الفصل الأول

على طريق الجبل

أشهر الطرق من البحر إلى (أرز لبنان) طريقان: واحدة عن طريق أهدن فبشري، أو الحدث فحصرون فبشري — وهي من أمام الأرز. وواحدة عن طريق بعلبك من وراء الجبال الشامخة المحيطة بهذا الحرش، والطريق الأولى طريق الثغور من طرابلس حتى البترون، والطريق الثانية طريق السياح الذين يصعدون من بيروت إلى بعلبك لمشاهدة آثارها، ثم يعطفون منها إلى الأرز لمشاهدة آثاره الجميلة الطبيعية بعد مشاهدة آثار بعلبك الصناعية.

ففي ليلة ٨ أغسطس من السنة التي نكتب تاريخ حوادثها هنا قرع مكارٍ في آخر الليل باب غرفة عالية كائنة في غربي قرية قلحات فوق طرابلس الشام، وهو ينادي: يا خواجه كليم، يا خواجه كليم. فدوَّى صوته في القرية في صفاء ذلك الليل دويًّا هرت له الكلاب التي كانت راقدة في الشارع قرب تلك الغرفة، فساعد هريرها على تنبيه النائمين فيها؛ ولذلك لم يلبث أن فتح الباب وأطل منه الخواجه كليم وهو يفرك عينيه ويقول: هل ظهر نجم الصباح يا بطرس؟ فأجابه المكاري: أظنه سيظهر بعد نصف ساعة على الكثير، والأرجح أن الشمس تشرق لنا عند بطرام، فلنعجل إذن؛ فإننا نروم الوصول إلى الجبل قبل اضطرام وطيسها فرارًا من الحر.

وحينئذٍ التفت كليم لينبه رفيقًا له كان نائمًا معه في الغرفة فوجده واقفًا وراءه، فقال له: هلمَّ نركب يا سليم؛ فإن مطيَّتيْنا حاضرتان، ولنلبس ملابسنا أولًا.

وبعد ثلث ساعة كان كليم وسليم على جوادين قويين سائرين في صفاء الليل تحت أشعة النجوم الضئيلة، ولا أنيس لهما غير المكاري يسير وراءهما، وهو تارة يحدو فرسيه بكلام مُشجع، وتارة يزجرهما لصدمهما حجرًا في طريقهما.

ولم يكن يُسمع في ذلك الهدوء، ما عدا وقع حوافر الجوَادين وصوت المكاري، سوى أصوات الحشرات الصغيرة التي تنتشر في لبنان على أشجار الزيتون والتوت، وتنشد في الليل والنهار أناشيد متصلة.

ويظهر أن جفون كليم وسليم كانت لا تزال مثقلة بالنعاس؛ لأنهما كانا يتثاءبان من حين إلى حين. فرغبةً في طرد النعاس ابتدأ كليم قائلًا: اسمع يا صاح أصوات هذه الحشرات الصغيرة التي تهكَّم عليها لافونتين تهكُّمًا شديدًا١ حقًّا إنه ظلَمها بهذا التهكم، تُرى ما عساها كانت تجيبه لو دَرَتْ بتهكُّمه؟
فتثاءب سليم وقال: لا ريب أنها كانت تجيبه جوابًا جميلًا، فإنها تقول له: «ليس بالخبز وحده تحيا الكائنات الحية، بل الحياة الحقيقية هي الحياة الروحية.» وحياة الروح عند هذه الحشرات نشيدها المستمر الدال على أنها في حالة الانبساط والراحة، ولو خُيِّرَت في أيهما أحب إليها: فقدانها هذه الحياة الروحية التي هي فطرتها وطبيعتها، أم فقدانها الخبز اليومي الذي هو حياتها البدنية؛ فإنها — لا شك — تختار فقدان هذه الحياة على تلك. وما الذنب في ذلك ذنبها؛ لأنها هكذا صُنعت وهكذا فُطرت. ومع ذلك فإن لافونتين لم يقدر على قهرها بتهكُّمه في ذلك المثل إلا لأنه قاس معيشتها على معيشة البشر، وبذلك جاءت حجته قوية، ولكنه لو أمعن النظر لرأى أن هذا الحيوان الصغير لا يحتاج إلى القوت بعد مرور أيام الحصاد، حتى في أشد أوقات الشتاء؛ فإن قطرة من قطرات المطر كافية لشربه، وورقة واحدة من أوراق الشجر كافية لإيوائه وتدفئته، وأقل حشرة صغيرة أو دودة حقيرة كافية لتغذيته، ولو عقل هذا الحيوان لأجاب ذلك الشاعر: عندنا في الطبيعة ليس من حيوان ولا نبات يحتاج إلى قوت ويبيت بلا غذاء، فإن فظائع كهذه الفظائع لا تحدث إلا بين البشر في الاجتماع. نعم، نحن نأكل بعضنا بعضًا أحيانًا، ولكنا نفعل ذلك حين الحاجة فقط قيامًا بسد عوزنا، أما أنتم فمع كونكم ذوي عقول تعقل ونفوس تدرك، فإنكم تأكلون بعضكم بعضًا بحاجة ومن غير حاجة، وكثيرًا ما يكون ذلك إرضاءً لكبريائكم فقط لا لضرورة؛ ولذلك قال أحد حكمائكم:٢ «يا وحوش البر وأفاعي الغابات، خذيني إليك آكل من طعامك، وأشرب من مائك؛ لأخلص من صحبة الإنسان.»

فقهقه كليم هنا وقال: نعم، هذا خير ما يُعتذر به عن طياشة ذلك الطوير المطرب.

وكأن المكاري ضجر من هذه اللغة التي لم يكن يفهم منها شيئًا، فتحول ضجره إلى غضب على جواده فصاح به بأعلى صوته: «ديه سوق …»، وهمَّ بإتمام عبارته، فصاح به كليم: إياك أن تكملها يا جرجس! فقال جرجس: وما هذا يا معلمي؟ فقال كليم: أنت فهمتَ كلامي بلا تفسير.

فسأل سليم كليم: وما معنى كلامك؟ فأجاب كليم باللغة الإنكليزية: هي نادرة مضحكة تَحدث بين بعض هؤلاء المكارين والعائلات المدنية التي تصيف في قراهم؛ فإنهم يسمون هذه العائلات «سَوقة»، وحينما يرومون التهكم عليهم في الطريق يقول أحدهم لرفيقه: «سوق يا أخي، سوق يلعن هالسوقة.» يُظهر أنه غير راضٍ عن سير الدوابِّ، والحقيقة أن مراده «سب السوقة» في وجوههم دون أن يدروا بذلك.

فضحك سليم وقال: يظهر أن صاحبنا غير راضٍ عنا حتى رام إهانتنا، والذنب في ذلك ذنبنا؛ لأننا لم نهتم بملاطفته لنستميله إلينا، ثم التفت سليم إلى جرجس ليفاتحه بالحديث فقال: لماذا سرت بنا يا جرجس على هذه الطريق من الوادي؟ خذنا من فوق عن طريق «فيع».

فقال جرجس: لا يا معلمي، لا نستطيع الآن المرور عن طريق فيع لحدوث خصام شديد بين قريتنا وأهالي تلك القرية منذ يومين.

فقال سليم: نعم، سمعنا بهذا الخصام، ويقال أنْ قد جُرح رجلان وأُسقطت امراة في أثنائه، فما سببه؟

فقال جرجس: سببه يا معلمي خصام بين أولاد فيع وأولاد قلحات؛ فقد كان خمسة أولاد من أولاد فيع يلعبون بإزاء حقول العنب الكائنة بين القريتين، ويأكلون من العنب بلا حق، فأسرع إليهم ثلاثة من أولادنا لردعهم عن الاعتداء على رزقنا، ففر أولاد فيع ووقفوا بعيدًا، فصار أولادنا يتغنَّون بغناء قديم عندهم وهو:

يا رايح إلى فيعْ
دبدب لا تضيعْ
يا بسين قلحات
أحسن من شيخ فيعْ

وكان بين أولاد فيع ابن شيخ فيع نفسه فاغتاظ لإهانة أبيه، فركض إلى شجرة توت قريبة فتسلقها وقصف منها غصنًا ثم اندفع نحو أولادنا، بينما كان رفاقه يتغنَّون بغنائهم:

يا رايح إلى قلحات
تمتلي منها …
يا بسين فيع
أحسن من شيخ قلحات

ولما وصل ابن شيخ فيع إلى أولادنا أمسكوه (ونزلوا فيه) ضربًا؛ فأسرع رفاقه إلى نجدته فدار الضرب بين الفريقين فجُرح منهما بضعة أولاد.

فركض حينئذٍ أحد أولادنا، ووقف فوق القرية وصاح أنَّ أهل فيع قتلوا أولادنا، فهب كثيرون من الرجال إلى محل الحادثة، وكذلك ركض أحد أولاد فيع وأبلغ أهلها مثل ذلك الخبر، فأسرع بعض رجالها أيضًا، ولما التقى الفريقان في محل الحادثة دار الضرب بين الكبار بعد أن كان بين الصغار، ولو لم يحضر «الآغا» مع نفرين لاشتبك القتال بين أهل القريتين جميعًا؛ ولذلك لا نقدر أن نمر الآن بجانب فيع لئلا يتحرشوا بنا، كما أنهم هم أيضًا لا ينفردون للمرور بجانب قريتنا.

وكان الجوادان قد صعدا في ذلك الحين من وادي قلحات وجانَبَا قرية فيع، ذلك أنَّ قرية قلحات كائنة على أكمة منخفضة بين واديين من أشجار السنديان: واحد من جهة الشرق، وواحد من جهة الغرب. وهي على مسافة رُبع ساعة من دير البلمند المشهور المشْرف من جبله العالي على مدينة طرابلس الشام، وهواء هذه القرية جافٌّ نقيٌّ؛ لأنها واقعة بين حرشين من السنديان كما تقدم.

وقطع سليم وكليم الطريق حتى فوق فيع دون أن يطلع نجم الصباح الذي وُعدا بطلوعه قريبًا، فقال كليم لجرجس: لم تطلع نجمة الصبح بعدُ يا جرجس. فأجاب جرجس: ستطلع قريبًا. فضحك كليم وقال لرفيقه: يظهر أن صاحبنا «عملها معنا». فقال سليم: وأي شيء عمل؟ فقال كليم: للمكارين عادة وهي أنك إذا طلبت من أحدهم السفر في الغد قبل طلوع نجم الصبح بنصف ساعة يجيئك قبل طلوعها بساعتين ويقول لك إنها ستطلع بعد ربع ساعة. وهكذا تركب معه في ظلمة الليل وتقطع الطريق كلها، وتصل إلى مكان قصدك قبل أن تطلع نجمة الصبح، وبذلك يكفي نفسه ودابته عذاب الحر في أثناء الطريق؛ فالظاهر أنَّه صَنَع معنا ما يصنعه غيره مع غيرنا، ورُبَّما وصلنا إلى الجبل قبل أنْ تطلع الشمس مع أن بيننا وبينه نحو خمس ساعات.

فتثاءب سليم وقال: أفٍّ! لأجل هذا أشعر بنعاس شديد، وأكاد أنام على ظهر الجواد.

ولما رأى صاحبنا جرجس أن الحديث لا يطول بينه وبين رفيقه، بل هما يتحادثان معًا لوحدهما، رأى أن يسلِّي نفسه بنفسه، وكان الجو صافيًا كأنه مرآة الغريبة، والنجوم تسطع فيه كمصابيح بعيدة مُعلقة في قبة الفلك، فلا تكاد تُنير طريق الجوادين في سيرهما.

ولكن الجوادين كانا قد اعتادا السير في ظلام الليل؛ ولذلك كانا يبصران الطريق المخططة كأنهما في نهار، وهذا ما جعل الفارسين يَعجبان له، وكان الهواء يهبُّ في خلال نور النجوم الضئيل باردًا ضعيفًا، فيشرحُ الصدر ويُنعش الفؤاد، وتلك الطبيعة القروية الساذجة كانت ساكنة هادئة كأنها تستريح تحت جنح الليل من عناء النهار. فأثار هذا المنظر الجميل في نفس جرجس عاطفة الجمال الكامنة فيها، فاندفع ينشد الأناشيد التي يعرفها؛ فهل درى حينئذ ذلك القروي الجاهل الساذج أنه بعمله دلَّ على أن نفسه كانت في تلك البرهة أرقى من نفسَيْ رفيقيه الحضرِيَّين؟!

إنَّ نفسه لدى مناظر الليل البهيَّة ثارت على غير علم منها، واندفعت تترجم بالغناء والنشيد عما كان يختلج فيها حينئذٍ من عاطفة الجمال بسبب تلك المناظر، وأما نفسا رفيقيه الحضريين فقد كانتا مشغولتين بالتثاؤب والنعاس عن الجَمال الذي كان يُحِيطُ بهما، فلا ريب أنَّ ذلك كان من أفضل الأدلة على أنَّ النفس الأولى رُبِّيت في أحضان الطبيعة قليلة الحاجات قوية على كل متاعب الحياة، والنفسان الأخريان رُبِّيَتَا ضعيفتين بين جدران المدن لا تستطيعان مقاومة سُلطان ضعيف كسلطان النعاس الذي هو — لمن نام ساعتين أو ثلاثًا — أخف الحاجات الطبيعية.

ولمَّا أخذ جرجس في الإنشاد أصغى إليه كليم وسليم. وقال كليم: اسمع أغاني الجبل. وكان جرجس ينشد:

حنيانا يا حنيانا يا حنيانا
يا قمر سلِّم على غيابنا

فضحك كليم وقال: من سوء الحظِّ أنَّ القَمَر غائبٌ أيضًا. فضَحِكَ سليم لهذه الحاشية، أما جرجس فإنه كان مستمرًّا في الإنشاد:

يا ظريف الطول وقِّف تقولك
رايح عالغربه وبلادك أحسن لك
خايف يا محبوب تروح وتتملَّك
بتعاشر الغير وتنساني أنا

فهنا التفت سليم إلى جرجس وصاح به: ما هذا! ما هذا الغناء؟ أَعِدْه. فأعاده جرجس، فتنهد سليم وقال: لله دَرُّ قائل هذين البيتين، فكأنه خرق بنظره حجاب الغيب وتنبأ عما يكون من المهاجرة إلى أميركا — (خايف يا محبوب تروح وتتملَّك) نعم قد راح المحبوبون وتملكوا هناك. (بتعاشر الغير وتنساني أنا) نعم قد عاشروا الأميركيين وامتزجوا بهم، وكثيرون منهم نسوا بلادهم وتجنسوا بغير جنسيتهم، فيا أيُّها الشاعر العاميُّ الذي كُشِفَ له الغطاء عن المستقبل قبل وقوعه، إنك شاعر عظيم، وإن كنت لا تعرف القراءة والكتابة.

وبعد سكوت خمس دقائق التفتَ كليم إلى سليم وسأله: على أي شيء عزمنا الآن في سفرنا هذا؟ هل نذهب إلى أهدن لمشاهدة أصحابنا فيها أم لا؟ فقال سليم: الأمر إليك. فقال كليم: بما أننا ذاهبون الآن إلى الأرز عن طريق الحدث، وهي الطريق الغربية، فإننا نعود منه عن الطريق الشرقية طريق أهدن. فسأل سليم: إذن لا نعود إلى الحدث بعد مُبارحتها؟ فقال كليم: كلا، فإنَّ طريق أهدن مقابلة لطريق الحدث. فقال سليم: إذن يجب أن نُقيم عشرة أيام في الحدث بدل الخمسة التي اتَّفَقْنَا عليها؛ وذلك إكرامًا لصاحبنا فيها. فقال كليم: سنرى ذلك بعد وصولنا.

وبعد نصف ساعة انقضى في سكوت تامًّ؛ لأنَّ كل واحد من الرُّفقاء الثلاثة كان يُناجي نفسه، وإذا بجرجس يَصيح ملء صوته: الحمد لله! فقال كليم: ماذا؟ فقال جرجس: طلعت النجمة.

فالتفت كليم وسليم إلى جهة الشرق، وكانت أمامهما فأبصرا «الزهرة» في طرف المشرق من وراء الجبال تتهادى بجمالها الفتان ونورها الباهر تَتِيه به على جميع النجوم الزواهر التي كانت تزيِّن حينئذ قبة الفلك الدائر، فصاح كليم وسليم لدى هذا المنظر الفخيم: تبارك الخالق، تبارك الخالق! أما جرجس فإنه رفع يديه نحو رفيقته في أسفاره وقال: هلَّكِ ومستهلَّكِ جعلك علينا يومًا مباركًا. فنسي لفرحه أنَّ هذا الكلام يُقال للهلال حين ظهوره في أول الشهر لا لنجم الصباح، ولكن ما الذي يمنع جرجس أن يقول لرفيقته المحبوبة ما يُقال للهلال عادة؟ هل هو أفضل منها؟ كلَّا؛ لأنها تهدي في آخر الليل كما يهدي الهلال في أوله، وإذا كان لأحدهما مزية على الآخر فالمزية (للنجمة) الجميلة؛ ذلك لأنَّ صحبة الهلال تنتهي بالاستياء منه لأفوله، ويبقى المسافر حزينًا بعده لما يجده من الوحشة، أما صحبة (الزهرة) فتنتهي بالسرور؛ لأنها رسول الصَّباح ومقدمة النور، وكل الذين عانَوا مَشَاقَّ السفر في الظلام في ليالي البرد والمطر والريح وأخطار الطريق يعرفون قدر (الزهرة)، متى طلعت تبشِّر بدنو الشمس التي تنعش وتدفئ والنهار الذي يبعد الأخطار، فهي عندهم رسول الأمل وابتسامة الطمأنينة، وعهد من الخالق على نفسه أن لا يجعل ظلام الليل ظلامًا أبديًّا، فهي إذن عندهم حاجة وضرورة لا مَسَرَّة يُلهى بها وتُفرَّج النفس بمشاهدتها؛ ولذلك كانت حياتهم ومَعِيشتهم مرتبطة بحياتها، وهذا هو السَّبب في أنه بينما كان سليم وكليم يخاطبانها بقولهم: «يا إلاهة الجمال التي عبدها الأقدمون، يا عروس كواكب السماء، يا مضيِّعة ابن رشد»٣ — كان المكاري جرجس ينظر إلى دليلته السماوية نظر المرؤوس إلى رئيس له تربطه به مصالح ومنافع متبادلة، لا لمجرد الاستحسان فقط.

ولو مُثِّلت الزهرة حينئذ فتاة — كما كان يمثِّلها المتقدمون — لشُوهدت تبتسم للمُكاري جرجس، وتهتم به أشد من اهتمامها برفيقيه الحضريين الظريفين.

هوامش

(١) La Cigale et La Fourmie قصة «الجدجد والنملة» مشهورة، وخلاصتها أن تلك الحشرة التي تصرف أوقاتها في الغناء جاءت في الشتاء إلى النملة وطلبت منها أن تُقرضها شيئًا من القوت حتى يمضي فصل الشتاء، فأجابتها النملة: ولكن ماذا كنتِ تصنعينَ في الصيف في أيام الحصاد؟ ولماذا لم تدخري شيئًا لهذا اليوم العصيب؟ فأجابتها الحشرة: في أيام الحصاد كنت أغني. فضحكت النملة وأجابت: كنتِ تغنين يومئذٍ؟ فارقصي الآن. وقد أراد لافونتين بهذا المثل البديع إظهار وجوب التدبير والادِّخار لأوقات الضيق.
(٢) لابرويير.
(٣) وجدوا في تلاخيص الفيلسوف ابن رشد في حياته هذه العبارة: «ظهر أن الزهرة أحد الآلهة.» فكان هذا القول من جملة الأسباب التي اتخذوها لنفيه والنقمة عليه. راجع كتابنا ابن رشد وفلسفته، الصفحة ١٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤