سابعًا: المنطق المتكامل
ومن حيث جدل التاريخ تأتي الدعوة أولًا، «التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية» لابن حزم (٤٥٦ﻫ)، عرض الوافد من خلال الموروث، وقراءة المنطق اليوناني من خلال المنطق الإسلامي الباطن في القرآن والحديث. والسؤال هو: هل هي اكتشاف المنطق اليوناني في المنطق الإسلامي، وإثبات تطابق العقل والنقل أم هو إسقاط المنطق اليوناني على القرآن والحديث كنوع من أسلمة المنطق؟ وربما هو توحيد للثقافة بين الوافد والموروث بحيث تنتج ثقافة ثالثة تتجاوزهما معًا وتعبر عن طبيعة العقل الإنساني.
ثم يأتي مركب الدعوى ثانيًا الغزالي (٥٠٥ﻫ) «معيار العلم»، «محك النظر»، «القسطاس المستقيم» لتجمع بين الوافد والموروث في منطق متكامل يوسع آفاق الوافد، وينظر الموروث ويعقله. يعطي الطرفين حقهما من الاستقلال كمصدر ثم يجمع المصدرين في مصدر واحد يدل على تكامل العقل والنقل، توسيع العقل بالوحي، وتضييق الوحي بالعقل، العقل صورة والوحي مادة، والمنطق اليوناني صورة بلا مادة، والوحي الإسلامي مادة بلا صورة. والمنطق المتكامل هو الذي يجمع بين الصورة والمادة، صورة اليونان ومادة القرآن.
ثم يأتي نقيض الدعوى ثالثًا، «أقيسة النبي» للأنصاري (٦٤٣ﻫ) لبيان أن القياس الفقهي نابعٌ من القرآن والحديث وليس وافدًا عليه، ربما ضد منكري القياس من الظاهرية وربما لبداية ضعف الحضارة الإسلامية ونهاية فترتها الإبداعية العقلية الأولى، وبداية فترتها النقلية في التدوين الثاني من الذاكرة الجماعية، فانتهى الوافد وتوارى من الذكرى وحضر الموروث باعتباره وريثَ الوافد الممتد عبر التاريخ.
ثم ينفك الجدل في مرحلة رابعة بنقض النقيض في «نقض المنطق» و«الرد على المنطقيين» لابن تيمية (٧٢٨ﻫ) رفض المنطق الأرسطي ووضع منطقًا جديدًا بدلًا عنه هو المنطق الفقهي خاصة أو المنطق الإسلامي عامة، وترجيح أساليب القرآن على منطق اليونان كما يقول الصنعاني أو «صون المنطق والكلام عن فنِّ المنطق والكلام» كما يقول السيوطي. وجعله مسئولًا عما حدث من خلط العقائد وأنه ليس مجردَ آلة بل هو رؤية للعالم، وليس مجردَ وسيلة بل غاية.
ومن حيث البنية الجدلية خارج التاريخ تأتي الدعوة أولًا، قبول المنطق اليوناني بل وتأييده بالقرآن والحديث كما هو الحال في «التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية» لابن حزم (٤٥٦ﻫ)، وهو ما قام به الفقهاء حتى من أهل الظاهر.
ثم تأتي نقيض الدعوى، رفض المنطق اليوناني باسم المنطق الفقهي أو المنطق الإسلامي، وأنه لا يفيد الذكي ولا ينتفع به البليد وكما عبر عن ذلك ابن تيمية (٧٢٨ﻫ) في «نقض المنطق»، و«الرد على المنطقيين»، وكما لخص الصنعاني في «صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام». وقد قام بذلك الفقهاء الحنابلة خاصة المتأخرين. فالدعوى في البداية في القرن الخامس وفي النهاية في القرن الثامن على مدى ثلاثة قرون.
ثم يأتي المركب من الدعوى ونقيضها في ثلاثية الغزالي (٥٠٥ﻫ) «معيار العلم»، و«محك النظر»، و«القسطاس المستقيم» للجمع بين المنطق اليوناني وإكماله بالمنطق الإسلامي القرآني فلا تعارض بين الوافد والموروث، بل هناك تكامل بينهما بعد أن أقرَّ الغزالي المنطق اليوناني باعتباره آلة للعلم، لا خلاف على صحته والثقة به كما عبر عن ذلك في «مقاصد الفلاسفة»، و«تهافت الفلاسفة»، وفي مقدمة «المستصفى من علم أصول الفقه»، حيث أعلن أن «مَن لا منطق له فلا ثقة لنا بعلمه». وهو مركب تركيبي، قراءة مزدوجة لكل المنطقيين من منظور الآخر، منطقة القرآن أو أسلمة المنطق بما في ذلك من مزايا، وحدة الثقافة، وعيوب التوفيق.
ثم يأتي نوع جديد من مركب الدعوة والنقيض من الداخل وليست من الخارج، عرض القياس الفقهي من داخل القرآن والحديث بعد أن توارى القياس اليوناني في الذاكرة الجمعية كما هو الحال في «أقيسة النبي» للأنصاري (٦٣٤ﻫ)، بل إن اللفظ ليس يونانيًّا خالصًا بل هو إسلامي أيضًا في وصية عمر الشهيرة للَّيث بن سعد: «قِس الأمثال بالأمثال، والنظائر بالنظائر والتي على أساسها قام علم «الأشباه والنظائر» أو «علم القواعد الفقهية».»
ولا يهم أي الطريقين أصح في العرض، جدل التاريخ وتاريخ البنية أم جدل البنية وبنية التاريخ. وقد يكون الطريق الثاني أكثر اتفاقًا مع بنية الحكمة النظرية في علمها الأول «المنطق».
(١) التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية لابن حزم الأندلسي (٤٥٦ﻫ)
وهي أول محاولة لتنظير الموروث من أجل استقبال الوافد أو تمثل الوافد في إطار تنظير الموروث، وعرض صورة المنطق اليوناني بمادة المنطق الإسلامي، منطق اللغة من الألفاظ العامية ومنطق الوحي من الأمثلة الفقهية.
ولا يدخل في العرض أيضًا لأنه عرض الوافد من خلال الموروث أو قراءة الوافد من منظور الموروث في حين أن العرض هو عرض الوافد من خلال الوافد. العرض رؤية الموضوع كما هو عليه، والقراءة رؤية الموضوع من خلال الذات. العرض تمثل للوافد ونقل له، في حين أن القراءة تمثل للوافد داخل تنظير الموروث، جمعًا بين التنزيل والتأويل بلغة الفقهاء والصوفية.
وينقسم الكتاب ستة أقسام دون ترقيم. الأول «المدخل إلى المنطق أو إيساغوجي» على عادة القدماء بالبدء بمقدمة فرفوريوس قبل عرض المنطق الأرسطي كمدخل له. والثاني «كتاب الأسماء المفردة «قاطيغورياس»، وهو مبحث المقولات تحويلًا له من المنطق اليوناني العقلي «المقولات» إلى المنطق العربي اللغوي «الأسماء المفردة»، نقلًا لمنطق الصورة اليوناني إلى منطق القول العربي. والثالث «كتاب الأخبار، باري أرمينياس»، وهو مبحث العبارة نقلًا على مستوى التسمية من اللفظ اليوناني المعرب إلى المصطلح العربي المستمد من الحديث وأصول الفقه، وهو «الأخبار»، أي العبارة أو القول أو الكلام أو القضية المنطقية. والرابع «كتاب البرهان» يجمع بين القياس والبرهان والسفسطة والجدل، أي بين أربعة كتب من منطق أرسطو؛ فالقياس مادة البرهان، والسفسطة والجدل غياب البرهان، السفسطة قلب الحق باطلًا والباطل حقًّا للتمويه، والجدل إقحام الخصوم بصرف النظر عن طبيعة المقدمات برهانية، أم ذائعة مشهورة مسلَّم بها ومستمدة من أقوال الخصوم. والبرهان لفظٌ قرآني وكذلك الجدل. أما السفسطة فهو لفظ معرب يقابل ألفاظ التمويه أو المغالطة. والخامس «كتاب البلاغة»، وهو المصطلح العربي للفظ «الخطابة اليوناني»؛ فالبلاغة منطق عربي، يقابل الخطابة القول اليوناني، والبلاغة أحد أقسام اللغة، وتضم البيان والبديع، والسادس «كتاب الشعر» وهو لفظ مشترك بين اليونان والعرب.
ويطغى الموروث على الوافد؛ فالموروث هو الحاوي والوافد هو المحوي، ومن الطبيعي أن يكون الحاوي أوسع من المحوي مثل الإناء ومحتواه وإلا فاض الإناء وفقد وظيفته في الاحتواء ثم احتوى المحوي الحاوي بفيضه عليه.
ويتناول القسم الأول المدخل إلى المنطق أو إيساغوجي قضية الكليات أو الأسماء الخمسة: الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض العام الأشبه بخمس دوائر متداخلة بين الأعم والأخص أو الهرم المتدرج بين القمة والقاعدة على النحو التالي:

ويضيف ابن حزم على فرفوريوس تحويل الكلام إلى أصوات مسموعة قبل أن يكون معانيَ في الذهن أو تصورات في العقل. كما يمد الكلام إلى القصد والاتجاه نحو الآخرين في الإحالة المتبادلة بين المتكلم والسامع أي الحوار.
كما يضرب المثل بالملائكة والجن مع الناس والنجوم والنخل والتفاح والجراد والسواد والبياض والقيام والعقود كأمثلة على تداخل الجنس والنوع قياسًا للغائب على الشاهد.
وتدخل حركة الباري في قسمة الحركة؛ فالحركة المكانية النقلية قسمان، اختيارية وطبيعية. والاختيارية قسمان، تحريك الباري لأجرام الجو كما يشاء، وتحريك النفس للأجسام.
ولا يوصف الباري بالقديم؛ لأن القديم في آية كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ يعني البالي. ولا يوصف بالحركة؛ لأن الحركة من صفات المخلوقات.
وهو المبدع المركب المتمم المدبر، والخلق آية له. والحركة في خلقه في الدنيا والآخرة، في النعيم والعذاب.
ويستنبط من الآيات بعض المقدمات، مثل استنباط أن كل قضية تبطل ضدها من آية إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ. فالحلم يقتضي نفيَ السفه وبالتالي انطوت القضية على أن إبراهيم ليس سفيهًا.
وقد يكون اللفظ كليًّا والمعنى جزئيًّا، مثل الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ وأيضًا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ.
وقد تخرج بعض الأدلة الصحاح عما يقتضيه ظاهر اللفظ، مثل وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ والزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ووَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وذلك عن طريق براهين من ألفاظ أخرى يثبت المراد. فالمقصود بعض المرضعات وبعض الزواني وبعض السراق.
وقد يكون اللفظ كليًّا والمعنى جزئيًّا، مثل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ.
وقد يعم اللفظ ذوي صفات شتى، مثل وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ومثل فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وهو لفظ جامع الضرب والقتل وأيضًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.
ومن أمثال المغالطات مكان الوقف في وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا بعد «الله» أو بعد وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.
وتتمثل هذه المغالطات في الإلهيات، مثل غلط مَن يُنكر الفاعل المختار في الإنسان أو الطبيعة؛ فشهادة الحس على نقيض ذلك، وتُثبت الفعل الاختياري الحر. وكذلك خطأ قياس الغائب على الشاهد، واعتبار أن الأول الذي ليس كمثله شيء جوهرٌ يحمل الأعراض ولا يفارقها قط.
هناك فرق بين الحق والباطل دون قلب الحق باطلًا والباطل حقًّا. ومن ثَم فالمسامحة في طلب الحق لا تجوز أصلًا في الاختيار بين الحق والباطل. ولا يجوز أن يكون الشيء حقًّا باطلًا أو لا باطلًا حقًّا أو لا باطلًا لا حقًّا. بل تثبت ضرورة العقل وهو إثبات الحق أو الباطل فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ.

- (١)
علم القرآن، قراءته، وإعرابه، وغريبه، وتفسيره، وأحكامه، وصحة نقله وثبوته، ولغته وأحكامه. فيضم علم التفسير والسيرة.
- (٢)
علم الحديث، روايته وأحكامه، ورواته، وشروط الرواية.
- (٣)
علم المذاهب، أي علم الكلام وما كان خارجًا عن الملة الإسلامية اعتمد على العقل والحس وهو موضوع «الفصل».
- (٤)
علم المنطق، وهو آلة (عبارة) كل علم، وهو موضوع «التقريب».
- (٥)
علم الفتيا، أي علم الفقه وأصوله الذي تعتمد مقدماته على القرآن والحديث اللذين ثبتَا بالبرهان وإجماع العلماء، وهو موضوع عدة مؤلفات لابن حزم مثل «الأحكام».
- (٦)
علم النحو، ومقدماته محفوظة من العرب فهم أدرى بلغتهم، ألفاظًا ومعانيَ دون تعليله، دفاعًا عن النقل ضد تيار القياس في اللغة.
- (٧)
علم اللغة وهو ما نُقل عن العرب الثقات بالرغم من التفرقة الدقيقة بين علم اللغة وعلم النحو، العلم العام والعلم الخاص.
- (٨)
علم الشعر وهو ما يستعمله العرب من أوزان ذكرها النديم في كتابه، ونقد الشعر بين الحسن والقبيح ونقد الروايات لضبط الانتحال.
- (٩)
علم الخبر الذي يعتمد على التواتر كشرط لصحة الرواية، وهو علم التاريخ.
- (١٠)
علم الطب وهو أحد فروع العلم الطبيعي، ويقوم على التجربة لمعرفة أسباب الأمراض وتشخيصها وعلاماتها وطرق علاجها. وهو أيضًا ما يرجع إلى العقل والحس.
- (١١)
علم العدد والهندسة في علم واحد ويعتمدان على أوائل العقل وحدها دون ذكر الموسيقى.
- (١٢)
علم النجوم وهو علم الفلك. وهو علمان: الأول علم هيئة الأفلاك وقطع الكواكب والشمس والقمر والسماوات، ومقدماته راجعة إلى العدد والهندسة وأوائل العقل والحس. والثاني: القضايا الكائنة بنصب انتقال الكواكب والشمس والقمر في البروج يعتمد صدقُه على التجربة، وما لا يصدق يعتبر من أخبار القدماء.
وينتج عن هذه العلوم الاثنَي عشر علمان: علم البلاغة، وهو أحد أجزاء المنطق، وعلم العبارة المروي عن الرسول وفضلاء هذا العلم. والوسع في هذين العلمين يتفق مع الطبع وأصل الخلقة. وقد سُمي المنطق أيضًا علم العبارة على كل علم أي الآلة. فما هي العبارة المنقولة عن الرسول وآلته؟
ومع ذلك ينقسم الشعر إلى ثلاثة أقسام: صناعة، وطبع، وبراعة. فالصناعة تأليف جامع للاستعارة بالأشياء والتحليق على المعاني والكناية عنها كما فعل زهير من المتقدمين وحبيب بن أوس من المحدثين. والطبع الخالي من التكلف، لفظه عامي لا فضل فيه عن معناه، وجيز وكأنه نثر، مثل جرير من المتقدمين والحسن من المحدثين. والبراعة التصرف في دقيق المعاني وبعيدها والإنكار فيما لا عهد للناس به وحسن التشبيه وتحسين المعنى، مثل امرؤ القيس من المتقدمين، وعلي بن عباس الرومي من المتأخرين. وسائر الأشعار راجع إلى هذه الأقسام الثلاثة أو مركبة منها. التوسع فيها في نقد الشعر لقدامة بن جعفر وكتب أبي علي الحاتمي. والشعر ليس تكسبًا ولكنه حيلة ضرورية. لذلك يمكن التوسع في الأشعار وتدبرها.
(٢) ثلاثية الغزالي: معيار العلم، محك النظر، القسطاس المستقيم
وهي ثلاثية متدرجة في «فن المنطق»، وهو العنوان الفرعي لمعيار العلم وفي «المنطق» وهو العنوان الفرعي لمحك النظر تحولًا من النقل إلى الإبداع، من إعادة عرض الوافد دون ذكر أيٍّ من أعلامه خاصة أرسطو في إطار الموروث مع تغيير أقسامه وترتيبه في «معيار العلم» وتركيزه على القياس في «محك النظر» حتى الإبداع الخالص في «القسطاس المستقيم في منطق الموازين».

وهي متدرجة أيضًا في الزمان. أولها «معيار العلم»، وبعده «محك النظر»، وآخرها «القسطاس المستقيم» كل مرحلة تؤدي إلى المرحلة التالية في بناء هرمي ثلاثي من القاعدة إلى القمة.
(أ) معيار العلم
والأسلوب أدبي عاطفي انفعالي إنشائي مثل «المنقذ من الضلال» البحث عن اليقين. المنطق ليس علمًا مستقلًّا بذاته. هو يمثِّل إحدى مراحل الطريق بعد الحس إلى العقل إلى الولاية، ويخاطب الغزالي القارئ ليهديَه إلى طريق الصواب. الغاية بيان أن العقل ما هو إلا مرحلة متوسطة بين الحس والولاية. يخطئ الحس كما تخطئ الولاية العقل.
والعجيب إدخال مباحث الألفاظ في المنطق العربي، وهي الإطار الموروث للمقولات في المنطق اليوناني، وكذلك مفردات المعاني الموجودة ونسبة بعضها إلى بعض في المنطق العربي وهو ما يعادل العبارة في المنطق اليوناني داخل مقدمات القياس. فالقياس هو ذروة المنطق. المقولات والعبارة مقدمتان له، والبرهان نتيجة له مع السفسطة دون الجدل والخطابة والشعر، ثم يأتي الحد في النهاية وهو أولى بالبداية في التعريف. أما أقسام الوجود فهي المقولات أو مبحث الجوهر والأعراض يجعل المنطق منطق وجود وليس منطق تصورات.
ولا يذكر الوافد على الإطلاق، لا اسم علم يوناني ولا اسم كتاب معرَّب عن اليونانية باستثناء السوفسطائية والسفسطة والسوفسطائي وأسطقس. ولا إحالة إلى اللغة اليونانية؛ فقد قارب التأليف في المنطق الإبداع الخالص.
ومثال عدم التناقض نظرًا لوحدة الموضوع في المقدمتين هو ما يقال في الفقه. الصغيرة وليٌّ عليها في بُضْعها، الصغيرة ليس وليٌّ عليها في بُضْعها؛ فالقضية الأولى تتعلق بالثيِّب والثانية بالبكر. ومثال عدم التناقض لوحدة المحمول، المُكرَه على القتل مختار، المُكرَه على القتل ليس بمختار بل مضطر؛ لأن المختار يُطلق على معنيَين. ومثال وشرط عدم التناقض ألَّا يكون المحمول في جزأَين مختلفَين من الموضوع في الفقه، السارق مقطوع، السارق غير مقطوع، مرة على اليد ومرة على الرِّجل أو الأنف. ومثال شرط عدم التناقض عدم اختلاف الإضافة في المضافات في الفقه؛ المرأة مولًى عليها، المرأة ليس مولًى عليها، أي مولًى في البُضْع لا في المال. وقد يُضاف إلى البُضْع كلاهما، ولا تناقضَ من جهة اشتراك لفظ المحمول؛ فعند أبي حنيفة عليها مولى وليس عليها مولى في حالة الإجبار. وهو ما تقول به أيضًا بعضُ فقهاء الشافعية. ومثال شرط عدم التناقض، عدم نسبة المحمول إلى الموضوع على جهتين مختلفتين آية وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى. وكثيرٌ مثل ذلك في الفقهيات. ومثال شرط عدم التناقض ألا تكون القضيتان في زمانَين مختلفَين. الخمر ليست حرامًا، الخمر حرام في زمانَين مختلفَين. والسادسة باعتبار عكسها. ولا تُعطى أمثلة كلامية أو فقهية على ذلك اكتفاء بالعقل، والعقل أساس النقل.
والخامس الاستقراء وهو تصفُّح جزئيات كثيرة داخلة تحت معنًى كليٍّ واحدٍ، فالحكم على أحدها هو حكم على الآخر. ويُكتفى به في الفقهيات لأنه أقرب إلى التمثيل، الحكم بالجزء على الجزء. ومثاله الفقهي: الوتر لو كان فرضًا لما أُدِّيَ على راحلة باستقراء جزئيات الفرض، وقول الحنفي الوقف لا يلزم في الحياة لأنه لو لزم لما اتبع شرط الواقف باستقراء تصرفات البيع والنكاح والعتق والخلع، فقويَ الظن، وكذلك تكرار مسح الرأس لأنه وظيفة رئيسية في الوضوء استقراء من غسل الوجه واليدين والرِّجلين، وعند الحنفي لا يتكرر باستقراء مسح التيمم ومسح الخُف لأنه أقوى دلالة. ويكفي الاستقراء غير الكامل؛ لأن الظن يكفي في الفقهيات.
- (١)
الإحساس بالجدة والإبداع، وأن معيار العلم ليس شرحًا أو تلخيصًا أو عرضًا للمنطق اليوناني بل إعادة بناء المنطق ابتداء من الموروث، العقليات والفقهيات.
- (٢)
عدم ذكر اسم من الوافد ولا حتى أرسطو واضع علم المنطق. ولا يوجد أي لفظ معرب باستثناء لفظَين سوفسطائية، وأسطقس.
- (٣)
عدم ذكر أعلام الموروث من الحكماء السابقين على الغزالي خاصة الكِنْدي والسجستاني والفارابي وابن سينا. ولا يُذكر إلا الفقهاء خاصة أبا حنيفة والشافعي، والمتكلمون خاصة أبا بكر الباقلاني.
- (٤)
معيار العلم عرض للوافد الموروث في إطار الموروث الأصلي وهو ما يسمى بلغة العصر «أسلمة العلوم» من أجل التفهيم والاحتواء حفاظًا على أصالة الموروث وقدرته على الإبداع.
- (٥)
الأسلوب أدبي إنشائي واضح يتجاوز مجردات المنطق الصوري وأشكال قياسه كما هو معروف في كتاب القياس من الشفاء لابن سينا.
- (٦)
توسيع إطار المنطق القديم وتعدُّد منظوره بحيث يشمل العقليات والفقهيات، القطعيات والظنيات، والتوجه من النظر إلى العمل، ومن عالم الأذهان إلى عالم الأعيان، ومن العام إلى الخاص، ومن الكلي إلى الجزئي.
- (٧)
القدرة على إيجاد التماهي بين المنطق اليوناني والمنطق العربي بالرغم من ارتباط كلِّ منطق بلغته لدرجة العجب بوحدة منطق النقل مع منطق الوحي، منطق اليونان مع أساليب القرآن.
- (٨)
ضم المنطق كلِّه إلى بؤرة ومركز، القياس، ما قبله مقدمات له، المقولات والعبارة وما بعده لواحق له، البرهان والمغالطة، وغياب الجدل والخطابة والشعر.
- (٩)
تحويل مقدمات القياس من مستوى التصورات إلى مستوى اللغة، ومن مستوى المعاني إلى مستوى الألفاظ، ومن اللغة اليونانية إلى اللغة العربية. وتكشف اللغة عن المستوى الشعوري للكلام بين الصوت والحرف والعبارة والقصد والأشياء في العالم الخارجي.
- (١٠)
تحويل مبحث الجوهر والأعراض إلى منطق وجود من أجل العودة بالمنطق إلى العالم، والخروج من عالم الأذهان إلى عالم الأعيان.
- (١١)
علم أصول الفقه هو منطق المسلمين كما أن المنطق الأرسطي هو منطق اليونان. فلكلِّ حضارة منطقها.
- (١٢)
إبراز بعض الجوانب «التقدمية» في المنطق الإسلامي، مثل قطعية العقليات وظنية الفقهيات، وتعدد الاجتهادات، والكل مصيب، ولا حرج في اعتبار الإلهيات قياسًا على الإنسانيات، واستحالة كون الله موضوعًا في قضية لأنه لا محمول له، لا نوع ولا جنس ولا فصل ولا خاصة ولا عرضًا عامًّا.
- (١٣)
الخلاف في المصطلحات والأسماء والمسميات واحدة. تعدد الثقافات إذن تعدد وسائل التعبير وليس الحقائق الإنسانية العامة الثابتة.
- (١٤)
ما زالت بعض أجزاء المنطق صورية الطابع عندما تغيب عنها الأمثلة الكلامية أو الفقهية، فالعقل بلا مادة صوري تجريدي فارغ لدرجة أنه يمكن اعتباره تحصيل حاصل.
- (١٥) وتظل الأشعرية هي السائدة بالرغم من تأسيس المنطق وكما تبدو في نهاية بعض الفقرات بلازمة «الله أعلم».١٢٨ «والله أعلم بالصواب»؟
- (١٦)
(ب) محك النظر
وهو كتاب مختصر يحذف الزيادة والتطويل. ولما كان يكرر «معيار العلم» كان من الأفضل تحليله عرضيًّا وليس طوليًّا، أي الأبعاد اللغوية والمنطقية والنصية فيه عبر الأقسام وليس تتبع الأقسام واحدًا تلو الآخر حتى ولو تم تكرار اللغة والقضايا الكلامية والفقهية وتحويل النصوص إلى قضايا.
وفي أحكام السوابق يضرب المثل بأن العالم حادث والباري قديم على القضايا التي يتطرق إليها التصديق والتكذيب، والعالم ليس بقديم والباري ليس بحادث على القضايا المنفية، والإنسان في خسر نموذج القضية المهملة، وليس الإنسان في خسر ويقصد به القضية الجزئية المنفية التي تصدق على الأنبياء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، والإنسان في خسر ويراد به أكثر الخلق. ويضرب المثل على الشرط الأول للتناقض، أن يكون المحكوم عليه في القضيتَين واحدًا بالذات لا بمجرد اللفظ، المضطر مختار، المضطر ليس بمختار، المضطر آثم، المضطر غير آثم. كما يضرب المثل على الشرط الثاني للتناقض أن يكون الحكم واحدًا ولا ثَم متناقضًا: العالم قديم، العالم ليس بقديم، ويعني أحد القديمين آية كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. وفي الفقهيات والعقليات أغاليط كثيرة. كما يُضرب المثل على الشرط الثالث أن تتحد الإضافة في الأمور الإضافية المرأة مولًّى عليها. المرأة ليس بمولًّى عليها، وهما صادقتان بالإضافة إلى النكاح والبيع. والشرط الرابع التساوي في القوة والفعل، مثل الله في الأزل خالق، الله في الأزل ليس بخالق. وشرط المتساوي في الزمان والمكان، العالم حادث، العالم ليس بحادث. وكنموذج للمغالطة يُعطى قول الشافعي معلوم أن المطعوم ربوي والسفرجل مطعوم، فيكون ربويًّا.
والقسم الثاني «كتاب الحد» الذي يبلغ كمًّا نصْفَ «كتاب القياس». والعجيب تقدم القياس على الحد وتأخر الحد على القياس في حين أن التصور يُنال بالحد والتصديق يُنال بالقياس، وبالتالي يتقدم الحد على القياس عند المناطقة.
- (١)
هو أصغر حجمًا وعمومية وأقل إتقانًا من «معيار العلم»، وجزء من مشروع الغزالي العام في إعادة بناء العلوم القديمة والاختيار بين أصلحها.
- (٢)
تغلب عليه النزعة الصوفية الإشراقية والتشبيهات الشعبية، مثل اعتبار المغالطات من عمل الشيطان.
- (٣)
نقد المعتزلة في نظرية توليد العلم وأصل العدل، والحسن والقبح العقليَّين، والتعويض عن الآلام.
- (٤)
نقد الفلاسفة في إثبات العلية والقول بالعادة في اقتران العلة بالمعلول والإحالة إلى «تهافت الفلاسفة».
- (٥)
نقد الفقه الحنفي وبعض أحكامه الفقهية كنموذج للمغالطات، وفي أضيق الحدود.
- (٦)
الدفاع عن الشافعية وأحكام المذهب الشافعي وضرب الأمثلة الفقهية منه، وغياب المالكية والحنبلية.
- (٧)
أولوية التحليلات العقلية على الشواهد النقلية، وغلبة أمثلة العقليات على أمثلة الفقهيات، وغياب لازمة «الله أعلم» أو «الله أعلم بالصواب».
- (٨)
اختفاء الوافد اليوناني كلية سواء أسماء الأعلام أو المصطلحات المعرَّبة، والإحساس بالجدة والابتكار خاصة على مستوى المصطلحات.
- (٩)
نقل المنطق القديم من مستوى التصورات إلى مستوى اللغة ومادة القياس، وتأخير الحدود على الأقيسة.
- (١٠)
نقد أصحاب التعليم ونظرية الإمام المعصوم كما هو الحال في «المستظهري».
(ﺟ) القسطاس المستقيم
وهو ذروة إبداع الغزالي في المنطق بعد عرضه نقلًا في «معيار العلم» في فن المنطق وعقلًا في «محك النظر» في المنطق. لذلك يخلو «القسطاس المستقيم» من عنوان فرعي ليحدد علمه أو موضوعه.
كان الدافع على الإبداع هو البحث عن القسطاس المستقيم، ميزان العدل للحقيقة في مقابل موازين الشيطان. الرأي والقياس الذي هو في غاية التعارض والالتباس أو نظرية التعليم والجدال معها بالتي هي أحسن طبقًا للتوجه القرآني ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. الغاية تقويم مذهب التعليم بطريقة «إياك أعني واسمعي يا جارة» اعتمادًا على وزن المعقول بالمنقول كي يكون القول أسرع بالقبول وليس استناد المنقول إلى المعقول حتى لا يتخذ القرآن مهجورًا. فالنقل أساس العقل عند الغزالي وليس العقل أساس النقل، وهو يؤسس المنطق!
ويخلو من الوافد اليوناني كلية، لا أسماء ولا مصطلحات معرَّبة ولا أسماء لواقعٍ بيئي أو تاريخي. ويحضر الموروث الفارسي في بيت شعري واحد.
وهو طريق إبراهيم الخليل عندما حاجَّ خصمه وقال رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ويردُّ الخصم أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ وهو الأوفق لطبعه والأقرب إلى فهمه. فتحدَّى إبراهيم فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ظانًّا أن العفو عن قاتل هو إحياء الموتى وقتْل البريء إماتة الحي. ولا يفهم هذا الجدل إلا بنور من الله وإشراق من النبوة.
القسطاس المستقيم إذن هو ميزان العدل الذي تزن به الأمور. وهو تعبير قرآني وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ. وهي موازين خمسون نزلها الله على أنبيائه، مَن تعلَّمها منهم فقد اهتدى. ومن انحرف عنها إلى الرأي والقياس فقد ضل وارتدى. والميزان في القرآن ليس هو ميزان التجار بل ميزان معنوي الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ … وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ، وأيضًا لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وأيضًا وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ وهو ميزان معرفة الله وملائكته وكتبه ورسله وملكه وملكوته. فالله هو المعلم الأول، وجبريل الثاني، والرسول الثالث. وليس من الإمام المعصوم. وهو ميزان القرآن. ولا يكفي القياس الذي يحصل من مقدمتين، الأولى تجريبية والأخرى حسية. كما أن الرأي والقياس حدثٌ وتخمين لا يُفيدان اليقين.
ولما تميز «القسطاس المستقيم» بطابعه الخاص وخروجه على المألوف في «معيار العلم» و«محك النظر»، القياس المركز والقلب والبؤرة، ومقدماته ولواحقه فإنه يمكن عرضه طوليًّا جزءًا جزءًا للكشف عن مسار إبداعه في جدله.
والميزان الأوسط في دليل ابراهيم أيضًا يقوم على أصلين أن القمر آفل وأن الإله لا يكون آفلًا استنباطًا من آية لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ. وقد طبق الرسول هذا الميزان كما تكشف عن ذلك آيات أخرى، مثل قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ.
وميزان التعاند مستمد أيضًا من تعليم الله للرسول في آية قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، وهو يقوم على أصلين: إنا وإياكم على ضلال مبين، ومعلوم أنَّا لسنا في ضلال، فتكون النتيجة إنكم في ضلال. ومثال ذلك في العقليات: الموجودات إما كلها حادثة أو بعضها حادث وبعضها قديم، ومعلوم أن كلها ليست حادثة، فتكون النتيجة أن منها قديمًا.
- (١)
القسطاس المستقيم قد يكون أكثر كتب الثلاثية جدةً وابتكارًا لأنه يعتمد على استخراج أقيسة من الآيات القرآنية دون أسلمة منطق أرسطو كما فعل ابن حزم في التقريب والغزالي نفسه في «معيار العلم» و«محك النظر». وقد يكون أضعفها؛ لأنه خلوٌّ من المنطق البرهاني لحساب المنطق الجدلي في جدل إبراهيم مع قومه وجدل الغزالي مع أهل التعليم. ومنطق الجدل لإفحام أهل التعليم غير منطق البرهان الذي يوصل إلى الحقيقة. لذلك كانت إحدى المقدمتين مستقاة من الخصم حتى ولو كانت ذائعة أو مشهورة أو كاذبة. والأفضل تطبيق موازين العدل. ولا فرق بين مقدمة تجريبية وأخرى حسية، فالتجربة والحس والمشاهدة من نفس النوع.
- (٢)
إبراهيم الخليل نموذج المنطقي الذي يستدل على وجود الله ووحدانيته، ولكن ألَا توجد مآثر للعقل في العدل وفي الإيمان والعمل وفي الإمامة وفي باقي عقائد الإيمان؟ وما أبعد المسافة بين نظر إبراهيم والقياس الشرعي، بين التأمل النظري والحكم العملي.
- (٣)
يوجد إسهاب كثير في المقارنة مع الميزان الحسي، اللسان والكفتان والعامود مما يجعل التشبيهَ ساذجًا لوضوحه، والصورة تعليمية تربوية توضيحية أكثر مما يجب خاصة وأن الصورة معروفة من الآيات القرآنية. وتتم صياغة الكتاب بأسلوب المحاورات بالمنهج الروائي القصصي.
- (٤)
الحجاج ضد المعتزلة وأهل التعليم في آنٍ واحد بالرغم من بُعدِ المسافة بينهما، بين أصل التوحيد والعدل والتنزيه وخلْق الأفعال وبين مذهب التعليم والتقليد بل والحلول في الأئمة والعصمة.
- (٥)
يستعمل الغزالي مع المجادلين لغةَ الحديد والنار وسلاح التكفير، وقتل المرتد وهو ما يتنافَى مع المنطق والبرهان؛ فالجدل سلاح مزدوج بين الخصمين، ولا يمتلك أحدٌ الحقيقة، حيث لا حقيقة، ويستبعد الآخر لغياب منطق البرهان ومعيار الصدق.
- (٦)
كثرة الاعتماد على النصوص، الآيات والأحاديث، وأولوية النقل على العقل يجعل من المستحيل تأسيس منطق عقلي خالص لا يتطلب الإيمان بالقرآن مسبقًا، ويكون منطقًا إسلاميًّا خاصًّا، منطقًا للإيمان للمسلمين وحدهم وليس منطقًا عامًّا للبشر جميعًا فينقص المنطق عموميته وشموله.
- (٧)
بل إن هذا المنطق الإيماني يختفي كليةً لحساب التصوف والعرفان ونور اليقين. ومن ثَم لا يختلف عن مذهب التعليم الذي يعتمد على تقليد الإمام المعصوم. فالتصوف والتعليم تيار لا عقلاني واحد.
- (٨)
وكيف يكون المنطق نفسه الذي يقوم على الرأي والقياس هو المدخل إلى موازين الشيطان؟ إن لُبَّ المنطق وبؤرته القياس أو إعمال الرأي والنظر بالمعنى العام. وهو موقف منكري القياس الديني، يعتبرون إبليس أول مَن قاس وخلط بين الكيف والكم.
- (٩)
وكيف يكون القياس في الأمور الغيبية إلا قياسًا للغائب على الشاهد؟ وما فائدته في أمور المعاد والغاية منه استنباط حكم عملي فيما لم يَردْ فيه نصٌّ تحقيقًا للمصالح العامة. بل يتحول القياس في الأمور الغيبية إلى تفسير للأحلام كما حدث عند ابن سيرين.
- (١٠)
لا يوجد خلاف بنيوي بين مذهب التعليم الذي يقول بتقليد الإمام المعصوم وطريق محمد وطريق العارفين، تقليدًا بتقليد، وإلهامًا بإلهام. فكلاهما لا يقوم على الرأي والنظر. ولا فرق بين عصمة الإمام وعصمة الرسول، وغيبة الإمام وغياب الرسول.
- (١١)
القرآن هو الحل، به كل شيء، وما على العقل إلا الاتِّباع، وهو موقف الفقهاء النصيِّين، الحنابلة أهل السلف وليس موقفَ الحكماء.
- (١٢)
قسمة الناس إلى خاصة وعامة، إلى أهل البرهان وأهل التقليد يقسم المجتمع قسمين، ويؤصل تسليط فريق وطاعة فريق آخر، وكأنهما طبقتان أبديتان لا حَراكَ بينهما.
(٣) أقيسة الرسول
وربما القصد هو إثبات القياس الفقهي ضد منكريه مثل داود الظاهري. وقد يكون الهدف هو إثبات أن الموروث لديه أيضًا قياسه الخاص بالإضافة إلى قياس الفلاسفة والذي قد يُخطئ ويُصيب طبقًا لمقاييس البرهان. فالموروث ليس بأقل من الوافد. وقد يكون السبب هو عودة القياس من العلوم العقلية إلى العلوم النقلية بعد هجوم الغزالي عليها في القرن الخامس.
وقد تكون في صِيَغ تساؤلية فيكون الأصل من المحاور، والفرع من الرسول حتى يقوم المحاور نفسه بقياس الفرع على الأصل بداهة. وقد تكون الصيغة المقابلة والعكس وهو نوع من قياس الأولى، الثواب على الحلال قياسًا على العقاب على الحرام، وقياس فعل للآخرين على فعل الأنا ثوابًا. وقد يضع الرسول المقدمة ويطلب من المحاور التسليم بها ثم استنتاج الرسول منها النتيجة فيقتنع المحاور بها. وقد يكون القياس صورة فنية تبعث في النفس الإحساس بالفعل أو بالترك اعتمادًا على صور قرآنية مثل تشبيه الاغتياب بأكل لحم الأخ الميت.
وقد يكون القياس مثلًا بطريقة ضرب المثل. فإذا كان المثل واضحًا قيسَ عليه الممثول الأقل وضوحًا. وقد يتدخل بشرح القياس وتحديد نوعه، مثل قياس الترجيح وهو ما يعادل الرهان. وترجيح احتمال يكون فيه المكسب أكثر من الخسارة. وقد يكون القياس عدديًّا حسابيًّا لا تلوح منه المناسبة أو قياس الأولوية أو الشبه أو شرح أركان القياس. وقد يكون الشرح وضعًا للسياق القياسي وظرفه الاجتماعي كما يبيِّن أي الأقيسة يُعمل به وأيها لا يُعمل به. فالمنطق للاستعمال وليس مجردَ تمرين عقلي. ويتدخل المصنف بالتعليق وتوضيح القياس، مثل أنه قياس إثبات الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي حرصًا على التنزيه. كما يبيِّن مدى تكرار القياس وشيوعه في الفقه، المكان الطبيعي له. وقد يعتمد الشرح على أقوال بعض العلماء، مثل تفسير قياس فضل عائشة على سائر الناس على فضل الثريد على الطعام. وقد يكون القياس خاصًّا بالرسول ولم يَقِس عليه أحد من العلماء إما لخفائه أو لفرديته.
لا يوجد وافد على الإطلاق مما يدل على أنها قضية في الموروث أساسًا وليست في الوافد. ولا توجد حتى معركة مع نُفاة القياس والتعليل والاستحسان مثل ابن حزم خاصة وأن المؤلف حنبلي يقول بسلطة النص دون تعليل، وبحجة العقل دون النقل. إنما الذي يحضر هو أسلوب الاعتراض الفقهي والرد عليه مسبقًا.
ومع ذلك فيذكر أسماء حوالي مائة من المحدثين والرواة بأسمائهم أو كنياتهم ومنهم النساء والأبناء مما يجعل الإطار الفكري العام لأقيسة النبي هو الموروث الكلي بالرغم من اشتراك الموروث مع الوافد في لفظ «قياس». المعركة إذن في الداخل وليست في الخارج لإثبات القياس ضد منكريه من الحنابلة والأشاعرة والظاهرية أو الصوفية. ومَن يقبل القياس الشرعي في الداخل قد يقبل القياس الصوري في الخارج بعد تمهيد الثقافة الشعبية له.
(٤) نقد المنطق
وربما يغلب على فكر ابن تيمية الجانب السلبي أكثر من الجانب الإيجابي، نقد المنطق أكثر من إعادة صياغة المنطق كما فعل الغزالي. فالهدم أقوى من البناء، واعتبار الغزالي منطقيًّا حاول التوفيق بين منطق اليونان ومنطق الأصوليين لحساب اليونان!
والوحي هو معيار النقد، والنقل مقياس العقل كما هو الحال في المدرسة السلفية قديمًا وحديثًا. وهنا يتوجه تنظير الموروث ضد تمثل الوافد بعد أن كان مكملًا له، وكان الوافد مساعدًا عليه.
وبالرغم من تداخل الإلهيات مع المنطق فإن نقد المنطق عن طريق القسمة الرباعية وترقيم الحجج يجعل من السهل معرفة أوجه النقد والأدلة عليه. فالوضوح سمة العقل والنقل في آنٍ واحد.
ويعود ابن تيمية إلى الشعر العربي الرصيد الأول للثقافة العربية قبل الإسلام وفي هذا العصر المتأخر الذي دونت الذاكرة الجماعية علومها في الموسوعات الكبرى فاستدعت الشعر كأحد مكونات ذكريات الطفولة الأولى.
توجد قدرةٌ على النقد والاعتراض والرفض والنقض في موقف الفقهاء من المنطق تُبدد شبهةَ التبعية والتقليد والنقل عن اليونان. يرفض الفقهاء مثل ابن تيمية منطقَ اليونان جملةً وتفصيلًا، ويوجد منطقٌ بديلٌ ما زال في مرحلة التكوين.
(أ) الرد على المنطقيين
ويردُّ على الاعتراضات مسبقًا كما هو الحال في الأسلوب الإسلامي الفقهي. فهو كتاب سجالي مع الحكماء والمناطقة والمتكلمين والملاحدة والمتفلسفة والصوفية والباطنية والصابئة والجهمية والقدرية، والمجوسية واليهود والنصارى وكل الفرق الهالكة.
والنقل والعقل هما مقياسَا النقد. لذلك كثرت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية واللجوء إلى جدل الأنبياء في القرآن. وتتداخل المادة الفقهية مع المادة المنطقية كما هو الحال عند الغزالي. ويبدو علم أصول الفقه بمناهجه ومصطلحاته وكأنه هو المنطق البديل عن المنطق التقليدي الذي يجمع بين المنطق العقلي والمنطق الاستقرائي في آنٍ واحد.
وأرسطو هو وزير الإسكندر قبل المسيح بقرون أربعة وهو غير ذي القرنين الموحد بالله. ومن ملاحدة المتصوفة مَن اعتبر أرسطو هو الخضر في حواره مع موسى وهناك تسعة قرون فرق بين الخضر وأرسطو. كما يقال إنه صاحب مدين الذي تزوج موسى ابنتَه، هو أفلاطون اليوناني أستاذ أرسطو.
ومن الوافد البابلي تنكلد شاه البابلي وكتاب درجات الفلك، وكتاب طمطم الهندي.
ومن أسماء الأعلام يتصدر ابن سينا ممثل المشائين والذي عرض المنطق اليوناني ثم الغزالي الذي روَّج للمنطق اليوناني ثم الرازي. ثم يتداخل حكماء الصوفية الذين يشاركون المتفلسفين في الكفر مثل ابن عربي وابن سبعين.
- (١)
التصور لا يُنال إلا بالحد.
- (٢)
الحد يفيد العلم بالتصورات.
- (٣)
التصديق لا يُنال إلا بالقياس.
- (٤)
القياس يفيد العلم بالتصديقات.
وقد أورد النظار المسلمون إشكالات على قياس التمثيل يمكن الرد عليها. بل إن المنطق لم يُفِد المتفلسفة في شيء. فحقيقة التوحيد عندهم مجرد عمل ذهني، واحد لا يصدر عنه إلا الواحد، يجتمع فيه الخيال والوهم. في حين أن منطق الأصول الذي يقوم على تعليل الأحكام أكثر دقة وموضوعية وعلمًا.
إن المعين المطلوب علمه بالقضايا الكلية يعلم قبلها وبدونها. وقياس الشمول مبناه على قياس التمثيل، والكلي استقراء من الأجزاء. والكليات افتراضات ذهنية وليست احتمالات واقعية على عكس طريقة القرآن في بيان إمكان المعاد. ولا يفسد الإمكان الخارجي بمجرد عدم العلم بالامتناع نظرًا للتمايز بين عالم الأذهان وعالم الأعيان. إن أشكال القياس معارضة للفِطَر وتعاليم الرسل الجامعة للأدلة العقلية والنقلية معًا.
(ب) نقض المنطق
ولما كان من طبيعة المفكر الإسلامي القديم وربما الجديد التكرار؛ فقد كرر ابن تيمية «الرد على المنطقيين» في «نقض المنطق» بصرف النظر عن أسبقية التأليف. وكما كرر الغزالي «محك النظر» من «معيار العلم» وبطريقة أقل إحكامًا كذلك أتى «نقض المنطق» أقل إحكامًا من «الرد على المنطقيين». غلبت عليه الموضوعات الكلامية والعقائدية أكثر من الموضوعات المنطقية الفلسفية. الكلام هو الأساس والمنطق هو الفرع. فكثرت فيه الاستطرادات والخروج على الموضوع.
وغلب على الكلام العقائد السلفية عند الفقهاء وأئمة المذاهب وعلماء الحديث وأهل السلف. فأصبح الفقهاء هم العلماء، الفلاسفة والمناطقة، الحكماء والمتكلمون. ومن الفقهاء يتصدر الحنابلة والإمام أحمد ثم الشافعي والشافعية ثم مالك والمالكية ثم أبو حنيفة والحنفية مما يدل على سيادة الفقه الحنبلي.
وبقدر حضور الإلهيات بتعبير الفلاسفة تغيب الطبيعيات. فالله موضوع مستقل بنفسه دون حاجة إلى العالم بعد أن سقط من الوعي الفلسفي ومن الممارسة التاريخية في آخر الفترة الأولى، القرن الثامن، من تطور الحضارة الإسلامية.
يستطيع الإنسان أن يعلم دون القياسات المنطقية، دون المقولات العشر والحدود، وقد تمت صياغة العلوم الدينية دون حاجة إلى منطق حتى قبل أن يعرَّب المنطق اليوناني. إنما استعمله أهل الكفر. والحق في الإلهيات قليل. وأغلبها في الأذهان وليس في الأعيان. والضلال مثل اليهود والنصارى والرافضة لإضلال الناس عن الحق.
ويكرر ابن تيمية نقدَه للقسمة الأولى في المنطق، أن الحدود تُفيد التصورات في ستة عشر وجهًا. فالتصور البديهي لا يحتاج إلى حدٍّ. ولا يوجد اتفاق حتى الآن على حدٍّ من الحدود. والمتكلمون بها قليلون. وقد أتى الله بني آدم بالحس الظاهر والباطن عنها. والحدود أقوال كلية يحتاج كلٌّ منها إلى حدٍّ فيستحيل العلم ويلزم الدور. والحد لا يفهمه السامع إلا إذا عرف معناه مسبقًا دون حدٍّ. كما أنه يصعب التمييز بين الجنس القريب والفصل البعيد ليتم الحد. والأذهان تختلف فيما بينها بين الناس، ولا يوجد ذهنٌ نمطي واحد لكل البشر. ويصعب إدراجُ كلِّ الجزئيات داخل الحد الواحد. كلما قلت الجزئيات كان التمييز أسهل والحد أصغر. وكلما زادت الجزئيات كان التمييز أصعب والحد أشمل. ولا اشتراك في الجزئيات. ولمَّا علَّم الله آدم الأسماء كلها فإن ذلك يعني أن الحدود الأولى توقيفية. فهو نقدٌ عقلي خالص باستثناء النقد الأخير الذي يعتمد على النقل.
- (١)
إنكار المنطق كلية واعتبار النبوة بديلًا عنه، ورفض كلِّ محاولة للعقل ذاته أن يضع قواعدَ للفكر، والعقل أساس النقل حتى لا ينغلقَ العقل على نفسه، ويُصبح الفكر ذاتًا وموضعًا في آنٍ واحد، والبقاء في عالم الأذهان دون الخروج إلى عالم الأعيان.
- (٢) ليس لليونان ولا للمعلم الأول أيُّ فضل بالمرة؛ فالناس كانت تفكر قبله وبعده دون حاجة إلى منطق. وهو منطق خاص مرتبط باليونان لغة وثقافة ودينًا. بل إن الجيد فيه أخذه اليونان من الأنبياء بعد قدومهم إلى الشام. فالنبوة أصل العلم وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا. الحدود توقيف.
- (٣)
القسوة على الحكماء واتهام الفلاسفة بالكفر والإلحاد والزندقة وما يستوجب ذلك من حكم شرعي بالردة والقتل ونسبة الكفر إليهم مع أن غرضهم كان تنزيهَ الذات، والبُعد عن التجسيم في أمور المعاد، وجعل الدين متفقًا مع العقل باسم الدين، والوصول إلى دين العقلاء.
- (٤)
وضع النبوة والمنطق على طرفَي نقيض إما … أو … النبوة تُغني عن المنطق، والمنطق بديل عن النبوة. مع أن الوحي والعقل نظامان متماهيان. ويصدق كلاهما في الطبيعة. النبوة بلا منطق مجرد حدس بلا برهان يتحول إلى إيمان أعمى. والمنطق بلا نبوة مجرد برهان بلا حدس، والانتهاء إلى التجريد والصورية.
- (٥)
جعل المنطق مسئولًا عن أخطاء الإلهيات تحميل المنطق ما لا يمكن حمله. بل لقد اعترف الغزالي أن منطقَ الفلاسفة منطقٌ صائب. إنما الخطأ في الإلهيات. المنطق آلة للعلوم كلها، ومَن لا منطق له لا ثقةَ بعلمه. المنطق مجرد وسيلة وليس غاية، منهج وليس موضوعًا.
- (٦)
الجانب الهدمي في المنطق أكبر من الجانب الإيجابي؛ إذ من السهل نقدُ المنطق الصوري، ولكن من الصعب إيجاد منطق بديل، منطق علمي يقوم على الملاحظة والتجربة. وهو ما حاوله الأصوليون في القياس الشرعي، باستثناء قياس الأولى منذ الكِنْدي.
- (٧) بناء المنطق البديل على أسس غيبية مثل الميثاق الذي عقده الله مع بني آدم في عهد «ألست» كما يقول الصوفية عندما أشهدهم على أنفسهم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى، وقد لا يحتاج المنطق الأصولي هذا الأساس إذا كانت له مقوماته الذاتية وصدْقه الداخلي.
- (٨)
إدخال الشيطان كعامل في التعرف على أسباب الخطأ في القياس المغالطي. فالسفسطة لها قوانينها في نوع المقدمات وطرق إنتاجها واستنباط النتائج. ما زال المنطق البديل نوعًا من الإلهيات وغير منفصل عنها.
- (٩)
هناك تطور في المنطق من الأوائل إلى الأواخر، ومن المتقدمين إلى المتأخرين. وهو تطور سلبي، من اليقين إلى الظن، ومن الصواب إلى الخطأ، ومن الوحدة إلى الفرقة طبقًا للتصور العام للتاريخ، من الأفضل إلى الأقل فضلًا، ومن الأكمل إلى الأقل كمالًا.
- (١٠)
والسؤال الآن: إذا كان نقدُ المنطق القديم قد أفسح المجال لإقامة منطق جديد، فلماذا ينهار التاريخ من الأفضل إلى الأسوأ ويتقدم من الحالة الراهنة للنقد السلبي إلى حالة قادمة لمنطق إيجابي بديل، من المنطق الصوري إلى المنطق الشعوري حتى ينشأَ العلمُ في النفس من جديد، ويشقَّ طريقًا ثالثًا بين العقل القديم والمادة المعاصرة؟
الشكل الأول | ||
---|---|---|
الضرب | القياس اليوناني | المثل الفقهي |
كل إنسان حي | كل مسكر خمر | |
الأول | كل حي جوهر | كل خمر حرام |
كل إنسان جوهر | كل مسكر حرام | |
كل إنسان حي | كل مسكر خمر | |
الثاني | لا أحد حيًّا حجر | كل خمر ليست حلالًا |
لا واحد إنسانًا حجر | كل مسكر ليس حلالًا | |
بعض الناس حي | بعض المملوكات حرام وطؤها | |
الثالث | كل حي جوهر | كل حرام يفرض اجتنابه |
بعض الناس جوهر | بعض المخلوقات فرض اجتنابها | |
بعض الناس حي | بعض البيوع ربا | |
الرابع | لا واحد من الأحياء حجر | ليس شيء من الربا حلالًا |
بعض الناس ليس حجرًا | بعض البيوع ليس حلالًا |
الشكل الثاني | ||
---|---|---|
الضرب | القياس اليوناني | المثل الفقهي |
كل إنسان حي | كل ذبح لما تملكه قد نهيت عنه | |
الأول | لا واحد من الحجارة حي | ليس شيء حلالًا مما نهيت عنه |
لا واحد من الناس حجر | ليس ذبحك لشيء لا تملكه حلالًا | |
لا واحد من الحجارة حي | ليس شيء حلالًا مما نهيت عنه | |
الثاني | كل إنسان حي | كل ذبح لما لا تملكه نهيت عنه |
لا واحد من الحجارة إنسان | ليس حلال ذبحك لما لا تملكه | |
بعض الناس حي | بعض الآباء كافر | |
الثالث | لا واحد من الحجارة حي | ليس كل أحد تجب طاعته كافر |
بعض الناس لا حجر | بعض الآباء لا يجب طاعته | |
بعض الحجارة ليس حيًّا | بعض الفروج من الممتلكات لا يحل وطؤه | |
الرابع | كل إنسان حي | كل فرج زوجة من الممتلكات ليس مباحًا |
بعض الحجارة ليس إنسانًا | بعض الفروج من الممتلكات ليس مباحًا |
الشكل الأول | ||
---|---|---|
الضرب | القياس اليوناني | المثل الفقهي |
كل إنسان حي | كل قاذف محصنة فاسق | |
الأول | كل إنسان جوهر | كل قاذف محصنة يُحدُّ |
كل حي جوهر | بعض الفاسقين يُحدُّ | |
كل إنسان حي | كل المحرمين نُهيَ عن الصيد | |
الثاني | لا واحد من الناس حجر | ليس أحد من المحرمين مباحًا له النساء |
بعض الأحياء لا حجر | ليس بض المنهيين عن الصيد مباحًا لهم النساء | |
بعض الأحياء ناس | بعض المصلين مقبول الصلاة | |
الثالث | كل الأحياء جوهر | كل مصلٍّ مأمور باستقباله الكعبة |
بعض الناس جوهر | بعض المقبول صلاتهم مأمور باستقبال الكعبة | |
كل إنسان حي | كل مرضعة خمس رضعات حرام | |
الرابع | بعض الناس جوهر | بعض المرضعات خمس رضعات أم |
بعض الحي جوهر | بعض الأمهات حرام | |
كل إنسان حي | ليس بعض القائلين بغير حق يقار منه | |
الخامس | بعض الناس لا حجر | كل قائل بغير حق فاسق |
بعض الحي ليس حجرًا | بعض من لا يقاد منهم فاسق | |
بعض الحي إنسان | بعض الشروط مفسد للعقد | |
السادس | لا واحد من الأحياء حجر | ليس شيء من الشروط متقدمًا للعقد |
بعض الحي لا حجر | بعض المفسد للعقد لا يتقدم العقد |
عليٌّ أكثرُ فضائل من العباس.
العباس أقل فضائل من أبي بكر.
عليٌّ أكثر فضائل من أبي بكر.
وكل مباحة العين للواطئ فراش، وكل ما ليس فراشًا عهر.
والأمة المشتركة عهر، وكل ذي عهر عاهر.
فكلُّ واطئ أمة مشتركة عاهر.
وكل عاهر فله الحجر.
فكلُّ واطئ أمة مشتركة فله الحجر.
ونبيذ التين إذا غُليَ وُصف بالإسكار.
التحريم واجب لنبيذ التين إذا غُليَ.
لا موجود إلا الخالق والجوهر والعرض.
والذي لم يزل ليس هو الجوهر ولا العرض.
فهو الخالق عز وجل.
الأزلي ليس مؤلفًا.
العالم ليس مؤلفًا، السابق، ص١٣٨–١٤٠.
كل مسكر حرام.
المسكر ليس حلالًا.
الحلال ليس مسكرًا.
المقدمة | الكلام | الفقه |
---|---|---|
صغرى | كل جسم مؤلف | كل مسكر خمر |
كبرى | كل مؤلف محدث | كل خمر حرام |
نتيجة | كل جسم محدث | كل مسكر حرام |
الضرب | المقدمة الصغرى | المقدمة الكبرى | النتيجة |
---|---|---|---|
الأول | كل مسكر خمر | كل خمر حرام | كل مسكر حرام |
الثاني | كل مسكر حرام | لا خمرَ واحدًا حلالٌ | لا مسكرَ واحدًا حلالٌ |
الثالث | بعض الأشربة خمر | كل خمر حرام | بعض الأشربة حرام |
الرابع | بعض الأشربة خمر | لا خمرَ واحدًا حلالٌ | ليس كلُّ شراب حلالًا |
- (١)
القول في الميزان الأكبر من موازين التعادل، ص٢٧–٤٠.
- (٢)
القول في الميزان الأوسط، ص٤٠–٤٥.
- (٣)
القول في الميزان الأصغر، ص٤٥–٥٠.
- (٤)
القول في ميزان التلازم، ص٥٠–٥٦.
- (٥)
القول في ميزان التعاند، ص٥٦–٦٨.
- (٦)
القول في موازين الشياطين وكيفية وزن أهل التعليم بها، ص٦٨–٧٧.
- (٧)
القول في الاستغناء بمحمد ﷺ وبعلماء أمته عن إمام معصوم آخر وبيان معرفة صدق محمد ﷺ بطريق أوضح من النظر في المعجزات وأوثق منه وهو طريق العارفين، ص٧٧–٨٥.
- (٨)
القول في طريق نجاة الخلف من ظلمات الاختلافات، ص٨٦–١٠٠.
- (٩)
القول في تصاوير الرأي والقياس وإظهار بطلانهما، ص١٠٠–١١٢.
فصل: المنطق وفساده واشتماله على دعاوى باطلة، السابق ص١٥٥–٢٠٠.
فصل: في القياس، السابق ص٢٠٠–٢١١.
المقولات العشر: