الأنشودة الثالثة والثلاثون١

رفع أوجولينو فمه عن رأس غريمه رودجيري عندما أدرك أن دانتي سوف يُشهِّر بعدوه في الأرض، وأخبره عن شخصيهما، وشرح له الدافع إلى قيامه بهذا العمل الوحشي. قال إنه وقع أسيرًا في يد عدوه بسبب الغدر، وإنه وُضع وأولاده في برج الجوع في بيزا، وعرف الوقت فيه بأشعة القمر، وإنه نام فرأى حلمًا بغيضًا بدا فيه رودجيري قائدًا لحملة صيد فوق جبل سان جوليانو. وقال إنه عندما استيقظ من نومه سمع أولاده يبكون في نومهم ويطلبون الخبز، وسمع صوت إغلاق باب البرج في أسفل، فنظر إلى أولاده دون كلام. وفي اليوم التالي تبين ما يعانيه أولاده، فعضَّ كلتا يديه في حركة عصبية، فظنوا أنه فعل ذلك بسبب الجوع، فنهضوا وسألوه أن يأكل لحمهم! وظل أوجولينو يكتم مشاعره في صدره حتى لا يزيد في بؤس أبنائه الأبرياء. وفي اليوم الرابع سأله جادو العون، ثم سقط ميتًا، وتلاه بقية الأبناء. وبموتهم تحرر أوجولينو من قيد الأبوة الرهيب، وسقط فوق أبنائه وأخذ يتلمَّسهم وهو أعمى، وظل يناديهم بأسمائهم يومين كاملين، حتى فعل به الجوع ما لم يفعله الألم. رأى دانتي أوجولينو يعود إلى نهش رأس رودجيري الخائن، فأخذه الغضب، وصبَّ لعنته على بيزا وشعبها، وتمنى هلاكه غرقًا في نهر الأرنو. وسار الشاعران فوق الثلج في منطقة بطليموس حيث يُعذَّب خونة الأصدقاء والضيوف، الذين استحال عليهم البكاء لتجمُّد الدموع في مآقيهم، وتهبط هنا أرواح الخونة قبل موت أجسادهم في الأرض. رأى دانتي بين هؤلاء ألبريجو دي مانفريدي، وبرانكا دوريا الجنوي. وكان دانتي قاسيًا على ألبريجو حينما أخلف وعده ولم يُزل عن عينيه الثلج، ثم صب لعناته على شعب جنوا.

(١) رفع الفمَ٢ عن الطعام الخبيث ذلك الآثمُ، وهو يمسحه في شعر الرأس الذي أفسد مؤخره نهشًا.٣
(٤) ثم بدأ: «إنك تريد أن أُجدِّد الألم اليائس، الذي يهصر قلبي مجردُ التفكير فيه من قبل أن أتكلم عنه.٤
(٧) ولكن إذا كانت كلماتي بذورًا تُثمر سوءَ السمعة للخائن الذي أنهشه، فإنك سترى الكلامَ والبكاء معًا.٥
(١٠) أنا لا أعرف من أنت، ولا بأية طريقة أتيت هنا في أسفل،٦ ولكنك تبدو لي في الحقيقة فلورنسيًّا، حينما أسمعك.٧
(١٣) فلتعلم أني كنتُ الكونت أوجولينو،٨ وهذا هو الأسقف رودجيري،٩ وسأخبرك الآن لِم أنا له مثل هذا الجار.١٠
(١٦) ليس ضروريًّا أن أقول١١ إنه بتأثير أفكاره الخبيثة، إذ وضعتُ ثقتي فيه،١٢ وقعتُ أسيرًا وقُتلت بعد،
(١٩) ولكنك ستسمع ما لا يمكن أن تكون سمعته،١٣ أعني كيف كان موتي وحشيًّا، وستعرف ما إذا كان قد عذَّبني.١٤
(٢٢) إن فتحةً ضيقةً١٥ في القفص الذي يُسمَّى من أجلي برجَ الجوع،١٦ وعلى آخرين أن يُحبسوا فيه بعد،١٧
(٢٥) قد أظهرتْ لي من خلال منفذها أقمارًا كثيرة،١٨ حينما نمتُ النوم البغيض،١٩ الذي هتك لي حجاب المستقبل.٢٠
(٢٨) وفي الحلم بدا لي هذا٢١ رئيسًا وقائدًا، في صيد الذئب وجرائه٢٢ فوق الجبل،٢٣ الذي لا يستطيع أهل بيزا أن يرَوا لوكا خلاله.٢٤
(٣١) ومع كلاب ضامرةٍ متحفزةٍ مدرَّبة،٢٥ وضع أمامه في المقدمة آل جوالاندي، وآل سسموندي، وآل لانفرانكي.٢٦
(٣٤) وبعد شوطٍ قصير بدا لي الأب والأبناء متعبين،٢٧ وظهر لي أني رأيت الأنياب الحادة قد مزقت جوانبها.٢٨
(٣٧) وحينما استيقظتُ قُبيل الفجر سمعتُ أولادي،٢٩ الذين كانوا معي، يبكون في نومهم ويطلبون الخبز.٣٠
(٤٠) إنك لشديد القسوة، إذا كنتَ لم تتألم بعدُ وأنت تفكر فيما وضَحَ لقلبي، وإذا كنتَ لهذا لا تبكي، ففيمَ اعتدتَ البكاء؟٣١
(٤٣) وكانوا قد استيقظوا، واقتربت الساعة التي اعتاد أن يقدم لنا فيها الطعام، وكان كلٌّ منا في شكٍّ من رؤياه،٣٢
(٤٦) وسمعت إغلاق باب البرج الرهيب في أسفل،٣٣ وعندئذٍ نظرتُ إلى وجوه أبنائي دون أن أنطق بكلمة.٣٤
(٤٩) ولم أبكِ، بل تحجَّرتُ هكذا في باطني،٣٥ وبكَوا هم،٣٦ وقال صغيري أنسلموتشو:٣٧ «أبتاه، إنك تنظر هكذا، ماذا بك؟»٣٨
(٥٢) ولكني لم أبكِ ولم أُجب ذلك النهار كله ولا الليل التالي، حتى بزغت على الدنيا الشمس الجديدة.٣٩
(٥٥) وحينما تسلل شعاعٌ قليلٌ إلى السجن الأليم، وتبينتُ في وجوهٍ أربعةٍ صورتي ذاتها منعكسةً،٤٠
(٥٨) عضضتُ كلتا اليدين من الألم،٤١ وفي ظنهم أني فعلت ذلك رغبةً في الطعام، نهضوا فجأة،٤٢
(٦١) وقالوا: «أبتاه! سيخفُّ ألمنا كثيرًا إذا طعمتَ منا، أنت كسوتنا هذا اللحم البائس، فاخلعه عنا.»٤٣
(٦٤) عندئذٍ هدَّأتُ نفسي كي لا أجعلهم أشد حزنًا،٤٤ وخرسنا جميعًا ذلك اليوم وما يليه،٤٥ أواه أيتها الأرض الصلدة، لِم لَم تنشقِّي؟!٤٦
(٦٧) وحينما جئنا لليوم الرابع،٤٧ رمى جادو٤٨ نفسه عند قدميَّ قائلًا: «أبتاه، لِم لا تساعدني؟»٤٩
(٧٠) وهناك مات، وكما أنت تراني،٥٠ رأيت الثلاثة يسقطون واحدًا واحدًا،٥١ بين اليوم الخامس والسادس، وحينئذٍ أخذتُ،
(٧٣) وقد صرتُ أعمى،٥٢ أزحف فوق كل واحدٍ منهم،٥٣ وناديتهم مدة يومين، بعد أن أصبحوا موتى،٥٤ ثم كان الجوع أقدر من الألم.»٥٥
(٧٦) وحينما قال هذا، وبعينين منحرفتين، أمسك الجمجمة البائسة ثانيًا بأسنانه، التي كانت على العظم قوية، كأسنان الكلب.٥٦
(٧٩) أواه منك يا بيزا، يا وصمةً٥٧ في جبين شعب البلد الجميل،٥٨ حيث تصدح اللغة الحلوة،٥٩ ما دام جيرانك مُتباطئين في عقابك،٦٠
(٨٢) فلتتحرك كابرايا٦١ وجورجونا،٦٢ ولتصنعا سدًّا في الأرنو عند المصب؛٦٣ حتى يغرق فيك كل إنسان حي!٦٤
(٨٥) لأنه إذا اشتهر الكونت أوجولينو بأنه خدعك في شأن القلاع،٦٥ فما كان ينبغي أن تضعي أبناءه في مثل هذا العذاب.٦٦
(٨٨) لقد جعلتهم حداثة السن أبرياء يا طيبة الجديدة؛٦٧ أوجوتشوني٦٨ وبريجاتا،٦٩ والاثنين الآخرين٧٠ اللذين تذكرهما أنشودتي من قبل.
(٩١) ومضينا إلى الأمام، حيث أطبق الجليد على قومٍ غيرهم، لم يتجهوا إلى أسفل، ولكن انقلبوا كلهم.٧١
(٩٤) بكاؤهم نفسه لم يدع للبكاء هناك سبيلًا، والألم الذي يجد عائقًا في عيونهم، يرتد إلى الداخل ليزيدهم تعذيبًا؛٧٢
(٩٧) إذ إن أُولى دموعهم تصنع عُقدة، تملأ محجر العينين كله، كقناعٍ من البلور تحت الحاجب.
(١٠٠) ومع أن كل حسٍّ في وجهي قد توقف بفعل الزمهرير، كما يحدث من نبرة القدم،
(١٠٣) بدا لي أني أشعر ببعض الريح؛ ولذا قلت: «أستاذي، هذه، مَن ذا يُحرِّكها؟ ألا يتلاشى كل بخارٍ هنا في أسفل؟»٧٣
(١٠٦) قال لي: «ستصبح سريعًا في موضع تُعطيك فيه عينُك جواب هذا، حينما ترى المصدر الذي يصبُّ الريح.»٧٤
(١٠٩) وصاح بنا واحدٌ من بؤساء القشرة الباردة: «أيهاتان النفسان الشديدتا القسوة، حتى لقد أُعطيتما آخر موضع،٧٥
(١١٢) ارفعا عن وجهي النُّقَب الصُّلبة؛٧٦ لكي أفرِّج قليلًا عن الألم الذي يملأ قلبي، قبل أن يعود دمعي إلى التجمُّد.»٧٧
(١١٥) قلت له: «إذا أردتَ أن أعاونك فخبِّرني مَن أنت، وإذا لم أخلصك فلأذهبْ إلى قاع الجليد.»٧٨
(١١٨) أجاب عندئذٍ: «أنا الراهب ألبريجو،٧٩ أنا صاحب الفاكهة من الحديقة الخبيثة،٨٠ الذي آخذ هنا البلح بدل التين.»٨١
(١٢١) قلت له: «أواه! أأنت الآن ميتٌ هنا؟»٨٢ قال لي: «كيف يبقى جسمي أعلى فوق الأرض، ليس لي علم بذلك.٨٣
(١٢٤) ولمنطقة بطليموس مثل هذه الميزة،٨٤ ففي مراتٍ كثيرةٍ تهبط الروح هنا، قبل أن يدفعها أتروبوس.٨٥
(١٢٧) ولكي تكون أكثر رغبةً في أن تُزيل عن وجهي الدموع المتجمدة، اعلم أن الروح حينما ترتكب الخديعة،
(١٣٠) كما فعلتُ أنا، ينزع شيطانٌ منها الجسد، ويتحكم فيه بعد، حتى ينقضي كل زمانه.٨٦
(١٣٣) وتهوي هي إلى مثل هذه الهاوية، وربما لا يزال يبدو في أعلى جسم الشبح الذي يتجمَّد من ورائي ها هنا.
(١٣٦) ولا بد أن تعرفه إذا جئتَ الآن فحسب إلى أسفل، إنه السيد برانكا دوريا،٨٧ وقد مضت سنواتٌ كثيرةٌ منذ أن حُبس هكذا.»
(١٣٩) قلت له: «أعتقد أنك تخدعني؛ لأن برانكا دوريا لم يمت بعد،٨٨ وهو يأكل ويشرب وينام ويرتدي الثياب.»٨٩
(١٤٢) قال: «هناك أعلى في خندق ماليبرانكي،٩٠ حيث يغلي القطران الكثيف، لم يكن ميكيل زانكي٩١ قد وصل بعد،
(١٤٥) حينما ترك هذا الرجل بدلًا منه شيطانًا في جسده وفي جسد أحد أقاربه، الذي ارتكب وإياه الغدر.٩٢
(١٤٨) ولكن امدد يدك إليَّ هنا الآن وافتح عينيَّ»، فلم أفتحهما له، وكان من الكياسة أن أكون قاسيًا معه.٩٣
(١٥١) آه لكم يا أهل جنوا! أيها الرجال الغرباء عن كل فضيلة، والحافلون بكل رذيلة، لماذا لم تزولوا من الدنيا؟
(١٥٤) فإني قد وجدتُ واحدًا منكم٩٤ مع أخبث روحٍ في رومانيا،٩٥ وهو لسوء فعله يغطس الآن بروحه في كوتشيتوس،
(١٥٧) ولا يزال يبدو في أعلى حيًّا بجسمه.٩٦
١  هذه أنشودة خونة الوطن والأصدقاء، وتُسمَّى أنشودة الكونت أوجولينو.
٢  يبدأ النص الإيطالي بالفم المفترس، وكان الفم أهم ما في الرأس عند دانتي.
٣  يدل هذا على الدم الذي غطى فم صاحب الرأس الأعلى — أوجولينو — ولم يشأ دانتي أن يذكره الآن، وترك للقارئ أن يتصور هذا المنظر الرهيب.
٤  يعبر هذا القول عن الألم العنيف الذي يهصر القلب. ويشبه هذا قول فرجيليو:
Virg., Æn., II, 3.
٥  ومع أن الكلام عن مأساته يزيده ألمًا فإنه سيتكلم ويبكي في وقت واحد، ما دام الكلام يثير سوء السمعة لعدوه. ويشبه هذا بكاء فرنتشسكا مع الكلام، ومع الفارق بين الموقفين:
Inf., V, 126.
٦  لا يعني أوجولينو أن يعرف شخص هذا الزائر المجهول، ويكفيه أن يعرف أنه مواطن فلورنسي.
٧  عرف أوجولينو أن دانتي مواطن فلورنسي من طريقة كلامه، وكذلك عرف فاريناتا من قبل:
Inf., X, 25.
٨  الكونت أوجولينو دلا جيراردسكا (Ugolino della Gherardesca)، عاش في القرن ١٣، ويرجع إلى أسرة لمباردية نبيلة كانت لها السيطرة على بعض القلاع في سهل بيزا. وتزوج وأنجب عدة أولاد، وآلت إليه بعض أملاك في سردينيا، وتزوج أحد أبنائه حفيدة الإمبراطور فردريك الثاني، وبذلك أصبح أوجولينو جدًّا. وكان أوجولينو من زعماء الجبلين، وخاض معمعان السياسة، وأصبح صاحب نفوذ كبير في بيزا، ورأى من مصلحته أن يتحول إلى قضية الجلف، وحاول أن ينقل بيزا من سياسة الجبلين إلى سياسة الجلف. وأدرك الجبلين هذه المحاولة، وحدث قتال مسلح بين الجانبين، وعاونت فلورنسا وغيرها من المدن الجلفية في تسكانا أوجولينو في قتاله ضد الجبلين، وبذلك نجح في استرجاع سيطرته ومكانته، وأصبح صاحب السلطة العليا في بيزا، وقاد أسطولها ضد جنوا. ولكن بيزا هُزمت في موقعة ميلوريا (Meloria) في ١٢٨٤، وأدت هذه الهزيمة إلى قيام التفاهم بين فلورنسا وجنوا ولوكا على حساب بيزا. وحاول أوجولينو أن ينقذ بيزا من الخطر الذي يهددها، وعمل على تفريق أعدائه — وهم أعوانه منذ قليل — مع ترضيتهم في وقت واحد، فسلَّمهم بعض القلاع، وأظهر استعداده للتحول نهائيًّا إلى حزب الجلف، وهكذا أبعد الخطر مؤقتًا عن بيزا، وأقام فيها حكمًا دكتاتوريًّا في ١٢٨٦. ولكن الجبلين لم يسكتوا عن ذلك، ونهضوا لاستعادة نفوذهم بقيادة الأسقف رودجيري دلي أوبالديني. ونجح الجبلين في تنحية أوجولينو عن سلطته في ١٢٨٨، وأسروه غدرًا مع اثنين من أبنائه واثنين من حَفَدته — واعتبرهم دانتي جميعًا بمثابة أبنائه — وحبسوهم في بيزا حيث ماتوا جوعًا. ووضع دانتي أوجولينو في منطقة الخونة لأنه كان من زعماء الجبلين، ومع ذلك فقد صادق الجلف، وأبدى استعداده لتحويل بيزا إلى جانبهم، وقد عاونه الجلف فترة من الزمن، ثم انقلبوا عليه. وكانت المصلحة هي الدافع على هذا التذبذب السياسي.
٩  الأسقف رودجيري دلي أوبالديني (Ruggieri degli Ubaldini)، هو قريب الكردينال أوتافيانو دلي أوبالديني (Inf., X, 120)، وعاش في أثناء القرن ١٣. دخل سلك الكهنوت، وقضى شبابه في بولوفيا، واستدعاه الجبلين لكي يشغل منصب أسقف رافنا، ولكن قامت منافسة بينه وبين مرشح الجلف، وانتهى الأمر بإبعاد المرشحَين المتنافسين معًا. وأصبح أسقف بيزا في ١٢٧٨، وناصر قضية الجبلين، وإن كان قد أظهر أنه صديق للجلف والجبلين على السواء. وقاد حركة الجبلين ضد أوجولينو، وأصبح حاكم بيزا فترة قصيرة بعد سقوط أوجولينو. وقد أثار عداء الأسقف رودجيري للجلف غضب البابا نيقولا الرابع عليه، ولم ينقذه منه سوى موت البابا نفسه. ومات رودجيري في فيتربو في ١٢٩٥. وخيانة رودجيري عند دانتي هي اتفاقه مع زعماء الجبلين في بيزا ضد الجلف، وغدره بأوجولينو وحبسه وموته مع ابنيه وحفيديه.
١٠  بعد أن عرف أوجولينو أن دانتي مواطن فلورنسي، وبعد أن ذكر له أوجولينو اسمه واسم غريمه، أبدى رغبته في أن يخبره عن جلية الأمر، وسبب ذلك الانتقام الوحشي. ولا يحمل لفظ الجار الذي نطق به أوجولينو معنى الصداقة والصفاء والسلام، ولكنه يحمل معنى السخرية المريرة.
١١  عرفت كل تسكانا بهذه المؤامرة، ولذلك لا يخفى خبرها على دانتي الفلورنسي.
١٢  عندما انتصر الجبلين على الجلف وطردوهم من بيزا في يونيو ١٢٨٨، كان رودجيري وغيره من زعماء الجبلين قد طلبوا الاجتماع بأوجولينو للوصول معه إلى اتفاق، فوثق بهم وذهب للقائهم، وجرت المحادثات بين الجانبين في صباح أول يوليو، واتفق على أن تستمر بعد ظهر اليوم ذاته، ولكن الجبلين نكثوا بالعهد، وأسروا أوجولينو ومن معه.
١٣  يعني أنه هناك تفصيلات رهيبة لم يسجلها التاريخ، وكان على دانتي أن يستوحي بفنه الصورة التي أفلتت من سجل التاريخ.
١٤  عبَّر أوجولينو أولًا بكلمات قلائل عن العذاب الذي لقيه في السجن هو وأولاده.
١٥  وقع أوجولينو في الأَسر مع ولديه جادو (Gaddo) وأوجوتشوني (Uguccione)، ومع حفيديه نينو (Nino)، الملقَّب باسم بريجاتا (Brigata)، وأنسلموتشو (Anselmuccio) في يوليو ١٢٨٨، وحُبسوا أكثر من ٢٠ يومًا، ثم نُقلوا إلى برج جوالاندي في بيزا، وبقوا فيه حتى ماتوا جوعًا في مايو ١٢٨٩. وكانت هذه الفتحة الضيقة هي المنفذ الوحيد في البرج المظلم.
١٦  برج جوالاندي (Gualandi) في بيزا سُمي برج الجوع بعد موت أوجولينو وأولاده فيه جوعًا. واستُخدم البرج كسجن حتى ١٣١٨، واستخدمته حكومة بيزا أحيانًا كمكان لتفريخ النسور، ثم أصبح برج الكومون. وأُقيمَ في مكانه قصر الساعة في بيزا.
١٧  أي: إن أوجولينو كان يفكر في غيره من الناس الذين سينالهم الغدر والخيانة، فيُحبسون في ذلك البرج.
١٨  أي: إنه رأى عدة دورات للقمر، ويدل هذا على أنه قضى عدة شهور في ذلك البرج.
١٩  النوم البغيض الذي اكتنفه الغدر والسجن والعذاب، والشك في المستقبل، والأمل في الخلاص.
٢٠  أي: إنه رأى حلمًا أوضح له المصير المحتوم.
٢١  يقصد الأسقف رودجيري.
٢٢  يمثِّل الذئب وجراؤه أوجولينو وأولاده.
٢٣  هو جبل سان جوليانو (San Giuliano) الذي يقع بين أملاك بيزا ولوكا.
٢٤  يحجب الجبل لوكا عن أعين أهل بيزا.
٢٥  يقصد شعب بيزا الذي اشترك في مهاجمة أوجولينو.
٢٦  أُسَر جوالاندي (I Gualandi) وسسموندي (I Sismondi) ولانفرانكي (I Lanfranchi) هي أسر جبلينية في بيزا، حرضها رودجيري على مهاجمة أوجولينو.
٢٧  أي: الذئب وجراؤه، كناية عن أوجولينو وأولاده.
٢٨  يعبر بهذا عما سيلحق أوجولينو وأولاده.
٢٩  يقصد ولديه وحفيديه.
٣٠  هكذا تعذب أوجولينو وهو يرقب أبناءه في نومهم، ويسمع تأوهاتهم.
٣١  لم يلحظ أوجولينو تأثر دانتي بما سمعه، فأخذ يؤنبه ويسخر به، وإن كان ذلك لا يعني أن دانتي لم يتأثر فعلًا.
٣٢  أي: إن الأبناء قد رأَوا حلمًا مشابهًا لما رآه أوجولينو، واستيقظوا جميعًا وقد تولاهم الشك والقلق والهواجس.
٣٣  أمر الأسقف رودجيري بإغلاق باب البرج وإلقاء مفاتيحه في نهر الأرنو، وكان معنى ذلك الموت للسجناء.
٣٤  تفرَّس أوجولينو في وجوه أبنائه، وحاول أن يعرف الأثر الذي أحدثه في نفوسهم سماعُ صوت الباب المغلق، ولم ينطق بكلمة حتى لا يجعل أبناءه يحسُّون بالخطر.
٣٥  حبس أوجولينو دمعه وتحول إلى حجر؛ حتى لا يشعر الأبناء بالخطر المُحدِق.
٣٦  أي: إن الأولاد بكَوا، أما جولينو فلم يستطع حتى البكاء.
٣٧  في هذه الكلمات حنوُّ الأب على أبنائه.
٣٨  جزع الابن من هذه النظرة التي لم يفهمها، وحاول أن يعرف سببها.
٣٩  تألم أوجولينو، ولكنه كتم ألمه ولم يتكلم حتى لا يزيد في ألم أبنائه.
٤٠  كان قد ظهر أثر السجن والجوع على الجميع، وعندما لاح بصيص من نور رأى أوجولينو في وجوه أبنائه من الشحوب والهزال والألم ما أصابه هو.
٤١  عض أوجولينو يديه من فرط الألم، وكانت تلك حركة عصبية صدرت عنه على الرغم منه.
٤٢  نهض الأربعة جميعًا؛ لأنهم ارتاعوا عندما ظنوا أن أباهم يأكل يديه جوعًا.
٤٣  عرض الأولاد على أبيهم أن يأكلهم لأن لحمهم منه. وهذا عرض الأطفال السُّذج الذين يريدون أن يضحُّوا بأنفسهم في سبيل أبيهم.
٤٤  أي: وقف عن عض يديه بأسنانه حرصًا على شعور أبنائه.
٤٥  عادوا جميعًا إلى الصمت مرة أخرى.
٤٦  يشبه هذا قول فرجيليو:
Virg., Æn., X, 673.
٤٧  اليوم الرابع منذ إغلاق باب البرج.
٤٨  جادو بن أوجولينو، كان في الحقيقة شابًّا حصل على لقب كونت، ولكن دانتي اعتبره والابن الآخر والحفيدين أطفالًا لكي يصبح الموقف أكثر تأثيرًا.
٤٩  اعتقد الابن أن أباه يستطيع أن يساعده.
٥٠  أي: إن الأمر حقيقي كرؤية دانتي لأوجولينو.
٥١  الثلاثة الباقون هم أوجوتشوني وبريجاتا (نينو) وأنسلموتشو.
٥٢  فقدَ أوجولينو بصره من الجوع والحزن.
٥٣  أخذ أوجولينو يتلمَّس الأبناء وهو في شدة الحزن والهلع. ويشبه هذا قول أوفيديوس:
Ov., Met., V, 274.
٥٤  هذا تعبير عن منتهى الحزن والألم.
٥٥  أي: قتله الجوع ولم يقتله الألم، ولعله كان يود أن يعيش على الألم لكي يذكر أبناءه دوامًا.
وعلى باب الجحيم الذي صنعه رودان (١٨٤٠–١٩١٧)، والمشار إليه في أنشودة ٣، حاشية ٥، يوجَد حفر بارز يمثل أوجولينو وأبناءه.
٥٦  عاد أوجولينو إلى عمله الانتقامي السابق.
٥٧  لم يقاطع دانتي حديث أوجولينو، وظل منصتًا إليه كل الإنصات، وعندما انتهى أوجولينو من كلامه عبَّر عن شعوره بهذه اللعنات التي صبها على أهل بيزا، وهو يعبِّر بذلك عن كراهية الرأي العام الفلورنسي لبيزا الجبلينية.
٥٨  البلد الجميل يعني إيطاليا.
٥٩  أي: اللغة التسكانية (الإيطالية).
٦٠  يقصد أهل فلورنسا ولوكا.
٦١  جزيرة كابرايا (Capraia) في جنوبي غرب ليفورنو، وكانت تابعة لبيزا.
٦٢  جزيرة جورجونا (Gorgona) في شمالي غرب جزيرة إلبا، وكانت تابعة لبيزا.
٦٣  يخترق نهر الأرنو مدينة بيزا قبل مصبِّه بقليل، فإذا ما سدَّت الجزيرتان مصب النهر طغت المياه، وأغرقت كل سكان بيزا.
ويوجَد نحت يمثل ميناء بيزا، ويرجع إلى ١٢٩٠، وهو في متحف القصر الأبيض في جنوا.
٦٤  هذا هو الجزاء الذي يستحقه أهل بيزا عند دانتي من أجل الجريمة التي ارتكبها الجبلين.
٦٥  كان أوجولينو قد سلَّم بعض القلاع — التي لا تُعرَف على وجه التحديد — إلى فلورنسا ولوكا عند اتحاد الجلف على بيزا، وبذلك أنقذها من الخطر، ولم يكن في هذا خيانة لبيزا، ولكن أعداء أوجولينو صوروا الأمر على ذلك النحو.
٦٦  لم يكن هناك ما يدعو إلى موت الأبناء الأبرياء.
٦٧  يشبِّه دانتي بيزا بطيبة (Thebes) عاصمة بويتزيا في اليونان، أسسها كادموس، وهي موطن ميلاد باخوس، كما تقول الأساطير، وقتلت بعض أبنائها الأبرياء. وسبقت الإشارة إليها:
Inf., XIV, 69; XXV, 15; XXX, 22; XXXII, 11.
٦٨  أوجوتشوني بن أوجولينو.
٦٩  بريجاتا (نينو) حفيد أوجولينو، وابن الكونت جلفو.
٧٠  أي: جادو بن أوجولينو وأنسلموتشو حفيده.
رسم دانتي في شخصية أوجولينو دلا جيراردسكا العنف والقسوة والكراهية والانتقام الوحشي جزاء ما لقيه من غدر وخيانة وعذاب وموت، وصوَّر فيه الصمت والسكون والصبر واليأس والصراخ، والبكاء والنواح على الأبناء المعذبين الصرعى، مع مشاعر الأبوة البارة الرحيمة التي تنفطر أسًى وحزنًا على مصير الأبناء الأبرياء. أخفى أوجولينو عذابه وكتم أنفاسه حتى لا يزيد في عذاب أبنائه الذين كانوا يسقطون صرعى بين يديه. وعندما مات الأبناء تحلل أوجولينو من قيد الأبوة الرهيب، وعبرت نفسه المعذبة عن آلامها الهائلة، وكان ذلك تعبير نفس مصهورة في حالة هذيان وأسًى لا يوصف. ولم يكن ذلك التعبير صوتًا محددًا أو كلامًا واضحًا، ولكنه كان صراخًا وعواء ونواحًا رهيبًا مفجعًا. وفقد أوجولينو بصره من فرط الجوع والأسى، وسقط فوق أبنائه وأخذ ينوح عليهم ويناديهم بأسمائهم العزيزة واحدًا واحدًا، ثم سقط صريعًا، وفعل به الجوع ما لم يفعله الألم. إن أوجولينو إنسان حي غاضب منتقم جبار، ومع ذلك فهو أب بار عطوف. وروح المأساة عند أوجولينو هي روح المأساة في حياة دانتي. وإننا نجد في شخصية أوجولينو تلك النظرة الأخيرة لدانتي المنفي المشرد نحو وطنه وأعزائه. وهنا نجد ذلك المزيج من المشاعر الإنسانية التي قد لا تعبر عنها الكلمات؛ غضب الرجل الذي تعرَّض لأهواء السياسة، وعذاب الأب الذي تفرقت أسرته، والرغبة في الانتقام لما لقيه على أيدي أعدائه. هكذا أفصح دانتي عن بعض خفايا النفس البشرية، وخلق هذه الشخصية التي تدب الحياة في أوصالها، وتتجاذبها مشاعر إنسانية متفاوتة، وتتنفس وتعبر بصدق وبساطة عما جاش بين جوانحها. وبذلك ضرب معولًا في تقاليد العصور الوسطى، ووضع بعض أسس العصر الحديث.
وسيأتي في قائمة المراجع أسماء بعض الموسيقيين الذين استلهموا هذا المشهد في وضع ألحانهم.
٧١  أي: دخلا منطقة بطليموس حيث تُغمر أجسام خونة الأصدقاء والضيوف في الجليد، تظهر وجوههم مرتفعةً إلى أعلى.
٧٢  البكاء يمنعهم من الاستمرار في البكاء؛ لأن الدموع تتجمد في عيونهم، وبذلك حُرموا نعمة البكاء والتنفيس عن آلامهم.
٧٣  أي: كيف يتحرك الهواء في هذه المنطقة ما دامت لا تظهر الشمس، وتنعدم الحرارة والأبخرة.
٧٤  مصدر الريح هو لوتشيفيرو الذي يحرك أجنحته فيرسل الريح حيث دانتي وفرجيليو:
Inf., XXXIV, 48–52.
٧٥  ظن هذا المعذب أن دانتي وفرجيليو معذبان يذهبان إلى منطقة يهوذا في أسفل الجحيم.
٧٦  أي: الدموع المتجمدة.
٧٧  يريد أن يفرج عن نفسه، ولكن هيهات!
٧٨  لن يذهب دانتي للبقاء في أسفل الجحيم لأنه إنسان حي، ولكنه ترك ذلك المعذب يعتقد هذا، وفي ذلك سخرية وتهكم من جانب دانتي.
٧٩  ألبريجو دي مانفريدي (Alberigo dei Manfredi): أحد زعماء الجلف في فاينتزا في النصف الثاني من القرن ١٣. تظاهر أنه سيعقد الصلح مع بعض أقاربه ودعاهم إلى وليمة، وعندما أوشك ضيوفه على نهاية الطعام هاجمهم رجاله، وقتلوهم في ١٢٨٥، وأصبح تعبير «فاكهة الأب ألبريجو» دليلًا على الخيانة والغدر.
٨٠  الحديقة الخبيثة يعني الغدر والخيانة.
٨١  يعني أنه يُعاقَب هنا الآن على هذا النحو.
٨٢  كان دانتي يعرف أن ألبريجو لم يكن قد مات بعدُ في أبريل ١٢٠٠، تاريخ هذه الرحلة، ومع هذا فقد أظهر دهشته لملاقاته هنا.
٨٣  أراد أن يزيل شك دانتي بسرعة وهو لا يدري شيئًا عن جسده في الدنيا. ويأخذ دانتي بعض المعتقدات الشائعة التي كانت تقول بأن الروح قد تفارق الجسد إلى الجحيم قبل موت الإنسان.
٨٤  دائرة بطليموس (Ptolomea) هي المنطقة الثالثة في هذه الحلقة. وفي الغالب اشتُق اسمها من اسم بطليموس حاكم سهل أريحا (Jericho)، الذي دعا سمعان المكابي وأبناءه إلى وليمة، ثم قتلهم في ١٣٥ق.م. وورد هذا في «الكتاب المقدس»:
Macc., I, XVI, 11–17.
٨٥  أتروبوس (Atropos) يعني القدر الذي يفصل الروح عن الجسد، كما ورد في الميتولوجيا اليونانية:
Hesiod, Theog., 901 …
Ov., Met., VIII, 452 …
ورسم جويا (١٧٤٦–١٨٢٨) صورة لآلهة القدر، وبها أتروبوس إلى يسار الصورة، وفي يده مقص يقطع به خيط حياة طفل، والصورة في متحف برادو في مدريد.
٨٦  أي: إن الإنسان عندما يرتكب الخيانة يفقد صفته الإنسانية، ويتسلط عليه شيطان يقلب حياته رأسًا على عقب.
٨٧  برانكا دوريا (Branca D’Oria): مواطن جنوي جبليني دعا حماه ميكيل زانكي إلى وليمة، ثم قتله غدرًا في ١٢٩٠.
٨٨  عاش برانكا دوريا سنوات طويلة بعد ١٣٠٠، واشترك في الحرب التي شنها ملك أراجون ضد بيزا في ١٣٠٧، ونُفي من سردينيا في ١٣٢٥.
٨٩  يعبر دانتي بذلك عن الأعمال الجسدية التي كان يقوم بها برانكا دوريا وقد ماتت روحه، وإن لم يمت جسده بعد.
٩٠  أي: حراس الوادي الخامس في الحلقة الثامنة، كما سبق:
Inf., XXI, 37; XXII–100; XXIII, 23.
٩١  ميكيل زانكي (Michel Zanke) هو حمو برانكا دوريا.
٩٢  أي: حل شيطان في جسده وفي جسد قريبه.
٩٣  هكذا أخلف دانتي وعده لهذا الآثم؛ لأنه يستحق هذا، بل أكثر منه.
٩٤  أي: برانكا دوريا.
٩٥  أي: ألبريجو دي مانفريدي.
٩٦  يعني في الدنيا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤