رأي الطان في «تحرير مصر»

نشرت جريدة الطان الفرنسوية الشهيرة في عددها الصادر في ٢٧ يناير سنة ١٩٠٦ ما عربه لنا صديقنا محمد كرد علي منشئ المقتبس بما يأتي:

من العادة أنه يتعذر تحرير المرء من أوهام عصره ومحيطة وجنسه، وإليك مع هذا إنكليزيًّا جاهد في التخلص من تلك الأوهام حق الجهاد فاستحق الحمد والثناء على كتاب نشره بلا اسم مؤلفه، وقد أراد أن ينظر إلى المسألة المصرية في ذاتها دون النظر إلى ما يذهب إليه أهل وطنه أو خصومهم في أمرها، فلا هو في كلامه بإنكليزي ولا فرنسي؛ بل إن الحقيقة هي ما يرمي إليها أولًا، ومن رأيه أن قد دعت إلى مسألة مصر في تاريخ السياسة الإنكليزية ضرورة الاحتفاظ بجعل طريق الهند حرًّا، فلم يحفل الإنكليز بامتلاك مصر إلا لذلك، وهذا الذي دعاهم إلى الاستيلاء عليها حتى لا يحول حائل دون اتصالهم بمستعمراتهم العظمى، ولقد سعى بونابرت في أن يقطع عليهم الطريق ولذلك قاتلوه. ولما جعل محمد علي سنة ١٨٤٠ القطر المصري إقطاعًا لفرنسا … اضطرت إنكلترا في هذا العهد إلى المداخلة، ولما نشبت ثورة عرابي أيضًا عمدت بريطانيا إلى تلك الطريقة بعينها. وما كانت الغاية إذ ذاك فتحًا؛ بل لمحض حفظ ترعة السويس من غارة الأعداء، وكان هذا الأمر غاية السياسة الإنكليزية الوحيدة حتى إنها طلبت مساعدة فرنسا لها في هذا الشأن.

وقد اغتنم المؤلف الفرصة ليذكر ما قامت به فرنسا لمصر وما أتاه الفرنسويون من الخدمات العديدة للمصريين، فذكر أننا أتيناهم بحضارتنا ورءوس أموالنا وبالمهذبين من أبنائنا وبلغتنا، وما برح العلم الفرنسوي منذ عهد شامبوليون إلى عهد المسيو ماسبرو يجلو ماضي مصر. ولم يوافق الكاتب الإنكليزي على ذلك بإخلاص شديد فقط؛ بل إنه تعدى ذلك إلى أن اعترف بما تم على يد فرنسا لمصر من الخير، ولم يبد في نتائج مؤلفه غير هذه الحرية الفكرية العظيمة، وهو يرى أنه ليس من مصلحة إنكلترا البقاء في مصر وأنها في مركز ملفق مزور يخالف وعودها السابقة، ويذهب إلى أنه لا حاجة للإنكليز إلى مصر بتة، وأنها تجلب عليهم ضررًا كثيرًا، وتفتح عليهم صعوبات جمة يخلصون منها إذا جلوا عنها، وأهم مسألة لهم هي ترك برزخ السويس حرًّا، ولكن هذه الحرية ليس لها تعلق بمصر بتاتًا؛ بل هي تابعة أبدًا لدرجة قوة إنكلترا البحرية في البحر المتوسط، وما دام لها في البحر الأبيض أسطول يفوق غيره فلا تخشى شيئًا من ناحية مصر، على شرط أن لا تكون هذه في أيدي دولة أوروبية بالطبع. وقصارى القول أن الإنكليزي الذي كتب هذا الكتاب الجديد المشف عن إقدام وحرية صرح بالجلاء كل التصريح لأنه لا يجد لأمته فيه إلا نفعًا، ومن رأيه أن إنكلترا قد أتمت عملها بعد أن أصلحت المالية المصرية وقامت بأعمال عظيمة في إصلاح الري، وأن منزلتها تسمو إذا تركت مصر للمصريين بعد أن تقيم فيها حكومة وطنية. ا.ﻫ. (حديث الطان).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤