الفصل الحادي والأربعون

ركوب الأمواج

كنتُ أُوجِّه دَفَّة القارب غالبيةَ الوقت، وهذه الأمواج بلا رحمة. جبالٌ من الماء تصطدم بنا كلَّ خمس دقائق، والرياح تعوي وتعوي وتُحاول أن تُطيح بنا. تسبَّبَت موجةٌ عاتية في سقوط كودي أرضًا، بينما كان يشقُّ طريقَه إلى مقدمة القارب.

صاح الخال دوك: «ارتدِ حزامَ الأمان هذا يا كودي!». ثم صاح بي: «ثبِّتي عجَلة القيادة يا صوفي!»

ثبَّتُّ عجلةَ القيادة بأقربِ ما يكون من اتجاهنا، بينما قام الخال ستيو بتحضيرِ بعضٍ من مشروب الشوكولاتة الساخنة لتدفئتنا، واجتمعنا جميعًا لمحاولة معرفةِ ما سنفعله بعد ذلك. كنا مُنهَكين تمامًا من مصارعة الرياح والأمواج. فالرياح والمياه تحملان بداخلهما قوةً هائلة. ونحن مثل ذرَّات الرمال بينها، محاطون بطاقةٍ هائلة يمكنها سحقُنا إلى عددٍ يفوق الحصر من الذرَّات. لا يسَعُك سوى أن تشعر بأنَّ الرياح والماء تحملان ضغينةً ضدَّك أنت شخصيًّا.

أجلس في الكابينة الأمامية وقد ارتفعَت الأمواج قليلًا عن ذي قبل، والرياح تهبُّ بسرعة خمسين عقدة. يبدو البحر أبيضَ ومخيفًا، وثمة رائحةٌ غريبة في الهواء، تبدو كرائحةِ مزيج مختلط من السمك والطحالب والعفن معًا.

يحاول الخال ستيو وبراين إصلاحَ شراع العواصف، لكن اتجاه الرياح تغيَّر مجددًا ونحن نسير بدون أيِّ أشرعة. لم نَعُد نصطدم بالأمواج، بل أصبحَت تدفعنا إلى الأمام بسرعةٍ هائلة.

صاح كودي للتوِّ ليُخبرنا أن عارضة الصاري للشراع الخلفي قد تحطَّمَت هي الأخرى.

وماذا بعد؟

•••

لاحقًا:

قرَّرنا عدم رفع شراع العواصف بسبب قلة حبال الرفع لدينا والضغط الواقع على عارضات الصواري. نحن الآن نركب الأمواج. نركب الأمواج إلى أيرلندا.

•••

لاحقًا:

تنتابني حالةٌ من اليأس، رغم أنني لا أودُّ أن أكون كذلك. إنه الشعور نفسُه الذي يُزعجني من وقت لآخَر. أريد أن أقوم بجميع الأعمال المعقَّدة على القارب، جميع الأعمال على سطح القارب، وأتطوَّع دائمًا للقيام بها، لكن دائمًا ما ينتهي بي الأمر عالقةً عند دفَّة القارب.

«لا أعتقد أن بإمكانك القيامَ بذلك يا صوفي. أمسِكي الدفة.»

«الأعمال على سطح القارب شاقَّة بعضَ الشيء يا صوفي. أمسِكي الدفة.»

إن قيادة القارب ليست أمرًا سيئًا، ولكن هناك بالأعلى يبدو كلُّ شيء مثيرًا وبه كثير من الزخم، هناك في الهواء الطلق بينما يطير القاربُ ويصطدم بالأمواج.

•••

لاحقًا:

عندما تطوَّعتُ بالمساعدة في رفع شراع العواصف، طلبَ دوك من كودي القيامَ بذلك بدلًا مني، وغضبتُ قليلًا.

صِحتُ: «أعرف أني لستُ بقوة كودي، ولكني أعوِّض ذلك ببذل الجهد!»

بدا الخال دوك مُتعَبًا. قال لي: «أمسكي الدفة يا صوفي.»

كنتُ أقوم بتوجيه القارب وأنا أتحدَّث إلى نفسي حديثًا غاضبًا صامتًا، بينما في وجه الرياح عندما جاء براين وقال لي: «كُفِّي عن هذه الأنانية يا صوفي.»

«أنانية؟ أنا؟ ما الذي تتحدث عنه بحقِّ الجحيم؟» كنت غاضبةً جدًّا منه. لا أعلم من أين أتى كلُّ هذا الغضب.

«الأمر لا يتعلَّق بكِ وحدك. يجب أن يقوم كلُّ واحد بما يُجيده، وعلى الجميع تَلقِّي الأوامر من القائد.» ولكَزني في كتفي.

«توقَّفْ عن ذلك!»

فلكَزني مرةً أخرى. وقال لي: «أنتِ في هذه الرحلة فقط لأن دوك أشفَق عليكِ. أنتِ هنا فقط لأنكِ …»

«ماذا؟ لأني ماذا؟»

تمايل القارب، ودفع براين يدَه نحوي فدفعتُه إلى الخلف، وأخذ يحاول الوقوف مستندًا إلى السور. تمايل القارب مرةً أخرى، وكان يُكافح من أجل النهوض والتشبُّث بالسور. كان يترنَّح، وكنتُ متجمِّدةً ومتشبِّثة بعجلة القيادة.

ظهر كودي على حينِ غِرة وأمسك ببراين، ودفعه نحو منتصَف القارب، وقال له: «ارتدِ حزام أمانك الغبيَّ أيها السيد العبقري!»

دخل براين إلى الكابينة، ونظر إليَّ كودي نظرةً غريبة. قال لي: «ماذا حدث لكلِّ ذلك؟»

قلت: «لا شيء.» كنتُ أرتعد، وما زلتُ أرتعد، وبراين يتجنَّبني، وأنا أتجنبه.

لا أشعر أنني صوفي. أشعر كأنني برغوثُ بحرٍ صغيرٌ أحمق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤