٥

تمر الأسابيع؛ يستقر في رعاية ماريانا. تساعده كل صباح في ممارسة التدريبات، تدلِّك عضلاته التي ضَمُرتْ والتي تضمر؛ بحكمة تساعده فيما لا يمكن أن يفعله دون مساعدة، فيما قد لا يتعلم أبدًا أن يفعله دون معونة. حين يكون في حالة مزاجية تسمح له بأن يسمع، تكون على استعداد للحديث عن عملها وخبرتها في أستراليا. حين ينسحب، تقنع بالصمت هي الأخرى.

انتهى منذ زمن أي حب كان يكنُّه لجسده ذات يوم. لا يولي شفاءه واستعادة بعض كفاءته أي اهتمام. الرجل الذي اعتاد أن يكونه مجرد ذكرى، ذكرى تشحب سريعًا. ما زال لديه إحساس بأنه روح بحياة روح غير منقوصة؛ وبالنسبة لما تبقى منه، يضطر إلى التحمل من أجل الدم والعظم فقط.

في مثل هذه الحالة، يكون مغريًا ترك الحياة تسير بكل اعتدال. لكنه يقاوم الإغراء. يفعل ما يستطيع للحفاظ على الأصول، وماريانا تدعمه. حين لا يستطيع تجنب العُرْي، يشيح بعينيه لترى أنه لا يرى أنها تراه. ما يجب أن يتم خفية تبذل أقصى ما عندها لتتأكد من أنه يتم خفية.

في كل ذلك يحاول أن يبقى رجلًا، وإن كان رجلًا منقوصًا؛ ولا يمكن أن تفهمه ماريانا، وتتعاطف معه بأوضح من ذلك. يندهش، أين اكتسبت هذه الكياسة، كياسة افتقر إليها أسلافها تمامًا؟ في بيلفلد في كلية التمريض؟ ربما؛ لكنه يرى بحدسه أنها من ينابيع أعمق. يفكر، امرأة مهذبة، مهذبة بمعنى الكلمة. من أفضل الأحداث التي مرت به، دخول ماريانا يوكتش في حياته.

تقول وهي تندفع بإبهاميها إلى عضلات الفخذ المبتور ببشاعة: أَخبِرْني إن كان ذلك يؤلمك. ليس هناك ألم أبدًا؛ وإن وجد الألم فهو أقرب إلى اللذة بحيث يستحيل عليه أن يعرف الفرق. يفكر، تتمتع بحدس قوي. بحدس نقي وبسيط يبدو أنها تعرف ما يشعر به، والطريقة التي سيستجيب بها جسده.

رجل وامرأة بعد ظهيرة دافئة خلف أبواب مُغلَقة. ربما يمارسان الجنس أيضًا. لكن ليس هناك شيء من هذا القبيل. مُجرَّد تمريض، مجرد رعاية.

تطفو إلى ذهنه عبارة من درس ديني مَرَّ عليه نصف قرن: لن يكون هناك بعد الآن رجل وامرأة، لكن … لكن ماذا؟ ماذا نكون حين لا نكون رجلًا وامرأة؟ يستحيل على الذهن الفاني أن يتصور سرًّا من الأسرار.

كلمات سان بول، إنه على يقين من ذلك، سان بول سَمِيُّه، تقديس اسمه، يشرح ما بعد الموت، حين يَتحاب الجميع حبًّا نقيًّا، كما يحب الرب، فقط دون افتراس أو استهلاك.

لم يكن، للأسف، كائنًا روحيًّا حتى اليوم، لكنه كان رجلًا من نوع ما، النوع الذي يفشل في تحقيق ما جُلِب الرجل إلى العالم ليحققه، يبحث عن نصفه الآخر، يلتصق بها، ويهبها بذرته، البذرة التي اكتشف برزر الوسيوس أنها بالاستعارة أو التأويل، يختلط عليه الأمر، كلمة الرب. إذن فهو رجل ليس رجلًا تامًّا، نصف رجل، رجل بَعْدِيٌّ، على وزن صورة بَعْدِيَّة؛ شبح رجل يتطلع إلى الوراء مُتحسِّرًا على زمن لم يُحسِن استغلالَه.

أنجب جده ريمنت ستة، وأنجب أبواه اثنين، ولم ينجب أحدًا. ستة، اثنان، واحد أو لا أحد، يرى التتابع المخزي يتكرر من حوله. اعتاد أن يعتقد أن له معنى، كان عدم الإنجاب، في العالم المكتظ بالسكان؛ مزية بالتأكيد، كالمسالمة، كالرفق. الآن، بالعكس، يرى عدم الإنجاب كالجنون، جنون قطيعٍ، وربما إثمًا. ماذا يمكن أن يكون أَسْمَى من مزيد من الحياة، مزيد من الأرواح؟ كيف تمتلئ السماء إذا توقفت الأرض عن إرسال حمولتها؟

حين يصل إلى البوابة، سيكون سان بول (بالنسبة للأرواح الأخرى الجديدة قد يكون بيتر لكن بالنسبة له سيكون بول) في انتظاره. سيقول: ارحمني يا أبتي لأني أثمتُ. وكيف أثمْتَ يا بني؟ ولن يكون لديه ما يقوله بعد ذلك إلا أن يكشف عن يديه الخاويتين. سيقول بول: أنت تابع بائس، أنت تابع بائس، بائس. هل فهمْتَ لماذا وُهِبتْ لك الحياة، أعظم الهبات على الإطلاق؟ وأنا على قيد الحياة لم أفهم، يا أبتي، لكني أفهم الآن، الآن متأخر جدًّا! وصَدِّقْني يا أبتي، أتحسَّر، أتحسَّر على نفسي، أعض أصابع الندم،١ وبمرارة أيضًا — اعبر إذن — سيقول بول ويقف بجانبي: في بيت أبيك غُرَف للجميع، وحتى لنعجة وحيدة غبية.

كانت ماريانا ستصلح حاله، إن التقى بها في الوقت المناسب، ماريانا من كرواتيا الكاثوليكية. من عورة شخصين، ماريانا وزوجها، خرج ثلاثة، ثلاثة أرواح من أجل السماء. امرأة جُبِلتْ على الأمومة. كانت ماريانا ستساعده للتغلب على عدم الإنجاب. يمكن لماريانا أن تكون أمًّا لستة أو عشرة أو اثني عشر، ويبقى لديها مزيد من الحب، الحب الأمومي. لكن الوقت مُتأخِّر الآن، كم هو حزين! كم هو نادم!

١  بالفرنسية في الأصل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤