الفصل التاسع والثلاثون

تمايُل

ربطنا جميعَ الأشياء غير المُحكَمة، وواصلنا العملَ نحو ستِّ ساعات، لكن الرياح ما زالت تشتدُّ وتهبُّ باستمرار من الجنوب الشرقي. في وقتٍ سابق، كان الأمر يبدو كأننا نمتطي أفعوانية، وفي بعض الأحيان يكاد يكون الأمر ممتعًا؛ إذ كنا نُسارع الوقت محاوِلين إبقاءَ القارب في وضعٍ عمودي مع الأمواج حتى لا ننقلب. نرتفع مع الموجة ونهبط، نرتفع ونهبط!

الأمواج الآن تزداد شراسةً، ترتفع وتنقلب مثل وحوشٍ تنظر شَزرًا واللُّعاب يسيل منها، وهي تنفث من فمها خُيوطًا سَميكة من الزَّبَد في الهواء. في بعض الأحيان عندما تكون الأمواجُ الكبيرة خلفك، يمكنك رؤيةُ أسماكٍ ضخمة عالقة فيها.

الرؤية متعذِّرة، والتفكير متعذِّر، والبقاء في وضع مستقيم متعذر. كنت جاثيةً على رُكبتيَّ على ظهر القارب أُثبت حبلًا، وعندما التفتُّ إلى الخلف لم أستطِع رؤية أيِّ شخص آخَر على القارب، على الرغم من أنني رأيتُ دوك وكودي والخال مو هناك قبل دقيقةٍ واحدة فقط، وعندما ناديتهم بصوت عالٍ أعادت الرياحُ صوتي إلى فمي. سمعتُ صوتَ أنينٍ خفيف داخل رأسي.

صاح الخال دوك وهو يَبرُز من وسط الضباب: «توتُّر الأشرعة شديد». كان يُحدق في الأشرعة، حيث كانت الحلقات في الجزء العُلوي من كلا الشِّراعَين تُفلت من مواضعها، مُحدِثةً أصواتَ طقطقة وأزيز! كان الشراع الرئيسي يتمزَّق من الأعلى.

أنزلنا الشراعَ وحاولنا رفْعَ شِراع العواصف الخاص بالمهامِّ الشاقَّة، ولكن قبل أن نرفعه لأعلى، كان نصفُ الحلقات قد انخلع. هبَّت عصفةُ ريح قوية دفَعَت الخال مو ناحيتي، فانبطحتُ أرضًا على حبلِ تثبيت الصاري.

صاح كودي: «انفكَّ حبلُ الراية على الشراع الخلفي!».

قال الخال مو وهو يُحاول الوقوف: «أترى؟». وأردف: «إن الولد ليس أحمق. إنه يعرف بعضَ الأشياء.»

بدأ الشراع الخلفيُّ يتمزَّق أيضًا؛ لذلك أنزلناه هو الآخَر، ولكن بينما كنا نقوم بإنزاله، اهتزَّ حبل الراية وانفكَّ، وظل عالقًا في قمة الصاري.

تشبَّث الخالُ دوك بالسور، وصاح باتجاه الماء: «أوه، روزالي!»

وها نحن بلا صَوارٍ وسطَ رياحٍ عاتية وبحرٍ مُتلاطم، نتمايل مِثل قِطَع الفلِّين، بعيدين كلَّ البعد عن اليابسة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤