الفصل الثالث

نظُم العرب السياسية والاجتماعية

(١) مصدر نظم العرب

تختلف النُّظُم السياسية والاجتماعية، لأكثر الأمم التي يُعْنَى بها التاريخ، اختلافًا عظيمًا بين أمة وأخرى، ويدل إنعام النظر على أن قيمة تلك النظم أمرٌ نسبيٌّ، فما صلح منها لأمة لا يصلح لأمة أخرى في الغالب.

وتحتاج تلك الحقيقة إلى برهان، ولا تُسِلِّم بها النفس حالًا، ويظهر العكس من الحقائق أول وهلة، أي أنه يُرَى وجوبُ اتخاذ النُّظم التي عُزِيت إليها عظمة إحدى الأمم مثالًا للاقتداء، وأن من الحكمة انتحالها وحملَ الناس عليها طوعًا أو كرهًا، وهذا ما اعتقده أقطاب السياسة والمؤرخون زمنًا طويلًا، ولا يزال أكثرهم يراه.

واليوم فقط بدأنا نَعْلَم خطر ذلك الرأي، فقد أثبت البحث العميق في حياة الأمم، أن نُظُم الأمم عُنوان مشاعرها واحتياجاتها الموروثة التي هي وليدة ماضٍ طويل، وأنها لا تتبدل كما يشاء الإنسان، حقًّا رَوَى المؤرخون وجود مشترعين، كموسى وليكورغ وسولون ونوما وغيرهم، فَرَضوا على أممهم شرائع ابتدعوها، ولكن الواقع غير ذلك، فلم يكن لمشترع مثلُ تلك القدرة التي لم تتفق لأقوى الفاتحين وأعنف الثورات إلا لوقت قصير، فإذا أُكرِهت أمة على قبول نظم تختلف عن نُظُمها كان ذلك من قبيل إرغام حيوان على تبديل وضعه الطبيعي حينًا من الزمن، وإذا ما زال عامل القهر عاد الماضي إلى مجراه، وظهر أن الأمر لم يَعْدُ حدَّ تغيير بعض الكلمات.

وهنالك حوادث تاريخية كثيرة تظهر في بدء الأمر مناقضة لما تقدم، فيجب درسُها درسًا حقيقيًّا؛ لِيُرى زوالُ هذا التناقض، خُذ العرب مثلًا تَرَهم قد فرضوا نُظُمهم على أمم مختلفة، ولكنك إذا ما بحثت في أمم آسية وإفريقية التي سارت على سُنَّة العرب علمتَ أن النظم السابقة لأكثر هذه الأمم لا تختلف عن نُظُم العرب إلا قليلًا، وأنه إذا كان بينها وبين نُظُم العرب اختلافٌ في الأمور الجوهرية، كنُظم البربر مثلًا، بدا لك ضَعفُ أثر القرآن فيها، والعربُ، وهم أعقل من كثير من أقطاب السياسة المعاصرين، كانوا يعلمون جيدًا أن النظم الواحدة لا تلائم جميع الشعوب، فكان من سياستهم أن يتركوا الأمم المغلوبة حرةً في المحافظة على قوانينها وعاداتها ومعتقداتها.

ولا تتبدل النظم، وهي عنوان احتياجات الأمة ومشاعرها التي نبتت فيها، إلا بِتَبَدُّل تلك الاحتياجات والمشاعر، وقد أثبت التاريخ أنها لا تتحول إلا بتعاقب الوراثة، ومن ثَمَّ ببطء عظيم، وقد اقتضى تحول البرابرة الذين قَضَوا على العالم الروماني إلى ما صاروا إليه في دور النهضة مرورَ القرون الوسطى التي دامت ألف سنة.

وتسيطر سُنَن تطور ذوات الحياة على تطور النُّظم الاجتماعية، وقد اكتسب، بتعاقب الأزمنة، بعضُ ذوات الحياة، التي كانت تعيش في البحر في الأدوار الجيولوجية، من الأعضاء ما تَمَكَّن به من العَيش في الهواء، وليس بعيدًا الزمنُ الذي كان علماء الطبيعة يجهلون فيه تطور ذوات الحياة والحَلَقات التي تصل بين طرفيها، وليس بعيدًا الزمن الذي كان علماء الطبيعة يعتقدون فيه أن قُدرة عُلْوِيَّة خَلَقت ذواتِ الحياة في أوقات مختلفة، فلما تقدم العلم أثبت أن هذه التحولات العظيمة لم تَحدث فجأةً، بل هي وليدة تطورات غير محسوسة اكتسبها كلُّ جيل، وتراكمت بالوراثة في عدة قرون، وأسفرت عن تحولات عظيمة جدًّا.

ونَعُدُّ العِرق والبيئة وطرق المعايش والعوامل المختلفة، التي نرى الضرورة أوَّلَها وعزيمةَ الرجال أضعفها، أسبابًا رئيسةً في نشوء النظم، والزمن وحده هو القادر على توطيدها، وإذا رأينا أمةً ذاتَ نُظُم واحدة منذ زمن طويل أيقنا بأن هذه النظم خيرُ ما يلائمها، وإذا كانت الحرية أمرًا طيبًا لدى بعض الشعوب كانت صَرامة وليِّ الأمر المطلق أفضلَ للشعوب الأخرى، ولذا فإن من قِصَرِ النظر أن نَقِف عند حدِّ ثَقافتنا الاجتماعية التقليدية الخطرة، وأن نرى من الممكن تطبيقَ نُظُمٍ لاءَمت أمةً بتعاقب الأزمان على أمةٍ أخرى، وهذا لا يختلف كثيرًا عن محاولة حمل السمك على التنفس في الهواء بحجة أن جميع الحيوانات العليا تتنفس في الهواء، فالسمك يموت حيث تحيا ذوات الثُّدِي.

وما تنشأ به نظم الأمم، وما تتحول به، من البطء العظيم يجعلنا لا نُبْصِر التحولات، على العموم، إلا إذا جَهَر بها مشترع عظيم، فنعزو إلى هذا المشترع وضع القوانين مع أنها وليدة ماضٍ طويل، وليس شأنُ المشترعين الحقيقي سوى إثباتهم، بما لهم من سلطان، عاداتٍ مستقرةً بالأذهان بعض الاستقرار، وإلغائهم العاداتِ غيرَ الصالحة أو الضارةَ التي لولاهم لدام أمرها مدة أخرى، أجل، إن تأثير المشترعين مُهِمٌّ، ولكن هذا التأثير لا يكون إلا إذا كانت التحولات التي هي وليدة استنباطهم ضئيلةً إلى الغاية، وهنالك يمكنهم أن يُرَدِّدوا قول سولون: «إنني لم أمنح أهل أثينة أفضل ما يتصور الإنسان من القوانين، بل مَنَحْتُهم أفضل القوانين التي يُطيقونها»، فسولون لم يَخْتَر القوانين التي جاء بها في الحقيقة من غير العادات السابقة التي رَسَخَت في أذهان القوم ومعتقداتهم.

fig178
شكل ٣-١: داخل حوش في القاهرة (من صورة فوتوغرافية).

ومثل ذلك شأن مُحَمَّد الذي عَرَف كيف يختار من نظم العرب القديمة ما كان يبدو أقومَها، فَدَعَمها بنفوذه الديني العظيم، ولكن شريعة مُحَمَّد لم تَنْسَخ جميع العادات التي قامت مقامها كما أن قانون الألواح الاثنيْ عشر لم يقضِ على قوانين الرومان القديمة، ومحمدٌ، حين رأى أن يُحرِّم بعض العادات القديمة كالوَأْدِ، لم يفعل غير ما يلائم المشاعر المنتشرة بدرجة الكفاية وما تُقِرُّه هذه المشاعر.

وشريعة مُحَمَّد، في فصولها غيرِ الدينية، هي خلاصة عادات قديمة إذن، وهي، كالشرائع الأخرى، تكشِف بسهولة عن الحالة الاجتماعية للأمة التي ظهرت فيها، ولا كتابَ تاريخٍ يعدل دراسة قوانين إحدى الأمم في بعض الأحيان، فالقوانين تدل، بما تُبْصر من الاحتياجات، وبما تأمر به وما تنهى عنه، على أحوال المجتمع الذي نشأت فيه كما نُبيِّن ذلك غير مرة.

fig179
شكل ٣-٢: كوب عربي قديم من البلور (من تصوير إيبِر).

وليس من الضروري أن يُعتَمَد على شريعة إحدى الأمم وحدها في استجلاء حالتها الاجتماعية إذا كان لهذه الأمة آثارٌ أخرى في التاريخ، وهي إذا كانت ذات حضارةٍ وأَنسالٍ كان أسهل على الباحث أن يدرس بقايا تلك الحضارة والأَنْسَال للوقوف على حالتها الاجتماعية كما صنعنا ذلك في الفصول السابقة، ونحن حين وصفنا حياة العرب ورجعنا إلى الأزمنة التي نشأت فيها نُظُمهم أَعْدَدْنَا القارئ، بما فيه الكفاية، ليتمثَّل النظم التي ندرسها الآن، وليُدرِك تأثير المشترعين الضئيل في تكوينها.

ومن الضروري أن يُبْحَث على هذا النمط في شؤون الأمم التي يُراد وصفها واكتناهُ نظامها الاجتماعي عربًا كانت هذه الأمم أو غيرهم، ونرجو أن يَحِلَّ الوقت الذي يُدرك الفقهاء فيه أهمية هذا، فيصبح علمُ الحقوق غير قائم على سَرْد موادِّ القوانين المُعَقَّدَة والمناقشات البزنطية.

(٢) نُظُم العرب الاجتماعية

خَصَّصتُ مطالبَ كثيرةً من هذا الكتاب للبحث في أهم نظم العرب الاجتماعية كنظام الأسرة والرق وتعدد الزوجات … إلخ، فأقتصر هنا على بيان أهمِّ ما جاء في القرآن من الأحكام الاشتراعية.

واختلطَ شرعُ العرب المدنيُّ بشرعهم الديني اختلاطًا وثيقًا، وتألف منهما علمٌ قائم على تفسير القرآن.

وما كان القرآن ليُبْصِرَ جميع ما يحدث في كل يوم، وهو لم يستدرك غير القليل من ذلك، وكان الناس منذ البُداءة يرجعون مضطرين إلى النبي وخلفائه من بعده لحل المُعضلات الشرعية اليومية، فتألف مما رُوي من أحكامهم المجموعة منذ القرون الأولى من الهجرة ما سُمِّي بالسُّنَّة.

ثم ظَهَرَ بعد زمنٍ قصير أن القرآن والحديث غيرُ كافِيَيْن، ورُئيَ إتمامُهما بوضع دستور مدني وديني مُشتق من تفسير القرآن، وقامت بذلك جماعة كبيرة من الأئمة في القرن الأول والقرن الثاني من الهجرة، واعتُرِف بأربعة منهم، وهم: أبو حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل؛ وإلى هؤلاء تُنسب المذاهب الأربعة التي يقتدي بها مختلف شعوب الإسلام، فأما المذهبُ المالكي فاتُّبع في إفريقية، وأما المذهب الحنفي فاتُّبع في تركية والهند، وأما المذهب الشافعي فاتُّبع في مصر وجزيرة العرب مع عمل المحاكم المصرية بالمذهب الحنفي، وأما المذهب الحنبلي فمهجورٌ في أيامنا (!)

ثم صار لكل واحد من هذه المذاهب الأربعة كثيرٌ من الشُّراح، ومن ذلك أن كان خليلٌ، المتوفى سنة ١٤٢٢م، شارحًا للمذهب المالكي المنتشر في بلاد الجزائر، فعُد كتابه الذي تُرجم إلى الفرنسية مرتين، إحداهما بقلم الدكتور بيرون والثانية بقلم مسيو سِغْنِت، أهمَّ رسالة في الفقه المالكي.

وإذا عَدَوْتَ هذه المصادر في علم الكلام الإسلامي وفي الفقه الإسلامي وجدتَ للأحوال التي لا تجد لها قاعدةً مقررة، والتي لا يمكن القياس في أمرها، مجموعةَ أحكامٍ سلطانية تُعرف بالفتاوى.

وتَجد بجانب الدساتير المدونة فقهًا قائمًا على العادة مختلفًا باختلاف الأمكنة فدل هذا على أن الفقه الإسلامي غيرُ مقيد بالقرآن خلافًا لما يُظَنُّ أول وهلة، وقد يكون للعادات من الفعل ما ليس للقانون المدوَّن، ومن هذا نَسْخُ القبائل البربرية لما جاء في القرآن من الأحكام في حقوق النساء في الميراث، ومن هذا أنك لا ترى عند قبائل اليمن سوى فقه قائم على العادات متغيِّر بتغير هذه القبائل مختلفٍ عن تعاليم النبيِّ غالبًا. قال الرحالة مسيو هاليڨي الذي ساح في اليمن حديثًا: «إن لكل قبيلة اشتراعًا خاصًّا.»

fig180
شكل ٣-٣: إناء عربي قديم مصنوع من النحاس.

والعقوباتُ تستند إلى القرآن وتفاسير القرآن أيضًا، أي تقوم على مبدأ القِصاص كما قامت عليه شريعة موسى، ومبدأ القصاص هذا هو المبدأ الممكن في جميع الشرائع الفطرية كما قلنا، ومما بيَّنَّاه في كتابنا السابق أن حق المجازاة كان في البُداءة خاصًّا بالمعتدَى عليه، وأن الجزاء كان يُفرَض على المذنب أو على أُسرته ما كانت الأسرة وَحْدَةً في جميع المجتمعات القديمة، وأن الثأر إذا لم يُدرَك من الوالد أُدرِك من ابنه أو حفيده ما نَصَّت التوراة على أن الرب ينتقم «من الأبناء حتى الجيلِ الثالث والجيل الرابع» لذنبٍ اقترفه الأب.

ومن فوائد القصاص أنه يُقلِّل حوادث القتل كثيرًا، ومن محاذيره أنه يؤدي إلى استمرار أعمال الثأر زمنًا طويلًا غالبًا، ولذا رُئي أن تقوم الدِّية التي تُدفع إلى أهل المقتول مقامه أحيانًا، ولذا دام هذا النظام إلى أن جاء الوقت الذي صار المجتمع يقوم فيه بمعاقبة المذنب بدلًا من أن يقوم بها المعتدَى عليه أو أسرتُه، ولكن هذا الطور الجزائيَّ الأخيرَ لا يكون في غير المجتمعات التي يقوم فيها نظامٌ مركزي قوي، ونظامٌ مركزيٌّ مثل هذا إذ لم يقُم أيام محمد ظل نظام العقوبات الذي نَصَّ عليه القرآن مستندًا إلى مبدأ القصاص ومبدأ الدية الفطريين، وبقِي أمره سائدًا ما خَضَع للدستور الديني بشكله القديم.

ومن ثمَّ تَرى أن ما جاء في شريعة موسى من حق القصاص القائل: إن العين بالعين والسن بالسن هو، مع مبدأ الدية الذي جاء مُلطِّفًا له، مبدأ الفقه الجزائي الأساسيُّ في القرآن، ومع ذلك فقد أوصى القرآن بالعفو على أنه خيرٌ من الثأر، ونَعُدُّ هذا تقدمًا عظيمًا ما عد الإنسان في الأدوار الفطرية عدم الانتقام عارًا، وإليك مبادئ القرآن الأساسية في الجرائم وما يقابلها من العقوبات:

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ

(من سورة النحل)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ

(من سورة البقرة)

مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا

(من سورة المائدة)

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللهِ ۗ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

(من سورة المائدة)

والمفسرون نصوا على أحكام الدية، فإذا وقع القتل عمدًا كان القصاص جزاء القاتل، ما لم يَقْبَل أهل القتيل الدية.

وإذا وقع القتل خطأ كانت الدية مائة جَمَل، ولا تُرَدُّ الدية، ويختلف التعويض في حالة الجروح باختلاف أهمِيَّتها.

وأهل القاتل أو أفراد أسرته هم الذين يؤدون الدية، وإذا كان القاتل مجهولًا دفعتها الزُّمرة التي ينتسب القاتل إليها، ومن هنا تُبصِر مقدار التضامن بين عرب الأسرة الواحدة أو الزمرة الواحدة.

fig181
شكل ٣-٤: قفل عربي.

وجرائم القتل والجَرْح وحدها هي التي يُمكن العِوَضُ منها كما جاء في القرآن وفي أكثر الشرائع القديمة، وأما العقوبات التي تُفرَض على السارقين وقُطَّاع الطرق فمتنوعةٌ، فتُقْطَع يد السارق اليُمنى في المرة الأولى مثلًا، ثم تُقطع رجلُه اليسرى في المرة الثانية، والحبسُ أو البتر أو القتل جزاء قُطَّاع الطرق، والرَّجم جزاء الزُّناة والزَّوَاني من الأزواج على أن يَثْبُت الزنا بشهادة أربعة شهود أو بإقرار المذنب، والحد الذي يقام على شارب الخمر، أو الذي كان يُقام عليه فيما مضى، أربعون جَلْدَةٍ.

وأحكام الحقوق المدنية كثيرة إلى الغاية في كتب الفقه التي ألمعنا إليها آنفًا، وما نذكره عن حقوق التملك والميراث … إلخ، يَكْفي لتَنَوُّر أقسامها المهمة.

ليس في القرآن غيرُ الإجمال لحقِّ التملك، ولكن المفسرين أحسنوا ترتيبه.

وبالغ العرب في احترام حق التملك، حتى ما كان منه خاصًّا بالمغلوبين، ومن ذلك أن الأراضي التي أُخذت من المغلوبين بالفتح أعيدت إليهم على أن يؤدوا خَرَاجًا قلما يزيد على خُمْس محصولاتها.

ويؤدي إحياء الموات عند العرب إلى حق التملك، فالعرب يَرَون أن إحياء المَوَات يتضمَّن منح الأرض قيمة، ومن ثَمَّ يتضمن حقًّا لتملكها.

وأكثر المفسرين من غير القائلين بمبدأ مرور الزمن، وحق الادعاء عندهم لا يسقط بمرور الزمن، ومع ذلك فإن من أحكام المذهب المالكي أن مدة مرور الزمن عشرُ سنين بين الغرباء وأربعون سنةً بين الأقارب.

fig182
شكل ٣-٥: صندوق للسلطان قلاوون (من تصوير پريس الأفيني).

ولا يستطيع الأجنبي أن يتملك أرضًا أو يشتري عبدًا في دار الإسلام، ولكن كلمة الأجنبي لا تشتمل على غير الكافرين، أي ليس المسلمون أجانب في نظر بعضهم إلى بعضٍ مهما اختلفت الشعوب التي ينتسبون إليها، ولا فرق في دار الإسلام بين الصيني المسلم والعربي المسلم في التمتع بجميع الحقوق، وبهذا تختلف الحقوق الإسلامية عن الحقوق الأوربية اختلافًا أساسيًّا.

وتعد مبادئ المواريث التي نَصَّ عليها القرآن بالغة العدل والإنصاف، ويمكن القارئ أن يدرك هذا من الآيات التي أنقلها منه، ولم يُبْصَر في القرآن جميع الأحوال التي عالجها المفسرون فيما بعد وإن أشير فيه بدرجة الكفاية إلى روحها العامة، ويظهر من مقابلتي بينها وبين الحقوق الفرنسية والإنكليزية أن الشريعة الإسلامية مَنَحَت الزوجات، اللائي يُزعَم أن المسلمين لا يعاشرونهن بالمعروف، حقوقًا في المواريث لا تَجِدُ مثلَها في قوانيننا.

جاء في القرآن:
لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا١
(من سورة البقرة)
يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ ۗ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ٢
(من سورة النساء)
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ٣
(من سورة النساء)
fig183
شكل ٣-٦: حجر عربي منقوش (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف في القاهرة).

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ

(من سورة البقرة)

ونظام القضاء والمرافعات عند المسلمين بسيط إلى الغاية، أي أنه يقوم بالقضاء قاضٍ منفرد معيَّنٌ من قبل وليِّ الأمر، ولا تُستأنف أحكام القاضي، ويَحضر الخصوم أمام القاضي بدعوة، ويترافعون إليه مشافهة، ويَعرِضون عليه بَيِّنَاتِهم التي قد تكون قائمة على الإقرار أو الشهادة أو التحليف، فينطق بالحكم حالًا، وقد أُتيح لي في مراكش أن أشاهد إصدار هذه الأحكام المختصرة، فرأيت القاضي جالسًا في الساحة التي هي أمام قصر الوالي، والخصوم والشهود حوله جُثِيًّا موجِزين قضاياهم، وأحكامُ القاضي تُنَفَّذ فورًا حينما يكون ذلك ممكنًا كأن يأمرَ بجَلد المذنب بضع جَلَدات.

أجل، قد لا تَضْمَن تلك الطرق البسيطة العدل كما تضمنه طرقنا الأوربية المعقدة، ولكنها لا تُضِيع وقت المتقاضين الثمين على كلِّ حال، ولا تُثقلهم بالنفقات القضائية التي تُدفَع عادة في العالم المتمدن فتُخرِّب بيوتهم غالبًا.

وتكون أحكام أولئك القضاة عادلة على العموم مع بساطة تلك الطرق، فروح العدل والإنصاف ناميةٌ كثيرًا في العرب، ويرجع نموها فيهم إلى أن العدل أساس الحياة في تلك المجتمعات التي لا تزال على الفطرة، لا إلى أمر القرآن وحده بالعدل على أن العدل من أحسن الفضائل.

ونختم قولنا في نظم العرب الاجتماعية بأن نذكر أن العرب يتَّصفون بروح المساواة المطلقة وَفقًا لنُظُمهم السياسية، وأن مبدأ المساواة الذي أُعلن في أوربة قولًا، لا فعلًا، راسخ في طبائع الشرق رسوخًا تامًّا، وأنه لا عهد للمسلمين بتلك الطبقات الاجتماعية التي أدى وجودها إلى أعنف الثورات في الغرب ولا يزال يؤدِّي، وأنه ليس من الصعب أن ترى في الشرق خادمًا زوجًا لابنة سيده، وأن ترى أُجراء منهم قد أصبحوا من الأعيان.

والكتَّاب الأوربيون الذين بحثوا عن بعدٍ في شؤون أولئك الأقوام، وهم الذين لا يعلم الأوربيون من أمورهم سوى القليل، يستخِفُّون بتلك النظم، ويقولون إنها أدنى من نظمِنا كثيرًا، ويتمنون قُرب الوقت الذي تستولي فيه أوربة الطامعة على تلك البقاع.

وغير ذلك ما يبديه الباحثون المحققون، وإليك، مثلًا، ما جاء في كتاب ثمين وضعه العالِم المتدين مسيو لُوپْلِه الذي هو ممن أجادوا درس أمور الشرق:

صان المسلمون أنفسهم حتى الآن من مثل خطايا الغرب الهائلة فيما يَمَسُّ رفاهية طبقات العمال، وتراهم يحافظون بإخلاص على النظم الباهرة التي يسود بها الإسلام بين الغني والفقير والسيد والأجير على العموم، وليس من المبالغة أن يُقال، إذن: إن الشعب الذي يزعم الأوربيون أنهم يرغبون في إصلاحه هو خير مثال في ذلك الأمر الجوهري.

(٣) نظم العرب السياسية

ذكرنا في الفصل الذي خصصناه للعرب في بغداد أهم عناصر دستورهم السياسي، وقلنا: إن إدارة الحكم العربية، ولا سيما المالية والضرائب والشرطة، كانت تسير سيرًا رشيدًا، ومن المؤسف أن كانت تلك الإدارة الرشيدة تستند إلى نظم سياسية ضعيفة إلى الغاية.

ولا شيء أكثر بساطة من نظم العرب السياسية، فقد قامت على مساواة الجميع التامة تحت سيد واحد، أي تحت وكيل الله في الأرض الذي كان الصاحب الوحيد لكل سلطة مدنية ودينية وحربية، والذي لم يكن في الدولة سلطةٌ غير سلطته أو سلطة مندوبيه، ولم يعرف العرب قط نظام الإقطاع والأريستوقراطية والوظائف الوراثية.

وكان نظام العرب السياسي ديمقراطيًّا يديره سيدٌ مطلق في الحقيقة، وساد مبدأ المساواة التامة في هذا النظام، ومن ذلك ما ذكرته من حكم عمر بن الخطاب في أمر لَطْمَةِ ملك الغساسنة، الذي أسلم بعد واقعة اليرموك، لذلك العربي، فقد قضى عمر بن الخطاب أن يفتديَ ذلك الملك الغساني نفسه، وإلا أمر ذلك العربيَّ بأن يلطِمه، وقد قال عمر بن الخطاب لذلك الملك الغساني: «إن الإسلام جمعكما وسوَّى بين الملك والسُّوقة.»

وكانت خلافة الخلفاء الأولين أمرًا انتخابيًّا، ثم أصبحت الخلافة وراثية، أي صار الخلفاء يختارون من بين أبناء أسرتهم الذكور أصلحهم، وأمر مثل هذا حسنٌ لعدم استناده في منح السلطة إلى النسب وحده، ولكنه كان يؤدي إلى تنافس أولئك الأبناء وتنازعهم تنازعًا شديدًا يمكن تلافيه لو كان النسب وحده حَكمًا.

وإذ لم يكن الخلفاء قادرين على ممارسة سلطانهم في جميع أنحاء دولتهم كانوا مضطرين إلى إنابة ولاة عنهم؛ ليقوموا مقامهم في القضاء والقيادة والإدارة، وكان ينشأ عما يتمتع به هؤلاء الولاة من السلطة طَمَعُهم في الاستقلال فيَجدون فيما لديهم من السلطان المطلق وسائلَ لبلوغ ذلك، فكان على خلفاء المشرق والمغرب أن يحاربوهم على الدوام.

ولم ينشأ ضعف الخلفاء عن فِتَن الولاة الدائمة وحدها، بل هنالك علل كانت تَفُتُّ في عضد الدولة العربية أيضًا، ومن أهمها: اختلاف الشعوب التي خضعت لشريعة القرآن فيما بين مراكش والهند، فإذا كان القرآن ملائمًا لاحتياجات بعض الأمم فإنه لم يلائم احتياجات بعضها الآخر، وإذا كان السوريون واليهود والبربر والنصارى … إلخ، قد خضعوا لنظم قاهريهم حينًا من الزمن فإنهم لم يُقصِّروا في التخلص منها بعد أن رَأَوْها غير ملائمة لاحتياجاتهم بدرجة الكفاية.

fig184
شكل ٣-٧: نبراس مسجد في القاهرة.

وكانت تلك النظم السياسية سبب عظمة العرب مع ما فيها من عوامل الضعف، ولا شيء أصوبُ من جَمع محمدٍ لجميع السلطات المدنية والحربية والدينية في يد واحدة أيام كانت جزيرة العرب مجزَّأةً، ما استطعنا أن نُقَدِّر قيمة ذلك بنتائجه، فقد فتح العرب العالم في قرنٍ واحد بعد أن كانوا قبائل من شِباه البرابرة المتحاربين قبل ظهور محمد.

وقد يؤدي مثل هذه النظم إلى عظمة الأمة أو انحطاطها تبعًا للزمن، وقد أوضحت هذا التناقض الظاهر في الفصل الذي خَصَّصْته في كتابي السابق لدرس ما لاستعداد المجتمعات من التأثير المتقلب في تطورها، فبعد أن بينت فيه أن الأمم التي خضعت لشرائع ثابتة استطاعت أن تخرج من طور الهمجية ذكرتُ أن الأمم المتمدنة التي داومت على التقدم هي التي تخلصت من دائرة تلك الشرائع بالتدريج. والعرب، الذين استطاعوا بفضل محمد أن يحققوا أحد ذينك الشرطين فيخرجوا من جاهليتهم، لم يَعرفوا كيف يلائمون الشرط الثاني فدخلوا دور الانحطاط، والعرب، بعد أن جاءهم رجل عظيم جمع كلمتهم المتفرقة بشريعته، لم يظهر منهم رجلٌ عظيمٌ آخر ليخرجهم من دائرة تلك الشريعة.

وعاد القرآن، الذي لاءم مشاعر الأمة العربية واحتياجاتها أيام محمد ملاءمةً تامة، غير ما كان عليه بعد بضعة قرون، ولو كان القرآن دستورًا دينيًّا فقط ما كان هنالك كبير محذور، ولكن القرآن إذ كان دستورًا سياسيًّا ومدنيًّا أيضًا، وكان بطبيعته ثابتًا، بدت عدم المطابقة بينه وبين الاحتياجات الدائمة التحول والأمم ونُظُمِها الثابتة، وحالت هذه النظم دون تقدم تلك الأمم التي قُيِّدت بقيود الماضي.

ويبدُو أكثر النظم المشتقة من القرآن على شيء من المرونة مع ثباتها، وإنما الذي هو ثابتٌ غيرُ مرنٍ منها هو النظام الإسلامي السياسي القائل بجمع جميع السلطات في يد سيدٍ عالٍ مطلقٍ معدودٍ وكيلَ الله في الأرض.

وإذا نظرت إلى العرب أيام سلطانهم، أو إلى مختلف الأمم التي داومت بعدهم على نشر القرآن، رأيت نظمها السياسية متجليةً في شكل مَلَكِيّ حربي وديني مطلق، وإذا كانت هذه النظم قادرةً على إقامة الدول الكبيرة بسرعة لم تَكفُل بقاءَها إلا نادرًا كما دلَّ على ذلك تاريخ العرب والمغول والترك الذين لم تتقدم دولهم العظيمة، وهي التي كان عليها أن تكافحَ المصاعب الداخلية والخارجية المتنوعة، إلا عندما كان على رأسها رجالٌ عظماء.

من أجل ذلك ترى الدول الحربية الواسعة التي تقوم بسرعة تَسْقُط بسرعة غالبًا، ويَدبُّ الانحطاط في مفاصلها عندما يَخلُفُ الرجلَ العبقريَّ الذي قبض على زمامها رجلٌ أو اثنان من ذوي العقول المتوسطة، شأن الأندلس والمشرق، فبعد أن كان عصر هارون الرشيد وابنه المأمون أنضر ما رأته دولة الخلافة في بغداد جاء دور الانحطاط حالًا.

fig185
شكل ٣-٨: شارع في طنجة (من صورة فوتوغرافية).

وكان عهد آخر الأمويين في إسپانية أقوى ما وصل إليه العرب فيها بفضل وزيره الأكبر المنصور، فلما مات هذا الوزير في أوائل القرن الحادي عشر من الميلاد سَقَطَ مُلكهم معه، وأصبح البربر سادة البلاد، وصار كلُّ والٍ ينادي بنفسه ملكًا، ثم أَفَلَ نجم العرب السياسي في إسپانية بفعل هذا الانقسام أكثرَ مما كان بفعل أعدائهم في الخارج، وبهذا أثبت لنا العرب أن النظم التي تبلغ الأمة بها أعلى درجات العظمة يمكن أن تسقط بها في هُوَّة الانحطاط، وذلك كما قلنا آنفًا.

fig186
شكل ٣-٩: سوق كبيرة في طنجة (مراكش) (من صورة فوتوغرافية).

هوامش

(١) الأولاد في فرنسة، ذكورًا كانوا أو إناثًا، يرثون جميع ما يتركه الوالدان.
(٢) حصة البنت الإرثية في فرنسة مساوية لحصة الابن الإرثية. ولا يرث الأبوان شيئًا في فرنسة ما وجد للمورث أولاد أو ذرية آخرون، والأم في إنكلترا ترث كل شيء وتقاسمها زوجته التركة. والأصول في فرنسة متساوون في الميراث، ذكورًا كانوا أو إناثًا. وحصة الأم في تركة الابن في فرنسة هي الربع إن كان له إخوة، ويقتسم هؤلاء الإخوة بقية التركة، فإذا كان للمورث أبوان كان لكل منهما ربع التركة وكان نصفها للأخوة. ولا يرث الأزواج في فرنسة إلا عند عدم وجود من لهم حق الميراث، ويأخذون في إنكلترا، بالعكس، جميع التركة. ولا ترث الزوجات في فرنسة أزواجهن إلا عند عدم وجود من لهم حق الميراث، ويأخذون في إنكلترا نصف التركة إن لم يكن لهم ورثة آخرون، ويأخذ بيت المال بقية التركة، وإذا كان للزوج المتوفى زوجة وأولاد أخذت الزوجة ثلث التركة وأخذ الأولاد أو الحفدة بقيتها.
(٣) يكون للأخوة أو الأخوات في فرنسة، كما في إنكلترا جميع التركة عند عدم وجود وارث من الأصول أو الفروع، وإذا مات الولد عن أب أو أم وإخوة أو أخوات تقاسموا في فرنسة التركة على النسبة المذكورة آنفًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤