الفصل السابع والعشرون

التأمين

البحر، البحر، البحر. إن أمواجه تتلاحق ويُناديني! إن لونه يتغيَّر طوال اليوم، من الأزرق إلى الأسود إلى الرمادي وجميع الدرجات فيما بينها، وأنا أحبُّ البحر، أحب البحر!

كان القارب يسير بسرعةٍ جيدة حتى الآن، ونحن الآن نَمضي إلى الأمام مباشرةً بشكلٍ جيد عبر الرياح! نقضي القِسط الأكبر من نوبة الحراسة في تعديل الأشرعة في الأوضاع الملائمة وتثبيت مَسارنا، بينما نقوم بأعمال التنظيف والطهي وترتيب الأغراض في غير أوقات الحراسة (الأمر الذي يُسعد براين والخال ستيو).

في الليلة الماضية، تواصَلْنا مع قاربٍ آخَر عن طريق الراديو؛ كان بحَّارًا يُبحر بمفرده، وكانت لديه مشكلة في الكهرباء، وأراد أن يعرف أين هو. لم يحتَجْ إلى أيِّ مساعدةٍ أخرى، لكني قضيتُ الليلة بأكملها أفكِّر في وجوده بمفرده. هل كان سعيدًا لكونه بمفرده، أم كان خائفًا؟

عندما انتهَت نوبةُ حراستي كان الخال ستيو يتحدَّث مع البحَّار عبر الراديو مجددًا.

سألت الخال ستيو: «ألم تخلُد للنوم؟».

«لا، كنتُ أحاول فقط معرفةَ كيف يعمل هذا الراديو، هذا كل شيء.»

لم ينجح في خِداعي. لقد كان قلقًا على البحَّار هو الآخَر.

قلت له: «إذا كنتَ ترى هذا تطفُّلًا شديدًا مني، فلستَ مضطرًّا إلى أن تُجيبني، لكني كنتُ أتساءل. ماذا تعمل … ما وظيفتُك … أعني في الأوقات التي تعمل بها؟»

لم يرفع رأسه لينظر إليَّ. «في أوقات العمل، أقوم ببيع عقودِ تأمين.»

«أتقصد عقودَ التأمين على الحياة وعلى السيارة ومثل هذه الأشياء؟»

قال: «نعم. نحن بحاجة إلى عقودِ تأمين على كل شيء.»

قلت: «لا أفهم أبدًا معنى التأمين على الحياة. تقوم بدفع المال للتأمين على ماذا … على البقاء على قيد الحياة؟ وكيف يمكن لدفع المال أن يُساعد في إبقائك على قيد الحياة؟ وماذا لو لم تبقَ على قيد الحياة؛ بماذا يفيد التأمين؟»

فرَك الخال ستيو جبهتَه. ربما كنتُ أتسبَّب له في صداع. قال: «الأمر معقَّد نوعًا ما. إن التأمين يُسعد ذَوي المتوفَّى.»

سألتُه: «وهل تحب القيام بذلك؟».

«القيام بماذا؟»

«ببيعِ عقود التأمين.»

«ليس تمامًا. وقد فُصِلتُ على أي حال.»

قلت له: «حسنًا، ربما يكون هذا أمرًا جيدًا. فبإمكانك الآن القيامُ بما تُحبه حقًّا.»

قال مُتهكمًا: «هاه.»

سألته: «ماذا يمكن أن يكون هذا الشيء؟ ما الذي تحب فِعلَه حقًّا؟».

قال الخال ستيو: «أتعرفين يا صوفي؟ أنا لا أعرف. ليس لديَّ أدنى فكرة على الإطلاق. أليس هذا مثيرًا للشفقة؟».

قلت: «نعم.» لقد كان هذا صحيحًا. فقد بدا لي الأمرُ مثيرًا للشفقة فعلًا.

•••

كانت الأمواج ترتفع شيئًا فشيئًا، وكانت الكابينة الأمامية تهتزُّ صعودًا وهبوطًا مثل الأفعوانية. عندما كنتُ نائمةً هناك، حلمتُ أنني لم أُولَد بعدُ، وأن أمي كانت تُشارك في ماراثون للجري. تُشعرني هذه الحركةُ الاهتزازية بالنُّعاس الشديد، وقضاء الوقت الذي لا أكون فيه في نوبة الحراسة مستلقيةً في استكانة على سريري الضيِّق فكرةٌ مُغْرية، لكني سأقعُ في مشكلة لو فعلت ذلك. فسوف يلكُمني براين والخال ستيو ويُخبرانني بمهامِّي.

كان كودي يتعلَّم استخدام راديو الهُواة، وفاجَأني الخالُ دوك حين قال إن أبي كان يُحاول توصيلَ هوائيٍّ أحاديِّ الحُزمة الجانبية، ولو كان استطاع فعل ذلك، لَتمكَّنَّا من التواصل معه عبر راديو الهُواة. أحببتُ هذه الفكرة نوعًا ما، وفكرتُ أنني كنتُ سأبقى على تواصُل مع أبي وأمي، لكنني شعرتُ أيضًا بإحباط؛ إذ بدا ذلك كما لو كان غشًّا، وكأنني سأحصل على مساعدةٍ إضافية أو شيءٍ من هذا القبيل.

•••

ظللتُ أُفكر في بومبي، وأنسجُ في رأسي أحاديثَ معه. «ها نحن قادمون يا بومبي! نُبحر عبر البحار العاتية إلى تلالِ إنجلترا الخضراء المتموِّجة. ها نحن قادمون!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤