الفصل الثاني عشر

الحاضنة

وعطف الله على هذا اليتيم قلوبًا ملئت حبًّا، وفاضت حنانًا ورحمة، قلَّمَا يظفر بمثلها المنعمون المترفون من أبناء الأغنياء، وأصحاب الثراء الواسع والجاه العريض. هذه الأمة الحبشية قد ورثها اليتيم عن أبيه الفقيد مع خمسة أجمال أوارك١ وقطعة من الغنم، كانت حين أقبل اليتيم إلى هذه الأرض فتاةً في ريعان الشباب ومبتدأ الحياة، لم تنسَ وطنها القديم ولم تألف وطنها الجديد، ولم تسل عن حريتها، ولم تأنس إلى رقها. نفسها معلقة بين لونين من ألوان الحياة: كان أحدهما صفوًا كله، وهو لون الحياة العزيزة في بلد عزيز وبين قوم أعزةٍ كرام. وكان الآخر يوشك أن يكون كدرًا كله، لا تنظر إلا رأته مظلمًا حالكًا، لا يبسم فيه أمل، ولا ينبعث منه ضوء، وهو لون الحياة الذليلة في بلد نازح وبين قوم غرباء لا تعرفهم ولا تألفهم؛ إنما دفعتها إليهم خطوب الحياة دفعًا وألقتها إليهم صروف النوى إلقاء. فهذا شبابها يذبل، وقد كان يريد أن يزهر ويتألق. وهذه آمالها تبتر بترًا، وقد كانت تريد أن تمتد وتنبسط.

وهي ترى هذا كله خاشعة خاضعة، مؤمنة مذعنة، لم تختر منه شيئًا، ولا تستطيع أن تغير منه شيئًا. وهي قد وطنت نفسها أو وطنتها الأحداث على أن تكون أمةً طيعة تخدم سادتها في نصح أو في غش، ولكنها تظهر لهم الطاعة والخضوع على كل حال. وهي محزونة النفس كاسفة البال، لا تبتسم إلا متكلفة ولا ترضى إلا متصنعة، ولا تطمئن إلى هؤلاء الذين من حولها ينظرون إليها نظرات مهما يملأها العطف والرفق، فهي نظرات السادة الذين يملكون ويستعلون، ويستطيعون أن يتصرفوا فيها كما يحبون، كما يتصرفون في الأشياء: لهم أن يبيعوها وإن لم تؤثر أن تباع، ولهم أن يهبوها وإن لم تحب أن توهب، ولهم أن ينقلوها من يد إلى يد، ومن مكان إلى مكان، ولعلها أن تكون مؤثرةً لهذه اليد التي بسطت عليها، منكرة لهذه اليد التي يراد أن تنقل إليها. ولعلها أن تكون قد ألفت هذا المكان الذي استقرت فيه وكرهت غيره من الأمكنة. ولكنها لا تستطيع أن تريد أو لا تستطيع أن تنفذ ما تريد. وأي قيمة للإرادة إذا عجز صاحبها العجز كله عن أن ينفذها ويجري أحكامها! إنما الإرادة العاجزة أقبح صور الذل، وأشنع ألوان الرق، وأبغض ما يلقى الإنسان في الحياة.

انظر إلى هذه الأمة الناشئة لم تتعود الرق بعد ولم تطمئن إليه، نفسها ثائرة مظلمة، وقلبها جامح مكظوم، وهي مبغضةٌ لكل إنسان، ضيقة بكل شيء. انظر إليها تشهد ما شهد غيرها من النساء في تلك الليلة الفذة، فتضطرب نفسها الناشئة لما رأت، ويبتهج قلبها الحزين لما شهد، ثم لا تكاد ترى هذا الوليد اليتيم حتى يلقي الله حبه في قلبها، وحتى يعطفها الله عليه، وحتى يجعله لها قرة عين، وحتى يصبح وجهه الصغير المضيء ابتسامةً في حياتها المظلمة، ويصبح شخصه الضئيل العظيم منقذًا لها من هذا اليأس القائم، وعزاءً لها عن هذا الشقاء العظيم. وإذا هي تألف الطفل وتكلف به، وإذا هي تحضن الطفل وتحنو عليه، وإذا هي تؤثره من المحبة والبر، ومن المودة والعطف ومن الحنان والرفق، بكل هذه الكنوز التي لا تفنى، والتي تحتويها قلوب النساء، والتي كانت تريد أن تغيض لأن خطوب الحياة قد فرضت عليها الرق والذل فرضًا. إن هذا اليتيم لينزل من قلبها الحزين منزل السرور، ومن نفسها الكئيبة منزل الابتهاج. إنها لتجد فيه كل ما فقدت من أمل وكرامة وعزة وحرية. إنها لتريد أن تختص به من دون الناس جميعًا. إنها لتريد أن تخصه بنفسها من دون الناس جميعًا. إن الله ليحقق لها من هذا كله أكثر ما تريد. إنها لتقف نفسها على الطفل أيامًا، حتى إذا قبلت الظئر٢ فانتزعته منها ومن أمه انتزاعًا ورحلت به إلى البادية، ضاقت هي بالظئر وكرهت هذا الرحيل. ولو قد أتيح لها أن تنفذ ما كانت تريد لاستبقت الظئر معها في مكة، أو لرحلت هي مع الظئر إلى البادية. ولكن متى أتيح لأمة أن تنفذ ما تريد! ولها على ذلك أسوة بهذه الأم الحرة الكريمة التي تسلم ابنها إلى الظئر، لا تستبقيها معها في مكة، ولا ترحل هي مع الظئر إلى البادية.

فلتفارق صفيها دهرًا طويلًا أو قصيرًا، كما تفارق الأم طفلها دهرًا طويلًا أو قصيرًا. ولتصبر على هذا الفراق. وهل خلق الرقيق إلا للصبر والاحتمال!

وينفق الصبي عند الظئر ما شاء الله أن ينفق من وقت، لا يزور أمه ولا حاضنته إلا لمامًا. وكلتاهما تسعد بهذه الزيارة القصيرة، وكلتاهما تشقى باستئناف الفراق، وكلتاهما تذعن لما لا بد من الإذعان له.

ثم يعود الصبي الناشئ من البادية إلى مكة، فيقيم إقامةً ملؤها الرحمة والعطف بين هذه القلوب الكريمة التي تحبه وتحنو عليه: قلب أمه الحرة المحزونة، وقلب حاضنته الأمة الفتاة، وقلب جده الشيخ الوقور. كلهم سعيد بالعطف على هذا الطفل والرعاية له، والطفل ناعمٌ بعطفهم عليه ورعايتهم له.

ثم ترحل أم الطفل به إلى يثرب لتزيره أخواله من بني النجار، فترحل الحاضنة معهما، وينعم الطفل بحنان هذين القلبين الكريمين. حتى إذا بلغ يثرب رأى أرضًا لم يكن قد رآها، وقد قدر له مع ذلك أن يقيم فيها حيًّا وأن يقيم فيها ميتًا، وقد سبقه أبوه إلى زيارتها، وقد سبقه أبوه إلى أن يؤثرها له دارًا تئويه.

هنالك رأى الطفل قبر أبيه. وهنالك لعب الطفل مع أطفال مثله سيكونون له أصدقاء وأنصارًا حين يجد الجد، وحين يبلغ الكتاب أجله، وحين يتم في الأرض ما قدر في السماء. حتى إذا قضى الطفل وأمه وطرًا من زيارة الأرض الموعودة، عاد بين أميه الكريمتين إلى موطنه بمكة. ولكن قضاء الله يجب أن ينفذ، وحكمة الله يجب أن تبلغ، وإرادة الله يجب أن تكون.

فلا يكاد الطفل يبعد عن يثرب حتى تلم العلة بأمه كما ألمت بأبيه قبل أن يصل إلى الدنيا. ولا يكاد الطفل ينتهي إلى الأبواء٣ حتى ينزع الموت منه أمه أو ينزعه من أمه، كما نزع الموت منه أباه أو كما نزعه من أبيه.

وكذلك أديت الأمانة إلى الأرض، وذهب عبد الله وذهبت آمنة بعد أن أدياها. وأصبح الطفل كما أراد الله له أن يكون يتيمًا قد فقد أمه وفقد أباه، وليس له من يئويه إلا الله الذي قد وعد بإيوائه وكفالته، وحفظه وحمايته من العاديات.

لقد خلص الطفل لحاضنته من دون الناس. فلتقف عليه نفسها كلها، لتقف عليه حبها كله، ولتخلص له كما خلص لها. وانظر إليها تعود بالطفل إلى جده وأعمامه وحيدًا فريدًا، ليس له من يرعاه أو يكلؤه إلا قلبها العظيم الكريم.

من ذلك الوقت أصبحت للطفل أمًّا، رعته صبيًّا وشابًّا، فرغت له ولم تشغل عنه بأحد ولا بشيء. حتى إذا بلغ سن الرجال واتخذ له أسرة، وأوى زوجه خديجة بنت خويلد، نظر إلى هذه الأمة التي نشأته ونعمته بحبها وحنانها، فأعتقها ورد لها حقها الكامل في الحياة الحرة الكريمة. هنالك اتخذت لها زوجًا من أهل يثرب كان مقيمًا بمكة، فعاشت معه ما شاء الله أن تعيش، ورحلت معه إلى يثرب، حتى إذا مات عادت إلى ابنها الأول ومعها ابنها الثاني أيمن بن عبيد، فعاشت في كنف هذا اليتيم وعاش معها ابنها سعيدين ناعمين.

ثم يتم الله نعمته على هذا اليتيم، ويختاره لما قدر له من الكرامة واحتمال الأعباء الثقال، فلا تشغله نعمةٌ ولا محنة ولا راحةٌ ولا جهاد عن أمه هذه. وانظر إليه يتحدث عنها إلى أصحابه فيقول هذه الكلمة التي ملؤها البر والحنان والوفاء: «إنها بقية أهل بيتي!» وانظر إليه حريصًا على أن تحيا وتنعم بالحياة، حريصًا على أن ألا يكون حظها من السعادة في هذه الدنيا أقل من حظ غيرها من الحرائر، انظر كيف يلتمس لها الزوج فيقول لأصحابه: «من سره أن يتزوج امرأةً من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن.»

هنالك أسرع مولاه زيد فاتخذها له زوجًا.

إيه أيتها الأم الكريمة الرحيمة! لقد منحت ابنك صبيًّا وشابًّا كل ما كنت تستطيعين أن تمنحيه من الحب والود، ومن العطف والحنان. وها هو ذا الآن قد بلغ ما قدر الله أن يبلغ من ارتفاع المكانة وعلو المنزلة وجلال الخطر! انظري! إنه ليؤذي في سبيل الله. إنه ليمتحن في نفسه وفي عشيرته وفي أصحابه. إنه ليلقى في ذلك أشد الجهد، ويحتمل في ذلك أعظم الثقل، ويستقبل ذلك بأحسن الصبر. انظري إليه وانظري إلى نفسك! إنك لتحبينه وتكبرينه وترحمينه! لقد استجبت له حين دعا، وآمنت به حين أنذر وبشر. انظري! إن قومه ليأتمرون به ليقتلوه أو يخرجوه أو يثبتوه.٤ وإن الله ليأذن له في الهجرة، وإنه ليترك مكة طريدًا ليعود إليها منتصرًا مظفرًا. انظري! إنه ليقيم الآن في يثرب بين أنصاره الذين آووه، وبين رفاقه الذين لعب معهم صبيًّا، وأنت ترمقينه وترعينه من قريب حينًا، ومن بعيد حينًا آخر. انظري! أتستطيعين فراقه؟ لقد ضقت بالظئر حين نقلته إلى البادية. كلا! كلا! إن أصحابه ليهاجرون ليلحقوا به ويعيشوا معه، فكيف لا تهاجر أمه! ومتى صبرت أمٌّ مثلها على فراق ابن مثله! ها هي ذي قد تركت مكة مهاجرةً إلى الله ورسوله، وابنها وصفيها. إنها لتقطع الطريق بين مكة والمدينة يؤنسها ما يملأ قلبها من الإيمان، وما يعمره من الحب. إنها لتحمل مشقة الطريق وجهد السفر صابرةً عليهما. وما كان أصبرها على المشقة والجهد! إنها لتستلذ المشقة والجهد، وتستعذب الألم والضراء. إنها لتسافر صائمةً. إنها لتستأنس في رحلتها بهذين الصديقين اللذين يحبهما المؤمنون: الظمأ والجوع، وأنعم بهما رفيقين! وأنعم بهما معينين على الهجرة في سبيل الله! إنها لتقطع أكثر الطريق وتصبح من المدينة غير بعيد. إن النهار ليتقدم بطيئًا مسرفًا في البطء، وإن الشمس لترسل على الأرض أشعة من اللهب، وإن الأرض لتضطرم من شدة القيظ، وإن الجو ليتوهج من اللهب الذي يضطرم فيه، وإن هذه المرأة الضعيفة لتسعى في هذه النار المحرقة إلى حيث تنعم بالحياة في ظل ابنها وصفيها ومخرجها من الرق إلى الحرية، ومخرجها من الظلمة إلى النور! إنها لتسعى ما وسعها السعي. ولكن الأمد بعيد، والجهد شديد، والماء منقطع والظمأ محرق، وجسمها ضعيفٌ لا يثبت لهذه العاديات التي لا تثبت لها أجسام الناس! ولكنها تسعى لا يائسة ولا بائسة ولا مستسلمة، حتى يبلغ الجهد بها أقصاه، وحتى يتراءى لها هذا الشبح المنكر المخيف الذي يتراءى لمن تنقطع بهم أسباب الحياة في الصحراء: شبح الموت. ولكنها مع ذلك لا تيأس ولا تستسلم، ولا تفارق ما ألفت من الرضا. انظري أمامك ماذا ترين؟ إنه رشاءٌ أبيض ناصع البياض ينزل إليك من السماء، وقد علقت فيه دلو قد ملئت ماءً. من أرسل إليك هذه الدلو؟ من قدم إليك هذا الماء؟ لما أرسلت إليك هذه الدلو؟ لم قدم إليك هذا الماء؟ هلم اشربي! فإنما تذوقين اليوم هذا الماء العذب ماء الخلود الذي ستشربينه بعد حين طويل أو قصير حتى يسكنك الله دارك من الجنة! أرأيت أن ابنك لم يكن متكلفًا ولا مغررًا حين قال لأصحابه: «من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن»! اشربي من هذا الماء، فلن تظمئي بعد هذه الشربة أبدًا!

وتشرب أم أيمن من هذا الماء، وتنفق أم أيمن بعد هذه الشربة أعوامًا طوالًا، فيها الشدة واللين، وفيها البؤس والنعيم، وفيها الجهد والعناء، ولكنها لا تعرف الظمأ ولا تحسه ولا تشكوه، وكيف يظمأ من شرب ماء الخلود!

أسرعي الآن يا أم أيمن إلى يثرب؛ فإن ابنك ينتظرك فيها، قد أمن بعد خوف، واطمأن بعد قلق.

وتبلغ أم أيمن المدينة، فيلقاها ابنها حفيًّا بها عطوفًا عليها، وتلقاه هي بما عودته أن تلقاه به من هذا الحب السمح والعطف الباسم.

وتقضي معه أيامها في المدينة، لا تكاد تفارقه إلا حين لا تستطيع أن ترافقه. انظر إليها يوم أحد وقد شهدت الحرب مع المسلمين، وإنها لتطوف بالماء تسقي الجرحى ومن مسهم الجهد. ولم لا وقد عرفت حر الظمأ وبرد الري! ومن يدري! لعل هذه القطرات التي كانت تصبها في أفواه الجرحى قطرات قد مستها رحمة الله ففقدت جوهرها الفاني، واستحالت إلى هذا الجوهر الخالد الذي شربت منه أم أيمن حين تدلت إليها الدلو من السماء! وانظر إليها وقد شهدت خيبر مع ابنها تواسي المسلمين وتمنحهم من عطفها ورعايتها ورحمتها فضل ما يمتلئ به قلبها الساذج الكريم! وانظر إليها في أيام السلم تغدو على ابنها وتروح إليه، فيلقاها مبتسمًا دائمًا، مبتهجًا دائمًا، مداعبًا لها من حين إلى حين. تسأله مرة أن يحملها، فيقول لها: «أحملك على ولد الناقة» فلا تفهم منه، فتقول: يا رسول الله، إنه لا يطيقني ولا أريده. فيقول متضاحكًا: «لا أحملك إلا على ولد الناقة!»

وكان ابنها يمزح ولكنه لم يكن يقول إلا حقًّا. وكان يحب أن يداعبها ويعبث بها في رفق؛ فهو يقول ذات يوم: «غطي قناعك يا أم أيمن.» وتلقاه يوم حنين قبل الموقعة، فتريد أن تدعو للمسلمين بخير فتقول: «ثبت الله أقدامكم.» فيقول ابنها: «اسكتي يا أم أيمن فإنك عسراء اللسان!»

وقد سمع لها الله فثبت أقدام المسلمين. وقد امتحنها الله فاختار ابنها أيمن وآثره بالشهادة يوم حنين.

إيه أيتها الأم الرءوم؛ إنك لتمنحين ابنك وصفيك اليوم شيئًا جديدًا لم تمنحيه من قبل، إنك لتبذلين في سبيل الله وفي سبيله دم ابنك العزيز. ولكنك تلقين الثكل صابرة آملة راضية، كما لقيت الظمأ من قبل صابرة محتملة واثقة. ولئن فقدت أيمن يوم حنين، إن لك لخلفًا منه في ابنك أسامة بن زيد، أثير النبي وحبيبه، وقائد جيش المسلمين بأمر النبي وإن كان بعد لحدثًا ناشئًا. هذا جيش ابنك أسامة مرابطًا يتأهب للرحيل. وهذا ابنك وصفيك في بيته قد ثقل عليه المرض، وفتحت له أبواب السماء وأقبلت عليه الملائكة أفواجًا تحمل إليه روح الله ورحمته وتبشره بجوار الله. انظري! لقد اختار الله لنبيه جواره الأعلى، وصعدت نفسه الكريمة إلى حيث أريد لها أن تكون مع الصدقين والشهداء والصالحين وأصفياء الله وأنبيائه. ماذا؟! إنك لتبكين! وما يبكيك يا أم أيمن؟ قالت لمن ألقى عليها هذا السؤال: أي والله! لقد علمت أن رسول الله سيموت، ولكني إنما أبكي على الوحي إذا انقطع عنا من السماء.

نعم، لقد قبض ابنك وانقطع الوحي، وستحملين ذلك دهرًا.

ستشهدين خلافة أبي بكر، وستشهدين خلافة عمر، وستبكين مرة أخرى حين يموت عمر، وستسألين عن هذا البكاء فتقولين: «الآن وهي الإسلام.» وستستقبلين خلافة عثمان وقد طال صبرك على انقطاع الوحي، وشوقك إلى أخبار السماء، وسيسعى إليك الملك رفيقًا بك عطوفًا عليك، وسيقبض نفسك الكريمة إلى حيث تسعد بجوار ابنك الكريم!

تحدث ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: خاصم ابن أبي الفرات مولى أسامة بن زيد، الحسن بن أسامة بن زيد ونازعه. فقال له ابن أبي الفرات في كلامه: يابن بركة — ريد أم أيمن — فقال الحسن: اشهدوا. ورفعه إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم، وهو يومئذ قاضي المدينة أو والٍ لعمر بن عبد العزيز، وقص عليه قصته. فقال أبو بكر لابن أبي الفرات: ما أردت إلى قولك يابن بركة؟ قال: سميتها باسمها، قال أبو بكر: إنما أردت بهذا التصغير بها، وحالها من الإسلام حالها، ورسول الله يقول لها يا أمه ويا أم أيمن! لا أقالني الله إن أقلتك! فضربه سبعين سوطًا.٥
١  الأوارك من الإبل: التي ترعى الأراك. واحدتها أركة.
٢  الظئر: التي ترضع غير ولدها وتعطف عليه.
٣  الأبواء: قرية بين المدينة ومكة، وبينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا.
٤  ليثبتوه: ليسجنوه أو يوثقوه أو يثخنوه بالضرب والجرح، من قولهم: ضربوه حتى أثبتوه لا حراك به ولا براح. «عن الكشاف».
٥  «طبقات ابن سعد»: الجزء الثاني، صفحة ١٦٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤