الفصل الثامن والثلاثون

تقسيمات كتلونية الإدارية

تنقسم بلاد كتلونية إلى أربع مقاطعات: مقاطعة برشلونة، ومساحتها ٧٦٩٠ كيلومترًا مربعًا، وفيها مليون ومائة وخمسون ألفًا من السكان، وجيرونة، التي كان يقال لها في القديم جيرندة، ومساحتها ٥٨٦٥ كيلومترًا مربعًا، وعدد سكانها ثلاثمائة وعششرون ألف نسمة، ومقاطعة لاردة، ومساحتها ١٢١٥١ كيلومترًا مربعًا وعدد سكانها يقارب مائتين وتسعين ألفًا، وطرَّكونة ومساحتها ٦٤٩٠ كيلومترا مربعًا، وعدد سكانها نحو من ٣٤٠ ألفًا.

وأشهر أنهار كتلونية نهر لوبريقات Liobregat وكان يقال له عند الرومان روبريكالوس Rubricalus وهو الذي يسقي سهول برشلونة، ثم نهر شيقر Segre وكان الأقدمون يسمونه سيكوريس Sicoris وهو ينصب في نهر أبرُه، عند مكناسة.١ وأما أبرُه، فبعد أن يلتقي بنهر شيقر يخترق الجبال في جنوبي طرَّكونة، ويتوجه إلى البحر المتوسط، فينصبّ فيه، شرقي طرطوشة.
وأشهر قمم جبال كتلونية قمة «مارنجس» وعلوها ٢٩١٤ مترًا، وقمة كارليت، وعلوها ٢٩٢١ مترًا، وكانيجو، وعلوها ٢٧٨٥ مترًا، وهي مغطاة بالثلوج. وهناك قمم أقل ارتفاعًا، مثل مونت شيزات الشهير Montserrat وعلوها ١٢٣٦، وهي قمة شهيرة في تلك البلاد يقال لها الجبل المقدس، منقطعة من جميع جهاتها، ذات أسنان كأسنان المشط، وصخور في منتهى العظم، كأنها قلعة عظيمة مشرفة على بسيط كتلونية، ومونت صانت وعلوها ١٠٧١ مترًا.
وأشهر سهول كتلونية سهل أمبوردان، وقد تقدم ذكر هذه الناحية، وسهول جيرندة وفيش وسهول النقيرة Noguera وفونتانا Fontanat ومن حيث إننا تقدمنا في ذكر هذه البقاع من جهة أراغون إلى كتلونية، رأينا أن نبدأ بذكر الجهات الغربية المصاقبة لأراغون فنقول:

إن مدينة لاردة واقعة على وسط المسافة بين سَرَقُسطة وبرشلونة، وعدد سكانها اليوم ثلاثون ألف نسمة، وارتفاعها عن سطح البحر ١٩١ مترًا، وهي على الضفة اليمنى من وادي سيغر، الذي يقول له العرب وادي شيقر. ولاردة مدينة قديمة إيبيرية وكانت معروفة في زمن الرومان، وقد استولى عليها العرب في القرن الثامن للمسيح، بعد استيلائهم على سرقسطة، وكانت من مدن الثغر الأعلى. ولما انقسمت الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية استولى على لاردة بنو هود الجذاميون، أصحاب سرقسطة وعند وفاة المستعين بالله سليمان بن هود، خرجت في نصيب ولده يوسف، ثم استولى عليها أحمد الملقب بالمقتدر.

وقد ذكر لاردة ياقوت الحموي فقال: لاردة بالراء مكسورة، والدال مهملة: مدينة مشهورة بالأندلس، شرقي قرطبة، تتصل أعمالها بأعمال طرّكونة، منحرفة عن قرطبة إلى ناحية الجوف، ينسب إلى كورتها عدة مدن وحصون، تذكر في مواضعها وهي بيد الإفرنج الآن. ونهرها يقال له سيقر. ينسب إليها جماعة منهم أبو يحيى زكريا بن يحيى بن سعيد اللاردي، ويعرف بابن الندّاف، وكان إمامًا محدثًا، سُمع منه بالأندلس كثير، ذكره الفرضي ولم يذكر وفاته. ا.ﻫ.

وبقيت لاردة في أيدي العرب من سنة ٧١٣ إلى سنة ٧٩٩، إذ استولى عليها لويس الحليم، ملك فرنسا، ثم استرجعها المسلمون، ويقيت في أيديهم إلى أن سقطت بسقوط سرقسطة، في أوائل القرن السادس للهجرة. وكان أول ظهور بني هود في لاردة فقد غلب عليها سليمان بن محمد بن هود، وكان من كبار الجند بالثغر الأعلى إلى حين وقوع الفتنة الشاملة، فلما صار الأمر فوضى وثب سليمان المذكور على والي لاردة أبي المطرف التجيبي، وقتله واستولى على لاردة ومنتَشون ونواحيها وكان في سرقسطة أمير من التجيبيين يقال له منذر بن يحيى من قواد الدولة العامرية، فمات في أثناء الفتنة، فورث الإمارة ابنه يحيى بن منذر، وسنه فيما ذكر تسع عشرة سنة. وكانت أمه أخت المأمون يحيى بن ذي النون صاحب طليطلة، فاحتقره بنو عمه، وتواطئوا على قتله مع كبير منهم اسمه عبد الله بن حكيم، ثم قتلوه وولوا هذا الرجل أمرهم، ولكنه كان عاهر الفرج ساءت ملَكته فيهم فخلعوه، وبعثوا إلى سليمان بن هود، وهو بمدينة لاردة، ليأتي إلى سرقسطة ويلي الأمر، فجاء ونزل بدار الإمارة. وكان استيلاء ابن هود على لاردة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، واستيلاؤه على سرقسطة سنة ثمان وثلاثين.

ولما مات سليمان بن هود كان له خمسة أولاد ذكور، قد قسم عليهم البلاد في حياته فولي أحمد، ولده الثاني، مدينة سرقسطة، وولي يوسف ولده الأكبر، مدينة لاردة، وولي محمدًا قلعة أيوب، وولي لبًّا مدينة وشقة، وولي المنذر تطيلة.

إلا أن أحمد بن سليمان بعد وفاة أبيه صار يحتال على إخوته حتى أخرجهم من ولاياتهم، ولم يمتنع عليه إلا يوسف أمير لاردة، وكان هذا يلقب بحسام الدولة، ولما رأى الأهالي أعمال أحمد بن سليمان بن هود بأخوته كرهوه، ومالوا إلى أخيه يوسف وقاموا بدعوته وكان هذا بطلًا شهمًا، إلا أنه كان سيئ البخت، وكان أخوه أحمد خبيثًا على جانب عظيم من المكر فأرسل إلى الطاغية ابن ردمير يستعينه على أخيه، وكان يوسف قد أرسل إلى بلاد ابن ردمير ميرة كثيرة، فسرى أحمد برجاله من سرقسطة، وأخذ قوافل أخيه، وانهزم رجالها، فأخذهم النصارى أسرى، ثم جاع أهل تطيلة، فأرسلوا إلى يوسف يستغيثون به، فبعث إليهم بأرزاق كثيرة، فخرج أحمد وأخذ قوافل أخيه وما فيها من الميرة، وقتل رجالها، فلما رأى المسلمون في الثغر الأعلى ما رأوا من دهاء أحمد بن سليمان بن هود، ومن سوء بخت أخيه يوسف، خافوا على أنفسهم من أحمد، فأطاعوه، ولم يبق في حوزة يوسف سوى لاردة، وقد كانت هذه العداوة بين الأخوين هي السبب في فاجعة يَربُشتَر التي تقدم ذكرها.

وما زالت لاردة تابعة لسَرَقُسطة إلى أن استولى الإسبانيول على سرقسطة وانطوى بساط الثغر الأعلى.

وممن انتسب إلى لاردة من أهل العلم أبو محمد عبد الله بن هارون الأصبحي، الفقيه الشاعر، ترجمه ابن بشكوال وقال: ذكره لي أبو الحسن على بن أحمد العائذي وأنشد له أشعارًا أنشده إياها منها:

كم من أخٍ قد كنت أحسب شهدَهُ
حتى بَلَوتُ المرَّ من أخلاقه
كالملح يُحسبُ سكَّرًا في لونه
ومَجسِّه، ويحول عند مذاقه

وترجمه أيضًا صاحب بغية الملتمس.

وعبد الملك بن غير الفارسي، محدث، من أهل لاردة، ذكره أبو سعيد بن يونس. جاء ذكره في بغية الملتمس. وأبو عبد العزيز عبد الرءوف بن عمر بن عبد العزيز أصله سَرَقُسطي، توفي بلاردة سنة ٣٠٨. وعبد العزيز بن عمر بن حبنون، من أهل مَنْتشُون، من عمل لاردة يكنى أبا يونس، سمع من أبي الوليد الباجي صحيح البخاري بسرقسطة سنة ٤٦٣، وولي الأحكام بمنتشون. نقل ذلك ابن الأبار في التكملة عن أبي داود المقرئ. وأبو محمد عبد الجبار بن مفرّج بن عبد الله الأنصاري من أهل لاردة، استوطن مرسية، سمع أبا الأصبغ عبد العزيز بن محمد البلشيدي الأموي، وكان شيخًا صالحًا، ولد سنة ٤٨٦، وتوفي حول سنة ٥٦٠، نقل ذلك ابن الأبار عن ابن عيّاد. وأبو محمد عبد الجبار بن خلف بن لب اللاردي، سكن بلنسية ودانية، وقرأ جميع البخاري في دانية على الباجي سنة ٤٥٢، وسمع من أبي العباس العذري، وأبي عمر بن عبد البر، وغيرهما، وأجاز له أبو عمر بن الحذّاء، وسمع منه أبو عبد الله بن خَلَصَة المعافري. وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمّار بن محمد التيجي، من أهل لاردة، قال الأبار إنه رحل إلى بلنسية، على أثر استرجاعها من الروم، في منتصف رجب سنة ٤٩٨، فلقي فيها أبا داود المقرئ، وأخذ عنه القراءات السبع، ثم انصرف إلى بلدة لاردة، فأقرأ بها القرآن، وأخذ عنه. ورحل إلى مرسية صدر رجب سنة ٤٩٧، وتصدر بجامعها للإقراء، وأُخذ عنه وسَمِع حينئذ من أبي علي الصدفي الحديث، وانتقل بعد ذلك في آخر سنة ٥٠٣ إلى أوريوله، وخطب بجامعها، وتمادى إقراؤه بها إلى حين وفاته، في السادس والعشرين من رمضان سنة ٥١٩، ومولده في رمضان سنة ٤٧٧، فلم يطل عمره. نقل ذلك ابن الأبار من خط زياد بن الصفار، وهو أحد تلاميذه، أخذ عنه القراءات والعربية وقرأ عليه كتاب روضة المدارس، وبهجة المجالس، من تأليفه. وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن سعيد الأنصاري اللاردي، لقي أبا بكر الجزَّار السرقسطي، وغيره من الأدباء، قال ابن عيّاد: كان كثير الاختلاف إلى مجلس شيخنا أبي بكر بن غارة وكان فَكِه المجالسة، ليَّن الجانب، أديبًا ظريفًا أنشدنا لأبي بكر الجزار:

عجبتُ لِذِي وجعٍ مُؤلم
يَسومُ الطبيب ويُكْدِي عَلَيْه
يَضِنُّ عليه بديناره
ويَجْعَلُ مُهجته في يَدَيه

وتوفي ببلنسية في جمادى الأولى سنة ٥٥٩، وقد نيّف على الثمانين. وأبو الوليد يحيى بن سليمان بن حسين بن يوسف الأنصاري، قاضي لاردة، أصله من «شيَة» قرية هناك، خرج من لاردة سنة ٥٤٥. وأبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد التيجي الواعظ، من أهل لاردة، لقي أبا القاسم عبد الرحمن بن المشَّاط الطليطلي بمالقة سنة ٥٠٠ وكتب من أصله بخطه تأليفه المترجم «بكشف جمل من التعطيل، فحجج من الأثر والنظر والتنزيل» وهو جواب لرجل ورد من المشرق، يتكلم في خلق القرآن والنزول إلى السماء الدنيا، وأمثال ذلك، ذكره ابن الأبار. ويحيى بن محمد الأموي، أبو الوليد، المعروف بابن قبرون من أهل لاردة سكن شاطبة، وتولى قضاءها، وانتقل إلى بلنسية، فشاوره قاضيها. حدث عنه ابن عيّاد، وابناه محمد وأحمد، قال ابن الأبار استشهد في وقيعة البُرت سنة ٥٠٨. وأبو عبد الله محمد بن علي اللاردي، سكن قرطبة كانت له رحلة إلى الشرق حج فيها، ثم قفل فأقرأ القرآن بمسجد أم هشام بقرطبة. ومحمد بن أسلم اللاردي يروي عن يونس بن عبد الأعلى. وأبو عبد الله مالك بن معروف قيل إنه من ماردة، وقال الحميدي: الأرجح أنه من لاردة، يروي عن عبد الملك بن حبيب. مات سنة ٢٦٤، وغيرهم.

وفي لاردة كنائس كثيرة من أشهرها كنيسة سان لورانسو، بنيت بين سنة ١٢٧٠، وسنة ١٣٠٠، على أنقاض هيكل روماني، ولما جاء العرب جعلوا من ذلك الهيكل جامعًا، فلما خرجوا من لاردة، تحول هذا الجامع إلى كنيسة. ومن لاردة يذهب المسافر إلى بلدة بَلَغي Balaguer والمسافة بينهما ثلاثون كيلومترًا وهي بلدة سكنها العرب، جاء في معجم البلدان: بلغي بفتح أوله وثانيه، وعين معجمة، وياء مشددة، كذا ذكر أبو بكر بن موسى: بلد بالأندلس من أعمال لاردة، ذو حصون عدة، ينسب إليه جماعة، منهم أبو محمد عبد الحميد البلغي الأموي، قال أبو طاهر الحافظ (أي السلفي): قدم البلغي الإسكندرية، فسألته عن مولده فقال: ولدت سنة ٤٨٧ في مدينة بَلَغي، بشرقي الأندلس ثم انتقلت إلى العدوة بعد استيلاء العدو على البلاد فصرت خطيب تلمسان، وقرأت القرآن، وسمعت الحديث، وأُعرف بابن بربطير البلغي. ومحمد بن عيسى بن محمد بن بقاء أبو عبد الله الأنصاري الأندلسي البلغي المقرئ، أحد حفاظ القرآن المجودين، انتهى باختصار. قلت: أبو عبد الله محمد بن بقاء هذا رحل حاجًّا، وقدم دمشق، وأقرأ بها، وتوفي فيها سنة ٥١٢، ذكره ابن عساكر، مؤرخ دمشق، الذي ذكر أنه شهد غسله، وكان في الصلاة عليه. وينسب إلى بلغي أبو الحجاج يوسف بن إبراهيم بن عثمان العبدري، المعروف بالثغرى، نزل غرناطة. وعبد الله بن إبراهيم بن العوام البلغي الأندلسي. استوطن مصر، ذكره ابن بشكوال في الصلة، وقال ابن الأبار في كتابه المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي إن والد أبي الحجاج يوسف العبدري المذكور انتقل من بلغي، ونزل غرناطة، ثم انتقل إلى قرطبة، وإن أبا الحجاج ولد بغرناطة، في صفر سنة ٥٠٣، واستقر أخيرًا بقليوشة، من أعمال مرسية وتوفي هناك سنة ٥٧٩.

هذا، ومن حصون لاردة التي كانت معروفة في زمان العرب، منت شون، ذكره معجم البلدان فقال: إنه بالشين المعجمة، وآخره نون، حصن من حصون لاردة بالأندلس قديم، بينه وبين لاردة عشرة فراسخ وهو حصين جدًّا تمَلكه الإفرنج سنة ٤٨٢، انتهى. ومونشون اليوم بلدة صغيرة سكانها أربعة آلاف نسمة، وفيها كنيسة صان جوان، وأما الحصن القديم فهو على قمة شاهقة، وفيها بقايا حصن روماني على قمة أخرى. وتمريط على مسافة ١٥ كيلومترًا من مونشون.

ومن لاردة تمتد طريق عربات محاذية لوادي شقر إلى مدينة بلغي وإلى بلدة يقال لها أرتيزة Artesa ثم إلى «أولياته» ثم إلى كاستلنو Caslellnoi ثم إلى «سولسونة» وعلى مسافة ١٨ كيلومترًا من لاردة، بالقرب من نهر شيقر، توجد صخور عليها تصاوير قديمة، منها تصاوير حيوانات، ومنها تصاوير بشرية، وأما سولسونة فهي قرية معلقة على صخر شاهق مشرف على وادي نيغرو Negro.
ومن لاردة طرق إلى جبال البرانس الشرقية، وإلى وادي اندور٢ حيث حكومة اندور المستقلة، الواقعة بين فرنسا وأسبانية، وهذا الوادي فيه عدة قرى وقاعدة الوادي يقال لها اندورا لافيجا Adorra la vieja ومساحة هذه البقعة المستقلة ٤٥٢ كيلومترًا مربعًا وعدد سكانها ٥٢٥٠ نسمة وحكومتها تقدم كل سنة ٩٦٠ فرنكًا لجمهورية فرنسا، علامة على كونها تحت حماية هذه الدولة، إلا أنه يشترك مع فرنسا في حق هذه الحماية مطران أورجل Uergel وهو يأخذ من هذه الجمهورية ٤٦٠ بسيطة إسبانيولية سنويًّا. وهناك بلدة يقال لها سيو أورجل عدد سكانها ثلاثة آلاف، فيها مركز أسقفية، وهي ذات موقع حصين، وغير بعيد عن أورجل ناحية سردانة Cerdagna ثم بلدة يقال لها بويغسردا Buigcerda.

هوامش

(١) Mequnenza أي بالعربي مكينِنسة ولكن العرب نظرًا لوجود بلدة مكناسة في بلادهم تلفظوا باسم هذه كتلك فعندهم مكناسة حصن من حصون الأندلس ذكر ياقوت في معجم البلدان مكناسة المغرب ثم ذكر مكناسة هذه وقال: قال أبو الأصبغ سعيد الخير الأندلسي: مكناسة حصن بالأندلس من عمل لاردة.
(٢) في جمهورية اندور المستقلة البريد والبرق تابعان للبريد والبرق في فرنسا، وأما السكة فهي إسبانيولية، وأما اللغة فهي كتلونية. ومركز الجمهورية في قرية جميلة بحذاء جبل. وفيها كنيسة قديمة من القرن الثاني عشر، وفيها قصر للحكومة يجلس فيه المأمورون، ويجتمع رجال المجلس وهم أربعة وعشرون عضوًا، ينتخبون لمدة أربع سنوات عن النواحي الست التي تتألف منها الجمهورية، ولهؤلاء الحق في الإقامة بالقصر أيام الاجتماع وفي إيواء بغالهم في اسطبله فهذا القصر دار حكومة ومحكمة وحبس وفندق ومدرسة وخزانة كتب معًا، وفي القصر خزانة تشتمل على وثائق امتيازات هذه الجمهورية ويقال إنه من جملتها وثائق يرجع تاريخها إلى عهد شارلمان ولويس الحليم. وبالقرب من اندور برج عربي قديم اسمه كارول وليس في أرض اندور طرق عربات لأن الأهالي على جانب عظيم من السذاجة وهم يعتقدون أن الطرق المعبدة تهدد استقلالهم … وأما جبل مونت سرات أو مونت شرات فمعناه جبل المنشار وقد تقدم ذكره وهو جبل مقدس عند الكتلان وشكله في منتهى الغرابة لأنه منقطع من جميع الجهات ومشرف على البسائط الواسعة ناتئة منه إلى الأمام أسنان كأسنان المشط، وعلى شفير الجبل من جهاته الأربع جنادل كبيرة أشبه بالرجال المعممين، كان العرب لما ملكوا تلك الأقطار يسمونها بالحرس، وقد تمكن الكتلان من بعض جهات الجبل من مد خط حديدي إلى قمته وذلك بعناء شديد، ولم يكن ممكنا مدّ هذا الخط إلا من مكان واحد إذ الصعود من الجهات الأخرى غير ممكن إلا بشعاب يسلكها الناس على الأقدام، وفي أعلى القمة دير يزوره كل سنة عشرات الألوف من البشر، وهذا الدير بني سنة ٨٨٠ للمسيح وأكثر من يزوره المتزوجون اعتقادًا منهم بأن زيارته تكون سببًا للبركة في الحياة الزوجية. وإلى الشمال الشرقي من جبل المنشار هذا يجري نهر لوبريقات وله واد عميق في بطنه قرية يقال لها مونيسترول Monistrol وكل تلك الناحية هي في غاية الجمال الطبيعي، ويوجد على نهر لوبريقات معامل كثيرة تتحرك آلاتها بقوة مياهه المنحدرة.
ومما يناسب ذكره هنا المعابر التي بين المنحدرين الجنوبي والشمالي من جبال البرانس. وهي التي يقال لها البورنات أي الأبواب، وأشهرها معبر سالدو Saldeu الوقع إلى الشرق والناس تعبره على الخيل مدة خمسة أو ستة أشهر من السنة، ثم معبر فونتارجنت Fontargente وهو أسهل سلوكًا من غيره وبالقرب منه بحيرة لطيفة. ثم معبر سيغوير  Siguer وارتفاعه ٢٥٩٥ مترًا، وهو غير مسلوك مدة ثمانية أشهر من السنة. وإلى الشمال الغربي من البرانس ثلاثة معابر، وهي معبر رات Rat وعلوه ألفان وستمائة متر، ومعبر أريسال ومعبر بوية Bouet وارتفاعه ٢٦٦٠ مترًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤