فلما كانت الليلة ٢٧١

حكاية معن بن زائدة

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجواري أقبلن على معن حاملات ثلاث قِرَب ماء فاستسقاهن فأسقينه، فطلب شيئًا من غلمانه ليعطيه للجواري فلم يجد معهم مالًا؛ فدفع لكل واحدة منهن عشرة أسهم من كنانته نصولها من الذهب، فقالت إحداهن لصاحبتيها: لم تكن هذه الشمائل إلا لمعن بن زائدة، فَلْتَقُلْ كل واحدة منكن شيئًا من الشعر مدحًا فيه، فقالت الأولى:

يُرَكِّبُ فِي السِّهَامِ نُصُولَ تِبْرٍ
وَيَرْمِي لِلْعِدَى كَرَمًا وَجُودَا
فَلِلْمَرْضَى عِلَاجٌ مِنْ جِرَاحٍ
وَأَكْفَانٌ لِمَنْ سَكَنَ اللُّحُودَا

وقالت الثانية:

وَمُحَارِبٍ مِنْ فَرْطِ جُودِ بَنَانِهِ
عَمَّتْ مَكَارِمُهُ الْأَحِبَّةَ وَالْعِدَى
صِيغَتْ نُصُولُ سِهَامِهِ مِنْ عَسْجَدٍ
كَيْ لَا تُعَوِّقُهُ الْحُرُوبُ عَنِ النَّدَى

وقالت الثالثة:

وَمِنْ جُودِهِ يَرْمِي الْعِدَاةَ بِأَسْهُمٍ
مِنَ الذَّهَبِ الْإِبْرِيزِ صِيغَتْ نُصُولُهَا
لِيُنْفِقَهَا الْمَجْرُوحُ عِنْدَ دَوَائِهِ
وَيَشْتَرِيَ الْأَكْفَانَ مِنْهَا قَتِيلُهَا

وقيل إن معن بن زائدة خرج في جماعته إلى الصيد، فقرب منهم قطيع ظباء فافترقوا في طلبه، وانفرد معن خلف ظبي، فلما ظفر به نزل فذبحه، فرأى شخصًا مقبلًا من البرية على حمار، فركب فرسه واستقبله فسلَّم عليه وقال له: من أين أتيت؟ قال له: أتيت من أرض قضاعة، وإن لها مدة من السنين مجدبة، وقد أخصبت في هذه السنة فزرعت فيها مقاتًا فطرحت في غير وقتها، فجمعت منها ما استحسنته من القثاء، وقصدتُ الأميرَ معن بن زائدة لكرمه المشهور، ومعروفه المأثور. فقال له: كم أملت منه؟ قال: ألف دينار. فقال له: فإن قال لك هذا القدر كثير؟ قال: خمسمائة دينار. قال: فإن قال لك كثير؟ قال: ثلاثمائة دينار. قال: فإن قال لك كثير؟ قال: مائتي دينار. قال: فإن قال لك كثير؟ قال: مائة دينار. قال: فإن قال لك كثير؟ قال: خمسين دينارًا. قال: فإن قال لك كثير؟ قال: ثلاثين دينارًا. قال: فإن قال لك كثير؟ قال: أدخلت قوائم حماري في حرمه ورجعت إلى أهلي صفر اليدين. فضحك معن من كلامه وساق جواده حتى لحق بعسكره، ونزل في منزله، وقال لحاجبه: إذا أتاك شخص على حمار بقثاء فأدخله عليَّ. فأتى ذلك الرجل بعد ساعة فأذن له الحاجب بالدخول، فلما دخل على الأمير معن لم يعرف أنه هو الذي قابله في البرية لهيبته وجلالته وكثرة خدمه وحشمه، وهو متصدِّر في دست مملكته، والحفدة قيام عن يمينه وعن شماله وبين يديه، فلما سلم عليه قال له الأمير: ما الذي أتي بك يا أخا العرب؟ قال: أملت الأمير، وأتيت له بقثاء في غير أوانها. فقال له: كم أملت منَّا؟ قال: ألف دينار. قال: هذا القدر كثير. قال: خمسمائة دينار. قال: كثير. قال: ثلاثمائة دينار. قال: كثير. قال: مائتي دينار. قال: كثير، قال: مائة دينار. قال: كثير. قال: خمسين دينارًا. قال: كثير. قال: ثلاثين دينارًا. قال: كثير. قال: والله لقد كان ذلك الرجل الذي قابلني في البرية مشئومًا، أفلا أقل من ثلاثين دينارًا؛ فضحك معن وسكت. فعلم الأعرابي أنه هو الرجل الذي قابله في البرية، فقال له: يا سيدي، إذا لم تجئ بالثلاثين دينارًا فها هو الحمار مربوط بالباب، وها معن جالس. فضحك معن حتى استلقى على قفاه، ثم استدعى بوكيله وقال: أعطه ألف دينار، وخمسمائة دينار، وثلاثمائة دينار، ومائتي دينار، ومائة دينار، وخمسين دينارًا، وثلاثين دينارًا، ودع الحمار مربوطًا مكانه. فبُهت الأعرابي، وتسلَّم الألفين ومائة دينار وثمانين دينارًا. فرحمة الله عليهم أجمعين.

حكاية بلدة لبطة

وبلغني أيها الملك السعيد، أن بلدةً يقال لها لبطة، وكانت دار مملكة بالروم، وكان فيها قصر مقفول دائمًا، وكلما مات ملك وتولى بعده ملك آخَر من الروم رمى عليه قفلًا محكمًا، فاجتمع على الباب أربعة وعشرون قفلًا، من كل ملك قفل. ثم تولى بعدهم رجل ليس من أهل بيت المملكة، فأراد فتح تلك الأقفال ليرى ما داخل ذلك القصر، فمنعه من ذلك أكابر الدولة، وأنكروا عليه وزجروه، فأبى وقال: لا بد من فتح ذلك القصر. فبذلوا له جميع ما بأيديهم من نفائس الأموال والذخائر على عدم فتحه، فلم يرجع. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤