فلما كانت الليلة ١٤٣

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنه جلس على الفسقية وما زال ينزح الماء على رأسه إلى أن تعب، فخرج إلى الحوض البارد فلم يجد أحدًا، فاختلى بنفسه وطلع قطعة حشيش وبلعها، فساحت في مخه فانقلب على الرخام، وخيَّلَ له الحشيش أن مهتارًا كبيرًا يكبسه، وعبدين واقفان على رأسه؛ واحد معه الطاسة، والآخَر معه آلة الحمَّام وما يحتاج إليه البلان، فلما رأى ذلك قال في نفسه: كأن هؤلاء غلطوا فيَّ أو من طائفتنا الحشاشين. ثم إنه مد رجليه، فتخيَّلَ له أن البلان قال له: يا سيدي، قد أزف الوقت على طلوعك، واليوم نوبتك. فضحك وقال في نفسه: ما شاء الله يا حشيش. ثم قعد وهو ساكت، فقام البلان وأخذ بيده، وأدار على وسطه ميزرًا من الحرير الأسود، ومشى العبدان وراءه بالطاسات والحوائج، ولم يزالوا به حتى أدخلوه الخلوة وأطلقوا فيها البخور، فوجدها ملآنة من سائر الفواكه والمشموم، وشقُّوا له بطيخة، وأجلسوه على كرسي من الأبنوس، ووقف البلان يغسله، والعبدان يصبَّان الماء، ثم دلكوه دلكًا جيدًا وقالوا له: يا مولانا الصاحب، نعيم دائم. ثم خرجوا وردُّوا عليه الباب، فلما تخيَّلَ ذلك، قام ورفع الميزر من وسطه، وصار يضحك إلى أن غُشِي عليه، واستمر ساعة يضحك، ثم قال في نفسه: ما بالهم يخاطبونني خطاب الوزير، ويقولون يا مولانا الصاحب؟ ولعل الأمر التبس عليهم في هذه الساعة، وبعد ذلك يعرفونني ويقولون هذا زليط، ويشبعون صكًّا في رقبتي.

ثم إنه استحمى وفتح الباب، فتخيَّل أن مملوكًا صغيرًا وطواشيًّا قد دخلَا عليه؛ فالمملوك معه بقجة، ففتحها وأخرج منها ثلاث فوط من الحرير، فرمى الأولى على رأسه، والأخرى على أكتافه، وحزمه بالثالثة، وقدم له الطواشي قبقابًا فلبسه، وأقبلت عليه مماليك وطواشية وصاروا يسندونه، وكل ذلك حصل وهو يضحك إلى أن خرج، وطلع الليوان، فوجد فرشًا عظيمًا لا يصلح إلا للملوك، وتبادرت إليه الغلمان، وأجلسوه على المرتبة، وصاروا يكبسونه حتى غلب عليه النوم، فلما نام رأى في حضنه صبية فباسها، ووضعها بين فخذيه، وجلس منها مجلس الرجل من المرأة، وقبض ذكره بيده، وسحبها عنده وعصرها تحته، وإذا بواحد يقول له: انتبه يا زليط، قد جاء الظهر وأنت نائم. ففتح عينه فوجد روحه على الحوض البارد، وحوله جماعة يضحكون عليه، وأيره قائم، والفوطة انحلت من وسطه، وتبيَّنَ له أن كل هذا أضغاث أحلام وتخيلات حشيش، فاغتمَّ ونظر إلى الذي نبَّهَه، وقال: كنت اصبر حتى أحطَّه. فقال له الناس: أَمَا تستحي يا حشاش وأنت نائم وذكرك قائم؟ وصكوه حتى احمرَّ قفاه وهو جيعان، وقد ذاق طعم السعادة وهو في المنام.

فلمَّا سمع «كان ما كان» من الجارية هذا الكلام، ضحك حتى استلقى على قفاه، وقال لباكون: يا دادتي، إن هذا حديث عجيب؛ فإني ما سمعت مثل هذه الحكاية، فهل عندك غيرها؟ فقالت له: نعم. ثم إن الجارية باكون لم تزل تحدِّث «كان ما كان» بمخارق حكايات ونوادر مضحكات حتى غلب عليه النوم، ولم تزل تلك الجارية جالسة عند رأسه حتى مضى غالب الليل، فقالت في نفسها: هذا وقت انتهاز الفرصة. ثم نهضت وسلَّت الخنجر، ووثبت على «كان ما كان» وأرادت ذبحه، وإذا بأم «كان ما كان» دخلت عليهما، فلمَّا رأتها باكون قامت لها واستقبلتها، ثم لحقها الخوف فصارت تنتفض كأنها أخذتها الحمَّى، فلما رأتها أم «كان ما كان» تعجَّبت ونبَّهت ولدها من النوم، فلما استيقظ وجد أمه جالسة فوق رأسه، وكان السبب في حياته مجيئها، وسبب مجيء أمه إليه أن «قضى فكان» سمعت الحديث والاتفاق على قتله، فقالت لأمه: يا زوجة عمي، الحقي ولدك قبل أن تقتله العاهرة باكون. وأخبرتها بما جرى من أوله إلى آخره، فخرجت وهي لا تفعل شيئًا حتى دخلت في الساعة التي نام فيها، وهمَّت باكون عليه تريد ذبحه، فلما استيقظ قال لأمه: لقد جئتِ يا أمي في وقت طيب، ودادتي باكون حاضرة عندي في تلك الليلة. ثم إنه التفت إلى باكون، وقال لها: بحياتي عليك، هل تعرفين حكاية أحسن من الحكايات التي حدَّثتني بها؟ فقالت له الجارية: وأين ما حدَّثتك به سابقًا مما أحدِّثك به الآن؟ فإنه أعذب وأغرب، ولكن أحكيه لك في غير هذا الوقت. ثم قامت باكون وهي لا تصدق بالنجاة، فقال لها: مع السلامة. ولمحت بمكرها أن أمه عندها خبر بما حصل، فذهبت إلى حالها، فعند ذلك قالت له والدته: يا ولدي، هذه ليلة مباركة حيث نجَّاك الله من هذه الملعونة. فقال لها: وكيف ذلك؟ فأخبرته بالأمر من أوله إلى آخِره، فقال لها: يا والدتي، إن الحي ما له قاتل، وإنْ قُتِل لا يموت، ولكن الأحوط لنا أننا نرحل من عند هؤلاء الأعداء، والله يفعل ما يريد.

فلما أصبح الصباح خرج «كان ما كان» من المدينة، واجتمع بالوزير دندان، وبعد خروجه حصلت أمور بين الملك ساسان ونزهة الزمان أوجبت خروج نزهة الزمان أيضًا من المدينة، فاجتمعت بهم، واجتمع عليهم أرباب دولة الملك ساسان الذين يميلون إليهم، فجلسوا يدبِّرون الحيلة، فأجمع رأيهم على غزو ملك الروم وأخذ الثأر، ثم توجهوا إلى غزو الروم ووقعوا في أسر الملك رومزان بعد أمور يطول شرحها كما يظهر من السياق. فلما أصبح، أمَرَ الملكُ رومزان أن يحضر «كان ما كان» والوزير دندان وجماعتهما، فحضروا بين يديه وأجلسهم بجانبه، وأمر بإحضار الموائد فأُحضِرت، فأكلوا وشربوا واطمأنوا بعد أن أيقنوا بالموت لما أمر بإحضارهم، وقالوا لبعضهم: إنه ما أرسَلَ إلينا إلا لأنه يريد قتلنا. وبعد أن اطمأنوا قال لهم الملك: إني رأيت منامًا، وقصصته على الرهبان، فقالوا: ما يفسِّره لك إلا الوزير دندان. فقال له الوزير: خيرًا رأيتَ يا ملك الزمان. فقال له: أيها الوزير، رأيتُ أني في حفرة على صفة بئر أسود، وكان أقوامًا يعذبونني، فأردتُ القيامَ، فلمَّا نهضت وقعت على أقدامي، وما قدرت على الخروج من تلك الحفرة، ثم التفتُّ فرأيت فيها مِنْطَقة من ذهب، فمددت يدي لآخذها، فلما رفعتها من الأرض رأيتها مِنْطقتين، فشددت وسطي بهما، فإذا هما قد صارتا مِنْطقة واحدة، وهذا أيها الوزير منامي، والذي رأيته في لذيذ أحلامي.

فقال له الوزير دندان: اعلم يا مولانا السلطان، أن رؤياك تدل على أن لك أخًا وابن أخ أو ابن عم أو أحدًا يكون من أهلك من دمك ولحمك، وعلى كل حال هو من العصب. فلما سمع الملك هذا الكلام، نظر إلى كان ما كان ونزهة الزمان وقضى فكان والوزير دندان ومَن معهم من الأسارى، وقال في نفسه: إذا رميت رقابَ هؤلاء انقطعت قلوب عسكرهم بهلاك أصحابهم، ورجعت إلى بلادي عن قريب لئلا يخرج الملك من يدي. ولما صمَّمَ على ذلك استدعى بالسيَّاف وأمره أن يضرب رقبة «كان ما كان» من وقته وساعته، وإذا بداية الملك قد أقبلَتْ في تلك الساعة، فقالت له: أيها الملك السعيد، على ماذا عوَّلتَ؟ فقال لها: عوَّلتُ على قتل هؤلاء الأسارى الذين في قبضتي، وبعد ذلك أرمي رءوسهم إلى أصحابهم، ثم أحمل أنا وأصحابي عليهم حملة واحدة، فنقتل الذي نقتله ونهزم الباقي، وتكون هذه وقعة الانفصال، وأرجع إلى بلادي عن قريب قبل أن يحدث بعد الأمور أمور في مملكتي.

فعندما سمعت منه دايته هذا الكلام، أقبلَتْ عليه وقالت له بلسان الإفرنج: كيف يطيب عليك أن تقتل ابن أختك وأختك وابنة أختك؟ فلما سمع الملك من دايته هذا الكلام، اغتاظ غيظًا شديدًا وقال لها: يا ملعونة، ألم تعلمي أن أمي قد قُتِلت، وأن أبي قد مات مسمومًا، وأعطيتني خرزة وقلتِ لي: إن هذه الخرزة كانت لأبيك، فلِمَ لا تَصدُقيني في الحديث؟ فقالت له: كل ما أخبرتك به صدق، ولكن شأني وشأنك عجيب، وأمري وأمرك غريب؛ فإنني أنا اسمي مرجانة، واسم أمك إبريزة، وكانت ذات حُسْنٍ وجمال، وشجاعتها تُضرَب بها الأمثال، واشتهرت بالشجاعة بين الأبطال، وأما أبوك فإنه الملك عمر النعمان صاحب بغداد وخراسان من غير شك ولا ريب، ولا رجم غيب، وكان قد أرسل ولده شركان إلى بعض غزواته صحبة هذا الوزير دندان، وكان منهم الذي قد كان، وكان أخوك الملك شركان تقدَّمَ على الجيوش، وانفرد وحده عن عسكره، فوقع عند أمك الملكة إبريزة في قصرها، ونزلنا وإياها في خلوة للصراع، فصادفنا ونحن على تلك الحالة، فتصارع مع أمك وغلبته لباهر حسنها وشجاعتها، ثم استضافته أمك مدة خمسة أيام في قصرها، فبلغ أباك ذلك الخبر من العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي، وكانت أمك قد أسلمت على يد شركان أخيك، فأخذها وتوجه بها إلى مدينة بغداد سرًّا، وكنت أنا وريحانة وعشرون جارية معها، وكنا قد أسلمنا كلنا على يد الملك شركان، فلما دخلنا على أبيك الملك عمر النعمان، ورأى أمك الملكة إبريزة، وقع في قلبه محبتها، فدخل عليها ليلة واختلى بها فحملت بك، وكان مع أمك ثلاث خرزات فأعطتها لأبيك، فأعطى خرزة لابنته نزهة الزمان، وأعطى الثانية لأخيك ضوء المكان، وأعطى الثالثة لأخيك الملك شركان، فأخذتها منه الملكة إبريزة وحفظتها لك، فلما قربت ولادتها اشتاقت أمك إلى أهلها، وأطلعتني على سرها، فاجتمعت بعبد أسود يقال له الغضبان، وأخبرته بالخبر سرًّا، ورغَّبته في أن يسافر معنا، فأخذنَا العبد وطلع بنا من المدينة وهرب بنا، وكانت أمك قد قربت ولادتها، فلما دخلنا على أوائل بلادنا في مكان منقطع، أخذ أمك الطلق بولادتك، فحدَّث العبد نفسه بالخنا فأتى أمك، فلما قرب منها راودها على الفاحشة، فصرخت عليه صرخة عظيمة وانزعجت منه، فمن عظم انزعاجها وضعتك حالًا، وكان في تلك الساعة قد طلع علينا في البر من ناحية بلادنا غبار قد علا وطار حتى سد الأقطار، فخشي العبد على نفسه الهلاك، فضرب الملكة إبريزة بسيفه فقتلها من شدة غيظه، وركب جواده وتوجه إلى حال سبيله، وبعدما راح العبد انكشف الغبار عن جدك الملك حردوب ملك الروم، فرأى أمك ابنته وهي في ذلك المكان قتيلة، وعلى الأرض جديلة، فصعب ذلك عليه وكبر لديه، وسألني عن سبب قتلها وعن سبب خروجها خفية من بلاد أبيها، فحكيتُ له جميع ذلك من الأول إلى الآخِر؛ وهذا هو سبب العداوة بين أهل بلاد الروم وبين أهل بغداد، فعند ذلك احتملنا أمك وهي قتيلة، ودفناها في قصرها، وقد احتملتُكَ أنا وربَّيْتُك، وعلَّقْتُ لك الخرزة التي كانت مع أمك الملكة إبريزة، ولما كبرت وبلغت مبلغ الرجال، لم يمكنِّي أن أخبرك بحقيقة الأمر؛ لأنني لو أخبرتك بذلك لثارت بينكم الحروب، وقد أمرني جدك بالكتمان، ولا قدرة لي على مخالفة أمر جدك الملك حردوب ملك الروم، فهذا سبب كتمان الخبر عنك، وعدم إعلامك بأن أباك الملك عمر النعمان، فلما استقللتَ بالمُلْك أخبرتُكَ، وما أمكنني أن أُعلِمَك إلا في هذا الوقت يا ملك الزمان، وقد كشفتُ لك السرَّ والبرهان، وهذا ما عندي من الخبر، وأنت برأيك أخبر.

وكان الأسارى قد سمعوا من الجارية مرجانة داية الملك هذا الكلام جميعه؛ فصاحت نزهة الزمان من وقتها وساعتها صيحة عظيمة، وقالت: هذا الملك رومزان أخي من أبي عمر النعمان، وأمه الملكة إبريزة بنت الملك حردوب ملك الروم، وأنا أعرف هذه الجارية مرجانة حق المعرفة. فلمَّا سمع الملك رومزان هذا الكلام أخذته الحدة، وصار متحيِّرًا في أمره، وأحضر من وقته وساعته نزهة الزمان بين يديه، فلما رآها حنَّ الدم للدم، واستخبرها عن قصته فحكت له القصة، فوافَقَ كلامُها كلامَ دايته مرجانة، فصحَّ عند الملك أنه من أهل العراق من غير شك ولا ارتياب، وأن أباه الملك عمر النعمان، فقام من تلك الساعة وحلَّ كتاف أخته نزهة الزمان، فتقدَّمَتْ إليه وقبَّلت يديه، ودمعت عيناها، فبكى الملك لبكائها، وأخذته حنيَّة الأخوَّة، ومال قلبه إلى ابن أخيه السلطان «كان ما كان»، وقام ناهضًا على قدميه، وأخذ السيف من يد السيَّاف، فأيقن الأسارى بالهلاك لما رأوا منه ذلك، فأمر بإحضارهم بين يديه وفك وثاقهم، وقال لدايته مرجانة: اشرحي حديثك الذي شرحتِه لي لهؤلاء الجماعة. فقالت دايته مرجانة: اعلم أيها الملك أن هذا الشيخ هو الوزير دندان، وهو لي أكبر شاهد؛ لأنه يعرف حقيقة الأمر. ثم إنها أقبلت عليهم من وقتها وساعتها، وعلى مَن حضرهم من ملوك الروم وملوك الإفرنج، وحدَّثتهم بذلك الحديث، والملكة نزهة الزمان والوزير دندان ومَن معها من الأسارى يصدقونها على ذلك، وفي آخِر الحديث لاحت من الجارية مرجانة التفاتة، فرأت الخرزة الثالثة بعينها رفيقة الخرزتين اللتين كانتا مع الملكة إبريزة في رقبة السلطان «كان ما كان» فعرفتها، فصاحت صيحة عظيمة دوَّى لها الفضاء، وقالت للملك: يا ولدي، اعلم أنه قد زاد في تلك الساعة صدق يقيني؛ لأن هذه الخرزة التي في رقبة هذا الأسير نظير الخرزة التي وضعتها في عنقك، وهي رفيقتها، وهذا الأسير هو ابن أخيك، وهو «كان ما كان».

ثم إن الجارية مرجانة التفتت إلى «كان ما كان»، وقالت له: أرني هذه الخرزة يا ملك الزمان. فنزعها من عنقه وناولها لتلك الجارية داية الملك رومزان، فأخذتها منه ثم سألَتْ نزهة الزمان عن الخرزة الثالثة فأعطتها لها، فلما صارت الخرزتان في يد الجارية، ناولتهما للملك رومزان فظهر له الحق والبرهان، وتحقق أنه عم السلطان «كان ما كان»، وأن أباه الملك عمر النعمان، فقام من وقته وساعته إلى الوزير دندان وعانقه، ثم عانق الملك «كان ما كان»، وعلا الصياح بكثرة الأفراح، وفي تلك الساعة انتشرت البشائر، ودقت الكاسات والطبول، وزمرت الزمور، وزادت الأفراح، وسمع عساكر العراق والشام ضجيج الروم بالأفراح، فركبوا عن آخرهم، وركب الملك الزبلكان، وقال في نفسه: يا ترى ما سبب هذا الصياح والسرور الذي في عسكر الإفرنج والروم؟ وأما عسكر العراق فإنهم قد أقبلوا، وعلى القتال عوَّلوا، وصاروا في الميدان، ومقام الحرب والطعان، فالتفت الملك رومزان فرأى العساكر مقبلين للحرب متهيئين، فسأل عن سبب ذلك فأخبروه بالخبر، فأمر «قضى فكان» ابنة أخيه شركان أن تسير من وقتها وساعتها إلى عسكر الشام والعراق، وتعلمهم بحصول الاتفاق، وأن الملك رومزان ظهر أنه عم السلطان «كان ما كان»، فسارت «قضى فكان» بنفسها، ونفت عنها الشرور والأحزان حتى وصلت إلى الملك الزبلكان، وسلمت عليه وأعلمته بما جرى من الاتفاق، وأن الملك رومزان ظهر أنه عمها وعم «كان ما كان»، وحين أقبلت عليه وجدَتْه باكي العين، خائفًا على الأمراء والأعيان، فشرحت له القصة من أولها إلى آخرها، فزادت أفراحهم، وزالت أتراحهم، وركب الملك الزبلكان هو وجميع الأكابر والأعيان، وسارت قدَّامهم الملكة «قضى فكان» حتى أوصلتهم إلى سرادق الملك رومزان.

فلما دخلوا عليه وجدوه جالسًا مع ابن أخيه السلطان «كان ما كان»، وقد استشاره هو والوزير دندان في أمر الملك الزبلكان، فاتفقوا على أنهم يسلِّمون إليه مدينة دمشق الشام ويتركونه ملكًا عليها كما كان مثل العادة، وهم يدخلون إلى العراق؛ فجعلوا الملك الزبلكان عاملًا على دمشق الشام، ثم أمروه بالتوجُّه إليها، فتوجَّه بعساكره إليها، ومشوا معه ساعة لأجل الوداع، وبعد ذلك رجعوا إلى مكانهم، ثم نادوا في العسكر بالرحيل إلى بلاد العراق، واجتمع العسكران مع بعضهم، ثم إن الملوك قالوا لبعضهم: ما بقيت قلوبنا تستريح ولا يشفى غيظنا إلا بأخذ الثأر، وكشف العار بالانتقام من العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي، فعند ذلك سار الملك رومزان مع خواصه وأرباب دولته، وفرح السلطان «كان ما كان» بعمِّه الملك رومزان، ودعا للجارية مرجانة حيث عرَّفتهم ببعضهم، ثم ساروا، ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى أرضهم، فسمع بهم الحاجب الكبير ساسان، فطلع وقبَّل يد الملك رومزان فخلع عليه. ثم إن الملك رومزان جلس وأجلس ابن أخيه السلطان «كان ما كان» إلى جانبه، فقال «كان ما كان» إلى عمه الملك رومزان: يا عم، ما يصلح هذا الملك إلا لك. فقال له: معاذ الله أن أعارضك في ملكك. فعند ذلك أشار عليهما الوزير دندان أن يكون الاثنان في الملك سواء، وكل واحد يحكم يومًا، فارتضيا بذلك. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤