الفصل الثامن والعشرون

من نبغ من أهل العلم في شنتمرية ابن رزين

أبو عيسى لب بن عبد الجبار بن عبد الرحمن يعرف بابن ورهزن، سمع من أبيه ومن القاضي أبي بكر بن العربي، لقيه بكولية من الثغور الشرقية حتى غزاها مع الأمير أبي بكر بن علي بن يوسف بن تاشفين في جمادى الآخرة سنة ٥٢٢، وسمع أيضًا من أبي مروان بن غردي، وولى الأحكام بشاطبة، ثم ولي قضاء بلدة شنتمرية بآخرة من عمره مضافة إلى البونت من أعمال بلنسية. وتوفي سنة ٥٣٨ وقد نيف على الستين. ترجمة ابن الأبار في التكملة. وأبو عيسى لب بن عبد الملك بن أحمد بن محمد بن نذير الفهري من أهل شنتمرية الشرق، سكن بلنسية، روى عن أبيه أبي مروان، وتولى قضاء بلدة وراثة عن أبيه، ثم سعى إلى السلطان فغربه عن وطنه وأسكنه حضرته بلنسية إلى أن توفي بها بعد سنة ٥٤٠، حدّث عنه ابنه أبو العطاء وهب بن لب. وأبو عبد الله محمد بن مسعود بن خلف بن عثمان العبدري من شنتمرية الشرق، سكن مرسية ورحل حاجًّا، وسمع من أبي علي الصدفي. وأبو مروان عبد الملك بن أحمد بن محمد بن نذير بن وهب بن نذير الفهري، سمع ببلدة شنتمرية الشرق من أبيه، وبمدينة سالم من أبي الحسن علي بن الحسن صاحب الصلاة فيها، وتولى القضاء ببلده، وتوفي بعد التسعين والأربعمائة. وأبو الوكيل عبد الجبار بن عبد الرحمن بن ورهون من أهل شنتمرية الشرق وقاضيها، روى عن أبي مروان بن نذير في شنتمرية سنة ٤٨٩. وأبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن قيروه بن وهب بن غردي من أهل مرسية، أصله من شنتمرية الشرق، له رحلة إلى المشرق، ذكر ابن بشكوال أنه توفي سنة ٤٢٥. وأبو مروان عبد الملك بن مسرة بن فرج بن خلف بن عزير اليحصبي من أهل قرطبة، أصله من شنتمرية الشرق، ومن مفاخرها وأعلامها، اختص بالقاضي أبي الوليد بن رشد وجمع بين الحديث والفقه، وكان على منهاج السلف الصالح، وتوفي سنة ٥٥٢.

وأبو الخيار مسعود بن عثمان بن خلف العبدري، والد أبي عبد الله محمد بن مسعود بن عثمان العبدري. وأبو جعفر أحمد بن بقاء بن مروان بن مميل اليحصبي، من أهل شنتمرية الشرق، نزل مرسية، وتوفي سنة ٥٤٤. وأبو العطاء وهب بن لب بن عبد الملك بن أحمد بن محمد بن وهب بن نذير الفهري من شنتمرية الشرق، سكن بلنسية، وتولى قضاءها مع الخطابة، وتوفي سنة ٥٩٥، ترجمه ابن الأبار، وترجم والده أبا عيسى لب بن عبد الملك. وأبو عبد الله محمد بن وهب بن نذير بن وهب بن نذير الفهري، له ولأهل بيته نباهة، وبسماع العلم عناية، توفي صفر سنة ٤٣٣ قاله ابن الأبار.

ثم إن ابن عذارى في البيان المغرب في أخبار بني رزين، بدأ بذكر أبي مروان عبد الملك الملقب بحسام الدولة، فنقل عن ابن حيان ما يلي: كان جده هذيل بن خلف بن لب بن رزين، المعروف بابن الأصلع صاحب السهلة، موسطة ما بين الثغر الأقصى والأدنى من قرطبة، فإنه كان من أكابر برابر الثغر، ورث ذلك عن سلفه، ثم سما لأول الفتنة (أي فتنة قرطبة الكبرى) إلى اقتطاع عمله، والإمارة لجماعته، والتقبل لجاره إسماعيل بن ذي النون، في الشروع عن سلطان قرطبة، فاستولى له من ذلك ما أراد هو وغيره من جميع من انتزى في الأطراف، شرقًا وغربًا، وقبلة وجوفًا. إلا أن هذيلًا هذا مع تعزز على المخلوع هشام (أي ابن الحكم المستنصر) لم يخرج عن طاعته، ولا وافق الحاجب منذرًا، ولا جماعة المتمالثين على هشام، في شأن سليمان عدوه (سليمان بن الحكم بن الناصر، وكان يسمى بالمستعين)، إلى أن ظفر بهشام، فسلك هذيل مسكله، فرضي منه سليمان بذلك، وعقد له على ما في يده هنالك لعجزه عنه، فزاد ذلك بعادًا منه، وتمرس به الحاجب منذر بن يحيى، مدرجًا له في طي من استعمله، واشتمل عليه من سائر أمراء الثغر النازلين في ضبته، فأبت له نفسه الخنوع له، والانضمام إليه، فرد أمره وحاده، وأجاره منعة معقله، وظاهر أعداء منذر، حتى حالف الموالي السامريين، واستمر معهم على دعوة هشام المخلوع. وقطع دعوة سليمان. وكانت واقية الله له كونه موسطة الثغر، فصار ذلك أرد الأشياء عنه، فسلم من معرة الفتنة أكثر وقته، وتخطته الحوادث لقوة سعده، واقتصر مع ذلك على ضبط بلده، الرسوم بولاية عهده، وترك التجاوز لحده، والامتداد إلى شيء من ولاية غيره، فاستقام أمره، وعمر بلده، وقطع بعد جمهور الثوار بالأندلس شأو الحياة.

وليس في بلد الثغر أخصب بقعة من سهلته المنسوبة إلى بني رزين سلفه في اتصال عمارتها. فكثر ماله. إذ ناغى جاره وشبيهه في جمع المال، إسماعيل بن ذي النون، ونافسه في خلال البخل، وفرط القسوة. وكان مع ذلك شابًّا جميل الوجه حامي الأنف، غليظ العقاب، جبارًا، مستكبرًا، صار إليه أمر والده منبعث الفتنة، وهو فتى في العشرين من سنه، فأنجده الصباء على الجهالة، وقواه الشباب على البطالة، فبعد في الشرور شأوه، فلم يحالف أحدًا من الأمراء على أ داء الإتاوة، ولا حظي أمراء الفتنة منه بسوى إقامة الدعوى فقط، دون معونة بدرهم، ولا إمداد بفارس، ولا شارك الجماعة في حلو ولا مر، على كثرة ما طرق الحضرة من خطوب دهم، استخفت البطاء، وقربت البعداء، فضلًا عن الأولياء، إلا ما كان من هذه الحية الصماء، فإنه لم يزل على تصامه عن كل نداء، إلى أن مضى لسبيله، والأخبار متتابعة عن جهله وفظاظته، حتى زعموا أنه سطا بوالدته، وتولى قتلها بيده، لتهمة لحقتها عنده، وكانت أشنع ما كان من كبائره.

ثم ذكر ابن حيان ما تقدم نقله عن هذيل هذا من مغالاته في شراء القيان١ ثم ذكر ابن عذارى عن حسام الدولة أبي مروان ابنه خلاف ما جاء في الذيل المتقدم ذكره، فإنه قال عنه: كان له طبع يدعوه فيجيب، ويرمي بغرة الصواب على قومه فيصيب، على ازدراء كان منه بالأمة، وقلة استجداء لمن عني بالأخذ من الأئمة وربما جالسهم مباحثًا، بين مغالطة وأنفة، وبالجملة فلو جرى ذو الرئاستين على عفوه، لبلغ منتهى شأوه. قال: وكان شاعرًا مجيدًا، ومن شعره:

يا رب ليل أطال الهجر مدته إلخ. وقد تقدم هذان البيتان.

ولنعد إلى قلعة أيوب متوجهين صوب سرقسطة قاعدة الثغر الأعلى فنقول:

إن الخط الحديد يمر بينها وبين سرقسطة على ثمانية جسور، معقودًا أكثرها على نهر شالون، وهو يخترق جبال بيكور،٢ وإن منظر ضفاف نهر شالون هو من أبدع مناظر الأندلس، بما فيه من خضرة ناضرة، وجنان زاهرة، تحاذي القفار اليابسة التي بإزائها، أشبه شيء بغوطة دمشق، بحذاء جبل الصالحية الموجود، ولا تزال القرى والقصاب منتظمة بلبة نهر شالون إلى أن تبلغ سرقسطة، ومن جملتها بلدة «كالاتوراو»٣ وهي مدينة قديمة رومانية، حصنها العرب وأقاموا بها، وبالقرب منها بلدة «ساليلاس»٤ وفيها بيوت منحوتة في الجبل، ثم بلدة أبيلة، ولعلها التي يقول العرب لبلة، من عمل سرقسطة، وهي بحذاء سلسلة جبال يقال لها شارات «مولا»٥ وبحذاء تلك الجبال بلدة «روطة» وفيها حصن قديم من بناء العرب. قال ياقوت في معجم البلدان: روطة بضم أوله وسكون ثانيه وطاه مهملة، حصن من أعمال سرقسطة بالأندلس، وهو حصين جدًّا على وادي شلون. ثم بلدة يقال لها «بلازنسيا» على شالون، ثم «كازيتاس» على مقربة من سرقسطة، ومن الصقلب مسافة ٣٤١ كيلومترًا من مجريط تقع مدينة سرقسطة عاصمة مملكة أراغون في القديم، ومركز ولاية أراغون اليوم.

وقبل أن ندخل في مبحث أراغون وسرقسطة، نرى مناسبًا أن نتكلم عن:

هوامش

(١) وفي نسخة أخرى من كتاب ابن عذارى ورد عند ذكر شراء هذيل بن رزين جارية ابن عبد الله المتطبب بثلاثة آلاف دينار قوله: لم ير أخف روحًا منها ولا أملح حركة ولا أليق إشارة ولا أطيب غناءً ولا أجود كتابةً ولا أملح خطًّا ولا أبدع أدبًا ولا أحضر شاهدًا على سائر ما تحسنه وتدعيه مع السلامة من اللحن فيما تكتبه وتغنيه إلى الشروع في علم صالح من الطب ينبسط بها القول في المدخل إلى علم الطبيعة وهيئة تشريح الأعضاء الباطنة وغير ذلك مما يقصر عنه أكثر منتحلي الصناعة، إلى حركة بديعة في معالجة صناعة الثقاف والمجاولة بالحجفة واللعب بالسيوف والأسنة والخناجر المرهفة وغير ذلك من أنواع اللعب المطربة، لم يسمع لها بنظير ولا مثيل، وابتاع إليها كثيرًا من المحسنات المشهورات بالتجويد، طلبهن في كل جهة. فكانت ستارته في ذلك أرفع ستائر الملوك بالأندلس. وحدثت عنه أنه اجتمع عنده مائة وخمسون حظية، ومن الصقلب المجابيب (الخصيان) ستون وصيفا لم تجتمع عند أحد من نظرائه. قلت: قوله كانت ستائره أرفع ستائر الملوك بالأندلس معناه كانت حرمه أرفع حرم الملوك بالأندلس.
(٢) Seirra de Vicor.
(٣) Calalorao أو قلعة أوراو.
(٤) Salillas.
(٥) Muela.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤