مقدمة

لقد أصبتُ خير جزاء على إخراج رواية «فرخ النسر» إلى اللغة العربية بما رأيته من ارتياح القراء إلى وقائعها وحوادثها التاريخية المؤثرة، ورأيتُ اليوم أن أصوِّر لمحبي التاريخ أبا فرخ النسر، الذي لقَّبه بعض المؤرخين بأفضل لقب يجمل بعلائه وعظمته؛ أي: «النسر الأعظم».

وليس من غرضي أن أنقل تاريخ حروبه التي وضع لها المؤلفون الغربيون مئات المؤلفات وتُرجم بعضها إلى لغتنا، بل غرضي كله أن أذكر ما يُظهر للقارئ «النسر الأعظم» ورَبَّ الحرب بصفاته ومزاياه وعواطفه الخاصة، فيراه شابًّا فأخًا فعاشقًا فزوجًا فأبًا … إلخ.

وما اخترتُ هذا الشطر من سيرة ذلك الرجل الفريد إلا لأمرين؛ أولهما: أنَّ فيه من اللذة والعبرة ما تحلو مطالعته. والثاني: أنِّي لا أجد — أو لا أعرف — من المؤلفات والمترجمات العربية ما هو جامع لذاك كله، وإنَّه لحقيقٌ بكل كاتب عربي أن يهتم بنقل النَّفائس الأجنبية التي تُرجمت إلى لغات عديدة ما خلا لغتنا؛ لأنَّ فيها من فرائد الفوائد ما يُنير الأذهان ويزيد «الثروة الأدبية والتاريخية»، وإنَّا لنخدع أنفسنا إذا قُلنا أن «ثروتنا» تكفي طلاب الرقي الفكري، أو أنها تضارع ما تملكه الأمم العُظمى.

أمَّا المؤلفات التي اعتمدتُ عليها في هذا الموضوع، فأخَصُّها مؤلف «المسيو أرتور لافي»، وهو لم يكتبه إلا بعد أن درس عشرات من المذكرات والكتب التي خُصَّت ﺑ «النسر الأعظم»، وحسبي لإظهار شأنه قول «فرنسوا كوبيه» الشاعر الشهير في مقدمة كتبها له: «اقرأ كتاب المسيو أرتور لافي تعجب بما تراه من الترتيب الفكري، وسكون النفس، وعمران الضمير، والترفُّع عن التحزب كما يجب على كل مؤرخ بالمعنى الصحيح.»

وإذا صحَّ أن ما يؤثر في نفس الكاتب يؤثر في كل قارئ، فإنَّ هذا المؤلَّف الصغير الذي أقدمه للقراء الكرام لا يكون أقل أثرًا في نفوسهم من «فرخ النسر»؛ لأنهما من معدنٍ واحد، وإذا أخطأ ظنِّي الغرض، فحسبي ما نويته من الخدمة العامة، وإنما الأعمال بالنيات.

يوسف البستاني

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤