الشهادات
المكسيك – هافانا
براج – هافانا
(١) العالم الآخر
إلى إراكليو ثيبيدا
شُرفة
المُهان
تأهيل
طقس من أجل أن تُولَد زهرة فوق الهرم الكبير
(٢) بلسان الحلم
إعلان إيمان
«بعد الرب، نَدين بانتصارنا للخيول.» يكتب برنال دياث مُشيرًا إلى فتح إسبانيا الجديدة. «ما أتعس آلهتنا، بلَغ من خَرَقهم وخَرَقنا، أن هُزموا على يد الآلهة — الخيول الجديدة ذوي صوت الرعد والخطوِ الماحق.» يكتب كاتبو التقاويم مِن السكَّان الأصليين بعد الهزيمة. وهذا شيءٌ مُشجِّع، فحيث إن الرب على وشك التلاشي إلى الأبد، فإن المؤمنين غير المتوافِقين يُمكنهم الانتقال إلى عبادة الحصان بناءً على المسافة الضئيلة التي تركها التاريخ قائمةً بين الاثنتَين. ومن جانبي أُعلن أنني لا أفكر في الإيمان بالحصان. (آه، كم تجعلني أرتجِف من الفخر جسارة المُفكر الحُر هذه!)
الدرس الأول
واضحٌ أن الأمر كذلك، يا فتى. ربي خلق الإنسان حسب خياله ومِثاله. لكنه خلقَه ذات سبتٍ، مُرعِدًا مِن السُّكر الكلِّي القدرة، وحين كان لدَيه معيار مُبالَغ فيه لصورته. ومِن هنا نُظهر نحن دموعًا، وأحشاء للكراهية ومساراتٍ مختلفة للعطش والحُب. ذلك يَسحقُ، يا فتى، يسحق.
تكريم للمريمية
أوراق المريمية، التي إذا لُفَّ فيها رمادٌ ساخن تكون أفضل ما يُوصَف لألَم البطن، لها خصائص سحرية عديدة، مُجرَّبةٌ بكثرة. بنقعِها في الكحول تنبعِث منها، عند تعريضها للقمر البدْر، عصارة سوداء يستخدِمها سحرة إيثالكو لتضميخ التبغ. وعند تدخينه، يطرأ حلم مُعيدٌ للشباب وتنبُّؤي. ومسحوق أوراق المريمية المُجفَّفة في الشمس، المُستنشَق عبر الأنف، يُزَوِّد بقسوة هائلة ويجعل النظرة ثابتة. (قتلة النمور، الشبَّان بالأخص، يستحق الأمر عناءَ الذِّكر، عادةً ما يَستخدمونه باستمرار.) هذا المسحوق ذاته، مُستَخدَمًا في خلطات مُختلفة، يُعيد العُذرية، ويجعل الرجل العادل خفيًّا عن أعدائه، ويُتيح فهم لُغة الطيور وعمومًا لُغة الحيوانات التي تحيا في الأشجار، يشفي مِن الذُّعر، ويُنبِّه المسافرين الليليِّين إلى المناطق المأهولة بزهرة النوم، ويحمي ضد القوارض، وعنكبوت الخيل والسِّحلية السامة، ويشفي من النفور.
هم
في البدء جَمَع الشياطين – الستة – الزرقاء – المربوطة – من – ذيولها في الدوَّامة الماضغة لهونٍ هائلٍ اثني عشر مقدارًا من الكهرمان الأسود، والبراز، ومرارة صقرٍ مُدرَّب على صيد السناجب، ومواد تجميل وعطور خفية تخصُّ امرأةً مُكلِّفة، وفاسقة. ومن الكتلة الناتجة شيَّدوا واحدًا فواحدًا أعدائي القاتِلين العشرة.
عشبة الآثار
في بلدي توجَد عشبة الآثار. حسب ما إذا كانت الشمس حارقةً في الأيام الأخيرة، تُظهر هذه العشبة آثارَ مرور حيواناتٍ مختلفة (غزلان، طيور طنَّانة، أفاعٍ، عناكب خيل، طيور عقعق، أسود أمريكية، عظائيات، قوارض، قطط ثربانتس، آمال، صقور وفراشات) أو، أشياء مُتحركة مُتباينة (جرَّارات، مهربين، قطارات، بارات دوَّارة، عيادات قابلة للنقل، زلَّاجات، درَّاجات نارية، مكتبات مُتنقلة، عربات بطيئة، درَّاجات بثلاث عجلات، ومقذوفات مختلفة لأسلحةٍ نارية مُتفوقة). يقول الدارسون إن ذلك يرجع إلى الخلطة الكلوروفيلية لتلك العشبة، القابلة للانطباع، على ما يبدو، على مسافة. الأشكال تلتقِطها امتداداتٌ ضخمة من العُشبة في تضاريسها العامة بالتخثُّر البارز وبلَون تلك الخلطة الفريدة.
هنَّ
الذئب الأمريكي
الغزال
له أجمل عيون على الأرض، مثل عيون ليسا. حيوان مُكتمل، ذو هندسة حريرية ومراوغة. رغم أن البعض قد يقول العكس، فإنه يتغذَّى فقط على الماء والفراشات، وحين يكون وحيدًا يستطيع الطيران. صُنِعت أُذناه من رأس أفعى مُفرغة برهافةٍ ومُغلَّفة ببتلات زهرات أوركيد. وقرناه من مرجان وطحلب. ورأسه من ليلٍ ضئيل ووحشية. في صباه الأول يكون مِثل إلهٍ أحمق وسريع التأثر. وفي سحر شبابِه يكون غامضًا ويُثير الرغبة جسديًّا. وفي شيخوخته يكون حكيمًا ويجعل المرء يُطرِق بعينَيه. الغزال يفوح برائحة امرأةٍ وحين يُعاني الكرب يُفرز عرقًا معسولًا، إذا أمكن جَمعُهُ فاترًا، يُفيد في شفاء سُعار الحيوانات المُفترسة.
تاتا
حين قالت ماريا لوي لزوجها إنها وَلدت أفعى، إن كلَّ أشهُر انتظار الطفل التسعة وجدت ختامها في ذلك التلوِّي اللزج والسريع ذي اللون الأخضر الذي يظلُّ بصعوبة بالِغة بين عيدان المهد، فإن ذلك، سيكوندينو لوي، خرج إلى فناء الدار، سنَّ حدَّ الساطور وعاد إلى الغرفة ووجهه مُنقبِض. بعدها قال لماريا: أرأيتِ ما يحدُث نتيجة العُهر مع الشيطان؟ وكالَ لها ضربةَ ساطورٍ أولى، عميقة، في جبهتِها. وعلى الفور فتح المهد. فتَّش ببراعةٍ عما يجب أن يكون رقبةَ الأفعى، ومضى بها إلى الجبل. في أرضٍ جميلة مُبطنة بالقطن، برائحة رطوبة وحرارة الأمس، تركها تمضي. باركك الله، إذن — غمغم. وعند عودته إلى القرية، كانت عينا سيكوندينو ملوَّنتَين، مُلوَّنتَين.
البِركة المسحورة
البركة المسحورة تقع قُرب تينانثينجو، عند منعطفٍ لنهر كيثالابا. من يغرق فيها يفقد كلَّ صلابة. تتَّحِد أسنانُ الجُثمان في كتلةٍ واحدة كثيفة ويبدو الأنف بلا دعاماتٍ وكأنه انهار. المَكلومون الذين يُنقِذون تلك الأجساد — مع فقد العظام لمُقاومتها بتلك الظاهرة — يَبرُمونها كحصيرةٍ وفي حصيرةٍ أخرى يلفُّونها ليدفنوها. كلُّ هذا يُثبت النشاط الخاص للموت. فما دام المرء بقِيَ حيًّا يُمكنه السباحة بابتهاجٍ في البركة المسحورة دون إزعاجاتٍ سوى بعض التجاعيد في الأصابع (الخاصَّة، حقًّا، لأنها تظهرُ، على عكس ما تُحدِثها المياه الأخرى، مُخترِقةً أطراف الأصابع أفقيًّا.) وأكد عمِّي أندريس أنَّ أسماك البركة المسحورة عمياء وتموتُ إذا جذبها التيَّار خارج التجويف الضخم. كان آخر غريق فيها يُدعى ثاباليتا وتم برْمُ جسده بالعكس (لتظلَّ الساقان في آخِر طيَّةٍ) والسبب أنه بسبب استحالة إغماض عينَيه، صارت تلك النظرة المُسطحة مزعجةً تمامًا للناظرين.
الدويندي٢
كان أحبَّ ملاكٍ إلى الله. والآن يحيا على ضفاف أنهار السلفادور مُتغذِّيًا على حشراتٍ ذهبية مُتناهية الصغر ومُتلصِّصًا على فتيات القرى القريبة اللواتي يأتين ليغطسنَ في الماء المُنعش. وحين تجتذِب إحداهنَّ بوجهٍ خاصٍّ نظراتِه المُختلسة بالجمال الواعد والمليء بالفصول المُزهرة لجسدها، يُسقِط الدويندي فوق شعرِها بطريقةٍ خفيَّةٍ لا أستطيع وصفها، إكليلًا من أزهارٍ صغيرة بيضاء ووردية. هكذا يُكرِّسها بوصفِها حبَّهُ الجديد. وعلى الفور يبدأ الدويندي في مطاردة مُختارته، وخلال أيامٍ قليلة تتحوَّل المُلاحقة إلى تحرُّشٍ وحشي. يجعل الدويندي الأحجار تسقُط فوق بيتِ محبوبته، يُوقع دمارًا في الحديقة، يجعل النوافذ تتحطَّم أو يبدأ حرائق موضعية في الجوار. وإذا كان للفتاة خطيب، فلا بد أن يحذَر بوجهٍ خاصٍّ من الظهور لأن الدويندي في حنق الغيرة سيُمسكه من شعره ويقوده إلى هاويةٍ قريبة وعميقة ويترُكه معلقًا من أحد أغصان الضفة. كما يُمكن أن يقتله جاعلًا إيَّاه يضحك حتى الانهيار التام بلمساتٍ بارعة في جسده. بهذا المعنى الأخير يكادُ الدويندي أن يكون كُلِّيَّ القُدرة، فالكلب وحدَه، الذي لا يُعاني من الدغدغات، هو مَن يُمكنه الإفلات من مُخططاته القاتلة التي يُرتِّبها على هذا النحو. ومِن المُضايقات التي لا تُحصى، ينتقِل الدويندي إلى نشاطٍ أهدأ لكنه أخطر. يُغنِّي كل ليلةٍ بصوتٍ رائع تحت النافذة التي تضمُّ حبيبتَه. يمكن أن تنشأ حالةُ أنْ تبدأ الغوايةُ في اجتياح جِلد الفتاة. والشكل الوحيد لإنهاء الحصار يتمثَّل في أن تقوم مختارة الدويندي بالحديث معه خلال أغنيةٍ ليلية، وتطلُب منه، كدليلٍ على الحب، أن يُغني من أجلها إحدى الأغنيات التي كان يرفعها حتى عرش الرب، حين كان في الفردوس. على الفور، يسقط الدويندي فريسةً لسوداوية بالِغة العمق. بقلقِ مَن فقَدَ كلَّ شيء، يُنشد الأغنية السماوية — التي، بشكلٍ مُذهل، لا تكون دومًا أجمل من تلك التي تُسمعُ في طرُق الريف — وينصرِف باكيًا في صمتٍ ولا يعود أبدًا.
يِيْسون
الأمير يِيْسون — وهذا معروف تمامًا — كان له ثلاثة رءوس. الأيسر، الأقل جمالًا بقليل مِن الأيمن والأوسط، لكنه ربما، إذا لزِم الأمر، الأكثر شموخًا وتفحُّصًا، كان الرأس الذي يُفكر في حُكم المدينة (وهي مسألة قلبٍ عند الأمراء الصالحين.) كان له شعر أسود مثل أشقَّائِه، ونفس الملامح الجانبية العنيفة التي تجعلُ الهواء المُحيط به يبدو وكأنه على وشْك التدويم. الرأس الأوسط كان له طابع حُسنٍ صغير أخضر قُرب العين اليُمنى، لا يكاد يُرى، إلَّا خلال الليالي: وكان الرأس الذي يمرح ويتواصل في الحب، الذي يُقبِّل ويقول كلماتٍ لا تتكرَّر، رغم أنها مُخترَعةٌ لتوِّها، بينما يغمِض أشقاؤُه عيونهم ويرتعشون بخفَّةٍ بارتجافات طير. وبالأيمن كان ييسون ينظُر إلى نفسه في الماء، هو رأس التأمُّل الشخصي والغناء وحيدًا. كان الأمير مُثَلَّث الجمال، وأبانا أيضًا. كان يرتقي مراعي الغزلان المُتغيِّرة ويصِل حتى البحيرة الكبرى ليصطاد السمك: كان من البهجة رؤيتُه وهو يستخرج سمك المُحرَّب والسرطانات الكبيرة الحمراء، وأسماك الأنقليس والجمبري التي تتجمَّع في البِرَك الصغيرة الملاصِقة من أجله فقط. في أحد الشواطئ الخفيَّة للبحيرة الكُبرى — قريبًا من حيث يخترِقها نهر لاس فلوريس — رأى للمرة الأولى سيهويلوت، تستحمُّ عاريةً. هو، من يُخصِّب التربة بعبوره، هو، راعي العصارات التي تجعل العُشب والذرة ينموَان، فقد عندها سلامَه.