محمد تيمور والفن المسرحي

وقبل أن نختم الحديث عن رواد التأليف المسرحي، وننتقل إلى المرحلة التالية، وهي المرحلة التي خطا فيها الكاتبان الكبيران المعاصران توفيق الحكيم ومحمود تيمور في التأليف المسرحي خطوة جديدة، خرجت به عن النطاق المحلي ودنت به من النطاق العالمي، لا بد أن نتوقف قليلًا عند واحد من كبار المجاهدين في سبيل المسرح والتأليف المسرحي، وهو محمد تيمور الذي عبَر أدبنا المعاصر كالشهاب الخاطف؛ فوُلد سنة ١٨٩٢ وتُوفي سنة ١٩٢١، وكتب الشعر والقصص القصيرة ومقالات النقد ثم المسرحيات، كما عمل ممثلًا هاويًا، وعليه تتلمذ أخوه محمود تيمور الذي يصغره بعامين.

وإذا كنا قد أشرنا فيما سبق إلى محمد تيمور، واستشهدنا ببعض أقواله عن حركة التأليف المسرحي والتمثيل في عصره، فإننا نود أيضًا أن نقف قليلًا لننظر في إحدى مسرحياته، ونحللها ونحاول أن نتبين قيمتها الفنية والإنسانية.

ولقد كتب محمد تيمور أربع مسرحيات، وصلت إلينا نصوصها ضمن مؤلفاته التي نُشرت بعد موته في ثلاثة أجزاء بعنوان «مؤلفات محمد تيمور»، سمَّى الجزء الأول منها «وميض الروح»، مُصدرًا بمقدمة عن تاريخ حياة الفقيد، وشرح أعماله بقلم شقيقه محمود تيمور، ويحتوي على ستة كتب: الأول منها ديوانه الذي يتضمن مجموعة قصائده، والثاني بعنوان الوجدان ويتضمن أغانيه الشعرية، والثالث مجموعة مقالاته الأدبية والاجتماعية، ثم الكتاب الرابع بعنوان: «ما تراه العيون» ويتضمن مجموعة قصصه الصغيرة مضافًا إليها رواية «الشباب الضائع»، والكتاب الخامس بعنوان «خواطر» ويتضمن مجموع خواطره عن الحياة، ثم الكتاب السادس ويتضمن مجموعة مذكراته عن حياته في باريس بعنوان «مذكرات باريس.»

وأما الجزء الثاني فعنوانه «حياتنا التمثيلية»، وقد صُدِّر بمقدمة عنه كعامل ومؤلف في فن التمثيل، وهي رسالة تحليلية لحياته وأعماله المسرحية بقلم صديقه الأديب زكي طليمات، ويحتوي هذا الجزء على سبعة كتب: الأول عن تاريخ التمثيل في فرنسا ومصر، والثاني عن التمثيل الفني واللافني، وهي مجموعة مقالات عن أنواع الروايات الفنية وغير الفنية، وأسباب نجاح التمثيل اللافني، والثالث محاكمة مؤلفي الروايات التمثيلية، وهي مجموعة مقالاته الفكاهية الانتقادية عن الجو المسرحي في مصر، ومحاكمة فرح أنطون وإبراهيم رمزي ولطفي جمعة وخليل مطران، والرابع في نقد الممثلين، وهو مجموعة مقالاته الانتقادية عن الشيخ سلامة حجازي وجورج أبيض وعزيز عيد وآل عكاشة وعبد العزيز خليل وعمر وصفي وأحمد فهيم وروز اليوسف ومنيرة المهدية وميليا ديان … والخامس مقالات عامة عن التمثيل، والسادس القصائد التمثيلية، وهي مجموعة منولوجاته المسرحية، والسابع رواية الهاوية وهي رواية كوميدي درام أخلاقية ذات ثلاثة فصول.

والجزء الثالث مصدر بمقدمة عن الفقيد ورواياته التمثيلية، لصديقه الأديب محمود عزي، ويحتوي على ثلاث روايات الأولى: «العصفور في القفص» كوميدي دراما أخلاقية ذات ثلاثة فصول، والثانية «عبد الستار أفندي» كوميديا أخلاقية ذات أربعة فصول، والثالثة العشرة الطيبة أبرابوف ذات أربعة فصول.

وفيما عدا أوبريت العشرة الطيبة التي اقتبسها عن مسرحية فرنسية، اسمها «يارب بلو» أي «اللحية الزرقاء» وجعل حوادثها تاريخية أسطورية تجري في عصر المماليك، ثم كتب أغانيها زجلًا الأستاذ بديع خيري، ولحنها الشيخ سيد درويش، تُعتبر مسرحياته الثلاثة الأخرى من مسرحيات النقد الاجتماعي، الذي يعالج مشاكل بعضها مزمن مثل مشكلة تربية الأبناء تربية شديدة تعسفية في مسرحية «العصفور في القفص»، أو مشكلة عارضة طرأت على حياة مجتمعنا في فترة معينة، مثل مشكلة الكوكايين وإدمانه التي انتشرت في مجتمعنا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتردد صداها في كثير من الأزجال والقصص، ثم المسرحيات ومن بينها مسرحية «الهاوية»، التي يلوح أنها كانت آخر ما كتب محمد تيمور من مسرحيات؛ إذ مثلتها فرقة عكاشة لأول مرة بمسرح حديقة الأزبكية مساء الأربعاء ٦ أبريل سنة ١٩٢١؛ أي بعد وفاته بأربعين يومًا.

هذا ولمحمد تيمور نفسه مقال قصير أوجز فيه رأيه فيما سمَّاه «التمثيل الفني»، يحسن أن نثبته هنا لأهميته الذاتية ثم أهميته التاريخية وفيه يقول:
ما هو التمثيل الفني؟ هو أن يقع نظرك على حادثة من حوادث الحياة، تود أن تشرحها لمواطنيك، فلا تجد طريقة أقرب للعقل والقلب؛ أي للإدراك والشعور من أن تمثلها أمامهم؛ أي تُعيدها مرة أخرى أمام أعينهم كما وقعت في المرة الأولى، فإذا نجحتَ في عملك قيل عنك مثلتَ تلك الحادثة بطريقة فنية، فما هي العوامل التي يتيسر لك بها أن تُمثل الحادثة التي رأتها عيناك، والتي اتخذت لك منها درسًا تريد أن تُلقيه على أهل بلدك بطريقة تخالف اﻟ roman أو الخطب والمحاضرات؟ العوامل بلا نزاع كثيرة: أولًا بأن تأتي بأشخاص يفعلون أفعالًا، ويقولون أقوالًا تتكون منها تلك الحادثة، وأن تكون تلك الأقوال والأفعال مطابقة للواقعة، وإلا خرجت عن الدائرة التي رسمتها لنفسك لتصل للحقيقة، ولا تنسَ تحليل أخلاق الأشخاص الذين تريد إخراجهم على المسرح؛ فاللئيم تخرجه لئيمًا والكريم كريمًا والجبان جبانًا، ولا تنسَ أيضًا أن توقف تحليل أخلاق أشخاصك على الحوادث التي تحدث في سياق الراوية لتتكوَّن منها الحادثة التي تُريد شرحها للجمهور. والعامل الثاني هو مراعاة الصبغة المحلية couleur locale فإذا وقعت حادثتك في فرنسا، فاكتب روايتك بعد أن تنتحل لنفسك شخصية فرنسية تُسوِّل لك مطابقة أخلاق وعادات هذه البلاد، وإذا وقعت حادثتك في مصر فلا تخرج عن الجو المصري، في شيء من الأخلاق والعادات والإشارات والحركات، ثم تُهيئ المناظر والملابس التي تتطلبها حوادث الرواية، مع مراعاة الجو الذي تسير فيه هذه الحوادث، واتبع في ذلك طريق الحقيقة لتصل لغايتك. والعامل الثالث وهو من أهم العوامل، هو أن تجد في نفسك الكفاءة لتكتب روايتك بطريقة فنية بعيدة عن السأم والملل، وهذه منحة من الطبيعة لا تجدها في كل كاتب، وهي ما نسميه ببناء الرواية construction فإذا كنتَ قادرًا على تقسيم روايتك إلى فصول ومناظر ومشاهد، لا تخرج عما تطلبه الحادثة، ولا يشعر الجمهور عند رؤيتها بالسأم والملل، فاكتب وأنت على يقين من نجاحك. والعامل الرابع هو أن تُحلل نفسك جيدًا، فإذا رأيتها تنزع للحزن فتوخَّ ذلك الطريق في روايتك، وإن وجدتها تميل إلى الهزل والضحك فسر في طريقها غير هيَّاب ولا وجِل. والعامل الخامس هو ألا تسير وراء تيار الخلاعة والفجور، أو تيار المفاجآت والدهشات؛ لتجذب بها قلوب الناس أو قلوب من لا يهمهم من الحياة إلا مضيعة الوقت، وإني لا أقصد بذلك ألا تخرج على المسرح شخص الخليع، أو شخص المومس الفاجرة إذا اقتضته حادثة روايتك؛ لأنك إن فعلت ذلك أخرجت للناس رواية مبتورة عرجاء، ولكني أريد ألا تُخرج على المسرح عددًا من النساء ذوات الملابس العارية، والوجوه المصبوغة لا تتطلبها الرواية، وليس لها بها أدنى علاقة؛ لأنك بذلك تُخرج بذلك للناس رواية خارجة عن أصول الفن، التي يتَّبعها الكُتَّاب في أمة راقية، أو مثلًا تأتي بمناظر وملابس مدهشة لا علاقة لها بالرواية أيضًا، أو تملأها بالمفاجآت الغريبة التي لا تُطابق الواقع، كل هذه عيوب كثيرة تذهب برواء الرواية وتلقي بها في هوة التدهور (ص٣٠ من كتاب حياتنا التمثيلية).

الهاوية

ونقف قليلًا عند مسرحية «الهاوية»، التي كانت آخر مؤلفات محمد تيمور، فنجدها تعالج كما قلنا مشكلة الكوكايين، الذي كان قد انتشر في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وقد اختار محمد تيمور شخصيات هذه المسرحية بين أفراد الطبقة الأرستقراطية، وإن كنا نعلم أن هذا المخدر لم يقف انتشاره عندئذٍ عند هذه الطبقة، بل امتد إلى الكثيرين من أفراد الشعب حتى رأينا الزجال الشعبي يقول:

شم الكوكايين
خلاني مسكين
مناخيري بتون
وعقلي حزين

وهو زجل كان أفراد الشعب يتغنون به في تلك الفترة.

وبطل «الهاوية» شاب في الرابعة والعشرين من عمره اسمه «أمين بك بهجت» انحدر إلى هاوية الكوكايين بعد أن مات أبوه وترك له ثروة طائلة، ورأت أمه حكمت هانم أن الزواج قد يُصلح حاله، فزوجته من فتاة عصرية في العشرين من عمرها اسمها رتيبة هانم، ولكن أمين بك لم يزد إلا انحدارًا في الهاوية يشاركه شابان آخران من طبقته، هما شفيق بك في الثامنة والعشرين ومجدي بك في السادسة والعشرين.

وفي الفصل الأول نشاهد أمين بك وزوجته الشابة، وقد انصرف كل منهما إلى شأنه؛ فأمين بك يسكر ويلعب القمار ويجري وراء النساء، ويشم الكوكايين، ويغيب عن المنزل كيفما شاء، مسقطًا زوجته وأمه من حسابه، والزوجة الشابة تذرع الشوارع والمسارح والأندية، وتبدد المال في الكماليات التي لا تنتهي، ووالدة الفتى وخالة أحمد باشا يسري لا يستطيعان ردعه عن هذا الفساد؛ إذ يلقى نصائحهما بالتمرد والغلظة تحت تأثير الكوكايين، ولا يلبث خيط الدراما أن يبدأ منذ هذا الفصل الأول باصطحاب أمين بك صديقيه شفيق ومجدي إلى منزله وتقديم زوجته إليهما، وهما شابان مستهتران، ونحس منذ تلك اللحظة بأن هذه الزوجة المهملة المتحررة، لا بد أن تقع بين براثن أحدهما، وبالفعل نتحقق من ذلك في الفصل الثاني الذي يجري في منزل شفيق بعد أربعة أشهر من الفصل الأول، وفي هذا الفصل الثاني نعلم أن شفيق قد نجح في أن يستدرج رتيبة ويغرر بها، حتى وصل إلى أن يحملها على زيارته في منزله ليخلو بها، ونرى شفيق وقد أعد زجاجة شمبانيا لهذا اللقاء، وأخذ يرتب أموره لكي يخلو برتيبة؛ فهو يرسل خطاب اعتذار لأمين بك عن مصاحبته في مغامرتهما بحجة مرضه، وهو يُسرِّح خادمه الكبير بينما يأمر خادمه الآخر الطفل بأن يجلس على الباب، لكي يرد عنه كل زائر من الرجال، وأما السيدة التي ستأتي فيتركها تدخل، غير أن هذا الترتيب يختل، وبينما شفيق ينتظر رتيبة يدخل عليه صديقه مجدي، الذي لا ينجح في التخلص منه إلا بعد أن يمنحه ثلاثة جنيهات ليشتري بها كوكايين، ومع ذلك فقبل أن يغادر مجدي منزل شفيق يأتي أحمد يسري باشا خال أمين بك، ليحاول أن يثني شفيق عن شراء عزبة لأمين في المنوفية، بعد أن كان أمين قد سبق أن باع عزبة أخرى في كفر الدوار لخاله، وبالطبع في هذا الوسط الأناني نُحس بأن الخال يريد أن يشتري هو العزبة الأخرى مدعيًا أنه سيعيد العزبتين إلى ابن أخته، بعد أن يسترد ثمنهما من إيرادهما، ولكن شفيق يرفض طبعًا طلب يسري باشا ويتخلص بسرعة، بدعوى أنه مرتبط بموعد ويجري كل ذلك ومجدي مختفٍ في إحدى الغرف، ثم يخرج مجدي لينصرف على إثر انصراف يسري باشا، ولكنه قبل أن ينصرف يُفاجأ هو وشفيق بدخول رتيبة هانم، التي تذهل لرؤية مجدي مع شفيق وتغضب لذلك، ولكن شفيق ينجح في استرضائها بعد انصراف مجدي ويطمئنها إلى أن مجدي لن يستطيع أن يفضح السر لدى زوجها أمين، بدعوى أن مجدي مفلس محتاج دائمًا إلى النقود وشفيق هو الذي يمده بها، ويأخذ شفيق بعد ذلك في مغازلة رتيبة حتى تعود فترضى وتوشك أن تستسلم له، لولا أن يفاجأ بدخول أمين بك رغم أنف الخادم الصغير الجالس على الباب، وهنا تبلغ الأزمة قمتها ويسرع شفيق إلى إخفاء رتيبة داخل غرفة نومه، التي يغلقها عليها ويخفي معه مفتاحها، وتحت تأثير المفاجأة تنسى رتيبة مروحتها على المنضدة. وبالرغم من أن أمين كان مخمورًا مخدرًا بالكوكايين، إلا أنه مع ذلك أخذ يضيق الخناق على شفيق؛ ليعرف سبب كذبه وادعائه المرض، ثم يتأكد من أن السبب هو امرأة كانت على موعد معه بدليل وجود الشمبانيا، ثم يلمح المروحة وكان يعلم أن هذه المروحة، إنما هي لزوجته أو للطيفة هانم شقيقة مجدي؛ لأن رتيبة ولطيفة كانتا قد ابتاعتا هاتين المروحتين الوحيدتين في القطر المصري من محل شيكوريل، ويضطرب أمين أول الأمر بعض الشيء، ولكن شفيق يبادر إلى الاعتراف له بأن المروحة للطيفة هانم المختبئة في غرفة نومه، ويطمئن أمين بك إلى هذا الإيضاح، وإن يكن قد لام شفيق لاعتدائه على عرض صديقهما المشترك مجدي في شخص أخته المتزوجة.

وما يكاد أمين بك يخرج وتسترد رتيبة أنفاسها اللاهثة، حتى تُسرع هي الأخرى إلى الخروج، وكأن الصدمة قد ردت إليها رشدها فنجت بعرضها سليمًا، قائلة له إنه لن يراها بعد اليوم وأنها ستفعل ما يأمر به الشرف والواجب.

ونعود في الفصل الثالث إلى منزل أمين بك؛ حيث تتجدد مشاهد قريبة الشبه بمشاهد الفصل الأول، وذلك فيما عدا المشهد الأخير الذي يدخل فيه مجدي إلى منزل أمين، ليستجديه كوكايينًا ونقودًا، ويكون بينهما حوار درامي عنيف بفضل ما نُحس من انقلاب يكمن خلفه، وينتهي الأمر بأن يتهم أمين مجدي في عرض أخته لطيفة هانم، ولكن مجدي في غمرة المخدر يُبادر إلى رد الطعنة بأن يقرر أن المروحة التي كانت في بيت شفيق لم تكن مروحة أخته، بل مروحة رتيبة زوجة أمين، التي رآها هناك بعينيه. وهنا تثور ثائرة أمين ويطرده من منزله، ليستدعي زوجته ويستجوبها، فتعترف له بالحقيقة وتحمِّله تَبِعة سلوكه المعيب وإن طمأنته على شرفه، ولكن أمين لا يزداد إلا هيجانًا وهذيانًا من هول الصدمة، ثم من فعل الكوكايين، حتى ينتهي الأمر به إلى الوفاة مسممًا منهارًا، وبذلك تنتهي «الهاوية» في مشهدها الأخير الفاجع الذي يجري بين رتيبة وأمين وحكمت ويسري على النحو الآتي (ص٤٥٠ من حياتنا التمثيلية).

حكمت : جرى إيه، جرى إيه؟
رتيبة : أمين يا نينا شوفي ماله.
حكمت (تذهب لأمين فتراه ملقًى على الكرسي تركع بجانبه) : مالك يا أمين، روحي، حبيبي رُد عليَّ.
أمين (يفوق قليلًا) : آه، نينا، حموت، حموت يا نينا (يبكي) آه.
حكمت : مالك يا خويه، رد عليَّ يا حبيبي، قولِّي مالك؟
أمين (النوبة تعود) : هوا، هوا، ميَّة قوام، مية قوام.
حكمت : هاتي مية يا رتيبة. (تُسرع رتيبة ويسري ويحضران كوبة ماء) يا خويه قوللي.
أمين : هوا. ميَّة.
حكمت (تأخذ كوبة الماء وتعطيها لأمين) : اشرب يا خويه.
أمين (يمسك بالكوبة ويهم بشربها، فتقع من يده وتنكسر على الأرض وتأتيه النوبة بشدة) : هوا، ميَّة، ميَّة … آه حموت.
حكمت : يا خويه شوف ماله (يقترب يسري).
أمين (يفوق قليلًا) : آه الحمد لله، كنت حموت (يرى خاله فيهم واقفًا وصارخًا) آه … وأنت يا راجل جي تعمل إيه؟ اطلع بره، اطلع بره بعدين اطلع بره، أكرهك، أموِّتك، آه، هوا ميَّة، هوا حموت، شفيق، تنشيقة.
حكمت : يا روحي قوللي مالك يا حبيبي، اكَّلم يا سيدي، روحي أنت يا حياتي.
أمين (في حالة نوبة) : أنا السبب في اللي جرى، آه (يبكي) شرفي، تنشيقة. وسكي، كوكايين، شفيق، رتيبة، هوا، ميَّة.
يسري : عليك بالإرادة يا أمين، الإرادة هي اللي تنجيك، الإرادة يا ابني.
أمين : هوا، ميَّة، شفيق، تنشيقة، كونياك، رتيبة، مجدي، هوا، ماية، شبين الكوم، تنشيقة، أبو الأحمر هوا.
يسري : الإرادة يا أمين يا ابني (يقترب منه) الإرادة يا أمين، تغلب على نفسك.
أمين (يكون قد فاق قليلًا ولكنه يرى خاله فيهجم عليه صارخًا) : آه (يمسك يتلابيب خاله ويهزه) اطلع بره يا راجل، بره. اطلع بره (لا يمكنه أن يستمر فيقع على الكرسي) هوا ميَّة تنشيقة، رتيبة، أنا السبب.
حكمت : عملت فيه إيه يا رتيبة؟ عملت فيه إيه؟
أمين (في حالة سيئة جدًّا وهو ملقًى على الكرسي، وبتشنجات شديدة) : هوا … هوا عاوز هوا رتيبة شرفي، تنشيقة أبو الأحمر، كوكايين … هوا … هوا … ﻫ…وا … كو…كا…يين … تنشيقة.
حكمت : أمين، أمين (لا يرد عليها) رد يا روحي، اكَّلم يا حبيبي، الله ماله يا خويه ما بيردش ليه؟ أمين، روح أمك، عيوني، رد عليه يا خويه. اكَّلم يا حبيبي، الله! أخويه شوف يا خويه؟ ماله؟ كان كويس دلوقتي (يسري يقترب منه وهو في حالة يأس ويقلب فيه) مش طيب يا خويه؟ أيوه يا خويه طيب مش كده، أمين. بس اكَّلم يا ابني طمني يا روحي (يسرى يهز رأسه) أمين والله ما بيكلمش، خلاص بعد الشر لأ، لأ، لأ، آه أمين (ترتمي عليه) حبيبي روحي أمين (تبكي وتشهق).
يسري (واقفًا بجوار أمين) : آدي آخرتك يا اللي ما بتحاسبش على نفسك ولا على بيتك، ولا على شرفك، آدي آخرتك يا اللي بتمشي في السكة اللي ما بترجَّعش منها حد.

(وتنزل الستار بينما يكون يسري باشا يقول هذا الكلام وتكون حكمت مرتمية على أمين، وتكون رتيبة مرتمية على كرسي وهي تشهق وتبكي.)

وأما عن رأينا في هذه المسرحية ومسرح تيمور بوجه عام، فهو أن هذا الشاب الموهوب كان لا يزال في مستهل نضجه حين عاجله الموت، بحيث لو امتدت به الحياة لتوقعنا منه إنتاجًا أكثر عمقًا في الحياة، ومع ذلك فإنه في المسرحيات التي خلَّفها قد استطاع أن يجيد فيها البناء، وأن يتقن الحوار المترابط الحالي من الاستطراد والحشو والثرثرة، وكم كنا نود أن يمتد به العمر ويزداد نضجًا، فيعدل أيضًا عن العامية كما عدل أخوه محمود تيمور عنها إلى الفصحى، فأثرى أدبنا المعاصر بطائفة كبيرة من القصص والأقاصيص والمسرحيات.

هذا ولقد سبق أن ناقشنا نظرية محمد تيمور وبعض زملائه في استخدام العامية كلغة للمسرح، وبيَّنا كيف أن أساس هذه النظرية، وهو الواقعية المدعاة أساس منهار، واستطعنا أن نضيف هنا ما سمَّاه محمد تيمور باللون المحلي، وهو اللون الذي حرص على أن يعززه في مسرحياته عن طريق استخدام اللغة العامية؛ أمرٌ لا يستقيم هو الآخر على طول الخط؛ فاللون المحلي لم يحرص عليه غير الرومانسيين، الذين أُولعوا بالغرائب وراحوا يبحثون عن موضوعات وشخصيات لمسرحياتهم أو قصصهم في البلاد الغريبة النائية، ورأوا أن تُحاط هذه الموضوعات والشخصيات بإطارها المحلي الطريف، وأزيائها وطرزها الغريبة، وذلك بينما نرى كثيرًا من عيون الأدب العالمي الكلاسيكي، وغير الكلاسيكي لا تُعنى باللون المحلي وطرافته بقدر ما تُعنى بالحقائق الإنسانية العامة المشتركة بين البشر، وبالكشف عن هذه الحقائق الإنسانية العامة، مما يكسب أدبهم الذيوع والخلود، وتخطي الحدود المحلية إلى الآفاق العالمية المنطلقة من إطاري الزمان والمكان، وبخاصة إذا ذكرنا أن القدر المشترك من حقائق الحياة الإنسانية بين البشر أوسع وأعمق بكثير من القدر المتفاوت بتفاوت الألوان المحلية.

خاتمة

هذا ولحسن استيعاب هذه المحاضرات لا بد من قراءة المسرحيات الآتية قراءة متأنية:
  • (١)

    مصر الجديدة ومصر القديمة لفرح أنطون.

  • (٢)

    أبطال المنصورة لإبراهيم رمزي.

  • (٣)

    الذبائح لأنطون يزبك.

  • (٤)

    الهاوية لمحمد تيمور.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤