ثانيًا: الطبيعيات الجسمانية (إخوان الصفا)
(١) من الطبيعيات الوافدة إلى الطبيعيات الموروثة
- (١) إضافة الجسمانيات لها دلالتها على التحول من النقل إلى الإبداع. فليس المقصود الطبيعيات وحدها كما هو الحال في الوافد وكما تابع ابن سينا أكثر أو أقل، بل المقصود التحول من الطبيعيات إلى الجسمانيات، من الطبيعة إلى الإنسان، من أجل إيجاد التقابل بين العالم كإنسان كبير والإنسان كعالم صغير.١ ووصف الإنسان في العالم، والعالم في الإنسان وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ، سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ. فالبداية بالطبيعة قبل النفس، وبالعالم الكبير قبل العالم الصغير، من الخارج إلى الداخل قبل من الداخل إلى أعلى. لذلك أدخل الإخوان الطبيعيات الصغرى مع الطبيعيات الكبرى. وفصَّلوا العلم الطبيعي في كتب ستة: السماع الطبيعي، والسماء والعالم، والكون والفساد، والآثار العلوية، والمعادن، والنفس. ثم أضيف إليها الحيوان والنبات والطبيعيات الصغرى في سبع عشرة رسالة.٢
- (٢)
ترك عنوان «السماع الطبيعي» وتفصيل مضمونه في بيان الهيولى والصورة والحركة والزمان والمكان وما فيها من المعاني إذا أضيفت بعضها إلى بعض.
- (٣)
ويضاف إلى «السماء والعالم» في إصلاح النفس وتهذيب الأخلاق إشارةً إلى التحول من المستوى الطبيعي إلى المستوى النفسي الأخلاقي. وقد حدث نفسُ الشيء في الرسالة العاشرة «في الحاس والمحسوس» وإضافة «في تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق»، انتقالًا من الطبيعيات الصغرى إلى المستوى النفسي الأخلاقي. مثال ذلك أيضًا في الرسالة التاسعة في الرياضيات وإنزالها إلى المستوى الإنساني الأخلاقي.
- (٤) بعد الثالثة «في بيان الكون والفساد»، والرابعة «في الآثار العلوية»، والخامسة «في بيان تكوُّن المعادن»، يضيف الإخوان السادسة «في ماهية الطبيعة» انتقالًا من العلم الطبيعي إلى ماهية الطبيعة دون إغفال التكوين في الخامسة «في بيان تكوين المعادن»، والثامنة «في كيفية تكوين الحيوان وأصنافها». والغاية من ماهية الطبيعة ليس العلم الطبيعي، بل «تنبيه الغافلين على أفعال النفس وماهية جوهرها».٣
- (٥)
إدخال النبات والحيوان في العلم الطبيعي في السابعة «في أجناس النبات»، والثامنة «في كيفية تكوين الحيوانات وأصنافها».
- (٦) إضافة لفظ التكوين أو التركيب والأجناس على الموضوع مما يوحي بالنظرة التصورية والنظرة البنيوية في آنٍ واحد. فالرسالة الخامسة «في بيان تكوين المعادن»، والثامنة «في كيفية تكوين الحيوان وأصنافها»، والسابعة «في أجناس النبات» دون إغفال سؤال الماهية كما هو الحال في السادسة «في ماهية الطبيعة»، والتاسعة «في تركيب الجسد». وفي كثير من الأحوال تدل الفصول في الرسائل على بحثٍ في الماهيات. فهي طبيعيات ماهوية مثل ماهية الزمان كوسيلة للتحقق من أقوال العلماء فيه.٤ وأحيانًا يكون البحث عن المعنى وكأن المعنى ماهية والماهية معنى.٥ كما تُستعمل ألفاظ أخرى مثل الاعتبار والمعرفة والإدراك والرؤية التي تدل على البحث والتأمل والاستقصاء.٦
- (٧)
تكرار بعض الحدوس الرئيسية مثل «إصلاح النفس وتهذيب الأخلاق» لبيان مستوى إعادة البناء من الطبيعي إلى النفسي الأخلاقي في الرسالة الثانية، وفي الرسالة العاشرة «تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق»، ثم تغيير كلمتَي الإصلاح والتهذيب مرة للنفس ومرة للأخلاق، ومثل تكرار «ماهية الطبيعة» في عنوان الرسالة السادسة، وفي الفصل الثاني من الرسالة الرابعة «في الآثار العلوية».
- (٨)
وأحيانًا يكون الفكر عنوان رسالة، مثل الرسالة الثانية عشرة «في قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير»، وأحيانًا فصلًا من رسالة، مثل «الفصل الأول» معرفة قول الحكماء إن العالم إنسان كبير في الرسالة الثانية. و«ماهية الطبيعة» عنوان الرسالة الثانية، ثم الفصل الثاني من الرسالة الرابعة «في الآثار العلوية»، ومثل «في حكمة الحياة والموت» كجزء من عنوان الرسالة السادسة، ثم تصح عنوان الرسالة الخامسة عشرة مع تغيير الترتيب.
- (٩) تنقسم كلُّ رسالة إلى فصول بعضها بعناوين مستقلة، والبعض الآخر بلا عناوين، مع بعض الاستطرادات وتكرار نفس الأفكار.٧ وأحيانًا تكون العناوين قصيرة مجرد عبارتين، مثل الثالثة «في الآثار العلوية»، والسادسة «في ماهية الطبيعة»، والسابعة «في أجناس النبات»، والتاسعة «في تركيب الجسد»، والحادية عشرة «في مسقط النطفة». وأحيانًا تسبق العنوان ألفاظ البيان والحكمة، مثل الثالثة «في بيان الكون والفساد»، والخامسة «في بيان تكوين المعادن»، أو الخامسة عشرة «في حكمة الموت والحياة» في إيقاعي ثلاثي. وأحيانًا تكون العبارة طويلة، مثل الأولى «في بيان الهيولى والصورة والحركة والزمان والمكان وما فيها من المعاني إذا أُضيف بعضها إلى بعض»، والثانية «الموسومة بالسماء والعالم» في إصلاح النفس وتهذيب الأخلاق.
- (١٠)
تتناثر الموضوعات الطبيعية الستة القديمة بين الطبيعيات الكبرى والصغرى، الطبيعية أو الإنسانية. ويتعدد موضوع الجسمانيات ويضم الطبيعيات الصغرى، التاسعة «في تركيب الجسد»، والعاشرة «في الحاسِّ والمحسوس»، والحادية عشرة «في مسقط النطفة»، والخامسة عشرة «في حكمة الموت والحياة»، والسادسة عشرة «في خاصية اللذات، وفي حكمة الحياة والموت وماهياتهما».
- (١١) يظهر موضوع النفس وارتباطها بالجسد في الثالثة عشرة «في كيفية نشوء الأنفس الجزئية في الأجساد البشرية الطبيعية». ثم تظهر نظرية المعرفة في الرابعة عشرة «في بيان طاعة الإنسان» في المعارف وإلى أيِّ حدٍّ هو، ومبلغه من العلوم، وإلى أيِّ غاية ينتهي، وإلى أيِّ شرفٍ يرتقي. فالغاية من الطبيعيات هي النفسانيات، رفع الطبيعة إلى مستوى النفس أو اكتشاف النفس داخل الطبيعة. فالطبيعة نفسية شعورية. والنفس نظرية وعملية، إدراكية وأخلاقية. وأحيانًا يكون الموضوع الطبيعي نفسيًّا مباشرة مثل الحاسِّ والمحسوس وباقي الطبيعيات الصغرى والغرض من الجسد اكتشاف النفس. وما أسهل بعد ذلك من التحول من النفس إلى الإشراق، ومن الطبيعيات إلى الإلهيات.٨ ويتم تفسير الطبيعيات عن الغاية والقصد. فالطبيعة غائية. فالغاية من الأفلاك والأجسام والطعوم والزروع والحيوان والنفس هي كمال النفس والمعرفة الإشراقية. كل فعل متقن من صانع حكيم له غرض في فعله. وكذلك غاية النفس معرفة الحقيقة والأخلاق العملية والآراء الصحيحة والأعمال الذكية التي تنفعها بعد مفارقة البدن.
- (١٢)
هناك رسائل جديدة تمامًا شكلًا وموضوعًا، مثل التاسعة «في تركيب الجسد»، والثانية عشرة «في قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير»، والثالثة عشرة «في كيفية نشوء الأنفس في الأجساد البشرية والطبيعية»، والرابعة عشرة «في بيان طاقة الإنسان في المعارف إلى أيِّ حدٍّ هو ومبلغه من العلوم، وإلى أيِّ غاية ينتهي، وإلى أيِّ شريف يرتقي»، والسابعة عشرة «في علل اختلاف اللغات ورسوم الخطوط والعبارات». وهي خمس رسائل في النصف الثاني من الطبيعيات بعد التاسعة.
والطبيعيات علم شامل لما فوق الأرض، مثل الجبال والأنهار والبراكين، وما فوق الأرض حتى الآثار العلوية لما يحدث في السماء.
ويمكن ضم أقسامها كلها، ما تحت الأرض مثل المعادن، وعالم الأرض عالم الكون والفساد المكون من العناصر الأربعة والنبات والحيوان وعالم ما فوق الأرض مثل ما يحدث في الجو، وهي الآثار العلوية إلى موضوع واحد هو الاستحالة بمعنى التحول بعد استبعاد السماع الطبيعي الذي هو أشبه بدراسة المقولات الأولى للعلم مثل الصورة والمادة والزمان والمكان، السكون والحركة، الجوهر والعرض. فالاستحالة على خمسة أنواع كما هو الحال في الأحكام الخمسة في علم أصول الفقه.


ويختلف مسار الطبيعة عند الإخوان عنه عند أرسطو. مسار الطبيعيات عند أرسطو من السماع الطبيعي إلى السماء والعالم إلى الكون والفساد إلى الآثار العلوية إلى النفس والحيوان والنبات والمعادن على النحو الآتي:

في حين أن مسار الطبيعيات عند الإخوان كالآتي:

مسار الإخوان من الطبيعة إلى الإنسان، من الطبيعة الجامدة إلى الطبيعة الحية، ثم من الإنسان إلى الله. فالطبيعة قصد نحو الإنسان، والإنسان قصد نحو الله. والله قصد نحو الطبيعة بوهبها الصور، وقصد نحو الإنسان بإلهامه بالمعارف وإرساله الأنبياء، تفيض من النفس الكلية على النفوس الجزئية وعلى الموضوعات المادية (الصورة)، ويتم الانتقال من الطبيعة إلى النفس، ومن الطبيعة إلى الموسيقى. وكما أن في قوى الإنسان ترتيبًا طبقًا لمراتب الشرف كذلك الموجودات الطبيعية.
ويربط الإخوان ماهية الطبيعة بالصنائع العملية في مسألة بهذا العنوان في القسم الرياضي. فالطبيعة صنعة هندسية، والأفضل أفعال الطبيعة. وتُردُّ الطبيعة أيضًا إلى النفس، والنفس إلى الملائكة. فالطبيعة علوية في الملائكة أو سفلية في النفس.
وبالرغم من أن عناوين بعض الرسائل الطبيعية لإخوان الصفا عناوين أرسطية مثل «الكون والفساد»، «الآثار العلوية»، «المعادن»، «النبات»، إلا أن المضمون غير أرسطي، إنما هو نقل مادة الوافد في تصور الموروث.

وتتشاكل الأجسام طبقًا للطبيعة وتتضاد طبقًا لطبيعة أخرى. وإذا تشاكلت تجاورت المراكز، وإذا تضادت تباينت المراكز. وتبدأ الرسالة بالعرض المحايد أولًا عن طريق القسمة حتى يمكن التجاور بعد ذلك. فالأجسام تحت فلك القمر، عالم الكون والفساد، تنقسم إلى جزئيات كالمعادن والنبات والحيوان وإلى أمهات هي العناصر الأربعة، الأرض والماء والنار والهواء. والأمهات مركبة من هيولى وصورة. والصورة مقومة نحو الوجود أو متممة نحو الكمال مما يكشف عن جدل الوجود والكمال، والواقع والقيمة. وكل جسم له طول وعرض وعمق. واليبوسة تابعة لليبوس فهي رذيلة، وتابعة للحرارة فهي فاضلة.
وتتم المعرفة الإنسانية من ثلاثة طرق. الأول الحواس الخمس وهو أول الطريق. يعرف به الإنسان منذ الصبا، ويشترك فيه الإنسان والحيوان. والثاني العقل وبه يتميز الإنسان عن الحيوان، ويظهر بعد الصبا في سن البلوغ. والثالث أكبرها ويتفرد به قوم من العلماء دون غيرهم من الناس بعد النظر في الرياضيات الهندسية والنطقية. يعلم الإنسان من هذه الطرق الثلاثة لأن الإنسان بدن جسماني، ونفس روحاني. يعلم بجسده الجسماني الصانع، وبنفسه الروحاني العلم. ولما كانت النفس متوسطة بين الكلي وهو الله، والعقل والصور المجردة التي هي الملائكة طبقًا لظاهرة التشكل الكاذب، والأدنى مثل الهيولى والطبيعة والأجسام، عرفت الأشياء الدنيا بالحواس المباشرة المماسة والمخالطة والمحيطة، وعرف الأعلى ببرهان العقل دون مباشرة وإحاطة، معرفة بالذات والجوهر.
- (أ)
البصر. ويدرك النور والظلمة والألوان والسطوح والأجسام، أشكالها وأوضاعها وأبعادها وحركاتها وسكناتها في عشرة مدركات بصرية.
- (ب)
السمع، وينقسم إلى نوعين: حيواني وغير حيواني، إلى طبيعي وغير طبيعي، منطقي وغير منطقي، دال وغير دال. فهما ثمانية مدركات سمعية.
- (جـ)
الشم. ويدرك الحلاوة والمرارة، والملوحة والدسومة والحموضة، والحرافة والعفونة، والعذوبة والقبوضة. فهي تسعة مدركات ذوقية.
- (د)
اللمس. ويدرك الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، والخشونة واللين، والصلابة والرخاوة، والخفة والثقل. فهي عشرة مدركات لمسية.
ويتم الانتقال من طاقة الإنسان في المعارف إلى مبلغه من العلوم وغايته وشرفه. فهناك أربعة أسئلة: الأول ما هي حدود طاقة الإنسان في المعارف وإمكانياته؟ والثاني إلى أي حد يستطيع أن يبلغ العلوم وهل هناك حدود للعلم أم أنه بلا حدود وكما يقول الصوفية؟ والثالث ما غاية العلم؟ والرابع أي شرف يرتقي إليه الإنسان نظرًا لارتباط العلم بالسعادة كما يقول الصوفية. وقد تعلَّم آدم علمًا ربانيًّا وسجدت له الملائكة مع أنه مخلوق من تراب؛ فالسجود من أجل نفخ الروح فيه لإظهار العلم وهو العلم اللدني كما يقول الصوفية.
وطرق العلم على خمسة أنواع: التقليد وهو أدناها ثم الجدل والاحتجاج ثم الرواية والخبر، أي المعرفة التاريخية، ثم الشعر، ثم البرهان الهندسي والمنطقي.

(٢) جدل الجسد والنفس
والحديث عن حالات الجسد وصفاته مقدِّمةٌ للحديث عن النفس وحالاتها؛ لأن حالات الجسد ظاهرة مكشوفة متخيلة مدرَكة بالحواس في حين أن حالات النفس غائبة عن الحواس، باطنة في عمق الجسد، مستورة فيه، تُدرك بالعقل. الشاهد من حالات الجسد يدل على الغائب من حالات النفس. الظاهر يدل على الباطن، والمكشوف على المستور، والجلي على الخفي، والمحسوس على المعقول. معرفة النفس قبل معرفة الله تقوم على قياس الغائب على الشاهد.
الإنسان | قوى الإنسان | المنزل | الحِرفة | الصنعة |
---|---|---|---|---|
الجسد | أعضاء الجسد | الساكن | الدكان | أدوات الصانع |
النفس | قوى النفس | الدار | الصانع | قوى الصانع |
وتتعدد قوى النفس بتعدد وظائفها وآلاتها على النحو التالي:
النفس | الآلة الجسدية | الوظيفة |
---|---|---|
الناطقة | الدماغ | الفكر والتمييز |
الحيوانية | القلب | الحس والحركة |
النباتية | الكبد | الغذاء والنحو |

واللذات نوعان: جسدي وروحي. الجسدي في متعة الجسد، والروحي في متعة الروح. واللذات الروحانية نوعان. الأول والنفس مقارنة للجسد مثل الأعمال الزكية والأفعال الخيِّرة والأخلاق الكريمة والاعتقادات والآراء الصحيحة وحقائق الموجودات. والثاني بعد مفارقة الجسد من ذاتها أو من خارجها، بجزائها على الأعمال أو برؤيتها لله. واللذة الروحية مشتركة بين البشر والملائكة.
وقد يتدرج هذان النوعان إلى أربعة أنواع: الأول الشهوانية الطبيعية من طعام وشراب وهي مشتركة بين الإنسان والحيوان والنبات، والثاني حيوانية حسية مثل الجماع، وهي مشتركة بين الإنسان والحيوان، والثالث إنسانية فكرية وهي المعاني، وهي مشتركة بين الإنسان والملاك، والرابع ملكية روحانية للنفوس الناطقة بعد مفارقة الجسد.
وما دامت النفس مع هذا الجسد إلى وقت معلوم فإنها تكون متعبة بكثرة غمومها لإصلاح الجسد وما يتكلف به من أعمال شاقة وصناعة متعبة لاكتساب المال والمتاع والأثاث وما يحتاج الإنسان إليه في الدنيا. فلا راحة للنفس بمقارنتها للبدن.
والموت والحياة نوعان: جسداني ونفساني. الحياة الجسدانية استعمال النفس للجسد، والموت الجسداني ترك النفس استعمال الجسد لها. واليقظة استعمال النفس الحواس، والنوم ترك استعمالها لها. ليس الموت إذن ظاهرة طبيعية، موت الجسد، بل ظاهرة فلسفية، موت النفس.
وتستمر الثنائيات من أجل الترقي من عالم الجسد إلى عالم الروح، من عالم الموت إلى عالم اليقظة مثل اللذة والألم، الفرح والغم، السرور والحزن، الراحة والتعب، الجسماني والروحاني مثل التضاد في أحوال الصوفية.
وهي ليست ثنائيات معرفية نفسية أخلاقية عملية إنسانية في عالم الأذهان بل هي أيضًا ثنائيات وجودية فعلية «أنطولوجية» في عالم الأعيان. فالموجودات جزئية أم كلية. والكلية تبدأ من أعلى إلى أسفل، من الأتم فالأنقص في تسع مراتب: الباري، والعقل، والنفس، والطبيعة، والهيولى الأولى، والجسم المطلق، والفلك، والعناصر الأربعة والمولدات الثلاثة، النبات والحيوان والإنسان على النحو الآتي:

والنفوس الجزئية تفضل بعضها بعضًا بإحدى الخصال الأربعة: الأعمال والآراء والأخلاق والمعارف.
وهو نقد مبطن لدين العامة الذي يؤيده فقهاء السلطان، الظاهري التشبيهي الذي لا يقبل التأويل تهديدًا بالسيف والصلب. ويسبب الكفر لخطورة الوقوع في التشبيه الذي يؤدي إلى الشك والحيرة والإنكار. فالكفر رفضٌ للباطل وبحثٌ عن الحق بسبب التفسير الحرفي للنصوص، ومن ثَم لزم التأويل. فالتأويل هو الوسيلة للحفاظ على الإيمان في القلوب. فجهنم عالم الكون والفساد، والجنة عالم الأرواح، وأهل جهنم النفوس المتعلقة بأجساد الحيوانات، وأهل الجنة النفوس الملكية. جهنم سبع طبقات لأن الأجسام التي دون فلك القمر سبعة، العناصر الأربعة بالإضافة إلى المعادن والنبات والحيوان (المولدات). ولها سبعة أبواب؛ لأن كل ما يجري في عالم الكون والفساد سبعة، وعليها تسعة عشر؛ لأن هناك بروجًا اثني عشر.
ويمكن إدراك موجودات العالم بتقابلها مع المقولات المنطقية والأعداد الرياضية. هنا يكون التقابل ثلاثيًّا بين ثلاث دوائر: الوجود والمنطق والرياضة. وقد يكون التقابل تامًّا على كل مستوياته وقد يكون ناقصًا بغياب بعض المستويات، وهو ما يمكن اكتشافه فيما بعد مثل التقابل بين النفوس، والأجناس والأنواع، والأعداد. ولا يُحصي عددَ كلِّ شيء إلا اللهُ. قوى النفس، الأشخاص التي تحت الأنواع والأجناس والمحسوسات. ويكون التقابل التام على النحو الآتي:
النفس | المنطق |
النفس الكلية | جنس الأجناس |
النفس البسيطة | الأنواع |
الأنفس | نوع الأنواع |
الأنفس الجزئية | الأشخاص |
ويكون التقابل الناقص على النحو الآتي:
النفوس | الأعداد |
---|---|
العقل الكلي | |
النفس الكلية | الواحد |
الأنفس البسيطة | الآحاد |
الأنفس الجنسية | العشرات |
النفس النوعية | المئات |
الأنفس الجزئية الشخصية | الألوف |
وهناك تقابل بين مراتب النفوس ومراتب الملائكة ومراتب البشر على النحو التالي:
مراتب النفوس | مراتب الملائكة | مراتب البشر |
---|---|---|
خيرة فاضلة | أجناس الملائكة | صالحو المؤمنين والعلماء |
شريرة رذيلة | مردة الشياطين وسحرة الجن | الفراعنة الدجالون |
جاهلة شريرة | أنفس السباع الضارية | الجهال الأشرار |
جاهلة غير شريرة | أنفس بعض الحيوانات كالغنم والحمام |
والمطلوب إيجاد نموذج للنفس الجاهلة غير الشريرة من عالم الإنسان مثل نفوس الأطفال والصبية.
وللنفس الكلية قوًى كثيرة مثل النفس الإنسانية وهم الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم طبقًا لظاهرة التشكل الكاذب.
وفي الرسالة الثامنة عن الحيوان يظهر التقابل بين الجسد الأرضي الثقيل من ناحية والروح الفلكي والنفس الناطقة الملكية من ناحية أخرى. وهو ما يفضِّل الحيوان على الإنسان. ورئيس الملائكة المقربين الموكلين ببني آدم وحفظهم هي النفس الناطقة الإنسانية الكلية، خليفة الله في الأرض. قُرنت ببني آدم لما خلق من التراب، وسجدت له الملائكة. وهي النفوس الحيوانية المنقادة لطاعة النفس الناطقة، خليفة الله في الأرض، ورفض إبليس السجود لآدم هي القوة الغضبية والشهوانية والنفس الأمَّارة بالسوء. جوهر النفس سماوي، وعالمها روحاني، حية بذاتها، غير محتاجة إلى الطعام والشراب واللباس والسكن، وكل ما يحتاجه الإنسان من أعراض الدنيا فإنما لهذا الجسد الفاسد، ولإصلاح شأنه وجلب المنفعة إليه ودفع المضرة عنه.
(٣) جدل الحيوان والإنسان
ولما كانت طبيعيات الإخوان طبيعيات إنسانية خالصة يُحيل الحيوان فيها إلى الإنسان ليس فقط على مستوى الجسم أو النفس بل أيضًا على مستوى الأخلاق. إذ يبدأ الفصل الثاني من الدراما «في كيفية تكوين الحيوانات وأصنافها» في بيان فضائل الحيوان وتفوقه على الإنسان من أجل طلب التحرر بعد أن بدأ الإنسان بيان فضائله وتفوقه على الحيوان من أجل إعطاء نفسه الحق لاستعباده. وقد انهارت أخلاق الإنسان إلى مستوى الحيوان وأصبحت أخلاقًا سبعية. وتصدَّى لهذه المهمة البغل زعيم الحيوان إمعانًا في إذلال الإنسان. وتظهر لكل حيوان ميزة طبقًا لطباعه. وكان موضوع اختيار الرسل مناسبة للبحث من جديد عن طباع الحيوان. فالحيوان ليس مجردَ آلة حية أو كائنًا عضويًّا بل هو أخلاق وطباع وأمثال وأشعار كما دوَّن الجاحظ من قبل في «كتاب الحيوان».
وكما أن للطيور فضائلها كذلك للحيوان صفاته وأخلاقه ومنافعه. وفضائله أكثر من رذائله مثل صفات الأسد بين السباع والوحوش، ملك السباع، والببغاء زعيم الجوارح، والصرصور زعيم الحشرات والهوام، والتنين زعيم حيوان الماء، واليعسوب أمير النحل وزعيم الحشرات. ولكل ملك أو أمير من الحيوان دولة وجند وألوان كما هو الحال في مملكة الإنسان. وله سياسة وعدل وحكمة.
ومثل النحل الجراد، ودود القز، والزنابير الصفر والحمر والسود، تبيض وتحضن وتربِّي أولادها عن علم وفهم ومعرفة وتمييز ودراية وفكر ورؤية وسياسة وتدبير، عناية من الله. فصفات الحشرات تُثبت العناية الإلهية، وليست كصفات الإنسان التي تؤدي إلى الجحد والنكران. والبراغيث والبق والديدان مهما تغير عليها الزمان، واضطراب الكيان، وتغالبت طبائع الأركان، وأسلمت أنفسها للنوائب والحدثان، وانقادت للممات فلعلمها بالمعاد، وأن الله منشئُها ومعيدها في العالم القابل للكون والفساد، كما أنشأها أول مرة.
وبالرغم من أن الحيوان حيوان إلا أنه يعرف الطريق إلى الله وكأن القهر وسيلة لاكتشاف الدين، فالدين زفرة المضطهدين. الضفدع راكب على خشبة على ساحل البحر، ينقُّ بأصوات هي تسبيحات لله وتكبيرات، تحميدًا وتهليلًا لا يعلمها إلا الله والملائكة. وواضح أن تسبيحات الحيوان لله الطبيعي، خالق الحب، ومنبت الزرع والشجر، ومسقط الماء، ومسيِّر الطير، وخالق الحيوان. وكلها إسقاطات من أخلاقيات الإنسان وامتدادها إلى الحيوان. يتضح فيها أثر الأدب الهندي على لسان الحيوان وأثر آداب الشرق أكثر من آداب الغرب، اليونان القديم.
ويبدو أن الشعوبية قد نطقت على لسان الحيوان. وأصبح التفاضل بين الشعوب يُعلن عن نفسه بلسان التفاضل بين الحيوانات، وبين الحيوان والإنسان. فلكل شعب طباعه مثل طباع الحيوان. ولكل شعب فضائله ورذائله مثل فضائل ورذائل الحيوان.
ومع ذلك، فإن عظمة الإنسان في الحرية والاختيار، والرسالة والأداء، والتكليف والمسئولية. وفضائل الحيوان قسر وجبر وجبلة وطبيعة لا عن اختيار. لذلك لم يكلف بالرغم مما هو شائع أن كل أمة، والحشرات والطيور والحيوانات أمم، قد أرسل الله إليها الأنبياء. هناك جدل إذن بين السلب والإيجاب، بين فضل الحيوان على الإنسان في الأخلاق، وفضل الإنسان على الحيوان في النبوة. يفتخر الإنسان على الحيوان بعقله وعلمه، وأدبه وصناعته، برجحان العقل، وفنون العلم، وغرائب الأدب، ولطائف الحِيَل ودقة الصنائع، والفكر والتمييز والروية وذكاء النفس. ينزل بنو آدم بذلك قرار البحار، ويصعدون قمم الجبال.
ويستمر الحيوان في بيان مآسي الإنسان، فحسن لباس الإنسان إنما نشأ بعد خطيئة آدم واكتشاف عورته كما لاحظ ذلك زعيم السباع كليلة أخو دمنة، وبعد التعبير عن الإيمان بالله القوي، خالق الجبال والآكام، ومنشئ النبات والأشجار، وخالق السباع، جاعلًا أقواتها من جيف الأنام، ولحوم الأنعام، وقاضيًا عليها جميعًا بالموت والفناء.
وفي بني الإنس، الفراعنة والنماردة والجبابرة والفسقة والمشركون والمنافقون والملحدون والمارقون والناكثون والخوارج وقطَّاع الطرق واللصوص والعيارون والطرارون والدجالون والباغون والطاغون والمرتابون والقوادون والمخانيث والمؤاجرون واللواطة والسخافات والبغايا والقمازون والكذابون والنباشون والسفهاء والأدعياء والمنافقون. فكيف يكون مَن بهذه الصفات أسيادًا؟
ثم يستعرض الحيوان ما يفتخر به الإنسان من مِهَن وحِرَف وهي خمس عشرة حرفة وطائفة، يفندها واحدة تلو الأخرى على لسان الببغاء في مناقب فارس، وهم: الملوك، والحرفيون، والشعراء، والمنجمون، والمتفلسفون، والمهندسون، والأطباء، والموظفون، والتجار، وأرباب النعم، والكتاب، والقراء، والفقهاء، والقضاء، والخلفاء.
-
(١)
إذا كان من الإنس الملوك والرؤساء، ولهم أعوان وجنود ورعية فإن للنحل والنمل والطيور والسباع رؤساء وأعوانًا وجندًا ورعية. وهم أحسن سياسة، وأشد رعاية من ملوك الإنس. فأكثر ملوك الإنس لا ينظرون في أمر الرعية والجند والإخوان إلا لجلب منفعة لهم أو دفع مضرة عنهم، لا يفكرون في غيرهم. وهذا ليس من شيمة الملوك والفضلاء، ولا عمل الرؤساء الرحماء المقتدين بسنة الله الجواد الكريم الرءوف الرحيم بخلقه. وإن من ملوك الحيوان ما يتبع سنة الله أكثر من ملوك الإنس، تأسيًا بالله الذي أنشأ الخلق وربَّاه وأنعم عليه، وأحسن إليه، لا يطلب منه جزاء ولا شكورًا. في حين أن الإنس يتسم بلؤم الطباع، وسوء الأخلاق، وجور السيرة ورداءة العادات، وسوء الأعمال، وقبح الأفعال، والمذاهب الضالة، والكفر بالنعم. لذلك أمرهم الله بالطاعة ولم يأمر الحيوان. فكان منهم العقوق والكفران. وتوجَّه إليهم بالوعد والوعيد دون الحيوان؛ لأن بني الإنسان عبيد سوء، يقع منهم المكر والعصيان. فالإنسان أولى بالعبودية من الحيوان، والحيوان أولى بالحرية من الإنسان. هذه الخصال والطباع التي لا تصلح إلا للملوك والسلاطين والأمراء والقادة والولاة أليق بالنفوس السبعية وإن كانت الأجساد بشرية.
-
(٢)
وكونُ الإنسِ صنَّاعًا وأرباب حِرَف فإن ذلك ليس بفضيلة لهم دون غيرهم بل يشاركهم فيه بعض الطيور والهوام وغير ذلك من الحيوانات والحشرات؛ مثل النحل والعنكبوت ودود القز والخطاف والأرضنة. على عكس جهالة الإنس، وقلة المؤنة. العلم في الحيوان طبيعة وفطرة، وفي الإنسان صنعة واكتساب. كل ذلك عناية من الله وحسن نظر منه إلى الحيوانات. فأيهما أكرم عند الله الذي عنايته به أكثر وأتم؟
-
(٣)
وإذا كان من الإنس الشعراء والخطباء والمتكلمون والمذكرون فإن لدى الحيوان منطقَ الطير، وتسبيحَ الحشرات والهوام.٨٣
-
(٤)
وللمنجمين والراقين تمويهات وتوهيمات وتلبيسات وقليل من العلم يستدرجون به الجهلاء من العوام والخواص والنساء والصبيان والحمقى، ويخفى على كثير من العقلاء والعلماء. يُخبرون بالكائنات قبل كونها، ويرجمون بالغيب، ويتعاملون معه دون معرفة صحيحة به، ودلائل عقلية واضحة، وبراهين مثبتة. والمنجم جاهل بالقريب وما يدور في أسرته وجيرانه وقومه ويدَّعي معرفة البعيد والزمان القادم حتى لا يتحقق أحد من صدق قوله واكتشاف كذبه وتمويهه. فالتنجيم وهمٌ علمي. لا يغترُّ بقول المنجم إلا الطغاة والبغاة من الملوك والجبابرة والفراعنة والنماردة والمقرون بعاجل الشهوة المنكرون أمر الآخرة، والجاهلون بالعلم السابق والقدَر المحتوم مثل نمرود الجبار، وفرعون ذي الأوتاد، وثمود وعاد الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد. ويظن المنجمون الذين لا يعرفون خالق النجوم ومدبرها أن أمور الدنيا تدبرها الكواكب السبعة والبروج الاثنا عشر، ولا يعرفون المدبر، رب الأرباب، ومسبب الأسباب، مالك يوم الدين، بالرغم من ظهور إرادته وقضائه وقدره. ويزداد الإنس غرورًا وطغيانًا بقول المنجمين. لا يعتبرون، ولا يتفكرون، ولا ينتبهون من جهالاتهم. ومن ثَم لا فخر بوجود المنجمين من بين بني الإنسان. فهو سلب لا إيجاب، ورذيلة لا فضيلة، ويحسب عليهم لا لهم. وما الفائدة من معرفة الكائنات قبل كونها بالدلائل والاستدلالات الزجرية والكهانية والنجومية، والفأل والقرعة، وضرب الحصى، والنظر في الكف، إذا كان لا يمكن دفعها ولا التحرز منها، بل يمكن ذلك فقط ليس على طريقة التنجيم بل بالدعاء والاستغاثة برب النجوم، والبكاء والتضرع بالصوم والصلاة والصدقات والقرابين، وصدْق الثبات وإخلاص القلوب في بيوت العبادة بسؤال الله دفْعَها وصرْفَها. وهي سنن النواميس الإلهية وأحكام الشرائع النبوية.
وإذا كانت الدلائل النجومية والزجرية تُخبر عن الكائنات قبل كونها مما سيفعل رب النجوم وجب الاستغاثة به وبالقوة التي فوق الفلك والنجوم. ربما يدفع الله عن الناس شر ما هو كائن. خطأ التنجيم هو التحرز بالجزء من الكل. الجزء هو النجوم، والكل رب النجوم. وعلى هذا تكون مداواة المرضى بالرجوع إلى الله تعالى أولًا بالدعاء ورجاء الشفاعة وليس بالرجوع إلى أحكام الطب الناقصة في الصناعة الجاهلة بأحكام الطبيعيات الغافلة عن معرفة رب الطبيعة وحكمته ولطفه في صنعته.
التنجيم مثل الطب عامل مساعد، البداية بدعاء الله ثم بعد ذلك اللجوء إلى التنجيم أو الطب لرفع مضار النكبات والتحرز منها. ويمكن تعاون التنجيم والدعاء كما حدث في مدينة عندما خرج منها الناس بعد تنبؤ المنجمين بوقوع حادث فيها واتباع نصيحة أهل الدين والورع والمتأهلين. فهلك الباقي ونجا الخارج. والحقيقة أن الإخوان هنا يصححون خطأً بخطأ آخر، ومجموع الخطأين لا يكون صوابًا. فما يحدث قضاء وقدرًا لا يمكن معرفته بالغيب. واستبدال الدعاء والبكاء والتضرع والاستغاثة وسؤال الله دفع الغمة ودرأ الكرب بالتنجيم أيضًا خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. ومداواة المرضى بالدعاء إلى الله أولًا ثم بالطب ثانيًا وليس بالطب أولًا، فإذا عجز فبالدعاء ثانيًا إنكارًا للأسباب والعلل. وماذا لو تعارض التنجيم وأوامر الدين أيها أحق بالاتباع؟ وهل قضاء الحاجات بالعمل داخل بيوت العبادة أم في الفضاء الفسيح؟٨٤ -
(٥)
والمتفلسفون الطبيعيون والمنطقيون الجدليون، وليس الحكماء الإلهيين، يضلون بني آدم عن المنهاج المستقيم، وصواب الطريق، وأحكام الشرائع، لكثرة اختلافهم، وتعدُّد آرائهم ومذاهبهم، قدم العالم مرة، وقدم الهيولى مرة أخرى، وقدم الصورة مرة ثالثة، والقول بعلتين أو أكثر، الصانع والمصنوع معًا، بالتناهي واللاتناهي، بالمعاد والفناء، إثبات الوحي وإنكاره، إثبات العقل والبرهان أو إنكارهما وإثبات التقليد. تعددت الآراء واختلفت وتناقضت. وتحيَّر بنو آدم وتبلبلوا وتشككوا. في حين أن مذهب الحيوان واحد، الإيمان بالله وعدم الشرك به، والتسبيح له بالغدو والآصال، لا يضر أحد بشيء، ولا يفتخر على أحد، راضٍ بالقسمة، خاضع للأحكام، لا يسأل عن علة أو سبب. لذلك نقد الإخوان علم الكلام باعتباره علم الفرقة وهم يدعون إلى الوحدة وكأن التعدد في الآراء مرذول وفي تباين الاجتهادات نقص مع أن التعدد طبيعي في البشر واختلاف الأئمة رحمة بينهم. وقد يكون اختلاف البشر أفضل من الفرقة الناجية وهو الحيوان المؤمن بالله. وهل الإيمان كما يفعل الحيوان أفضل من البحث والسؤال عند الحكماء والمتكلمين والأصوليين؟ ألا يختلف الحيوان أيضًا فمنه آكل ومنهم مأكول؟
-
(٦)
والمهندسون والمساحون ليس لهم فخر في البراهين التي تدق عن الفهم، وتبعد عن التصور. تركوا العلوم الواجب تعلمها ولا يجوز الجهل بها. واشتغلوا بالفضولات التي لا يُحتاج إليها. وهم جاهلون بتركيب الجسد، ومعرفته أسهل، وأوجب للتفكر فيها والاعتبار بها، وأرشد إلى معرفة الله. متى عرف نفسه فقد عرف ربه كما قال الرسول، وبالعلم بكتاب الله وأحكام شريعته ودينه وسنته التي لا يمكن الجهل بها. ومن ثَم يتم الانتقال من الطبيعة إلى النفس ثم من النفس إلى الله، من الخارج إلى الداخل، ومن الداخل إلى أعلى. وواضح القسوة على العلوم الإنسانية. فهل الهندسة والمساحة علوم لا نفع فيها والناس في حاجة إلى بناء؟ وهل تعارض الدين أم أن علوم الدنيا جزء من علوم الدين؟ ينقد الإخوان العلم الدنيوي الخالص المنفصل من الدلالة الدينية قبل معرفة الشريعة، ومعرفة الجسد والنفس، فماذا يكسب الإنسان لو كسب العالم وخسر نفسه؟
-
(٧)
والأطباء يداوون البطون الرحبة، والشهوات النفسية، والنفوس الشرهة وما يتولد عن المأكولات من الأمراض المزمنة والأسقام المؤلمة والأوجاع المهلكة. فهم يزيدون العليل سقمًا، والمريض عذابًا بمنعه من تناول أشياء قد يكون الشفاء في تناولها أو إعطائه أشياء قد تؤدي إلى مزيد من العلل. ولو ترك الأطباء المرضى لحكم الطبيعة لكان أفضل وأسرع في الشفاء. أما الحيوان فلا يحتاج إلى الطب لأنه لا يأكل إلا قوت يومه، وطعامًا واحدًا. فأيهما السيد وأيهما العبد؟ الطبيعة خير طبيب، والمدينة سبب الأمراض.
-
(٨)
والرؤساء والدهاقون أسوأ من العبيد الأشقياء والفقراء الضعفاء. فهم مشغولو القلب متعبو الأبدان، مغمومو النفوس، معذبو الأرواح طول النهار. يبنون ما لا يسكنون، ويغرسون ما لا يجنون، ويجمعون ما لا يأكلون. يعمرون الدور، ويخربون القبور، أكياس في أمور الدنيا بلهاء في أمور الآخرة. يجمعون في الدنيا المتاع ويبخلون على أنفسهم، ويتركونه لورثتهم. يكدون لغيرهم، ويُصلحون أمور سواهم. ولا راحة لهم إلا الممات. وهؤلاء هم الموظفون العموميون الذين يقضون مصالح الآخرين. وما المانع في أن يسعى الإنسان لصالح أخيه وأن يكون خادم القوم سيدهم؟
-
(٩)
والتجار يجمعون المال حلالًا أو حرامًا. ويبنون الدكاكين والحانات، ويملئونها بالأمتعة ويحتكرونها، ويبخلون بها على أنفسهم وجيرانهم وأحبابهم، ويمنعون الفقراء والمساكين حقوقهم. ولا يُنفقون حتى تذهب جملة، في طريق أو غرق أو سرقة أو مصادرة أو قطع طريق أو سلطان جائر. ويبقون بحزنهم ومصائبهم معاقبين بما كسبت أيديهم. فلا زكاة ولا صدقة أعطوا، ولا يتيمًا بروا، ولا حقًّا لضعيف سدوا، ولا صلة عندهم لذي رحم، ولا إحسانًا لصديق. لا يعدون للمعاد، ولا يقدمون للآخرة. وهو نفس نقد ابن خلدون لأخلاق التجار. وواضح أنهم أراذل التجار وليسوا فضلاءَهم، والتجارة صورة قرآنية، والعرب تجار قبل الإسلام.
-
(١٠)
وأرباب النعم وأهل المروءات لو كانوا كذلك لما طاب لهم العيش إذا ما رأوا الفقراء والجيران واليتامى من أولاد إخوانهم والضعفاء من بني جنسهم جياعًا عراة، مرضى زمنَى، من مفاليج مطروحين على الطريق، يطالبون كسرة، ويسألون خرقة دون الالتفات إليهم ورحمتهم والتفكير فيهم. فأين المروءة والفتوة وتهذيب النفس إلا أن يكونوا كالأنعام أو أضل سبيلًا؟ يبدو أن أرباب النعم لا يمثلون حرفة أو مهنة بل هم طبقة الأغنياء والموسرين، أصحاب الصدقات والمنح.
-
(١١)
والكتاب والعمال وأصحاب الدواوين أشرار يعرفون أسباب الشر أكثر مما يعرفه غيرهم ويصلون إليه أكثر مما يصل سواهم لدقة أفهامهم وجودة تمييزهم، ولطف مكايدهم، وطول ألسنتهم، ونفاذ خططهم. يكتبون زخرف القول، وسجع الألفاظ، وحلو الكلام، وفصيح الخطاب ليُخفوا قطع الدابر والحيلة في الإيذاء وإزالة النعم والنكاية والمصادرة وأخذ الأموال، وهم كبار الموظفين.
-
(١٢)
والقراء والعباد يغرون الناس بإظهار الورع والخشوع والتقشف والتنسك في صور خارجية. حذق الوسيلة، تقصير الأكمام، تشجير الأزرار والسراويل، لبس الخشن، طول الصمت، كثرة التنسك، ترك العفة في الدين، وتعلم أحكام الشرائع وسنن الدين وترك تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق، مع كثرة السجود والركوع دون علم حتى ظهر أثر السجود على جباههم، ونحلت شفاههم، وانحلت أبدانهم، وتغيرت ألوانهم، وانحنت ظهورهم، وامتلأت قلوبهم بالبغض والحقد والجفاء لمن ليس مثلهم. ونفوسهم مملوءة بالوساوس والخصومة مع الله. وكلها خرافات ووساوس. هم أشرار عند الله وإن كانوا أخيارًا عند الناس. والله لا ينظر إلى الصور والأشكال بل إلى القلوب والأعمال.
-
(١٣)
والفقهاء والعلماء يتفقهون في الدين طلبًا للدنيا وابتغاء للرياسة والولاية والقضاء والفتاوى بالآراء والقياسات، يحللون ويحرمون بالتأويلات، ويتبعون المتشابهات. يتركون حقيقة التنزيل والآيات المحكمات. ويتبعون ما تتلو الشياطين على القلوب من الخيالات، طلبًا للدنيا، وتكسبًا للرياسة من غير ورع ولا تقوى. وإن لم يتوبوا ويستغفروا فإنهم وقود النار في الآخرة وهو ما وصف به الكِنْدي من قبل رجال الدين الذين يدافعون عن مناهجهم المزورة وهم عدماء الدين. ترَك العلماء أخلاق الملائكة، وأخذوا أخلاق الشياطين، المكابرة والمغالبة والتعصب والعداوة والبغضاء. فيتناظرون ويتمايلون ويتصايحون في السفاهات.
-
(١٤)
القضاة العدول المزكون أدهى وأظلم وأبطر وأشر سيرة من الفراعنة والجبابرة. قبل الولاية يقعد الواحد منهم بالغدو والآصال في المسجد حافظًا الصلاة، مقبلًا على العلم، ماشيًا بين جيرانه، متواضعًا بين الناس. وبعد ولاية الحكم والقضاء يركب البغلة الفارهة والحمار المصري بسرج ومركب وغاشية يحملها السودان، وحقاقين تبخر في الأرض، ويؤيد القضاة السلطان الجائر بما يعطونه من أموال اليتامى ومال الوقف والسحت والبراطيل والرشوة. يرخص الجنايات، ويقبل شهادة الزور، ويترك أوامر الأمانات والودائع. ويتركون الأدب والعقل والنصح والعدل.
-
(١٥)
والخلفاء وهم ورثة الأنبياء. إذا وليَ أحدهم بدأ بالبغض على مَن تقدمت له حرمة لآبائه وأسلافه، وأزال نعمته، وقتل أعمامه وأخواله وأبناء أعمامه وأقرباءَه أو كلَّهم وحبسهم ونفاهم وتبرَّأ منهم عن سوء ظن وقلة يقين، هربًا من المقادير أو استجلابًا الأخرى، حرصًا على طلب الدنيا وشدة الرغبة فيها، وشحًّا عليها، وقلة الرغبة في الآخرة، وقلة اليقين بالاستحقاق في المعاد. وهذه ليست من شِيَم الأحرار.٨٥
(٤) صراع الحيوان والإنسان
وعلاقة الإنسان بالحيوان علاقة عنف وعدوان. ويبدأ الحوار ببيان فضائل الحيوان وخصاله المحمودة وطبائعه المرضية، وشمائله السليمة في مقابل طغيان الإنسان وبغيه وتعدِّيه على ما سواه على ما سخر له من الحيوان وكفره بالنعم وغفلته عن الشكر. قد يكون الإنسان فاضلًا خيِّرًا فيكون ملكًا كريمًا. وقد يكون شريرًا آثمًا فيكون شيطانًا رجيمًا. إما أن يكون خير البرية أو أن يكون شر البرية. وإذا كان عدوان الإنسان على الإنسان واقعًا فعدوانه على الحيوان أولى.
- (١)
عاش الجن في الأرض زمانًا قبل آدم في هناء. وكان فيهم المُلك والنبوة والدين والشريعة ولكنها طغت وبغت وتركت وصية أنبيائها، وأكثرت في الأرض الفساد. فضجت الأرض ومَن عليها من هذا الدور. هناك خطيئة الجن قبل خطيئة آدم. السعادة قبله والاستعباد بعده. وهو الصراع بين آدم وبني الجان. بينهما عداوة طبيعية وعصبية جاهلية وطباع متنافرة.
- (٢)
ثم جاء الدور الثاني واستؤنف القران. وأنزل الله جندًا من الملائكة سكنت الأرض وطردت الجان. وأخذ عزرائيل وهو إبليس، فرعون آدم أسيرًا وهو صبي وعلمته الملائكة، وتشبَّه بها في الظاهر، وصار رئيسًا لها، ولكنه عاد للعيان وكأن الطبع يغلب على التطبع.
- (٣) ونشأ دور ثالث أوصى الله الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة. فالإنسان خليفة الله في الأرض، بالرغم من مراجعة الملائكة خوفًا من تكرار تجربة الجن، فوعد الله بأنه سيمحو الجن والملائكة والإنس من الأرض. خلق آدم وحواء، وأمر الله بإدخال آدم الجنة. فقد خُلق في الأرض ثم أُدخل الجنة حماية له من إبليس. وعلم الأسماء. ثم خدعه إبليس في صورة الناصح بالأكل من الشجرة. فطُرد من الجنة، وكُشفت عورته. وتاب الله عليه، وأرسل له ملكًا ليعلمه الحرث والزرع والحياكة والدرس والحصاد والطحن والغزل والطبخ واتخاذ اللباس.٩٢
وحقد بنو آدم على الجان لجريمته على أبيهم. ولما قتل قابيل هابيل، واعتقد الناس أن ذلك من تدبير الجان نشأ السحر والشعوذة. ثم أرسل هرمس (إدريس) للمصالحة بين الإنس والجان وعلمهم بلغة الحكماء. ثم ظهر الفتق من جديد أيام الطوفان. وقُذف إبراهيم في النار، ويوسف في الجُبِّ باعتقاد الجان. ثم أُرسل موسى للرتق وأصلح بين الجان وبني إسرائيل بالدين والشريعة فدخل كثير من الجن دينه. ثم ظهر الفتق من جديد لافتخار الجن بمعاونة سليمان ثم تسليم سليمان بشرف الإنس على الجن بعد استسلام بلقيس. وتوجه سليمان ضد الجن بالرقى والعزائم والكلمات والآيات وملكوت السموات ثم استراق الجن للسمع. ثم ظهر محمد ودخلت قبائل الجن دينه وحسن إسلامها ولم تَعُد تظهر الأحقاد وتثير الضغائن. وهو استطراد في الرواية، موضوع في علم أصول الدين له دلالته السياسية في حصول الجن على السلطة الشرعية كما حصل عليها الأمويون في الأرض.
التاريخ إذن هو تاريخ العصيان والنبوة، والسقوط والرفع، الملاك والشيطان. وهو لا يبعد كثيرًا عن التصور المسيحي الدرامي عن السقوط والخلاص. تاريخ الأديان إذن هو تاريخ الرتق والفتق والقران. هو مجمل الوحي المعاصر للخلق منذ البداية في مراحل متتالية. فالأديان واحدة في مراحل مختلفة. والوحي واحد على فترات الوحي رسالة واحدة، والدين والشريعة والإسلام والملة متعددة. ونشأ العمران والحضارة والمدنية تكفيرًا عن الذنوب على نحو علمي. أما الصناعة والتجارة فهي من مكتسبات البشر دون تعليم إلهي. ويبدو أن تاريخ الاضطهاد قدر إلهي لا خيرة للإنسان فيه. وهو تاريخ الصراع بين السيد والعبد. وهي قصة رمزية عن شكوى الحيوان من بني الإنسان أو حديث الإنسان عن نفسه بلغة الغير. ويلاحظ أن اسم إبليس هو عزرائيل الاسم العبراني مما يدل على حضور تاريخ الأديان وتحوله إلى فلسفة في التاريخ.
العدوان إذن ظاهرة تاريخية. وتأصيلها في التاريخ أساسُ فهمِها السياسي. فالوعي التاريخي هو أساس الوعي السياسي. يبدأ التاريخ من أول الخليقة حتى بعثة الرسول ودعوته الإنس والجن إلى الإسلام، واستجابة طائفة من الجن وحسن إسلامها مدة من الزمان. ثم ركب قوم من التجار والصناع وأهل العلم وسائر أغنياء الناس، حوالي سبعين رجلًا من بلدان شتى أي اجتماع الرأسمالية التجارية والصناعية والبنكية مع مساندة أهل العلم في مركب قذفت به الريح إلى جزيرة الجن وكأنها سفينة نوح أو صندوق موسى أو حي بن يقظان فنفرت منهم البهائم والأنعام وهربت. ولحقوا بها كما لحق حي بعاصم. واعتقدوا أنها عبيد لهم. فجمعت البهائم زعماءَها وخطباءَها، وذهبوا إلى بيراست الحكيم ملك الجن وهو اسم فارسي تشكو له من جَور بني آدم. فعند زعيم الإنس البهائم والأنعام والسباع والوحوش عبيد للإنس وهم أسيادها. هم خول والناس مواليها. ومَن هرب منها يكون آبقًا عاصيًا. ومنهم مَن بقيَ على كرهه منكرًا للعبودية.
هنا يمتزج الواقع بالخيال. فالإنس من بني العباس مما يدل على ظلمهم. ولكل فرقة زعيم، وزعيم الإنس مجهول الاسم وكأنها وظيفة وليست شخصًا تقية. وزعيم الحيوان البغل إمعانًا في إذلال الإنسان وصورة الكراهة والاضطهاد. ثم يتحول الواقع إلى خيال؛ إذ كيف تكون في جزيرة الجن بهائم وحيوانات؟ وهل تسكن الجن الأرض؟ ومع ذلك فالدلالات السياسية قديمًا وحديثًا واضحة مثل نشأة الرأسمالية من بلدان شتى تتجاوز حدود الأوطان، واعتبار رأس المال هو الوطن البديل لأنه لا وطن له، رفض الحيوان فكرة التسخير والعبودية فكيف يقبلها الإنسان؟ رفض تدمير البيئة وضرورة الرفق بالحيوان، البداية بالنصر والنهاية بالنصر.
يدخل الجن حكمًا وقاضيًا بين الإنسان والحيوان، وهو نموذج الحاكم العادل، القاضي المنصف، نموذج النجاشي ملك الحبشة بين المؤمنين وقريش. الأمويون الإنس، السيد القاهر، والشيعة الحيوان، العبد المقهور. فهل الجن كقضاة هم العباسيون؟ ويقوم القضاء على الحجج والبراهين وأساليب البيان من الادعاء أو الدفاع. ويبدو الملك منحازًا إلى الإنسان فكلاهما أهل قوة وسيطرة في حين أن المستشار منحاز إلى الحيوان. ويعتمد الإنسان على انحياز الملك في حين يعتمد الحيوان على مستشار الملك. يتعاطف الملك مع حجة السلطة وهو الإنسان واستمرار الوضع القائم. بينما يتعاطف المستشار مع حجة المعارضة وهو الحيوان بالرغم من أن حجة المستشار خرافية غيبية تعتمد على الكواكب والأفلاك والبروج. ويشارك المستشار المعارضة في التأويل، ونظرية الحقيقة المزدوجة، الظاهر والباطن. فالحياة سلطة ومعارضة، أشعرية ومعتزلة، سنة وشيعة تعبيرًا عن الواقع، معارضة الشيعة لبني العباسي الذين منهم زعيم الإنس.
وبالرغم من هروب الجن من الإنسان وسوء ظن الإنسان بالجن والاعتقادات الخاطئة فيه، والتعوذ من شره إلا أنه قد حكم لصالح الحيوان ضد جور الإنسان، وأيد الحيوان في شكواه من الإنسان خاصة وأن الإنسان لا يتوب من أخطائه. وينتهي الجن بالتعاطف مع الحيوان وهروبه بعيدًا عن الإنسان إلى البراري والقفار والمغاور والفلوات ورءوس الجبال والتِّلال وبطون الأودية وسواحل البحار لما رأوا قبح أفعال الإنسان مع أن الجن لم يقتل إنسيًّا أو سرقَه أو قطع عليه الطريق أو خرج على سلطان وكأن طاعة السلطان فضيلة. والصوفية يؤاخون الجن ويصادقونه.
يحتاج الادعاء والدفاع إلى فصاحة وبيان. لذلك يحتاج الحيوان إلى تعلُّمِهما كما تعلَّمَهما الإنس. ويتم تدريب زعماء الحيوان وخطبائهم عليها وهم ستة: رسل الحشرات والطيور والسباع والجوارح والهوام وحيوان الماء بالإضافة إلى الحيوان نفسه فيكونون سبعة مثل الأئمة والعناصر والمركب منها على النحو الآتي:

- (١)
هجوم الإنسان على الحيوان.
- (٢) ردُّ الحيوان على الإنسان.
- (أ)
بإعادة تأويل الحجج ونزع سلاح الخصوم.
- (ب)
بحجج جديدة، واستعمال سلاح جديد.
- (أ)
- (٣)
هجوم الحيوان على الإنسان.
- (٤)
ردُّ الإنسان على الحيوان.
وهجوم الإنسان على الحيوان ضعيف، وردُّ الحيوان على الإنسان قوي. وهجوم الحيوان على الإنسان قوي، وردُّ الإنسان على الحيوان ضعيف.
ويستعمل الإنسان حججًا عقلية لإثبات عبودية الحيوان له. فالعقل مثل النقل قد يكون أداة لتبرير واقع القوة والسيطرة والعبودية مثل حسن الصورة، وتقويم البنية والهيكل وانتصاب القامة، وجودة ودقة التمييز، وذكاء النفوس ورجحان العقل. فالسيادة نابعة من الخلقة والسمات المتميزة بدنًا وعقلًا كما يدَّعي الرجل الأبيض في الغرب لاسترقاق الأفارقة السود. وقد انبهر الملك بهذه الحجة لأنها توافق هواه. أما جسم الحيوان فتنقصه النسبة والتناسب كما يصف الأبيض الأسود بالشفاه الغليظة، والأسنان الكبيرة، والجسم الضخم، والشعر الأجعد.
إن انتصابَ القامة للإنسان وانحناءَها للحيوان ليست حجةً على أفضلية الإنسان بل لأن الإنسان يأكل من الأشجار فقامته منتصبة، والحيوان يأكل من الأرض فقامته منحنية. وهو ردٌّ ضعيف؛ لأن الإنسان يأكل من الأرض النبات والحيوان. يبذر ويزرع ويحصد في الأرض. والحيوان يأكل أيضًا من أعالي الأشجار كما يفعل الزراف. والحجة الأقوى عندما يقلب الحيوان حجةَ حسْنِ الصورة على الإنسان بأن الغاية منها النكاح، تجميل الإناث للذكور، وتجميل الذكور للإناث من أجل الإنتاج والتناسل لبقاء النسل. فهي صورة وظيفية «بيولوجية» وليست ميزة. والحيوان لا يحتاج إلى هذا التجميل في الأعين. قد يكون هذا التفاخر رمزًا للشعوبية على لسان الحيوان.
أما الحالة المتشابهة فهي حالة الخنزير الذي لم يتكلم إلا بعد تنبيه الجمل له. فالخنزير وعي ناقص، والجمل وعي زائد. الخنزير يمثل الوعي الخامل، والجمل الوعي اليقظ. ودوره في إيقاظ الوعي. فالوعي يوجد بدرجات متفاوتة في الطبقات. وتنبيه الجمل للخنزير مثل تنبيه الحمار للأرنب، وعدم وعي الأرنب مثل عدم وعي الخنزير. وينشأ اشتباه عند مستشار حكيم الجن حول شخصية الخنزير، من الأنعام أو من السباع؟ كما اختلف الإنس فيه مما يدل على أهمية الخنزير سلبًا أم إيجابًا في الثقافات الشعبية. ويتفاوت رأي الإنسان في الخنزير على خمسة آراء طبقًا لثقافات الشعوب تطابقًا لا شعوريًّا أحكام التكليف الخمسة على النحو الآتي:

وقبل الحكم تتم المداولة. ويستشير الملك الفقهاء والحكماء. ومن أجل التأثير على القاضي اقترح البعض رشوة الوزير بشيء من الهدايا لتغيير الضمائر، وإبقاء الحيوان عبيدًا للإنسان خشية من تحرير المشورة لهم. ويصمد صاحب العزيمة. ويقلل من مخاطر ذلك اختلاف الفلاسفة والحكماء وعدم اتفاقهم على رأي واحد. يخشى فقط من فقهاء السلطان الذين يفتون إرضاء للحكام. والقضاة خلفاء الأنبياء، والملوك حراس الدين. والسلطة ضرورية في المجتمع، السلطة القضائية للفقه، والسلطة التشريعية للدين، والسلطة التنفيذية للدولة. والله يؤيد الملك العادل على نصرة المظلوم كما هو مدوَّن في كتب الأنبياء.
(٥) جدل الطبيعة والإنسان
ويتعدد التقابل في الوجود بين العالم الكبير والعالم الصغير، بين الطبيعة والإنسان لإفهام المتعلمين. الأصل واحد مثل الشجرة الواحدة، عروقها وأغصانها، فروعها وقضبانها، أوراقها ونورها وثمارها بألوان وطعوم وروائح. الشجرة مثلٌ والإنسان ممثول، وهذا يدل على إمكانية ردِّ الثنائية إلى الوحدة، وحدة الأصل، نموذج الشجرة، ورد الاختلاف إلى الهوية.
ولا يوجد تقسيم أمثل. أحيانًا يكون التقابل ثنائيًّا أو ثلاثيًّا، وتكون المراتب رباعية أو خماسية أو سداسية أو أكثر.
ويصعب تحديد الدوائر المتداخلة أو المراتب التصاعدية نظرًا لتداخل موضوعاتها وتكرارها بأكثر من صياغة.
وقد أصبحت هذه التقابلات موضوعًا لعلم خاص عند الشيعة هو «علم الميزان» الذي عرضه حميد الدين الكرماني في «راحة العقل» الذي يقوم على التماثل في الوجود.
وعلاقة الأعلى بالأدنى علاقة تفاضل وتكامل، تأييد واعتماد في علاقة رأسية أو في علاقة دائرية بين المركز والأطراف. فالأعلى في التصور الرأسي هو المركز في التصور الدائري. القيمة من أعلى إلى أدنى تناقصًا، ومن الأدنى إلى الأعلى كمالًا. وهي نفس العلاقة بين الواحد والكثير. هي بنية واحدة تتعدد أشكالها بين المثلث والدائرة. الإنسان الطبيعي في حقيقة الأمر إنسان إشراقي. فحقيقة الأفقي في الرأسي.
وهذا ما يقتضيه الواحد الصانع، وما تتطلبه السياسة الربانية والعناية الإلهية. فالكل واحد لأن الصانع واحد.
وهناك تقابل بين الحواس الخمس والأنبياء الخمسة أولي العزم. وكلاهما له وحدة أولى، النفس للحواس، والله للأنبياء. الأصل واحد والوظائف متعددة، والشرائع مختلفة. والحقيقة أن أولي العزم ستة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد. ويصعب التقابل بينهم وبين الحواس الخمس. فأيُّ نبيٍّ يقابل أية حاسة؟ فالتقابل رؤية قبلية بصرف النظر عن الوقائع.
هذا التماثل في الوجود يقوم على التفكير عن طريق القياس التمثيلي الشعري الذي يقوم على ضرب الأمثال. ويقوم التمثيل نفسه على القسمة. فالموجودات جواهر وأعراض، والجواهر صورة وهيولى ومركَّب منهما، والأعراض جسمانية، طول وعرض وعمق، وروحانية تُدرك بالعقل. والجسد أعضاء مكوَّن من الأخلاط الأربعة والكيموس والعناصر الأربعة والطبائع الأربعة في عالم الكون والفساد. والصور الروحانية هي المبادئ العقلية. والإنسان جسد مظلم ونفس روحانية.
الطبيعيات دورة الحياة والموت. مركزها حول دوائر عدة، الطبيعة أو الإنسان، مركزان أم مركز واحد؟ هناك جدل متبادل بين الإنسان والطبيعة، وبين الطبيعة والإنسان. الإنسان عالم صغير، والعالم إنسان كبير. الطبيعة والإنسان وحدة واحدة. الطبيعة إنسان، والإنسان طبيعة.

العالم ثلاث دوائر متداخلة ومتقابلة بؤرتها النفس التي بها تتم معرفة الدائرتين المتوسطة وهو الجسد والكبيرة وهو العالم على النحو الآتي:

فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وصوَّره أكمل صورة، مِرآة تعكس صورة العالم الكبير. ولما أراد الله إطْلاع النفس على خزائنه وعلومه وعلم أن طاقة الإنسان لا تكفي لمعرفة العالم، ونظرًا لقِصَر عمره وطول عمر العالم خلَق عالمًا صغيرًا مختصرًا من العالم الكبير وصوَّر فيه جميع ما في العالم الكبير وأشهده فشهد. لذلك معرفة النفس مفتاح جميع العلوم. فتتم المعرفة من ثلاث جهات. الأولى أحوال الجسد وتركيب بِنيته وصفاته دون النفس. والثاني أحوال النفس وصفاتها دون الجسد. والثالث أحوالهما مقترنين وصفات هذه الوحدة الجديدة. ونظرًا لتشابه كل شيء مع كل شيء كثرت التشبيهات التي تعبر عن التماثل في الوجود.
وبالرغم من أن الرسالة الثالثة عنوانها «في بيان الكون والفساد» إلا أن مضمونها يبيِّن أن العالم إنسان كبير في خريطة متقابلة بين الطبيعة والعالم والإنسان، بين الإنسان الكبير والعالم الصغير على النحو الآتي:
العالم إنسان كبير | الإنسان عالم صغير |
---|---|
الفلك المحيط | جسم/ نفس |
جسم العالم | الجسم الكلي |
القوة الإلهية المؤيدة للنفس الكلية | العقل الكلي |
قوة النفس الكلية السارية في جميع الأجسام | الطبيعة الكلية |
الجوهر الذي له طول وعرض وعمق | الهيولى |
الأفلاك والكواكب | الأجسام البسيطة |
قوى النفس الكلية | الأنفس البسيطة |
الحيوان والنبات والمعادن | الأجسام المولدة |
قوى النفس البسيطة | الأنفس الحيوانية |
أشخاص الحيوانات والنبات والمعادن | الأجسام الجزئية |
قوى النفس الحيوانية والنباتية والمعدنية | الأنفس الجزئية |
وقد يتجاوز التقابل عضوًا بعضو، وشيئًا بشيء إلى تصور وظيفي كلي. فالسرة باب الغذاء في الرحم قبل الولادة، والفم باب الغذاء في الدنيا. والسبيلان مقابلان لتقابل بيتَي زحل لبيتَي النيرين. وكما أن في الفلك بروجًا بها حدود ووجوه ودرجات كذلك للجسد أعضاء ومفاصل وعروق وأعصاب وعظام على النحو الآتي:
الإنسان | الطبيعة |
---|---|
الأعضاء الأربعة (الرأس والصدر والبطن والجوف) | العناصر الأربعة |
المخاط والدموع والبصاق | والرياح والسحاب والأمطار |
الجسد | الأرض |
العظام | الجبال |
المسخ | المعادن |
الجوف | البحر |
الأمعاء | الأنهار |
العروق | الجداول |
اللحم | التراب |
الشعر | النبات |
النبات | التربة الطيبة |
بلا شعر | الأرض السنج |
من الوجه إلى القدم | العمران |
الظهر | الخراب |
قدام الوجه | المشرق |
خلف الظهر | المغرب |
اليمين | الجنوب |
اليسار | الشمال |
التنفس | الرياح |
الكلام | الرعد |
الأصوات | الصواعق |
الضحك | ضوء النهار |
البكاء | المطر |
البؤس والحزن | ظلمة الليل |
النوم | الموت |
الحياة | اليقظة |
أيام الصبا | أيام الربيع |
أيام الشباب | أيام الصيف |
أيام الكهولة | أيام الخريف |
أيام الشيخوخة | أيام الشتاء |
حركات الأفعال | حركات الكواكب |
الولادة | الطوالع |
الموت والغيبوبة | الغوارب |
استقامة الأمور | استقامة الكواكب |
التخلف | إدبار الكواكب |
الأعراض | احتراق الكواكب |
التوقف | توقف الكواكب |
الارتفاع | ارتفاع الكواكب |
الاجتماع | اجتماع الكواكب |
الطبيعة | الجسد |
---|---|
الطبائع الأربع | الحرارة، البرودة، الرطوبة، اليبوسة |
العناصر الأربعة | النار، الهواء، الماء، الأرض |
الأخلاط الأربعة | الصفراء، الدم، البلغم، السودان |
الجواهر التسعة | العظام، المخ، العصب، العروق، الدم، اللحم، الجلد، الظفر، الشعر |
الطبقات العشر | الرأس، الرقبة، الصور، البطن، الجوف، الحقو، الدركان، الفخذان، الساقان، القدمان |
الأعمدة | العظام |
الرباطات | الأعصاب |
الخزائن الأحد عشر | العينان، الأذنان، المنخران، السبيلان، الثديان، الفم، السرة |
الصناع السبعة | القوة الجاذبة، الماسكة، الهاضمة، الدافعة، النامية، الغاذية، المصورة |
الحواس الخمس | |
العمودان | الرجلان |
الجناحان | اليدان |
الجهات الست | قدام، خلف، يمنة، يسرة، فوق، تحت |
القبائل الثلاث | الشهوانية (الجن)، الحيوانية (الإنس)، الناطقة والملائكة، الرئيس الواحد هو العقل |
ولما كان الإنسان بدنًا ونفسًا فقد يكون التقابل بينهما وبين الطبيعة والكون. ويتماثل تركيب الجسد مع تركيب الأفلاك، واعتبار أحوال الإنسان بأحوال الفلك، وسريان النفس في الجسد مثل سريان الملائكة والجن والشياطين والإنس في السموات على النحو الآتي:
الإنسان | الكون |
---|---|
البدن | الأفلاك |
النفس | الملائكة |
الجسد | الأفلاك |
النفس الجزئية | النفس الكلية |
وهناك تقابل بين الجسد والفلك على النحو الآتي:
الجسد | الفلك |
---|---|
العينان | بيتَا المشترَى |
الأذنان | بيتَا عطارد |
المنخران والثديان | بيتَا الزهرة |
السبيلان | بيتَا زحل |
الفم | بيت الشمس |
السرة | بيت القمر |
الجسد | الفلك |
---|---|
تسع جواهر | تسع طبقات |
اثنا عشر ثقبًا | اثنا عشر برجًا |
ستة ثقوب | ستة أبراج |
سبع قوى | سبعة كواكب |
سبع قوى جسمانية | قوى الكواكب |
أمران إضافيان (صحةُ المزاج وسوءُه) | عقدتان في الفلك |
الجسد | الفلك |
---|---|
القلب | الشمس (الشعاع والحرارة) |
الطحال | زحل (تماسك الصورة في الهيولى) |
الكبد | المشترَى |
المرارة | المريخ |
المعدة | الزهرة |
الدماغ | عطارد (الحس والشعور والعرفان من الملائكة والناس) |
الرئة | القمر والجن والشياطين والحيوانات |
والعالم على أربعة مستويات على النحو الآتي:

والكواكب على أنواع، الثابتة والسيارة والأفلاك والبروج. ويختلف شكل الكواكب بين أول الساعة ووسطها وآخرها، أي أنها تعتمد على المنظور الإنساني طبقًا لحركتها ونسبتها إلى الأرض، وهي سبعة أرباب. كلٌّ منها يدبر الكون ساعة على مدى أربع وعشرين ساعة بالرغم من صعوبة القسمة.
وقد شاهد الحكماء العالم الجسماني فوجدوه شبيهًا بالإنسان. فإذا كان الإنسان جسدًا ونفسًا كان نموذجًا مصغرًا لما في العالم من أفلاك وأبراج وحركات الكواكب وتركيب عناصره واختلاف معادنه ونباته وحيوانه. كما أن أصناف الخلائق الروحانيين من الملائكة والجن والإنس والشياطين في نفوس الحيوانات وأحوالها مثل النفس الإنسانية وسريانها في الجسد. تعتبر إذن أحوال الإنسان بأحوال الموجودات.
الإنسان | البحر | الحيوان | الزراعة | الإدارة |
---|---|---|---|---|
الجسد | السفينة | الدابة | المزرعة | مكتب |
النفس | الملاح | الراكب | المحراث | صبي |
الأعمال | الأمتعة | السباق | الحَب والثمر | |
الدنيا | البحار | الميدان | ||
الموت | الساحل | الحصاد | ||
الآخرة | المدينة | البيدر |
الكون | الدولة |
---|---|
الله | الملك |
الإنسانية | الأولاد الصغار |
الفلك | الأولاد القُصَّر |
صورة الإنسان | المجالس |
جسد الإنسان | الآداب |
قوى النفس | العلوم |
- (١)
صورة الأفلاك ودورانها وأبراجها.
- (٢)
صورة الكواكب وحركاتها.
- (٣)
الأرض، الأقاليم والجبال والبحار والبراري والأنهار والبلدان والمدن.
- (٤)
علم الطب والطبائع، صور النبات والحيوان والمعادن.
- (٥)
علم الصنائع والحِرَف، الحرث والنسل والمدن والأسواق والبيع والشراء.
- (٦)
علم الدين والملل والشرائع والسنن.
وهناك تقابل بين الإنسان والمجتمع أو الدولة. فالإنسان مجتمع صغير والمجتمع إنسان كبير على النحو الآتي:
الإنسان | المجتمع/الدولة |
---|---|
النفس | الملك |
الجسد | الجند والأعوان والخدم والرعية |
القوى والأفعال | المدينة |
وهناك تقابل بين الفلك والملك؛ فعالم الأفلاك دولة، والدولة عالم الأفلاك على النحو الآتي:
الفلك | الملك |
---|---|
الشمس | الملك |
اتصالات الكواكب | الملوك والرؤساء |
انصراف الكواكب | انصراف الرؤساء |
المريخ في نسبته إلى الشمس | صاحب الجيش في نسبته إلى الملك |
عطارد في نسبته إلى الشمس | الكتاب والوزراء في نسبتهم إلى الملك |
المشترَى في نسبته إلى الشمس | القضاة والعلماء في نسبتهم إلى الملك |
زحل في نسبته إلى الشمس | الخزان والوكلاء في نسبتهم إلى الملك |
الزهرة في نسبته إلى الشمس | الجواري والمغنيات في نسبتهن إلى الملك |
القمر في نسبته إلى الشمس | الخوارج في نسبتهم إلى الملك |
الجسد | الدولة |
---|---|
الحواس الباطنة | الندماء |
الحواس الظاهرة | الجند والجواسيس |
العينان | الديدبان |
الأذنان | الأخبار |
اليدان | الخدام |
الأصابع | الصناع |
وهناك تقابل بين الجسد والدولة، وسبيل الملك تدبير الرأي ومشاورة أهل البصيرة ثم الأمر والنهي. وسبيل الرعية السمع والطاعة. فالملك من الرعية كالرأس من الجسد، والجنود الأعضاء. فمتى قام كلُّ واحد بواجبه انتظمت الأمور.

وهو تصور رئاسي للدولة. الملك في القمة، والرعية في القاعدة، والجنود في المنتصف. الأول يأمر، والثاني يُطيع، والثالث ينظم وينفذ. وهو التصور التسلطي للدولة الذي يقوم على تشبيه المدينة بالجسد. وهو تصور المركز والمحيط، الرأس والقدم، الرئيس والمرءوس، المخدوم والخادم، نظام أبدي في الإنسان والحيوان. الأسد ملك الغابة. والفرفور تابع للسيد في نظام كوني أبدي.
وإجبار الملوك على أحكام الشريعة محوٌ للحرية الإنسانية، وقضاء على المصلحة كأساس للتشريع كما هو الحال في الجماعات الإسلامية المعاصرة وكل جماعات المضطهدين، إجبار الناس على تطبيق الشريعة. ولا يوجد تحليل للثورة على الحاكم الظالم والخروج عليه بلغة القدماء. ولا يوجد وصفٌ لواجبات الملك تجاه الرعية، وحقوق الرعية على الملك كما كتب محمد بن عبد الوهاب «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» دون حق العبيد على الله أو واجب الله تجاه العبيد.
الجسد | الدار |
---|---|
الرجلان | الأساس |
الرأس | الغرفة العليا |
الرقبة | الرواق |
الحلقوم | الدهليز |
الصدد | الصحن |
الأوعية | الخزائن |
الرئة | البيت الصيفي |
الخيشوم | الباواهج |
القلب | البيت الشتوي |
الكبد | بيت الشراب |
العروق | المسالك |
الطحال | خزانة الأثاث |
المرارة | بيت السلاح |
الجوف | بيت الحرم |
الأمعاء | بيت الخلاء |
المثانة | بيت البول |
السبيلان | المجاري |
العظام | الحيطان |
العصب | الأجناع |
اللحم | والعوارض |
الأضلاع | الملاط |
التجويفات | الأساطين |
المخ | الصناديق |
الثقب | الجواهر |
التنفس | الرواش |
الحدقتان | الإيوان |
الغشاوات | بيت العرض |
الفم | الستور |
الأنف | الباب |
الشفتان | الطابق |
الأسنان | مصراعَا الباب |
اللسان | الدرابزين |
العقل | الحاجب |
الملك |
كما يظهر بين الجسد والمدينة على النحو الآتي:
الجسد | المدينة |
---|---|
الأعضاء والمفاصل | المحال |
الأوعية والمجاري | المنازل في المحال |
الحجب والأغشية | البيوت في المنازل والدكاكين في السوق |
التجديفات | |
النفس وقواها | قبائل المدينة وشعوبها |
القوى الأربع المفردات | الرؤساء والأشراف |
أفعال القوى المريضة | العيارين والعصبية |
أفعال القوى في الإخراج | السلطان والجند المقاتلون، القضاة والعدول والمصلحون |
أفعال القوى في الإخراج | السلطان والجند إذا تصالحوا |
النفس الشهوانية | النساء والصبيان والحمقى |
النفس الغضبية | الشياطين والجهال والسفهاء |
النفس الناطقة | العلماء والقرَّاء |
القوى الخمس | الحشار والجلابون |
القوى الثلاث المتناولات | التجار والباعة |
المتخيلة | السماسرة والباعة |
المفكرة | التجار |
الحافظة | الخزان والوكلاء |
القوى السبع المقارنة | أفعال الصناع في المدينة |
حال اليقظة | مدينة عامرة مأنوسة |
حال النوم | إغلاق الأسواق |
حال الجسد عند مفارقة النفس | الخراب |
القوى الأربع المفردات | الأشراف والرؤساء |
الأسرة | المجتمع |
---|---|
ساكن | منزل |
أهل وخدم | مدنية |
صانع | دكان |
تلاميذ وغلمان | زبائن |
صنائع | مدينة |
ملك | مدنية |
الدار | القبيلة |
البيوت | الشعوب |
الخزائن | البطون |
الآلات والأواني والأثاث | الأفخاذ |
الأهل | العشائر |
الخدم والغلمان | الأقارب |
وقد يكون التقابل ثلاثيًّا بين السكان والمدينة والدولة على النحو الآتي:
السكان | المدينة | الدولة |
---|---|---|
المدينة | الأسوار | الملك |
الرجال | المدينة | الحاشية |
النساء | المحال والحانات والنواحي | الأتباع |
المشايخ | الشوارع والطرقات والأسواق | الخدم والغلمان |
الشبان | المنازل والدور | الجيش |
الصبيان | الخزائن أو البيوت | الرعية |
وهناك تقابل بين العالم الاجتماعي والعالم الشرعي كمظهر من مظاهر التقابل بين العالم الطبيعي والعالم الإنساني بين قطبَين، الرئيس والمرءوس، المدينة والملك، الأمر والآمر. فالعالم مثل الشريعة به أحكام وسنن متباينة وحدود مختلفة لدين واحد. له مذاهب متفرقة، ومقالات متغايرة، وأقاويل كثيرة. اللغة واحدة والعوالم مختلفة الطبيعة، الملائكة، الإنسان، الشرع. وهذا هو أحد معاني التوحيد، الوحدة الأصلية وراء الكثرة الظاهرية. والملائكة لا تموت.
العالم الطبيعي | عالم الملائكة | عالم الشرع |
---|---|---|
الأفلاك | الملائكة | المساجد، البِيَع، الصلوات |
جهنم والنيران، الهاوية | النفوس الشريرة | الحبوس، الشرطة |
نفوس الأنبياء لإنقاذ النفوس | ||
مشاهد القيامة | ||
الجنة، الروح والريحان، | الفضاء | |
أرواح الشهداء | الجنات والميادين | |
محاكمة النفس الكلية | والبساتين | |
للأنفس الجزئية | الصناع والعمال | |
والتجار والأرزاق |
وقد يكون التقابل بين الوجود والمعرفة مع صعوبة التمييز بينهما. فالمعرفة للوجود، والوجود للمعرفة على النحو الآتي:
الوحي | الدين | الله | الوحي |
---|---|---|---|
الإنسان | الجسد | الإنسان | العقل |
الطبيعة | العالم | الطبيعة | الواقع |
فالنقل معتمد على العقل والطبيعة. وهما أساسان إسلاميان، أُضيف إليهما الوحي. فأصبح الوافد والموروث حقيقة واحدة. وهذا أحد معاني الإبداع، استكمال الحقيقة ذات الأبعاد الثلاثية وإعطاء الشواهد والأمثلة، أي التطبيقات للبرهنة على صدق الحدس وتقريبًا لأفهام المتكلمين وتسهيلًا للباحثين.
وقد يكون التقابل بين الوجود والذات العارف على النحو الآتي:
الوجود | المعرفة |
---|---|
الشمس | الباري |
نور الشمس | العقل |
القمر | النفس |
والله يفضل النفس على البدن. وللنفوس عنده منزلة وكرامة ليست لجواهر الأجسام وذلك لقربها منه وبُعْد الأجسام عنه. النفوس فاعلة والأجساد منفعلة ونسبة النفس من العقل كنسبة ضوء القمر من ضوء الشمس. ونسبة العقل من الباري كنسبة نور الشمس من القمر.
- (١)
الرسالة الثامنة، في كيفية تكوين الحيوانات وأصنافها (٢٠٠).
- (٢)
الرسالة السابعة عشرة: في علل اختلاف اللغات ورسوم الخطوط والعبارات (٩٤).
- (٣)
الرسالة الخامسة: في بيان تكوين المعادن (٤٥).
- (٤)
الرسالة الحادية عشرة: في مسقط النطفة (٣٩).
- (٥)
الرسالة التاسعة: في تركيب الجسد (٣٨).
- (٦)
الرسالة السادسة عشرة: في خاصة اللذات في حكمة الموت والحياة وماهيتها (٣٢).
- (٧)
الرسالة الثانية: الموسومة بالسماء والعالم في إصلاح النفس وتهذيب الأخلاق (٢٨).
- (٨)
الرسالة السابعة: في أجناس النبات (٢٨).
- (٩)
الرسالة الثانية عشرة: في قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير (٢٣).
- (١٠)
الرسالة العاشرة: في الحاس والمحسوس، في تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق (٢١).
- (١١)
الرسالة الرابعة: في الآثار العلوية (١١).
- (١٢)
الرسالة الأولى: في بيان الهيولى والصورة والحركة والزمان والمكان وما فيها من المعاني إذا أضيف بعضها إلى بعض (١٩).
- (١٣)
الرسالة السادسة: في ماهية الطبيعة (١٨).
- (١٤)
الرسالة الخامسة عشرة: في حكمة الموت والحياة (١٨).
- (١٥)
الرسالة الرابعة عشرة: في بيان طاقة الإنسان في المعارف وإلى أيِّ حدٍّ هو، ومبلغه من العلوم، وإلى أي غاية ينتهي، وإلى أي شرف يرتقي (١٦).
- (١٦)
الرسالة الثالثة عشرة: في كيفية نشوء الأنفس الجزئية في الأجساد البشرية الطبيعية (١٣).
- (١٧)
الرسالة الثالثة في بيان الكون والفساد (١٠).

البرج | الجسد |
---|---|
(١) الحمل | شعر الرأس |
(٢) الثور | الجبهة |
(٣) الجوزاء | العينان |
(٤) السرطان | المنخران |
(٥) الأسد | الفم واللسان |
(٦) السنبلة | اللحية |
(٧) الميزان | المنكبان واليدان والذراعان |
(٨) العقرب | الصدر |
(٩) القوس | فقار الظهر |
(١٠) الجدي | العظم والكليتان |
(١١) الدلو | الخصيتان والذكر |
(١٢) الموت | الساق والرِّجلان |
الكوكب | الجسد |
---|---|
(١) القمر | الجلد والرأس |
(٢) المشترَى | العظم في الفقار |
(٣) عطارد | العروق والعصب |
(٤) المريخ | الدم والصفراء |
(٥) زحل | الشعر والظفر والسوداء |
(٦) المشترَى | اعتدال المزاج وسلامة الجسد |
(٧) الزهرة | النقش والصورة |
الكواكب | أول الساعة | وسطها | آخرها |
---|---|---|---|
(١) الشمس | صغير النبات | ذهب، حُليٌّ مدور | رقيق ناري |
(٢) القمر | خفيف رديء | مدور | زرنيخ أحمر |
(٣) عطارد | كتاب، ديوان، حساب | نبات أسود | حجر مثقوب |
(٤) الزهرة | أبيض طيب الرائحة كالفضة | حسن طيب | ضعيف لين |
(٥) المريخ | طويل أحمر، نحاسي | أحمر عريض | حار طويل |
(٦) المشترَى | جوهر، ياقوت، لؤلؤة | خرز، بلور | خاتم |
(٧) زحل | حديد رصاص | نبات ثقيل | عناب نبق |