الفصل السابع

مصادر متنوعة

راحت السينما المصرية تنقب دومًا عن حواديت جديدة ومألوفة تناسب موضوعاتها شتى المصادر العالمية. وقد اخترنا أن نتحدث في هذا الفصل عن المصادر الإيطالية واليونانية والإسبانية في السينما المصرية، وهي مصادر قليلة قياسًا إلى المصادر الأمريكية مثلًا، أو حتى الروسية.

وعليه فإن بعض المصادر غير الأمريكية للسينما المصرية هي في الواقع أمريكية، وذلك أن السينمائيين المصريين لم ينتبهوا إليها إلا من خلال الصبغة الأمريكية في مصادرها. وقد اخترنا أن نبدأ الحديث في هذا الفصل عن هذه الظاهرة من خلال فيلم «امرأة عاشقة» لأشرف فهمي المأخوذ عن فيلم «فيدرا» لجول داسان عام ١٩٦٢م، وهو بدوره معالجة عصرية لفيدرا سوفوكليس وراسين. كما أن فيلم «حبيبتي» لهنري بركات أقرب إلى الفيلم الأمريكي «صغيري» المأخوذ عن رواية للمجري جابور فالازي. ونفس الشيء بالنسبة لفيلم «آه يا بلد آه» لحسين كمال المأخوذ عن فيلم «زوربا» لمايكل كاكويانيس عام ١٩٦٤م، وهو فيلم أمريكي الإنتاج عن روايةٍ يونانية للكاتب كازنتزاكيس.

ورواية «دمعة وابتسامة» لجابور فالازي نُشرت في روايات الجيب باللغة العربية عدة مرات، وقام بالبطولة السينمائية كلٌّ من الألمانيين هورست بوشولز ورومي شنايدر عام ١٩٥٩م، وتدور الرواية كلها حول علاقة حب بين رجلٍ وامرأة، الرجل يبحث عن كل ما هو حسي؛ المال والشهوة والجنس. أما المرأة التي يلتقي بها في الحديقة أول مرة فهي مثالية طُوباوية، سعيدة بما تقرأ ورومانسية العواطف والتفكير؛ ولذا فإنها غارقة في خيالاتها، تكذب على حبيبها العديد من الكذبات من أجل أن يعرف أنها من أسرةٍ موسرة. رغم أنها ليست إلا بائعة بسيطة تعمل في مكتبةٍ تعيش على راتبها الصغير.

ورغم هذه الكذبات إلا أن الرجل يحبها، ويسعى إلى الزواج منها. ولكن حادث سيارة يختطف من الاثنين السعادة المنتظرة، وتموت الفتاة. وقد صرح عبد الحي أديب أنه اعتمد في كتابة هذا الفيلم على رواية فالازي، ووجد أنه لا يمكن أن يضيف أحداثًا أو يحذف أخرى وإلا فقد العمل قيمته، ويقول: «النهاية موجودة في القصة الحقيقية، فأنا لم أضف شيئًا لصلب موضوع القصة، بل إني حذفت الجزء الذي ما بعد الموت، وهو عدم تصديق البطل لموت البطلة، ومطارته لفتاة شبيهة لحبيبته، اعتقادًا منه أن حبيبته لم تمت بعد. فموت البطلة في القصة هي الخاتمة الحقيقية التي كتبها جابور فالازي المؤلف المجري للقصة.»

أما التجربة الثانية «امرأة عاشقة» عام ١٩٧٤م، فهي تجربة قريبة ومقتبسة مباشرة من فيلم جول داسان المخرج الفرنسي الأصل، وقد قام ببطولة الفيلم أنتوني بيركينز (أمريكي) وميلينا ميركوري (يونانية) وراف فالوني (إيطالي)، أما الفيلم المصري فقد قام ببطولته كل من شادية ومحمود مرسي، وحسين فهمي في دور الطالب الذي ينتقل للإقامة مع أبيه رجل الأعمال الكبير وزوجة أبيه بالقاهرة، بعد وفاة أمه، وذلك تحت إلحاح أبيه، تحاول ليلى منذ البداية استمالة أحمد إليها والتودد له، ولكنه يعاملها بجفاء، ويحاول أبوه أن يدفعه للزواج من ميرفت ابنة أحد رجال الأعمال، وتتكرر سهراتهم، وعندما يفاتحه الأب في موضوع الخطبة يعود الابن إلى الإسكندرية، ولكن الأب يستطيع أن يقنعه بالعودة إلى المنزل. وتشعر ليلى بالفراغ لانشغال زوجها عنها بصفقات العمل، فتجد في صحبة أحمد ما يخفف عنها هذا الفراغ، وخاصة بعد أن يسافر الزوج إلى الخارج، وتنمو بينهما عاطفة. ولذلك يوافق الابن على الزواج من ميرفت، ولكنه لا يستطيع الاستمرار في الخطبة لتعلقه الشديد بزوجة أبيه، ويفسخ الخطبة. وتسافر ليلى لإقناعه، بناء على طلب أبيه، ويتقابلان على الشاطئ ويمارسان الحب، وعندما تفيق لهول ما فعلته تقود سيارتها وتنتحر لتضع نهاية لهذا الحب المحرم.

والفيلم صورة طبق الأصل من فيلم داسان، عدا تفصيلاتٍ بسيطة؛ منها أن الذي ينتحر في السيارة هو الابن، أما الزوجة في الفيلم الأمريكي فقد تناولت سمًّا. ولم ينسَ داسان أنه استمد فيلمه عن تراجيديا إغريقية فملأ النهاية بالنائحات. وقد خلا الفيلم المصري من هذه الأجواء تمامًا، سوى من خلال أغنية فردية بعنوان: «قدري»، كتعبيرٍ مركز لانتصار القدر في قضية حب محال.

أما الفيلم الثالث «آه يا بلد آه» لحسين كمال فهو مأخوذٌ مباشرة عن فيلم «زوربا» Zorba وليس عن الرواية. وبدا مدى اهتمام فريد شوقي أن يعيد تجسيد شخصية أنتوني كوين في هذا الفيلم. وقد اختار الفيلم تيمة الإنسان البسيط زوربا في مواجهة أمور الحياة، فهو شخص يعيش على السجية. أما الشخصية الرئيسية في فيلم حسين كمال فهو الحاج رضوان، رجل كل الموائد السياسية منذ عهد الملك فاروق وحتى الحزب الوطني، ولا بد لهذا الرجل أن يكون مستغلًّا، ينافق الحكومة ويداهنها ويتمسح في الدين، ويطمع في امتلاك أرض القرية التي يعمل عمدة لها، سواء في أرضها الخضراء، أو في نسائها الجميلات، وهو يسعى إلى أن يشتري أرض مجدي — لعب دوره حسين فهمي — الذي جاء إلى القرية من أجل التخلص من الأرض التي ورثها عن أبيه تأهبًا للرحيل خارج البلاد.

وفي القرية يقابل مجدي رجلًا يعيش على هامش المجتمع يساعده في رحلته لبيع الأرض، وهو رجلٌ غامض ذو ماضٍ سياسي يجتر من ماضيه ذكريات النضال مع راقصةٍ عجوز تدعى البرنسيسة.

وقد استطاع زوربا أن يغير من موقف الشاب الذي جاء من أجل بيع قطعة الأرض، وفي القرية تعرف الشاب على أرملة، وكانت هذه العلاقة سببًا في إفساد الكثير من المخططات. وهناك مشاهد متعددة في فيلم كاكويانيس لا يمكن للعين أن تنساها، مثل استيلاء سيدات القرية على عجوزٍ كريتية ماتت لتوها، وانهيار السد، ومشاهد محاصرة منزل الأرملة وحرقه، ثم رقصة زوربا الشهيرة بالقرب من شاطئ البحر.

والعلاقة قوية بين أيوب ومجدي، وهو يساعده على المطالبة بحقه في الأرض المنهوبة، ولكنه لا يؤيد كثيرًا فكرة البقاء. فالخلاف أساسًا على سعر الأرض، حيث يريد الحاج رضوان دفع مبلغ بخس، ويريد أيوب مبلغًا أكبر، أي إن فكرة البقاء من أجل الأرض غير مطروحة هنا، وهناك علاقة حب تنمو بين مجدي وفتاة حسناء هي فريدة، التي تعلن مواقف متصلبة ضد رضوان.

والشخصية الدرامية المقابلة لرضوان غير موجودة في فيلم كاكويانيس، ومن هنا ندرك أي تغيير حدث في فيلم حسين كمال.

figure
زوربا.

وقد استطاع أيوب أن يعطي أملًا في الغد من خلال بقاء مجدي بالقرية يزرع الأرض ويحرثها، وهو يفعل ذلك إيمانًا بأيوب أكثر من إيمانه بفكرة علاقة الإنسان بالأرض. وفي الفيلم اليوناني الأمريكي ذهب زوربا وصديقه إلى شاطئ البحر يغنيان ويرقصان، وكأن شيئًا ذا بال لم يحدث. وهناك تأكيد من كاتب السيناريو على الاستعانة بفيلم زوربا، مثل مشهد خروج أبناء القرية ضد فريدة بتهمة إيواء رجل عندها. وفي فيلم كاكويانيس حاصر رجال القرية البيت وأحرقوه. وأذكر أن حسين كمال قد سبق أن استعار نفس المشهد في فيلمه «البوسطجي»، عندما حاصر أبناء القرية امرأة غازية (سهير المرشدي) وحرقوا منزلها.

هذه هي أبرز الأفلام الأمريكية ذات الأصول الأوروبية التي تم اقتباسها عن المصدر في المقام الأول. وكما سبق أن قلنا فإن السينما في مصر راحت تبحث عن مصادر متعددة في شتى أنحاء العالم. وبالنسبة للمصادر الإيطالية فقد تم اقتباس العديد من المسرحيات في المقام الأول، مثل مسرحية «فيلومينا مارتورانو» لإدوارد دي فيليبو التي قُدمت تحت اسم: «تزوير في أوراق رسمية» ليحيى العلمي ١٩٨٤م، مع إحداث الكثير من التغييرات على أحداث المسرحية. وعن نفس الكاتب قدَّم أحمد فؤاد فيلمه «٤: ٢: ٤» عن مسرحيةٍ تحمل اسم «الوريث»، وعن أوبرا «عايدة» قدم أحمد بدرخان معالجة معاصرة تحت نفس الاسم عام ١٩٤١م قامت ببطولتها أم كلثوم. وليس هناك تقارب قط بين العملين سوى الاسم وخيط خفيف جدًّا من الحدوتة؛ إذ لا يمكن أن يتم تصوير الأجواء التاريخية في فيلمٍ مصري، حيث ابتعدت هذه السينما دائمًا عن تاريخ وطنها العتيد. وعن رواية «المرحوم ماتيا باسكال» قدم حسن الصيفي فيلمه «نوع من النساء». وهذه المعلومة استقيناها من كاتب السيناريو مصطفى محرم، ورغم ذلك فالعلاقة أيضًا واهية بين الفيلم والرواية الإيطالية.

ورغم أن هناك بعض التقارب بين السينما المصرية والإيطالية خاصة ما يتعلق بالواقعية الاجتماعية، فإن السينما المصرية لم تنظر قط إلى هذه السينما، سوى في أفلام قليلة نذكر منها فيلمًا واحدًا فقط هو «زهرة عباد الشمس» Sunflower لفيتوريو دي سيكا عام ١٩٦٨م، وهو من أواخر أعمال المخرج، وكان قد ابتعد في تلك الفترة عن الواقعية التي بدأ حياته بها. وقد اقتبس المخرج علي عبد الخالق هذا الفيلم تحت اسم: «وضاع حبي هناك» عام ١٩٨٢م.

وتدور أحداث الفيلم الإيطالي إبان وقائع الحرب العالمية الثانية بين زوجين سعيدين، يسافر الزوج إلى الجبهة السوفييتية، وبعد انتهاء الحرب تسافر الزوجة (صوفيا لورين) بحثًا عنه وسط حقول زهرة عباد الشمس، حيث تجده قد تزوج من امرأةٍ سوفييتية أنقذته من موتٍ محقق، وكان قد فقد الذاكرة في إحدى العمليات العسكرية. وتقرر الزوجة أن تعود إلى بلادها وحيدة، وفي ليلة الرحيل يحضر إليها زوجها في الفندق ويقضي معها وقتًا جميلًا قبل أن تقرر العودة إلى بلادها.

وفي فيلم علي عبد الخالق راحت نادية (عفاف شعيب) الزهرة الرقيقة تتبع شمسها أينما ذهبت، إنها تبحث عنها مهما غابت. ظلت تنتظر زوجها سنوات، ولم يعد من الحرب، فهي لم تنسَ قط الأيام الحلوة التي عاشتها مع زوجها: «أول مرة أحس أن هناك إنسانًا يمكنه أن يحميني بعواطفه ورجولته.» لقد مرت سبع سنوات ولم تيأس. تقرر أن تسافر إلى مدينة القنطرة شرق بعد تحريرها، مع وفدٍ من الصحفيين الذين يزورون المدينة، وهناك تعرف أن زوجها لا يزال هناك، وتعرف أنه تزوج من امرأةٍ أخرى أنقذته من بين براثن القوات الإسرائيلية، ثم تزوجها. وتقرر نادية أن تعود أدراجها للقاهرة من حيث جاءت بدون هذا الزوج.

وفي الفيلم الإيطالي هناك مبرر ديني أن يحتفظ الزوج بامرأةٍ واحدة، والزوج يتنبه أنه متزوجٌ من اثنتين، فيقرر الاحتفاظ بواحدة. ولكن هذا المبرر غير موجود في فيلم علي عبد الخالق، وقد انتهت أحداث الفيلم من خلال أن الزوجة الجديدة قد أنجبت أبناء بينما الأولى لا تنجب، وهذا في رأي الفيلم سبب لجنوح الاختيار عند الزوج الذي آثر البقاء في سيناء.

ومن المسرح السويدي راحت السينما تقتبس عن سترندبرج. النص الأول عن مسرحية «الأب» الذي قدمه أحمد يحيى في فيلمه الأول «العذاب امرأة»، وقد كتب السيناريو علي الزرقاني حول الزوجة المتسلطة على زوجها الطبيب الذي فقد الذاكرة، فهي امرأة تغار حتى من نجاحه وشهرته، وهي التي كانت فتاة مجتمع معروفة في أوساط الأندية الرياضية، وبينما ابتعدت هي عن النوادي، أصبح زوجها طبيبًا مشهورًا، وتطلب منه أن تسافر معه إلى لندن، وتغار من زميلته الدكتورة ليلى التي تتعلم منه الكثير. ويثور الشك في قلب الرجل بصدد أبوته لابنه، عندما تشككه الزوجة في ذلك، فيبدأ الهروب من مشاكله بتعاطي المخدرات، ويفقد الذاكرة، وتحاول الزوجة أن تعيد لزوجها ذاكرته بأن تؤكد له خيبة ظنونه.

وقد حاول علي الزرقاني التخلص من الشكل المسرحي، فقدم عملًا متميزًا قياسًا إلى أعماله الأخرى. ويقول رءوف توفيق في مجلة صباح الخير: الفيلم كما تقول عناوينه، مأخوذ عن مسرحية الكاتب السويدي سترندبرج، والمسرحية بعنوان «الأب»، ولكن يبدو أن سبب اختيارها هو إثارة الموضوع المضمون تجاريًّا، وهو: الأبناء والتشكيك في بنوتهم، وقد حرص كاتب السيناريو علي الزرقاني على هذا طوال الفيلم.

نحن أمام نماذج مختلفة تعاني من هذه الحالة الغريبة؛ أم تحاول إجهاض نفسها لأنها حملت من رجلٍ آخر غير زوجها؛ وأب يكتشف أن أحد أبنائه أو كلهم من رجل آخر غيره لمجرد أن زوجته نطقت باسم رجل غريب أثناء خلوتهما معًا؛ ثم هناك رجل ضرير وعاجز يدير شقته لتدخين المخدرات، بينما زوجته الجميلة تغني وتحاول استغلال عجزه البصري بخيانته دون أن يراها.

ومن المسرح المكتوب في شمال أوروبا قدَّم بهاء الدين شرف عام ١٩٦٤م فيلمه «أيام ضائعة» من مسرحية الكاتب هنريك إبسن المعروفة باسم «أعمدة المجتمع»، وهي المسرحية الوحيدة حتى الآن التي تنبه إليها المخرجون في السينما المصرية. أما المخرج محمد فاضل فقد أعلن منذ أعوامٍ أنه ينوي أن يقدم مسرحية أخرى لسترندبرج هي: «مس جوليا» تحت عنوان: «الهانم»، وحتى الآن لم يشهد المشروع النور.

وفيما يتعلق بالمصادر الإسبانية فهي قليلة، مثل فيلم «امرأة من زجاج» لنادر جلال عام ١٩٧٦م، ثم «دماء على الثوب الأبيض» لحسام الدين مصطفى عام ١٩٩٥م عن مسرحية «دكتور بالمي» لأنطونيو جالا. والفيلم التليفزيوني عُرض سينمائيًّا إخراج عادل الأعصر، وهو مقتبسٌ من مسرحية إسبانية بعنوان «الذي».

يبقى لنا الآن أن نتحدث عن المصادر التركية. في جعبة الاقتباس عن المصادر التركية فيلمان؛ الأول: هو «ومضى قطار العمر» لعاطف سالم الذي اقتبسه بكامل تفاصيله عن فيلمٍ عُرض في أسبوع الفيلم التركي الذي أقيم بالقاهرة عام ١٩٧٤م، وقد حدثني فريد شوقي أنه شاهد الفيلم التركي أثناء زيارته لتركيا، دون ترجمة، وأنه اندهش للقدرة الخارقة للممثل الذي قام بدور «بابا» في الفيلم الذي يحمل نفس العنوان من إخراج يلماز جوناي وبطولته. وفي هذا الفيلم جسد جوناي دور الأب الذي دخل السجن فداء لصاحب القصر الذي غرر بامرأته، وبعد أن قضى فترة العقوبة يفاجأ أن ابنته تعمل عاهرة وتحاول معاملته كزبونٍ طالب متعة. أما ابنه فإنه يقتله بيده دون أن يعرف الحقيقة إلا بعد أن يقترف جريمته، وقد انتهى الفيلم التركي والمصري بنفس النهاية.

أما الفيلم الثاني فهو «عنتر شايل سيفه» لأحمد السبعاوي عام ١٩٨٢م. ولم نكن نستطيع معرفة مصدر الفيلم سوى من خلال ما صرَّح به المنتج سعد شنب في مؤتمر صحفي عُقد بمهرجان الإسكندرية قائلًا: إن الفيلم مقتبسٌ عن فيلمٍ تركي يحمل اسم «العذاب» من إخراج توركان شواري، وأكد أنه قام بتغيير بعض أحداث الفيلم التركي عند نقله إلى الشاشة المصرية بدافع مراضاة الرقابة المصرية.

هذه هي بعض النماذج من المصادر المختلفة التي رجعت إليها السينما المصرية من وقتٍ لآخر، وكما رأينا فإن أغلبها نماذج حديثة، وهي تشكل عينة من نماذج أخرى عديدة لم نستطع أن نصل إليها سوى من ألسنة أصحابها.

البنات والصيف

يعشق الناس القصص القصيرة متصورين أنها تناسب إيقاع العصر، ويرى الكثيرون أنها تناسب عصر السرعة، وهو أمرٌ غير صحيح. وقد وجدت السينما مشاكل عديدة في تحويل القصص إلى أفلامٍ روائية؛ لذا لجأت السينما إلى ظاهرة عمل أفلام تضم أربعًا أو أقل من القصص القصيرة، وكنت أظن أن هذه الظاهرة إيطالية بدأت في الخمسينيات مع فيلم بوكاتشيو، باعتبار أن عددًا كبيرًا للغاية، كان يضم قصصًا قصيرة، تم إنتاجه في ذلك العقد. ورغم أن الفيلم الذي نتحدث عنه من إنتاج إيطاليا عام ١٩٥٨م، إلا أن معلوماتي المحدودة الجديدة أن الظاهرة بدأت في السينما الأمريكية عام ١٩٤٩م، بفيلمٍ يحمل عنوان «أُو هنري»، يحكي أربع قصص منفصلة لواحدٍ من أهم مَن كتبوا القصة القصيرة في أمريكا وهو «أُو هنري»، وقد قدَّم الفيلم بنفسه الروائي المعروف جون شتاينبك. وفي السينما بشكلٍ عام ارتبطت الظاهرة بأعمالٍ أدبية لكتَّابٍ منهم: بوكاتشيو، وألبرتو مورافيا. وفي مصر كان فارس هذه الظاهرة هو إحسان عبد القدوس الذي صنعت له السينما ظاهرة بالغة النجاح من خلال فيلم «البنات والصيف» الذي يضم خمس قصص، اختير منها ثلاث فقط في الفيلم الذي أخرجه كلٌّ من عز الدين ذو الفقار، وصلاح أبو سيف، وفطين عبد الوهاب، وشارك في أداء شخصيات القصص، نجوم كبار جدًّا منهم عبد الحليم حافظ، وسعاد حسني، ومريم فخر الدين وسميرة أحمد، وكمال الشناوي وحسين رياض، وآخرون.

وقد استكملت السينما عمل أفلام أخرى من النوعية نفسها عن البنات والستات بعيدًا عن الصيف، منها: «٣ لصوص» و«٣ نساء»، وفيما بعد توقفت الظاهرة للأبد.

الفيلم الإيطالي تدور أحداثه في شاطئ إيطالي أثناء موسم الصيف، حيث تذهب العائلات لقضاء وقت ممتع، ومن هنا تتشابك الحكايات باعتبار أن لا أحد يكون في المصيف وحده. وفي هذا الفيلم لا تنفصل القصص مثل ما نرى في المجموعات القصصية، أما في الفيلم المصري فإن كل مجموعةٍ تعيش في عالمها الخاص المنفصل تمامًا عن كل المصيف، ومنها قصة الصديقين وبينهما زوجة، وقصة العجوز الذي يشتهي خادمته، ثم الشاب محمد الذي يسعى لخطبة جارته إلا أنها تتركه لتذهب إلى شاليه صديق لها. وهنا يبدو الاختلاف بين نمط الفيلم الإيطالي والفيلم المصري، فنرى مشاهد كاملة لمئاتٍ من الناس في البحر وعلى رمالٍ يمارسون حياتهم؛ يأكلون، يتغازلون، يلعبون، يسبحون، ويمارسون جميع مراسم التصييف. أما في الفيلم المصري فإنك تشاهد كل قصة كأنها فيلم قصير لا علاقة لأبطالها بالآخرين، وأيضًا فإن الأماكن تبدو متباعدة بين المعمورة والمنتزه وسبورتنج. لكن هناك تماسًّا بين قصص فيلم مورفيا وتشابهًا إلى حدٍّ ما، فمن بين المصطافين هناك موظف صغير لديه زوجة جميلة ويسعى إلى الترقي، وكل ما عليه أن يغري رئيسه في العمل بأن يتعرف على زوجته، إلا أن الزوجة ترفض. ونقطة الخلاف الواضحة هي أن الإيطاليين مبتهجون أما المصريون فإن قصصهم تنتهي بالقتل والخيانة والسرقة وأقسام الشرطة والوقوع في الخطيئة، بما يعكس أن الناس تذهب إلى المصايف بحثًا عن المأساة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤