خطة للنوم

كان البحار العجوز في حالة يُرثى لها … واهتم الشياطين به … فقدموا له مشروبًا ساخنًا، ودثروه بالأغطية، ثم قدموا له بعض الطعام الدافئ، فاستردَّ نشاطه …

وكان «أحمد» متلهِّفًا لسماع أقواله فسأله «أحمد»: هل كنت على ظهر السفينة «ميلوس» حقًّا؟

ردَّ البحار: نعم يا سيدي … كنتُ أصطاد في الخليج عندما اقتربت منِّي السفينة، وسألَني أحدهم إذا كنت أريد أن أكسب بعض المال، وبالطبع كنت في أشدِّ الحاجة إليه … فطلبوا منِّي الصعود إلى ظهر السفينة … وجاء أحدهم وطلب منِّي أن أدلهم على خليج هادئ بعيد عن الأنظار يُمكن أن تستقرَّ فيه السفينة فترة من الوقت لا يراها أحد … وكان ذلك مطلبًا سهلًا … فأنا أعرف كما يعرف «براند» عشرات الخلجان في الجزيرة الكبيرة … حيث لم يَذهب إليها إنسان من قبل …

بدأت الصورة تتَّضح في ذهن «أحمد» تدريجيًّا … وقال للصياد: وذهبت بهم إلى الخليج؟

الصياد: نعم … ذهبت بهم إلى خليج هادئ في قلب جزيرة هادئة … وفوجئتُ بأنهم منعوني من مغادرة السفينة بعد ذلك … وحاولت مرارًا أن أُفهمهم أنني لا بد أن أعود إلى أسرتي سريعًا؛ لأن زوجتي مريضة وفي حاجة إلى نقود … ولكنهم هددوني بالقتل … واضطررتُ للصمت … ولكنني ظللت أتحيَّن الفرصة للفرار … وهكذا غافلتهم أمس ليلًا، ثم قفزت إلى الماء وأسرعت بالعوم إلى هنا.

أحمد: هل المسافة بعيدة؟

الصياد: نحو عشرين كيلومترًا.

أحمد: وهل يمكن أن تقودنا إليها؟

تردَّد الصياد لحظات ثم قال: لماذا؟

أحمد: دعك من السؤال … وسوف ندفع لك ما تريد.

الصياد: لا … لن أذهب إلى هناك مرة ثانية.

عندئذٍ تدخل «براند» قائلًا: إذا وصفت لي المكان فإنني أستطيع الذهاب إليه.

الصياد: بالطبع أنت تعرفه … إنه خليج الوطاويط.

براند: إنه مكان ممتاز لإخفاء سفينة … فهو كهفٌ طبيعي يمتد إلى داخل الجزيرة … عميق المياه … ساكن … لا يمكن رؤية ما به من الخارج مهما أمعنت النظر.

أحمد: سنذهب إليه فورًا.

صاح الصياد: أنصحك ألا تفعل … إن السفينة مدججة بالسلاح … وعليها أكثر من عشرين رجلًا … ولكن …

أحمد: ولكن ماذا؟

الصياد: هناك عدد من المساجين في قلب السفينة.

أحمد: كيف عرفت؟

الصياد: لقد سمعتُ رجلًا يتحدث مع آخر عنهم … وقال إنهم سيتركونهم لمصيرهم على الجزيرة المهجورة عندما يأتي وقت إقلاع السفينة.

أحمد: وهل عرفت متى تقلع؟

الصياد: لا.

أحمد: لقد أعطيتنا معلومات هامة، وسنضاعف لك المكافأة سواء أتيت معنا أم لا.

عقد الشياطين الأربعة اجتماعًا … وحسب معلومات الصياد كان الهجوم على الباخرة والاستيلاء عليها عنوة مهمَّة شبه مُستحيلة … فالسفينة مساحتها لا تسمح بحرية الحركة أو المناورة … وهي أيضًا في كهف … إن اصطيادها مسألة سهلة … ولو كانوا يخططون لنسف السفينة لكان الأمر سهلًا … ولكن هناك أكثر من سبب يمنعهم …

  • أولًا: الأسرى الذين بها، وهم في الأغلب القبطان والبحارة، وقد يكون «روكو» بينهم.
  • ثانيًا: شحنة الأسلحة التي تساوي ٤٠ مليونًا من الجنيهات … وهم يريدون إنقاذها …
  • ثالثًا: لفت الأنظار إلى وجودهم، وقد يقعون تحت طائلة القانون، وهو ما يجب على الشياطين تجنبه مهما كانت الأسباب …

وقالت «إلهام»: الخطط البديلة إما أن نَنتظر مجموعة أخرى من الشياطين لنَزيد من عدد المهاجمين … أو نُحاول إطلاق السجناء.

عثمان: فكرة إطلاق السجناء فكرة ممتازة.

أحمد: هل معنا رشاشات النوم؟

«إلهام»: عندنا أربعة بعددنا.

أحمد: إن خطتي هي تَسَلُّق السفينة ليلًا، وإطلاق رشاشات النوم على الحراس حتى لا يحسَّ أحد بوجودنا، والرشاشات ستُحدث أثرها سريعًا، أما نحن فسنغطس تحت المياه تجنبًا للإصابة بالنوم.

زبيدة: إن أسلحتنا خفيفة، فلماذا لا نؤجل العملية إلى الغد لإحضار الأسلحة الكافية؟

أحمد: المشكلة أن السفينة قد تتحرَّك … فإذا خرجت إلى المحيط أصبح من الصعب العثور عليها بعد ذلك.

عثمان: إن خطة «أحمد» معقولة، وسوف نستولي على الأسلحة اللازمة من حرَّاس السفينة … ومن الممكن بمعاونة الأسرى أن نستوليَ على السفينة كلها، ونُبحر بها إلى حيث نريد.

وافق الصياد العجوز على اصطحاب الشياطين بعد مناقشة بينه وبين «براند»، وأخذ القارب يشق طريقه إلى المحيط … بينما أخذ «أحمد» والشياطين يعدُّون كرات النوم وهي في حجم كرة التنس ومصنوعة من مواد كيماوية تذوب في الماء، وتطلق دخانًا كثيفًا يؤدي إلى نوم أي شخص يستنشقه …

لم يكن في إمكانهم الاتصال من هذا اللانش الصغير ببقية الشياطين أو برقم «صفر»، ولم يكن أمامهم إلا المحاولة التي يقومون بها في هذه الليلة الحالكة الظلام …

تأكد الشياطين الأربعة من وجود الخناجر … والمسدسات … ورشاشات النوم، ثم تمدَّدوا في حالة استرخاء داخل اللانش في انتظار وصولهم إلى كهف الوطاويط …

بعد نحو ساعة نزل «براند» إليهم قائلًا: إننا على وشك أن نصل إلى كهف الوطاويط … ويجب أن تصعدوا إلى سطح القارب الآن …

أسرع الشياطين بصعود السلم الداخلي، ووجدوا أنفسهم تحت سماء سوداء تضيئها النجوم البعيدة … وقد بدأت الرياح تهب تدريجيًّا … والأمواج ترتفع، ورغم قربهم من مكان كهف الوطاويط … فإنه لم تكن هناك علامة واحدة تدل على وجود السفينة «ميلوس».

فهل غادرت السفينة مكانها إلى المحيط … واختفت؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤