تعليقات

ننشر تحت هذا العنوان ما عَلَّقه بعضُ القراء على فصول هذا الكتاب حَسْب التواريخ التي وردتْ فيها يوم نشرها:

تصحيح تاريخي

جاء في العدد ٦٩٨١ من «الأهرام» في سياق ذكرى البطل الفاتح إبراهيم باشا، أن المرحوم إبراهيم باشا قال للمرحوم رشيد باشا: «إن السلطان محمد الفاتح ارتقى على العرش وهو في السابعة من عمره.»

والحقيقة أن الذي ارتقى على العرش من سلاطين آل عثمان في السنة السابعة من عمره هو السلطان محمد الرابع بعد خَلْع وقتل والده السلطان إبراهيم.

أما الفاتح، وهو السلطان محمد الثاني، فقد جلس على العرش في المرة الأولى بعد تنازُل والده السلطان مراد الثاني وعمره أربع عشرة سنة، وبعد ذلك عاد والدُه وتَسَلَّم العرش إلى أن توفي، فعاد المُلك لمحمد الثاني وعمره إحدى وعشرون سنة. وبعد نحو سنة من جلوسه على العرش فَتَحَ القسطنطينية، وأخذ اسم ولقب الفاتح، حتى إن كلمة الفاتح وَحْدَها تعني عند الأتراك: محمد الثاني ابن مراد الثاني.

دكتور علي حلمي
مدير القسم الطبي بالسجون سابقًا
الأهرام: لم يكن من حَقِّنا التغيير لنص الحديث، فأوردناه كما هو.

البطل الفاتح إبراهيم والشعراء

عزيزي …

بمناسبة نشر تاريخ حروب إبراهيم باشا في سوريا وآسيا الصغرى، وما أظهره من المقدرة الحربية والبسالة، يُلَقِّبه مؤرخو رجال الحرب الإنكليز بَطَلَ قونيه وترب، ولدى انتصاراته العظيمة في سوريا أتذكر هذه الأبيات من قصيدة نظمها بطرس كرامة شاعر الأمير بشير وكاتم سره يمدح بها البطل إبراهيم باشا، قال:

عَرِّجْ أخا البأساء نحو بني العلي
والثم ثرى أعتابهم مُتَذللا
وابْسُط أكفَّ رجاء كسرك عندهم
واجرِ الدموع على الخدود توسلا
ودَعِ التعجب من شجاعة مَنْ مضى
من قبلُ واتْرُك عنترًا ومُهَلْهلا
وزِنِ الرجال فإنَّ في أفرادها
مَنْ لا يُزان بألف لَيْثٍ في الملا
لو قيل إبراهيم جاء محاربًا
سقطوا ولو كان الكلام تقوُّلا
فى عَدْلِه ترعى الضواري والظبا
وبحلمه أضحى الزمان مجملا

ومنها يصف بسالته:

لو شام حَرُّ لهيبها إسكندر
لاندكَّ محكم سده١ وتفصلا

وفي الأخير:

من خبر الأتراك أن جيوشهم
كسرت وأن حسينهم ولى إلى
هل يغلب الأسد المجرَّب ثعلب
مهما استعان بحيلة وتحيلا

ومنها يظهر للملأ تعلق السوريين بإبراهيم باشا وإعجابهم بشجاعة وبسالة جنوده المصريين. كذلك أتذكر أغنية سَمِعْتُها من بعضهم رووها عن آبائهم الذين كانوا مُتجندين مع جنود إبراهيم باشا من السوريين، كانوا ينشدونها أثناء سيرهم:

هيا بنا هيا بنا
للحرب نلقى ضدنا
نحن السيوف الباترة
نحن الأسود الكاسرة
من أرض مصر القاهرة
جئنا وقد نلنا المنى
بارودنا شراره
يشوي الوجوه ناره
وعزمنا بتاره
من العدا تمكنا

هذا ما رغبتُ أن أذكره لكم كأثر تاريخي مع إعجابى بما خَطَّه قلمكم عن هذا الفاتح العظيم والقائد العسكري الكبير.

إسكندر حداد
الأهرام: إن الشعراء الذين نظموا القصائد في إبراهيم باشا وأعماله كثيرون، كذلك القصيد الذي كان ينظمه العامة.

أمين الجندي لا بطرس كرامة

حضرة صاحب الأهرام

إن ما نشرتموه من قلم إسكندر أفندي الحداد في عدد «أول أبريل» عن بطرس كرامة وإبراهيم باشا، هو خلاف المقرر عندنا؛ فإن القصيدة التي مطلعها:

عَرِّج أخا البأساء نحو بني العلى
والثم ثرى أعتابهم متذللا

هي على ما نعلم من نَظْم الشيخ أمين الجندي الشاعر الحمصي المعروف، وهي محفوظة عند أحفاده من عهده، وقد قرأتُها خطًّا من ٤٨ سنة، وهي قصيدة طويلة عَرَّض بها الشيخ أمين الجندي بالترك تعريضًا لم يلمسه قلم بطرس إبراهيم كرامة.

وقد قدم الشيخ أمين هذه القصيدة لإبراهيم باشا على أثر كسره الجيوش العثمانية في ميدان المشرع غربي حمص، وهي واقعة فاصلة — في سوريا — بين الجيوش التركية والجيوش المصرية. ولم يُصِبِ الشيخَ أمين ضررٌ من جَرَّاء نَظْمِ هذه القصيدة لما تقلص ظل الدولة المصرية عن ربوع الشام؛ وذلك نظرًا لِمَا لأسرة الجندي من المكانة في البلاد، فقد كانوا حكام البلاد، وكان أسلافهم يقتطعونها إقطاعًا كما في عهد الإقطاع في أوروبا. لهذا السبب كان الشيخ أمين شاعر آل الجندي وشاعر الحمصيين قبل إبراهيم الحوراني في مأمن من غائلة الترك. وبهذه المناسبة أَذْكُر ما كان أجدادنا وجداتنا يتلونه علينا من السمر في ليالي الشتاء عن المعارك التي خاض إبراهيم باشا غمارها في تلك الربوع، وعن أحكامه في حمص وإنشاءاته الكبيرة التي رأيناها رأي العين، وبعض أجدادنا شهد معاركه وخدم في جيشه، وقد ألفنا ذلك منذ نعومة الأظفار، وكانوا يمدحون حكمه كثيرًا.

مصر، حنا خباز

روفائيل فارحي المُلَقَّب بالصراف

نَتجرأ أن نلفت أنظار حضرتكم إلى ما يأتي: قد سردتم في أحد فصول ذكرى البطل الفاتح إبراهيم باشا التي تُنشر تباعًا بالأهرام الأغر، أسماءَ الأعضاء الذين انتخبوا لتأليف ديوان المشورة بدمشق الشام، مع بيان أسمائهم وألقابهم فردًا فردًا. وقد اكتفيتم بذِكْرِ اسم الخواجة روفائيل الصراف المنتدَب عن الطائفة الإسرائيلية، مع أن المُومَا إليه هو عميد العائلة الفارحية والمعروف بالمعلم روفائيل فارحي، وهو الذي كانت بعهدته آنئذٍ مالية ولاية سوريا، وكان مُعَيَّنًا لأجلها من لدن حكومة ساكن الجنان السلطان محمود.

خضر متلون

ذكرى البطل إبراهيم

سيدي رئيس تحرير جريدة الأهرام الغراء

بمناسبة ما جاء في مقالكم الرابع تحت عنوان: منذ مائة سنة «البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام»، المنشور بعدد ٢٢ فبراير وتَوْلِية المغفور له السيد محمد شريف باشا والي ألوية الشام، رأيت — إنصافًا للتاريخ — أن أذكر شيئًا عنه، فلقد لعب دورًا خطيرًا مع البطل الفاتح المغفور له إبراهيم باشا.

بعد أن استَتَبَّ الأمر لإبراهيم باشا في سوريا ثلاث سنوات، طَلَب من الأمير بشير الشهابي الكبير حاكم لبنان أن يجنِّد من دروز ولايته ألفًا وستمائة؛ لينتظموا في سلك الجند النظامي المصري. وكان إبراهيم باشا يظن أن التجنيد في سوريا كالتجنيد في مصر، ولكنه أخطأ الظن؛ لأن السوريين كانوا بعيدين عن التجنيد القانوني، لأنهم استعاضوا عنه بشهود الحرب بأنفسهم عندما يستصرخهم حكامهم.

فجمع الأمير بشير زعماء الدروز وأراهم أمْرَ إبراهيم باشا لتجنيد الشبان من ابن خمس عشرة إلى خمس وعشرين، وألح عليهم بالطاعة فأبَوْا جميعًا، فتوسط في الأمر مع إبراهيم باشا فلم يفلح، بل ألحف وقدم بعشرة آلاف جندي إلى بيت الدين، فاضطر الأمر إلى جمع ألف ومائتي شاب من الدروز وأرسلهم إلى عكا جبرًا، فانتظموا في الجيش المصري، وأرسل بعضهم إلى المدارس الحربية في مصر.

فأوغر ذلك صدور الحورانيين الدروز وغيرهم، وأوجسوا خيفة، وتحفزوا للمناوأة إذا طلب منهم مثل ذلك، إلى أن جاءت سنة ١٨٣٥ فكتب إبراهيم باشا إلى السيد محمد شريف باشا والي دمشق يأمر بتجنيد الدروز في حوران كما جندوا في لبنان وألح عليه.

فاستقدم شريف باشا شيوخ حوران، وفي مقدمتهم زعيمهم الأكبر الشيخ يحيى حمدان، وتفاوضوا بذلك في مجلس عقد لهم فأبوا، فأخذ ينصحهم بالإخلاد إلى الطاعة لأنها أفضل من العصيان. فأشار إليه الشيخ يحيى حمدان أن يستبدل التجنيد بمال؛ لأن الشبان يردون غارات العرب عنهم، وأن يخاطب بذلك إبراهيم باشا، وأظهر حدة في الكلام، فقابَلَه شريف باشا بصفعة على وجهه، فكظم غيظه وأظهر الطاعة مرغمًا، وذهب مع رجاله وهم يرغون ويزبدون من هذه الإهانة، فلما وصلوا الجبل وأوقفوا الشيوخ على ما جرى، أجمعوا على العصيان وأعلنوا الثورة بموافقة رئيسهم الروحي الشيخ إبراهيم الهجري. وكان شيخ نجران حسين أبو عساف أول من جاهر بإيقاد الثورة، ولذلك فاوضوا عرب السلوط المخيمة عندهم لمساعدتهم، فجمعوا ألف رجل منهم ومائتين من العرب ليقاوموا التجنيد، فبلغ ذلك شريف باشا وإبراهيم باشا، فتأهبَا لتجنيد الدروز غصبًا.

فأرسل إبراهيم باشا جندًا من الهوارة والصعايدة بقيادة علي أغا البيصلي أبو الرجيلي، يصحبه عبد القادر أغا أبو حبيب الدمشقي متسلم حوران وجبل الدروز، فجمعوا الشيوخ وطلبوا منهم تسليم الشبان للتجنيد، فأبوا وخرجوا عازمين على الحرب.

ففاجأ الدروز عسكر إبراهيم باشا في محلة «التعلة»، وكانوا نحو أربعمائة فارس، وقتلوهم إلا القائد فإنه نجا مع بعض الفرسان، فتعقبهم إبراهيم الأطرش عم إسماعيل جد الطرشان وشبلي أغا العريان زعيم دروز راشيا الذي قدم لذلك القصد وفندي عاصر. والعاصريون هم بعد الطرشان في المنزلة، فقُتل إبراهيم الأطرش والمتسلم أبو حبيب في هذه المناوشة، فاشتد الدروز إصرارًا على المقاومة.

ولما نما خبر هذا العصيان إلى إبراهيم باشا، قَرَّر محاربة الدروز. وكان الدروز قد أعدوا عُدتهم للمحاربة والدفاع عن جَبَلهم الحصين بمعاقله الطبيعية وحفظ استقلالهم الذي كانت صخور جبال حوران تساعدهم عليه؛ لوعورة مسالكها ومشقة قطعها، فانضم إليهم بعض اللبنانيين سكان وادي التيم وإقليم البلان الذين راسلوهم بإيقاد النيران بإشارات خاصة على عادتهم. وهكذا كانت مقدمات الحرب التي بقيت تسعة أشهر مشتعلة الضرام قُتل فيها الكثير من الفريقين.

وما أمكن إبراهيم باشا التغلب عليهم، حتى قَدِمَ بنفسه على رأس عشرين ألفًا من الأرناءوط والأكراد والأتراك، وحاصر الجبل وضيَّق عليهم الخناق، ولكنهم لم يخافوا، بل هاجموا عسكره بقيادة زعيمهم حسين درويش، فشَتَّتوا شمله واستولوا على الذخائر والمدافع والمؤن والبنادق، وأسَرُوا أربعة قواد كبار وعشرين ضابطًا.

فصار إبراهيم باشا يعود المرة بعد الأخرى إلى نَهْب قُراهم وتدميرها والتنكيل بهم، مع المحافظة على الأطفال والنساء والشيوخ، فضايقهم كثيرًا حتى ارتئوا تحويل الحرب إلى وادي التيم وما يجاوره؛ لتفريق شمل الجيش المصري وإرهاقه، بعد أن ثار عليه شمالي سوريا واضطر لمحاربة العثمانيين فيه. فلما ضاق ذرع الدروز في حوران، لا سيما بعد نفاد المؤن، عزموا على تحويل الحرب إلى وادي التيم وإقليم البلان، فأرسلوا شبلي العريان إليها ليلهي شريف باشا عنهم، ولكن إبراهيم باشا فطن لذلك، فأرسل إليهم الأمير مسعود ابن الأمير خليل الشهابي ابن الأمير بشير الكبير، فأخمد ثورتهم وعاد إلى لبنان ظافرًا.

وفي يوم الخميس ٧ تموز تسلَّم إبراهيم باشا اللجاه من الدروز وأخذ ينظم شئونه. وفي ١١ منه عاد إلى دمشق ودخلها باحتفال عظيم.

ولما عاد السيد محمد شريف إلى مصر لتَوَلِّي منصب مدير المالية في عهد المغفور له محمد علي باشا — وهو أول مدير للمالية، وكان ذلك في سنة ١٨٤١ — استصحب معه قرينته المرحومة فاطمة هانم العظم من آل العظم الأمجاد بسوريا، والتي توفيت بمصر بعد أن أسست الجامع المعروف باسم «جامع الشامية» بشارع الدواوين أمام وزارة الداخلية الآن.

وقد توفي إلى رحمة ربه المغفور له السيد محمد شريف باشا في سنة ١٢٨٠ هجرية، ودفن بجوار مدافن العائلة المالكة بقرافة الإمام الشافعي رضي الله عنه.

هذا ما أردت ذكره إنصافًا للحقيقة والتاريخ.

مصر، باب البحر
عطية علي شلبي

الجيش المصري في حرب القريم لسمو الأمير عمر طوسون

الإسكندرية في ١٢ أبريل، لمراسل الأهرام الخاص. كان للمقالات المتسلسلة التي نشرتها الأهرام أولًا عن الثورة العرابية ثم عن البطل الفاتح إبراهيم باشا وفَتْحه لسوريا والأناضول، فائدةٌ جلى عند جمهور من القراء ممن لم يكن يتيسر لهم قراءة تلك الذكريات التاريخية المجيدة، مجموعة منسقة بالشكل الذي أبرزها فيه كاتبها البليغ على صفحات الأهرام.

وكان في مقدمة المهتمين بهذه المقالات حضرةُ صاحب السمو الأمير الجليل عمر طوسون، وهو — كما يعرف الجميع — من كبار الباحثين في تاريخ مصر الحديثة، ويميل إلى إبراز ما انطوى من ذِكْر المآثر المصرية في هذا التاريخ وغيره.

وقد كتب سموه أخيرًا — لمناسبة الذكريات التي تُنشر في الأهرام — مقالًا طويلًا جزيل الفائدة عن الجيش المصري في حرب القريم، وهو عبارة عن صفحة مجيدة من تاريخ مصر، يُبرز فيها اشتراك جيش مصر البري والبحري في حرب سيباستوبول بين سنتي ١٨٥٣ و١٨٥٥.

وهذا الاشتراك — كما يقول سموه — لا يحلم به في أيامنا هذه إلا العدد القليل من المصريين؛ لذلك رأى من الخير والفائدة أن يُبين بإيجاز قصته، ولا سيما أن ذلك العمل الحربي المجيد كانت له نهاية مشرفة للجنود المصرية.

وسيتحف الأميرُ الجليل قراءَ الأهرام بهذا المقال المُمْتع بعد أن تتم مقالات ذكرى الفاتح إبراهيم باشا.

ذكرى البطل إبراهيم

جاء في تعليق الأديب عطية علي شلبي على ثورة حوران التي وردت في إحدى مقالات «الأهرام» الخاصة بالبطل إبراهيم باشا، أن إبراهيم باشا أرسل إلى الحورانيين الدروز قوةً من الهوارة والصعايدة بقيادة علي أغا البيصلي أو الرحيلي … إلخ.

وتصحيحًا لاسم هذا القائد، أذكر أن اسمه الحقيقي علي أغا البصيلي، نسبة إلى بلدة البصيلية مركز إدفو بأسوان. ونذكر بهذه المناسبة أن هذا القائد كان من القواد العظام المعروفين بالشجاعة وبُعد النظر، وقد أكبر فيه المغفور له إبراهيم باشا هذه الصفات، فاستصحبه معه في السودان وفي حروب الشام، وكان يعول عليه كثيرًا.

والمرحوم علي أغا البصيلي هو جَدُّ حضرة صاحب السعادة هرون سليم باشا مدير الدقهلية من جهة والدته.

هذا بعض ما عَنَّ لي ذِكْرُه بهذه المناسبة، أرجو نشره للحقيقة والتاريخ.

مؤرخ

اقتراح

حضرة رئيس تحرير جريدة الأهرام الغراء

قد تتبعتُ باهتمام كبير مقالاتكم الافتتاحية بخصوص أعمال البطل والفاتح العظيم «إبراهيم باشا»، مما جعل الجميع يعجبون ببسالته ويذكرون أعماله المجيدة الخالدة بالفخر والإجلال.

ولي اقتراح متواضع لعله يحوز قبولًا من أولي الأمر، وخصوصًا صاحب الدولة المجدد الكبير ورجل الساعة في مصر صدقي باشا.

أما الاقتراح فهو تسمية الميدان الذي يوجد فيه تمثال البطل الكبير بميدان «إبراهيم باشا»، وكذا تسمية شارع كامل باسمه، وذلك لسببين وجيهين:
  • (١)

    لأن كاملًا المسمى باسمه الشارع لا ذكرى له في تاريخ مصر ولا أهمية له، بخلاف البطل الكبير والد المغفور له الخديوي إسماعيل باشا وجَدِّ جلالة المليك المحبوب.

  • (٢)

    لأن أغلب الناس، وخصوصًا العامة منهم، يسمون التمثال المقام للبطل العظيم بأبي أصبع؛ وذلك لجهلهم معرفة صاحبه، وعندما يسمى الميدان والشارع باسمه تبطل هذه التسمية غير اللائقة بالفاتح الكبير.

ولهذا كتبت هذه الكلمة ولي الأمل الكبير أنكم لاهتمامكم بسيرة البطل العظيم إبراهيم باشا تُحبذونها وتطلبون من الحكومة تنفيذها.

وإني أعبر عن رغبة كثير من شباب مصر لحبهم لشبل محمد علي العظيم منشئ مصر الحديثة وجد صاحب الجلالة المليك المعظم حفظه الله.

ملازم أول حكيم تناغو

أشقودرة وأسكدار

قرأتُ في المقال العاشر من مقالات ذكرى فتح سوريا والأناضول التي تنشرها «الأهرام» تباعًا، مُدبجة بيراعة رئيس تحريرها المفضال، قولَ ساكن الجنان محمد علي باشا لقناصل الدول عقب تَدَخُّلهن لمنع الجيش المصري من مواصلة الزحف إلى الآستانة: «إذا ظل الباب العالي على المطل والتسويف، فلا قوة تَمنع ابني من الوصول إلى أشقودرة …» إلخ. فلم تمر بي حينما وقع نظري على كلمة «أشقودرة» خلجة شك في أن وُرُودها بهذا الاسم كان سهوة من سهوات القلم في مثل هذا الموضوع الذي لم يتناوله الكاتبون بالبحث والتمحيص من قبلُ.

فليست أشقودرة هي البلد الذي فاه محمد علي باسمه في حديثه مع أولئك القناصل؛ لأنها من بلاد الدولة العثمانية البائدة في غرب تركية أوروبا، حيث كان يتألف منها مع ولايتي قوصوة ويانيا قبل الحرب البلقانية الأخيرة بلاد ألبانيا. والمعروف أن الطريق بين معسكر الجيش المصري في أطنة وبين أشقودرة يمر بالآستانة، فإذا بلغها وقضى لبانته من فتحها، فما الذي يضطره إلى تركها من ورائه للزحف على أشقودرة، وهو ما لا تدعوه إليه حاجته بعد سقوط البلاد كلها في قبضته باستيلائه على عاصمتها؟

يبقى إذن أن يكون اسم البلد الذي فاه به محمد علي في حديثه مع قناصل الدول هو أسكدار لا أشقودرة، فإن أسكدار (كريزوبوليس القديمة) قائمة على الساحل الآسيوي من البسفور تجاه الآستانة، والمرور فيها ضربة لزام على من يبغي دخول الآستانة ذاتها؛ لأنها منها كالعتبة من الدار. وإذا خلط الكاتب بين الاسمين أسكدار وأشقودرة، فما هو إلا لأنَّ البلدتين (أشقودرة القائمة على البحيرة المعروفة بهذا الاسم في ألبانيا وأسكدار الماثلة أمام الآستانة في بر آسيا) يطلِق الفرنجة عليهما اسمًا واحدًا هو: Sculari، بلا مميز لفظي لإحداهما عن الأخرى.

فعسى أن يلاحظ المِفضال كاتب تلك الفصول الممتعة تصحيحَ ذلك الاسم عند طبعها في مجلد واحد.

محمد مسعود

ذكرى إبراهيم باشا: كلمة «الأهرام»

اليوم تحتفل الحكومة المصرية، بل الأمة المصرية وعلى رأسها جلالة صاحب العرش، الملك فؤاد الأول — أيده الله بروحه وأيد به عرشه وعرش أجداده العظام — بذكرى السنة المائة لفتح البطل إبراهيم حصن عكا في ٢٧ مايو سنة ١٨٣٢. وحصن عكا هو مفتاح البلاد السورية كلها، عاد عنه نابليون بعد حصار طويل، وامتلكه إبراهيم بعد حصار دام من ٢ نوفمبر سنة ١٨٣١ إلى ٢٧ مايو سنة ١٨٣٢. وكان إبراهيم إبان الحصار يخضع المدائن والأمصار وينظم الشئون ويبسط القانون والنظام، فلم يكن إبراهيم فاتحًا عسكريًّا، بل كان مُصلحًا إداريًّا يَنبت العشب تحت أقدام جواده وينبثق الخير من ظل يديه ويروق رواق العدل حيثما حل وحكم. فلم يحمل من مصر إلى الأقطار والأمصار التي خضعت لقوته ولحكم والده سلطةَ الرهبة والترهيب، بل حمل إليها أحدث أنظمة العمران والحضارة والتعليم والتهذيب والإخاء، عاملًا بأمر والده إليه: «أنت رجل تعامل الناس حيثما حللت معاملة الرجال.»

اليوم وحكومة البلاد تحتفل بذكرى السنة المائة لفتح البطل المصري عكا وعاصمة البلاد تتألب للاحتفال بذكرى هذا البطل الفاتح المُصْلِح أمام تمثاله، يتاح «للأهرام» التي تقدمت بإحياء ذكرى السنة المائة لفتحه سوريا والأناضول وبسطت فضله وفضائله ونبوغه وعبقريته وشجاعته وبسالته وإصلاحاته، أن تفخر بأنها أدتْ له حقه المقدس، وأن أعاظم رجال الدولة يؤدون له اليوم هذا الحق. ويخيل إلينا أن أبا مصر ومجدد شبابها محمد علي لَيُطِلُّ على حفيده الملك فؤاد المحتفل بذكرى جده البطل الفاتح والفاتح المصلح قرير العين كإطلاله من جامع الغورية على ابنه إبراهيم بعد فتح الدرعية عاصمة الوهابيين ودخوله العاصمة بموكب حافل من باب النصر وعلى رأسه الطلخان السليمي وقد أرخى لحيته، فدمعت عينا ذلك الأب العظيم دمعة الفرح، وسار وراء ذلك الموكب الفخم حتى القلعة، وهناك تلقى هو ذاته ولي عهده الذي غادر مصر وهو دفترادرها ومفتش إدارة أقاليمها ورئيس مجلس شوراها، فعاد وهو والي جدة وخادم الحرمين الشريفين وفاتح الدرعية وبلاد العرب حتى خليج فارس، ولما يتم الثامنة والعشرين.

أجل في ذلك اليوم العظيم الشان في تاريخ مصر دمعت عينا محمد علي دمعتين؛ إحداهما دمعة الحزن على طوسون فاتح المدينة وقد توفاه الله في شرخ الشباب، والثانية دمعة الفرح للبطل الذي أتم عمل أخيه واهتز العالمان الغربي والشرقي لعمله. ولما انتظر هذان العالمان من وراء ذلك العمل، وقد وقع ما انتظراه اليوم ليضع جلالة الملك فؤاد إكليل الغار والورد على تمثال جده البطل الفاتح تذكارًا لفتح حصن عكا في ٢ مايو سنة ١٨٣٢، ولكأنما هذا الإكليل يتناول ذكريات جليلة لا تقل عظمة ومجدًا.

يتناول ذكرى فتح الدرعية عاصمة الوهابيين في ١٥ ديسمبر سنة ١٨١٨ وذكرى وصوله إلى القاهرة في ٩ ديسمبر، فدامت الأفراح في طول البلاد وعرضها أسبوعًا كاملًا.

وذكرى اكتشافه النيل الأبيض الذي سمي باسمه في سنة ١٨٢١.

وذكرى استيلائه في ١١ مايو سنة ١٨٢٥ على حصن نافارين في بلاد المورة.

وذكرى استيلائه في ٢٣ يونيو على تريبوليزا عاصمة المورة.

وذكرى استيلائه في ٢٢ أبريل سنة ١٨٢٦ على قلعة مسولويغي.

وذكرى فتح دمشق في ١٦ يونيو سنة ١٨٣٢.

وذكرى ١٨ يوليو بفتح حمص والانتصار على الباشاوات العشرة.

وذكرى ٢٩ يوليو بفتح مضيق بيلان والانتصار على جيش السر عسكر.

وذكرى معركة قونيه في ٢١ ديسمبر.

بل ذكرى أكبر معركة في حروب ذاك الزمن، وهي معركة نصيبين في ٣٠ مايو سنة ١٨٣٩.

هذه الذكريات جميعًا، وقد بسطت «الأهرام» أطوارها للقراء، قد تجتمع اليوم بذكرى فتح عكا في ٢٧ مايو.

وفي فتح عكا كان إبراهيم — مثله في كل فتح آخر — يُقرن البطولة بالرجولية والعفو عند المقدرة، فقَبْل أن يقرر الهجوم على الحصن أرسل إلى عبد الله باشا والي عكا يدعوه للتسليم فأبى، فأمر بالهجوم في صباح ذاك اليوم. ولما رأى شدة دفاع الحامية وتَقَهْقُر فريق من الهاجمين، شَهَر سيفه وتقدَّمهم، فتحمس الجنود وظلوا يقاتلون ويدخلون ثغرات الحصن، حتى إذا ما دنا المساء تقدم إلى إبراهيم باشا وفدٌ من أعيان المدينة يعلن تسليمها، وتلاه وفد آخر من قواد المدافع وآخر من العلماء يطلبون العفو عن رجال الحامية، فعفا إبراهيم باشا عن أرواحهم وأموالهم، وأبقى لهم سلاحهم، وضمن لعبد الله باشا حياته وراحته. وعند منتصف الليل وصل عبد الله باشا إلى خيمة إبراهيم باشا مع الأميرالاي سليم بك، فقابله بالإجلال وبما يقابل به الوزراء، ثم ركب معه إلى قصر البهجة … إلخ. وفي ٢٩ مايو سافر عبد الله باشا إلى مصر، فأرسل محمد علي لركوبه زورقه الخاص، وأمر بإطلاق المدافع تحية له، وخصص له دارًا خاصة، ولما جاء القاهرة أُنزل في قصر بالروضة.

وهكذا يعامِل الأبطال الأبطال، وهكذا يعيش الأحياء بموتاهم.

ولما وصل خبر استيلاء إبراهيم باشا على عكا، أمر محمد علي بأن تقام الأفراح ثلاثة أيام كأيام الأعياد الكبيرة، وبأن تطلق مدافع القلاع والبنادر ثلاث مرات في كل يوم من الأيام الثلاثة، وبأن يُعْلَن ذلك لجميع أنحاء البلاد، ولكل واحد من أمراء محمد علي، وبأن يعفى عن المسجونين والمنفيين في أبي قير ما عدا القاتل وقاطع الطريق، وذلك إجابة لطلب القائد العام إبراهيم باشا.

فى حصار عكا: كلمة لسمو الأمير عمر طوسون

الإسكندرية في ٢٦ مايو: لمراسل الأهرام الخاص. لقد اشتهر من مزايا سمو الأمير الجليل عمر طوسون أنه فخور بأجداده العظام ومآثرهم، ومطلع على جميع أعمالهم وتفاصيل تاريخهم المجيد الذي هو تاريخ مصر كلها من عهد مجددها ساكن الجنان محمد علي. وقد رأى الجمهور كثيرًا من مباحث سموه الدالة على ذلك.

وقد أتحفنا سمُوُّه اليوم بمناسبة عزم الحكومة على الاحتفال بذكرى إبراهيم باشا ومرور مائة عام على فتح عكا، بكلمة عن القوات المصرية التي دخلت عكا عند فتحها تزيد تلك الذكرى تمجيدًا.

ويقترح الأمير الجليل أن يلبس الجنود الذين يحضرون الحفلة ملابس أسلافهم في أيام ذلك الفتح. وإليكم كلمة سموه:

يجدر بنا وقد صحت عزيمة الحكومة المصرية على الاحتفال غدًا بذكرى مرور مائة عام على فتح عكا وذكرى فاتحها العظيم، بطل مصر ساكن الجنان إبراهيم باشا بميدان الأوبرا بالقاهرة، أن نذكر وحدات الجيش التي حاصرت حصن عكا العظيم ودخلته فاتحة منصورة بقيادة هذا الفاتح الأكبر الذي تفتخر به مصر اليوم بحق وتجدد ذكراه الخالدة بهذا الاحتفال الرائع.

عمر طوسون
وإننا نذكرها نقلًا عن كدلفين وبارده وهي: آلايات المشاة، آلاي الحرس:

آلاي الحرس

  • الآلاي رقم (٢).

  • الآلاي رقم (٥).

  • الآلاي رقم (٨).

  • الآلاي رقم (١٠).

  • الآلاي رقم (١١).

  • الآلاي رقم (١٢).

  • الآلاي رقم (١٣).

  • الآلاي رقم (١٨).

آلايات الفرسان

  • الآلاي رقم (٢).

  • الآلاي رقم (٣).

  • الآلاي رقم (٤).

  • الآلاي رقم (٥).

  • الآلاي رقم (٦).

  • الآلاي رقم (٧).

  • الآلاي رقم (٨).

ومجموع هاتين القوتين هو ٢٤ ألف جندي تقريبًا غير جنود المدفعية.

وقد ضربتْ حصون عكا تسعُ سفن من الأسطول المصري الذي كان يحاصرها، والذي كان مؤلفًا من ست عشرة سفينة حربية وسبع عشرة سفينة نقل. وكان قائد هذا الأسطول أمير البحر عثمان نور الدين باشا.

أما التسع السفن التي ضربت هذه الحصون، فكان بها ٤٨٤ مدفعًا و٣٨١٠ من الجنود البحريين.

وهذه أسماؤها:
اسم السفينة اسم القائد
الفرقاطة الجعفرية برغمه لي أحمد قبودان، وكان عليها علم أمير البحر عثمان نور الدين باشا
الفرقاطة البحيرة عبد اللطيف قبودان، وكان عليها علم الأمير الثاني لهذا الأسطول مصطفى مطوش بك
الفرقاطة كفر الشيخ برسك الإنكليزي
الفرقاطة رشيد السيد علي قبودان
الفرقاطة شير جهاد نوري قبودان
الفرقاطة مفتاح جهاد مصطفى قبودان الجزائري
الفرقاطة دمياط هدايت محمد قبودان
القرويت بمبه بيجان قبودان
القرويت رهبر جهاد علي رشيد قبودان الجزائري

ومما ينبغي ذكره أن حصار عكا دام ستة أشهر، وأن أول من أحرز فخر الاستيلاء على مدينة عكا والدخول فيها من الجيش المصري المحاصر لها، هو الآلاي الثاني من المشاة. وقد سبقت لهذا الآلاي نفسه مأثرة أخرى في الحرب الحجازية كان جزاؤها أنْ أنعم محمد علي باشا على أفراده عندما رجعوا إلى مصر في شهر أكتوبر سنة ١٨٢٦ بوسام فضي، وأمر أن يقيم في القاهرة ليكون حامية لها، وميز جنوده بلباس خاص يوضع على رءوسهم، وهو منديل حريري مخطط بخطوط خضراء وصفراء ترخى أطرافه على أكتافهم (كوفية)؛ لأن هذا كان غطاء رأس الشعب الذي قهره هذا الآلاي (الوهابيين)، وأنعم على قائده أمير الآلاي محمد بك بمبلغ من المال مكافأة له، ورقى وكيله القائمقام عابدين بك إلى رتبة أميرالاي وعينه قائدًا للآلاي الثاني عشر.

وحيث إن الجيش المصري الحالي سيكون له في هذا الاحتفال الدور المهم في تمثيل هذه الذكرى، فيا حبذا لو أمكن أن تلبس جنوده الملابس التي كانت تلبسها أسلافهم جنود الجيش المصري في تلك الأيام؛ لتكون لهذه الذكرى بعض المشخصات المرئية التي تجليها بصورتها التاريخية لأعين الناظرين.

ميدان إبراهيم باشا

بمناسبة الاحتفال الرسمي الكبير الذي قررت الحكومة إقامته اليوم إحياء لذكرى فتح الجيوش المصرية لمدينة عكا، وعلى رأسها البطل المغوار إبراهيم باشا، أُكرر القول أن تطلق الحكومة على «ميدان الأوبرا» اسم «ميدان إبراهيم باشا»؛ تخليدًا لتلك الذكرى المجيدة وفخرًا لجيوشنا المصرية وقائدها الفاتح العظيم. ولي كثير الأمل في أن ينال اقتراحي المتكرر هذا عناية من أولي الأمر وسرعة في التنفيذ؛ لأن في تخليد اسم إبراهيم باشا لمفخرة لمصر وجيوشها التي سجل لها التاريخ العالمي التفوق في الحروب والفتوحات.

فؤاد الشغبي

إبراهيم باشا على طوابع البريد

لي اقتراح بمناسبة ذكرى البطل الفاتح إبراهيم باشا جد مليكنا الأعظم حفظه الله، هو أن يعمل طابع بريد يتشرف بصورة تمثال هذا القائد، ويُوزع لمدة ثلاثة أيام فقط بعد انتهاء الاحتفال بأيام؛ أي بعد إنجاز الطبع، ويكون ذلك أثرًا خالدًا لهذه الذكرى المباركة النادرة، ويكون للطابع بعد ذلك مكانته لدى الهواة في جميع أنحاء العالم.

محمد عبد الرءوف
الخطاط بسكرتارية محكمة النقض والإبرام

فى ذكرى فتح عكا: الأهرام وذكرى إبراهيم

قصيدة لحضرة الأديب صاحب الإمضاء:

عصر بإبراهيم عز وطالا
باهى العصور مهابة وجلالا
شادت له «الأهرام» ذكرًا خالدًا
يفنى الزمان ولا يزول زوالا
صفحاتها نشرتْ لنا آثاره
في شامنا ومآثرًا وفعالا
حييت يا داود كم أطلقت ما
بين الطروس يراعك السبالا
فأعدتَ للشرق الأغَرَّ فخاره
فسمت معالمه سنى وكمالا
جددت ذكرى الفاتح البطل الذي
في ساحة الهيجاء صال وجالا
يا فاتحًا عكا بصارم عزمة
علوية تفري بها الأهوالا

•••

شيدت للعدل المنيف صروحه
لما شهدت صروحه أطلالا
فاضت بها نعماؤك الحلى كما
ملأ السهول نداك والأجبالا
الحلم فيك سجية وإذا طغى
سيل العداة فلا تهاب نزالا
الغرب يفخر بالرجال أما درى
كم أنجب الشرق العظيم رجالا
شادوا له صرحًا يظل مجددًا
في الشرق ما امتد الزمان وطالا
هذا سليل المجد إبراهيم قد
أبقى له الآساد والأشبالا
يهدي لإبراهيم إكليلًا غدا
رمزًا لمجد خالد ومثالا
يحيى فؤاد فيه ذكر فوارس
خاضوا الوغى واستبسلوا استبسالا
فلتحيَ مصر عزيزة بفؤادها
وليحيَ شعب يكرم الأبطالا
الإسكندرية
فريد حداد

ذكرى الفاتح العظيم

قدم حضرة الناظم هذه الأبيات إلى العتبات الملكية مكتوبة بخط جميل وهي:

يا فاتح الأقطار منك بجرأة
وبحكمة عزت على الأبطال
قم واستمع آي الخلود جميلة
من أَلْسُن التاريخ والأجيال
ما زلت في صدر الزمان ولم تزل
رغم المنية في المقام العالي
أنجبت إسماعيل من أحيا الحمى
بجليل إصلاح وحسن فعال
وكفى بإسماعيل أن مليكنا
السامي ابنه، وفؤاد مصر الغالي
يا مصر تيهي إذ غدوت بعصره
تزهين بالإسعاد والإجلال
هذا فؤادك فانعمي في ظله
وتمتعي بعظائم الأعمال
نجيب هواويني

الجيش وذكرى إبراهيم

سر للحقائق إن تسر بحسام
ودع الخيال لهذه الأقلام
وإذا الصوارم واليراع تناظرا
فرقت بين الحق والأوهام
من للغزاة إذا رموك بصاخب
لجب، ومن للمبصر المتعامي
الكتب أضعف ما تكون وإنما
تقوى إذا حملت على الصمصام
وإذا امرؤ هز الحسام فقد صحا
من نومه بمعبر الأحلام
أي الشعوب حمى حماه بكتبه
أو نال بالأقلام أي مرام
أقسمت ما حفظ البلاد لأهلها
شيء كجيش للبلاد لهام
بالجيش تمتنع البلاد وهل ترى
من غاية عزت بلا ضرغام
لو أن للآرام نابًا أصبحت
وكناسها أجم من الآجام
قووا لنا جيش البلاد وأمسكوا
عنا الكلام، فلات حين كلام
قووا لنا جيش البلاد فإنه
سر الحياة يدب في الأجسام
محمد الأسمر

مجد السيف وفضل القلم: عز الوطن في يمين سيد الوطن

إنما المجد ما بنى والد الصد
ق وأحيا فعاله المولود

لم تبخل مصر يومًا أن تطيع حاكمها وحاكم الجد فيها يلقى منها الجد له، تمده وتنصره وتواليه وتواتيه، حتى لو خاض البحار لخاضتها أو رام السماء لبلغتها عن همة وخلوص نية، وجهد واستنفاد جهد، وصدق، وقلب صدق، وعمل صدق.

قال عمر بن الخطاب للحطيئة يومًا: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنا ألف فارس حازم. قال: وكيف يكون ذلك؟ قال: كان قيس بن زهير فينا وكان حازمًا، فكنا لا نعصيه، وكان فارسنا عنترة فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم، وكان فينا الربيع بن زياد، وكان ذا رأي وكنا نستشيره ولا نخالفه، وكان فينا عروة بن الورد فكنا نأتم بشعره، فكنا كما وصفتُ لك. قال عمر: صدقت. ا.ﻫ.

هكذا، ما أقرأ هذا الخبر حتى أتصور مصر إذا بعث الله لها ملكًا صالحًا وقائدًا حكيمًا وذادة مخلصين. ومصر لها من دون الأمم تاريخها، إنما هو تاريخ ملوك، من عظم منهم عظمت به ومن خف منهم خفت به. وهذه الرقعة من وسط الدنيا القديمة دامت دار مصر، إن عزت حوطت مداها على طول الأفق أو هانت أرز مجدها إليها، حتى ما يكاد يهدأ في حاضرتها وربما طار حينًا من تاريخها.

وهذا السر في مصر قد وقف عليه العباقرة الأحرار من ملوكها، فاستعملوه لها ولهم، وبسطوا ملكهم به مؤطر النواحي بمجدهم الباقية آثاره على هذا المدى. وغاب هذا السر عن كل خوان مأفون، فقبر به تارة أو قبر به أبناء الوادي، والتاريخ شاهد مزكي على صدق هذه النظرية في أطواره كلها وأطوار مصر معه. فلما بعث الله محمد علي ملكًا على الوادي، كان من صفاء الروح وشحذ الهمة وقوة العبقرية بحيث عرف السر واستخرجه، فانتفع به ونفع أصحابه، فعادت مصر في أيامه إمبراطورية واسعة الأطراف من منابع النيل في الجنوب إلى منابع الفرات في الشمال، وقد ضم بيديه طرفي آسيا وأفريقيا في مضيق عدن، فغدا البحر الأحمر بحيرة مصرية ضفتها من آسيا جزيرة العرب إلى بحر فارس، ومن أفريقيا شطرها الشمالي الشرقي، مُلك بناه رأي هذا الماجد وسيف ابنه ذاك العظيم إبراهيم الذي يهز مصر اليوم من تمثاله النحاسي هزة بعثتها فيها منذ مائة سنة إحدى انتصاراته اللاتي لو عدت مع أيام السنة لكفتها، واللاتي يبدأ الحفل بها اليوم، فإذا بدأ كرَّت على مصر ذكريات متلاحقة، فما إن تفيق من نصر إلا إلى نصر. ويوشك أن تعود مصر سيرتها الأولى وقد جاءها عبقري جديد يجدد لها حياتها جدة العصامي العظامي، والمجد عصامي عظامي، هو إذ يقف اليوم أمام تمثال الفاتح إبراهيم باشا فليست كوقفة الذين يقف التاريخ أمامهم هم، بل وقفة الذين يقف التاريخ له كما وقف من قبله أمام آبائه وأجداده.

إنما المجد ما بنى والد الصد
ق وأحيا فعاله المولود

أنا مصري من الذين تهزهم شعائر الوطن، وددتُ اليوم لو حشد المصريون ليروا ساعات الحفل في ميدان إبراهيم وقد وقف حفيده تحت قاعدة التمثال ومن حوله عصبته وأهل دولته وقادة جيشه والصفوة من جنوده، ومن ورائهم أفراد الرعية حافين بالعرش وحملته، زخرت بهم الشوارع وملئت بهم النوافذ، ورئيس الحكومة بين يدي مولاه يشدوا بمآثر أسرته، والعسكر يمتطون الجياد شاهري السيوف شاكي السلاح كاملي العدة، أبواقهم تضرب نوبة المساء مثل بوق الأسلاف في أسوار عكا واقتحام حصونها. منظر عجيب كفيل بالروح والإحساس، وبمثله تغذى أرواح الشعوب والأمم، ومنظر يهز المصري من عطفيه؛ عطف النصر وعطف الفخر بالنصر؛ إذ كانت فعلات أجدادهم بكرًا لم يطمثها من رامها قبله. فإن سيد الحرب في الغرب رام أن يفتح عكا، فعزَّت عليه عكا فتركها على مضض، أما سيد الحرب في الشرق فإنه رام ونال المرام. وينتشر في العين منظر يغشى جند الميدان بطابع رأيته على قيد خطوات في الأوبرا أمام الميدان؛ إذ تمثل فيها رواية عائدة المصرية، فيرى الراءون جنود أسلافهم وقد جاءوا بالنهائب والسبايا، ولا فخر، فالولد سر أبيه.

•••

وتصفحت الوجوه لأرى الكاتب الذي نشر «ذكرى البطل الفاتح إبراهيم باشا» وأرى فيه روح النصر للقلم وقد خدم السيف بإحياء رب السيف، فإذا بأحياء السلف يستجيبون للكاتب قيامًا على فضل القلم. تنظرت الوجوه لأرى داود بركات وهو أولى من حقه أن يرى حفل اليوم فلم أجده، وقيل إنه في الفراش كان مدد قوته في تذكير أمته نفد به الوجد عن طاقة الاستعداد، فهو يستجم لعود المداد، وهكذا رجال الضحية من حملة السيف وحملة القلم إنما يعيشون بالذكرى أكثر مما يعيشون بالأعصاب.

•••

وكان مما رأيت عمائم مجنحة فوق طيالس منشرة ذَكَّرَتْني برواية الكاتب عن سحر محمد علي إذ نفث في القوم حتى هب شيوخ القوم يعتقلون السمهري بدل العكاز، ويستلئمون بالمغفر عن العمامة، ويدرعون الزرد من دون الفراريج، فعدلنا أسماء من شيوخ الأزهر وأبناء شيوخه تطوعوا في جده وطوعوا غيرهم تحتهم، فرقَّاهم الباشا في صفوف العسكرية إلى رتب القائمقام والأميرالاي واللواء. وقرأنا حديثه عن الشيوخ المتأخرين كما نقرأ حديث السلف الصالح عن شيوخ الصحابة وجلة أهل العلم وكانوا يعلمون ويعملون، ويعظون ويجاهدون ويسلكون دروب الحياة كلها مقتدين بالسيد الأعظم الذي قال وقوله الحق: «وجعل رزقي في ظلال رمحي.»

•••

وخاتمة المقال بتكرير آية المجد ارتداء إبراهيم ببني مصر وهو عائد من حروب الشام وقد جعل جيشه ثلاث شعب، فنَجَت الثلاث الشعب على عيون الأعداء وسهر الكمياء مثلما ارتد خالد بن الوليد بالمسلمين في غزوة مؤتة من مكان قريب مما ارتد إبراهيم، فاستحق بحركته من رسول الله لقبه الخالد في الإسلام «خالد سيف الله»، وكذلك شهد للعظيم إبراهيم كل عظيم في زمنه بحركته.

•••

لم يُطوَ لمصر علم ولا هُزم جيش مصر — ولها قائد — في موقعة. ولم يترك إبراهيم بلاد الشام التي فتحها بسيف المصريين أمام دولة واحدة ولا دولتين ولا ثلاث دول، ولكن تجمع عليه أولو القوة من بني الدنيا جميعًا: إنكلترا، وبروسيا، والروسيا، والنمسا، وإيطاليا، وتركيا، وثوار الشام. فخلص من هذه الجهات الست خلوص العزة حين قضت عليه السياسة أن يترك ما بيديه؛ فلم يتركه إلقاء المضيم، ولكن تركه في عزة المستطيع ولين القوي. فاليوم يستطيع كل مصري أن يرى عزته عن كثب، وأن يرى كيف ينال العز بالشرف، وهو إذ يتمثل نصر العز ممتلئ الحياة بفيض العز يقول مع رئيس الحكومة إنه لا يبغي حربًا، وإنما يطلب حياة تليق بصاحب هذا التاريخ.

ولله دَرُّ الشماخ، لو أنه يرى اليوم «فؤادًا» في حشده تحت تمثال جده وقد استظل بيده الممدودة تقول: «إلى الأمام»، إذن لأنشده بيته الخالد:

إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها فؤاد باليمين
مصرايم
ملاحظة: كاتب هذا المقال هو صاحب الفضيلة الشيخ محمد سليمان نائب محكمة مصر الشرعية.

الاحتفال بذكرى فتح عكا

جلالة الملك عند تمثال البطل الفاتح – خطاب رئيس الوزارة – مظاهرات الطلبة والعمال والأهالي للملك

لأول مرة في تاريخ مصر الحديثة تحتفل بذكرى مجيدة من ذكرياتها العسكرية المجيدة، ذكرى نُسرُّ ونفخر بأن «الأهرام» كانت أول من عمل على إحيائها وإحياء اسم بطلها العظيم في سلسلة المقالات التي كتبها رئيس تحرير هذه الجريدة. والتي أثارت في الناس تقدير ذلك الماضي القريب المجيد، وحرَّكت الرغبة في إحيائه في احتفال وطني كبير.

وقد اشترك في الاحتفال الجيش المصري ممثلًا في جميع القوات المرابطة بالقاهرة، وهي أربع أورط من المشاة، وأورطتان من الفرسان، وبطاريتان من المدفعية بأسلحتهما. وقد اصطفت جميعها حول ميدان الأوبرا الذي اختير لإقامة الاحتفال عند تمثال البطل إبراهيم. واصطف معها تلاميذ المدرسة الحربية ومدرسة البوليس والإدارة.

وتجمَّع وراءها طلاب المدارس والأزهر الشريف وهيئات العمال المختلفة وعشرات الألوف من الأهالي الذين تجمعوا على الأفاريز، وغصت الشرفات في الدور المحيطة بالميدان بالناس.

وأقام قسم الأشغال بوزارة الحربية سرادقًا جميلًا على شكل كشك مرتفع إلى يمين التمثال، وفرشت الأرض أمام الكشك وأمام التمثال بالسجاجيد.

واصطفت قوات من البوليس عند منافذ الشوارع المخصصة للمرور وحول الجيش لحفظ النظام وعدم السماح لأحد من غير حاملي تذاكر الدعوة بالاقتراب من محل الاحتفال.

وكان يشرف على نظام البوليس بيكر بك حكمدار البوليس بالنيابة، ويشرف على النظام عامة صاحبا العزة أحمد كامل بك مدير الأمن العام وبدوي خليفة بك وكيله، ويشرف على نظام الجيش ضباطه، وكانوا جميعًا بملابس الميدان.

ومنذ الساعة الرابعة أخذ المدعوون يَفِدون وبلغوا عدة مئات، ووقفوا ينتظرون تشريف جلالة الملك وفي مقدمتهم الأمير إبراهيم حليم والأمير محمد علي حسن والنبلاء إسماعيل داود وسعيد وطوسون وعمر وإبراهيم ومنصور داود وسليمان داود، ورئيس الوزارة ورئيسا مجلسي الشيوخ والنواب وعدلي يكن باشا والوزراء جميعًا. ومن رجال القصر الملكي سعيد ذو الفقار باشا كبير الأمناء، ومحمد زكي الإبراشي باشا ناظر الخاصة، ومراد محسن باشا رئيس الديوان الملكي بالنيابة، ومحمود شوقي باشا السكرتير الخاص لجلالة الملك، وأحمد محمد حسنين بك الأمين الأول، ومحمد حسين بك الأمين الثاني، وفيروتشي بك باشمهندس السرايات الملكية، وعبد الوهاب طلعت بك مدير الإدارة العربية، وغيرهم من الأمناء والتشريفاتية والياوران.

وفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر، ونيافة الأنبا يؤانس بطريرك الكرازة المرقسية، وسيادة الحاخامباشي مفتي الديار المصرية، والأستاذ السيد محمد الغنيمي التفتازاني، وكثيرون من كبار العلماء ورجال الأديان.

ورئيس محكمة النقض، ورئيس محكمة الاستئناف الأهلية، وجميع وكلاء الوزارات، ومحمد مفتي الجزايرلي بك وزير مصر المفوض بطهران، والمحافظون، وأكثر مديري المديريات ومستشارو محاكم النقض والاستئناف الأهلية والمستشارون الملكيون، وكبار رجال القضاء الشرعي، والأستاذ محمود منصور بك رئيس نيابة مصر، وأساتذة الجامعة المصرية وعلى رأسهم مدير الجامعة بالنيابة وعميدو الكليات.

وقواد الجيش المصري، وكبار موظفي وزارة الحربية، ومدير المدرسة الحربية، ومدير مدرسة البوليس وأساتذة المدرستين.

وعدد كبير من الوجوه والأعيان، وفي مقدمتهم: مدحت يكن باشا، وعبد الخالق مدكور باشا، وسمعان صيدناوي بك، ويوسف موصبري بك، وحامد العلايلي بك، ومحمود ثابت بك، وعبد الحميد الشواربي بك، والأستاذ أحمد رشدي المحامي، وحسين عاصم بك، وغيرهم كثيرون لم تسع الذاكرة أسماءهم.

وعند الساعة الخامسة تمامًا وصلت السيارات الملكية قادمة من سراي القبة العامرة، وكانت الجماهير تقدر بعشرات الألوف على طول الطريق، وصفقت هاتفة بحياة جلالة الملك، وبلغت الحماسة أشدها في ميدان الأوبرا لكثرة من تجمعوا حوله.

ولما نزل جلالة الملك من السيارة، قدمت قوات الجيش التحية العسكرية، وصدحت الموسيقى بالسلام الملكي، وتفقد جلالته قره قول الشرف الذي وقف تجاه الكشك الملكي الذي رفع عليه علم جلالة الملك. ولما انتهى جلالته من عرض القره قول صعد إلى الكشك محييًا المنتظرين، رافعًا يده مبتسمًا ابتسامة رقيقة، وصعد خلف جلالته الأمراء والوزراء، ورئيسا محكمتي النقض والاستئناف الأهلية، ورئيس المحكمة العليا الشرعية، ونقيب الأشراف، وسماحة السيد عبد الحميد البكري، فتفضل جلالته وصافحهم جميعًا، ثم نزل ووقف عند قاعدة تمثال البطل إبراهيم باشا. وأحاط بجلالته الأمراء والنبلاء، ووقف إلى يمينه الوزراء والكبراء، وأمامه بقية المدعوين، ووقف بين يديه صاحب الدولة صدقي باشا رئيس الوزراء، فألقى الكلمة الآتية:

خطبة رئيس مجلس الوزراء

مولاي صاحب الجلالة

تحرص الأمم الراقية والشعوب الناهضة على إحياء ذكرى مفاخرها ومآثرها، والإشادة بها على مر السنين؛ لأنها بذلك تجمع بين تمجيد المحسنين وتسجيل الاعتراف بالجميل لرجالها النابهين، وبين تنشيط النفوس وإنعاشها وبث روح الثقة والتجديد فيها، ونشر ألوية الغبطة والفخار في كل مكان.

لهذه الاعتبارات الحيوية الجليلة، ننتهز هذه الفرصة السعيدة يا مولاي: فرصة مرور مائة عام على فتح عكا على يد جدكم العظيم، المغفور له إبراهيم باشا؛ لنحتفل بهذه الذكرى المجيدة في ظلال تمثاله، وبين يديكم الكريمتين.

ففي مثل هذه الساعة، وفي مثل هذا اليوم من عام ١٨٣٢، استولى البطل إبراهيم على حصون عَزَّتْ على غيره من الغزاة الفاتحين، وسجل لمصر بفعاله وبسالة جنده نصرًا عظيمًا في صفحة الخلود.

ونحن بتمجيدنا هذا اليوم، إنما نمجد أسرتكم وجيشكم، ولا يحدونا في هذا التمجيد إلا عاطفتان اثنتان: عاطفة الإخلاص والولاء من ناحية، وعاطفة الإعجاب والفخار من ناحية أخرى.

فأما أسرتكم الكريمة، فإن مصر بأسرها لَتَذْكُر بالحمد والثناء أياديها البيضاء عليها، فهي التي وطدت في البلاد دعائم المدنية، وشيدت فوق الدعائم خير المنشآت.

وأما جيشكم الماثل أمام جلالتكم، فهو — يا مولاي — سليل تلك الجيوش الفاتحة، من حيث روحها واستعدادها، ومن حيث نظامها وولائها للوطن العزيز، وعرشكم المفدَّى.

نعلن ذلك في غبطة وفخار، ونحن أبعد ما نكون عن الإشادة بالحرب وما إليها، وحسبنا أن العالم بأسره يعرف ميلنا للسلام؛ إذ السلام شعاركم وشعار أمتكم، والناس على دين ملوكهم.

أدامكم الله يا مولاي ذخر البلاد وحصنها المنيع، وإن جيشكم الباسل لَينتهز هذه الفرصة ليقدم فروض الولاء والإجلال لقائده الأعلى، وإن شعبكم المجيد لينتهز هذه الفرصة كذلك ليُظهر فيها حبه والتفافه حول مليكه العظيم.

ولما انتهت الخطبة صفق الحاضرون لها طويلًا ودوى بوري الجيش، ثم نادى الضباط: «تحية عسكرية!» فوضع الجنود أسلحتهم، الوضع العسكري الذي يؤدي معنى التحية، وأدى الضباط «سلام الملك»، فصدحت الموسيقى بالسلام الملكي، وهتفت قوات الجيش كلها: «يعيش فؤاد ملك مصر» ثلاثًا، ثم صدحت الموسيقى بالسلام الملكي. وبعد ذلك اتجه جلالته نحو السيارة مودعًا كبار المحيطين به، وصافح دولة صدقي باشا معربًا عن سروره وإعجابه، وسار في عاصفة من الهتاف بحياته اشتركت فيها الجماهير العديدة.

وبعد ذلك تقدم حضرة صاحب السعادة علي جمال الدين باشا وزير الحربية ووضع عند قاعدة التمثال إكليلًا جميلًا من زهور القرنفل البيضاء على شكل دائرتين في أرضية من أوراق الزهر الخضراء. وفي وسط الإكليل شريط طرز عليه بواسطة مصنع الكسوة الشريفة العبارة التالية بخط فارسي جميل:

إلى البطل الفاتح العظيم إبراهيم باشا، من الجيش المصري تمجيدًا للذكرى المئوية لفتح عكا. ٢٧ مايو سنة ١٩٣٢.

وبعد ذلك قدمت مواكب مظاهرات كبرى يُقَدَّر من اشتركوا فيها بعدة ألوف، ومع كل فريق عَلَمُه، وقد تيسر لنا أن نتبين منها أعلام نقابة الموظفين، ورابطة العمال المتحدة، واتحاد نقابات العمال العام الذي يرأسه حضرة الأستاذ إدجار جلاد، والأزهر الشريف ومدارس عديدة، وكانت جميعها تهتف بحياة جلالة الملك وبحياة الوزارة. وظل الزحام في الميدان إلى ما بعد الاحتفال بأكثر من ساعتين.

وزُينت قاعدة التمثال بورق الأشجار الأخضر والأزهار، زينةً بسيطة جميلة، وزُين الميدان بالأعلام، وزَين أصحاب الدور والمتاجر المحيطة به أماكنهم زينات بديعة. وفي المساء بدا الميدان في حلة باهرة من الأنوار المتألقة المتلألئة، وصدحت موسيقى الجيش إلى ساعة متأخرة من الليل.

•••

ولم يُدعَ الوزراء المفوضون ولا أحد من الأجانب؛ لأن الاحتفال مصري وطني بحت بذكرى مصرية، وهذه هي العادة المتبعة في الاحتفال بذكريات الحروب والفتوحات.

ذكرى إبراهيم باشا

ما اقترحه بعض أعضاء البلدية منذ أربع سنوات

الإسكندرية في ٢٧ مايو، لمراسل الأهرام الخاص. لمناسبة الاحتفال الذي يقام اليوم في القاهرة لذكرى إبراهيم باشا ومرور مائة عام على فتح عكا، ذَكَّرَنا أحدُ حضرات نُوَّاب الإسكندرية في البلدية باقتراح قَدَّمه إلى الهيئة البلدية في سنة ١٩٢٨ اثنان من أعضائها في تلك السنة؛ هما الأستاذ سعيد طليمات بك الذي كان رئيسًا للمأمورية ووكيلًا للقومسيون، والمسيو فيلكس جرين؛ يراد منه إقامة «قوس نصر» في ميدان قصر رأس التين في هذه المدينة تذكارًا للبطل الفاتح إبراهيم باشا، وأن ينقش على هذا الأثر التاريخي الثابت خلاصة تاريخ ذلك البطل وفتوحاته ومآثره البارزة. وكانت المأمورية قد درست هذه المسألة، ووافقت على الاقتراح مبدئيًّا، ووضعت لقوس النصر المقترح إقامتها رسوم مختلفة كان أخصها رسم يماثل أثرًا من هذا الطراز مقامًا في باريس لذكرى بعض أبطال فرنسا.

ولكن الحالة المالية لم تكن إذ ذاك تسمح بتنفيذ هذا المشروع، فأُرجئ إلى الوقت المناسب، وطوي الاقتراح حتى الآن.

وفي نية أحد الأعضاء — كما فهمنا — أن يُجدد ذكرى هذا المقترح التاريخي لمناسبة الاحتفال بذكرى إبراهيم باشا وفتح عكا منذ مائة عام، ومناسبة ما نشرته الأهرام من المقالات القيمة عن سيرة إبراهيم باشا، التي ذَكَّرت الحكومة والأمة بفتوحاته المجيدة وأدت إلى إقامة هذا الاحتفال.

على أن الحالة المالية التي كانت تحول في سنة ١٩٢٨ دون إقامة الأثر المقترح تحوَّلت في هاتين السنتين إلى أزمة شديدة، وربما كان ذلك مما يوجب إرجاء هذا المشروع إلى وقت آخر، على أنه جدير بالتنفيذ.

ولهذه المناسبة نذكر أن الإسكندريين يعجبون لتسمية الميدان الذي فيه تمثال إبراهيم باشا في القاهرة «ميدان الأوبرا»، مع وجود ذلك الأثر الخطير فيه. وكان يجب أن يسمى «ميدان إبراهيم باشا» كما سمي الميدان الذي فيه تمثال محمد علي باشا في الإسكندرية «ميدان محمد علي» من زمن طويل.

نادرة لطيفة عن إبراهيم باشا في الشام

احتفلت البلاد أمس بذكرى مرور مائة عام لوفاة المغفور له إبراهيم باشا، الرجل الباسل الفاتح الشهير، ونِعْمَ ما فعلتْ، تكريمًا لرجالها العظام الذين يستحقون كل إكرام قدوة بسائر البلاد المتمدنة. وبهذه المناسبة أذكرُ للقراء حادثة طريفة تبين سطوةَ هذا الرجل العظيم في البلدان التي فتحها وهيبتَه وكرمَه.

روى أحد أصدقائي نقلًا عن والده من أعيان دمشق وثقاتها الإسرائيليين، أنه لما فتح إبراهيم باشا بلاد الشام كان يومًا راكبًا جواده مُتَنَكِّرًا في ضواحي الشام، فقابل رجلًا سائرًا على الأقدام واسمه «يوسف الرايق»، هذا الرجل كان من الباعة الذين يسرحون بأقمشة على أكتافهم يطوفون القرى المجاورة يبيعونها للفلاحين أو يستبدلونها بدجاج أو بيض أو بما أشبه ذلك، وكان يومئذ ذاهبًا إلى قرية جوير، وهي تبعد عن الشام نحو نصف ساعة، ولما مر به إبراهيم باشا نزل عن جواده وسأله عن مهمته أو سبيله، ثم قال له: ألا تخاف يا رجل أن تذهب وحدك في البرية؟ ألا تخشى اللصوص وقطاع الطريق وأنت بلا سلاح؟ فأجابه على الفور ولم يكن يعرف من الذي يخاطبه: «لا يا أفندى، كيف أخاف وأبو خليل موجود في البلاد!» وافترقا كلٌّ في سبيله. وبعد نصف ساعة اعترض فارس آخر يوسفَ في الطريق وأوقفه عن السير، فخاف هذا وهو يظنه من قطاع الطريق، ولكنه بالعكس كان رسول خير وبيده عشرة جنيهات هدية له من «أبو خليل».

عاد يوسف مسرورًا إلى منزله بغنيمته عوضًا عن الدجاج والبيض وهو يثني على كرم المهدي ويردد قوله: «الله يطول عمرك يا أبو خليل.»

الدكتور هلال فارحي

ماذا أعدت الأمة والحكومة لمكافاة محيي ذكرى إبراهيم باشا؟

بيننا رجل هو من أفاضل كتابنا ومن أماثل حملة القلم فينا، ومن مفاخر صحافيينا، له في المشاكل السياسية رأي ناضج، وفي المعضلات الوطنية قولٌ صادق، لم تُصَب الأمة بأزمة أيًّا كان خطرها إلا وتراه قد طلع على الناس بالقول الصائب والرأي الفاصل والبرهان المنير. تسهر عيناه في البحث والتنقيب وانتزاع الحجج والبرهانات تأييدًا لحق الأمة فيما يعرض من أمر وما يتاح من شأن، بينما غيره في سكرة من متع الحياة. ينظر في الآفاق ويرقب الأحداث، حتى إذا لاح له نجم مشرق يتلألأ بذكرى يوم من أيام الأمة المشهودة، بادر إلى تخليده وتذكير الناس بوجوب تمجيده، فتهتز له القلوب وتصغي إليه الأسماع وتميل نحوه الأعناق، فيعود كل امرئ إلى نفسه يرميها بالقصور ويَتَّهِمُها بالإهمال، ثم يلتفت إلى ذلك الرجل العامل المجد. فماذا يكون نصيبه من الالتفات؟ لم نرَ له من حظ ولا نصيب على ما قدم لهذه الأمة إلا ابتسامة الاستحسان أو نظرة الإعجاب، ثم لا يلبث أن يتلاشى ذلك الاستحسان وينسى ذلك الإعجاب بين الضحى والعشي. وذلكم الرجل هو الكاتب الباحث المنقب الكبير شيخ الصحافة وإمام الكتاب: الأستاذ داود بركات. وهذا هو حظه من هذه الأمة، وليس هو بالحظ الذي يدل على الكمال والنضوج أو يشير إلى حسن القياس والتقدير؛ لأن الأمة الكاملة الناضجة لا يفوتها أن تقدر العاملين المخلصين ولا تُنسيها الأحداثُ والغير مكافأة المجدين الصالحين.

لنترك مواقف داود البارعة في صفوف العاملين طوال زمن الاحتلال، ولنَطْوِ الآن صفحة مكافحته خصوم البلاد، فجريدة الأهرام حافلة من آثاره الخالدة بكل شريف وكريم. ولنلق نظرة سريعة على مشاهده الباهرة منذ قيام هذه الحركة الأخيرة؛ لنَتَبَيَّن منها آثار هذه النفس المتوثبة، وهذه الروح الكبيرة، وهذا العقل الناضج، وهذا القلب النابض بالغيرة والإخلاص، وهذا القلم المعجز الفياض، وما لتلك الآثار من الفضل الكبير على هذه الأمة الغافلة.

قامت الحركة الأخيرة منذ اثنتي عشرة سنة، وحضر إلى مصر مستر شيرول مستطلعًا طلع الأمر فيها محاولًا تصوير الحالة في الصورة التي يراها في مصلحة أمته، فصمد له داود وأخذ يناقشه مناقشة العالِم بأسرار السياسة البريطانية واتجاهاتها، وأخذ يناظره مناظرة الكاتب الوطني الغيور. وما زال ينجد معه ويهتم ويقف به على أسباب الداء ويرشده إلى حقيقة الدواء بالحجة القاطعة والبرهان المبين. وهل من دواء إلا أن يترك الإنكليز البلاد لأهلها وأن تستقل بنفسها لنفسها؟! هكذا كان اتجاه داود ومطلبه، فماذا صنعت له الأمة وبماذا كافأته؟!

قامت مسألة السودان وجرى البحث في حقوق مصر فيه، وكبرت دعاوى الإنكليز بشأنه، وأخذ الكتَّاب في المناقشة والمباحثة، وتناولوا الأمر فيما بينهم جذبًا ودفعًا وخفضًا ورفعًا. وبينا هم في أمر من شأنه مَرِيجٍ طلع داود على الأمة بكتابه الفذ القيم «السودان المصري والإنكليزي»، فقطع قول كل خطيب وأنار السبيل وعَبَّدَ الطريق وأوضح المسالك وبيَّن ما لمصر في السودان من الحقوق الثابتة التي أيدتها الدماء المهراقة في صحاريه والأموال السائلة في بواديه. وقد عرف كل مصري أن السودان له دون غيره من سائر خلق الله، وذلك بفضل داود وبعقل داود وبقلم داود. فماذا صنعت الأمة لداود وبماذا كافأته؟!

تحدث الناس في شأن الحركة العرابية، وكتب الكتَّاب فيها، وذهبوا في أسبابها ونتائجها مذاهب شتى، وتناولها الباحثون بمختلف الفِكَر والآراء، فطلع عليهم داود بمقالاته المحققة ورسائله الممحصة، فجلا بهما غواشي الظلم المتراكبة، وأظهر الأسرار وبيَّن المعالم وأعطى من كل ناحية نواحيها حقَّها من البيان والإيضاح، وحقَّق الأسباب وصحح المقدمات وخرج بالنتيجة التي لا ترد وبالغاية التي لا تدفع، فماذا صنعت الأمة لداود وبماذا كافأته؟!

درجت الأمة ومضت السنون والناسُ لا يعرفون من أمر إبراهيم باشا شيئًا، وقد أنكروه، حتى إنهم كانوا يسمون تمثاله بالحصان ويعتدُّون القرب منه سُبة عار. ولكن داود لا يحب أن تجهل هذه الأمة تاريخها إلى هذا الحد، ولا يستريح إلى أن تستهين بأبطالها إلى هذا المقدار، فاستثار كوامن نفسه، ونبَّه المختزن من حافظته، وأرسل نظره في بطون الدفائن من الأوراق والمستندات والدفاتر، ثم أرسل قلمه البليغ يتوغل في شعاب البحث والدرس والاستقراء، فجلا للأمة — بل للأمم كافة — حقيقة البطل المصري العظيم إبراهيم باشا، وعرض عليهم مواقفه الهائلة في الذياد عن كيان الأمة، ومشاهده العظيمة في العمل على توسيع رقعتها وامتداد سلطانها. كما قرأ على الناس صفحة خالدة من أنصع صفحات الجيش المصري المجيد، فنبَّه الأمة إلى تمجيد هذا البطل الكريم وإلى الاعتزاز به والافتخار بأعماله. كما أيقظ الحكومة من سُباتها، فقامت تحتفل بذكراه عن إحدى وقائعه الكبرى وفتوحاته الجليلة، وكان يوم ٢٧ مايو من مفاخر الأيام في هذه الأمة. فماذا صنعت الأمة لداود وبماذا كافأته؟! وماذا صنعت له الحكومة وبماذا كافأته؟!

أرى أنه يجب على الأمة إزاء هذه الأعمال العظيمة التي قام بها داود بركات، وهذه الخدمات الكبرى التي قدمها إليها حسبة لوجه الله، وقيامًا بحقوق هذا الوطن العزيز، أن تُظهر له شعورها الفياض فتُقيم له حفلة تكريم، وتقدم له فيها تذكارًا ثمينًا يتفق مع عزتها وكرامتها؛ لتثبت أنها أمة حية صالحة للبقاء، وأنها تقدِّر العاملين وتعرف أقدار المخلصين.

وأما الحكومة، فمن واجبها أولًا: أن تمنح هذا الكاتب العظيم لقبًا من ألقاب الشرف التي يحملها السني والدني. ثانيًا: أن تقوم الجامعة بمنحه لقب الدكتوراه الفخري؛ فهو من أحق الناس بحمله وأجدرهم بالتلقب به. أليس قد قدم للأمة سِفرًا ضخمًا عن إبراهيم باشا وفتوحاته تندق الأعناق وتتحطم الأصلاب دون كتابة مثله؟ ثالثًا: تدفع إليه الحكومة مقدارًا مرضيًّا من المال مكافأة له عما عانى في هذا البحث وما بذل في سبيله من النفس والنفيس. رابعًا: تأمر بطبع هذا التاريخ ونشره بين الناس وتقريره في مدارسها الكبرى وفي مكاتب المدارس على الإطلاق على نفقتها بطريق التراضي معه على ذلك.

هذه كلمة صراحة وإخلاص أَنْشُرها خدمة لسمعة أمتي وقيامًا بحق هذا الكاتب الجليل الذي طوق أعناقنا جميعًا بمننه التي لا تنسى، فهل من سميع؟!

حسن السندوبي
١  السد الذي بناه الإسكندر لافتتاح مدينة صور.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤