تصدير

في تصديري لكتاب «سافونارولا: الراهب الثائر»، الذي نشرَته دار الكاتب المصري في القاهرة سنة ١٩٤٧، عبَّرتُ عن اعتزامي وضعَ بعض الكتب عن التراث الإيطالي وحضارة عصر النهضة، والآن أُقدِّم للقارئ العربي، بعد سنوات من البحث والشواغل، ترجمة «الجحيم»، وهي النشيد الأول من «كوميديا دانتي أليجييري الشاعر الأعظم»، وأحد عظماء الرجال في تاريخ البشرية، ورائد عصر النهضة الأوروبية.

وترجع بداية معرفتي بدانتي وآثاره إلى سنة ١٩٣٤، حينما كنت أدرس في إيطاليا اللغة والأدب والفن والسياسة والتاريخ. وكان دانتي من أهم الشخصيات التي أثارت إعجابي واهتمامي. وكنا نجتمع كرفاق في قاعة الدرس وخارجها لدراسة بعض آثاره وتذوُّقها، كنا من جنسيات وأمم مختلفة؛ من إنجلترا وفرنسا وألمانيا وسويسرا ورومانيا وتركيا وأمريكا واليابان ومصر … ومنذ ذلك الوقت أخذت أقرأ له وعنه قليلًا وكثيرًا، وأخذت أقترب منه وأبتعد عنه لكي أعود إليه حسب الشواغل والظروف. وفكرت سنة ١٩٤١ في أن أضع كتابًا عامًّا يُصوِّر حياته ومؤلَّفاته، ولكني وجدت الأمر غير هيِّن، فأرجأت ذلك للمستقبل، وأنا غير حريص على أن أتعجَّل الكتابة؛ حتى أستزيد من الدرس والتحصيل. ومضيتُ في عملي، وتوليت تدريس بعض نواحٍ من دانتي، في نطاق مناهج أوسع، في كلية الآداب بجامعة «الإسكندرية» تارةً، وفي كلية الآداب بجامعة «القاهرة» تارةً أخرى، فيما بين سنة ١٩٤٢ وسنة ١٩٥٠. وقمتُ بتدريس شيء عنه في مدرسة الألسن بالقاهرة سنة ١٩٥٣، ونشرتُ بعض مقالات عن دانتي وعن بعض شخصيات «الجحيم»، مع ترجمة بعض أبياتها، فيما بين سنة ١٩٤٨ وسنة ١٩٥٠. وكنت أنوي المُضي في كتابة مثل هذه المقالات والترجمات التي تتناول بعض شخصيات «الكوميديا» لأجمعها أخيرًا في كتاب، ولكني عدَلتُ عن ذلك حينما قوِيَ مني العزم، فاتجهت في ٢١ أكتوبر سنة ١٩٥١ إلى ترجمة «الكوميديا» كلها؛ لدوافع علمية وأدبية وشخصية، شحذَتني جميعًا إلى ارتياد هذا الميدان الخِصب، وتزوَّدتُ ببعض أدوات البحث، وارتحلت ولا زلت أرتحل إلى المَواطن التي عاش فيها دانتي، أو التي أجد فيها له وعنه، في أقطار مختلفة، بعض المصادر والمراجع والصور والرسوم والألحان الموسيقية؛ لكي أتعلم وأفهم وأتأمل. ووجدتُ في ذلك كله مُعتصَمًا آمنًا، ومتعة عظيمة، وثروة لا تُقدَّر.

وأرجو أن أضيف بهذا العمل جهدًا إلى الجهود التي بذلها السابقون من أبناء اللغة العربية — قدر استطاعتهم — كما سأوضح في المقدمة التالية. وكذلك أرجو أن يأتي في المستقبل مَن يفعل في هذا الصدد خيرًا مما فعلناه جميعًا.

وإني أتقدم بالشكر والإعزاز للأساتذة والأصدقاء والزملاء الذين كان لهم عليَّ فضلٌ في تعليمٍ وتوجيه، أو تشجيع أدبي، أو شرح مسألة، أو معارضة فكرة، أو إعارتي بعضَ الكتب، أو توفير مكان مناسب للعمل، أو تيسير أسفاري للخارج. أتقدم بالشكر إلى الأساتذة والدكاترة: محمد شفيق غربال، وإرنست هاتش ويلكنس، ومحمد عوض محمد، وبونيفاتشو دي ماركو، وحسن محمود، ومراد كامل، وإبراهيم رزقانة، وأومبرتو ريتزيتانو، وكامل محمد علي، ومحمود نبيه صلاح، والشاطر بصيلي عبد الجليل، ووليام مرقص.

وأشكر بكل إعزاز الأستاذ الدكتور عبد الحليم النجار؛ لما تفضَّل به من مراجعة هذه الترجمة معي بالرجوع إلى النص الإيطالي ﻟ «الجحيم»، مع مقابلته ببعض الترجمات الإنجليزية والفرنسية، ولما أبداه من النصح والإرشاد والجهد حتى أمكن الوصول إلى هذه الصياغة.

وكذلك أشكر مَن لا أذكر اسمه، وقد كان له عليَّ فضلٌ فعَّال في إقدامي على ترجمة «الجحيم»، ربما دون أن يعرف فضله الحقيقي، ولكني أنا أعرفه وأذكره بالإعزاز والتقدير، ورُب فضلٍ مجهول — من صاحبه — أفعلُ من فضل معلوم.

وأشكر دار المعارف لما بذلَته من رحابة الصدر والجهد والعناية في سبيل تقريب دانتي إلى قُراء اللغة العربية، بإخراج هذا الكتاب في الثوب اللائق به.

ولعل هذا العمل يجد بعض القبول لدى قراء العربية، والمشتغلين بالدراسات الدانتية. وعفوًا ومعذرةً عما أكون قد وقعت فيه من أخطاء وأوجُه نقص. وأرجو أن أعمل في المستقبل خيرًا مما عملت في الماضي، ولعلِّي أستطيع يومًا أن أنجز ترجمة «المَطهَر» و«الفردوس» إن شاء الله.

حسن عثمان
معهد الدراسات الأفريقية
بجامعة القاهرة
٣ شارع شجرة الدر، الزمالك (سابقًا)
٤ مايو ١٩٥٥

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤