أول لوك اوي، رب الأحلام

لا يوجد في العالم كله من يعرف عددًا كبيرًا من الحكايات أو يستطيع أن يحكيَها بأسلوب شائق جدًّا مثل أول لوك اوي.

حين يحل المساء ويكون الأطفال جالسين إلى مائدة الشاي أو على مقاعدهم الصغيرة، تراه يصعد الدرج في هدوء شديد، فهو يسير مرتديًا جوربًا. ثم يفتح الباب دون أن يُحدِث أدنى ضجة، ويُلقي كمية صغيرة من التراب الشديد الرقة في عيون الصغار (ما يكفي لمنعهم من فتحها)، وهكذا لا يرونه. ثم يتسلل خلفهم وينفخ الهواء برقة في أعناقهم حتى تبدأ رءوسهم تثقل وينامون.

لكن أول لوك اوي لا يريد أن يُؤذيهم؛ فهو يحب الأطفال حبًّا جمًّا ويريد فقط أن يكونوا هادئين حتى يستطيع أن يقص عليهم حكايات مسلية، وهو يعلم أنهم لا يكونون هادئين أبدًا إلا وهم في الفراش نائمون. وهكذا يجلس أول لوك اوي على الفراش بمجرد أن يخلدوا للنوم، وهو يرتدي ملابس جميلة؛ فمعطفه مصنوع من حرير، يستحيل أن تُحدد لونه، فهو يتغير من الأخضر إلى الأحمر ومن الأحمر إلى الأزرق وهو يلتفت من جانب إلى آخر. وهو يحمل تحت كل ذراع مظلة؛ إحداهما بداخلها صور جميلة، يرفعها فوق الأطفال الطيبين، فيحلمون بقصص مبهجة للغاية. أما المظلة الأخرى فليس بها صور، وهو يحملها فوق الأطفال المشاغبين، فينامون نومًا ثقيلًا ويستيقظون في الصباح دون أن يكون قد راودهم أي أحلام مطلقًا.

والآن سنعرف كيف ظل أول لوك اوي يأتي لصبي صغير يُدعى يالمار كل ليلة طيلة أسبوع، وما الذي أخبره به. لقد أخبره بسبع قصص بعدد أيام الأسبوع.

يوم الاثنين

قال أول لوك اوي في المساء، حين كان يالمار في الفراش: «فلتنتبه الآن بينما أُزين الحجرة.»

وفي الحال صارت كل الزهور التي في أصُص الزرع أشجارًا كبيرة ذات فروع طويلة بلغت السقف وتمتد على الجدران، حتى بدَت الحُجرة بأكملها كأنها مُستنبت. وكانت كل الفروع محمَّلة بالزهور، وكل زهرة في جمال وعبير الوردة، وإذا تذوقَها أي شخص كان سيجد مذاقها أحلى من المربى. وكانت الثمار تلمع كالذهب، وكان هناك كعك امتلأ عن آخره بالبرقوق حتى كاد يتشقق. كانت الحجرة جميلة جمالًا منقطع النظير.

في الوقت نفسه تصاعد أنينٌ حزين من درج المنضدة الذي يضع فيه يالمار كتبه المدرسية.

قال أول لوك اوي وهو يذهب إلى المنضدة ويفتح الدرج: «ما هذا يا ترى؟»

كان لوح الكتابة متكدرًا للغاية بسبب رقم خطأ في عملية حسابية حتى إنه أوشك أن يكسر نفسه. في حين أخذ القلم يشد سلسلته ويجذبها كأنه كلب صغير يُريد أن يُساعد ولا يستطيع.

ثم جاء أنين من كراسة يالمار. وقد كان له وقع فظيع تمامًا في الأذن! كان في كل صفحة صف من الحروف الكبيرة، وبجانب كل واحد منها حرف صغير. كانت هذه مطبوعة، وجاء أسفلها حروف أخرى كتبها يالمار بنفسه، وقد كانت تعتقد أنها تبدو مثل الحروف المطبوعة، لكنها كانت مخطئة؛ إذ كانت مائلة على جنبها كما لو كانت ستسقط من السطور.

قالت الحروف المطبوعة: «انظروا، هكذا يجب أن تقفوا. انتبهوا، لا بد أن تميلوا هكذا، في انحناءة أنيقة.»

قالت حروف يالمار: «أوه، نحن نرغب بشدة في فعل هذا، لكننا لا نستطيع؛ فقد كُتِبنا على نحو رديء للغاية.»

قال أول لوك اوي: «إذن لا بد أن تُمسَحوا.»

صاحت الحروف: «أوه، لا!» ثم وقفت في رشاقة حتى صار منظرها مبهجًا جدًّا للعين.

قال أول لوك اوي: «لا بد أن نُنحِّي الحكايات جانبًا ونُمرن هذه الحروف. واحد، اثنان … واحد، اثنان.» وهكذا دربها حتى انتصبت في رشاقة وبدت جميلة مثل الحروف المطبوعة. لكن بعد أن رحل أول لوك اوي، ونظر إليها يالمار في الصباح، كانت رديئة ومرتبكة كما كانت.

يوم الثلاثاء

بمجرد أن خلَد يالمار للفراش، لمس أول لوك اوي بعصاه السحرية الصغيرة كل أثاث الحجرة، الذي راح يُثرثر في الحال. وأخذت كل قطعة تتكلم عن نفسها فقط.

كان معلقًا فوق صوان الأدراج إطار ذهبي بداخله صورة كبيرة، لمنظر طبيعي، تبدو فيه أشجار عجوز جميلة، وزهور على العشب، وجدول عريض يتدفَّق في الغابة مارًّا بعدة قلاع حتى ينتهي بعيدًا عند المحيط الهادر.

لمس أول لوك اوي الصورة بعصاه السحرية، وفي الحال بدأت الطيور تُغني، واهتزت فروع الأشجار، وجالت السحب في السماء، مُلقِية بظلالها على المنظر الذي تحتها.

ثم رفع أول لوك اوي الصغير يالمار إلى الإطار ووضع قدمَيه في الصورة، على العشب المرتفع، فوقف هناك وقد سطعت فوقه الشمس مخترقة فروع الأشجار. جرى يالمار إلى الماء وجلس في قارب صغير كان هناك، وقد كان مدهونًا بالأحمر والأبيض.

لمعت أشرعة القارب كأنها فضية، وجاءت ستُّ بجعات، حول عنق كل واحدة منها حلقة ذهبية وعلى جبهتها نجمة زرقاء لامعة، وأخذت تسحب القارب عابرة به الغابة الخضراء، حيث راحت الأشجار تتحدث عن اللصوص والساحرات، وأخذت الزهور تتحدث عن العفاريت والجنيات الصغيرة الجميلة، التي حكَت لها الفراشات قصصها.

سبحت وراء القارب أسماكٌ لامعة ذات قشور كأنها من ذهب وفضة، وهي تقفز وتنثر الماء حولها بين الحين والآخر؛ في نفس الوقت طارت خلفه طيور، حمراء وزرقاء، صغيرة وكبيرة، في صفَّين طويلَين. ورقص البعوض حولهم، وطنَّت الخنافس. كلهم أرادوا أن يتبعوا يالمار، والكل كان لديه قصة ما ليخبره بها. كانت رحلة إبحار مبهجة للغاية.

figure

كانت الغابات كثيفة ومعتمة أحيانًا، وأحيانًا أخرى متألقة بأشعة الشمس والزهور مثل حديقة جميلة؛ وقد مر يالمار بقصور ضخمة من زجاج ورخام، وقفت في شرفاتها أميرات، بوجوه بنات صغيرات كان يالمار يعرفهن جيدًا وطالما لعب معهن. مدت واحدة من تلك الفتيات يدًا كان فيها قلب من السكر، والذي كان أجمل من أي حلوى باعها متجر حلوى من قبل. وبينما كان القارب يتحرك بيالمار أمسك يالمار بجانب من القلب وتشبث به، وتشبثت به الأميرة كذلك، فانكسر إلى قطعتَين. فأخذ يالمار قطعة وأخذت الأميرة الأخرى، لكن كان نصيب يالمار أكبر.

وفي كل قلعة وقف أمراء صغار كأنهم حراس. وحيَّوه بأسلحتهم شاهرين سيوف ذهبية وجعلوا السماء تُمطر برقوقًا وعساكر من الصفيح؛ لا بد إذن أنهم كانوا أُمراء حقيقيين.

واصل يالمار الإبحار، مارًّا بغابات أحيانًا، وأحيانًا بقاعات كبرى، ثم مر بمدن كبيرة. وأخيرًا وصل إلى البلدة التي تعيش فيها مربيته، التي حملته بين ذراعَيها حين كان صبيًّا صغيرًا جدًّا وطالما كانت حنونة معه. وقد هزت رأسها له وأشارت له ثم أنشدته الأبيات القليلة التالية التي ألفتها بنفسها وأرسلتها له:

تمضي ساعات وساعات وأنا أُفكر فيك
يا عزيزي يالمار، فأنت لا تزال مصدر فخري وسروري!
كم كانت بهجتي حين كنت أنحني
لأُقبِّل وجنتَيك المتوردتَين، يا ولدي العزيز!
كنت أنا من سمعت أولى كلماتك،
واليوم تطير كلمات وداعي مني إليك.
فليرعَك الرب ويَحمِك دومًا
ويبنِ لك في السماء قصرًا!

وقد شدَت كل الطيور نفس الأغنية، ورقصت الزهور على عيدانها، وهزت الأشجار العجوز رءوسها كأن أول لوك اوي كان يحكي لها هي الأخرى قصصًا.

يوم الأربعاء

كم هطلت الأمطار بغزارة! حتى إن يالمار استطاع سماعها وهو نائم، وحين فتح أول لوك اوي النافذة فاض الماء حتى ارتفع لحافة النافذة. بدا كأن بُحيرة كبيرة قد امتدت بالخارج، فيما رسَت سفينة جميلة قرب المنزل.

قال أول لوك اوي: «هلا أبحرت معي الليلة، أيها الصغير يالمار؟ فسوف نرى حينئذٍ بلادًا أجنبية، وسوف تعود إلى هنا في الصباح.»

وفي لحظة كان يالمار واقفًا في أبهى ملابسه على متن السفينة الفخمة، وفي الحال صار الجو صحوًا.

أبحرا وسط الشوارع، وحول الكنيسة، بينما امتد في كل ناحية بحر عريض هائل.

لقد أبحرا حتى غابت اليابسة، وبعد ذلك رأوا سربًا من اللقالق كانوا قد غادروا بلدهم مسافرين إلى مناطق أكثر دفئًا. كانت اللقالق تطير واحدًا خلف الآخر وقد مضى عليها بالفعل زمن طويل جدًّا في الجو.

وقد بدا أحدهم متعبًا للغاية حتى إن جناحَيه كانا بالكاد يقويان على حمله. وما لبث أن تأخر كثيرًا عن السرب. وبعد قليل هبط أكثر فأكثر، مادًّا جناحَيه يُرفرف بهما دون جدوى، حتى لمست قدماه حبال السفينة، فانزلق من الأشرعة إلى السطح حتى وقف أمامهما. أمسك به بحار صغير ووضعه في حظيرة الطيور مع الدجاج والبط والديوك، فوقف اللقلق المسكين بينها وهو في غاية الارتباك.

قال الدجاج: «فلتنظروا إلى هذا الرفيق.»

انتفخ الديك الرومي بقدر ما استطاع وتساءل من يكون، وتراجع البط بخطوات بطيئة وهو يصيح: «كاك، كاك!»

حكى لهم اللقلق جميعًا عن أفريقيا الدافئة؛ عن الأهرامات وعن النعام، الذي ينطلق مثل الحصان الجامح في أنحاء الصحراء. لكن البط لم يَعِ ما قاله، وصاحوا فيما بينهم، قائلين: «كلنا متفقون على رأي واحد، وهو أنه غبي.»

قال الديك: «نعم، من المؤكد أنه غبي.» ثم أطلق صيحة عالية.

لاذ اللقلق بالصمت وراح يُفكر في مسكنه في أفريقيا.

قال الديك: «لديك ساقان رفيعتان جميلتان، بكم الياردة منها؟»

تعالت ضحكات البط: «كاك، كاك!» بينما تظاهر اللقلق بأنه لم يسمع شيئًا.

قال له الديك: «يمكنك أن تضحك أنت أيضًا، فقد كانت ملحوظة ظريفة جدًّا، لكن ربما كانت فوق مستوى إدراكك. صحيح، إنه ليس ذكيًّا، أليس كذلك؟ سيكون في بقائه هنا تسلية كبرى لنا.» قال هذا وصاح، وكذلك صاح البط: «كوكو كوكو»؛ «كاك، كاك.»

كم كانت فظيعة الجلَبة التي يُثيرونها حين كانوا يسخرون منه!

ذهب يالمار إلى حظيرة الطيور، وفتح الباب، ونادى على اللقلق، فقفز خارجًا إلى سطح السفينة. كان اللقلق قد استراح الآن، وبانت عليه السعادة وبدا كأنه يهز رأسه ليالمار ليشكره. ثم بسَط جناحَيه وطار بعيدًا إلى بلاد أكثر دفئًا، في حين راح الدجاج يقوق، والبط يصيح، وصار رأس الديك قرمزيًا فاقعًا.

قال يالمار للطيور الداجنة: «غدًا سيُعِد منكم حساء.» ثم استيقظ فوجد نفسه في فراشه الصغير.

كانت رحلة رائعة تلك التي جعله أول لوك اوي يذهب فيها هذه الليلة.

يوم الخميس

قال رجل الأحلام: «هل تعلم ماذا معي هنا؟ لا تجزع؛ فسوف ترى فأرة صغيرة.» ثم مد يده التي كان يحمل بها كائن صغير جميل. ثم أضاف: «لقد جاءت لتدعوك إلى حفل عرس. سيتزوج فأران صغيران الليلة. إنهما يعيشان تحت أرضية حجرة التخزين الخاصة بأمك، وهو بالطبع مكان جيد للسكن.»

سأله الصبي الصغير: «لكن كيف سأستطيع الدخول من خلال فتحة الفئران الصغيرة التي في الأرضية؟»

قال رجل الأحلام: «فلتترك لي هذا الأمر لأتدبره. في الحال سأجعلك صغير الحجم بدرجة كافية.» ثم لمس الصبي بعصاه السحرية، فظل حجمه يتضاءل ويتضاءل حتى صار لا يزيد عن طول الإصبع الصغير. ثم قال له: «يمكنك الآن اقتراض رداء الجندي الصفيح خاصتك. أعتقد أنه سيكون على مقاسك بالضبط. كما أنه من اللائق ارتداء زي رسمي عند الذهاب إلى حفل.»

قال الفتى: «أجل، بالتأكيد.» وفي لحظة كان قد صار في هندام أكثر الجنود الصفيح هندامًا.

قالت الفأرة الصغيرة: «هلا تفضلت وجلست في كشتبان أمك، حتى أحظى بشرف جرك حتى مكان العرس؟»

قال الصبي: «هل ستتكبَّدين كل هذه المشقة حقًّا يا سيدتي الشابة؟» وبهذه الطريقة وصل إلى عرس الفأرَين.

نزلا تحت الأرض أولًا، ثم ذهبا في ممر طويل بالكاد سمح ارتفاعه بمرور الكشتبان، وكان الممر بأكمله مضاءً بنور الخشب المتحلل.

سألت الفأرة يالمار وهي تجره على الطريق: «أليست الرائحة جميلة؟ لقد دُهنت الجدران والأرض بقشر اللحم المقدَّد؛ ليس هناك ما هو أروع من ذلك.»

وسريعًا جدًّا وصلا إلى قاعة العرس. على اليمين وقفت الفأرات الشابة الصغيرة، يتهامسن ويضحكن كأنهن كن يسخرن بعضهن من بعض. وعلى اليسار وقف الفئران الشبان، يمسدون شواربهم بحوافرهم الأمامية. وفي وسط القاعة كان يُمكن رؤية العروسَين، واقفَين جنبًا إلى جنب في قشر جُبن مجوَّف يُقبِّل كلٌّ منهما الآخر بينما كل الأنظار متجهة إليهما.

ظل الأصدقاء يتوافدون، حتى كادت الفئران أن تموت دهسًا؛ فقد وقف العروسان عند المدخل، فلم يستطع أحد الدخول أو الخروج.

كانت الحجرة قد مُسحت بقشر اللحم المقدد مثل الممر، وكانت هذه هي كل المرطبات التي قُدِّمت للضيوف. أما على سبيل التحلية فقد مر على الجميع حبة بازلاء نقَش عليها أحد الفئران بأسنانه الحرف الأول من اسمَي العروسَين، وهو ما كان غير مألوف على الإطلاق. قالت كل الفئران إن العرس كان جميلًا جدًّا، وإنهم استمتعوا بدرجة كبيرة.

بعد ذلك عاد يالمار للبيت. لقد كان في صحبة رائعة حقًّا، لكنه اضطُر إلى الزحف تحت الأرضية وأن يجعل حجمه صغيرًا لدرجة تسمح له بأن يرتدي زي الجندي الصفيح.

يوم الجمعة

قال أول لوك اوي: «إنه لمن المدهش عدد الناس الكبار الذين يودون أن أزورهم ليلًا، خاصةً أولئك الذين ارتكبوا خطأً.

فهم يقولون لي: «أيها العجوز الطيب أول، إننا لا نستطيع أن نُغمض جفوننا، ونظل مستيقظين طوال الليل ونرى أعمالنا الشريرة جالسة على أسرَّتنا مثل شياطين صغيرة تنثر علينا ماءً مغليًّا. هلا أتيت وصرفتها بعيدًا، حتى ننعم بالراحة ونحظى بنوم هانئ؟» ثم يتنهدون تنهدات عميقة ويقولون: «إننا على أتم استعداد لأن ندفع لك المال مقابل ذلك. طابت ليلتك، يا أول لوك، النقود موجودة عند النافذة.» لكنني لا أفعل شيئًا من أجل المال.»

هنا سأله يالمار: «ماذا سنفعل الليلة؟»

أجابه أول لوك اوي: «لا أعلم ما إن كنت تود الذهاب إلى عرس آخر أم لا، وإن كان العرس هذه المرة مختلفًا تمامًا عن الذي رأيته ليلة أمس. فالدمية الكبيرة التي لدى شقيقتك، تلك التي ترتدي ملابس الرجال وتُدعى هرمان، تنوي الزواج من الدمية بيرثا. كما أنه عيد ميلاد الدُّميتَين، وسوف تتلقيان العديد من الهدايا.»

قال له يالمار: «نعم، لديَّ علم بهذا الأمر بالفعل، فإن شقيقتي دائمًا ما تسمح لدمياتها بإقامة حفلات أعياد ميلاد أو أعراس كلما احتاجت لملابس جديدة. إنني متأكد تمامًا أن هذا قد حدث مائة مرة من قبل.»

«نعم، هذا صحيح؛ لكن الليلة سيكون العرس الأول بعد المائة، وما دام كذلك فلا بد أن يكون الأخير؛ وبالتالي لا بد أن يكون في غاية الروعة. فلتُلقِ نظرة.»

نظر يالمار إلى الطاولة فرأى بيت دمًى صغيرًا من ورق الكرتون، كل نوافذه مضاءة، وقد اصطف أمامه الجنود الصفيح، يؤدون تحية السلاح.

كان العروسان جالسَين على الأرض، مستندَين إلى قائمة الطاولة، ومستغرقَين تمامًا في التفكير لسبب وجيه. وعندئذٍ ارتدى أول لوك اوي ثوب الجدة الأسود، وزوَّجهما.

بمجرد أن انتهَت مراسم الزواج اشترك كل أثاث الحجرة في غناء أغنية جميلة ألَّفها القلم الرصاص، والتي كانت على إيقاع لحن عسكري:

احملي أيتها النسمة الرقيقة وداعنا واسعي به
إلى منزل أهل العروس الصغير.
ما أجملهما من عروسَين؛
بشرة ناعمة من الجلد الرقيق وقوام رشيق!
مرحى! مرحى! للعريس والعروس.
فليردد الصدى وداعنا من القلب.

ثم جاءت الهدايا؛ إلا أن العروسَين لم يأكُلا أي شيء، فقد كان الحب زادهما.

تساءل العريس: «هل سنذهب إلى منزل ريفي، أم نسافر؟»

وقد استشارا السنونو الذي كان قد سافر إلى أقاصي الأرض، والدجاجة العجوز التي في الحظيرة، والتي كانت قد أنجبت وربت خمسة أجيال من الدجاج.

حدثهما السنونو عن البلاد الدافئة حيث يتدلى العنب في عناقيد كبيرة في أشجار الكروم وحيث النسيم منعش ورقيق، وعن الجبال المتألقة بألوان أجمل مما قد يخطر على بال أحد.

قالت الدجاجة: «لكن ليس هناك كرنب أحمر مثل الذي لدينا. ذات مرة قضيت الصيف كلَّه في الريف مع صغاري، وكان هناك حفرة رملية كبيرة حيث كنا نستطيع التجول واللهو كما يحلو لنا. ثم ذهبنا إلى حديقة ينمو فيها الكرنب الأحمر. كم كان جميلًا! لا أعتقد أن ثمة شيئًا أشهى منه.»

قال لها السنونو: «لكن سيقان الكرنب لا تختلف كثيرًا عن بعضها البعض، وهنا لدينا طقس سيئ أغلب الوقت.»

أجابته الدجاجة: «صحيح، لكننا اعتدنا عليه.»

قال السنونو: «لكن البرد هنا شديد وأحيانًا يصل إلى درجة التجمد.»

قالت الدجاجة: «الجو البارد مناسب للكرنب، كما أن الجو يصير دافئًا هنا أحيانًا. فمنذ أربع سنوات استمر الصيف أكثر من خمسة أسابيع، وكان الجو حارًّا حتى إننا كنا نتنفس بصعوبة. كما أننا ليس لدينا حيوانات سامة في هذا البلد، ولا يوجد لدينا لصوص. فمن لا يرى أن بلدنا أفضل البلاد كلها لا بد أن يكون أحمق، ويجب عدم السماح له بالعيش هنا.» ثم أخذت تبكي بشدة وقالت: «أنا أيضًا سافرت، فقد سافرت ذات مرة اثنَي عشر ميلًا داخل قفص، ولم يكن ذلك ممتعًا على الإطلاق.»

قالت الدمية بيرثا: «إن الدجاجة حكيمة، فأنا لا يستهويني السفر إلى الجبال، حتى أصعدها ثم أهبط ثانيةً. كلا، لنذهب إلى الحفرة الرملية التي أمام البوابة ثم نتجول في حديقة الكرنب.»

وهكذا حسَما الأمر.

figure

يوم السبت

تساءل يالمار الصغير بمجرد أن جعله أول لوك اوي ينام: «هل سأسمع المزيد من الحكايات؟»

رد وهو يفتح أجمل مظلتَيه فوق الطفل: «لن يتسع لنا الوقت هذا المساء. انظر إلى هؤلاء الصينيين.» هنا بدت المظلة كلها مثل وعاء كبير من الخزف الصيني، بأشجار زرقاء وجسور مقوسة وقف عليها رجال صينيون يومئون برءوسهم.

قال أول لوك اوي: «لا بد أن نجعل العالم بأسره يبدو جميلًا من أجل صباح الغد، فغدًا سيكون عطلة؛ إنه يوم الأحد. لا بد أن أذهب الآن إلى برج الكنيسة لأرى إن كانت العفاريت الصغيرة التي تعيش هناك قد لمَّعت الأجراس حتى يُدوي صوتها في عذوبة؛ بعدها يجب أن أذهب للحقول لأرى إن كانت الرياح قد ذرَّت الغبار عن الحشائش والأوراق؛ لكن أصعب المهام التي عليَّ القيام بها على الإطلاق هي إنزال كل النجوم وتلميعها. عليَّ أن أرقمها أولًا قبل أن أضعها في مئزري، وأن أرقم كذلك الأماكن التي سآخذها منها، حتى تعود إلى ثقوبها الصحيحة، وإلا فلن تثبت في أماكنها وستسقط أعداد كبيرة منها على الأرض؛ إذ سوف تتهاوى الواحدة تلو الأخرى.»

عندئذٍ قالت صورة قديمة معلَّقة على جدار حجرة نوم يالمار: «مهلًا يا سيد لوك اوي! هل تعرف من أنا؟ إنني جدُّ جدِّ يالمار. أشكرك على ما تحكيه من قصص للفتى، لكن يجب ألا تُبلبِل أفكاره. لا يمكن إنزال النجوم من السماء وتلميعها؛ إذ إنها كواكب مثل الأرض، كوكبنا، وهي جميلة كما هي.»

رد عليه أول لوك اوي قائلًا: «شكرًا أيها الجد العجوز، أشكرك. لا شك أنك رب الأسرة وكبير جدًّا في السن، لكنني أكبر منك سنًّا رغم ذلك. أنا من شخصيات العصور القديمة. وقد أسماني قدامى الرومان والإغريق رب الأحلام. وقد زرت من البيوت أنبلها، أجل، وما زلت أفعل هذا، وما زالت أعلم كيف أتعامل مع الناس، عظيمهم وحقيرهم، وأما الآن فيمكنك أن تحكي القصص بنفسك.» وهكذا رحل أول لوك اوي، حاملًا معه مظلتَيه.

قال الرجل الذي في الصورة متبرمًا: «حسنًا، حسنًا، أعتقد أنه لم يعد بإمكان المرء أن يُعبر عن رأيه.» وهنا استيقظ يالمار.

يوم الأحد

قال أول لوك اوي: «مساء الخير.»

أومأ يالمار برأسه، ثم هب مغادرًا الفراش وأدار صورة جده الكبير ناحية الجدار حتى لا يُمكنه أن يُقاطعهما ثانيةً كما فعل أمس. ثم قال: «والآن، لا بد أن تقص عليَّ القصص التي تحكي عن حبات البازلاء الخمس التي كانت تعيش في قرن واحد، أو آثار أقدام الديك التي كانت تُغازل آثار أقدام الدجاجة، أو إبرة الرفو التي تصرفت بزهوٍ شديد لأنها كانت تعتقد أنها إبرة تطريز.»

قال أول لوك اوي: «قد تشعر بالملل من كثرة القصص التي أحكيها لك، لذا فأنا أُفضِّل أن أريك شيئًا، وسأريك شقيقي. هو أيضًا يُدعى أول لوك اوي، لكنه لا يزور أحدًا قط إلا مرة واحدة، وحين يفعل فهو يأخذه معه على صهوة جواده ويحكي له قصة أثناء رحلتهما.

وهو لا يعرف سوى قصتَين؛ إحدى هاتَين القصتَين من الروعة والجمال حتى إنها لا يمكن أن تخطر لأحد على بال مطلقًا، أما الأخرى فمن المستحيل وصفها.»

ثم رفع أول لوك اوي يالمار عاليًا إلى النافذة. وقال له: «يُمكِنك الآن أن ترى شقيقي، أول لوك اوي الآخر؛ إنه يُدعى أيضًا الموت. كما ترى إنه ليس سيئًا مثلما يُعبِّرون عنه في الكتب المصورة. فهو يظهر هناك على هيئة هيكل عظمي، لكن هنا ترى أن معطفه مطرز بالفضة، ويرتدي زي الفرسان الرائع، وعباءة من المخمل الأسود تُرفرف خلفه على الحصان. انظر كيف يعدو.»

رأى يالمار أن أول لوك اوي هذا أثناء جولته كان يرفع الكبير والصغير ويحملهم معه راحلًا على جواده. بعضهم كان يُجلسه أمامه والبعض الآخر خلفه، لكنه كان دائمًا يسأل كلًّا منهم أولًا: «ما تقديرك في دفتر درجاتك؟»

كلهم كانوا يُجيبون قائلين: «جيد.»

وكان يرد عليهم ويقول: «حسنًا، دعني أرَ بنفسي.» فكانوا يُضطَرون إلى إعطائه الدفاتر. بعد ذلك كان يذهب كل الذين حصلوا على «جيد جدًّا» أو «امتياز» أمامه على الجواد ويسمعون القصة الجميلة، أما الذين حصلوا على «متوسط» أو «دون المتوسط» في دفاتر درجاتهم فقد كانوا يُرغَمون على الجلوس خلفه. وقد كانوا يبكون ويريدون القفز من فوق الجواد، لكنهم لم يستطيعوا الإفلات، فقد بدا أنهم رُبطوا إليه.

قال يالمار: «عجبًا، الموت ليس سوى أول لوك اوي في غاية الروعة. إنني لست خائفًا منه على الإطلاق.»

فقال له أول لوك اوي: «لست في حاجة لأن تخاف منه، لكن خذ حذرك وليكن دفتر درجاتك جيدًا.»

حينئذٍ تمتمت صورة الجد العجوز الذي كان راضيًا تمامًا: «هكذا يكون الدرس المفيد بحق. أحيانًا يكون من المجدي أن يُعبر المرء عن رأيه.»

كانت هذه بعضًا من أفعال أول لوك اوي وأقواله. أرجو أن يزوركم بنفسه هذا المساء ويحكيَ لكم المزيد منها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤