الفصل الخامس

رسالة إلى مصور صحفي شاب

جاري نايت

تمهيد
جون أوين

فتاة فيتنامية صغيرة، تصرخ في ارتياع وتُهرَع عارية بعد أن أحرقت قنبلة نابالم ملابسها، محاوِلةً الفرار من تفجيرات هجوم جوي شنته طائرة فيتنامية جنوبية خطأً على قريتها. من سينسى تلك الصورة التي التقطها مصور أسوشيتد برس، نيك أوت، للطفلة كيم فوك، وقد حُفِرت إلى الأبد في ذاكرتنا كرمز لحرب فيتنام؟

«الرجل الساقط»، تلك الصورة التي لا يسعنا أبدًا إزالتها من ذاكرتنا متى استحضرنا كابوس أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يوم شنَّ تنظيم القاعدة هجومًا جويًّا على برجي مركز التجارة العالمي. لقد تمكَّن مصور أسوشيتد برس، ريتشارد درو، من التقاط صورة رجل، ظلت هويته مجهولة لبعض الوقت، غير أن سقوطه الحر من أحد برجَي مركز التجارة العالمي لا يزال يُطارد خيالنا.

على الجانب الخلفي من باب حجرة نوم ابنتي ذات الثمانية عشر ربيعًا، يوجد ملصق يمثل نسخة رديئة لصورة «القُبلة»، تلك الصورة الخالدة للحرب العالمية الثانية. تُظهر تلك الصورة بَحَّارًا أمريكيًّا محتضنًا ممرضة أمريكية بين ذراعيه ويُقبِّلها، وقد نجح مصور مجلة لايف الشهير، ألفريد آيزنستات في التقاط هذه اللحظة التي ستبقى إلى الأبد شاهدةً على يوم الانتصار على اليابان.

شكل ٥-١: عساكر فيتناميون جنوبيون يسيرون خلف أطفال مذعورين، من بينهم كيم فوك التي كانت في التاسعة من عمرها، وهم يركضون في طريق ١ قرب ترانج بانج عقب هجوم جوي بقنابل النابالم على مواقع اشتُبه أنها تُئوي قوات حركة فيت كونج، وذلك في يونيو ١٩٧٢ (نُشرت الصورة بإذن من أسوشيتد برس، بعدسة المصور نيك أوت).

تلك ثلاث صور فقط تبادرت إلى ذهني عندما كتبت تمهيد هذا الفصل الذي يتناول دور التصوير الفوتوغرافي في عالم الصحافة. لكنني، في الحقيقة، أستطيع أن أُغلق عينيَّ، مثل أي شخص، وأستدعي إلى خاطري صورًا لا تُحصى لأمورٍ مروعة ومزعجة ولأمور تافهة ومبهجة أيضًا.

لطالما استحوذت الصحافة المصوَّرة على اهتمامنا، ويرجع ذلك إلى أسباب منها أن التصوير الفوتوغرافي نشاط يمارسه أغلبنا بشكل أو بطريقة ما، إلا أن المصورين المحترفين، لا سيما أولئك الذين يسجلون الصراعات والكوارث الطبيعية حول العالم، لهم سطوة خاصة علينا؛ يرجع ذلك من ناحية إلى أن كثيرًا من المصورين أنفسهم كانوا شخصيات استثنائية، مثل روبرت كابا وتيم بيدج، أو هورست فاس، مصور أسوشيتد برس، والحائز على جائزة بوليتزر مرتين وعلى إعجاب الكثيرين لذكائه وخبرته الصحفية الشاملة.

شكل ٥-٢: رجل يسقط من البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١، بعد أن اختطف الإرهابيون طائرتين واصطدموا بهما ببرجَي مركز التجارة المكون كلٌّ منهما من ١١٠ طوابق مما أدَّى إلى انهيارهما (نُشرت الصورة بإذن من أسوشيتد برس، بعدسة المصور ريتشارد درو).

يشير معظم طلاب الإعلام والتصوير الفوتوغرافي إلى تأسيس وكالة ماجنم فوتوز عام ١٩٤٧ في باريس باعتباره التطور الأهم في تاريخ الصحافة المصوَّرة. لقد أرست هذه المؤسسة التعاونية، تحت قيادة كابا وهنري كارتييه-بريسون، تقليدًا استطاع المصورون المستقلون في ظله أن يتحكموا في صورهم، وأن يُكرِّسوا جهودهم لتغطية الأخبار ذات الأهمية، والتي تُدرُّ المال عليهم وعلى عملائهم في الوقت نفسه. ومن الأقوال المأثورة عن كارتييه–بريسون في هذا الشأن: «غالبًا ما نصوِّر الأحداث التي تسمى أخبارًا» (ماجنم فوتوز ٢٠٠٧).

قبل انتشار الصور البصرية الفورية على شاشات التليفزيون، كانت المجلات ذات الجودة الإنتاجية العالية والثرية في محتواها البصري هي التي تمزج التحقيق الصحفي بالصور الفوتوغرافية الصحفية الجذابة واللقطات البرَّاقة للنجوم وصناع الأخبار، ومن أمثلة هذه المجلات لايف في الولايات المتحدة الأمريكية، وشتيرن في ألمانيا، وباري ماتش في فرنسا.

لكن رغم أن مجلة لايف وغيرها الكثير من المجلات الواسعة الانتشار (باستثناء شتيرن وباري ماتش) شهدت تراجعًا في شعبيتها، فإن المصورين الصحفيين لم يتوقفوا عن المخاطرة بأرواحهم في سبيل التقاط الصور التي نُشِرت في أهم الصحف والمجلات الإخبارية الأسبوعية ذات الطابع الجاد.

ثم حدث تطوُّران تغيَّر على أثرهما كل شيء: الإنترنت والتكنولوجيا الجديدة؛ فبحلول عام ٢٠٠١، كان محررو الصور في الصحف الكبرى يحاولون تتبُّع الصور الرقمية المتدفقة إلى أجهزة الكمبيوتر خاصتهم من جميع أنحاء العالم، والتي كانت تصل إلى ألفَي صورة يوميًّا. وبينما اعتاد المصورون الصحفيون أن يلتقطوا صورهم، ثم يتولوا تحميضها وإرسالها، وذلك في عملية ربما يمكن أن تستغرق أيامًا، فإن المصورين الصحفيين الرقميين المنتشرين اليوم في مهام صحفية في أغلب بقاع العالم يمكنهم التقاط صورهم وإرسالها في ثوانٍ من أجهزة الكمبيوتر المحمولة خاصتهم عبر البريد الإلكتروني. وبناءً على تقديرات سانتياجو ليون، مدير التصوير في وكالة أسوشيتد برس، فإن الصحيفة الواحدة ربما تتلقى ما يزيد عن ٦ آلاف صورة يوميًّا، منها ألفا صورة من أسوشيتد برس و٤ آلاف من بقية الوكالات كرويترز وفرانس برس. ولا يقتصر جهد هؤلاء المصورين الصحفيين الرقميين على عملهم الدءوب لتحديث المواقع الإلكترونية الخاصة بصحفهم أو وكالاتهم، والتي تعرِض أحدث الصور لحظة بلحظة من جميع أنحاء العالم، بل يتعرضون أيضًا لمخاطر أشد؛ إذ يعملون لفترات أطول من ذي قبلُ، وهو الاتجاه الذي يثير قلق ليون.

من الإشكاليات التي طالما واجهت المصورين الصحفيين ومحرريهم تلك المتعلقة بمقدار الحقيقة الواجب عرضه للقراء والمشاهدين. بعبارة أخرى، متى تكون الصورة ضرورية للتعبير عن حقيقة معركة ضارية أو كارثة طبيعية مفجعة؟

تكون لحظة التقاط الصور الرقمية مفعمة بالمشاعر بحيث تقلل من الإطار الزمني اللازم لتحديد الصور التي تخالف أي توجيهات تحريرية مرتبطة بالذوق العام واللياقة. لكن في مقرات الصحف، على المحررين أن يحددوا معيارهم في نشر الصور في الصحيفة أو على الموقع الإلكتروني: أهو المحافظة على مشاعر قرائهم أم المخاوف التجارية من غضب المعلنين.

في وقتنا الحالي غالبًا ما ترتبط قضية تحديد ما يُنشر وما لا يُنشر بالصور التي يُقدمها الهواة لا المصورون الصحفيون المحترفون، أو ما يُعرف الآن ﺑ «المحتوى الذي ينتجه المستخدم». لم يعد كثير منا حتى يحمل كاميرات، بل صرنا نعتمد بدلًا منها على هواتفنا المحمولة المزودة بكاميرات متطورة تلتقط الصور الثابتة وتسجل مقاطع الفيديو. وتُمثِّل الصور التي يقدمها الجمهور جزءًا من المحتوى المرئي الذي يغمر العمليات الإخبارية في التليفزيون والصحف والمجلات. وكانت أبرز الصور المعبرة عن موجات تسونامي وتفجيرات لندن هي تلك التي التقطها «الصحفيون المواطنون» بكاميراتهم وهواتفهم.

شكل ٥-٣: مصور ذا جارديان، شون سميث، خلال توثيقه لتبعات الهجمات الجوية الإسرائيلية على قرية قانا اللبنانية خلال الصراع الذي دار بين حزب الله وإسرائيل عام ٢٠٠٦ (نُشرت الصورة بإذن من شون سميث).

لكن لا يزال للمصورين الصحفيين المدربين والموهوبين دور مهم في العملية الاحترافية لجمع الأخبار؛ فالصور الخالدة إنما هي تلك التي التقطتها عدسات المصورين الفوتوغرافيين ممن لهم شغفٌ برواية الأخبار ونهمٌ للمغامرة وخوض المخاطر. وبخلاف المراسلين التليفزيونيين القادرين على تجميع الأخبار وترك انطباع بوجودهم في موقع الحدث، أو مراسلي الصحف والمجلات القادرين على تغطية الأحداث دون الوجود في قلبها، فإنه يتوجب على المصورين الصحفيين أن يشهدوا الأحداث بأنفسهم لتصويرها. هناك مقولة شهيرة مأثورة عن روبرت كابا تقول: «إذا لم تكن صورتك جيدة بما يكفي، فإن هذا يعني أنك لم تكن قريبًا بما يكفي.» وهذه المقولة تصدُق الآن كما صدقت خلال ثلاثينيات القرن الماضي حين التقط صوره الخالدة للحرب الأهلية الإسبانية.

رغم أن وكالة ماجنم فوتوز التي أسسها كابا لا تزال قوة مرموقة في مجال الصحافة المصوَّرة، فإن لها الآن منافسًا يتخذ من باريس مقرًّا له مثلها، ألا وهو وكالة أو مجموعة السبعة للصحافة المصوَّرة (إذ تضم سبعة أعضاء مؤسسين) التي أُسِّست عام ٢٠٠١ قبل أيام من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وتضم مصورين دوليين لامعين مثل جيمس ناكتوي ورون أفيف.

كان المصور الصحفي البريطاني جاري نايت هو القوة المحركة لهذه المجموعة، وترأَّس مجلس إدارتها طوال السنوات الثلاث الأولى من عملها. استهل نايت حياته المهنية بالعمل كمصور فوتوغرافي في جنوب شرق آسيا أواخر ثمانينيات القرن الماضي. غير أن حرب البوسنة تُعَدُّ المحطة التي وطدت شهرته وبدأ خلالها توثيق ما اعتُبِر لاحقًا جرائم حرب، وذلك انطلاقًا من الإيمان المشترك بأن الصحافة يمكن أن تساهم في تسليط الضوء على أيِّ فرد مسئول عن وقوع أحداث تسببت في انتهاك أعراف الحرب واتفاقيات جنيف.

ثم تعاقد نايت لاحقًا مع مجلة نيوزويك للعمل كمصور فوتوغرافي لحسابها، فحمل كاميراته وتوجَّه إلى أفريقيا بهدف تسجيل المعارك الدموية الكثيرة التي نشبت هناك وليبقى وفيًّا أيضًا للعقيدة التي تتبناها مجموعة السبعة، والتي تنص على الآتي: «إن ما يُوحِّد عمل مجموعة السبعة هو ذلك الشعور بأننا لم نخسر كل شيء، بتواصلنا مع الآخرين على الأقل؛ وبأن خيوط الأمل والعزيمة يمكن أن تغمر أشد صفحات الهمجية عتمةً؛ وبأن جبر ما انكسر ممكن دائمًا؛ وبأنه ليس هناك يأس مطلق» (وكالة السبعة للصحافة المصوَّرة ٢٠٠٦).

ورغم ذلك، عانى نايت يأسًا عميقًا عام ٢٠٠٧ بعد إتمام مهمته في دارفور مع زميله المراسل رود نوردلاند لحساب مجلة نيوزويك. في ذلك الوقت الذي تواصل فيه تهجير الآلاف من منازلهم، كان نايت ونوردلاند الصحفيَّين الغربيَّين الوحيدَين اللذين نقلا ما وصفه الصحفيون المرموقون والمسئولون الحكوميون رفيعو المستوى بالإبادة الجماعية.

ورغم ذلك، لم يفقد جاري شغفه بالصحافة المصوَّرة وإيمانه بقدرة المصور الفوتوغرافي على التقاط صور يمكن أن تُحدث تغييرًا في العالم.

مراجع

Magnum Photos (2007) History of Magnum. http://agency.magnumphotos.com/about/history.
VII Photo Agency (2006) About VII Photo Agency. http://www.viiphoto.com/photographer.html.

إن الصحافة المصوَّرة لا تصلُح لأصحاب القلوب الضعيفة، لكنني أستطيع أن أستحضر قليلًا من الأمور الشائقة التي تصلُح لهم. ظللت أقرأ عن اندثار تلك الصحافة طوال حياتي المهنية تقريبًا، عادةً من أشخاص ساخطين في منتصف أعمارهم. (تعرفون ذلك النمط من الأشخاص الذين يروون لك كيف اعتادوا السير مسافة عشرة أميال للذهاب إلى مدارسهم مرتدِين أحذية خشبية تحت الأمطار!)

ثق بعينيك وانظر حولك، في أكشاك المجلات أو على الإنترنت، وستجد أن الحقيقة مغايرة نوعًا ما؛ فالصحافة المصوَّرة لا تزال منتعشة، وما يتحلى به هؤلاء الرجال والنساء، الذين يمثِّلون أبرع المصورين الصحفيين، من التزام واستقلالية هو ما يدفعني إلى الإيمان بأن تلك الصحافة سوف تبقى لفترة طويلة في قابل الأيام.

إذًا ما نعاه أولئك الكهول لم يكن وفاة الصحافة المصوَّرة، وإنما وفاة بضعة هياكل تجارية منهكة لا صلة لها بالصحافة المصوَّرة تخصصت في بيع الصور الفوتوغرافية لوسائل الإعلام؛ أو وفاة وظائفهم؛ أو وفاة المجلات غير المهمة؛ أو لعلهم كانوا يصبون غضبهم على التطورات التكنولوجية التي أُحرزت في مجال التقاط الصور ونشرها والتي تستعصي على فهمهم. لا أدري ما علاقة أيٍّ مما سبق بالصحافة المصوَّرة؛ فالصحافة المصوَّرة هي رواية الأخبار مدعومة بالصور الفوتوغرافية، وليست نشاطًا تكنولوجيًّا أو تجاريًّا، وإن كان استيعاب كلا المجالين أمرًا ضروريًّا.

حين أطالع الصور الفوتوغرافية المحفوظة في أرشيفات الصحف أو المجلات أو الوكالات خلال عقدَي الستينيات والسبعينيات، لا أجد فيها مصدر إلهام لي بوجه عام. لطالما أُخبِرت بأن هاتين الحقبتين مثَّلتا الأيام الذهبية للصحافة المصوَّرة، لكنني أجد صعوبة في استنباط السبب وراء ذلك. لا شك أنني أذكر الأعمال العظيمة؛ تلك الصور الأيقونية لحرب فيتنام، والكفاح في سبيل الحرية في الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا، والأعمال العميقة والثاقبة الرؤية للمصورين الفوتوغرافيين من أمثال لاري بوروز ودون ماكولين وفيليب جونز جريفتس وغيرهم، لكن المحتوى الفوتوغرافي الذي تقدمه الصحف والمواقع الإلكترونية يوميًّا في عصرنا هذا يفوق نظيره من القرن الماضي من كل وجه تقريبًا، وذلك إذا تحررنا من تأثير الحنين للماضي. إن التحدي الذي يواجه الصحافة المصوَّرة الآن هو أن الصور الفوتوغرافية صارت مألوفة ولم تعد تؤثر في القراء بسهولة.

إن للصحافة المصوَّرة مستقبلًا واعدًا، وما من شك في أنها لم تزل تُمثِّل، في أفضل حالاتها، أنقى أشكال الصحافة المعاصرة وأنبلها على الإطلاق.

(١) الموضوعية في مقابل امتلاك وجهة نظر

تُعَد الموضوعية بمنزلة حبل المشنقة الذي لُفَّ حول رقاب كثير من الصحفيين، وهي كلمة ينبغي ألا يكون هناك تعارضٌ بينها وبين امتلاك وجهة نظر.

إن الصحفي الذي لا يمتلك وجهة نظر ليس شخصًا مثيرًا للاهتمام أو ذا منفعة تُرجى، ويجب ألا يتهرب المصورون الفوتوغرافيون من مسئولية التعبير عن آرائهم؛ فالاحتماء خلف مبدأ الموضوعية، الذي أُسيءَ استعماله، ليس من الشجاعة ولا جدوى منه؛ فإننا، من دون وجهة نظر، نختزل دورنا في عمل كاميرات المراقبة. والمصورون الفوتوغرافيون، من هذه الناحية، لا يختلفون ألبتة عن أيِّ فئة أخرى عاملة في مجال الإعلام؛ فلا يقتصر دور الصحافة المصوَّرة على تقديم الصور الإيضاحية؛ ولهذا أضيفت «المصورة» إلى «الصحافة».

figure
شكل ٥-٤: صورة فوتوغرافية التقطتها عدسة جاري نايت، في كوسوفو، في ١٩٩٩ (نُشرت الصورة بإذن من جاري نايت).
figure
شكل ٥-٥: صور فوتوغرافية التقطتها عدسة جاري نايت، في زائير، في ١٩٩٧ (نُشرت الصور بإذن من جاري نايت).

(٢) تصوير الهواة والإعلام

إن ما يميز الصحفيين المحترفين عن الهواة هو أن المحترفين ينبغي أن يحظوا بمصداقية معترَف بها عالميًّا استنادًا إلى المسئولية والخبرة وسجلات أدائهم السابقة، وأخيرًا، ومن منظور مثالي، التزامهم بأعراف الصحافة الرشيدة؛ أي السعي إلى الالتزام بالمبادئ الصحفية والتحلي بالأمانة المهنية.

لا تُعَد الاستعانة بصور الهواة أمرًا مستغربًا في تلك الحالات التي يقع خلالها حدث جلل لم يشهده سوى أولئك الهواة، مثل تسونامي في آسيا عام ٢٠٠٤ أو تفجيرات مترو أنفاق لندن عام ٢٠٠٥، غير أن النشر اليومي لصور الهواة على يد المؤسسات الإعلامية الكبرى، التي تطلب من الجمهور التقدم بصوره، ما هو إلا حيلة تسويقية ووسيلة للحصول المجاني على المحتوى الإخباري، ولا يعدو كونه ذلك؛ فلا تعتبره تحديًا أمامك.

(٣) الأخلاق الصحفية

لم يكن حريًّا بي حقًّا أن أقول ما يلي، لكن يتعيَّن على كلِّ مَن يسعى لتقديم نفسه كعضو في صناعة الإعلام أن يتحلى بالأمانة ويبرهن على اتصافه بالنزاهة التي نحتاج احتياجًا ماسًّا إلى إقناع الجمهور بأنها لا تزال إحدى مناقبنا.

ليس هناك ما يدعو إلى استثناء المصورين الفوتوغرافيين من هذه القاعدة الأساسية؛ إذ يحتاجون إلى إبداء حرص شديد في هذا الشأن؛ فتحريف الحقائق، وتزييف الوقائع، والتلاعب بأفلام التصوير أو الصور الرقمية ممارسات مألوفة ونشأت منذ أن خطا المصورون الأوائل أولى خطواتهم نحو حقول القرم حاملين كاميرات الألواح الفوتوغرافية منذ أكثر من ١٥٠ عامًا.

لا تغش. لا تكذب. وحاول أن تنقل الحدث كما رأيته. إن هدف المصور الرئيسي هو تحفيز المشاهدين على التفكر في الموضوع المصوَّر والتجاوب معه؛ لذلك عليك أن تبني وعي المشاهدين بالموضوع كي يتسنَّى لهم اتخاذ رد فعل تجاهه. إن فبركة الصور أو تصوير القضايا بأسلوب لا يخدم سوى أغراضك الشخصية سلوك جبان وشائن، ولو فعلته مرة واحدة، فربما يصبح كل ما تفعله محل تشكك، وغالبًا ما سيكون كذلك.

إن بعض المصورين الفوتوغرافيين يتوجهون إلى مناطق الحروب وفي حوزتهم ملابس ليرتديها الأفراد محل التغطية الإخبارية، ويدفعون مبالغ لأشخاص مقابل إعادة تمثيل المشاهد التي فاتهم تصويرها، ويصيحون في الجنود أثناء التدريبات طالبين منهم أن يُظهروا مزيدًا من الهلع لكي تكون الصور أكثر إقناعًا، ويحظى هؤلاء المصورون في النهاية بالإشادة. تقع المسئولية عن هذا السلوك في المقام الأول على عاتق المصورين، الذين يجدر بهم أن يكونوا أكثر وعيًا وحكمة، غير أن مثل هؤلاء الأفراد ما هم إلا شخصيات ضعيفة يدفعها الجشع والطموح، كما يتحمل قدرًا كبيرًا من المسئولية المحررون والوكالات التي يمثلونها؛ وذلك لتشجيعهم على مثل هذه التصرفات، أو التهاون بشأنها، أو غض الطرف عنها.

إن الصحافة المصوَّرة ليست للأفاقين والطامعين؛ فالفقراء والمقهورون يستحقون ما هو أفضل من أن يكونوا مجرد أداة بيد الأدعياء والتافهين المغرورين، يرسمون بها صورًا براقة لذواتهم المتضخمة.

لو أن الصحافة المصوَّرة تواجه أزمة ما، فلن تكون أزمة مال أو مجلات، بل أزمة شرف ونزاهة؛ فالتصوير الفوتوغرافي، كالصحافة المطبوعة أو التليفزيونية، يتسم بالبساطة والوضوح الشديدين، وما يُميز بعض المصورين الصحفيين ليس براعتهم الفنية وإنما وجهات نظرهم وقدرتهم على الإقناع ونزاهتهم والتي يصوغون في إطارها اللغة التي يستعملونها في رواية قصصهم الإخبارية. لا شك أن البراعة الفنية والأسلوبية مهمة، لكنها لا تكفي دون وجهة النظر الخاصة بالرواية الإخبارية.

(٤) الصور الصادمة

ألقى صديقي وزميلي جيمس ناكتوي كلمة في ندوة عُقِدت حديثًا في نيويورك قال فيها إن الرقابة الذاتية يجب أن تكون سابقة على الرقابة الخارجية، وأعتقد، بوجه عام، أن هذا من المبادئ التوجيهية الحكيمة. جاءت كلمات جيمس إجابة عن سؤال كنت قد أجبت عنه، وقلت إن ثمة حالات واجهتُها عمدت فيها إلى عدم تصوير مشهد ما أو إلى عدم نشره.

أعلم أن جيمس يتفق معي على أن كلينا لا يريد أن يعلم ذوو جنديٍّ أو مدني فقدَ حياته أثناء حربٍ ما بوفاته من خلال إحدى صورنا الفوتوغرافية؛ لذلك من الأفضل أحيانًا إرجاء نشر مثل هذه الصور إلى أن يعلم ذووهم بمصابهم من مصادر أخرى. لقد مرت بي أوقات بلغتُ فيها قدرًا من الإحباط دفعني إلى اختيار عدم نشر صورٍ عن قرب، على سبيل المثال، لديدان متساقطة من دماغ طفل صغير وهو يزحف على أرضية مستشفًى بالكونغو. كانت تلك الصورة بالذات واحدة من صور كثيرة التقطتها يومها كانت تُعبِّر عن هول الرعب والوحشية التي يلقاها المدنيون على يد العسكريين، فقررت يومها أن أنشر صورًا أخرى.

الحقُّ أنها مجرد مسألة حُسن تقدير للموقف والتحقق من أن الصور التي نقدمها للجمهور تعبِّر عن الوقائع تعبيرًا دقيقًا ومنصفًا. لعلك ترى أن كوننا أعضاءً في صناعة الإعلام يمنحنا عادةً امتيازَ الاطلاع على أدقِّ تفاصيل اليأس والمعاناة التي يعانيها الآخرون؛ إذ يُطلعوننا عليها مدفوعين باعتقاد أن باستطاعتنا مساعدتهم. يجلب الامتياز في هذه الحالات إحساسًا بالمسئولية؛ أن تروي القصة كما رأيتها، وأن تضع المسئولين موضع المساءلة، وأن تطالب بالعدالة والقصاص، لكن مع احترام من يقفون أمام عدستك لتصويرهم؛ لذا أسأل نفسي دائمًا عما إذا كان ما سأنشره يصب في صالحي أم صالحهم.

(٥) القطيع والغريزة

احذر القطيع، وثِق بغريزتك وتقديرك، ولا تخشَ ارتكاب أخطاء أثناء محاولاتك؛ فإن ذلك أفضل من ألا تفعل أيَّ شيء مطلقًا.

إن صحبة الزملاء عادةً ما تكون ممتعة من الناحية الاجتماعية، لكن عليك أن تحترس من الوقوع تحت إغراء ضغوط الأقران أثناء تغطيتك لقصة إخبارية تستهوي كثيرًا منهم. فربما تجد نفسك على مدار حياتك المهنية منشغلًا بتغطية قصة إخبارية كبرى مع مئات، بل آلاف، من الصحفيين الآخرين. بعض من هذه الأحداث، كالكوارث الطبيعية، يكون ذا طابع آني، بحيث لا تجد أمامك خيارًا سوى اتخاذ قرارات عفوية مستندًا إلى أقل قدر من المعلومات. وهذه الأحداث تكون مباشرة للغاية، ويكمن سرُّ تغطيتها في سرعة التحرك، والوصول إلى قلب الحدث، والتحلي بشخصية منظمة بالقدر الذي يمكِّنك من تسليم عملك في موعده. أما الأحداث المخطط لها، كخوض الحكومات الغربية لحرب ما، فإنها تُمثِّل مشكلات مختلفة، ليس أقلها ذلك الوقت الذي تمضيه بين زملاء لهم جميعًا آراء حول الطريقة المُثلى لتغطية الخبر وما ستسفر عنه الأحداث. لا أذكر أيَّ مناسبة صدقت فيها تكهنات من استمعت إليهم، ولا أستثني نفسي!

من بين الوسائل الأكثر فاعلية التي تلجأ إليها الحكومات والجيوش لإبعادك بوصفك صحفيًّا عن أشد جوانب الحدث حساسية وأهمية؛ إقناعك بأنك لا تملك أيَّ فرصة للوصول إلى موقع الحدث دون مساعدتهم. وغالبًا ما يَعِدونك بالحصول على كل ما تحتاجه في الوقت المناسب لو تعاونت معهم، وهو ما سيمتثل له كثير من زملائك راضين، بل وسيحاولون، بأساليب مجرَّبة منذ زمن بعيد، إقناعك بحمق القيام بالأمر منفردًا؛ أي حمق أن تكون متمردًا. وكثيرًا ما يُتَّهم المصورون بأنهم متمرِّدون نزقون، وعادةً ما تأتي هذه الاتهامات من زملاء يحاولون التأكد من أنك لن تصل إلى الخبر لأن حذرهم المفرط يمنعهم من محاولة ملاحقته. فقط اعتبر الاتهام بمنزلة إطراء منهم لك.

إنك أنت المسئول عن التوجه إلى محل وقوع الأحداث وتسجيلها، دون التحدث إلى من سبقوك إلى هناك؛ لذلك فإني أحثك على أن تشق طريقك بنفسك، وأن تجمع معلوماتك الخاصة، وحين يبدأ الحدث، احرص على أن تكون في المقدمة، تاركًا كلَّ مَن سواك منشغلًا بمحاولة اللحاق بك. وأيًّا كانت معدَّات التصوير التي تمتلكها، فعليك أن تتحلى بسرعة البديهة. فحين تندلع الحروب، دائمًا ما تسنح فرص قليلة للوصول إلى الخبر، ولو لم تنتهز تلك الفرص، فقد تُمضي أيامًا في محاولة اللحاق بالآخرين. لم أشهد حالةً واحدة تقريبًا نجح فيها أتباع القطيع في الحصول على الأخبار.

أثناء انتظارنا في الكويت لبدء غزو العراق عام ٢٠٠٣، حاول الكثيرون، عسكريون وإعلاميون على السواء، إقناعي وإقناع غيري من المصورين بانتظار الجيش الأمريكي ليصحبنا إلى هناك، لكننا استأجرنا سيارات دفع رباعي وملأناها بالوقود والطعام وغطيناها بالشحم والرمال وتوجَّهنا إلى هناك حيث اختبأنا أيامًا تحت الأشجار وداخل المنازل الريفية على الحدود بحيث يتسنَّى لنا، حين يبدأ القصف، عبور المنطقة المحرمة خلف طليعة القوات المقاتلة. نجح عشرون منا في عبور المنطقة، مخلِّفين وراءنا عدة مئات من المصورين في الكويت العاصمة ينتظرون أيامًا قوات التحالف لتصحبهم معها. ففاتتهم الأيام القليلة الأولى للغزو وبقوا بعيدًا خلف الخطوط الأمامية، حيث برزت أفضل القصص الإخبارية.

(٦) السلامة

يوجد عدد من «الدورات التدريبية الخاصة بكيفية التعامل مع البيئات الخطرة» المتاحة حاليًّا للإعلاميين. والواقع أن كثيرًا من المؤسسات الإخبارية لن يُقْدم على تعيينك إلا إذا أتممت واحدة منها. إنني دائمًا ما أوصي بهذه الدورات في حال وجدت جهة تساعدك في سداد رسومها، لكن ضع نصب عينيك أن بعض الأخبار خطرة ولن يغير من تلك الحقيقة أي قدر من التدريبات تلقيته. تساعد هذه الدورات في تقليص المخاطر بتنمية وعيك وانتباهك، لكن هذا لا ينفي أن عددًا كبيرًا من الصحفيين لقوا حتفهم أثناء الحروب وأن كثيرًا منهم كانوا شبابًا. إذا لم تكن قادرًا على التعامل مع مشاعر الخوف، فلا بأس في ذلك. ما عليك سوى أن تنسحب وتعود إلى منزلك. أما إذا عزمت على الوجود في قلب المعارك، فإن عليك التزامًا نحو من تصوِّرهم ومن تعمل لحسابهم ومن يشاهدون صورك ونحو ذاتك، بأن تتقن عملك.

(٧) الجانب التجاري الممل (لكن المهم) للتصوير الفوتوغرافي

لا معنى لمحاولة سرد خبرٍ ما دون وجود جمهور يتلقاه؛ مما يعني أن عملية النشر والتوزيع والعلاقات التي تقيمها مع وكالات الأنباء والصحف والمجلات والناشرين ومُجمعي ومُنقحي الأخبار سيكون لها جميعًا أهمية محورية في بلوغ أهدافك، وسوف تقيك أن ينتهي بك الحال إلى أن تكون هاويًا توَّاقًا إلى الكمال وحسن النوايا، لكنه معدم.

لعله من المغري للغاية أن تترفع عن المسائل التجارية وتزدريها، لكنك، ما لم تكن رئيسًا لصندوق ائتماني، فلن تجد بُدًّا من مواجهة الحقيقة القائلة بأنك، كأي تاجر، سوف تحتاج إلى بيع بضاعتك. إن سوق الصحافة المصوَّرة، تمامًا كأي سوق آخر، يستجيب لقواعد العرض والطلب وهو يشهد حاليًّا انتعاشًا نسبيًّا. أعلم أنه من الصعب تقبُّل هذه الفكرة، لكن لا فضل لك على أحد، ورغم أنك قد تعتقد أن صورك مؤثرة وقوية، فربما لا تجد من يعتنق ذلك الرأي سوى أقرب أقربائك؛ لذلك لا تُبالغ في تقدير ذاتك، ولا تستهِن بقيمة السوق.

أخبرني جيل بيريس١ ذات مرة أن عليَّ الاختيار بين العمل كمصور عام أو كمبدع، وهو ما فسرته على أنه اختيار بين تعددية المهام؛ أي العمل كمصور متاح لأي شخص لتنفيذ أي مهمة، والتركيز على عدد ضئيل من الموضوعات التي تهمني ونَيل الشرعية اللازمة لعملي استنادًا إلى ما أبديه من التزام وتركيز وفهم. ينبغي عليك أن تقرر الأهم بالنسبة إليك: التصوير الفوتوغرافي، أم أسلوب الحياة، أم القضايا الأهم بالنسبة إليك، ثم تختار مسارك بناءً على قرارك. وبمجرد استقرارك على اختيار ما، يمكنك الشروع في إنشاء منظومة من الكيانات والعلاقات التي سوف تمكِّنك من الترويج لعملك والوصول إلى الجمهور الملائم.

عندما يصل هذا الكتاب إلى يديك، ستكون وكالات ومطبوعات جديدة قد نشأت بينما سوف يكون البعض الآخر الذي أطَّلع عليه عبر الإنترنت من غرفتي بالفندق قد اندثر؛ لذا فليس بالإمكان أن أوصي بقائمة من الوكالات والمطبوعات التي تستطيع التعامل معها. وحتى إن كان هذا بالإمكان، فلن أفعله؛ إذ ما يناسبني ربما لا يناسبك. لقد وجدت أن أفضل الوكالات هي تلك التي تقيم معها أفضل العلاقات، بصرف النظر عن شهرتها أو حجمها. وإذا تفهمت هذه الوكالات عملك وارتبطت بعلاقة وثيقة مع المطبوعات اللائقة بعملك، فسوف تخطو أولى خطواتك نحو النجاح. وإذا كانت لدى هذه الجهات خطة عمل جيدة وسوف يمنحونك مستحقاتك المادية في موعدها، فهي جديرة بالاعتبار غالبًا. يجب أن تعلم أن إضافة كلمات مثل «مجموعة السبعة» أو «ماجنم» بعد اسمك لن تُغيِّر من جودة العمل، وهذه الجودة هي التي تهم المطبوعات في العموم، أو على الأقل تلك التي ينبغي عليك أن تطمح إلى العمل معها.

الوكالات هي التي تُمثِّل المصورين المستقلين وليس العكس؛ لذا عليك ألا تنسى هذه الحقيقة، خاصة عندما تتفاوض مع الوكالات بشأن بنود الاتفاق فيما بينكما.

تعمل الوكالات لجني المال، تمامًا مثل بائعي السيارات، ويجدر بك أن تتأكد من أن الصفقة التي يعرضونها عليك مجزية بالنسبة إليك. لا تخضع لترهيبهم، واحرص على أن يشرحوا لك كيف ينوون تنمية عملهم وما دورك في هذه العملية؛ فإن جزءًا كبيرًا من وضعك المالي سيكون تحت أيديهم.

حين تتعامل مع العملاء، لا تحاول أن تُريهم ما هو أكثر من اللازم؛ فمن الأفضل أن يطلبوا هم مشاهدة المزيد من أعمالك بدلًا من أن يُقلِّبوا أعينهم في مللٍ وهم يُطالعون عينات عديدة من أعمالك دون أن يطلبوا ذلك. لا تُمطرهم برسائل إلكترونية تحوي صورًا لم يطلبوها؛ فسوف يتعاملون معها عادةً باعتبارها بريدًا غير مرغوب فيه. وحين تعرِض أعمالك، احرص على أن تعكس ما سوف تقدمه لا ما قد قدمته؛ فلن تجد أحدًا مهتمًّا بإنجازاتك في الماضي ما لم تُمثل هذه الإنجازات ما سوف تقدمه إليه في المستقبل.

حين استهللتُ حياتي المهنية في هذا المجال، بدأ الأمر كله بمصافحة. كان هناك شيء ساحر نوعًا ما في هذه العلاقات ونادرًا ما كانت تقع مشكلات. أما الآن فالأمور اختلفت تمامًا، لكن بدلًا من التحسر على الماضي لا بد من التعامل مع الحاضر؛ إذ سيُطلَب منك في مرحلةٍ ما توقيع عقد لبدء التعامل مع محررٍ ما. تبدأ أغلب المفاوضات المتعلقة بالعقود بأن يعرض عليك العميل شيئًا في صالحه لكنه قد لا يكون في صالحك، وعادةً ما يكون ذلك الشيء في هيئة حقوق النشر والاستخدام. أوصيك بعدم التوقيع على أي اتفاق يسلبك حقوقك في النشر أو يُشرك آخرين فيها؛ فإن مثل تلك الحقوق تُمثِّل أمنك الاقتصادي في المستقبل، وأجور التحرير اليومية المنخفضة تعني أنك سوف تتمكن من استغلال صورك عقب صدور الطبعة الأولى من المطبوعة التي ستساهم فيها بصورك. لا تخشَ التفاوض بشأن العقود، وحاول قدر إمكانك أن تفعل ذلك بمساعدة الضغط الجماعي لوكالة أو مجموعة خاصة من المصورين ذوي الاهتمامات المشتركة.

(٨) القصص الإخبارية

سوف يعمد بعض العملاء، مثل مجلة فانيتي فير، إلى ابتكار أفكار قصصهم الإخبارية، لكن المهام تنبثق بوجه عام من الأفكار التي يبتكرها المصورون الصحفيون بأنفسهم أو بالتعاون مع الكتَّاب.

(٩) خارج حدود الإعلام

لا تُمثِّل المجلات والآلة الإعلامية سوى جزء من الأدوات المتاحة أمامك في سعيك نحو تغيير العالم؛ أي إنهما ليستا نهاية المطاف. إن للإعلام حدوده من ناحية نسبة المتابعة الجماهيرية وكذلك من ناحية ما يعتبره مقبولًا أو مثيرًا للاهتمام. ولكل مطبوعة، بوجه عام، وجهة نظرها التي قد تختلف كليةً عن وجهة نظرك، وفي بعض الأحيان تخشى المطبوعات تحدي الوضع القائم بسبب اعتبارات تجارية. إن ما يمكن أن تتيحه لك هذه المطبوعات هو وسائل الوصول إلى الخبر، لكنها نادرًا ما يمكن أن تمنحك الفرصة لروايته حسبما تريد. ولكي تنال هذه الفرصة، عليك أن تفكر في نشر أعمالك الخاصة؛ فهذا واحد من بضع وسائل يمكنك من خلالها رواية القصص الإخبارية حسبما رأيتها. ومن بين أشد الوسائل فاعلية وأسهلها على الإطلاق تنفيذ ذلك على شبكة الإنترنت، سواءٌ على موقعك الشخصي أم موقع وكالة ما.

إن نشر كتبك أو إقامة معارضك الخاصة من شأنه أن يوسِّع من دائرة انتشارك، ويمكن، لو أديرت العملية بكفاءة، أن يحقق لك أرباحًا تساعدك على تحمُّل تكاليف مشروعاتك القادمة. غير أن كلتا الخطوتين تتطلبان الكثير من الوقت والتخطيط، الذي يستغرق في أغلب الحالات أعوامًا.

(١٠) المعدَّات

قليل من المال في جيبك وتذكرة طيران في يدك خير من حقيبة مكتظة بالمعدَّات الجديدة تضعها إلى جوارك وأنت تشاهد الأحداث على شاشة التليفزيون.

إن أليكس ماجولي، المصور في وكالة ماجنم وأحد أكثر المصورين إثارة للاهتمام حاليًّا، يستخدم بضع كاميرات رقمية مضغوطة ثمنها أقل من وجبة غداء في أحد مطاعم لندن الأنيقة. أما مصور ماجنم، أنتوان داجاتا، ففي كل مرة ألقاه فيها، أجد كاميرا بسيطة مختلفة متدلية من عنقه؛ فالصور لا تصنعها الكاميرات.

جديرٌ بالذكر أنه يتعين عليك حيازة المعدَّات الضرورية لإنجاز عملك. سرتُ ذات مرة إلى أحد الجيوب البوسنية الذي يُسمى جوراجده، وذلك خلال الحرب في تسعينيات القرن الماضي، وكان بصحبتي بيتر نورثال، المصور في أسوشيتد برس، وأندرو ريد، المصور في وكالة جاما٢ وعدد قليل من الصحفيين الآخرين. كانت تجربة مريرة بحيث يصعب نسيانها؛ فقد سرنا لمدة ١٦ ساعة وقضينا ليلتنا في ظل عاصفة ثلجية، وشهدنا في بعض الأحيان قصف مدافع الهاون والرشاشات عبر الجبال، كل ذلك ونحن نرتدي سراويل جينز وأحذية خفيفة. لقي عدد من البوسنيين الذين كانوا يسيرون معنا حتفهم متجمدين بعد أن جلسوا على الجليد منهكين، ولم أنجُ إلا لأن بيتر رفض رفضًا باتًّا أن يدعني أجلس على الجليد وأموت. قرَّر أندرو في مرحلة ما من الرحلة أن يضع كاميراته على ظهر حمار مارٍّ بجوارنا؛ إذ لم يكن بإمكانه استخدام الكاميرات أثناء الليل ولم يعد بإمكانه حملها أكثر من ذلك. لا شكَّ أن هذه ردة غير معهودة للمنطق ولا تقع إلا عرَضًا. ضحكنا جميعًا حين وصلنا واكتشفنا أن الحمار تردَّى من أعلى جبل فمات، لكننا ضحكنا أكثر حين أدركنا أنه لا خيار أمامنا سوى الاستعانة بحمار آخر لنقل فيلم التصوير من الجيب البوسني في سبيل الوفاء بموعد التسليم.

إن المغزى من هذه القصة — باستثناء الحذر من الحمير المارَّة ليلًا — مزدوج: لا تأخذ إلا ما تستطيع حمله، واستعمل كل وسيلة ممكنة لكي ترى صورك النور.

أسئلة يُجيب عنها الطالب

(١) هل الصحافة في حاجة إلى قَدْر أقل من الحيادية والمزيد من وجهات النظر المحددة بوضوح؟

(٢) ما الذي يميز الصحافة المصوَّرة الاحترافية عن صحافة المواطن؟ وما ميزات وعيوب كلٍّ منهما؟

(٣) حدد جاري نايت خطوطه الحمراء لعدم التقاط صورة معينة أو عدم طبعها؛ فما هي خطوطك الحمراء؟ أم أنه لا بد من محو جميع الخطوط الحمراء وإلغاء أيِّ رقابة ذاتية للمصور على نفسه؟

(٤) هل ثمة أزمة أو صراع في العالم كان يمكن أن يُنمَّى الوعي الدولي به لو جرى تصويره فوتوغرافيًّا؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فأوضح سبب عدم تصويره.

(٥) حلل صراعًا أو أزمة حول العالم كان للصحافة المصوَّرة تأثير في مجرياته.

(٦) أنشئ سردًا اعتمادًا على الصور المعروضة في هذا الفصل.

هوامش

(١) جيل بيريس مصور صحفي ومؤلف حائز على جوائز، وهو عضو في وكالة ماجنم فوتوز.
(٢) جاما هي وكالة فرنسية أُسِّست عام ١٩٦٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤