الفصل السادس

مضى خمسة شهور، فنحن الآن في عام ١٨٨٥، وقد انفصلت لورانس عن زوجها وأقامت في منزل صغير في شارع فرنسوا الأول، وأدَّى الطلاق إلى حصول كل من الزوجين على ماله الخاص، فأرجع إليها الكونت مالها وهو يكاد يبلغ مليون فرنك، فعزمت على أن تُسعِف به الفقراء.

ومما زادها غمًّا وشجنًا أن والديها بقيا مصرَّين على الامتناع عن مقابلتها، فقالت في نفسها: هذا ما لا أطيقه، فلا بد لي من أن أراهما ولو طرداني.

وفي ذات يوم استجمعت شجاعتها وذهبت إلى بيت والديها وطرقت الباب، وقالت للخادم: أبلِغ السيدة دي لامارش أن ابنتها تروم مقابلتها، فقال لها الخادم: تعذرني سيدتي، فإنني لا أستطيع إجابتها إلى هذا الطلب.

فقعدت على درج السلم نحو ساعة إلى أن قال لها الخادم وصوته يرتجف انفعالًا: لا بد من ذهابكِ يا سيدتي، فإنني أنبأت الأميرال بحضوركِ وكانت والدتكِ جالسة بقربه، فقال لي: لست أعرف المرأة التي تتكلم عنها، وهو ينتظر انصرافكِ ليخرج من البيت؛ لأنه لا يريد أن يراكِ.

فبكت لورانس، فقال الخادم: أما والدتكِ فنظرت إلى زوجها نظرة تُرَقِّق قلب الصخر وأشارت إشارة إليه، إلا أنه لم يحفل بها؛ بل أمرني أن أفعل كما قال.

فنهضت لورانس وعادت إلى بيتها، فلما فتحت لها خادمتها الباب، وكانت جديدة عندها، قالت لها: في البهو رجل ينتظر سيدتي منذ ساعة، وعليه ملابس غريبة، ويقول: إن سيدتي تعرفه، فأدخلتُهُ ينتظركِ هناك.

فلما وقع بصرها على ذلك الرجل عرفت أنه ملطار، الخادم الهندي، فصاحت دهشًا، فقال لها: إنني أتيت إلى هنا دون أن يعلم أحد بقدومي، فأجابته: شكرًا لك يا ملطار، فقد بقي في الناس من لا يزال يعطِف عليَّ.

ثم قالت له: تكلم وقل لي لماذا أتيت اليوم ولَم تأتِ قبلًا؟ فلا جرم أن وراءك خبرًا جديدًا هامًّا.

قال: لسيدتي فضل على ملطار لا ينساه، وهو يعرف أنها محزونة، ويظن أنها لا تستوجب ما هي فيه، وقد جرت حوادث تقضي على سيدتي بأن تتكلم …

قالت: فما عسى أن أقول، وأنت تدري بإقراري؟ أجاب: نعم أدري، إلا أنني لا أصدِّق ذلك الإقرار.

– إنني اعترفت بالحقيقة. فقل لي، ما تلك الحوادث التي تشير إليها؟

– سيدتي، إن سيدي سيُقدِم على عمل هو الجنون بعينه، ولعل الحزن حمله عليه، أفلا تذهب سيدتي لتمنعه من ذلك العمل؟

– أوضِح يا ملطار!

– إن سيدي يحب امرأة أخرى يظن أنها تحبه، فهو عازم على الاقتران بها!

فصاحت: ولكن ذلك مستحيل! ثم خطرت في بالها الدوقة دي جرجونة، فقالت: أيريد أن يتزوج من تلك المرأة؟ أليس الأمر كذلك يا ملطار؟

فأدرك مرادها وأجاب: نعم، تلك المرأة.

فوقفت وقالت: ولكن هذا عمل سافل! وإنما كان يجب عليَّ أن أتوقعه؛ لأنني محكوم عليَّ، وقد شحذت بيدي السكين التي تمزِّق فؤادي، ويْحِي، إنهما متحابان من زمان، وقد لاحظتهما ولكنني كنت أُكَذِّب بصري، وألوم نفسي على الشك فيهما، أما الآن فقد فهمتُ لماذا سارع إلى الاعتقاد باجترامي؛ ذلك أنه شعر بخيانته لي سلفًا فلم يكن قادرًا على الوثوق بأمانة زوجته التي يشهد لها سبعة عشر عامًا مضت على هوًى صادق، وعلمتُ كذلك لماذا بادر إلى قتل من حَسِبه مُغتال شرفه؛ إنما قتله ليخلو المكان لعشيقته وقد كانت تنتظره … ولم يقتلني أنا لئلَّا تأنف الزوجة الثانية من الاضطجاع على فراشٍ ملطَّخ بدماء الأولى. ربَّاه، هذا كثير!

ولما رأى ملطار اضطرابها قال لها: ولكن إذا لم يكن اتهامكِ نفسكِ حقًّا فإن سيدي يندم ولا يتزوج تلك المرأة! فهدأ ثائر حنقها، وبعد تردد قالت: هذا صحيح.

وعادت تقول كما كانت تقول في ساعات جنونها السابق: «إنه كان عشيقي!» وخرَّت على الأرض مُغمًى عليها.

•••

إن الكونت دي موري لبث مقيمًا في منزله بعد ذهاب لورانس، إلا أن المنزل بات كأنه في حِداد، ولاحظ ذلك أنيبال فقال لشقيقته: خيرٌ لنا أن نعود إلى منزلنا السابق، فإنني أستشعر الموت حائِمًا على هذا البيت منذ ما قُتِل فيه رجل.

قالت له: أوضِح فكرك. قال: إنني والحق يقال قد ندمت على ما كان مني، فلو لم أقل لكِ شيئًا عن ذلك الرجل الذي قتله الكونت لما قُتِل، وذلك القتيل المسكين لم يسئ إلينا قط، وما من سبب كان يحملنا على الإساءة إليه.

قالت: وهل يوجد عداوة بين الجنود الذين يطلق النار بعضهم على بعض في المعارك؟ إن الحياة نضال دائم يختلف أشكالًا، فويلٌ للمغلوبين، وحبذا الغالبون!

قال: ولكنا لسنا بغالبين كما تزعمين.

قالت: اصبر ثمانية أيام فقط وسوف ترى.

•••

وفي ذات يوم زار الكونت دي موري الدوقة، وكان كأنه يمشي ويتكلم في نومه، فلما رأته جرجونة مُلئ فؤادها سرورًا، غير أنها تجلَّدت فلم يَبدُ عليها شيء من الفرح، فخطبها إلى نفسها، وأجابته إلى طلبه، فأظهر رغبته في تعجيل الأهبة للزفاف، وهو في الحقيقة يحاول الانتقام من لورانس بإحلال امرأة أخرى محلها في بيتها وتسميتها باسمه دونها. ففي ثلاثة أسابيع تم كل تأهُّب، إلا أن الكنيسة١ لم تعقِد الزواج، فاضطرت الدوقة إلى الاكتفاء بالعقد المدني، وكانت مستاءة من أن الحفلة لم تكن دينية، فقالت لأخيها: لو شئت لأخذت عشرة وأكثر من العشاق دون حاجة إلى استئذان رجال الدين، غير أن الزوج وهو واحد يخيفني ولا أدري لماذا! وهكذا صارت جرجونة تُلقَّب بالكونتة دي موري، وقد مرَّ ذلك كله بسرعة البرق.

أما لورانس فارتعدت إذ وصل إليها نبأ الزواج على يد الخادم الهندي ملطار، وأصيبت بمرض لزمها أيَّامًا ويَئِسَ منها الطبيب، لكنها تماثلت إلى الشفاء بعد أن زُفَّت جرجونة إلى الكونت بأسبوع واحد.

•••

تغيَّر منزل الكونت دي موري بعد زواجه الثاني تغيُّرًا كبيرًا، فصار قصرًا حقيقيًّا، وتكاثر فيه الخدم، وتوالت فيه الحفلات، وامتلأت الإصطبلات بالخيول والمركبات، وازدانت السلالم بالرياحين وبالأزهار، وظهرت فيه الحياة والحركة، وكل ذلك بعناية الكونتة دي موري؛ أي الزوجة الجديدة للكونت، وهنا لا بد من القول أنه تردَّد في الرضى بذلك الانقلاب، إلا أنه ما لبث أن أذعن للإيطالية الحسناء، وكانت راغبة في الظهور للناس بعد أن وثقت بفوزها ورسوخ قدمها في الأرض التي افتتحتها بحسنها ومكرها، ولم يطِب عيش الكونت دي موري؛ لأنه كان دائم التفكُّر في زوجته الأولى، يفرُّ من حفلات السرور والطرب التي تُقام في بيته إلى حجرته الخصوصية، ويُحدِّث نفسه عمَّا مرَّ به من الحوادث فتنتابه الأحزان.

وفي ذات مساء دخل عليه الخادم ملطار، وقال له: يعذرني سيدي إذا اجترأتُ على أن أذكر له أني قد عزمت على ترك هذا البيت. فدُهِش الكونت وصاح: لماذا؟ أوضِح السبب يا ملطار. قال: لقد أدَّت الحوادث المتوالية إلى طرد الخدم القدماء واستبدالهم بآخرين، فالأفضل أن تسري عليَّ هذه القاعدة أنا أيضًا. فأظلم جبين الكونت وقال له: أنت مخطيء يا ملطار؛ لأنك لا تشبه سائر الخدم، وتركك لنا يُعَدُّ ظلمًا منك … فرفع الخادم رأسه وقال: إن سيدي يتكلم عن الظلم، ويعلم الله أنني لا أود تركه إلا لألحق بشخصٍ آخر مظلوم حقيقةً.

فصاح الكونت: هذا عجيب منك، أتكون مخلصًا لتلك التي ارتكبت الإثم وكَسَتْ نفسها خِزْيًا وعارًا؟!

قال: أما أنا يا سيدي، فلست أعتقد أن سيدتي لورانس أثيمة، ولستُ أرى ثوب الخزي والعار الذي لبسَتْهُ بصالحٍ لمثلها.

فارتعد الكونت وقال: أنت مجنون! ومع ذلك فإنك كنت حاضرًا حين وقوع الحادث، وشهدت غضبي وانتقامي.

أجاب: نعم يا سيدي، ولكنني لا أصدق ما تصدقه، ولا أثِق بما رأت عيناي.

قال: وكنت حاضرًا في محكمة الجنايات سامعًا الإقرار الذي نطقت به بحضرة الحكام والمحلفين!

أجاب: نعم، وأتذكر كل ما جرى، ولكنني مع كل ذلك لا أصدِّق كلمة مما سمعت، وعلى سيدي أن يذكر أيضًا صوت مدام لورانس إذ كان متغيِّرًا وكأنني لم أسمعه قبل ذلك الحين … وكان الجنون ظاهرًا في عينيها، وقد رأيتُ بصرها وسمعت صوتها حين نقلتُ إليها خبر زواجك، فكان الجنون في نطقها والبصر جليًّا، ومما زادني يقينًا؛ أن المسكينة مرضت مرضًا ثقيلًا كاد يودي بحياتها، ولكن قضى الله بشفائِها، فجعلت تتكلم عن ابنتها لتجد رابطة بينها وبين الوجود … وفكِّر يا سيدي في أنها لا تستطيع التحدُّث عن ابنتها إلا معي وحدي؛ لأن جميع الذين تحبهم قد أعرضوا عنها حتى إن والديها طرداها.

وهنا خَفَتَ صوت الخادم الأمين وبكى رحمة وشفقة، فتجلَّد الكونت لئلَّا يشترك مع خادمه في البكاء، وعطف عليه يكلمه برقَّة وقال له: إنني بالنيابة عن بوليت أستحلفك على أن لا تترك هذا البيت. قال: بالنيابة عن بوليت؟

أجاب: نعم، وهي قادمة إلى فرنسا، وكنت منتظرًا نبأ وصول الباخرة إلى مرسيليا في هذا اليوم، فاضطرب الخادم وقال: سيدتي الصغيرة آتية!

أجاب: نعم، وبعد يومين أو ثلاثة تكون ها هنا، وسوف يبدو لها هذا المنزل خاليًا بعدما أنفَقَت فيه أيام حداثتها مع والدتها، فهي لا تجد أحدًا غيري من جميع الذين تحبهم.

فجعل الخادم يقول: مسكينة بوليت، مسكينة بوليت!

قال: أصبتَ، إنها مسكينة ولا شك! إنها تستحق أن يُرثَى لها أكثر مما يُرثى لابنة يتيمة … لا سيما وأنها لم تعلم بالمصيبة التي نزلت بها إلا في الآونة الأخيرة.

قال: كيف لم تعلم بها؟

أجاب: لأنها كانت ضعيفة فلم تتجرَّأ شقيقتي على نقل النبأ السيئ إليها لئلَّا يؤثر في صحتها، ثم أنبأتها لكيلا تدخل هذا البيت وهي آملة أن تلقى فيه أمها، وربما أنبأتها اليوم.

قال: وارحمتاه لها! وربما علمت اليوم فقط بأن مكان أمها قد احتلته امرأة أخرى، آه يا سيدي ما أشأم تلاقي بوليت مع … ولم يجسُر الهندي على إتمام جملته، فقال الكونت بكآبة: نعم، وكنت أعتمد على مساعدتك في تعزية المسكينة.

ولكن ما دمتَ عازمًا على ترك هذا المنزل، وترك ابنتي فريسة للغم والأسى، فامضِ لستُ أمنعك.

أجاب: لا سيدي، فإنني أقيم الآن. فمدَّ الكونت يده إلى خادمه فلثمها وبلَّلها بدموعه.

•••

هل يذكر القراء كلمة قالها أنيبال بلميري لأخته عندما أبان لها إمكان اقترانها بالكونت دي موري إذا وعدته بالمساعدة عندما يتحقق رجاؤها؟

كان أنيبال شديد الكسل لكنه إذا نوى أمرًا أعدَّ له عدته على مهل، وقد طلب مقابلة الكونت بعد يوم سباق جرى في ميدان أوتيل، وقال له: لدي أنباء جديدة عن منجم الذهب الذي في «ريونجرو»، وهو المنجم الذي خطر لك وللمركيز دي ستناي والجنزال دي سنروني أن تتولوا إدارة شركته، ولعمري فقد خدعكم رجال الأموال الذين دفعوكم إلى تولِّي هذه الإدارة؛ إذ أوهموكم أنه منجم غني بالذهب وهو لا يقدَّر بأكثر من عشرين ألف فرنك، فلم يحفل الكونت وأجاب: إذن أكون قد خسرت ألف فرنك وينقضي الأمر على هذه الخسارة.

قال: ليس الأمر ينقضي كما تتوهَّم، ولكن يظهر أن مساهمي الشركة قد حصلوا على براهين دامغة بأن سبائِك الذهب التي زعمتم أنتم الثلاثة مديري إدارة الشركة أنها صادرة من منجم ريونجرو لم تصدر في الحقيقة إلا من منجم آخر … فبهت الكونت في هذه المرة وقال: ذلك كذب مشين.

قال: نعم، وشرٌّ من ذلك أن المساهمين أقرُّوا على إلحاق التبعة بكم، وعزموا على إبلاغ الحكومة شكواهم منكم زاعمين أنكم خدعتموهم وغششتموهم، فصاح الكونت غاضبًا وهو يقول: ومن ذا يتجرَّأ على هذا الزعم الكاذب واتهامنا بسرقة؟

قال: ليس يعني المساهمين إلا أن التبعة واقعة عليكم جميعًا، وقد أوجبوا عليك دفع مليون من الفرنكات إذا شئت أن تخلص من هذه الورطة المشئومة سالم الشرف.

فانسكب العرق البارد من جبين الكونت وقال: من حسن الحظ أن القدر الذي يطلبونه ليس بجسيم أعجز عن دفعه.

وقال أنيبال: يسرُّني ما أسمعه منك؛ لأنني غير مطلع على شئونك المالية، وكنت خائفًا من أن تكون عاجزًا عن تحمل تلك الخسارة.

قال: إنني وُفِّقتُ إلى استثمار أموالي في الهند، ولما انفسخ زواجي بابنة الأميرال فيرمين دي لامارش بلغ ما لدينا من المال مليونان، ومن أصل هذه القيمة تقدير منزلنا هذا بأربعمائة ألف فرنك، فبقي من المليونين مليون واحد وستمائة ألف فرنك، دفعتُ منها لابنة الأميرال ثمانمائة ألف فرنك، أما الباقي، أي: ثمانمائة ألف فرنك وهو حصتي، فمودع خزانة المصرف الهندي المرسيلي لحسابي الخاص، وفي أقل من أسبوعين يرد عليَّ هذا المال، ولست أبالي بخسارته إذا بقيت بائنة ابنتي لم تُمَس … قال: يمكنك أن تحرز لابنتك ثروة أكبر من التي تضحيها بشرف. قال: فما معنى هذا الكلام؟ أجاب: معناه أنني أمتلِك ملايين عديدة، فهل تأذن لي أن أشاطر ابنتك إيَّاها على أن أخطبها إليك؟

فتراجع الكونت دي موري وهو لا يصدِّق أذنيه، ثم تجلَّد وقال: أنت تريد أن تغدو زوج بوليت! وأنت شقيق …

وتوقف، فقال أنيبال متمِّمًا كلامه: نعم، شقيق زوجتك، ولا أنكر أن الآنسة بوليت قد تنفر من هذا اللقب، لكن يمكنك الاعتماد عليَّ وعلى أختي في استمالتها إلينا.

قال: ولكنك لا تعرف ابنتي!

فتبسَّم وقال: ليس ذا بالأمر الخطير عندي، فحسبي ما أراه كل يوم من تعلُّقك بها، وحُب الذين عرفوها، وإخلاص بعض الخدم لها … وما أعني إلا ملطار، أما حُسنها …

وهنا تناول صورة عن مكتب الكونت لبوليت، وقال: هذه الصورة تدل على حسنها، ولطالما تأملتها معجبًا بصاحبتها، إذن فاعلم أيها العزيز أنني مغرم بالآنسة ابنتك، وقد جئتك خاطبًا إيَّاها إليك.

فأجابه الكونت: إن إصرارك على خطبتها إليَّ في مثل هذه الأحوال الحرجة يوجب عليَّ الشكر لك، ولكنني لا أستطيع أن أجيبك إلى طلبك إلا بعد قدوم بوليت؛ لأنها قادمة إلى هنا بعد بضعة أيام، ولها أن ترى رأيها في الجواب، وبعد هنيهة دخل أنيبال غرفة أخته فأنبأها بما فعل، فقالت له: ولكن هذا جنون! قال: وهل قلتُ لكِ إنكِ مجنونة حينما كاشفتِنِي بهواكِ وشغفكِ بالكونت دي موري، وقلتِ لي إنكِ تدفعين الملايين لتتزوجي به؟

قالت: ولكن ليس بين الحالتين تشابه. قال: أنتِ أردتِ الاقتران بالكونت عن هوًى وعشق، أما أنا فسوف أتزوج الآنسة بوليت عن تعقُّل وتبصُّر؛ لأنني أتمنى أن أفتح بيتًا صغيرًا بين هؤلاء القوم الذين اختلطنا بهم، ولا يخطر لهم التحري عن ماضينا، وبوليت تلائمني وتصلح لي؛ لأنها فتاة تكاد تكون بلهاء، ولا تعرف شيئًا من أحوال الناس وشئونهم، ولا تهوى أحدًا، ولا يبعد أن تفتتن بي، وفضلًا عن ذلك فإن والدها زوجكِ ولا يُقسِمُ إلا بكِ، ومن محاسن التوفيق أنه مشرف على الإفلاس، وهو محتاج إلينا ليقضي ديونه …

– هذا صحيح وكنت قد نسيته، فهل ثبت النبأ السيئ الذي نقلته إليَّ عن منجم الذهب؟

– بلا شك، والمصرف الهندي المرسيلي الذي أودعه أمواله مشرف على الإفلاس الاحتيالي — أو التدليسي.

– إذن قد أصبح روجر مُفلِسًا؟

– نعم، إلا إذا لجأ إلى صهره «العبد الفقير» الماثل أمامكِ، ولعمري إنه لحُسن حظه قد وُفِّقَ إلى التعرف بنا! وضحك سرورًا.

وبعد هذه المحادثة بساعة واحدة فقط، دخلت مخدع الكونت دي موري فتاة مُمسِكة بيد رجل كهل وهي تقول له: تعال إلى هنا يا مسيو دراك، فهذا مخدع والدتي!

وكانت الفتاة بوليت.

١  معلوم أن المذهب الكاثوليكي لا يُبيح الطلاق في أي حالٍ من الأحوال مهما كانت العلل، حتى ولا لعلَّة الزنى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤