الفصل التاسع والستون

الفتاة الصغيرة

انطلقنا عبر ويلز. يا إلهي، هل أحبَّت صوفي ويلز! لقد ظلَّت تقول: «ألَا تحبُّ أن تعيش هنا؟ في هذه القرية؟ أين المدرسة التي سنذهب إليها؟ ماذا سنتناول على الفطور؟ تُرى من يعيش في ذلك البيت الصغير الكائن هناك؟»

ولكن الليلة الماضية كانت الأغربَ على الإطلاق. كنا في نُزل صغير، في انتظار صوفي لنتناولَ طعام العشاء بالأسفل، وكان براين يُلحُّ على العم دوك ليُخبرنا بما حدث لوالدَي صوفي الحقيقيَّين.

قال براين في إصرار: «من حقِّنا أن نعرف.»

قال العم دوك: «ليس لديَّ فكرة عن هذا الموضوع.»

قال العم ستيو: «ماذا حدث؟». وأردف: «لا يُخبرني أحدٌ بأي شيء مطلقًا.»

قال براين: «لماذا تكذب صوفي دائمًا بشأن والديها؟ هذان ليسا والديها. لماذا تكذب بشأن بومبي؟ سوف أسألها صراحةً عن سبب كذبها.»

قال العم دوك: «صوفي ليست كاذبة.»

قال براين: «بل كاذبة إلى أقصى حد.»

قال العم دوك: «اسمع، سوف أقول لك شيئًا. سوف أروي لك حكاية …»

قال براين: «لا أريد حكاية. أريد الحقيقة.»

قال العم دوك: «فقط اسمع. ذات يوم كانت هناك طفلة تعيش مع والديها بجانب المحيط. كانت أسرةً صغيرة جميلة، وكانت الفتاة محبوبةً للغاية. ولكن حدث شيء … الأبوان … لقد مات الأبوان، ثم …»

شعرتُ برأسي يطنُّ وكأنه قُصِف بوابلٍ من الألعاب النارية. قلت: «انتظر!». وأردفتُ: «بعد ذلك ظلَّ الجميع يُخبر هذه الفتاة الصغيرة كيف أن أبويها قد ذهبا إلى السماء …»

قال دوك: «لا أعرف بالضبط …»

أكملتُ أنا القصة. قلت: «كان الجميع يقول كيف أن السماء مكانٌ جميل للغاية، وما إلى ذلك، وليس به متاعب ولا أحزان، ممَّا أحزن الطفلةَ الصغيرة بشدة؛ لأن أبويها قد ترَكاها وذهبا إلى هذا المكان الجميل بدونها …»

قال دوك: «حسنًا، لا أعرف بالضبط. كلُّ ما أعرفه أن هذه الفتاة الصغيرة قد ذهبَت بعد ذلك للعيش مع …»

قلت: «انتظِر. مع جَدِّها؟ هل عاشت مع جدها؟»

قال العم دوك: «نعم. لكنها عاشت مع جدها مدةً قصيرة فقط، ثم مات هذا الجد، فذهبَت للعيش في منزل عمَّتها، ولكن العمة …»

قلت: «العمة لم تكن تريد الطفلةَ الصغيرة، أليس كذلك؟». وأكملتُ: «فذهبت الطفلة للعيش برفقةِ أسرةٍ بديلة أو ما شابهَ ثم أخذَت تتنقَّل بين الأسر. لم يُرِدها أحدٌ على الأرجح. لقد عاشت في أماكن كثيرة جدًّا، أليس هذا صحيحًا؟»

قال العم دوك: «بلى.»

قال براين: «ماذا يحدث بحق الجحيم؟ كيف عرَفتَ كلَّ هذا يا كودي؟».

قال العم ستيو: «لماذا لا يُخبرني أحدٌ أبدًا بكل هذا؟».

قلت: «وأخيرًا تبنَّت إحدى الأسر الفتاةَ الصغيرة، صحيح؟»

قال العم دوك: «صحيح.»

«حينئذٍ»، وكنتُ أتحدث بسرعةٍ بالغة حقًّا، «أرادت الفتاة بشدة أن تكون مرغوبة، لدرجة أنها أقنعَت نفسها بأن هذه الأسرة هي أسرتُها الحقيقية، أسرتها الوحيدة، وأنهما قد اختاروها وأحَبُّوها، ولا يستطيعان العيشَ دونها.»

عندما وصلتُ إلى هذه النقطة، دخلَت صوفي الغرفة، فحملقنا جميعًا فيها، ووضع براين رأسه بين يدَيه وقال: «أوه. أوه!»، وقال العم ستيو: «يا إلهي. لا أحد يُخبرني بأي شيء على الإطلاق!»

ثم تناولنا العشاء.

لم أستطِع أن أتناول الطعام إلا قليلًا؛ لأن كلَّ ما استطعتُ فِعله هو النظر إلى صوفي، صوفي الجديدة كليًّا، وكان الجميع ينظر إليها أيضًا، وأخيرًا وضَعَت الشوكةَ على المائدة وقالت: «لماذا يُحملق فيَّ الجميع بالضبط كما لو كنتُ شبَحًا أو شيئًا ما من هذا القبيل؟»

قال العم دوك: «أنتِ فقط تَبْدين الليلةَ مميزةً جدًّا يا صوفي، هذا كل ما في الأمر»، فأحنَت رأسها، ورأيتُ دمعةً وحيدة تسقط على خدِّها ثم على الطبق.

•••

عبرنا للتو نهر سيفرن (كان هناك جسر! وليس عبَّارة!) ونحن الآن في إنجلترا. بكى أبي والعم دوك عندما دخلنا إنجلترا. سألتُ صوفي عن سبب بكائهما، وقال العم دوك: «إنجلترا! إنجلترا!» ولم تكن تلك إجابةً بالمعنى الدقيق.

قالت صوفي: «وما المشكلة؟»

قال أبي: «لقد وُلِد أبونا هنا.»

قالت صوفي: «أعرف ذلك.»

سأل براين: «ولماذا يجعلكما ذلك تبكيان؟».

قال أبي: «أبونا. بومبي. وُلِد هنا.» ثم التفت إلى العم ستيو. «هل تفهم ما أقصد؟ لقد وُلِد بومبي هنا.»

قال العم ستيو الذي كان يقود السيارة: «عليَّ التركيز هنا، إلى أين نحن متَّجهون الآن؟ مَن معه الخريطة؟»

فالتفت أبي إلى العم دوك: «دوك؟ اشرح له أنت. فالأمر مؤثرٌ بعض الشيء …»

قال دوك: «بالتأكيد. أنا أعرف ماذا تقصد. فأبونا قد وُلِد في هذا البلد؛ مما يعني أن جزءًا منا هنا أيضًا. نحن جئنا من هنا …»

ثم عمَّ الصمتُ الجميع، وظلُّوا يُحملقون في المناظر الريفية.

قالت صوفي: «فقط فكِّروا في الأمر. لو لم يأتِ بومبي وأبواه إلى أمريكا، لكنتم قد ترعرعتم في إنجلترا أيضًا. ولَمَا كنتم قد أصبحتم أمريكيِّين. كان سيُصبح هذا موطنَكم.»

أومأ أبي برأسه. «هذا بالضبط ما كنتُ أفكر فيه.»

قال براين: «حسنًا، لو ترعرَع بومبي هنا، فربما لم يكن ليتزوج الفتاةَ التي تزوَّجها، وما كنتم جميعًا وُلدتم وأصبحتم هنا الآن. أو ربما لو وُلدتم هنا، لترعرعتم هنا وما كنتم تزوَّجتم ممَّن تزوجتم بهن، ولم أولَد أنا. ولا كودي …»

همسَت صوفي: «وهل كنتُ سأولد؟»

نظر الجميع إليها ثم إلى الريف مجددًا، وقال براين بجِديةٍ شديدة: «والآن هذا هو سؤال القرن.»

أراحت صوفي رأسها على النافذة وأغمضَت عينَيها. أظنها نائمةً الآن.

همس براين لي: «ولكن ماذا عن حكايات بومبي؟ كيف عرَفَت حكايات بومبي؟ هل قامت بتأليفها؟»

قلت: «لا أدري.» والآن أفكر في جميع الأشياء التي لا أعرفها عن صوفي. أريد أن أعرف كيف مات أبواها. هل أُصيبا بمرضٍ خطير؟ هل ماتا في الوقت نفسِه أم ماتا واحدًا بعد الآخر، وإذا كان الأمر كذلك، فأيُّهما مات أولًا؟ وفيمَ تُفكر صوفي؟ وبمَ تشعر صوفي؟

•••

أتساءل ما الذي تحلم به صوفي.

سنكون في منزل بومبي الليلة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤