الفصل الثاني والخمسون

مضطربون

البحر، البحر، البحر. إنه يَهدِر ويمور ويقضُّ مضجعي، بل يقضُّ مضاجعَنا جميعًا.

نرتعدُ عندما نسمع تلاطُم الأمواج. كلما أغمَضتُ عيني، لا أرى سوى تلك الموجةِ المُزبدة العاتية، ولا أسمع غيرَ هديرِها الخفيض الذي يعلو ويعلو مع انكسار الموجة. كلُّنا يخشى النوم، كلنا يخشى عودةَ تلك الموجة.

وعندما نضطجع في أسرَّتنا بالفعل، نقفز منها لدى سَماع أقل صوت لموجة جديدة. أظل أجترُّ المشهد في رأسي مِرارًا من شتى الزوايا. كان الأمر يُشبه عملية الميلاد: كنتُ في عالمي الصغير المتموِّج حتى اجتاحَتني دَفقةٌ غزيرة من مياه، سحَقَتني جاعلةً مني حزمةً دائرية صغيرة، ودفَعَتني عبر مكانٍ ضيق، ثم أصبحتُ بلا حول ولا قوة، مُبتلَّة المؤخرة، لا يربطني شيءٌ إلا حبلًا أحمر صغيرًا حتى نزَعَته عني يدٌ كبيرة. لم أستطِع الكلام، لم أستطِع شيئًا سوى الأنين والبكاء.

•••

باب فتحة القمرة مُغلَق بإحكامٍ الآن، وتخلَّصنا من معظم المياه بالأسفل. كودي على سطح القارب، وعاد إلى العمل مجددًا، ولكن الخال مو استسلم لدُوار البحر؛ لذا فهو والخال ستيو في شدة البؤس والانهيار. أصيبت ذراعُ براين بالتواءٍ شديد، وكذلك أُصيب ظهر الخال دوك. نحن مجموعةٌ بائسة مثيرة للشفقة.

ما زالت ساقي اليُمنى ترتجف من الألم وتؤلمني في المنطقة حول الركبة والجزء الخلفي من الفخذ. ساقي الأخرى خلَت من الإصابات باستثناء التواء والتهاب في الكاحل. لكن برغم كلِّ ذلك، وبالإضافة إلى ضربةٍ كبيرة في رأسي من الخلف، فإن جسدي لا يزال قطعةً واحدة.

لكنني ممزَّقة إربًا من الداخل. يُراودني شعورٌ غريب وموجع، وأشعر باضطرابٍ بالغ. أحيانًا أشعر أنَّ تمايلًا بسيطًا للقارب، أو أيَّ حركة سريعة ستُمزق جسدي إلى أشلاء متناثرة في البحر.

على مَقرُبة مني يرقد حزام الأمان، تلك القطعةُ الصغيرة من الفولاذ المقاوِم للصدأ التي أنقذَت حياتي، وواحدةٌ مثلُها أنقذَت حياة دوك وكودي. وذلك حتى الآن.

•••

وجهُ كودي ليس على ما يُرام حتى الآن. أمس، عندما بدأ أخيرًا في الاستيقاظ، سألني إذا كنتُ قد أعددتُ له فطيرة. لم أفهم في البداية ما كان يقصده، لكنه قال لي: «مثل بومبي. كان دائمًا ما يحظى بفطيرةِ تفاح عندما ينجو من شيء.»

قلتُ: «ويُجلَد أيضًا»، وظننتُ أن كودي سيضحك على ما قلتُه، لكنه بدلًا من ذلك قال: «هل تعتقدين أن أباه قد ندم يومًا على هذا الجَلْد؟»، فقصَصتُ عليه حكايةً أخرى من حكايات بومبي، لم تُجِب بالضبط عن سؤاله، ولكنها بدَت مناسبةً للموقف نوعًا ما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤