الملاحق

الملحق الأول١

من القبطان جوزيف إدموندس ربان السفينة الحربية بالاس للإرل أوف سانت فنسنت اللورد الأول للبحرية الإنجليزية
على ظهر السفينة بالاس، جزيرة منورقة في ١٤ أكتوبر ١٨٠١
سيدي

استبحت لنفسي أن أرسل لكم المذكرات المرفقة بكتابي هذا اعتقادًا مني بأنه قد يهم حكومة بلادي أن تعلم أن أشخاصًا يسمون أنفسهم بالوفد المصري يقيمون في باريس في الوقت الحاضر.

كان ممن ركب في مصر السفينة بالاس تحت إمرتي رجل قبطي ذو سمعة حسنة جدًّا، وهو من زعماء طايفته وله نفوذ كبير. وقد منحه الفرنسيون لقب جنرال لينالوا تأييده.

عنيت بعض العناية بهذا المنفي السيئ الحظ مما جعله يحادثني في شيون بلاده. وقد صرح لي بأنه يعتقد أن أي أنواع الحكم في مصر أفضل من حكم الترك لها، وأنه انضم للفرنسيين تلبية لباعث وطني عله يخفف عن مواطنيه ما قاسوه، وأن الفرنسيين خدعوهم، وأن المصريين في الوقت الحاضر يحتقرونهم كما كانوا يحتقرون الترك، وأنه لم يفقد بعد آماله في خدمة بلاده وأن ارتحاله لفرنسا قد يمكنه من هذا. وقال أيضًا إن الفرنسيين جعلوه يعتقد أن دولتهم لها قوة السيطرة في أوروبا، وأنه لم يعرف إلا قليلًا عن قوة إنجلترا البحرية، ولكنه كان يعرف رغم هذا أنه بلا موافقة إنجلترا فإن رغبته في قيام حكومة مستقلة في مصر لن تتحقق. وأضاف صديقه لاسكاريس، (وهكذا وصف نفسه) وكان يترجم أقواله لي، أن الجنرال المعلم يعقوب يرأس وفدًا فوضه أو عينه أعيان مصر لمفاوضة الدول الأوروبية في أمر استقلالها. وأثناء سفرنا مات الجنرال وقام الترجمان (لاسكاريس) بتحرير مذكرات أحاديثنا المرفقة بكتابي هذا. وقد أعرب لي الجنرال قبل موته عن رغبته في أن أبلغ موضوع هذه الأحاديث لقايد القوات البريطانية الأعلى كي تعلم به الحكومة البريطانية بواسطته. وقد قرر لي المسيو لاسكاريس أن الوفد لم يزل باقيًا، وأن المفوضين الآخرين على ظهر السفينة بالاس لا يزالون أعضاء فيه. هذا وإني لم أتمكن من أن أتبين هل هو واحد من هؤلاء المفوضين أو أنه ليس إلا سكرتيرًا مترجمًا له. وأعتقد من كلامه أنه رجل خيالي.٢ وأظنه بيدمونتي الأصل، وسمعت أنه من أوليك الفرسان الذين تركوا جزيرة مالطة وتبعوا جيش بونابرت. وقد أعطيت ميثاقي للمعلم يعقوب بأن أمتنع أنا والحكومة البريطانية من استعمال ما أبلغنا إياه استعمالًا يؤذيهم. هذا ولما كان من المحتمل جدًّا ذهاب هذا الوفد الذي لا يمكنني تقدير مدى ما بيده من تفويض للإقامة في باريس، فقد رأيت وجوب تبليغكم هذه المذكرات والأحاديث مباشرة. إذ قد يمضي بعض الوقت قبل أن أجد فرصة لإبلاغها أولًا لرييسي اللورد كيث. وأرجو أن تتنزلوا فتقروا مسلكي هذا.

ولي الشرف … إلخ.

الملحق الثاني٣

مذكرات مرفوعة للقبطان إدموندس لتذكره في الوقت المناسب له برءوس أهم الموضوعات التي تبادلناها في أحاديثنا السياسية على ظهر سفينته.

١

الخطاب المرفقة به هذه المذكرات موجه للورد النبيل.٤ وقد يظهر لأول وهلة أنه ليس إلا رجاء بسيطًا عاديًّا في الاهتمام بنا معشر المصريين التعساء. ولكنه يجب أن يعتبره في الحقيقة ملخص الأحاديث السياسية التي دارت بيننا على ظهر السفينة، هذا ولما كان الإسهاب في شرح خطتنا في الوقت الحاضر أمرًا أقل ما فيه الرعونة، فإن هذه المذكرات القصيرة المكتوبة على عجل قد تكفي على الأقل لتذكيرك بأهم موضوعات أحاديثنا، ومتى حان زمن إبلاغك إياها إما مباشرة لحكومتك أو للورد النبيل؛ فالمصريون لوثوقهم بما انطوت عليه سجيتك يدعون لحسن فطنتك بعثه على الاهتمام بأمرهم. حتى يكون لنا مما يكتبه للوزارة البريطانية أو مما يقوم به عند عودته لإنجلترا مسند نستند إليه لدى حكومته. وليثق بأنه سينتصر لقضية فيها منافع لأمته، وأي قضية أليق بسعي لورد نبيل مثله!

٢

وإذا سلمنا بأن ما سيعرضه الوفد المصري لدى الحكومات الأوروبية على تلك الحكومات باسم المصريين الذين فوضوه قد يظهر قليل الأهمية أمام أعينها، فلتعترف معنا على الأقل — أيها القبطان — أن الدول لن تعمل أبدًا عملًا أمجد وأنبل من أن تبدد بقرار سياسي واحد ظلمات الجهل والوحشية التي تكاثفت على هذه البلاد الذايعة الصيت. تلك البلاد التي كانت مهد استنارتنا وعلومنا وفنوننا. تلك البلاد التي يمكن القول عنها إجمالًا إنها كانت موضع قيام الحضارة التي نقلها اليونان عنها ومن اليونان وصلت لنا. إذا عجزت مصر بعد زوال عزها وازدهارها عن أن تثير شعورًا بعرفان صنيعها وما قدمته من خير فلتثر على الأقل عطف الدول الأوروبية عليها، حتى إذا ما كان ذلك وردوا إليها أمرها، أمكنها أن ترضي جميع الدول التي تطمع فيها ولا تصاب بسبب ذلك أي واحدة منها في مصالحها.

٣

وقد يحل زمن ليس بالبعيد ترضى فيه الدولة البريطانية عن هذا الحل (للمسألة المصرية). وفي هذه الأثناء قد تقترحه عليها الحكومة الفرنسية. عنديذ يجب على الحكومة الإنجليزية أن تعلم أن الاقتراح نتيجة جهود الوفد المصري، فعليها إذن ألا يريبها أمره … فإن المصريين٥ … ولا نظن أن فرنسا تتقدم بهذا المشروع السياسي إلا على سبيل المجاراة، والواقع أن تحقيقه ليس في صالحها كما هو في صالح إنجلترا. ومما لا شك فيه أن حكومة الجمهورية الفرنسية لا تزال على ما كانت عليه من الرغبة في تملك مصر.

٤

تتداعى الإمبراطورية العثمانية في جميع أجزايها للانحلال. ويهم الإنجليز إذن قبل حدوث هذا؛ أن يتدبروا لأنفسهم من الوسايل المؤكدة ما يكفل لهم الاستفادة من هذا الحادث المهم عند وقوعه. وإذا تبين لهم استحالة استعمارهم مصر — كما استحال هذا على فرنسا — (فلهم عوضًا عنه) خضوع مصر المستقلة لنفوذ إنجلترا صاحبة التفوق في البحار المحيطة بها. وليس من شك في أن الاستقلال يعيد لمصر رخاءها، ولكنها لن تكون إلا دولة زراعية تستمد غناها من الحاصلات الوفيرة التي تنتجها أرضها الخصبة، ومن كونها المخرج والمدخل الوحيدين لتجارة أفريقيا الوسطى. ولا بد من أن إنجلترا بحكم مركزها في الهند تهتم جدًّا بالمتاجرة مع مصر وما حولها من المناطق، فتستفيد بذلك أكبر استفادة مما اختصت به مصر من المزايا.

٥

وكان مراد بك يقول — وربما كان على حق في قوله — إن كفار الغرب (كذلك سمى الأمم الأوروبية) قد صاروا يعرفون مصر أكثر من اللازم وأن الكل يسعى لامتلاكها، وأنها ستكون دايمًا مثار اختلافهم. قد يقال إن إنجلترا لا حاجة بها إلى ذلك الامتلاك؛ إذ إن سيادتها البحرية تحتم أن تكون كل تجارة مصر في يدها، وأنها بذلك يكون لها ما تريد من نفوذ في مصر. ولكن ماذا يكون من أمر هذا النفوذ إذا رجعت فرنسا كما كانت حليفة الباب العالي الطبيعية، وأخذت الدولة العثمانية تجري على سياسة إرضايها أكثر من إرضاء إنجلترا؟ ألا تذهب الدولة في هذه الخطة فتغلق أبواب مرافيها في وجه الإنجليز؟ أليس من الممكن أن يضغط الفرنسيون على الترك برًّا فيحملوهم على الإمعان في عدايهم للإنجليز وتحطيم تجارتهم في أراضي الشرق الأدنى وفي البحر الأحمر؟

٦

أما عما يختلج نفوس المصريين من عواطف نحو الفرنسيين، فمبعثها ما اتبعه هؤلاء من طرق في حكمهم أثناء احتلالهم البلاد. ولا حاجة بي للكلام في هذا؛ لأني أعتقد أنك تتذكر بسهولة ما دار بيننا من حديث فيه. كل شيء إذن يبرهن — الأسباب السابقة، وما يشعر به المصريون نحو الإنجليز بعد أن أمكن لهم تقديرهم حقًّا — أن مصر المستقلة لا تستطيع إلا أن تكون موالية لإنجلترا. فعلى هذه إذن أن تسمح سياسيًّا على الأقل باستقلالها، هذا إذا لم تستطع تأييده بعد حدوثه. يملي هذه الخطة ما تتوقعه من حوادث في المستقبل.

٧

فرضنا أن حكومات الدول الأوروبية سمحت باستقلال مصر. كيف يحكم المصريون أنفسهم؟ وكيف يدافعون عن استقلالهم؟

  • (١)

    لا يسمح لنا تعجلنا في تحرير هذه المذكرات بتفصيل الخطة التي يفكر فيها الوفد المصري لحكم البلاد، ويكفي الآن أن نلاحظ أن المسألة هنا ليست مسألة انقلاب منشأه استنارة الأمة واحتكاك آراء فلسفية بعضها ببعض. لا يقوم نظام الحكم الجديد على شيء من هذا، بل تضع قواعده الظروف القاهرة وتخضع له رعية مسالمة جاهلة لا يعرف أفرادها الآن، أو يكادون لا يعرفون إلا عاطفتين خلقيتين: المصلحة والخوف. فإن أمكن الحكومة الجديدة (وليس هذا بالأمر العسير) أن ترفه من عيش الناس بعض الشيء، وأن تزيد كسبهم قليلًا، فمن المحقق أنها تجد منهم نصراء متحمسين. أوليس أي نظام أفضل من الاستبداد التركي؟ لتكن إذن الحكومة الجديدة عادلة، حازمة، وطنية كما كانت حكومة الشيخ همام العربي في الصعيد؟ (وقد حدثتك عن تاريخه)، ولتثق عند ذلك بأنها ستحترم وتطاع وتحب.

  • (٢)

    كيف يدافع المصريون عن استقلالهم؟ ماذا يصنعون لو اعتدت عليه دولة أوروبية؟ لا تتوقع حدوث شيء من هذا إلا بعد زمن طويل، وعند ذلك يكون قد تم تنظيم الجيش الوطني وجعله بحيث يستطيع رد الاعتداء. أما إذا كان الاعتداء من جانب الترك أو المماليك؛ فإنا نعتقد أن الدول الأوروبية تحظر عليهم مس استقلال مصر. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المصريين يمكنهم أن يستخدموا جيشًا أجنبيًّا من ١٢٠٠٠ إلى ١٥٠٠٠ جندي وينفقوا عليه. ويكفي هذا الجيش لصد الترك عند حد الصحراء، ولسحق المماليك في مصر نفسها، ويكون هذا الجيش الأجنبي أيضًا نواة الجيش الوطني. هذا ولما نعلمه من تأثير الذهب في العثمانيين، وأنهم يعملون أي عمل للحصول عليه، فإننا نستطيع ردهم عن مصر ببذله لهم. وكان المماليك يستخدمون المال كلما رأوا سحب السياسة تتلبد في القسطنطينية، وتنذرهم بشر مستطير.

    وينبغي ألا يفوتنا أن نذكر أن المصريين منقسمون بين عدة طوايف، وأن هذا الانقسام يتيح الوسايل لدفع هذه الطوايف بعضها ببعض فتتكافأ بذلك قواها. وللوفد المصري صلات بهذه الطوايف على اختلافها، ولا ينحاز لواحدة منها دون الأخرى. وهذه الصلات مستورة وستظل مستورة تمامًا عن الحكومة التركية في مصر، ولا بد من هذه الحيطة إزاء حكم مستبد يأخذ الناس بالشبهات. ولو عرف الترك حقيقة الأمر لما ترددوا في الفتك بإخوان الاستقلال عن آخرهم. والذين هجروا مصر مع الجيش الفرنسي من هؤلاء الإخوان قد تحدوا غضب الترك (وأمنوه)، ولكن إخواننا في مصر حالهم غير هذه. هم تحت السيف والعصا، فليس أمامهم إلا المواربة والظهور بمظهر عبيد السلطان والمخلصين.

٨

سيبذل المصريون عامة ووفدهم لدى الحكومات الأوروبية (خاصة) كل ما يستطيعون من جهد لتخليص أنفسهم بشكل ما من النير الذي يثقل حمله على بلادهم التعسة. ولكن إذا خاب سعيهم وشاء القدر أن يملك الترك هذه الأقاليم الجميلة الشهيرة وعرضها بذلك لتجدد الإغارات عليها، وجاءت معاهدات الصلح العام بين الدول على عكس ما يشتهون، فأقل ما يرجوه المهاجرون المصريون من الدول المتعاهدة أن تدبر لهم ضمانًا يقيهم على الأقل، إذا عادوا لوطنهم، شر انتقام الترك منهم.

٩

هذا ولو أن الوفد المصري لدى الحكومات لن يعمل إلا في تحقيق مشروع سياسي فيه نفع جميع الحكومات بما فيها الحكومة التركية (وليس تضميننا الحكومة التركية على غرابته من شطط القول، فإنا يمكننا البرهنة على صحته)، فقد تعرض أحوال لا بد فيها من المحافظة على سر المفاوضة. لذلك فإنا نرفق بهذا «شفرًا» يستعمل في مراسلاتنا عند الحاجة إليه.

١٠

ويرى الوفد المصري حرصًا على تحقيق ما يصبو له من إبلاغ المفاوضة غايتها لزوم كتمان أمر ما، فاتحناكم فيه من ممهدات لها وما قد تبلغونه للورد النبيل عن فرنسا وعن أي امرئ في مقدوره عرقلتها. وذلك أن خطة الوفد أن يسعى في أوروبا كي تكون فرنسا البادية بعرض المقترحات الأولى (الخاصة بالاستقلال) على إنجلترا. وتكون إنجلترا عنديذ قد اقتنعت (وهذا الاقتناع ثمرة أحاديثنا معكم وسعي اللورد) بما في ذلك الاستقلال المقترح من مزايا سياسية فتؤيده. وبهذه الطريقة لا يتعرض الوفد المصري؛ لأن يرى الحكومة الإنجليزية ترفض المشروع تحت باعث من نفور الأمتين إحداهما من الأخرى، أو حذر دسيسة من دسايس الجمهورية (الفرنسية).

١١

هذا، وكي تسهل مراسلتنا ونحن في فرنسا أو في غيرها من البلاد، يمكنك أيها القبطان أن ترسل ما تريد للسنيور الكونت أنطون كاسيس٦ المقيم في تريستا، وهو يتولى إرسال الرسايل حيث يقيم الوفد، على أن يوضع تحت عنوانه عنواني. أما ما قد يرسل لي (من غيركم) من إنجلترا، فإن وصولنا إلى باريس يذيع أمرنا فلا تصعب معرفة أين أقيم. وبهذا يسهل تسلمي ما قد تكتبه لي الحكومة (الإنجليزية). ولكن تلزم الحيطة التامة في هذا الأمر حتى لا تثار شكوك الحكومة الفرنسية بالمرة.

على ظهر السفينة بلاس، في ٢١ سبتمبر سنة ١٨٠١.

الملحق الثالث٧

من نمر أفندي بالنيابة عن الوفد المصري للقنصل الأول بونابرت،٨ إلى القنصل الأول للجمهورية الفرنسية من الوفد المصري الكثير الحب له، محجر مارسيليا، في أول فنديميير من السنة العاشرة (٢٣ سبتمبر ١٨٠١ / ١٨ صفر سنة ١٢١٦).٩

في أيام العالم الأولى، في تلك العصور البعيدة المجهولة، عندما كانت فرنسا لا تختلف كثيرًا عما صورته الطبيعة، ولا يظهر منها للناظر إلا جليد وغابات، كانت مصر الزاهية المتحضرة تلقي دروس العلم والعرفان على متشرعي الإغريق. ثم دار الفلك دورته، وشاء القدر أن يفد مصريو اليوم الحاضر أحفاد معلم الحضارة بالأمس إلى فرنسا، وهي تحت حكمك الخالد الذكر ليدرسوا نظم أمة يحبونها ويتعرفوا إلى ما اهتدت إليه من وسايل لا عهد لغيرها من الأمم بها، تلك الوسايل التي مكنت جمهورية ناشية من صيانة ما كسبته في ميدان الحرب بما استحدثته من نظم سياسية جديدة … وكما أن سولون عند عودته لبلاده من مصر شرع للإغريق، كذلك الوفد المصري الذي فوضه المصريون الباقون على ولايهم لك سيضع لمصر ما ترضاه لها من نظم عندما يعود لها من فرنسا. يكون هذا أيها القنصل الأول إذا تنزلت من أجل مجدك، ولنفع الجمهورية السياسي، فمددت يد المساعدة للمصريين البؤساء الذين حطمت في الماضي أغلالهم، والذين عادوا ينوءون بها من جديد، وأحسنت استقبال وكلايهم في باريس. وفي العاصمة سيكون استقبالنا حفلًا شرقيًّا يجدد ذكرى فتح عظيم نلته ثم فقدته. ولا بد أنك تحس إحساسًا شديدًا بألم ما فقدت، فَأْمر في معاهدات الصلح العام أن تكون مصر مستقلة تعوض عليك خسارتك ماية مرة. هذه هي أمانينا، وهذا ما أخذنا على أنفسنا ميثاقًا به.

عن الوفد المصري
وكيله: نمر أفندي
(حاشية)١٠ أغا الانكشارية١١ وعضو الوفد، الذي عرفته أيام أن كنت في القاهرة يرجوني أن أعيد لك ذكره ما شرفته به من عطفك عليه.
ن. أ.

الملحق الرابع١٢

من نمر أفندي لوزير الخارجية الفرنسية (تاليران)

سينزل في مرافي الجمهورية الفرنسية عدد غير قليل من مهاجرين شرقيين تركوا بلادهم مع ذلك الجزء من جيش الشرق الذي تم جلاؤه عن مصر. والوفد المصري بالرغم من أنه قد حرم رييسه الجنرال يعقوب الذي مات أثناء السفر، يعلن كل ما يحس به من ولاء وحب للجمهورية الفرنسية، ويرى من واجبه أن يلجأ إليك أيها الوزير لتتفضل وتضعه هو وهؤلاء المهاجرين في كنفك، وتقول له كما يقول بدوي الصحراء لضيفه: «كن في أرضك».١٣

كان لويس الرابع عشر يعمل في الظاهر لضم كنيسة الحبشة للكنيسة الرومانية، ولكنه كان يسعى في الواقع لمد نفوذه السياسي نحو أقاليم أفريقيا الوسطى الجذابة الخفية، فبذل جهودًا عديدة غير مثمرة ليعلم في فرنسا شبانًا من المصريين، وعلى الأخص من القبط، فإن بطريرك هؤلاء هو في الواقع بابا الأحباش. لم ينجح الملك في سعيه هذا. واليوم نرى الجمهورية الفرنسية تحت حكم القنصل الأول تحقق دون عناء ما عجزت عن تحقيقه — اللهم إلا الجزء الضييل منه — الملكية الفرنسية المطلقة، وقد بلغت منتهى القوة الاستبدادية. هذا والوفد المصري الذي ينوب عن الأمة المصرية لدى الحكومة الفرنسية يمثل وحده كل ما يجول في نفوس مفوضية العديدين من شعور بصالح الجماعة، وما يملأ أفيدتهم من أمان وما يملكون من أصالة تدبير ونفوذ وثروة ويعبر عما أجمعوا عليه من رغبتين: الأولى، سحق القوة الغشوم التي تستبد بهم من جديد. الثانية، وضع أملهم في فرنسا، اعتقادًا منهم أن مصلحة الجمهورية الفرنسية ذاتها تقضي عليها أن لا تخيب أملهم. نتقدم إليك إذن أيها الوزير برأي: تكبدت فرنسا في الشرق خسارة عظيمة، لم لا تتخذ من هذا الوفد وسيلة لتعوض ما فقدته؟ إنك إن تفضلت فدعوت الوفد لباريس قبل توقيع الاتفاق التمهيدي مع إنجلترا فإنا نستطيع أن نؤكد لك أن فرنسا تحتفظ للأبد بنفوذها السياسي في الشرق، وتدرأ عنه ما قد يفقدها إياه زمنًا طويلًا من أثر الجلاء عن مصر، وما آل إليه أمرها الآن، وسعي الدول التي تخشى بحق علو كلمة فرنسا. بل نستطيع أن نؤكد أكثر من ذلك. نستطيع أن نؤكد أن فرنسا إذا أرادت يمكنها بواسطة أمة — لن تكون إلا موالية لها — مد نفوذها نحو أواسط أفريقيا. وهكذا يتحول ترككم مصر للإنجليز من حادث نحس إلى منبع مجد للقنصل الأول، ورفاهية لأقاليم فرنسا الجنوبية.

ولا يرى الوفد المصري في الوقت الحاضر فايدة في الإسهاب، فهو يستطيع في جلسة واحدة في باريس أن يبين عن مقاصده ما لا يستطيع في عشرين مذكرة سياسية. ونحن العرب نقدر في الكلام على ما نشاء وإن كنا في الكتابة لا نبلغ إلا جهد المقل. هذا إلى أننا غير غافلين عما توجبه علينا كثرة شواغلك السياسية من الإجمال في الرسايل. ونرجو التفضل بالرد على كتابنا هذا، وأن تسمح لنا إن تفضلت باستقبالنا في باريس أن تقابلنا بزينا الشرقي. فالمسلمون منا يشق عليهم خلع زيهم. وفضلًا عن هذا، هذه الأزياء الشرقية قد تذكِّر القنصل الأول بفتوحه وراء البحار، وترضي المستطلعين ممن لم يتبعوه للشرق.

والوفد المصري يعلم أن وقت القنصل الأول الذي تصدر عن إرادته أمور الحكم حتى في جزيياتها، وتستظل الدولة في ظله الظليل، أثمن من أن يصرفه في التفكه بقراءة ما يرد إليه من الرسايل الخاصة، ولكننا نرجو أن يقدر أن وفدنا جديد في بابه، وأنه يصل إلى فرنسا في ظروف خاصة، وإن كتابنا له١٤ المرفق بهذا له ما له من أهمية فيتنزل لتسلمه منا، ويتأمله بحكمته البعيدة الغور.
نفس التاريخ كالملحق السابق
١  Captain Joseph Edmonds of His Majesty’s Ship Pallas to the Earl of Saint-Vincent first Lord of the Admiralty. Minorca 4th. October 1801.
Foreign Office Records, 78, Turkey, vol 33.
Traduction française, Douin, “L’Egypte Indépendente” pp. 1–3.
٢  “From his conversation I believe him to be of a speculating mind”.
٣  المذكرات التي تكون هذا الملحق مرفقة بالكتاب السابق، وهي في نفس السجل الذي بيناه عن الملحق الأول (Texte francais. Douin, op. cit. pp. 5–12). بهذه المذكرات «بياض» في عدة مواضع وبها أيضًا جمل تحتها خط، وهذه المواضع مبينة هنا كما في الأصل.
٤  الظاهر أن لاسكاريس ظن أن إدموندس قد يكتب أولًا لرييسه المباشر اللورد كيث لا مباشرة إلى اللورد الأول للبحرية كما فعل.
٥  جملة غير تامة في الأصل.
٦  عن كاسيس هذا انظر فصل [الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر في سنة ١٨٠١] من هذه الرسالة.
٧  Archives du Ministere des Affaires Etrangeres. Turquie, “Correspondance”, vol. 203, Auriant “Mercure de France”, 15 Juin 1924, pp. 593–594.
٨  بهذه الوثيقة أيضًا بياض في عدة مواضع بيناها هنا كما في الأصل.
Nemir Effendi (pas Hemir, comme l’a transcript M. Auriant) au premier Consul, Il y a un Lofti (Sic, Litfi) Nemir Parmi les emigres Egyptiens a Marseilles, voir Homsy, op. cit. p. 141.
حرف المسيو أوريان في نقله هذه الوثيقة اسم الموقع عليها إلى «همير أفندي». وقد قرأتها نمر أفندي ووجدت في أسماء المهاجرين المصريين في مارسيليا اسم لفطي (أي لطفي) نمر، وصناعته مترجم لغات شرقية (راجع كتاب همصي ص١٤١). وإذا تذكرنا أن النون والميم في النمر ينطق بها في بعض اللهجات متحركة بالكسرة سهل علينا فهم كتابة هذا الاسم بالحروف الفرنسية هكذا “Nemir”.
٩  كذا في الأصل، و٢٣ سبتمبر سنة ١٨٠١ توافق ١٥ جمادى الأولى.
١٠  Ce post seriptum a ete omis par M. Auriant dans sa transcription du document. Il se trouve dans le texte original comme suit: “L’ aga des janissaires et member de la legation, connu de vous au Kaire, m’ordonne de le rappeler au souvenir des bontes dont il a ete honorees par vous”, N.E.
١١  المقصود من هذا عبد العال الأغا الذي ذكرنا خبر وكيفية ارتحاله مع الجيش الفرنسي في سنة ١٨٠١.
١٢  Nemir Effendi au Ministre des Relations Extérieures, 1 Vend. Annex Archives Du Ministère des Affaires Etrangères. Turquie. Correspondance vol. 203.
Auriant: op. cit. pp. 594–595.
١٣  في الأصل ما يأتي: “et Lui accorder, comme disent les Arabes du désert, votre fiardac d’hospitalité”.
١٤  المقصود من هذا الكتاب المنشور في الملحق الثالث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤