١٠

ذات صباح تظهر ماريانا بصحبة شاب طويل. إنه الولد الذي في الصورة، دراجو.

تقول ماريانا: جاء ابني يلقي نظرة على دراجتك. قد يستطيع إصلاحها.

– نعم. بالطبع. (ويتساءل، من أوحى لها بفكرة أنه يريد إصلاح دراجته المُحطَّمة؟) أهلًا دراجو، يسعدني أن ألقاك، شكرًا لحضورك. (يُخرِج مفتاح المخزن من مجموعة من مفاتيح يحتفظ بها في دُرْج ويعطيه للولد) افعل ما تراه مناسبا. أرى أن إصلاح الدراجة ميئوس منه؛ الهيكل مَثْنيٌّ، الإطار ممزق ألْفَ في المائة، لكن ألقِ نظرة.

يقول الولد: حسنًا.

تقول ماريانا حين صارا وحدهما: جئتُ به ليتحدَّث معك، كما قلْتَ.

كما قال؟ ماذا قال؟ هل يلقن دراجو درسًا عن الأمان في الطريق؟

تتبدَّى الحكاية التي نسجتها ماريانا لابنها لتظهر هذا الصباح جزءًا جزءًا؛ لدى مستر ريمنت دراجة يريد إصلاحها ليبيعها؛ ولأنه معوَّق ولا يتمتع بالبراعة أيضًا، فهو لا يستطيع إصلاحها بنفسه.

يعود دراجو من الفحص ويقدم تقريره. لا يمكن أن يقول ارتجالًا ما إن كان الهيكل مكسورًا أم لا. ربما يتمكن هو ورفاقه، وأحدهم يعرف محل آلات، من إصلاحه وَرشِّه من جديد. ومع ذلك، فإن إطارًا جديدًا ومحورًا وجادونًا وفرامل قد تكلفه، مستر ريمنت، ثمن دراجة مستخدمة في حالة جيدة.

يا لها من نصيحة دقيقة. هذا ما قاله هو نفسه.

يقول: شكرًا لإلقائك نظرة عليها على أي حال. تخبرني أمك أنك تركب موتوسيكلًا.

– نعم، اشترى لي أبي موتوسيكلًا ماركة ياماها، سعة ٢٥٠سم٣.

– رائع. يغمز لماريانا غمزة يتظاهر الولد أنه لا يلحظها. ماذا تريد أيضًا أن يقول له؟

يقول الولد: تخبرني ماما بأنك تَعرَّضتَ لحادث بشع.

– نعم. مكثتُ في المستشفى بعض الوقت.

– ماذا حدث؟

– صدمتني سيارة وأنا ألفُّ. قال السائق إنه لم يرني. قال لم أقصد. قال إن الشمس ضربت في عينه.

– هذا سيِّئ.

صمتٌ. هل يستوعب الولد ما يُفترَض أن يستوعبه؟ هل تحقق ماريانا ما تريد؟ يظن لا. تريد أن يتحدث أكثر؛ ليحذر الولد من مدى خطورة ما قد يتعرض له الكثير من راكبي الدراجات وبالتالي الكثير من راكبي الموتوسيكلات؛ أن يوضح له الآلام المبرحة نتيجة الجرح والتَّشوُّه في حالة العرج. لكنه يشعر أن هذا الشاب يفضل الإيجاز، ولن يتقبل الوعظ. وفي الحقيقة، إنْ تعاطَفَ دراجو مع أحد في حكاية التصادم على طريق مَجيل، فسيتعاطف على الأرجح مع واين بلايت؛ الشاب المسرع وراء عجلة القيادة، أكثر مما يتعاطف مع بول ريمنت، العجوز العجيب التائه على دراجة.

ما التغير الهائل الذي تريد ماريانا أن يحدثه على أية حال؟ هل تتوقع حقًّا من هذا الشاب الوسيم، الذي يتفجر بالصحة والعافية، أن يقضي الأمسيات في البيت قابعًا مع كتاب بينما يستمتع رفاقه في الخارج؟ أن يترك ياماها الجديد البرَّاق في الجراج ويركب أتوبيسًا؟ دراجو يوكتش: اسم من ملحمة شعبية، أغنية دراجو يوكتش.

(يسلِّكُ حنجرته): دراجو، طلبت أمُّكَ مني أن أكلمك على انفراد.

تغادر ماريانا الغرفة. يتوجه إلى الولد: انظر، لستُ شيئًا بالنسبة لك، لستُ سوى رجل ترعاه أمك وأنا شاكر لها ذلك من كل قلبي. لكنها طلبتْ مني أن أتحدث إليك فوافقتُ. ما أريد أن أقوله لك هو: إن استطعتُ أن أرجع بالساعة إلى ما قبل الحادث، صدِّقْني، لفعلتُ. الآن لا يمكنني حتى أن أذهب إلى المحلات. أعتمد على الآخَرِين في أتفه الأمور. حدث ذلك في جزء من الثانية، فجأة. قد يحدث لك ذلك بنفس السهولة. لا تخاطر بحياتك، يا بني، لا تستحق ذلك. تريد أمُّكَ أن تكون حذرًا وأنت على دراجتك. أظن أن عليك أن تطيعها. هذا كل ما عندي. أمك طيبة، وتحبك. هل تفهمني؟

إذا طُلِبَ منه أن يتنبأ، فربما قال إن دراجو الشاب سيجلس في محاضرة من هذه النوع خافض البصر، يشد جلده، على أمل أن ينتهي منها العجوز العجيب، لاعنًا أمه؛ لأنها اصطحبتْه. لكن لم يحدث شيء من هذا إطلاقًا. طوال الحديث ينظر إليه دراجو باحترام، وعلى شفتيه الجميلتين ابتسامة باهتة، لا تفتقر إلى الود. يقول في النهاية: نعم. الرسالة وصلت. سأتوخى الحذر. وبعد لحظة من التوقف: تُعِزُّ أمي، أليس كذلك؟

يومئ. يمكن أن يتحدث أكثر، لكن الإيماءة تكفي في الوقت الحالي.

– تعزك هي الأخرى.

تعزه أيضًا. قلبه مفعم بالحب بصورة غير معقولة. لا أعزها فقط، بل أحبها! تلك هي الكلمات التي كان على وشك البوح بها. لكنه قال بدلًا من ذلك: أحاول تقديم المساعدة، هذا كل ما في الأمر؛ لذلك تحدثتُ إليك، ليس لاعتقادي أني أستطيع إنقاذك بالكلام، من حدوث شيء من هذا القبيل (يضرب «الورك» المصاب ضربة هزلية خفيفة) لا يمكن أن تتنبأ بذلك، ولا يمكن أن تمنع حدوثه. لكن ربما يساعد أمك. ربما يساعدها أن تعرف أنك تعرف أنها تحبك وتريد لك الخير، تريده لدرجة أن تطلب من شخص غريب، هو أنا، أن يخبرك بذلك. نعم؟

هناك الكلمات ذاتها، ووراء الكلمات أو حولها أو تحتها توجد الغاية. وهو يتحدث كان حريصًا على ألا يرى الولد شفتيه، نابذًا مخارج الكلمات كما لو كانت من خيوط العنكبوت، ومنصتًا إلى الغاية. يكبر تقديره للولد، يكبر في وثبات وقفزات. هذا الولد ليس ولدًا عاديًّا! لا بد أن الآلهة تحسده. أغنية دراجو يوكتش. لا غرابة في أن تخشى أمه عليه. يرن التليفون في ساعات الصباح الأولى: هل أنتِ مسز يوكتش؟ هل لكِ ولد اسمه دراجون؟ هنا المستشفى في جُمْرتشيا. مثل إبرة في القلب أو سيف. ابنها البكر.

(تعود ماريانا، ينهض دراجو) يقول: أنصرف الآن، بالسلامة ماما. (ينحني من ارتفاعه السامق ويمس جبهتها بشفتيه) بالسلامة مستر ريمنت. آسف على الدراجة. ومضى.

تقول ماريانا: لاعب تنس بارع جدًّا. سباح ماهر جدًّا. بارع جدًّا في كل شيء. ماهر جدًّا.

يقول: عزيزتي ماريانا، يحدث نفسه: مشاعر سامية، حين تسمو المشاعر يمكن أن تُغفَر للمرء زلة اللسان في الكلمة الغريبة عن التعزز أنا متأكد من أنه سيكون على ما يرام. أنا متأكد من أنه سيتمتع بحياة طويلة وسعيدة، وسوف يترقى إلى رتبة الأميرال، إذا كانت هذه رغبته.

– هل تعتقد ذلك؟ لم تفارق الابتسامة شفتيها، لكنها تتحدث الآن بمتعة خالصة: بالرغم من أنه ليس لديه ما يقدمه بيديه وأنه أعرج، إلا أنها تعتقد أنه يتمتع بالقدرة على التنبؤ بالمستقبل، رائع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤