مقدمة

جون أوين

شرفتُ على مدى السنوات الست السابقة بتدريس مقرر مادة الصحافة الدولية للطلاب الجامعيين وطلاب الدراسات العليا بجامعة سيتي في لندن. وضع هذا المقرر مراسل رويترز السابق، كولين بيكلر، الذي تكرَّم وعرض عليَّ أن أتولَّى تدريس المقرر؛ إذ قرر تقليص أعبائه المتعلقة بالتدريس. وقد قبلت دون فهم أو تقدير كامل للتحدي الذي أجابهه.

كان التحدي يتمثل في محاولة وضع مقرر دراسي يمكن أن يكون مفيدًا ومثيرًا للاهتمام لما يزيد عن ٧٠ طالبًا من أكثر من ٣٠ دولة من جميع القارات. لقد حققت جامعة سيتي، بفضل كولين وهيذر بيردي وغيرهما من الأساتذة المتفانين، سمعة دولية ممتازة ككيان جاذب لشباب الصحفيين الناشئين والمتميزين الذين يعملون بالفعل في صحف وشبكات بث رائدة في بلدانهم. اختار الكثير منهم جامعة سيتي ومدينة لندن باعتبارهما مركزًا للإعلام العالمي، وكان يراودهم حلم العمل ذات يوم في الخدمة العالمية التابعة لبي بي سي أو في إحدى أهم الصحف البريطانية. وأدركوا أن جامعة سيتي ومدينة لندن ستساعدانهم في إجادة اللغة الإنجليزية، وهي مفتاح الفوز بوظيفة في المستقبل. بينما كان يأمل البعض الآخر في مجرد الحصول على المؤهلات الأكاديمية التي يحتاجونها للعودة إلى مؤسساتهم الإخبارية في بلدانهم والتطلع إلى الترقي في المناصب فيها.

طالما أحسست بضآلة ذاتي، على مدار سنوات تدريسي في جامعة سيتي، وأنا في صحبة العديد من الصحفيين الشبان الرائعين، الذين أبدى كثير منهم بالفعل شجاعة ومهارة بالعمل في بلدان لا تتمتع بصحافة حرة ومستقلة بالمعنى الحقيقي أو ثقافة تضْمن حرية التعبير. عملتْ مثلًا إحدى طالباتي، وهي ساندرا نيايرا، محررة سياسية لصحيفة زيمبابوي ديلي نيوز وحازت على جائزة الشجاعة الصحفية لعام ٢٠٠٤، التي تقدمها المؤسسة الدولية لإعلام المرأة. وقد تعرَّض مقرُّ صحيفة نيايرا لإلقاء القنابل الحارقة عليه ونجت هي وزملاؤها الصحفيون من القتل بأعجوبة. ومن بين طلابي أيضًا العراقية شذى محيسن، التي كانت مراسِلة البي بي سي في بغداد، وقد تلقت هذا العام جائزة نايت الدولية للصحافة لما أدته من خدمات للصحافة الدولية.

كما ضمت فرقة العام الدراسي ٢٠٠٧-٢٠٠٨ سلام عبد المنعم، طالب الهندسة المعمارية السابق في بغداد الذي عُرِف على مستوى العالم باسم سلام باكس، مدوِّن بغداد، وذلك خلال حرب العراق. (يكتب ريتشارد سامبروك عنه في فصله حول صحافة المواطن.)

استقر بي الرأي على أن مقرر الصحافة الدولية سيُحقق الإفادة القصوى لهذه المجموعة المتنوعة والطموحة للغاية إذا نجحتُ في تحقيق الآتي:
  • جعْل المقرر ذا أهمية كبيرة لفهم عالم الصحافة والإعلام العالمي وخوض غماره في ظل التغيرات الجذرية التي كان يشهدها.

  • تعريف الطلاب بأفضل الصحفيين المحترفين وأكثرهم تمتعًا بالاحترام، والذين يتميزون بنقد الذات والتواضع حيال أعمالهم، والذين يمكن أن يكونوا نماذج يُحتذى بها بالنسبة إليهم.

  • تحفيز التفكير في القضايا الصحفية ذات الطابع الأخلاقي التي سيواجهها هؤلاء الطلاب في حياتهم الصحفية. طالما أخبرت طلابي أنهم إذا تذكروا، في خضم أزماتهم الصحفية، محادثةً أو رؤيةً وردت في سياق هذا المقرر وترتبط بالتصرف الصحيح الواجب اتخاذه، فإنني أعتبر المقرر حينئذٍ قد حقق لهم الفائدة المرجوة.

  • استخلاص رؤًى من تحليل التغطية التي تمت لأبرز الأخبار الدولية التي جرت خلال دراسة الطلاب في جامعة سيتي، والاستماع إلى تجارب المحررين المقيمين في بريطانيا الذين أشرفوا عليها والمراسلين الذين تولوها، إلى جانب مقارنتها بالتغطيات الإخبارية المناظرة في مؤسساتهم الإعلامية.

  • التحقق من فهمهم الكامل لما يواجهونه من تحديات تكنولوجية وتحديات خاصة بالإعلام الجديد، بدءًا من أداء مهام متعددة، مرورًا بالتدوين الإلكتروني، وانتهاءً بالمحتوى الذي ينتجه المستخدم.

  • التحقق من فهم هؤلاء الصحفيين اليافعين للسلامة الصحفية من جميع جوانبها، ولما يلزمهم معرفته في سبيل خوض المجازفات المناسبة أثناء تتبُّعهم للقصص الإخبارية، التي يمكن أن تُمثِّل خطورة عليهم، سواءٌ أكانت تغطية لصراعات أو كوارث طبيعية، أم تتبُّعًا لأخبار محلية استقصائية تُعرِّض حياتهم لخطر بالغ.

  • توعيتهم بشأن المجموعة الجديدة من الأدبيات الصحفية المرتبطة بالصدمات النفسية والصحافة، وكيفية تأثُّر حياديتهم وتجرُّدهم بفعل تعرُّضهم لقصص إخبارية مزعجة ومكدِّرة، وإمكانية اكتساب مهارات جديدة في كيفية الحصول على المعلومات من مصادرهم ونَيل ثقتهم؛ وذلك من خلال فهم أولئك الذين تشملهم التغطية الصحفية على نحو أفضل.

حين حددنا الموضوعات الواجب تضمينها في فصول هذا الكتاب ثم اتصلنا بصحفيين متميزين للكتابة عنها، كان علينا أن نحاول تحديد القضايا والمسائل ذات الأهمية الجوهرية للصحافة حول العالم، والتي يتوجب فهمها من أجل ممارسة المهنة على نحو أفضل، سواءٌ أكان ذلك في الصحافة اليومية أم أي مسيرة مهنية أخرى مرتبطة بالإعلام.

كان من العسير علينا تقليص دائرة اختيارنا لتشمل اﻟ ١٤ موضوعًا فقط المعروضة في الكتاب؛ نظرًا لوجود الكثير من القضايا الأخرى التي تستحق مزيدًا من التناول. اضطُررنا إلى أن نستبعد من هذه الطبعة الأولى قصصَ وخواطرَ الصحفيين الذين ساهموا في محاضراتنا بسرد تجاربهم وتكبُّد مشقة الإجابة على أسئلة صعبة تتعلق بكيفية تعاملهم مع مهام صحفية معينة.

إننا حقًّا سعداء الحظ بموافقة الكثير من الصحفيين المرموقين، ممن يترأَّسون حاليًّا أو ترأَّسوا سابقًا المؤسسات الإخبارية الأكثر تأثيرًا في العالم، على المشاركة في هذا الكتاب. لقد قبلوا هذه المهمة وهم يعلمون أنهم لن يتلقوا مقابلًا ماديًّا لجهودهم، وأنهم سيُجبَرون على التخلي عن وقت فراغهم الضئيل في سبيل ترتيب أفكارهم وكتابة ٦ آلاف كلمة. إن كثيرًا من هؤلاء الصحفيين أصدقاء وزملاء قدامى لنا، وما كان لهم أن يجدوا حرجًا في الاعتذار عن تحمُّل أي التزامات إضافية، لكنهم تحمَّلوها وأثبتوا مرةً أخرى أن أصحاب المهام الكبرى والأكثر جهدًا هم من يجدون لديهم، بطريقة ما، الطاقة اللازمة لخوض مشروعات كهذا المشروع. إنني أشعر بامتنان عميق لكلٍّ من: كريس كرامر (سي إن إن سابقًا)، وريتشارد سامبروك (قسم الأخبار العالمية في بي بي سي)، ونيك بولارد (سكاي نيوز سابقًا) وديفيد شليزنجر (رويترز) وأنتوني بوردن (معهد صحافة الحرب والسلام).

علاوةً على ما سبق، تجدر الإشارة إلى أن تركيز هذا الكتاب تغيَّر على مدار رحلة تأليفه، وقررنا لاحقًا ضم فصول إضافية. انبهرنا مجددًا بشدة بقبول مسئولين تنفيذيين إخباريين منشغلين إلى حد غير معتاد مثل نايجل بيكر (وكالة أسوشيتد برس للأخبار التليفزيونية)، وتوني بورمان (سي بي سي سابقًا) وبيتر آبس (رويترز) لهذا التحدي الذي عُرِضَ عليهم في آخر لحظة ونجاحهم في تأليف فصول ممتازة (جدير بالذكر أن بيتر آبس شرع في كتابة فصله قُبيل الموعد النهائي لتسليم الكتاب بفترة وجيزة جدًّا).

نحن مدينانِ بالفضل أيضًا ﻟ «صحفيينا الميدانيين» وغيرهم من الخبراء لدعمهم السخي لهذا الكتاب. إن جانين دي جيوفاني (فانيتي فير)، وجاري نايت (وكالة السبعة للصحافة المصوَّرة)، وفون سميث (مستقلًّا وتابعًا لوكالة فرونتلاين)، وبريدجت كيندال (بي بي سي)، وبين هامرزلي (بي بي سي)، ومارك براين (رويترز سابقًا ومركز دارت للصحافة والصدمات النفسية)؛ لم يكتفوا بالتنازل عن أيِّ أتعاب مقابل إسهاماتهم، بل ووجدوا وقتًا لمناقشة عملهم ومشاطرة خبراتهم مع الآخرين، هذا إلى جانب الوفاء بمواعيدهم النهائية وأداء مهامهم. إنهم يقدمون، في الواقع، للطلاب الذين يقرءون هذا الكتاب درسًا عمليًّا في الصحافة.

كلنا أمل في أن يجد الصحفيون المستقبليون، سواءٌ أكانوا يعملون داخل غرف الأخبار أم ميدانيًّا أم يطمحون إلى العمل كمسئولين تنفيذيين إخباريين، في هذا الكتاب مصدرًا للرؤى والتحفيز وأن يطبقوا ما استخلصوه من هؤلاء الصحفيين المرموقين.

مع اقتراب الموعد النهائي لتسليم هذا الكتاب، صادفتُ كتابًا عميقًا صغير الحجم يحمل عنوان «الحرية والأخبار» لمؤلفه والتر ليبمان، الصحفي والأديب الأمريكي العظيم. كتب ليبمان هذا الكتاب عام ١٩٢٠ وهو لم يتجاوز الحادية والثلاثين من عمره ليُعبِّر عن إحباطه حيال ضعف جودة الصحافة الأمريكية، داعيًا إلى تأسيس كليات للصحافة بحيث تتحول الصحافة من «حرفة عشوائية إلى مهنة منضبطة».

قال ليبمان إن المطلوب هو:

أن نُخرج جيلًا من الصحفيين القادرين على إقصاء غير الأكْفاء عن المجال بفضل تفوُّقهم المطلق. وهو ما يعني أمرين؛ يعني إقرارًا عامًّا بمكانة هذه المهنة بحيث لا تظل ملجأً لغير المتميزين. ينبغي أن يرافق هذا الإعلاء من شأن المهنة تدريب مهني للصحفيين يتخذ التناول الموضوعي كقيمة عليا ذات أهمية جوهرية. وينبغي التخلي عن النزعة السلبية المسيطرة على المهنة؛ ذلك لأن النماذج الحقيقية للمتدرب الصحفي لا تتمثل في أولئك الأفراد البارعين في السبق الصحفي، وإنما في المتخصصين المتحلين بالصبر والشجاعة الذين يناضلون في سبيل رؤية حقيقة العالم. (ليبمان ٢٠٠٨: ٤٨)

انطلاقًا من هذه الروح، نأمل أن يساعد هذا الكتاب في إلهام جيل جديد من شباب الصحفيين ليقدموا شهادتهم عن العالم في صورته الحقيقية. وبقيامهم بهذا، سيكونون في نفس الخندق مع غيرهم من الصحفيين الشجعان في كل مكان، ممن يؤمنون بأهمية ما يقدمونه في بناء مجتمع حر وديمقراطي.

ماجستير الصحافة الدولية بجامعة سيتي

هيذر بيردي

إن مقرر درجة الماجستير في الصحافة الدولية الذي تقدمه جامعة سيتي ظل أداة تعليمية وتدريبية للصحفيين من جميع أنحاء العالم على مدى ما يزيد عن ٢٥ عامًا.

يحضر في كلِّ عام ما يصل إلى ٨٠ طالبًا من ثلاثين دولة مختلفة لتلقِّي مقرر دراسي عملي لا يعلِّمهم فقط المهارات المطلوبة للعمل مراسلين لوسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، بل ويمنحهم فرصة التفكير المتعمق في بعضٍ من القضايا المؤثرة في ممارسة الصحافة الدولية في وقتنا الراهن. إن المزيج الطلابي الذي تضمه جامعة سيتي، بما يتسم به من تعددية قومية وثقافية ودينية وعرقية، يعكس مجتمع العولمة المعقد الذي نشهده جميعًا الآن، ويشجع على تبادل الآراء ووجهات النظر الذي من شأنه أن يوسع من مداركهم ومداركنا وأن يفتح أمامنا جميعًا آفاقًا أرحب.

نحن نسعى إلى تخريج صحفيين لا يتمتعون فحسب بدرجة عالية من المهارة، بل ويتحلَّون أيضًا بالقدرة على تأمُّل القضايا الكبرى التي تواجه التغطية الإخبارية الدولية اليوم والوعي الناقد بأبعادها.

يُعتبر هذا الكتاب مكملًا لجهودنا في التدريس. في كل فصل من فصول هذا الكتاب، التي كتبتْها أقلام صحفيين بارزين ومحنكين، ستجد تناولًا لجانب محدد من جوانب الصحافة، ابتداءً من «الشهادة على الأحداث» وانتهاءً بتغطية الأخبار الدبلوماسية؛ وابتداءً من تقديم القصص الإخبارية العاجلة وانتهاءً بعرض تأثير التكنولوجيا الحديثة على عمل الوكالات الإخبارية الدولية. في بداية كل فصل، يحدد التمهيد السياق الذي يدور فيه الفصل، وفي نهايته توجد أسئلة مقترحة للطلاب ليعملوا على الإجابة عنها، إما بالاعتماد على أنفسهم أو تحت توجيه أساتذتهم. إن الموضوعات التي يتناولها المساهمون، والأسئلة التي يثيرونها، والإشكاليات العملية التي يطرحونها؛ تؤثر جميعًا في الصحفيين القائمين على تغطية الأخبار الدولية، ويتوجب على جميع العاملين في مجال الصحافة أن يضعوها في اعتبارهم إذا كانوا يسعون إلى النجاح والصمود.

نرجو أن يجد المحاضرون والطلاب على السواء في هذا الكتاب أداة مفيدة. إننا نُهدي هذا الكتاب لأولئك الصحفيين المستقلين الشجعان؛ الذي يخاطرون بحياتهم في سبيل نقل ما يجري في العالم لعلنا نفهمه على نحوٍ أفضل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤