاجها لا عن طريق البحث التجريبي الذي قام به علماء المخ في مطلع القرن الحادي والعشرين فحسب، بل أيضًا من أعمال روائيِّي مطلع القرن العشرين.

«تتغير النفس في تيار الوعي باستمرار وهي تتقدم في الزمن، حتى ونحن نشعر بأن النفس تظل كما هي بينما يستمر وجودنا.» ذلك هو شرح داماسيو لملاحظة ويليام جيمس عن أحد متناقضات الوعي، ويقترح داماسيو حلًّا لهذا التناقض عن طريق التمييز بين «النفس الداخلية» و«النفس الذاتية» التي تأتي في مستوًى أعلى، ويمكن وضع أساس عصبي تشريحي لها بناءً على الحالات التي يؤدِّي فيها تَلَف المخ إلى مسح المعرفة «الذاتية» ولكنه يترك الوظائف الداخلية سليمة. وويليام جيمس هو أول مَن صاغ عبارة «تيار الوعي»؛ فقد استَبَقَ في بعض النواحي تفسيرَ داماسيو لاستقلال المخ والجسد والعاطفة، تمامًا كما أضفى شقيقُه هنري جيمس دقة غير مسبوقة على السؤال عن الكيفية التي يمكن بها للروائي تمثيل الوعي.

تثير صورة التيار وهو يتحرك عبر الزمن تساؤلًا مهمًّا للروائي الواعي لذاته: كيف تمثل الزمن في العمل الروائي؟ اقترح جويس إجابة عن طريق وضع أحداث الملحمة الساخرة «عوليس» كلها في يوم واحد:

عن طريق استخدام الأسطورة واستغلال التوازي المستمر بين المعاصرة والقِدَم، يتبع السيد جويس طريقة يجب على الآخرين تقليده فيها … وهي ببساطة طريقة للتحكم والتنظيم وإضفاء شكل وأهمية على مشهد العبث والفوضى الطاغي الذي يمثله التاريخ المعاصر.

تي إس إليوت، «عوليس والتنظيم والخرافة»، ١٩٢٣

جرَّبتْ فرجينيا وولف طريقة أخرى في «أورلاندو: سيرة حياة» (١٩٢٨)، وهي قصة خيالية عن صديقها وحبيبها فيتا ساكفيل ويست، وتُعَدُّ في آنٍ واحد استباقًا ﻟ «الواقعية السحرية» الخيالية في أواخر القرن العشرين ونسخة هزلية من «مقدمة قصيرة جدًّا للأدب الإنجليزي».

أورلاندو رجل إنجليزي نبيل من العصر الإليزابيثي ذو مسحة ريفية مِن «كنت أو ساسكس» في خليطه الجيني، يتعرف على شكسبير ويمارس هواية كتابة أعمال تراجيدية تمتلئ بحبكات مروِّعة وتجيش بالمشاعر النبيلة. وفي القرن السابع عشر ينغمس في «تأملات السير توماس براون المشوهة على نحو رائع.» وبعد عصر الاستعادة؛ أي في الفترة التي أصبحتْ فيها أفرا بين (طِبْقًا لوولف) أول امرأة تحترف الكتابة، تحول أورلاندو إلى امرأة، وفي القرن الثامن عشر انتقل إلى الطبقة الراقية ولكنه يعتريه الضجر بسبب ذكاء أقرانه الفارغ، وفي القرن التاسع عشر تتغير حالة الجو وتسيطر الرطوبة على كل مكان:

خلسة وعلى نحو غير ملحوظ … تغير تكوين إنجلترا ولم يشعر أحد بذلك، وبدت تأثيرات ذلك التغيير واضحة في كل مكان، فالسيد النبيل الريفي الجسور، الذي كان يجلس سعيدًا يتناول وجبة من اللحم والجعة في غرفة ربما يكون قد صممها الأخوان آدام بطابع كلاسيكي رفيع؛ يشعر الآن بالبرد الشديد، وظهر السجاد وطالت اللحى وضاقتِ السراويل تحت مُشط القدم. وسرعان ما انتقلت البرودة التي شعر بها الرجل النبيل الريفي في ساقيه إلى أرجاء منزله، فغُطِّي الأثاث والحوائط والموائد ولم يُترك شيء مكشوفًا … وكانت القهوة تحل محل خمور ما بعد العشاء، وبينما القهوة تقودنا إلى قاعة استقبال يتم تناولها فيها، وقاعة الاستقبال تقودنا إلى أوانٍ زجاجية، والأواني الزجاجية تقودنا إلى الورود الصناعية، والورود الصناعية تقودنا إلى رفوف الموقد، ورفوف الموقد تقودنا إلى البيانو، والبيانو يقودنا إلى الأغاني الراقصة بقاعة الاستقبال، والأغاني الراقصة تقودنا (مع تخطي منصة أو منصتين) إلى عدد لا يحصى من الكلاب الصغيرة والحُصُر والحلي الخزفية، فقد تغير تمامًا المنزل الذي أصبح على درجة كبيرة من الأهمية.

وخارج المنزل نما اللبلاب بانتشار غير مسبوق، وهو تأثير آخر للرطوبة، واختنقتِ المنازل المصنوعة من الحجر تحت الأشجار … احتبست الرطوبة بالداخل، وشعر الناس بالبرودة في قلوبهم والرطوبة في عقولهم … وغُلِّف الحب والميلاد والموت بمجموعة من العبارات الرقيقة، وازداد ابتعاد الجنسين أحدهما عن الآخر، فلم يكن يُسمح بإجراء محادثة صريحة، وكانت المراوغة والكتمان يُمارَسان باستمرار من كلا الجانبين … وهكذا ظهرت الإمبراطورية البريطانية إلى الوجود، وهكذا — لما كانت الرطوبة لا يمكن إيقافها، فهي تدخل في المحبرة كما تدخل في الخشب — تضخمت العبارات وتضاعفت الصفات وأصبحت القصائد الغنائية ملاحم وتحولت التفاهات الصغيرة التي كانت قد أصبحت مقالات من عمود واحد إلى موسوعات من عشرة مجلدات أو عشرين مجلدًا.

تحيا أورلاندو حتى في العصر الفيكتوري البارد، وينتهي الكتاب بها في الحاضر، في اللحظة الراهنة. وبينما تدق الساعة تدرك الانطباعات التي تكوِّن الوعي:

رأتْ ذبابتين تحومان ولاحظت اللمعة الزرقاء على جسديهما، ورأت عقدة في الخشب الذي وقفت عليه قدماها، ورأت أذنَيْ كلبها ترتعشان. وفي الوقت ذاته سمعتْ غصنًا يصدر حفيفًا في الحديقة وخروفًا يصدر صوتًا في المنتزه وصرخة مفاجئة عبر النافذة … ولاحظتْ حُبيبات الأرض في مشاتل الأزهار كما لو كانت تضع مجهرًا على عينيها … ورغم تأثرها وانفعالها القوي باللحظة الراهنة، فقد كانت خائفة على نحو غريب، كما لو كانت فجوة الزمن كلما تتسع وتدع ثانية أخرى تمر قد يأتي معها خطر مجهول، وكان التوتر أكثر قسوة من أن يُحتمَل دون مشقة. سارتْ بنشاط وسرعة أكبر مما ترغب، كما لو كانت ساقاها قد فارقتاها، عبر الحديقة وخارجًا نحو المنتزه.

لقد أصبحت شخصية في رواية لفرجينيا وولف.

ذكَّرت العلاقة القوية بين الأدب القصصي وبين قصص السفر المستقاة من «الحياة الواقعية» وحياة المجرمين في القرن الثامن عشر وولف بالعلاقة بين الرواية والسيرة أو «ترجمة حياة شخص» كما فضَّلتْ أن تطلِق عليها. ومن «توم جونز» إلى «ديفيد كوبرفيلد»، إلى «أبناء وعُشاق» (١٩١٣) لإتش لورنس، إلى «صورة الفنان شابًّا» (١٩١٦) لجويس، كانت الروايات غالبًا تتتبع نمو البطل حتى مرحلة النضج على طريقة السيرة. وأُطلِق على الكثير من الروايات اسم «حياة» أو «تاريخ» إحدى الشخصيات والتي كانت أحيانًا إسقاطًا لحياة المؤلف نفسه. ويحاكي خلود أورلاندو وتحوله الجنسي بنية من المهد إلى اللحد التي يمكنها إماتة كل من الرواية والسيرة؛ حيث تعدِّل وولف الممارسات الروائية التقليدية كما عدَّل صديقها ليتون ستراتشي طريقة ترجمة حياة الأشخاص في كتابه «كبار الفيكتوريين» (١٩١٨)، وتتخيل بسعادة بطلًا أو بطلة يعيش على مدار أكثر من قرن لأنها تعلم أنه كان ثمة شيء سخيف في محاولة تمثيل الوقت بشكل واقعي في الرواية منذ أن أعطتْ روايتا «باميلا» و«كلاريسا» لريتشاردسون الانطباع بقضاء وقت أطول في الكتابة عن تجاربهما من الوقت الذي تستغرقه التجارب نفسها.

اهتمت الرواية الإنجليزية منذ نشأتها بعدم الموثوقية مثلما اهتمت بمصداقية صوت الراوي. هل باميلا فاضلة بالفعل كما تتظاهر؟ أم إنها تستغل جاذبيتها كي تُغري السيد بي بالزواج وتحقق قفزة اجتماعية وأمانًا ماديًّا لنفسها ولعائلتها؟ كانت تلك قراءة هنري فيلدينج لريتشاردسون في محاكاته «شاميلا» (١٧٤١). والأكثر دهاءً وتملقًا من ذلك، إلى أي مدًى يمكننا الوثوق بالوعي الروائي لبريوني تاليز في رواية إيان ماكيوان «التكفير» (٢٠٠١)؟

تبدأ مقدمة «أورلاندو» بتوجيه الشكر على الطريقة التي نجدها في السِّيَر والتراجم ولكن مع القيام بحيلة:

ساعدني الكثير من الأصدقاء في كتابة هذا الكتاب، بعضهم من المتوفَّيْن والمشهورين اللامعين للغاية حتى إنني لا أجرؤ على ذكر أسمائهم، ولكن لا يمكن لأحد أن يقرأ أو يكتب دون أن يظل مدينًا إلى الأبد لديفو والسير توماس براون وستيرن والسير والتر سكوت واللورد ماكولاي وإميلي برونتي ودي كوينسي ووالتر باتر، وهم أول مَن خطر ببالي.

وفيما يتعلق بالوقت والوعي والرواية يعد أكثر الأسماء الموحية هو ستيرن.

دعنا ننظر في مشكلة السيرة الذاتية، فكل ثانية أقضيها في كتابة سيرتي الذاتية تضيف ثانية أخرى إلى حياتي، فكيف يمكن للسرد أن يلحق بي ويتيح لي تكملة قصتي؟ إن السيرة أو السيرة الذاتية أو الرواية الكاملة تلتقط كل انطباع سجَّل نفسَه على عقل الموضوع وارتبط بانطباعات أخرى كي يخلق قصتهم أو ذواتهم، ولكن ما مِن قاصٍّ يُمكنه أن يلتقط سوى أصغر نسبة من تلك المادة. ومتى يجب أن تبدأ قصة الحياة؟ لحظة الميلاد؟ أم عند الحمل؟ أم إنه يتعيَّن على المرء أن يحاول توضيح خلفية لحظة حدوث الحمل؟ دعنا نَقُلْ إن رجلًا معتادًا على القيام بعملين كل ليلة أحد: ملْء الساعة ومضاجعة زوجته، ودعنا نفترض أنه في إحدى الليالي أدرك في منتصف الفعل الثاني أنه قد نسي القيام بالفعل الأول، وهكذا فإن العمل يعد غير مكتمل، رغم أنه قد اكتمل بما يكفي بحيث يؤدي إلى الحمل بجنين تأثر بلحظة حدوث الحمل حتى إنه سوف يعتاد على عدم إنهاء أي فعل يقوم به على الإطلاق، فضلًا عن كتابة قصة حياته الكاملة.

fig10
شكل ٨-٤: صفحة سوداء وُضِعت كإشارة على وفاة يوريك في «تريسترام شاندي».

تعد رواية لورنس ستيرن «حياة السيد النبيل تريسترام شاندي وآراؤه» (١٧٥٩–١٧٦٧) محاكاة للرواية قبل أن تُولد الرواية بالمفهوم الكامل، وهي حالة من الرواية الإنسانية وفي الوقت ذاته رواية تيار الوعي. هي أيضًا كتاب شديد الوعي الذاتي بالاحتمالات المتاحة للكتاب وأوجه قصوره كأداة للتواصل. كل منا لديه فكرته الخاصة عن الجمال، فإذا أردتَ وصف امرأة جميلة فلمَ لا تترك صفحة خالية وتدع كل قارئ يملؤها بوصف مناسب؟ وعلينا أن نقف حدادًا عند وفاة شخصية محبوبة، لكن لمَ لا ندع الكتابَ نفسَه يرتدي ملابس الحداد للحظة؟

قال د. جونسون «لا شيء غريب يستمر طويلًا، وهكذا لم تستمر رواية تريسترام شاندي.» ولكنه في تلك المرة كان مخطئًا؛ فتميُّز «تريسترام شاندي» قد جعلها مصدرًا متجددًا ونبعًا من التنوع الذي لا يُضاهَى في الرواية الإنجليزية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤