الأنشودة العاشرة١

سار الشاعران بين أسوار مدينة ديس وقبور المعذبين، وعرف دانتي أنه أمام مقبرة الهراطقة من أتباع أبيقور. وسمع فجأةً صوتًا يناديه بالتسكاني الصادق الأمين، فتولاه الخوف. ولكن فرجيليو أوضح له أنه أمام فاريناتا، وأنه سيراه كله من وسطه حتى رأسه. سأل فاريناتا دانتي عن أصله، ولما عرف أنه من الجِلْف وقع بينهما فصلٌ من التراشق العنيف، يستند إلى ذكريات الصراع الحزبي في فلورنسا بين الجِلْف والجبلِّين، تناول نفي كلا الحزبين من فلورنسا، وعودة الجلف دون الجبلين إلى فلورنسا؛ لأنهم عرفوا فن الرجوع إلى الوطن. ثم قطع هذا الموقفَ العنيف ظهورُ كافالكانتي الجلفي الذي خرج من القبر باحثًا عن ابنه جويدو صديق دانتي، ولكنه لم يجده، واعتقد أنه مات، عندما تباطأ دانتي في إجابته، فاختفى داخل قبره، وعاد الموقف العنيف بين دانتي وفاريناتا. ثم تحوَّل الموقف بينهما إلى الهدوء واللين. قال فاريناتا إنه وإن كان قد حارب الجلف الفلورنسيين، إلا أنه دافع عن فلورنسا وحده عندما أراد الجبلين إزالة معالمها من الوجود. دعا دانتي لسلالة فاريناتا بالسلام، وسأله عن رؤية الموتى للمستقبل. قال فاريناتا إن الموتى يرَون الماضي والمستقبل دون الحاضر. وعندئذٍ أدرك دانتي خطأه في حق كافالكانتي، وسأل فاريناتا أن يخبره أن ابنه لا يزال حيًّا، وأنه كان قد أبطأ في إجابته لأنه كان يفكر في اللغز الذي فهمه الآن. تحرك الشاعران للمسير، وأخذ دانتي يفكر في حياة المنفى التي تنبَّأ له بها فاريناتا، ولكن فرجيليو ذكر له أن بياتريتشي سوف تشرح له كل شيء. وتقدم الشاعران إلى الحلقة السابعة.

(١) الآن يسير أستاذي وأنا من وراء مَنكِبيه، في طريق خفي٢ بين أسوار المدينة وقبور المعذبين.٣
(٤) بدأتُ: «أيها الفضل الأعلى،٤ يا مَن تدور بي خلال الحلقات السيئات كما يروق لك،٥ حدِّثني وأشبِع رغباتي.
(٧) هل يمكن رؤية القوم الذين اضطجعوا في القبور؟ وها قد رُفعتْ كل أغطيتها، ولا يحرسها أحد.»٦
(١٠) أجابني: «إنها ستُغلَق جميعًا إذا عادوا هنا من وادي يوسافاط،٧ بأجسادهم التي تركوها هناك في أعلى.٨
(١٣) في هذا الجانب توجَد مقبرة أبيقور،٩ ومعه كل مريديه١٠ الذين يجعلون النفس تموت مع الجسد.
(١٦) ولكنك ستنال وشيكًا هنا بالداخل، ما يرضيك عما وجَّهتَ إليَّ من سؤال،١١ وعن الرغبة التي لم تُفصح عنها بعد.»١٢
(١٩) قلتُ: «أيها الدليل الطيب، إني لا أغلق عنك قلبي إلا قصدًا في الكلام، وإنك قد وجهتني إلى ذلك ليس الآن فحسب.»١٣
(٢٢) «أيها التسكاني١٤ الذي تسيرُ حيًّا في مدينة النيران، متكلمًا بهذا الإخلاص،١٥ لعله يروقك أن تقف في هذا المكان.١٦
(٢٥) إن كلامك١٧ ينم على أنك مولودٌ في ذلك الوطن النبيل،١٨ الذي ربما كنتُ شديد القسوة عليه.»١٩
(٢٨) صدر هذا الصوت فجأة عن أحد القبور، عندئذٍ ازددتُ اقترابًا من دليلي، وقد عراني الوجل.٢٠
(٣١) قال لي:٢١ «استدر، ماذا تفعل؟ انظر هاك فاريناتا٢٢ منتصب القامة، إنك ستراه كله من وسطه إلى أعلاه.»٢٣
(٣٤) وكنت قد صوَّبتُ عيني إلى وجهه،٢٤ ووقف هو منتصب الصدر مرفوع الجبهة، كمن يشعر نحو الجحيم بازدراءٍ شديد.٢٥
(٣٧) ودفعَتني إليه بين القبور،٢٦ يدا دليلي الجريئتان المتحفزتان،٢٧ وهو يقول: «فلتكن كلماتك موزونة.»٢٨
(٤٠) ولما وقفتُ عند دعامة قبره، نظر إليَّ قليلًا، ثم سألني بلهجة تنم على الزراية:٢٩ «مَن كانوا أجدادك؟»٣٠
(٤٣) ولم أُخفِ عنه ذلك؛ إذ كنتُ راغبًا في طاعته، بل أفصحتُ له عن كل شيء،٣١ عندئذٍ رفع حاجبيه إلى أعلى قليلًا،٣٢
(٤٦) ثم قال: «إنهم كانوا خصومًا ألداء لي ولأجدادي وحزبي، حتى لقد شتَّتُّ شملهم مرتين.»٣٣
(٤٩) فأجبته قائلًا:٣٤ «إذا كانوا قد طُردوا، فإنهم رجعوا من كل صوبٍ٣٥ في كلتا المرتين،٣٦ لكن ذويك لم يحسنوا تعلم ذلك الفن.»٣٧
(٥٢) عندئذٍ برز شبحٌ إلى جانبه٣٨ أمام عينيَّ، مكشوفًا إلى الذقن،٣٩ وأعتقد أنه على ركبتيه وقف.
(٥٥) نظر حواليَّ كأنما تدفعه الرغبة في أن يرى هل يصحبني غيري من البشر،٤٠ ولكن لما زال عنده كل شكٍّ،٤١
(٥٨) قال وهو يبكي:٤٢ «إذا كنت تزور هذا المحبس الأعمى بفضل عبقريتك السامية، فأين ابني؟٤٣ ولماذا هو ليس معك؟»٤٤
(٦١) قلت له: «أنا لا أجيء من تلقاء نفسي، إن مَن ينتظر هناك٤٥ يقودني إلى هنا، وربما كان ابنك جويدو يحتقره.»٤٦
(٦٤) وفي كلماته وأسلوب عذابه، كنتُ قد قرأت اسمه وشخصه؛٤٧ ولذلك كانت إجابتي له جد وافية.٤٨
(٦٧) فنهض توًّا منتصب القامة، وهو يصرخ قائلًا:٤٩ «كيف تقول؟ كان؟٥٠ ألا يعيش بعدُ؟ ألا يَرِد على عينيه النورُ الحبيب؟!»٥١
(٧٠) ولما أدرك بعض الإبطاء الذي بَدَر مني قبل أن أجيب سؤاله، هبط سريعًا، ولم يظهر بعدُ في الخارج.٥٢
(٧٣) ولكن ذلك الشبح الآخر العظيم، الذي وقفتُ تلبيةً لدعائه، لم يغيِّر ملامحه، ولم يحرِّك عنقه،٥٣ ولم يَثنِ عِطفه،٥٤
(٧٦) وقال مكمِّلًا حديثه الأول:٥٥ «إذا كان قومي لم يحذقوا ذلك الفن،٥٦ فإن ذلك يؤلمني أكثر من هذا الفراش المضطرم.٥٧
(٧٩) ولكن لن يضيء خمسين مرة وجه السيدة التي تحكم هنا،٥٨ حتى تعرف كم هو ثقيل ذلك الفن.٥٩
(٨٢) وأنت يا مَن عسى أن ترجع إلى العالم الحبيب،٦٠ أخبِرني، لِم كان ذلك الشعب شديدة القسوة على عشيرتي في كل قوانينه؟»٦١
(٨٥) عندئذٍ أجبته: «الدمار والهلاك الذي خضَّب مياه أربيا بالدم،٦٢ جعل مثل هذه الصلوات تتجاوب في أرجاء معبدنا.»٦٣
(٨٨) وبعد أن هز رأسه وهو يتنهد، قال:٦٤ «لم أكن في ذلك وحدي، ولم يكن قطعًا دون سببٍ نهوضي مع الآخرين.٦٥
(٩١) ولكني كنت وحدي هناك، حينما اتفق الجميع على محق فيورنتزا،٦٦ وكنت وحدي الذي أُدافع عنها بوجهٍ صريح.»٦٧
(٩٤) فرجوتُه قائلًا:٦٨ «آه! لكي تنعم سلالتك بالسلام،٦٩ حُل لي تلك العقدةَ التي تُبلبل فكري.٧٠
(٩٧) وإذا كنت أُحسن السمع،٧١ فيبدو أنكم ترَون مقدَّمًا ما يأتي به الزمن، أما الحاضر فلكم فيه طريقةٌ أخرى.»٧٢
(١٠٠) قال: «إننا نرى الأشياء البعيدة عنا، كما يفعل مريض البصر،٧٣ وهذا هو الضوء الذي لا يزال يمنحنا إياه الدليل الأعلى.٧٤
(١٠٣) وحينما تقترب منا أو تصير معنا يذهب كل نظرنا سدًى،٧٥ وإذا لم يحمل أحدٌ إلينا خبرًا، فلن نعرف شيئًا عن حالكم الإنسانية.٧٦
(١٠٦) ولذلك تستطيع أن تدرك أن معرفتنا ستموت تمامًا، منذ تلك اللحظة التي يوصَد فيها باب المستقبل.»٧٧
(١٠٩) عندئذٍ قلت كنادمٍ على ما وقعتُ فيه من خطأ:٧٨ «أخبِر إذن ذلك الهابط،٧٩ أن ابنه لا يزال في عداد الأحياء.
(١١٢) وإذا كنت قد سكتُّ قبلُ عن جوابه،٨٠ فعرِّفه أني فعلت ذلك لأني كنت أفكر في الخطأ الذي حررتني من قيده.»٨١
(١١٥) وكان أستاذي قد ناداني، فرجوتُ توًّا ذلك الشبح أن يخبرني عمن كانوا معه.٨٢
(١١٨) فقال لي: «إني أرقد هنا مع أكثر من ألف، وهناك في الداخل فردريك الثاني،٨٣ والكردينال،٨٤ أما عن الآخرين فلا أتكلم.»٨٥
(١٢١) عندئذٍ اختفى،٨٦ فوجهت خطواتي نحو الشاعر العتيق، متأملًا في ذلك الكلام الذي بدا لي مُعاديًا.٨٧
(١٢٤) وتحرَّك دليلي إلى الأمام، ثم قال لي ونحن نسير على ذلك النحو: «لِم أنت مضطربٌ هكذا؟» فأجبته وأرضيتُ سؤاله.٨٨
(١٢٧) «فلْتحفظ ذاكرتك ما سمعت ضد شخصك.»٨٩ هكذا أمرني ذلك الحكيم. ثم رفع أصبعه قائلًا:٩٠ «والآن انتبه هنا جيدًا،
(١٣٠) حينما تصبح أمام الضوء الحبيب، لتلك٩١ التي ترى عينُها الجميلة كلَّ شيء،٩٢ ستعرف منها رحلة حياتك.»٩٣
(١٣٣) بعدئذٍ وجَّه خطاه إلى اليسار، وتركنا السور،٩٤ واتجهنا إلى الوسط،٩٥ في ممر يؤدي إلى وادٍ،
(١٣٦) تصاعدت رائحته الكريهة هناك إلى أعلى.٩٦
١  هذه أنشودة الهراطقة، أو أنشودة فاريناتا دلي أوبرتي، وهي من أكثر قصائد الكوميديا اتصالًا بالحياة الفلورنسية.
٢  يسير دانتي وراء أستاذه لأن الطريق خفي ضيق. ويشبه هذا قول فرجيليو:
Virg., Æn., IV, 405.
٣  أي: إنهما سارا بين أسوار مدينة ديس وقبور المعذبين على مقربة منها. استمد دانتي صورة مدينة ديس بأسوارها وأبراجها وقبورها ونيرانها وشياطينها من فرجيليو:
Virg., Æn., VI, 548 …
وهناك بعض أوجُه شبه بين صورة مدينة ديس عند دانتي، وبين ما جاء في التراث الإسلامي:
Cerulli (op. cit.) pp. 188–191.
عبد الوهاب الشعراني، مختصر تذكرة القرطبي، القاهرة، ١٣٠٨ﻫ، ص٧٠.
٤  يقصد فرجيليو.
٥  يرى بعض النقاد أن دانتي أراد أن يحدثه فرجيليو كما يروق له.
٦  يعني أن هذه فرصة مناسبة لرؤية مَن بداخل هذه القبور.
ويوجَد حفر بارز يمثل الجحيم، ويبدو فيه المعذبون وهم يتصايحون ويتضاربون، ويلطمون صدورهم وخدودهم وتلدغهم الأفاعي، وهو من صنع مدرسة الحفر والنحت في سيينا، ويرجع إلى أوائل القرن ١٤، وهو في كاتدرائية أورفييتو.
٧  وادي يوسافاط (Josaphat) قريب من أورشليم، حيث يجري الحكم الأخير، كما ورد في «الكتاب المقدس»:
Joel, III, 2, 12.
ألَّف سميث (١٧١٢–١٧٩٥)، صديق هيندل، ألحان أوراتوريو عن يوسافاط:
Smith, J. Chr.: Jehoshaphat, oratorio.
٨  أي: الدنيا.
٩  أبيقور (٣٤٢–٢٧٠ق.م. Epicurus): فيلسوف يوناني، مؤسس المذهب الأبيقوري الذي يعتبر أن النفس تموت مع الجسد، وبذلك يدعو إلى التمتع بالملذات قبل فوات الوقت، وامتد مذهبه في العصور الوسطى، على رغم روح العصر.
١٠  نُسب هذا المذهب إلى الجبلين أعداء البابا، ووُجد مِن الجلف مَن أخذ به. وبولغ في نسبة هذا المذهب إلى بعض الناس من باب الخصومة السياسية.
١١  يُطمئن فرجيليو دانتي بأنه سيعرف كل شيء سريعًا.
١٢  يعني أن دانتي لم يفصح بعدُ عن رغبته في رؤية فاريناتا دلي أوبرتي، ولكن فرجيليو يعرف ما يدور بنفسه، وكان دانتي قد استفسر عن بعض مواطني فلورنسا من قبل، ومن بينهم فاريناتا:
Inf., VI, 79 …
١٣  يشير دانتي إلى أن فرجيليو سبق أن حمله على السكوت. وهذه كلمات تلميذ لأستاذه يتبادلان التقدير والإعزاز:
Inf., III, 76–81; IX, 86-87.
١٤  سمع دانتي هذا الصوت ينبعث فجأة من القبر أمامه، وكان ذلك صوت فاريناتا.
١٥  أحس فاريناتا أن دانتي يتكلم بإخلاص، والإخلاص غريب على الجحيم، فناداه بهذا التعبير.
١٦  سمع فاريناتا مواطنًا فلورنسيًّا يتكلم بصدق وإخلاص، ففرح واهتزت نفسه، وخرج من القبر يسأله في رفق ولين أن يقف قليلًا في ذلك المكان، لكي يحادثه.
١٧  دلت ألفاظ دانتي ولغته وطريقة كلامه على أنه مواطن فلورنسي؛ ولذا ناداه فاريناتا بالتسكاني.
١٨  يقصد فلورنسا. ونطق فاريناتا باسم الوطن النبيل بكل إعزاز بالوطن وبالمواطن الصادق. وهكذا نسي فاريناتا لحظة الحزبية الجامحة، ولم يعرف إلا الوطن والمواطن.
١٩  هذا اعتراف بالإساءة في حق الوطن، وإعلان للأسف على ما فعل. أعاده ذلك القول إلى ذكرى الصراع الحزبي العنيف في فلورنسا. وقوله: «ربما» يعني أنه أراد التخفيف من أثر القسوة التي ارتكبها في حق فلورنسا. وهذا كلام رقيق مؤثر يبدو في ثناياه الأسى والندم.
٢٠  دوى صوت فاريناتا فجأة، ولم يرَ دانتي صاحب الصوت، فاضطرب وفزع، واقترب من فرجيليو يطلب الأمان، وما أضعف الإنسان عندما يخاف!
٢١  أي: قال فرجيليو.
٢٢  فاريناتا دلي أوبرتي (Farinata degli Uberti): من أسرة جرمانية الأصل، كان لها نصيب كبير في حكم فلورنسا منذ القرن ١٢، وقامت بكفاح عنيف ضد ثورة الشعب الفلورنسي على حكم النبلاء. وُلد فاريناتا في فلورنسا في أوائل القرن ١٢، ونشأ في أثناء انشقاق فلورنسا إلى حزبَي الجلف والجبلين في ١٢١٥. وأصبح زعيم الجبلين، ونجح في طرد الجلف من فلورنسا في ١٢٤٨. ولكن الجلف استعادوا مركزهم وطردوا الجبلين في ١٢٥٨، فلجَئوا إلى سيينا، ونظموا قواتهم، وانتصروا على قوات فلورنسا بمساعدة مانفريد في موقعة مونتأبرتي في ١٢٦٠. وأراد الجبلين المنتصرون أن يهدموا فلورنسا، حتى لا يقوم للجلف الفلورنسيين قائمة بعد ذلك. ولكن وقف فاريناتا مدافعًا عن فلورنسا، وآثر مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية والحزبية. وعاد إلى فلورنسا، حيث مات في ١٢٦٤، قبل ميلاد دانتي بسنة واحدة. واتُّهم بأنه من أتباع أبيقور؛ ولذلك وضعه دانتي في منطقة الهراطقة في بداءة مدينة ديس. وربما قصد دانتي بوضعه هنا أنه كان جبلينيًّا منشقًّا على فلورنسا الجلفية.
٢٣  يدل ظهور فاريناتا المفاجئ على أنه شخص عظيم، ونحس بعظمته قبل رؤيته. ويدل لفظ «كله» على القوة والعظمة. استعان دانتي هنا بالمادة والشكل لتعزيز صورة القوة والعظمة.
٢٤  أي: تركزت عيناه عليه، وعبرتا عما في نفسه من الدهشة والإعجاب. ولم يستطع دانتي إلا أن ينظر إلى فاريناتا بكل عينيه.
٢٥  مع أنه لم يظهر من فاريناتا سوى الصدر والرأس، فإنه وقف منتصبًا شامخًا غاية في القوة والعظمة، وبدا أنه يحتقر الجحيم من حوله. توفرت في فاريناتا قوة الروح التي جعلته يعلو على الجحيم كله. ولا يعنينا الآن فاريناتا الهرطيق، ولكن يعنينا الإنسان البطل. ويساعد الجحيم ذاته على إبراز قوة فاريناتا وعظمته.
٢٦  عندما حملق دانتي في وجه فاريناتا أخذته عظمته ووقف صامتًا لا يتكلم. ولكن السكوت لا يطول؛ إذ تدخَّل فرجيليو ودفع دانتي إلى ما بين القبور لكي يصبح أقدر على سماع حديث فاريناتا.
٢٧  عبَّر فرجيليو بيديه الجريئتين عن رغبته في أن يتحدث دانتي إلى فاريناتا. وتتكلم اليد وتعبِّر كالعين واللسان. مهَّد دانتي السبيل في مجال الشعر لرجال التصوير والنحت في عصر النهضة للكشف عن قيمة أعضاء الإنسان، وما تبديه من المعاني.
٢٨  هناك تفاوت حول تفسير كلمة conte؛ المعنى المألوف هو معدودة عدًّا، أو محسوبة حسابًا. ولكن بعض النقاد يضعون لها تفسيرات على صلة بالمعنى الأصلي، مثل: صريحة، واضحة، قصيرة، موجزة، متزنة، مناسبة، كريمة، رقيقة، دقيقة، نبيلة.
٢٩  عبَّر فاريناتا بعينيه وكلامه عن معنى الاحتقار؛ وذلك لأنه ساوره الشك في أن يكون هذا المواطن الفلورنسي من أعدائه. مجرد الشك جعله ينظر إليه ويحادثه بلهجة تنم عن الاحتقار.
٣٠  عندما أراد فاريناتا أن يعرف شخص دانتي لم يسأله عن ذاته، بل سأله عن أجداده. كان الأصل عند فاريناتا أهم من الشخص ذاته. سادت فكرة الأصل والنسب عند النبلاء، وذلك على عكس الفكرة الحديثة التي تُعنَى بقيمة الفرد بغضِّ النظر عن أصله.
٣١  أي: إنه حدثه عن أسرته وأجداده من حزب الجلف الأعداء الألداء لآل أوبرتي الجبلين.
٣٢  عندما أدرك فاريناتا أن دانتي من الأعداء — وكان قد أخذ يشك في هذا — غضب وقطَّب جبينه ورفع حاجبيه وتذكر الماضي الأليم.
٣٣  قال فاريناتا إن أجداد دانتي كانوا أعداء ألداء له ولأسرته وحزبه، ومع هذا فقد هزمهم مرتين في (١٢٤٨ و١٢٦٠). تكلم فاريناتا وهو فخور بالنصر، وهو لا يعرف الحرب بغير النصر، وبدت كلماته كضربات سيف قاطع. وإن فاريناتا هنا أشبه بتمثال صارم عنيف، بدأت الحياة تدب في أوصاله.
وتوجَد صورة صغيرة تمثِّل طرد الجلف من فلورنسا، وترجع إلى القرن ١٤، وهي في مكتبة كيدجي في روما.
٣٤  أجاب دانتي بكلمات جافة مماثلة.
٣٥  أي: عادوا من كل أنحاء تسكانا.
٣٦  عقب الهزيمة الأولى عاد الجلف إلى فلورنسا، عندما استدعاهم الشعب الذي ثار على حكم الجبلين في ١٢٥٨، ثم عادوا عقب الهزيمة الثانية بعد انتصارهم على الجبلين في موقعة بنيفنتو في ١٢٦٥.
٣٧  أي: إن آل أوبرتي لم يعرفوا فن الرجوع إلى الوطن، وعندما صدر العفو العام عن الجبلين استُثنيت حوالي ٦٠ أسرة، كان من بينها آل أوبرتي.
هكذا كان رد دانتي على فاريناتا جافًّا قاسيًا، وبذلك بادله عنفًا بعنف. وهو في ذلك يطيع أستاذه في أن تكون كلماته متزنة ومناسبة للمقام. قال إن الجلف أعفوا أثر الهزيمة، على حين لم يتعلم الجبلين فن الرجوع إلى الوطن. وهكذا ألقى دانتي إلى فاريناتا بسهم عنيف، ولم يستطع فاريناتا سوى أن يضم هذا السهم المستقر بين جوانحه. وكان دانتي كمن يبسم ابتسامة ساخرة بهذه الكلمات القاسية المليئة بالسخرية. ومع ذلك فإن دانتي يحترم فاريناتا ويناديه بضمير الجمع، على حين ينادي فاريناتا دانتي بضمير المفرد. وقد تكون القسوة والسخرية دليل التقدير والإعزاز.
٣٨  هذا شبح كافالكانتي دي كافالكانتي، الذي استفسر دانتي عنه ضمن أبطال فلورنسا، وإن لم يذكر اسمه على وجه التحديد:
Inf., VI, 79–82.
٣٩  أي: لم يظهر منه سوى الوجه.
٤٠  أضفت لفظ «البشر» للإيضاح.
٤١  الشك أو خيبة الظن. نظر كافالكانتي حوله لأنه كان يريد أن يرى ابنه مع دانتي.
٤٢  عندما لم يجد ابنه مع دانتي زال شكه في احتمال رؤيته، فتكلم وهو يبكي. وفرنتشسكا تبكي وتتكلم، وأوجولينو يتكلم ويبكي:
Inf., V, 126; XXXIII, 9.
٤٣  كافالكانتي دي كافالكانتي (Cavalcante dei Cavalcanti): من أتباع أبيقور مثل فاريناتا، ولكنه خالفه في السياسة فكان من الجلف، وأصبح عمدة جوبيو في ١٢٥٧. وبعد موقعة مونتأبرتي نكَّل الجبلين المنتصرون بالجلف، ومن بينهم كافالكانتي. وهو أبو جويدو كافالكانتي (Guido Cavalcanti)، الذي تزوج بياتريتشي ابنة فاريناتا، وكان زواجًا سياسيًّا للتقريب بين الجلف والجبلين. واشترك جويدو في الكومون الفلورنسي، وأصبح من حزب البيض عند انشقاق الجلف إلى بيض وسود. وكان من أصدقاء دانتي. وامتاز بالثقافة والاطلاع. وهو من شعراء مدرسة الشعر الحديث في فلورنسا. اشترك دانتي في قرار نفيه إلى سارتزانا لمدة سنتين في ١٣٠٠، تخفيفًا من حدة النزاع الحزبي في فلورنسا. ومرض في المنفى، ورجع إلى وطنه ومات بعد قليل. وهنا يسأل كافالكانتي دانتي عن ابنه جويدو، وكان يتوقع أن يراه.
٤٤  أي: إنه إذا كان دانتي يزور الجحيم بفضل عبقريته، فلماذا لم يأتِ معه ابنه جويدو وهو عبقري مثله، ولم يتكلم كافالكانتي عن السياسة الحزبية، بل تكلم كأب يبحث عن ابنه.
ويوجَد حَفر لخاتم كافالكانتي دي كافالكانتي، وهو في المتحف الوطني في فلورنسا.
٤٥  يقصد فرجيليو.
٤٦  هناك خلاف في تفسير التنافر بين جويدو وفرجيليو؛ ربما لم يقدِّر جويدو فرجيليو لأن جويدو أحب الفلسفة، ولم يحفل بالشعر القديم، أو لأن فرجيليو يمثل أحيانًا سلطة الإمبراطور عند دانتي، على حين كان جويدو من حزب الجلف، هكذا أراد دانتي أن يجعل الموقف بين جويدو وفرجيليو.
٤٧  استدل دانتي من كلماته وطريقة عذابه على شخصيته.
٤٨  ظن دانتي، على غير حقيقة، أن إجابته كانت وافية.
٤٩  نهض على قدميه وهو يصرخ لفرط الألم عندما اعتقد أن ابنه جويدو قد مات.
٥٠  عندما قال دانتي إن جويدو ربما كان يحتقر فرجيليو، بصيغة الماضي، وكان يتكلم قبلُ بصيغة المضارع، اعتقد أن ابنه قد مات، فأرسل تلك الأسئلة المتلاحقة في حزن وألم، وهي تعبر في صدق وبساطة عن إحساس الأب وشعوره عند فقدِ ابنه. وهذه صورة تكشف عن بعض نواحٍ في النفس الإنسانية.
٥١  ألقى كافالكانتي بهذا السؤال لأن عيون الموتى — وقد اعتقد أن ابنه قد مات — تتطلع إلى الضوء، وتتعلق بأهداب الأمل حتى آخر لحظة من الحياة.
٥٢  هبط كافالكانتي في القبر بغير كلام، عندما اعتقد أن ابنه قد مات. وأي شيء أقوى تعبيرًا عن الألم أكثر من سقوطه في القبر دون كلام، كجسم ميت لا حراك به! عبَّر دانتي بذلك الشعور الأبوي عن بعض دقائق القلب الإنساني.
استمد دانتي شخصية كافالكانتي الأب من ذكرى صلته بابنه جويدو. ولم يصور شخصية جويدو ذاته؛ ربما لأن نفسه لم تطاوعه على ذلك، وقد كان مشتركًا في قرار نفيه. واستمد دانتي شخصية كافالكانتي من ظروف حياته هو؛ فقد شعر دانتي منذ صغره بالحاجة إلى عطف الأم والأب، وخبَرَ بنفسه معنى الأبوة، وأدرك أثر الحرمان من أبنائه في حياة المنفى والتشريد. صوَّر دانتي شخصية كافالكانتي كإنسان هادئ رقيق وديع، وكأب بارٍّ عطوف، لا تهمه السياسة ولا الحزبية ولا الوطن، ولكن يعنيه مصير ابنه الحبيب، وهو يعبر في حركاته وأقواله عن الأبوة البارة الرحيمة. وهو واضح صريح متلهف على رؤية ابنه. ويمتزج فيه الرجاء والأمل باليأس والأسى والزفرات.
٥٣  أي: إنه لم يحرك رأسه.
٥٤  في تلك الفترة ظل فاريناتا واقفًا في مكانه كالتمثال لا يتحرك، وعلى الرغم من صلة المصاهرة بينه وبين كافالكانتي، فلم تَعنِ فاريناتا دموعُ الأب المتلهف على رؤية ابنه، واستمر يفكر في قول دانتي السابق، وفي حياة المنفى، وفي الصراع الحزبي. لم يفهم فاريناتا الجبليني سوى سخرية دانتي الجلفي عندما عرَّض بالجبلين ذاكرًا أنهم لم يعرفوا فن الرجوع إلى الوطن. كان هذا من مقومات شخصية فاريناتا الوطني الصارم العنيف، الذي لا يفكر في غير وطنه، ولا تشغله عنه المشاغل الأسرية.
٥٥  عاد فاريناتا مسرعًا إلى متابعة الحديث الأول الذي توقف بعض الوقت.
٥٦  أي: إن الجبلين أساءوا تعلم فن الرجوع إلى الوطن.
٥٧  كان عجز الجبلين عن الرجوع إلى الوطن جحيمًا عند فاريناتا أشد من هذا الجحيم. وجحيم النفس عنده يتضاءل إلى جانبها جحيم الجسد وجحيم الآخرة. خلق دانتي بذلك من فاريناتا ثائرًا على الله، وخارجًا على تقاليد العصور الوسطى. أنطق دانتي فاريناتا كبطل غاضب ثائر، لا يتحول عن مبدئه ووطنه. يشبه فاريناتا موسى الذي خلقه ميكلأنجلو في تمثاله الرائع في كنيسة سان بيترو. إن فينكولي في روما يوشك أن ينهض ثائرًا على شعبه لما ارتكبه من الخطايا. وهناك كابانيو، ثائر آخر على الله في الجحيم، سيأتي بعد:
Inf., XIV, 43–75.
٥٨  السيدة التي تحكم هنا هي بروزربينا (Proserpina) ملكة الجحيم. والمقصود بذلك القمرُ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، أي: إنه لن يظهر البدر ٥٠ مرة، أي: خلال ٤ سنوات وشهرين، من أبريل ١٣٠٠، زمن هذه المقابلة في الجحيم كما جعلها دانتي، إلى يونيو ١٣٠٤، عندما حاول دانتي الرجوع إلى فلورنسا بالقوة مع الخارجين الفلورنسيين من حزب البيض، ولكنه أخفق.
٥٩  أي: سوف يعرف دانتي كم هو صعب ثقيل فن الرجوع إلى الوطن. لم يسكت فاريناتا عن سخرية دانتي به وبقومه، وبادله سهمًا بسهم، وعاد الموقف بينهما إلى العنف السابق. وهذا هو أوج المقابلة، وخاتمة ذلك الشعور العنيف المتدفق بين فاريناتا ودانتي، الذي ظلت خلاله صورة الوطن ماثلة على الدوام.
٦٠  ينعت وطنه بالعالم العذب الحبيب.
٦١  يقصد شعب فلورنسا. ولا يذكره بالاسم بسبب العداوة.
هكذا انتهت ثورة فاريناتا، واعتدل وتحول إلى الهدوء. يسأل فاريناتا دانتي لماذا كانت قوانين فلورنسا شديدة القسوة على آل أوبرتي، فاستُثنوا من قانون العفو العام عن الجبلين بعد موقعة بنيفنتو، وهُدمت قصورهم، ودُكَّت بيوتهم، وحُولَت أماكنها إلى ميادين عامة، ومنها ميدان السنيوريا في فلورنسا.
٦٢  امتلأت مياه نهر أربيا (Arbia) بقرب سيينا بالدماء، في موقعة مونتأبرتي التي انتصر فيها الجبلين على الجلف.
٦٣  أي: جعلت هذه الدماء شعور أهل فلورنسا عدائيًّا نحو آل أوبرتي، فكانت صلواتهم في الكنائس ضدهم، وبذلك صدرت قوانين فلورنسا قاسية عليهم.
٦٤  عندما تذكر فاريناتا ضحايا فلورنسا في موقعة مونتأبرتي تحوَّل إلى الهدوء واللين، وتنهَّد وهزَّ رأسه أسًى وألمًا.
٦٥  أي: إنه لم يحارب وحده، ولكنه اشترك في الحرب مع أعضاء حزبه من الجبلين.
٦٦  يقول دانتي: فيورنتزا (Fiorenza)، وهذا هو اسم فلورنسا وقتئذٍ، ويطلق الإيطاليون عليها لفظ فيرنتزه (Firenze) (انظر أنشودة ٢٤، حاشية ٦٧). يقصد أنه كان وحده صاحب الرأي المخالف عندما اتفق الجبلين على هدمها وتحويلها إلى أنقاض. استمد دانتي هذا المعنى من القصور والأبراج والبيوت التي هُدمت في فلورنسا في أثناء الصراع الحزبي العنيف.
٦٧  دافع فاريناتا عن فلورنسا بوجه مفتوح أو صريح، أي: بجسارة وعزم وتصميم. يقصد أنه عندما انتصر الجبلين على الجلف في مونتأبرتي في ١٢٦٠، أمر فاريناتا الجند الجبليني بالكف عن قتل الجند الفلورنسي. وفكر الجبلين المجتمعون في إيمبولي في هدم فلورنسا، ولكن فاريناتا عارض ذلك بشدة، وقال لزعماء الجبلين، وعلى رأسهم الكونت جوردانو، إنه قاتل لاسترجاع وطنه لا ليفقده، وإنه سيدافع عنه ضد كل من تُسوِّل له نفسه هدمه أو تحطيمه، وإنه سيفعل ذلك بعزم وتصميم أكثر مما فعل في حرب فلورنسا من قبل. قال فاريناتا ذلك وهو يقبض على سيفه، وبذلك أنقذ فلورنسا من الدمار. وهكذا أعطى فاريناتا للناس درسًا رائعًا في الوطنية.
٦٨  يرجوه دانتي أن يتكلم.
٦٩  هكذا تحدَّث دانتي إلى فاريناتا بكلمات رقيقة، ودعا له بالسلام جزاء وطنيته الصادقة.
٧٠  سأله أن يفسر له مشكلة غمضت عليه.
٧١  يعني إذا كان قد أحسن الفهم.
٧٢  يقصد أن كافالكانتي قد تنبأ بحوادث المستقبل، وتنبأ فاريناتا بنفي دانتي، على حين لم يعرف كافالكانتي هل كان ابنه حيًّا أو ميتًا.
٧٣  أي: مثل مديدي البصر، الذين يرَون البعيد خيرًا من القريب، وهذا نوع من مرض العيون، والمقصود أنهم يرون المستقبل. تأثر دانتي في هذا برأي توماس الأكويني في أن النفس تعرف الماضي وتدرك المستقبل، ولكنها تجهل المحسوس. وتأثر أيضًا في هذا بذكريات اللاتين ومعتقدات العامة التي احتوت نفس الفكرة؛ ولذلك جعل دانتي لهؤلاء المعذبين القدرة على رؤية المستقبل دون الحاضر.
٧٤  يقصد الله.
٧٥  إذا اقتربت منهم الأشياء أو أصبحت معهم يبقى عقلهم فارغًا، ولا يرَون شيئًا.
٧٦  يعني أنه لا بد أن يحمل أخباركم إلينا أحد الأحياء، وإلا تبقى مجهولة.
٧٧  أي: إن المستقبل سينتهي عندهم يوم القيامة، ويحل مكانه الخلود؛ ولذلك ستفقد هذه النفوس المعذبة القدرة على رؤية المستقبل، والتي تتمتع بها الآن.
٧٨  يعني أن دانتي تبيَّن أنه ارتكب خطأ غير مقصود عندما لم يجب فورًا عن سؤال كافالكانتي عن ابنه، فأحس بالندم. وأراد أن يُعرِّف فاريناتا كافالكانتي بأن ابنه جويدو لا يزال حيًّا يُرزق.
٧٩  أي: كافالكانتي الهابط في قبره.
٨٠  كان كأنه أخرس لانشغاله بلغز الموتى.
٨١  يُعبِّر دانتي عن أسفه للألم الذي سببه لكافالكانتي دون قصد.
٨٢  أي: معه في القبر.
٨٣  الإمبراطور فردريك الثاني هوهنشتاوفن (١١٩٤–١٢٥٠ Federico Secondo Hohenstaufen)، الذي يُسمَّى بأول رجل في العصر الحديث. عاش في جنوب إيطاليا، وعُرف بالعلم والثقافة وسعة الأفق. وضعه دانتي هنا لأنه كان من أحرار الفكر، ونُسبت إليه الهرطقة.
وتوجَد صورة صغيرة تمثل فردريك الثاني، وترجع إلى القرن ١٤، وهي في مكتبة كيدجي في روما. ويوجَد رأس من المرمر يمثل الإمبراطور فردريك، وربما كان جزءًا من تمثال كامل له على ظهر جواد، وهو في متحف بارليتا، في باري في جنوبي إيطاليا.
٨٤  الكردينال أوتافيانو دلي أوبالديني (عاش في القرن ١٣م Ottaviano degli Ubaldini)، وهو من أسرة جبلينية سيطرت على الموجلو ورومانيا التسكانية، وأصبح أسقف بولونيا فكاردينالا.
٨٥  يسكت فاريناتا عن الآخرين؛ إذ لا يوجَد متسع من الوقت للكلام.
٨٦  عبَّر دانتي عن اختفاء فاريناتا بكلمة واحدة، ولم يشأ أن يصف هبوطه حتى لا يمس شخصه العظيم.
٨٧  يقصد كلام فاريناتا عن المنفى.
هكذا رسم دانتي صورة فاريناتا دلي أوبرتي، الإنسان البطل الذي تسيره قوته الجبارة. جعل دانتي من فاريناتا رجلًا لا يكاد يحس أن له قوة يفخر بها على أحد. هو يعرف أنه يحب حزبه ووطنه بكل قلبه، وهو يضحي بالمصلحة الحزبية في سبيل الوطن. والقوة عند فاريناتا ممتزجة بالأفكار والأهداف النبيلة التي يسعى إلى تحقيقها. إنها القوة التي تجعل الجسم الضئيل والإنسان الخجِل يبدو كالعملاق. وهذه صورة أخرى رسمها دانتي للإنسان الحديث. ووضعه دانتي إلى جانب شخصية كافالكانتي دي كافالكانتي، الذي يمثل الأبوة البارة الرحيمة. وقد أظهره دانتي وسط التراشق الذي حدث بين فاريناتا وبينه. وكان ظهور كافالكانتي المفاجئ أمرًا قطع ذلك الموقف العنيف بين دانتي وفاريناتا لكي يجعله أكثر عمقًا بعد قليل. وكان فاريناتا جبلينيًّا، بينما كان كافالكانتي جلفيًّا، وكانت تلك مفارقة في الأهواء والعواطف والأهداف. كانت شخصية كافالكانتي الهادئة الرقيقة أشبه بلحن هادئ رقيق، يسير إلى جانب فاريناتا الثائر العنيف تارة، والشاعر بالأسى والأسف طورًا، والهابط الساكت في قبره تارة أخرى، وأظهرت كلٌّ من الصورتين الصورة الأخرى. وتُعَد هذه القصيدة من أشهر قصائد الكوميديا.
وتوجَد صورة من عمل أندريا دل كاستانيو (١٤٢٣–١٤٥٧) لفاريناتا دلي أوبرتي، وتمثِّله واقفًا ومغطًّى بالدروع، وممسكًا بسيف مرتكز على الأرض، وهي في الدير السابق لسانتا أبولونيا في فلورنسا.
ويوجَد تمثال من المرمر لفاريناتا دلي أوبرتي خارج متحف الأوفيتزي في فلورنسا وفي مواجهة نهر الأرنو، يمثله واقفًا وقد تمنطق بالدروع، ويده على مقبض سيفه، وبدت على وجهه علائم القوة والعزم والتصميم، وهو من صنع فرنتشسكو بوتزي في ١٨٤٤.
٨٨  أي: تحدث إليه عن مخاوفه وقلقه عند سماعه التنبؤ بحياة المنفى التي سيتعرض لها عما قليل.
٨٩  أي: التنبؤ بالمنفى. وسبق أن سمع دانتي بمثله من تشاكو:
Inf., VI, 64–755.
٩٠  رفع فرجيليو أصبعه للدلالة على أمر هام سيتكلم عنه.
٩١  أي: بياتريتشي التي ستقود دانتي في الفردوس، وستجعله يسأل كاتشاجويدا عن مستقبل حياته:
Par., XVII, 7–30.
٩٢  ترى العين الجميلة الحساسة كل شيء، وتقرأ ما لا يقرؤه سائر الناس.
٩٣  أي: إن دانتي بفضل بياتريتشي سيهدأ ويستقر ويعرف كل شيء.
٩٤  أي: سور مدينة ديس.
٩٥  يعني صوب وسط الحلقة.
٩٦  هذه هي الرائحة الكريهة التي انبعثت من الحلقة السابعة حتى الحلقة السادسة حيث كان دانتي وفرجيليو.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤