الفصل الرابع عشر

أشتوريش وجليقية

إن مقاطعة أشتوريش القديمة هي اليوم ولاية أوفيدو Oviedo ويقول لها العرب أوبيط وهذه الولاية عدد سكانها يناهز سبعمائة ألف، واقعة إلى الغرب من بلاد الباشكونس، وجبال قنتبرية، إلى خليج بسقاية أو غشقونية Biscaye ou Gascogne وأما مدينة أوبيط فأصل اسمها أوبيطوم، وسكانها ٢٥ ألفًا وفيها كرسي أسقفية ومدرسة جامعة.

وأصل بناء هذه المدينة أن الملك فرويلة الأول بني هناك ديرًا في القرن الثامن للمسيح، ثم جعل الأذفونش الثاني هناك مقره فتكونت بجانب هذا الدير بلدة ولم يقدر العرب ولا النورمنديون أن يستولوا على أوبيط. وموقع هذه البلدة هو على رابية مشرفة على نهر «نورَه» وأرضها منبسطة موصوفة بالخصب وفيها كنيسة جامعة تشتمل على كثير من بدائع التصاوير وليست بالكنيسة الوحيدة.

وغير بعيد عن أوبيط مدينة جيجون وفيها ثلاثون ألف نسمة، ولها مرسى عظيم على خليج بناها الرومانيون. ولما جاء العرب استولوا عليها مدة قصيرة من سنة ٧١٥ إلى سنة ٧٢٢ لأن الأمير بيلاي، وهو أول أمير أسباني مستقل بعد مجيء العرب كما سيأتي الكلام عليه، عاد فاسترجعها وصارت مركزًا لملوك أشتوريش وتعاقبت عليها من ذلك الوقت أدوار مختلفة. وقد استفادت جدًّا من مد السكة الحديدية إليها سنة ١٨٨٤. وفيها مدرسة للتجارة والملاحة. وفى هذه المدرسة خزانة كتب فيها ٥٥٠٠ مجلد وعدد كبير من التصاوير. وفى ساحة جيجون تمثال لبيلاي البادئ بتحرير أسبانية. ومن مدن أشتوريش بلدة أستورقة Astorga وهى رومانية كانت في القديم عامرة ومركزًا لجنوبي أشتوريش. وقد وصل إليها العرب وهدموا حصونها ولعل استورقة١ هذه هي التي يسميها ياقوت باستوريس ويقول عنه: حصن من أعمال وادي الحجارة بالأندلس، أحدثه محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي، عمّره في نحر العدو. ولا تزال أسوار استورقة ماثلة، والحكومة تحافظ عليها خدمة للتاريخ. وحول استورقة جبال يسكنها جيل من الناس يقال لهم المغاراتوس Magaratos يظن أنهم سلالة للأمة الأيبيرية وهم أهل جد ونشاط ذوو زراعة وصناعة ولكنهم على أشد ما يكون من المحافظة على عاداتهم القديمة ولهم أزياء خاصة بهم، ولا يتزوج بعضهم إلا من بعض. ثم مدينة لوغو Lugo وهى من زمن الرومانيين، ولها سور لا يزال قائمًا، وعليه أبراج كثيرة، وقد استولى على هذه البلدة العرب، فيما استولوا عليه. وهناك بلدة يقال لها بيتنزوس Betanzos سكانها عشرة آلاف، واقعة على نهير بين كروم وأعناب، وهي من البلاد التي استولى عليها العرب، وفيها حصن باق من أيامهم.

هوامش

(١) نازل المنصور بن أبي عامر أستورقة قاعدة غليسية فملكها وهلك صاحبها غرسية فتولى ابنه شانجة وضرب المنصور عليهم الجزية وصار أهل جليقية جميعًا في طاعته وكانوا كالعمال إلا برمند بن أرزون ومتند بن غندشلب قومس غليسية فإنهما كانا أملك لأمرهما. على أن برمند Bermund بعث بنته إلى المنصور سنة ٣٨٣ وصيرها جارية له فأعتقها وتزوجها. ثم انتفض برمند وغزاه المنصور فبلغ شنت ياقب موضع حج النصرانية ومدفن يعقوب الحواري من أقصى غليسية وأصابها خالية فهدمها ونقل أبوابها إلى قرطبة فجعلها في سقف الزيادة التي أضافها إلى المسجد الأعظم. ثم تطارح برمند بن أرزون في السلم وأنفذ ابنه بيلابو مع معن بن عبد العزيز صاحب جليقية فوصل به إلى قرطبة وعقد له في السلم وانصرف إلى أبيه وألح المنصور على أهل غومس وكانوا في طرف جليقية بين زمورة وقشتيلة وقاعدتهم شنتمرية فافتتحها سنة ٨٥ انتهى. عن ابن خلدون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤