تمهيد: طور المرآة

يبدو أنه لم يخلُ أي عمل نقدي ثقافي يساري في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين من إشارة إلى نظرية جاك لاكان الخاصة بطور المرآة، وهي لحظة في نموِّ الطفل الصغير يُسَرُّ فيها وهو يتأمَّل صورته في المرآة من التوافُق السِّحري بين حركاته وحركات الصورة المقابلة له.1 إنَّ التوافُق السِّحري والتشابه الإعجازي هما المادة الخام للأسطورة، وإذا كان مقال لاكان الذي بعنوان «طور المرآة» قد تناول هذه الأسطورة، فقد صار المقال سريعًا أسطورة في ذاته؛ فحُدود الحقيقة والوهم — كما يقول لاكان — مشوَّشة في هذه المرحلة المبكِّرة؛ فالأنا التي هي نافذتنا على ما يُسمى بالعالم الحقيقي هي في الواقع نوع من الخيال؛ حيث يتعامل الطفل الواقف أمام المرآة مع صورته باعتبارها حقيقية، مع أنه يعلم أنها وهمية. وهناك لَبْسٌ مُماثِل في كلمة «الخيالي» التي تعني عند لاكان «المرتبط بصورة» وليس غير الواقعي أو غير الحقيقي، والتي مع ذلك تتضمَّن إيهامًا وخداعًا (مثل نظرية الأيديولوجيا التي اشْتُهرَ لوي ألتوسير باستنباطها منه).

وعلى نحوٍ مُماثل، أصبح ارتباط أطروحة لاكان بالخيال في مقابل الواقع محلَّ تساؤل، فهل كان يُقصَد بطور المرآة أنه حقيقي أم مجازي؟ وهل كان هذا الرجل الأكثر تأثيرًا من بين المفكِّرين الفرنسيِّين يتحدث فعلًا عن شيء تجريبي مُرْبِك بقدر الأطفال الصغار؟ كيف لنا أن نعرف بحق ما قد يمرُّ به الطفل في هذا الموقف؟ وماذا عن المجتمعات التي لم تتمتع بميزة امتلاك مرايا (وهو ما يُثير الاعتراض البديهي الذي لا يُمكن أن يطرحه سوى الإنجليز)؟ هل تُعوِّضها البِرَكُ أو الأنهار؟ أم أن المرآة الحقيقية للطفل هي والده أو ولي أمره الذي يبني — بتوظيف أجزاءٍ مختلفة من جسمِه (كالوجه والفتحات وغيرهما) بدرجات متفاوتة من الشدة — صورة ذاتية جسدية للطفل؟ هل تتشكَّل رؤيتنا لأجسادنا — مثل رغباتنا — على يد الآخرين؟ وكم من الغريب — على أي حال — أن تنبني نظرية محورية كتلك على أكثر الأنشطة الإنسانية اتصافًا بالخيال والبساطة؛ اللعب والتقليد! التقليد بالتأكيد وكذلك اللعب؛ إذ إن الطفل الذي يَبتَهِج بمحاكاة حركاته الخاصة في المرآة هو مُقلِّد، وساحر صغير يُمكنه تغيير الواقع بمجرد رفْع يده، ومُمثِّل يؤدِّي دَوْره أمام جمهور مُمْتَنٍّ مكون من فرد واحد، وفنان صغير جدًّا يستمتع بشدة بقدرته على تشكيل منتَجِهِ وتحويله بنقرة إصبع أو إدارة رأس. فالتمثيل أمام المرآة يتضمن ارتدادًا غير متناهٍ أو تقعيرًا من نوعٍ ما، حيث ينعكس الشكل الكلي الموجود في المرآة موافقًا جهود الطفل، ومِنْ ثَمَّ يُحفِّز ابتسامته، التي تَستَتبِع بدورها مظهرًا تشجيعيًّا آخر من مظاهر السرور في الصورة المُنعكِسة، وهكذا. وسنرى شيئًا في نفس هذا الإطار لاحقًا في الفلسفة الأخلاقية للقرن الثامن عشر.

لم يكن الأمر — بالتأكيد — وكأن المُنَظِّرين الثقافيِّين وقتَئِذٍ كانوا مهتمِّين بموضوع تطور الطفل على نحوٍ خاص؛ فأهمية محاضرة لاكان كانت تكمن في توضيحها للنظام الخيالي؛ ذلك العالم الغريب للنفس الإنسانية، الذي يبدو فيه أن الذوات والأشياء (إن كان بإمكاننا أن نتحدَّث عن هذا التقسيم في هذه المرحلة المبكرة من الكتاب) يتبادَلان باستمرارٍ الأماكنَ، ويعيش كلٌّ منهما حياةَ الآخر. وخلال عملية الإسقاط والانعكاس هذه، يبدو أن الأشياء تدخل وتخرج بعضها من بعضها دون وسيط، ويَشعُر كلٌّ منها بالآخر من الداخل بنفس الصورة الحسية المباشرة التي تُدرك بها دواخلها، فكأنك تستطيع أن تضع نفسك في ذات المكان الذي يُنظر إليك منه، أو ترى نفسك في ذات الوقت من الداخل والخارج. وعلم النفس ليس إلا في بداية الطريق فيما يتعلق بفهم الآليات العصبية التي يُقلِّد بها الطفل الصغير جدًّا وهو يلهو، تعبيرات وجه شخص بالغ، في مجموعة معقَّدة من الانعكاسات من الخارج إلى الداخل ثم إلى الخارج مرة أخرى.2 وفي هذا الشأن كتب موريس ميرلو-بونتي يقول:
يفتح الرضيع البالغ من العمر خمسة عشر شهرًا ثغره إن داعَبْتُهُ بوضع أحد أصابعه بين أسناني والتظاهر بأني أَعَضُّه. إلا أنه نادرًا ما ينظر إلى وجهه في مرآة، ولا تُشبه أسنانه أسناني بأيِّ نحو. والحقيقة هي أن فمه وأسنانه، كما يشعر بهما من داخله، هما في نظره وبصفة مباشرة أداة للعض، وفَكِّي، كما يراه الطفل من الخارج، قادر في نظره مباشَرةً على الفعل ذاته.3

إن النظام الخيالي هو عالم تُعيد فيه الأشياء نفوسَنا إلينا، إن كانت لدينا ذات عازمة بدرجة كافية على تقديره؛ فهو مجالٌ نقيٌّ تكون فيه المعرفة سريعة وقاطِعة كالإحساس.

وفي هذا التكوين المميَّز للفضاء النفسي حيث لا يوجد بَعْدُ أيُّ ذات أو مركز للوعي واضح التنظيم، لا يُمكن أن تكون هناك أي غيرية حقيقية، فمَكْنُونِي «موجود بالخارج» نوعًا ما باعتباره ظاهرة مِنْ بين غيرها من الظواهر، بينما يرتبط ما هو بالخارج برابطة حميمية معي، وهو جزء من مَكْنُوناتي الداخلية. لكنني أشعر أيضًا بأن حياتي الداخلية غريبة ومُنفصِلة، كما لو أن جزءًا من كَيْنُونَتِي وَقَعَ أسيرًا لصورةٍ وتَجَسَّدَ على يدَيها. ويبدو أن هذه الصورة قادرة على التأثير في ذاتي تأثيرًا ينبع من نفسي ولا ينبع منها في الوقت ذاته. إذن، ففي نطاق النظام الخيالي ليس من الواضح إن كنتُ أنا أَم كنتُ شخصًا آخر، إنْ كنتُ داخلَ نفسي أم خارجَها، إن كنتُ خلفَ المرآة أم أمامَها. قد يتصوَّر أي شخص أن هذا يجسِّد جزءًا من تجرِبة الرضيع الذي تُرضِعه أمُّه والذي يستخدم ثَديَيها كما لو كانت أحدَ أعضائه؛ لكنها كذلك — كما هو حال الأشياء المُلتبِسة التي بداخلنا وخارجنا — مسألة تتعلَّق ﺑ «الأشياء الجزئية»، أي أجزاء الجسم المنبثقة إلى العالم الخارجي (البراز ولبن الرضاعة وما شابه)، وهي التي تصفها ميلاني كلاين بأنها أشياء انتقالية بين النفْس والآخَر، بين الذات والشيء، والتي يقول لاكان نفسه عنها إنها نفس الأشياء التي تُبَطِّن الذات البشرية أو يُتصوَّر أنها تملؤها.

وهذا هو السبب في أن النظام الخيالي يتضمَّن ما يُعرف من الناحية المتخصِّصة بالعبورية، التي فيها — في رابطة تعاطف بسيطة — قد يبكي الطفل عندما يرى طفلًا آخر يتعثر، أو يدعي أنه هو نفسه قد ضُرب عندما يُضْرَب أحَدُ أقرانه. ولقد حازت هذه الظاهرة على اهتمام فيلسوف ظهر في القرن الثامن عشر وهو آدم سميث؛ إذ تحدث في كتابه «نظرية العواطف الأخلاقية» عن كيف أننا «عندما نرى ضربةً موجَّهة وعلى وشك أن تُصيب ساقَ أو ذراعَ شخصٍ آخر، فإننا بطبيعتنا ننكمش ونسحب ساقَنا أو ذراعَنا.» فالعبورية مجرد مثال واضح للمحاكاة المتعاطفة في حدِّ ذاتها، وهو ما يظلُّ إلى حدٍّ ما مسألة جسدية حتى لدى هؤلاء الذين نجحوا في التحرُّر من إغواءات طور المرآة. وهذا هو السبب في أن الابتسام مُعْدٍ، أو السبب — كما يُشير سميث — في أن: «المتفرِّجين عندما يُشاهدون راقصًا يَمشي على حبل متراخٍ يَلْوُونَ أجسامهم ويُوازنونها كما يرَوْنهُ يفعل، وكما يشعرون أن عليهم فعله في هذا الموقف.»4 ويبدو أن سميث يَفترِض أن هذه المحاكاة التلقائية هي نتيجة لما يُسمِّيه لاكان التبادُل الخيالي؛ حيث نتخيَّل إسقاط أنفسنا في جسد الراقص. لكن هؤلاء المشاهِدين هم سحرة مستقبليون يَسعَونَ لا إراديًّا للتحكُّم في حركات الساحر من خلال تمايلهم المتعاطف، مثلما يُسيطِر الطفل في طور المرآة بصورة كبيرة على صورته المُنعكسة في ذات اللحظة التي يخضع فيها لسيطَرتِها؛ فالجمهور عند سميث يبقى بشخصه في نفس اللحظة التي يتقلَّد فيها هُوِيَّة شخص آخر، وهذا الامتزاج مُميِّز للنظام الخيالي.

فالعبورية إذن هي نوع من انطباق أو تناغم الأجسام، فأصحاب التركيب الحساس — حسبما يُشير سميث — يَشعُرون بعدم الارتياح أو بالرغبة في الحك عندما يرون تقرُّحات في جسمِ مُتَسوِّلٍ، بينما من الأرجح أن النظر إلى عينَين مُتقرِّحتَين لشخص آخر سيجعل عينَيك تفيضان حنانًا. وفي النهاية، فإن التصور الوحيد المُرضي لهذه الحالة هو وجود جسدين اتحدا معًا في جسد واحد، مثلما كان كليم يوبرايت وأمه في رواية توماس هاردي «عودة المواطن» يتحدثان معًا كما لو أن «أحاديثهما كانت … تجري بين اليد اليمنى واليد اليسرى لنفس الجسم.» ويُحقِّق جود فولي وسو برايدهيد في رواية هاردي «جود الغامض» «هذا التفاهُم المشترك التام الذي تكون فيه لكل لمحة وكل حركة نَفْس فاعلية الكلام في نقْل المعلومات بينهما، وتجعلهما تقريبًا كجزأين لكلٍّ واحد.» والرابطة العاطفية بين والتر شاندي والعم توبي في رواية لورنس ستيرن — وهي علاقة تقومُ على الإيماءات والبديهة والتواصُل غير اللفظي — مثال آخر على ذلك. وستُتاح لنا الفرصة للعودة إلى فكرة الجسد باعتباره لغة، لاحِقًا في هذا الكتاب.

على نحوٍ ما، يُمكن النظر إلى الصداقة باعتبارها نسخة البالِغين من النظام الخيالي؛ ففي الصداقة — حسبما يُشير أرسطو في كتاب «الأخلاق» — يكون الآخر هو أنت وليس أنت؛ بحيث يعيد هذا الامتزاجُ والتداخُلُ في الهُوِيَّات صناعةَ طول المرآة لكن على مستوًى أعلى. وكما كتب ميشيل دي مونتين في مقاله الرائع عن الصداقة: «الشيء الوحيد الذي يسعدني في أن يكون لي صديق هو أنَّ ما ليس لي صار لي.»5 ويُضيف أن علاقته بأعز أصدقائه لم تترك لأي منهما شيئًا يخصه؛ فلا شيء يخص صديقه أو يخصُّه هو. ويعلق قائلًا: «إن اضْطُرِرْتُ لأقول سبب حبِّي له، فأشعر أن إجابتي الوحيدة يمكن أن تكون: «بسببه، بسببي …» فمثل هذه الصداقة ليس لها نموذج إلا هي ذاتها، ولا يُمكن مقارنتها إلا بنفسها.»6 فالنظام الخيالي يُقاوِم ترجمته بصورة عقلانية أو مقارنة. بعكس الرمزي الذي فيه — كما سنرى — التبادُل والتناسُب هما الأهم، وكل عناصِرِه مميَّزة بصورة لا يمكن اختزالها.
على العموم، لم يَستحضِر اليسار الثقافي في سبعينيات القرن الماضي النظام الخيالي إلا كي يُشَيطِنهُ؛ فمن ناحيةٍ لم تكن أطوار ما قبل اللغة مِحوَر تركيز المُنَظِّرين، الذين أصبح الخطاب شاغلًا كبيرًا لديهم أكثر من الأطفال الرضَّع. ومن ناحية أخرى، كان النظام الخيالي مُتمحورًا حول الاتحاد والثبات، والتشابه والتوافُق، والاستقلال والمحاكاة، والتصور والتناغُم، والوَفرة والكُلِّية، ولا يمكن أن توجد مفاهيم أقل شيوعًا من هذه المفاهيم لدى طليعةٍ كلماتُها الأساسية هي الافتقار والغياب، والاختلاف والصراع، والانقسام والتشتُّت، والتشرذُم والتبايُن. فيَسارُ ذلك العصر لن يَقبل فكرة التصور إلا إن كانت وسائل التصوُّر وظروفه متوفِّرة معه، وكل هذا مكبوت في طور المرآة للأسف.7 والأسوأ أن التصوُّر محل الجدل تصور زائف؛ فالصورة المنعكسة من المرآة نسخة موحَّدة زائفة لجسم الطفل الحقيقي غير المتَّسق، وفرحته بها تنبع من مقارنة هذا الكل المثالي بحالة جسمِه المختلَّة، فالمرآة تُتيح له استقلالًا لا يتوفَّر له في الواقع. ويمكننا التكهُّن بأنه يقارن كذلك بين هذا الشكل المتماسِك على نحوٍ مُرضٍ ببعض التخيُّلات الكلاينية لجسده بوصفه ممزَّقًا ومشوهًا ومُقطَّعًا إلى أجزاء.
إذن، فالبراءة التي تسبق الأنَوِيَّة في طور المرآة بَدتْ مهيَّأة للتدمير، اعتمادًا على ما كان في الحقيقة مفهومًا نموذجيًّا للهُوية. فهذه المرآة هي لوح من زجاج لا نرى فيه، بحسب تعبير سان بول، إلا رؤية قاتمة. إن الطفل المُفتَتن بصورته في المرآة مثال على الإدراك الذاتي الزائف بقدر الفكرة القائلة إنَّ كل دالٍّ — كالأيقونة مثلًا — يتقيد برابطة داخلية مع مدلول واحد يُمكن القول إنه يُمثِّل معناه، ففي المرآة — كما يقول جون لابلانش وجيه بي بونتاليس — «ثمَّة نوعٌ من الالتحام بين الدالِّ والمدلول.»8 والموضع الآخر الذي يُفترَض أن يحدث فيه هذا هو الشِّعر الذي يبدو فيه هذان الجانبان من الدلالة — من خلال نوعٍ مِن الخداع اللفظي — غير قابِلين للانفصال.9 لكن لن يُجدِيَ كذلك النظر للكلمات والمعاني على نحوٍ مُنفصِل، طالَما أن الفرد لا يزال يتخيَّل أنهما نفس الشيء تقريبًا، «فالكلمة هنا والمعنى هناك» كما يقول لودفيج فتجنشتاين متهكمًا، «وكذلك البقرة والمال الذي يُمكنك أن تشتريَها به؛ لكن عليك التفريق بين المال واستخدامه.»10 فالكلمة عند فتجنشتاين تكتسب معناها من استخدامها؛ وهذا يتضمَّن الدخول في علاقات خاضعة لقواعد مع الدلالات الأخرى في شكل معيَّن من أشكال الحياة. وهذه، كما يمكن أن نقول، هي نسخته مما سيُسمِّيه لاكان بالنظام الرمزي. والفارق أن لاكان يُبيِّن أن ما يَسري على الدلالات يَسري على الذوات البشرية أيضًا، فالطفل الذي يتخيل أن صورته في المرآة هي التجسيد الملموس لكينونته هو شخص لم يبلغ مرحلة الإدراك البنيوي ولم يستوعب بعدُ أن الهُوِيَّة الإنسانية — كالدلالات — مسألة تفاضلية؛ أي أنها مسألة شغل موضع ما في نظام رمزي، نظام من الأدوار والعلاقات التي تكون فيها وظيفة قابلة للاستبدال وليس حيوانًا حيًّا متميِّزًا لا يُمكن استبداله؛ فالطفل إذ يَسُرُّهُ وَهْمُ أنه مُتَّسِق كُلِّيًّا مع ذاته، سيُدرك مع ذلك أنه — كما يُعلِّق فتجنشتاين في كتابه «تحقيقات فلسفية» — لا يوجد افتراضٌ عديم الفائدة بقدر افتراض تطابق الشيء مع نفسه؛ فالطفل الصغير قد سقَط فريسة، إن جاز التعبير، لخطأ فلسفي وهو أن ثمة نوعًا من اليقين وإمكانية الوصول فيما يتعلَّق بالكينونة الإنسانية.

لذا فإنَّ إدراك الطفل لذاته في دائرة النظام الخيالي هو إدراكٌ خاطئ في الحقيقة؛ إدراكٌ يمهِّد للنُّسخة الأهم نسبيًّا من الإدراك الخاطئ التي سيمر بها الطفل في النظام الرمزي. وهويته مُستلَبة «مغتربة» كذلك؛ حيث تَخلِط الأنا الناظرة — أو الذات — بين كيانها المُراوغ وكيان الأنا المنظورة، التي هي شيء محدود في مرآة انعكاسها الذاتي. ومِن ثَمَّ تستعصي عليها معرفة حقيقة الذات؛ أي — كما أعاد لاكان صياغة كلمات ديكارت بصورة براقة — «أنا أفكِّر حيث لا أكون، إذن فأنا موجود حيث لا أفكِّر.» فالطفل سيُدرك أن الذات التي تتطابَق مع نفسها ليست ذاتًا على الإطلاق؛ فالكينونة التي يَعتبِرها الطفل النرجسيُّ الصغير الذي في طور المرآة ثابتة ومَحدودة هي في الحقيقة مُنقسمة وغير كاملة، وهي مثل عملية الدلالة نفسها يحركها عدم اكتمالها.

إن معارضة النظام الخيالي، الذي يعتمد فيه كلا الطرفين (الطفل والصورة) اعتمادًا تكافليًّا على الآخر، يجب أن تتحقَّق في النهاية عَنْوَة أو بإدخال طرَف ثالث يمكن أن يتوسَّط بين الطرَفين. وهذه في نظر لاكان هي اللحظة الأوديبية؛ فالنظام الخيالي المُغلَق يجب أن ينفتح أمام الاختلاف والغَيْريَّة؛ فالطفل الصغير عليه أن يَكسِر مرآة إدراكه الخاطئ ليخرج إلى النطاق البيِّن-ذاتي حيث لا يَسعه وَحْدَهُ أن يصل إلا لأجزاءٍ صغيرة جدًّا من الحقيقة. والتحوُّل في نظر هيجل — الذي استمدَّ منه فكر لاكان الكثير — من حالة إلى أخرى له بُعد أخلاقي. فالذات يجب فطامها من الوقوع في خطأ اعتقاد نفسِها كيانًا مستقلًّا وأن تبدأ بدلًا من ذلك في الاعتراف باعتمادها على الآخرين في النطاق البين-ذاتي، وهو مجال يُسمِّيه هيجل الروح، ويُطلِق عليه لاكان الآخر الكبير أو النظام الرمزي. وكما قال لاكان، يتضمَّن هذا في أكمل صوره «القبول الكامل للذات من الذات الأخرى.»11 ولم يكن ذلك أحد مُثُل المعاملة بالمثل لدى البشر التي كان ليَحتفِظ بها طويلًا؛ إذ علينا أن نتوقَّف عن استمداد صورتنا الذاتية من الآخر كما نفعل في النظام الخيالي، ونستمدها من الآخر الكبير (عالم الاجتماعية ككل) كما نفعل في النظام الرمزي. ويرى هيجل أنَّ أكثر أشكال الحياة الإنسانية بدائية تتضمَّن انغماسًا غير تأمُّلي في نظام اجتماعي مغلَق لا يختلف كثيرًا عن مفهوم النظام الخيالي عند لاكان. وحين يتجرَّأ الفرد على التبادُلات البين-ذاتية الخاصة بالنظام الرمزي، عندها فقط يَصير مدركًا لنفسه باعتباره فردًا؛ لكن سنرى لاحقًا أن هذا الإنجاز في نظر لاكان لا يبعد كثيرًا عن الكارثة.
كان هذا التحول في النظم الأنطولوجية بالنسبة للطليعة الثقافية في سبعينيات القرن العشرين تحوُّلًا سياسيًّا أكثر منه أخلاقيًّا؛ إذ لم يكن الهدف تعزيز الذات البرجوازية من خلال إلقاءِ الضوء على رِضاها عن نفسها، بل إدخالها في أزمة دائمة؛ فالتحول الأول مرتبط بالأيديولوجيا بينما الآخر مسألة تتعلَّق بممارسة ثقافية ثورية؛ فالأمور التي تجعلنا ما نحن عليه — أي النقص والنظام الواقعي والكبت والخصاء وقانون الأب والقوانين الخفية للتكوين الاجتماعي — تتجاوَز التصور تمامًا، فهي الشروخ والنقاط العمياء في مرآة الوعي، وهي ظاهرة عادةً ما يتمُّ تصورها هي ذاتها في سياق المرآة («الانعكاس»، و«التبصُّر»، و«التأمل»). وكما يقول إيرل شافتسبري: «أي كائن عاقل أو مفكِّر قادر بطبيعته على رؤية عقله وأفعاله، وامتلاك تصورات لنفسه ومكنوناته الداخلية وهي تمر أمامه باستمرار وتتَّضح له وتدور في عقله.»12 فالتأمُّل الذاتي بهذا المعنى نظام خيالي داخلي على نحوٍ ما؛ أي مسألة تأملٍ لِذَاتنا في مرآة عقلنا، ذلك المسرح العقلي الذي نظهَر فيه كمُمثلين أمام نظرتنا المتفرِّجة كما لو كنا شخصًا آخر. إن هذا الانغلاق الذاتي النرجسي نسبيًّا هو ما رأى اليسار الثقافي أن من الضروري تحطيمه، وأن تُصبح الذات الخيالية غير متمركزة، إذا أردنا أن يَنكشِف أي شيء من المحدِّدات الحقيقية لوجودنا.
وكتب فتجنشتاين في كتابه «تحقيقات فلسفية» يقول: «الصورة تأسرنا، ولا يُمكننا الخروج منها؛ لأنها تَكمُن في لغتنا، واللغة على ما يبدو تكررها لنا بلا هوادة.»13 إن كان الطفل عند لاكان رهن أسر صورة أو أنا مثالية، ومُضللًا مثل العامل المغترب عند ماركس بفعل قوة ما لا يَعرف أنها تخصُّه، فإن البالغ الذي سحرته اللغة عند فتجنشتاين قد وقع فريسة لبِنَى قواعدنا اللغوية المجسدة بطبيعتها التي تكوِّن هويات زائفة مما لا يتعدى في حقيقته نسيجًا من الاختلافات. وكان رأي فريدريك نيتشه مماثلًا إلى حد كبير؛ حيث كتب عن الفكر باعتباره أسيرًا ﻟ «سحر وظائف لغوية معيَّنة.»14 فهذه عند فتجنشتاين هي صورة مزمنة من الوعي الزائف حيث تكون اللغة أداة إحداث التجانُس فيها، مثلما أن النظام الخيالي عند لاكان ليس مجرد طور يمكن أن نتجاوَزه مثل مص الأصابع، بل هو عين الهيكل الداخلي للأنا، وبهذا يكون بُعدًا غير قابل للمحو للتجرِبة الإنسانية، فهذا التبجُّح والزهو الطفولي أمام المرآة يستمر في كل جهودنا الشهوانية اللاحقة، حيث نتماهى مع الأشياء التي تَحمل شبهًا مطمئنًا بأنفسنا. فكما يقول لاكان: «إن كل الأشياء الموجودة في العالم «الإنساني» تَنتظِم وتتركَّب حول الظل المتجول لأنا الطفل.»15 فما يحتاجه الطفل في طور المرآة كي يتحول إلى شخص هو ما نحتاجه نحن البالغين المُنخدِعين لغويًّا أيضًا، وهو احتياج يُلخِّصه اقتباس من مسرحية «الملك لير» رأى فتجنشتاين أن يَستخدمه كاستشهاد في مطلع كتابه «تحقيقات فلسفية»: «سأعلمك الفروق.»
إن العلاج الكلامي المُطَّرِد الذي عَرَفه فتجنشتاين باسم الفلسفة هو ما يمكِّننا من تحطيم أصنام المعاني؛ فالفلسفة في نظره نوع من العلاج يمكِّننا من تحرير تلك الدوالِّ الجامدة المُنعزلة غير الواضحة التي التصقت بنا كالعديد من أعراض الاضطرابات العصبية وإعادتها إلى ملعب الاختلافات الذي يشكِّل صورة ما من صور الحياة، أو إخراجنا من غياهب الضباب إلى الشمس الساطعة، كما يقول فتجنشتاين في موضع آخر؛ إذ يقول: «عندما يأتي الفلاسفة بكلمة ما — «معرفة» أو «كينونة» أو «شيء» أو «أنا» أو «قضية» أو «اسم» — ويُحاولون الوصول إلى «جوهر» هذا الشيء، فعلى الإنسان أن يسأل نفسه دائمًا: هل تُستخدم هذه الكلمة فعلًا على هذا النحو في سياق اللغة الذي تنتمي إليه؟ فما نفعله هو إعادة الكلمات من استخدامها الميتافيزيقي إلى استخدامها اليومي.»16
بالتأكيد ثمَّة فارق رهيب بين تأملات فتجنشتاين البسيطة — التي لا تتجاوَز في أدنى أحوالها التركيز على المألوف — والتأمُّلات المنمَّقة والمعقدة للاكان. إلا أن هدف المحلل النفسي كذلك أن يستعيد المدلولات الضائعة عند هؤلاء الذين أصبحوا في أزمة والذين صار خطابهم مِن ثَمَّ جامدًا ومُكررًا؛ ففكُّ عقدة أحد الاضطرابات العصبية وكشف مدلول مُجسَّد ليسا شيئين مختلفين، بل قد يشكلان في مجال التحليل جانبين لعملية واحدة؛ فمِن بين وظائف التحليل النفسي تحريرنا من أي وهم أو تكرار قَهْري يُصيبنا، وتحويل هذا المأزق أو حجر العثرة الكامن في قلب كيان الفرد إلى حجر أساس لشكل جديد من الحياة.17
فطور المرآة إذن لم يكن مُطلَقًا حالة من البراءة الفِرْدَوْسِيَّة الخالصة، بل على العكس، يُمكن اعتباره لمحة من عملية السُّقوط من الفِردَوس وهي تحدث. فمن ناحية، تتضمَّن النرجسية ذاتها بعض الاشمئزاز والإيذاء الذاتيين، ومن الناحية الأخرى، فإن الحدود المشوشة بين الذوات تغذي المنافسة بقدر ما تغذِّي التناغم؛ فهي تُشبه الجمع بين الهُوِيَّة والعداء الذي يمكننا ملاحظته في حالات جنون الارتياب التي يكون فيها الطرَف المُضطهِد هو الشخص نفسه وأنا بديلة هلامية. وهي ما يطلق عليه كيركجارد «التعاطف المتنافر» في كتابه «مفهوم الهلع»؛ فالجار — كما يشير فرويد في كتابه «مشروع سيكولوجيا علمية» ويقصد على الأرجح الأخ/الأخت — هو أقرب شخص صديق وعدو لنا في نفس الوقت. فبعض ملامح هذا الشخص (الوجه، على سبيل المثال) كما يقول فرويد ستكون غريبة ومُفعمة بالتهديد؛ لكن البعض الآخر — كحركة اليد مثلًا — تستدعي التشابه. ومن اللافت في هذا الصدد أن كلمة «يُباري» تعني كلًّا من: «ينازل» و«يُحاكي»، «يُشبه» و«ينافس». وكما يقول لاكان مقتبسًا كلمات أوسكار وايلد دون أن يدري: «الشخص الذي تُحاربه هو أكثر من يَحوز على إعجابك.»18 فالأنا المثالية، وهي الصورة التي يَرتسِم بها انعكاس الطفل أمامه، هي ما ينبغي عليك قتله.
ويسعى الطفل الغارق في هذا التواطؤ اللاعقلي مع صورته والأشياء المُحيطة بها إلى كسر حالة الجمود تلك من خلال العدوان. ويُمكن تصور الطفل إذ يخضع لسطوة العبورية، وهو ينتقل دون توقف من دور الصياد إلى دور الضحية أو يؤدي كلا الدورين في الوقت ذاته.19 ويتحدَّث ماكس هوركايمر وتيودور أدورنو في كتاب «جدل التنوير» عن الرغبة في المحاكاة للاندماج مع العالم؛ لكن يتحدَّثان أيضًا عن الخوف من الوقوع تحت سيطرة قوى خارجية قد تُولدها هذه الرغبة. وفي فقرة غريبة ومشئومة إلى حدٍّ ما، يكتب مارتن هايدجر عن كيف كان الجنود في الحرب العالمية الأولى من كلا طرَفي النزاع قادِرين على مواجهة بعضهم لبعض وجهًا لوجه على الجبهة، فصار بعضهم يتماهى مع بعض، «ممتزجين في جسد واحد» (بتعبير إرنست يونجر).20 ويتحسَّر هايدجر قائلًا إن مثل هذه المواجهة الخيالية لم تكن ممكنة في المواجهة الآلية في الحرب العالمية الثانية؛ فموقعٌ يجري فيه قتال تلاحمي بالأيدي مشهد تكافلي مُرضٍ بقدر أكبر من القتل المجرد الخسيس من عن بُعد.
يرى لاكان أن طور المرآة يؤشِّر لأول ظهور للأنا، وهي وظيفة تعد صورة من صور الاغتراب الذاتي؛ فالوعي ذاته هو بنية من الإدراك الخاطئ؛ إذ يصير انعكاس الطفل المرتسم في المرآة نموذجًا لكل الإدراكات الذاتية النرجسية اللاحقة التي تصنع الأنا. في هذا الشأن، يقول لاكان: «إن الأنا التي نتحدث عنها يستحيل تمامًا فصلها عن الأشياء الخيالية التي تُكوِّنها من الألف إلى الياء.»21 وهذه «البنية الجامدة» — بوصفها قريبة منا لكن خارجة عنا كالدِّرع المزرد — هي سراب للوحدة والتضامن، وهي بذلك تؤدي إلى إخفاء حقيقة أن الذات يغلب عدمها على وجودها؛ فالنظام الخيالي، باختصار، هو نوعٌ من الأيديولوجيا.
هذا هو النحو الذي يرى من خلاله الفيلسوف الماركسي لوي ألتوسير — أشهر من فشل لاكان في علاجه — النظام الخيالي، مُستخدمًا المصطلح بالمعنى الواسع الذي سنتبنَّاه في هذا الكتاب.22 فالأيديولوجيا عند ألتوسير هي نوع من الإدراك الخيالي الخاطئ الذي يبدو فيه الذات والشيء، أو النفس والعالم، مُعدًّا خصوصًا كلٌّ منها للآخر. ويبدو العالم في تآلف معنا بدلًا من أن يكون غير مُكترِث تمامًا بغاياتنا، فيتوافَق طواعية مع رغباتنا ويتبع حركاتنا في طاعة بقدر ما يفعل انعكاس الإنسان في المرآة؛ لكن بما أن هذه الصورة متماسكة بقدر مُرضٍ، كما الحال في الطفل عند لاكان، يقع خطأ في إدراك كل من الذات والواقع الاجتماعي في نفس الوقت. وتُعتبر الذات الإنسانية من الجانب النظري كيانًا غير مُتمركِز تمامًا مثل الطفل الفوضوي الواقف أمام المرآة، أي مجرد شيء مرتبط بهذه البنية الاجتماعية أو تلك؛ لكن بما أن تلك المخلوقات الفوضوية لن تكون قادرة على العمل الهادف، فإن نظام الأيديولوجيا الخيالي يتدخل ليمنحها إحساسًا بالوحدة والاستقلال؛ وبذلك فقط تتحول إلى عناصر فاعلة تاريخية، أيًّا كان تبعيتها السياسية. ومن هذا المنطلق فإن الثورة البُلْشُفِيَّة تتضمن دائرة الأيديولوجيا بقدر الاحتفال بيوم القديس باتريك.

إن وصف ذات الأيديولوجيا بأنها «خيالية» يعني الزعم بأنها — كالطفل أمام مرآة لاكان — تشعر بأن العالم جزء من تكوينها الداخلي، وأنه مُتمحوِر عليها، وأنه خاضع لها تلقائيًّا، وأنه يرتبط بها برِباط داخلي؛ فالأيديولوجيا من هذا المنطلق هي نوع بليد من المركزية الأنثروبولوجية. وتكتب جورج إليوت في روايتها «ميدل مارش»: «نولد جميعنا في حالة من الغباء الأخلاقي، مُعتبِرين العالم ثديًا يرضع ذواتنا السامية.» فالأيديولوجيا تعيد صياغة النظام الخيالي على مستوى المجتمع ككل عند الأشخاص المكتمل تطورهم الذين ربما يدركون بشيء من التخوف المفاجئ أن العالم لا يَدين لهم بأسباب المعيشة، وأنه لا يُبالي بهم بقدر ما يبالي بالطقس. وفي ضوء هذا الوهم المُريح، يمكن أن تطمئن الذات إلى أن المجتمع سيدَّعي انتماءها له بنحو خاص ويخصُّها بتميُّز وفرادة ويناديها باسمها، إن جاز التعبير. إن الذات العليا للأيديولوجيا؛ إذ تجذبنا من بين حشود المواطنين المجهولين حولنا، وإذ تطِلُّ علينا بوجهِها الحميد، تَغرس فينا إيمانًا يبعث على السرور بأن الواقع يمكن ألَّا يستمرَّ مِنْ دُوننا، وأنه سيَضطرِب حزنًا إن اختفينا من الوجود، تمامًا كما نتصور الرضيع وهو يؤمن بأحد الأوهام البيركلية بأنه إذا اختفى، فسيتلاشى معه كل ما سواه في طرْفة عين.

هناك بعض المشكلات الشائكة في نظرية ألتوسير؛ لكنني لا أنوي أن أتناولها هنا،23 بل أريد أن أستكشف أوجه الشبه بين هذه الأفكار الحديثة الخاصة بالتحليل النفسي وما يمكن أن نسمِّيَه بالأخلاق الخيالية عند بعض فلاسفة الأخلاق الإنجليز في القرن الثامن عشر؛ لكن قبل ذلك علينا أن نأخذ جولة سريعة في موضوع المذهب العاطفي في القرن الثامن عشر.

هوامش

(1) See ‘The Mirror Stage as Formative of the Function of the I as Revealed in Psychoanalytic Experience’, in Jacques Lacan, Écrits: A Selection (London, 1977).
(2) See Sandra Blakeslee, ‘Cells That Read Minds’, New York Times, 10 January 2006.
(3) Maurice Merleau-Ponty, Phenomenology of Perception (London, 1966), p. 352.
(4) Adam Smith, ‘The Theory of Moral Sentiments’, in L. A. Selby-Bigge (ed.), British Moralists, vol. 1 (New York, 1965), p. 258.
(5) Montaigne, Essays (Harmondsworth, 1979), p. 98.
(6) Ibid., p. 97.
(7) The British film journal Screen, which published some remarkably pioneering work, is characteristic of the cultural avant-gardism of the time.
(8) J. Laplanche and J.-B. Pontalis, The Language of Psycho-Analysis (London, 1980), p. 210.
(9) See Terry Eagleton, How To Read A Poem (Oxford, 2006), Ch. 2.
(10) Ludwig Wittgenstein, Philosophical Investigations (Oxford, 1963), p. 49.
(11) Jacques Lacan, Le Séminaire Livre 1: Les Écrits Techniques de Freud (Paris, 1975), p. 242.
(12) Shaftesbury, An Inquiry Concerning Virtue or Merit, in L. A. Selby-Bigge (ed.), British Moralists (New York, 1965), vol. 1, p. 45.
(13) Ibid., p. 48.
(14) Quoted in Manfred Frank, What is NeoStructuralism? (Minneapolis, 1989), p. 208.
(15) Quoted in Peter Dews, Logics of Disintegration (London, 1987), p. 59.
(16) Wittgenstein, Philosophical Investigations, p. 48e.
(17) See Eric Santner, The Psychotheology of Everyday Life (Chicago, 2001), for an illuminating discussion of this point.
(18) Jacques Lacan, ‘Desire and the Interpretation of Desire in Hamlet’, Yale French Studies, 55/56 (New Haven, CT, 1997), p. 31.
(19) See Frederic Jameson, ‘Imaginary and Symbolic in Lacan’, Yale French Studies, 55/56 (New Haven, CT, 1997), p. 356.
(20) See Jacques Derrida, The Gift of Death (Chicago and London, 1996), p. 16.
(21) Quoted in Dews, Logics of Disintegration, p. 57.
(22) See Louis Althusser, ‘Ideology and Ideological State Apparatuses’, in Lenin and Philosophy (London, 1971).
(23) For a critical discussion, see my Ideology: An Introduction (London, 1991), Ch. 5.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤