المصادر التي استوردنا منها كتاب البؤساء في عصور الإسلام

لقد اشتُهر العرب في العصر العباسي بالتصوير على الجدران، وعلى صفحات الكتب، كحروف تخطيطية كانت ذات إتقان زائد، وبلغت دقة الرسم بالتخطيط مبلغًا كان تقريبًا للصورة الحقيقية.

وقد اطلعنا على كتاب قديم يرجع تاريخه إلى القرن الثالث الهجري رسم فيه مؤلفه جماعةً من النوابغ الأعلام، نقلنا منه بواسطة الكربون طائفةً كبيرةً ممن نالهم البؤس وعاكسهم الدهر. واطلعنا أخيرًا على عدة كُتُب مصورة يرجع عهدها إلى القرن الرابع والخامس والسادس، أتممنا بها بؤساء العصر العباسي.

ومن قرأ تاريخ الأندلس وجد أن الخليفة عبد الرحمن الناصر بنى قصر الزهراء الذي يُضرب بفخامته المثل، وجعله مسكنًا للزهراء جاريته وسمَّاه باسمها «الزهراء»، ونقش صورتها على بابه رمزًا للرسم التخطيطي.

وقال الشريف أبو عبد الله الجواتي في كتاب «النقط على الخطط» إن الخليفة الآمر بأحكام الله بنى منظرةً من الخشب مدهونةً بالألوان، فيها طاقات تشرف على خضرة بركة الحبش، وصوَّر فيها الشعراء؛ كل شاعر وبلده، واستدعى من كل واحد منهم قطعةً من الشعر في المدح، وكتب ذلك عند رأس كل شاعر، وبجانب صورة كل منهم رف لطيف مُذهَّب. فلما دخل الآمر هذه المنظرة وقرأ الأشعار؛ ابتهجت نفسه، وأمر أن يوضع على كل رف صُرة مختومة تحتوي على خمسين دينارًا، وأن يدخل كل شاعر ويأخذ صُرته بيده، وكانوا عدة شعراء.

وقد بنى الملك الأشرف خليل بن قلاوون الرفرف بالقلعة وجعله عاليًا يشرف على الجيزة كلها، وبعد أن طلاه بالدهان الأبيض صوَّر فيه أمراء الدولة وخواصها، وعقد عليه قُبَّةً على عُمُد وزخرفها، وكان يجلس فيه السلطان. وعُثر في أطلال الحمراء بغرناطة في الأندلس على صورة تمثِّل مجلس قضاة على طراز عربي، يُظن أنها من آثار القرن الثامن الهجري.

وإن من يزور خرائب الزهراء بإسبانيا، وآثار الفراعنة بمصر، والمعابد الأثرية في العالم يشاهد فوق أحجارها وعلى قوائم جدرانها نقوشًا كثيرةً من صور الإنسان والحيوان بالخطوط التقريبية.

وليس عهد الرسم التخطيطي عنَّا ببعيد، فلو نظرنا إلى دار العاديات المصرية، أو دار الآثار والكتب لوجدناها مشحونةً بهذه الرسوم والأشكال، ومنها ما هو على ورق الكَتان، ومنها ما هو على رق الغزال، أو على قطع تخطيطية بقضبان الذهب على حوانيت المومياء بما يفسر شكل ما فيها. ويعجب الناظر من جمال هذه الأشكال سيما محاسن النساء، وطلاوة الرسم الذي يأخذ بالألباب.

ولا عجب إذا نقلنا من هذه الصور ما طرَّزنا به هذا الكتاب، إننا رسمناها نقلًا بواسطة الورق الشفاف والكربون.

هذا ولا يخفى أن هذا آخر ما وصلت إليه براعة العرب في التصوير التخطيطي؛ لأن الفوتوغرافية (آلة التصوير) كانت لم تكن معروفةً في ذلك العهد.

وتناول الرسم الفوتوغرافي رسمًا أو اثنين هما آخر ما عثرنا عليه من المؤلفات المصدوقة مرسومةً بالفوتوغرافية، وإلى هنا أقف عند هذا الحد مقتصرًا على ذلك، والله الهادي إلى سبيل الرشاد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤