حرف الحاء

الحارثية ابنة زيد

هي بنت زيد بن بدر العرائي والغداني، وكانت من النساء المشهورات بالحماس والافتخار، ولها أشعار مقبولة حسنة، ومراثٍ بديعة منها ما قالته:

صلى الإله على قبرٍ وطهَّره
عند الثويَّة تسفي فوقه المور
زفت إليه قريش نعش سيدها
فثَمَّ كل التقى والبر مقبور
أبا المغيرة والدنيا مغيرة
وإن من غرت الدنيا لمغرور
قد كان عندك للمعروف معرفة
وكان عندك للتنكير تنكير
لم يعرف الناس مُذْ كفنت سيدهم
ولم يجل ظلامًا عنهم نور
لو خلد الخير والإسلام ذا قدم
إذا لخلدك الإسلام والخير
قد كنت تخشى وتعطي المال من سعة
إن كان بيتك أضحى وهو مهجور
والناس بعدك قد خفت حُلُومهم
كأنما نفخت فيها الأعاصير

حبابة جارية يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموي

هي مولدة مدنية، كانت صبيحة الوجه، مليحة النادرة، لطيفة المحاضرة، خفيفة الروح، غردة الصوت، شجية الغناء، ضاربة بالعود. أخذت أصواتها عن ابن سريج وابن محرز ومالك، وكان يزيد مغرمًا بالنساء، شديد الكلف بهن، فهام بها ولا هيام قيس بليلى، وعلقها ولا علوق أبي نواس بجنان، فتهتك وخلع عذاره، وانقطع إليها ليله ونهاره، تاركًا بين أيديها أزمة دينه ودنياه، فكانت تعزل من تشاء وتولي من تشاء، وتحول بينه وبين الصوم والصلاة، حتى اشتهر أمره وساء ذكره.

ولوقائعه معها فكاهات ونوادر تركناها لكثرة تداولها بين الناس. قيل: إنه نزل معها يومًا ببيت رأس — وهي قرية من قرى الشام — فقال: زعم السلف أن الدهر لا يصفو لأحد يومًا كاملًا، وماذا عليَّ لو غادرت كلامهم نجمًا آفلًا، ثم قال لغلامه: ويحك، لا تمكن أحدًا من الوقوف ببابي، ولا تدع إنسانًا يخرق حجابي، ثم خلا بحبابة وما برح معها في لهو وطرب، وهزل ولعب، حتى استقام قسطاس النهار، فدعا بطبقٍ رمان كأنه شعلة نار، أو ياقوت تحته بلار، أو حب آس غاص بالجلنار، فشرقت حبابة بحبة منه ذهبت بروحها إلى عالم العدم، فصاح يزيد صيحة الألم، وطارت نفسه بأثرها شعاعًا، وطفق يعض أنامله جزعًا والتياعًا، وما فتئ يقبلها وينوح وهو على مثل شوك القتاد، حتى سطع ريحها وأدركها الفساد، فأودعوها الثرى حتف أنفه وهو يدمي بثناياه باطن كفه، وما زال يذري بعدها العبرات، ويردد الأنين والحسرات، حتى نزلت به منيته بعد أسبوعين وهو معانق ضريحها، فدُفن حذاءها ولسان حاله يقول:

أموت على إثر الحبيبة ظاعنًا
ليجتمع الروحان في عالم الخلدِ

وكان ذلك في سنة ١٠٥ للهجرة. ومن شعره فيها:

أبلغ حبابة أسقى ربعها المطر
ما للفؤاد سوى ذكراكم وطر
إن سار صحبي لم أملك تذكرهم
أو عرَّسوا فهموم النفس والسهر

ومن شعرها له:

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى
فكن حجرًا من يابس الصخر جلمدا
فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي
وإن لام فيه ذو الشنان وفنَّدا

وكان سبب شراء حبابة أن يزيد قد حج أيام أخيه سليمان، فاشترى حبابة بأربعة آلاف دينار، وكان اسمها عالية. وقال سليمان: لقد هممت أن أحجر على يزيد، فردَّها يزيد فاشتراها رجل من أهل مصر، فلما أفضت الخلافة إلى يزيد قالت له امرأته سعدة: هل بقي من الدنيا شيء تتمناه؟ قال: حبابة، فأرسلت فاشترتها، ثم صيغتها وألبستها وأتت بها يزيد، فأجلستها من وراء الستر وقالت: يا أمير المؤمنين، هل بقي من الدنيا شيء تتمناه؟ قال: قد أعلَمتُك، فرفعت الستر وقالت: هذه حبابة، وقامت وتركتها عنده، فحظيت سعدة عنده وأكرمها، وسعدة هذه بنت عبد الله بن عمر بن عثمان. قيل: وغنت حبابة يومًا:

وبين التراقي واللهاة حرارة
وما ظمئت ماء يسوغ فتبردا

فأهوى ليطير فقالت: يا أمير المؤمنين، إن لنا فيك حاجة، فقال: والله لأطيرنَّ، فقالت: على مَن تخلف الأمة والملك؟ قال: عليك والله، ثم قبَّل يدها. فخرج بعض خدمه وهو يقول: سخنت عينك فما أسخفك!

حبيبة هانم بنت علي باشا الهرسكي

من أديبات الأستانة وشاعرات هذا العصر. ولدت سنة ١٢٦٢ هجرية في مدينة «هرسك»، وهي نادرة زمانها. حازت من الفصاحة والآداب الجزء الأعظم، ولها أشعار رائقة، ومعانٍ فائقة، ومن بديع شعرها ما وجَدتُه في كتاب مشاهير النساء لمحمد أفندي ذهني باللغة التركية فأدرجته بحروفه:

جكردة تبغ غمزه ك زخمى واركن آثمه بيكانك
تيراى فاشي باي أرتق تيرد بريميه من كانك
نكاه مسنكه جاناكة شابان كوردك اغيارى
بنه نوباره لرآچدي درونه تبغ هجرانك
أو غافل بل خبر نادان عدو به همدم أولمشين
وصالكدن يزي دورايلدك واراولسون احانك
اميدمرحمت قلمق عبثدرسندن اي كافر
سني بي ذين ديمشلردي ازلدن بوقدر آيمانك
حبيبه يى دوادرددن خلاص أولمقده مشكدر
اميدا يتمز اسيردرد أولانلر غيرى درمانك

حبوس ابنة الأمير بشير بن محمد الشهابي

ابن حيدر بن سليمان بن فخر الدين بن يحيى بن مذحج بن محمد بن جمال الدين أحمد، الذي شهد وقعة «مرج دابق» بين السلطان سليم وقانصوه الغوري. ولدت سنة ١١٨٢ هجرية في الشونصات، وكانت حاذقة، سديدة الرأي، ثابتة الجنان، عالية الهمة، كريمة اليد والنفس.

تزوجت بالأمير عباس بن فخر الدين، وكانت تجالس الرجال وتقودهم بفصاحة خطابها، وكانت تعول من يلتجئ إليها وتعامله معاملة القريب والصديق، وتجاهد في إقامة الحقوق لهم، وإن لم تكن، وأما من لم يكن على غرضها فلم يجد راحة في معيشة، ولو كان صاحب حق، وما ذلك إلا لنفوذ سطوتها عند الحكام.

وفي سنة ١٢٠٨ﻫ، جعلها الأمير بشير حاكمة على مقاطعة العرب، فأدارت الحكم بفطنة لا مزيد عليها، ولما سُجن الأمير بشير وأخوه الأمير حسن والشيخ بشير جنبلاط في سجن أحمد باشا الجزار بعكا، أرسلت إلى الأمير بشير أموالًا جزيلة، وقامت بأمر عياله، وأخذت تجتهد في استمالة الناس إليه. ولما ولَّى عبد الله باشا على الجبل الأمير حسن والأمير سليمان الشهابيين؛ إذ تعهدا له بزيادة المرتب من المال على الجبل، سارت هي برفقة الأمير بشير والشيخ بشير إلى حوران، وكانت تخابرهما في شأن أحوال البلاد.

ويروى أنها حاربت العرب إذ تعدوا على دروز حوران واستظهرت عليهم، ثم رجع الأمير بشير إلى ولايته، فعادت إلى منصبها، ثم وقع الاختلاف بينها وبين الأمير بشير سنة ١٢٣٧ﻫ بعد اعتقال عبد الله باشا، وتوسط الأمير بشير أمره في مصر وعوَّده ظافرًا. وكانت متحدة مع الشيخ بشير في مقاومة الأمير بشير، فصادره الأمير بشير بعد رجوعه وأتعبه، فلما غلب الشيخ بشير سنة ١٢٤٠ﻫ توجهت إلى بشامون، فأتى الأمير بشير قاسم التهامي بأمر الأمير بشير عمر الحاكم ليصادرها في أموالها، وشدد عليها فما لبثت أن ماتت في تلك الأثناء، قيل: حتف أنفها، وقيل: بدسيسة من الأمير بشير، وكان عمرها ٥٨ سنة. ودفنت ببشامون وخلفت أولادها الأربعة؛ وهم: الأمير منصور، والأمير أحمد، والأمير حيدر، والأمير أمين. وكانت اعتنت بتربيتهم بعد موت زوجها اعتناءً تامًّا حتى نبغوا بين الأمراء الشهابيين.

حبيبة بنت مالك بن بدر

كانت ذات عقل ثاقب، وفكر صائب، يرجع إليها رؤساء قبيلتها بالرأي، ويشاورونها في مهام الأمور. وكانت بهية الطلعة، حسنة الهيئة، لها بعض أشعار رائقة، ومقالات فائقة. وكان أبوها مالك بن بدر قتل في حرب داحس والغبراء بسبب الرهان المشهور — قتله جنيدب أحد بني رواحة — فقالت ترثيه:

لله عينًا من رأى مثل مالك
عقيرة قوم إن جرى فرسان
فليتهما لم يشربا قط قطرة
وليتهما لم يرسلا لرهان
أحربه أمس الجنيدب ندرة
فأي قتيل كان في غطفان؟
إذا سجعت بالرقمتين حمامة
أو الرس فابكي أنت فارس كنعان

حبيبة بنت عبد العزى العوراء

كانت من كرماء النساء المشار إليهن في ذاك الزمان وشاعراتهن الموصوفات، ولقبت بالعوراء لكونها كانت ذات حول في عينها. ومن شعرها في ذلك قولها:

أإلى الفتى بر تلكأ ناقتي
فكسا مناسمها النجيع الأسودِ
إني ورب الراقصات إلى منى
بجنوب مكة هديهن مقلدِ
أولى على هلك الطعام ألية
أبدًا ولكني أبين وأنشدِ
وصى بها جدي وعلمني أبي
نفض الوعاء وكل زاد ينفدِ
فاحفظ يمينك لا أبا لك واحترس
لا تخرقنه فأرة أو جد جدِ

حدقة جارية الملك الناصر بن قلاون

تربت في دار الملك الناصر، وتعلمت الغناء والأدب وتدبير المنزل، وتخرجت على «مسكة» القهرمانية، وتعلمت منها جميع ما يلزم للمنازل الملوكية من التدبير، ولما توفيت «مسكة» تولت وظيفتها، وقامت مقامها، وصارت قهرمانة البيت السلطاني، وصاروا يرجعون إليها في الأمور المتعلقة بالأعراس والمهمات وتربية الأولاد. وعمرت زيادة عن «مسكة»، وبذلك صار لها حظوة عند السلطان وحريمه، مسموعة الكلمة منهما، ومن كثرة إحسانها وبرها تقاطر عليها المحتاجون لقضاء حوائجهم، سواء كان عند السلطان أو حرمه أو عندها، وهي لا ترد طالبًا، ولا ترجع أحدًا خائبًا.

وتقدمت لها هدايا كثيرة من الأمراء والأعيان، وكل منهم كان يتمنى رضاها، وقد بنت جملة بنايات خيرية أوقفتها لصرف ريعها في وجوه الخير، وعلى الجامع الذي بنته بخط المريس في جانب الخليج الكبير مما يلي الغرب، بالقرب من قنطرة السد التي هي خارج مدينة مصر، وكان انتهاء هذا الجامع في ٢٠ جمادى الآخرة سنة ٧٣٧ﻫ.

ولما توفيت «حدقة» دفنت فيه، وقبرها معروف للآن، وأما الجامع فإنه تخرَّب ولم يبق غير آثاره، وهو غير مقام الشعائر الآن.

حسانة النميرية ابنة أبي الحسين الشاعر الأندلسي

كان أحسن نساء زمانها، وأفصحهن مقالًا، وأجملهن فعالًا، تأدبت وتعلمت الشعر من أبيها، فلما مات أبوها كتبت إلى الحكم أمير الأندلس — وهي إذ ذاك بكر لم تتزوج — بهذه الأبيات:

إني إليك أبا العاصي موجعة
أبا الحسين سقته الواكف الديم
قد كنت أرتع في نعماه عاكفة
فاليوم آوي إلى نعماك يا حكم
أنت الإمام الذي انقاد الأنام له
وملكته مقاليد النهى الأمم
لا شيء أخشى إذا ما كنت لي كنفًا
آوي إليه ولا يعروني العدم
لا زلت بالعزة القعساء مرتديًا
حتى تذل إليك العرب والعجم

فلما وقف الحكم على شعرها استحسنه، وأمر لها بإجراء مرتب، وكتب إلى عامله على «ألبيرة» فجهزها بأحسن جهاز.

ويحكى أنها وفدت على ابنه عبد الرحمن متشكية من عامله جابر بن لبيد، والي «ألبيرة»، وكان الحكم قد وقع لها بخط يده تحرير أملاكها، فلم يفدها، فدخلت إلى الإمام عبد الرحمن فأقامت بفنائه، وتلطفت مع بعض نسائه حتى أوصلتها إليه وهو في حال طرب وسرور، فانتسبت إليه فعرفها وعرف أباها، ثم أنشدت:

إلى ذي الندى والمجد سارت ركائبي
على شحط تصلى بنار الهواجر
ليجبر صدعي إنه خير جابر
ويمنعني من ذي المظالم جابر
فإني وأيتامي بقبضة كفه
كذي ريش أضحى في مخالب كاسر
جدير لمثلي أن يقال بسرعة
بموت أبي العاصي الذي كان ناصري
سقاه الحيا لو كان حيًّا لما اعتدى
عليَّ زمان باطشٌ بطش قادر
أيمحو الذي خطته يمناه جابر
لقد سام بالأملاك إحدى الكبائر

ولما فرغت رفعت إليه خط والده، وحكت جميع أمرها؛ فرقَّ لها، وأخذ خط أبيه فقبله ووضعه على عينه وقال: تعدى ابن لبيد طوره حتى رام نقض رأي الحكم، وحسبنا أن نسلك سبيله بعده، ونحفظ بعد موته عهده. انصرفي فقد عزلته لك، ووقع لها بمثل توقيع أبيه الحكم، فقبَّلت يده، وأمر لها بجائزة، فانصرفت وبعثت إليه بقصيدة منها:

ابن الهشامين خير الناس مأثرة
وخير منتجع يومًا لرواد
إن هز يوم الوغى أثناء صعدته
روَّى أنابيبها من صرف فرصاد
قل للإمام أيا خير الورى نسبًا
مقابلًا بين آباء وأجداد
جودت طبعي ولم ترض الظلامة لي
فهاك فضل ثناء رائح غادي
فإن أقمت ففي نعماك عاكفة
وإن رحلت فقد زودتني زادي

وبقيت على ذلك مدة حياتها وهي مغمورة بخيراتها، ومشهورة بالجود والكرم والأدب والحكم.

حفصة ابنة حمدون

كانت فاضلة، رَوضُ فضلِها أريج، وحدائق معلوماتها وأدبها بهيج، وشاعرة رقَّت وكثر اختراعها للمعاني وإبداعها، تسترق القلوب بألفاظها الزاهرة، وتسكر العقول بمعانيها الساحرة. تنظم فتأتي بكل عجيبة، وتشنف الأسماع بكل غريبة، وتنثر فتفتض أبكار الدقائق بنظرها الثاقب، وتجلي غياهب المشكلات بفكرها الصائب. هي من وادي الحجارة بالأندلس، وهي من أهل المائة الرابعة، ومن شعرها:

رأى ابن جميل أن يرى الدهر مجملًا
فكل الورى قد عمَّهم صيب نعمته
له خلق كالخمر بعد امتزاجها
وحسن فم أحلاه من حين خلفته
بوجه كمثل الشمس يدعو ببشره
عيونًا ويعشيها بإفراط هيبته

ولها أيضًا:

لي حبيب لا ينثني بعتاب
وإذا ما تركته زاد تيهًا
قال لي: هل رأيت من شبيه؟
قلت أيضًا: وهل ترى لي شبيهًا؟

ولها تذم عبيدها:

يا رب إني من عبيدي على
جمر الغضا ما فيهم من نجيب
إما جهول أبله متعب
أو فطن من كبره لا يجيب

ومن قولها أيضًا:

يا وحشتي يا وحشتي
يا وحشة متماديه
يا ليلة ودَّعته
يا ليلة هي ما هيه

حفصة ابنة الحجاج الركونية

كانت أديبة في زمانها، وأبلغ شعراء أوانها شعرًا، وأدقهم نظرًا. شعرها جيد ذو رونق فائق، وديباجة حسنة، وكان لها اليد الطولى في سبك المعاني واستعمال الألفاظ الشائقة. ولم يكن شعرها مع جودته مقصورًا على أسلوب واحد، بل كانت تتفنن فيه، وتدخل في أساليب مختلفة. وكانت غزيرة المادة من الأدب مطلعة على شعر العرب الخُلَّص وغيرهم، وكانت تكتب الخط الجيد. وهي من أذكياء العرب المشهود لهم بالتفوق والبراعة. قرأت في مبدأ أمرها كثيرًا، وحفظت كثيرًا، ولما كبرت وشبت ظهر لها جمال بارع كانت تبهر العقول به، وكانت حسيبة نسيبة، غنية ذات مال وافر، هَوِيَها جملة من أجلاء عصرها وأدباء زمانها، ولم تلتفت لأحد منهم سوى أبي جعفر بن سعيد، وكانت معه على عفة زائدة، وقالت يومًا ارتجالًا بين يدي أمير المؤمنين عبد المؤمن:

يا سيد الناس يا من
يؤمل الناس رفده
أمنن علي بطرس
يكون للدهر عدَّه
تخط يمناك فيه
الحمد لله وحده

وأشارت بذلك إلى العلامة السلطانية عند الموحدين؛ فإنها كانت بكتب السلطان بيده بخط غليظ في رأس المنشور الحمد لله وحده. ومن قولها أيضًا في الغزل:

ثنائي على تلك الثنايا لأنني
أقول على علم وأنطق عن خبر
وأنصفها لا أكذب الله إنني
رشفت بها ريقًا أرق من الخمر

وولع بها السيد أبو سعيد عبد المؤمن، ملك غرناطة، وتغير بسببها على أبي جعفر بن سعيد حتى أدى تغيُّره عليه أن قتله. وطلب أبو جعفر منها الاجتماع فمطلته قدر شهرين، فكتب إليها:

يا من أجانب ذكر اسـ
ـمه وحسبي علامه
ما إن رأى الوعد يقضى
والعمر أخشى انصرامه
اليوم أرجوك لا أن
يكون لي في القيامه
لو قد بصرت بحالي
والليل أرخى ظلامه
أنوح شوقًا ووجدًا
إذ تستريح الحمامه
صب أطال هواه
على الحبيب غرامه
لمن يتيه عليه
ولا يرد سلامه
إذ لم تنيلي أريحي
فاليأس يثني زمامه

فأجابته تقول:

يا مدَّعي في هوى الحُسـ
ـن والغرام الإمامه
أتى قريضك لكن
لم أرض منه نظامه
أمدعي الحب يثني
يأس الحبيب زمامه؟
ضللت كل ضلال
ولم تفدك الزعامه
ما زلت تصحب مذ كنـ
ـت في السباق السلامه
حتى عثرت وأخجلـ
ـت بافتضاح السآمه
بالله في كل وقت
يبدي السحاب انسجامه
والزهر في كل حين
يشق عنه كمامه
لو كنت تعرف عذري
كففت غرب الملامه

ووجهت هذه الأبيات مع موصل أبياته بعدما لعنته وسبته وقالت له: لعن الله المرسل والمرسول، فما في جميعكما خير، ولا برؤيتكما حاجة، وانصرف بغاية من الخذلان، ولما أطال على أبي جعفر وهو قلق لانتظاره قال له: ما وراءك يا عصام؟ قال: ما يكون وراء من وجهه خلق إلى فاعلة تاركة. اقرأ الأبيات تعلم، فلما قرأ الأبيات قال للرسول: ما أسخف عقلك وأجهلك! إنها وعدتني للقبة التي في «جنت» المعروفة بالكمامة. سِرْ بنا، فبادرا إلى الكمامة، فما كان إلا قليل وإذا بها قد وصلت، وأراد عتبها فأنشدت:

دعي عدَّ الذنوب إذا التقينا
تعالي لا نعدُّ ولا تعدي

وجلسا على أحسن حالة، وإذا برقعة الكندي الشاعر لأبي جعفر وفيها:

أبا جعفر يا ابن الكرام الأماجد
كتوم عليم باختفاء المراصد
يبيت إذا يخلو المحب بحبه
ممتع لذات بخمس ولائد

فقرأها على حفصة فقالت: لعنه الله؛ قد سمعنا بالوارش على الطعام، والواغل على الشراب، ولم نسمع اسمًا لمن يعلم باجتماع مُحبَّين فيروم الدخول عليهما، فقال لها: بالله سمِّيه لنكتب له بذلك، فقالت: أُسمِّيه الحائل؛ لأنه يحول بيني وبينك إن وقَعتْ عيني عليه، فكتب له في ظهر رقعته:

يا من إذا ما أتاني
جعلته نصب عيني
نراك ترضى جلوسًا
بين الحبيب وبيني
إن كان ذاك فماذا
تبغي سوى قرب حيني
والآن قد حصلت لي
بعد المطال بدين
فإن أتيت فدفعًا
منها بكلتا اليدين
أوَليس تبغي وحاشا
ك أن ترى طير بيني
وفي حنينك في الخمـ
ـر كل قبح وشين
فليس حقك إلا
الخلو بالقمرين

وكتب له تحت ذلك ما كان منهما من الكلام، وذيل ذلك بقوله:

سماك من أهواه حائل
إن كنت بعد العتب واصل
مع أن لونك مزعج
لو كنت تحبس بالسلاسل

فلما رجع إليه الرسول وجده قد وقع بمتمورة النجاسة وصار هتكة، فلما قرأ الأبيات قال للرسول: ارجع وأعلمهما بحالي، فرجع الرسول وأخبرهما بذلك، فكاد أن يغشى عليهما من الضحك، وكتبا إليه ارتجالًا كل واحد بيتًا، وابتدأ أبو جعفر فقال:

قل للذي خلصنا
من الوقوع في الخرا
ارجع كما شاء الخرا
ابن الخرا إلى ورا
وإن تعد يومًا إلى
وصالنا سوى ترى
يا أسقط الناس ويا
أنذلهم بلا مرا
هذا مدى الدهر تلا
قي لو أتيت في الكرا
يا لحية تشق في الـ
ـمخرا وتنشا العنبرا
لا قرب الله اجتما
عًا بك حتى تقبرا

فلما وصلته الرقعة علم أنه ليس مقبولًا لديهما، فانصرف من حيث أتى، وبقيا يومهما ينتهبان اللذات، ويتعاطيان المسرات بدون ريبة تقع من أحدهما حتى آن أوان الانصراف، فانصرفا وكل منهما له نحو صاحبه انعطاف. ومن شعرها:

سلام يفتح في زهرة الـ
ـكمام وينطق ورق الغصون
على نازح قد ثوى في الحشا
وإن كان تحرم منه الجفون
فلا تحسبوا العبد ينساكم
فذلك والله ما لا يكون

وقولها من أبيات:

ولو لم يكن نجمًا لما كان ناظري
وقد غبت عنه مظلمًا بعد نوره
سلام على تلك المحاسن من شَجٍ
تناءت بنُعماه وطيب سروره

وقولها:

سلوا البارق الخفَّاق والليل ساكن
أظل بأحبابي يذكرني وَهْنَا
لعمري لقد أهدى لقلبي خفقة
وأمطرني منهل عارضه الجفنا

ونُسب إليها البيتان المشهوران:

أغار عليك من عيني ومُنِّي
ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني خَبأتُك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني

وكتبت إلى أبي جعفر:

رأست فما زال العداة بظلمهم
وجهلهم النامي يقولون: لم رأس؟
وهل منكر أن ساد أهل زمانه
جَموحٌ إلى العليا حَرونٌ عن الدَّنس؟

وقال ابن رحبة: حفصة من أشراف غرناطة، رخيمة الشعر، رقيقة النظم والنثر. ومن قولها في السيد أبي سعيد، ملك غرناطة، تُهنِّئه بيوم عيد وكتبتْ بذلك إليه:

يا ذا العلا وابن الخليـ
ـفة والإمام المرتضى
يهنيك عيد قد جرى
فيه بما تهوى القضا
وأتاك من تهواه في
قيد الإنابة والرضا
ليعيد من لذاته
ما قد تصرَّم وانقضى

وسألتها امرأة من أعيان غرناطة أن تكتب لها شيئًا بخطها، فكتبت إليها:

يا ربة الحسن بل يا ربة الكرم
غضي جفونك عما خطه قلمي
تَصفَّحيه بلحظ الودِّ مُنْعمة
لا تحفلي برديء الخط والكلم

واتفق أنه بات أبو جعفر معها في بستان بحوز مؤمل على ما يبيت به الروض النسيم من طيب النفحة والنضارة، فلما حان الانفصال قال أبو جعفر — وكان يهواها كما سبق:

رعى الله ليلًا لم يرح بمذمم
عشية وارانا بحوز مؤمل
وقد خفقت من نحو نجد أريجة
إذا نفحت هبت بريا القرنفل
وغرَّد قمري على الدوح وانثنى
قضيب من الريحان من فوق جدول
يرى الروض مسرورًا بما قد بدا له
عناق وضم وارتشاف مقبل

وكتب بها إليها بعد الافتراق لتجيبه على عادتها بمثل ذلك، فكتبت إليه قولها:

لعَمْرُك ما سُرَّ الرياضُ بوصلنا
ولكنه أبدى لنا الغل والحسد
ولا صفق النهر ارتياحًا لقربنا
ولا غرَّد القمري إلا لمَّا وجَد
فلا تحسن الظن الذي أنت أهله
فما هو في كل المواطن بالرشد
فما خلت هذا الأُفْق أبدَى نُجومَه
بأمر سوى كيما يكون لنا رصد

وكتبت حفصة إلى بعض أصحابها:

أزورك أم تزور فإن قلبي
إلى ما تشتهي أبدًا يميل؟
فثغري مورد عذب زلال
وفرع ذوائبي ظل ظليل
وقد أمَّلت أن تظما وتضحى
إذا وافى إليك بي المقيل
فعجِّل بالجواب فما جميل
إباؤك عن بثينة يا جميل

وقال أبو جعفر بن سعيد: أقسم ما رأيت ولا سمعت بمثل حفصة، ومن بعض ما أجعله دليلًا على تصديق عزمي، وبر قسمي، أني كنت يومًا في منزلي مع من أحب أن أخلو معه من الأجواد الكرام على راحةٍ سمحت بها غفلات الأيام، فلم أشعر إلا بالباب يضرب، فخرجت جارية تنظر من الضارب، فوجدت امرأة، فقالت لها: ما تريدين؟ قالت: ادفعي لسيدك هذه الرقعة، فجاءت برقعة فيها:

زائر قد أتى بجيد الغزال
مطلع تحت جنحه للهلال
بلحاظ من سحر بابل صيغت
ورضاب يفوق بنت الدوالي
يفضح الورد ما حوى منه خدٌّ
وكذا الثغر فاضح للآلي
ما ترى في دخوله بعد إذن
أو تراه لعارض في انفصال

قال: فعلمت أنها حفصة، وقمت مبادرًا للباب، وقابلتها بما يُقابَل به من يشفع له حسنه وآدابه والغرامُ به، وتفضُّلُه بزيارةٍ مِن دون طلبٍ في وقت الرغبة في الأنس به، وفضلنا ليلة لم يسمح لنا بمثلها الزمان، ولا لقيصر ولا لكسرى أنوشروان. وبقيت حفصة محافظة على وداد أبي جعفر إلى أن نكب وقتل، وقد رثته بمراثٍ كثيرة لم يُر مثلها، ولكون قتْلِ أبي سعيد كان من أجلها لم تتمكن من نشرها، وبقيت بعده مدة طويلة وهي حزينة عليه لا تلتفت إلى المسرات، ولا تألف الاجتماعات، حتى دعاها داعي المنون فلبَّت وهي ذات شجون.

حليمة الحضرية

كانت من نساء بني عبس الموصوفات بالعقل والحكمة، ولها شعر رائق، وروى لها الزبير بن بكار من أبيات رثاء في زوجها:

يقرُّ لعيني أن أرى لمكانه
ذرى عقدات الأجرع المتفاود
وأن أرد الماء الذي شربت به
سليمى وإن مل السرى كل واحد
وألصق أحشائي ببرد ترابه
وإن كان مخلوطًا بسم الأساود
لقد كنت أخشى لو تمليت خشيتي
عليك الليالي مرها وانفتالها
فأما وقد أصبحت في قبضة الردى
فشأن المنايا فلتُصِبْ مَن بدا لها

حمدونية بنت عيسى بن موسى

كانت ذات حسن وجمال، وصيانة وأدب، حجت إلى بيت الله الحرام في زمن المتوكل العباسي.

قال محمد بن صالح العلوي: لما خرجنا على المتوكل أخذت أنا وأصحابي قافلة الحاج، فجمعنا أموالًا ومتاعًا لا يُحصَى، وكنتُ قد جلستُ على كرسي في بعض المراحل وقت نزولنا وأصحابي يجمعون المال، وإذا أنا بامرأة قد رفعت سجاف هودج فأضاء منها المكان ولا إضاءة الشمس، فقالت: أين الشريف صاحب السرية، فلي إليه حاجة؟ قلت: إنه يسمع كلامك، فقالت: أنا حمدونية بنت عيسى بن موسى، تعلم مكاننا عند الخليفة، وأنا أسألك أن تأخذ مني ثلاثين ألف دينار، مع أني أعطيتك ما في يدك، ولكن أسألك بفضلك أن لا يكشف لي أحد وجهًا، فناديتُ أصحابي، فلما اجتمعوا قلتُ: من أخذ منكم من هذه القافلة عقالًا أَذِنْته بحرب. فردُّوا حتى الأطعمة، وخفَرتهم إلى المأمن، فلما ظفر بي الخليفة وحبسني ﺑ «سر من رأى» دخل عليَّ السجان يومًا وقال: إن بالباب امرأتين من أهلك تريدان الدخول عليك، ولولا أن دفعتا إليَّ دملج ذهب ما أذنت لهما؛ فقد منع الخليفة أن يدخل عليك أحد، فخرجت فإذا أنا بها مع امرأة وجارية تحمل شيئًا.

فلما بصرت بي قالت: أي والله هو، وبكت لما أنا فيه، ثم قبَّلت قدمي وقالت: لو استطعت أن أقيك بنفسي لفعلتُ، ولكني لا أقصر في خلاصك، ودونك هذه النفقة ورسولي يأتيك في كل يوم بما تريد حتى يفرج الله عنك، ودفعت إليَّ خمسمائة دينار وثيابًا وطيبًا وطعامًا، وانصرفت وقد أضرمت بقلبي نارًا قدحتها النظرة الأولى، فأنشدت:

طرب الفؤاد وعاودت أحزانه
وتشعبت بشعابه أشجانه
وبدا له من بعدما اندمل الهوى
برقٌ تألق موهنًا لمعانه
يبدو كحاشية الرداء ودونه
صعب الذرى متمنعًا أركانه
يبدو فينظر أين لاح فلم يطق
نظرًا إليه وصده سبحانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه
والماء ما سحت به أجفانه
يا قلب لا يذهب بحلمك باخل
بالنَّيْل باذلُ تافهٍ منَّانه
واقنع بما قسم الإله فأمره
ما لا يزال على الفتى إتيانه
والبؤس ماضٍ لا يدوم كما مضى
عصر النعيم وزال عنك أوانه

ولم يزل رسولها يعاودني بالإحسان وملاطفة السجان إلى أن خرجت وعظم أمري عند الخليفة، فخطبتُها، فامتنع أبوها، فكان سجن هواها أعظم عليَّ من السجن، فلم أر إلا أن أتيت إبراهيم بن المقتدر فأخبرته بذلك، وكان أبوها في ضيعته، فركب إليه، فلم يفارقه حتى زوَّجني بها، وبقينا متمتعين بنعيم عيشنا إلى أن توفيت، وأصابني بعدها الحزن والشجون، ولابن صالح فيها أشعار كثيرة لم تصل إليَّ معرفتها.

حمدة بنت زياد

من وادي أشن بالأندلس، وهي خنساء المغرب وشاعرة الأندلس، أديبة زمانها، وغريبة أوانها. كان الأدب نقطة من حوضها، وزهرة من روضها، لها المنطق الذي يقوم شاهدًا بفضل لسان العرب، ويفتح على البلغاء أبواب العجز، ويسد عليهم صدور الخطب، فإن أوجزت أعجزت بالمقال، وإن أطالت كاثرت الغيث الهطال، مع مطارحة تذهب في الاستفادة مذهب الحكم، وأخلاق تحدِّث عن لطف الزهر غب الديم، مرمى الترنم بذكرها المتعطر بنشر حمدها وشكرها، والنسيم نمَّ بمرآها على الحدائق، والصبح يشرق بنور الشمس الشارق.

روت عن العلماء الأفاضل ورووا عنها، ومنهم: العالم العلامة، البحر الحبر الفهامة، أبو القاسم بن البراق. ومن عجيب شعرها البديع قولها:

ولما أبى الواشون إلا افتراقنا
وما لهم عندي وعندك من ثار
وشنوا على أسماعنا كل غارة
وقل حُماتي عند ذاك وأنصاري
غزوتهم من مقلتيك وأدمعي
ومن نفسي بالسيف والسيل والنار

والبعض يزعم أن هذه الأبيات لبهجة بنت عبد الرزاق، ولكنها لحمدة أثبت وأشهر — والله أعلم.

وخرجت حمدة مرة للوادي مع حبيبة لها، فرأت الأزهار في جوانبه تتلألأ كأنها نجوم تساقطت من كبد السماء، والماء في النهر يتماوج كأنه قطع من لجين ترمقه عيون ذكاء، فأعجبها ذلك المنظر البهج، وأحبت أن تخوض بذلك النهر إتمامًا لترويح النفس، خصوصًا لخلوه من الناس، فنضَّت عنها الثياب وعامت، ثم قالت:

أباح الدمع أسراري بِوادٍ
له للحسن آثار بَوادٍ
فمن نهر يطوف بكل أرض
ومن روض يروق بكل وادٍ
ومن بين الظباء مهاة أنس
سبت لي وقد ملكت فؤادي
لها لحظ ترقده لأمر
وذاك الأمر يمنعني رقادي
إذا سدلت ذوائبها عليها
رأيت البدر في أفق السواد
كأن الصبح مات له شقيق
فمن حزن تسربل بالحداد

وقولها هذه الأبيات الشهيرة بالبلاد المشرقية، وهي:

وقانا لفحة الرمضاء واد
سقاه مضاعف الغيث العميم
حللنا دَوْحَه فحَنَا علينا
حُنوَّ المرضعات على الفطيم
وأرشفنا على ظمأ زلالًا
ألذ من المدامة للنديم
يصد الشمس أنَّى واجهتنا
فيحجبها ويأذن للنسيم
يروع حصاه حالية العذارى
فتلمس جانب العقد النظيم

حميدة ابنة النعمان بن بشير

كانت من جميلات نساء العرب، وأعلمهن بفنون الأدب، وكانت في القرن الأول للهجرة رُبِّيت في حجر أبيها مع أختيها: هند وعمرة، فنشأت هي على عزِّ النفس، وصارت لا يُرى لها من قرينٍ يوافقها. ومن عزة نفسها كانت كلما تزوجت برجلٍ ورأت فيه عيبًا تهجوه بالشعر، حتى خافتْ من لسانها العربُ، ومن ذلك أن الحارث بن خالد لما قدم من المدينة على عبد الملك بن مروان — وهو إذ ذاك بدمشق والنعمان بن بشير والٍ على حمص — فخطبها الحارث من أبيها، فزوَّجه بها ولم تمكث معه غير قليل حتى أساء معاملتها، فقالت فيه:

فقدت الشيوخ وأشياعهم
وذلك من بعض أقواليه
ترى زوجة الشيخ مغمومة
وتمسي بصحبته قاليه
فلا بارك الله في عرضه
ولا في غضون إسته الباليه
نكحت المديني إذ جاءني
فيا لك من نكحة غاوية!
كهول دمشق وشبانها
أحب إلينا من الجاليه
صنانهم كصنان التيو
س أعيا على المسك والغاليه
وقمل يدب دبيب الجرا
د أعيا على الغال والغاليه

فقال الحارث يجيبها:

أسنا ضوء نار ضمرة بالقفـ
ـرة أبصرت أم سنا ضوء برق؟
قاطنات الحجون أشهى إلى قلـ
ـبي من ساكنات دور دمشق
يتضوعن لو تضمخن بالمسـ
ـك صنانًا كأنه ريح مرق

ولما استحكمت بينهما النفرة طلقها الحارث، فخلف عليها روح بن زنباع، وعليه كانت الطامة الكبرى، قال صاحب الأغاني: إن قولها: «أحب إلينا من الجاليه.» تعني الجالية: أهل الحجاز، وكان أهل الشام يُسمُّونهم بذلك؛ لأنهم كانوا يجلون عن بلادهم إلى الشام، ولما بلغ عبد الملك قولها قال: لولا أنها قدمت الكهول على الشبان لعاقبتها، قال عمر بن شبة: لما تزوجها روحُ بن زنباع نظر إليها يومًا تنظر إلى قومه بني جذام وقد اجتمعوا عنده فلامها، فقالت: وهل أرى إلا جذام، فوالله ما أحب الحلال منهم، فكيف بالحرام؟ وقالت تهجوه:

بكى الخز من روح وأنكر جلده
وعجبت عجيجًا من جذام المطارف
وقال العبا قد كنت حينًا لباسكم
وأكسية كردية وقطائف

فقال روح:

إن يبك منا يبك ممن يهنينا
وإن يهوكم يهوى اللئام المقارقا

واجتمعا يومًا بمجلس فصارت تهزأ به، وتضحك عليه، ووقعت بينهما مناظرة كان البادئ فيها هو بقوله:

أثني عليَّ بما علمت فإنني
مثنٍ عليك لبئس حشو المنطق

فقالت:

أُثني عليك بأن باعك ضيق
وبأن أصلك من جذام ملصق

فقال:

أثني عليَّ بما علمت فإنني
مثنٍ عليك بمثل ريح الجورب

فقالت:

فثناؤنا شر الثناء عليكم
أسوأ وأنتن من سلاح الثعلب

فسكت روح عند ذلك، فقالت هي:

وهل أنا إلا مهرة عربية
سليلة أفراس تحللها بغل؟
فإن أنتجت مهرًا كريمًا فبالحرا
وإن يك إقرافًا فما أنجب الفحل

فقال روح:

فما بال مهر رائع عرضت له
أتان فبالت عند جحفله البغل
إذا هو ولَّى جانبًا ربخت له
كما ربخت قمراء في دمث السهل

وقالت فيه أيضًا:

سميت روحًا وأنت الغم قد علموا
لا روَّح الله عن روح بن زنباع
لا روَّح الله عمن ليس يمنعنا
مال رغيب وبعل غير ممناع

فقال:

كبائع جونة نجل مخاصرها
دبابة شثنة الكفين خِنْباع

وقال فيها وقد دخل عليها وهي في غاية الزينة والطيب:

تكحل عينيك برد العشى
كأنك مومسة زانيه
وآية ذلك بعد الخفوق
تغلف رأسك بالغاليه
وإن بنيك لريب الزما
ن أمست رقابهم خاليه
فلو كان أوس حاضرًا
لقال لهم: إن ذا ماليه

وأوس رجل من جذام يقال: إنه استودع روحًا مالًا فلم يرده عليه، فقال روح:

إن يكن الخلع من بالكم
فليس الخلاعة من باليه
وإن كان من قد مضى مثلكم
فأُفٌّ وتُفٌّ على الماضيه
وما إن برَى الله فاستبقينـ
ـه من ذات بعل ومن جاريه
شبيهًا بك اليوم فيمن بقي
ولو كان في الأعُصر الخاليه
فبعدًا لمحياك إذ ما حييت
وبعدًا لأعظمك الباليه

وقالت له حميدة يومًا — وكان أسود ضخمًا: كيف تسود وفيك ثلاث خصال؟ أنت من جذام، وأنت جبان، وأنت غيور.

فقال: أما جذام فأنا في أرومتها، وبحسب الرجل أن يكون في أرومة قومه، وأما الجبن فإنما لي نفس واحدة، ولو كان لي نفسان لجُدْتُ بإحداهما، وأما الغيرة فهو أمر لا أحب أن أُشارَك فيه، وإن المرء لحقيقٌ بالغيرة على المرأة مثلك الحمقاء الورهاء لا يأمن أن تأتي بولد من غيره فتقدَّمه في حجره. وكان روح يتنازع معها يومًا بمثل هذه المنافسات فظهرت عليه، فلم يكن يسعه إلَّا أن قال: اللهم إن بقيت بعدي فابْتَلِها ببعلٍ يلطم وجهها، ويملأ حجرها قيئًا، فتزوجها بعده الفيض بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل، وكان شابًّا جميلًا يصيب من الشراب فأحبَّته، فكان ربما أصاب من الشراب مُسكرًا فيلطم وجهها ويقيء في حجرها، فتقول: يرحم الله أبا زرعة قد أجيبت دعوته فيَّ.

وكان السبب في زواجها فيضًا هو أنها لما خلعت من روح بن زنباع بقيت زمنًا عزبًا لا يقدم عليها أحد من أقرانها؛ نظرًا لما اشتهرت به من عزة نفسها على الرجال، وبما أن آدابها كانت مشهورة في ذلك الزمان، كان الأدباء يتمنون الاقتران بها، ويمنعهم من ذلك تسلُّط لسانها على أزواجها، إلى أن قيض الله لها فيض بن محمد بن الحكم المذكور، ولجماله وأدبه تزوجت به، ولم تعلم تهتُّكه وخلاعته، ولما اتصلت به رأت منه رجلًا بخلاف ما رأت من الرجال من سوء خلق، وزيادة تهتك، وإدمان على شرب المسكرات، حتى صار يُهينها ويلطم وجهها ويقيء في حجرها، وهناك هجرته وقلَتْه وقالت فيه الأشعار الهجائية، وأظهرت مساويه حتى صار عبرةً لغيره. ومن أشعارها فيه قولها:

سميت فيضًا وما شيء تفيض به
إلا سلاحك بين الباب والدارِ
فتلك دعوة روح الخير أعرفها
سقى الإله صداه الأوطف الساري

وقالت:

ألا يا فيض كنت أراك فيضًا
فلا فيضًا أصبت ولا فراتًا

وقالت:

وليس فيض بفياض العطاء لنا
لكن فيضًا لنا بالقيء فياض
ليث الليوث علينا باسل شرس
وفي الحروب هيوب الصدر حياض

وولدت من فيض ابنة فتزوجها الحجاج بن يوسف، وقد كان قبلها عند الحجاج أم أبان بنت النعمان بن بشير، فقالت حميدة للحجاج:

إذا تذكرت نكاح الحجاج
من النهار أو من الليل الداج
فاضت له العين بدمع ثجاج
وأشعل القلب بوجد وهاج
لو كان نعمان قتيل الأعلاج
مستوي الشخص صحيح الأوداج
لكنت منها بمكان النساج
قد كنت أرجو بعض ما يرجو الراج
أن تنكحيه ملكًا أو ذا تاج

ثم قدمت حميدة بعد ذلك على ابنتها زائرة، فقال لها الحجاج: يا حميدة، إني كنت أتحمل مزاحك مدة، وأما اليوم فإني بالعراق وهم قوم سوء فإياك، فقالت: سأكفُّ حتى أرحل. وكانت وفاة حميدة بالشام بآخر ولاية عبد الملك بن مروان.

حنة ألبرت

هي «دو ألبرت» ملكة نوارة من أعمال فرنسا. ولدت في ناحية «بو» سنة ١٥٢٨م، وتوفيت في باريس سنة ١٥٧٢م. كانت ابنة وحيدة ﻟ «هنري الثاني»، ملك نوارة، من زوجته «مرغريتا دو أنفوليم»، شقيقة «فرانسوا الأول». زُفَّت في ١٥ تموز (يوليو) سنة ١٥٤٠م ولها من العمر ١٢ سنة. تزوجها «غيليوم» دوق «كليق» و«جوليه»، وكان ذلك على غير إرادتها وإرادة أبويها، فأبطل البابا «بولس الثالث» هذا الزواج.

وسنة ١٥٤٨م، تزوجت ﺑ «أنتوان دو بوربون»، دوق «قندوم»، وجلست معه على تخت الملك في «نوارة السُّفْلى» و«بيرن» عند وفاة أبيها. وكانت مشهورة بجمالها وحذقها، واتبعت مذهب «كلفينوس». وبعد وفاة زوجها سنة ١٥٦٢م، حافظت على أملاكها ولم تبالِ بدسائس إسبانيا ورومية ووعيدهما.

وسنة ١٥٦٧م، أعلنت أن مذهب «كلفينوس» هو المذهب القانوني في مملكتها، وانضمت سنة ١٥٦٩م مع ولديها «هنري» و«كاترينا» إلى كولوني في «لاروشيل»، وكانت في رياسة فرقة من اللهو ﻟ «هوغنو»، وبعد أن قتل «برنس كوندي» كانت تعتبر سندًا وحيدًا للبروتستانت. وقد بالغ «أوبيني» وغيره من المؤلفين في مديحها بما كان لها من السطوة على الجنود ﺑ «هوغنو»، وسلمت رغمًا عنها بزواج ابنها «هنري» — هنري الرابع ملك فرنسا — ﺑ «مرغرنيا دو فالو»، وكان قد سعى في ذلك الزواج كل من «كترنياد» و«مديشي» و«شارل التاسع».

وفي تلك الأثناء دعيت إلى البلاط الفرنساوي، فتوفيت فيه، وذلك قبل حدوث مذبحة «سنت برتلي» بشهرين، وظن جماعة أن سبب موتها سمٌّ دسَّته إليها «كترنياد» و«مديشي»، والأرجح أنه أصابتها حُمَّى خبيثة قضت بها نحبها ولم تشهد زواج ابنها. وكانت كَلِفتْ بالآداب والمعارف فبرعت فيهما كثيرًا، ولها تآليف في الشعر والنثر، وطبع بالآي بعض أشعارها.

حنة أليصابات زوجة ألنبرو

ولدت نحو سنة ١٨٠٧م، وهي ابنة الأميرال «دغبي». تزوجت بأرل «ألنبرو» سنة ١٨٢٤م.

وسنة ١٨٣٠م، هجرت زوجها وهربت إلى إنكلترا مع البرنس «فلكس شورنيرغ»، وكان حينئذٍ سفيرًا للنمسا في إنكلترا، فصدر قرار من المجلس العالي الإنكليزي بطلاقها من زوجها، ولكن لم يدم لها حب عاشقها؛ لأنه تركها وشأنها بعد مدة وجيزة، غير أن المجلس العالي عين لها بقراره الصادر بطلاقها مرتبًا سنويًّا وافرًا، فصرفت عدة سنين في إيطاليا وغيرها في رغدٍ وانشراح، وتزوجت كونتًا يونانيًّا، ثم طُلِّقت، وصارت إلى الشرق فجعلت تجول فيه. قيل: وبينما كانت سائرة من تدمر إلى دمشق رافقها شيخ من البدو — اسمه مجول — مع قوم من عربه لحراستها، فأغار عليهم وهم في الطريق جماعةٌ من البدو قاصدين غزوهم، فصدَّهم مجول ببسالة لا مزيد عليها، فأحبَّته لبسالته وأمانته، وطرح نفسه في الخطر حبًّا فيها، ومدافعة عنها؛ فاتخذته زوجًا لها على طريقة البدو، وبقيت هي على مذهبها تذهب إلى الكنيسة، وهو على مذهبه يذهب إلى الجامع، ثم اشترت في دمشق بستانًا بَنَتْ فيه بيتًا ظريفًا تصرف فيه بعض السنة بعيشة حضرية.

وأما البعض الآخر فتصرفه في بيت من الشَّعْر لزوجها المذكور بين عربه بعيشةٍ مرضية. وذكر مستر «يريم» في رحلته المعنونة بما ترجمته للسكنى في الخيمة بالأرض المقدسة؛ إذ زارها سنة ١٨٥٥م. وقد طبع تلك الرحلة في «نيويورك» من أميركا سنة ١٨٥٧م، وبها تفاصيل لا محل لها هنا. ويقال: إنها كتبت سيرتها بيدها، ولا بد أن الذين وقفوا على خبرها يميلون إلى مطالعتها.

حنة إسكو خاتون

إنكليزية من «كنتيه لتلكن». أحرقت في «سمتفلد» في ١٢ تموز (يوليو) سنة ١٥٤٦م. كانت ذات عقل ثاقب، وتعلمت الكتاب المقدس، ثم انحازت إلى «البروتستانت»، وكان زوجها «كيم» من أشد الناس تمسكًا بالمذهب الكاثوليكي فطردها من بيته، فسارت إلى لندن لتطلب إلى الحكومة أن تقرر انفصالها عنه، فأجابتها الملكة «كترنيابار» وكثير من خواتين البلاط الملكي، إلا أن نكرانها حضور المسيح بالجسد في الافتخار حمل الحكومة على القبض عليها وإيداعها السجن، وذكر «برنت» أنها بعد عذاب مبرح كتبت محررًا نقضت فيه مقالها الأول، ولكن ذلك لم يُنْجها؛ لأنها حبست مرة ثانية في «بنوغات» وطلب إليها أن تشهر أسماء مكاتبيها في البلاط الملكي، فلم تفعل، مع أنها كانت تُعذَّب على مرأى من حامل أختام الدولة، ولم تستطع الوقوف بعد ذلك العذاب، فوضعت في كرسي وطرحت في النار، فكان صبرها على عذابها هذا وغيره يُذهل الناظرين إليها.

حنة ملكة بريطانيا وإيرلندا

هي آخر من جلس على عرش إنكلترا من عائلة «ستورس». ولدت سنة ١٦٦٤م مسيحية، وتوفيت سنة ١٧١٤م وهي ثاني بنت ﻟ «جمس الثاني»، دوق بورك، من امرأته الأولى حنة «هترنيا كلارنيدن» الشهيرة. وكان ولداها كاثوليكيين، وأما هي فتربت على مبادئ كنيسة إنكلترا الأسقفية، وتزوجت سنة ١٦٨٣م بالبرنس «جورج»، أخي «كرستيان الخامس» ملك الدانمارك، وجعلتها دوقة «مرلبورد»، التي كانت تحبها محبة شديدة، واتحدت مع الحزب الفائز فكفل لها ولأولادها تاج إنكلترا بأنه لم يكن ﻟ «وليم» و«ماري» عقب، فولدت ١٧ ولدًا، ولكن ماتوا في سن الطفولية، إلا أكبرهم تُوفِّي وله من العمر إحدى عشرة سنة، فلما توفي «وليم» جلست على عرش إنكلترا، وذلك سنة ١٧٠٢م.

ومع ضعف عزمها تبعت سياسة سلفها في كبح مطامع «لويس الرابع عشر»، فتجددت يوم تتويجها المعاهدة الثلاثية بين إنكلترا وهولندا وألمانيا ضد فرنسا. وأعظم الحوادث السياسية التي زينت ملك حنة هو اتحاد إنكلترا وسكوتسيا، وذلك في أيار سنة ١٧٠٧م.

وسنة ١٧١٠م، أخذت شهرة «مرلبورد» في الانحطاط بعد أن بقي ثماني سنوات في أعلى درجة من الاعتبار والحب عند الملكة والشعب والمجلس العالي، وخسرت امرأته فقوي حزب السوريين الذين كان منهم في ذلك الوقت أقدر رجال السياسة، وأحذق الكتاب، ووكل حزب الهويفر قبل سقوطه بمقاومتهم اللاهوتي «ساسيفمربل»؛ لأنه صرَّح في وعظه بأن حق الملوك هو من الله. وانتصر السوريون في الانتخابات الجديدة، فأقيمت وزارة جديدة تحت رياسة «هرلي»، وصارت «ماشام»، ابنة أحد تجار لندن، نديمة للملكة ومدبرة لبلاطها، فعزموا على عقد الصلح، وأهملوا الانتفاع بنتائج الحرب، وتركوا حلفاء إنكلترا في معاهدة «أسرخت» التي وقع عليها في «أنيسيان» سنة ١٧١٣م.

ولم تكن الوزارة الجديدة متفقة، وكان قد تقرر أن يكون تاج إنكلترا بعد موت حنة بدون عقب ﻟ «سوقيا»، أكبر بنات «جمس الأول»، وحاول جماعة أن يمرروا ذلك لأخيها ابن «جمس الثاني»، فساءت الملكة أعمال وزرائها واختلافاتهم فماتت فجأة. وإذا كان موتها قبل أن أكمل «بلولفبروك» تدابيره، فقد نشأ عنه تقرير سلالته بروتستنتينة لإنكلترا بسلام. ولم تكن حنة شديدة الحزم، ولكنها كانت وديعة، وامتاز ملكها بحروب متوالية انتصرت فيها إنكلترا. وقد أُطلق على أيام مُلْكها اسم العصر الأوغسطي للآداب الإنكليزية، وتزين ذلك العصر بكتابات أديبون وبوب وسوقف وريفوار. وجرائد مشهورة بتلك الأيام.

حنة النمساوية ملكة فرنسا

هي ابنة «فيليب الثالث» ملك إسبانيا. ولدت سنة ١٦٠١م، وتوفيت سنة ١٦٦٦م. تزوجها «لويس الثالث عشر» سنة ١٦١٥م، فبقيت ٢٢ سنة لا تلد.

وروى بعض المؤرخين أنه عندما هجرها زوجها «لويس» اخترعت إطارًا كانت تلبسه تحت ثيابها لتستر بها حملها عن الملك إلى أن ولدت له ذكرًا، وكثيرًا ما كان زوجها يسيء معاملتها ويعذبها.

ويقال: إن الكردينال «رشليو» كان يهيج الملك إلى كرهها ومقاومتها، فاتفقت مع حماتها «ماري دي موليسي» على عزله، ولكن هبط مسعاها؛ لأن «رشليو» كان ذا سطوة وحذق لا مزيد عليهما، فاتهمها بأنها كانت متفقة مع أخيها ملك إسبانيا ودوق «لوران» وإنكلترا وكل أعداء فرنسا الخائنين في البلاط على ما هو ضد صالح فرنسا، وضد مصلحة الكردينال المذكور، وأنها كانت تساعد الشاب التعيس «هنري روتلبر فيدبرنس كاني» في مؤامرته، وتنقاد إليه انقيادًا أعمى.

فأمر الملك بتفتيش عرق قصر المقال «دوغراس» الذي كانت فيه مع حماتها، وكان الملك قد حكم عليها بالخروج من البلاط، فخرجت حنة أيضًا من القصر ورجعت إلى البلاط الملكي في اللوفر؛ حيث كانت تحتمل غضب زوجها وتضاده، ثم شاع بعد ذلك حملها ﺑ «لويس الرابع عشر» سنة ١٦٣٨م.

وولدت سنة ١٦٤٠م «فيليب»، دوق «دورليان»، وبعد موت زوجها «لويس الثالث عشر» سنة ١٦٤٣م، أقامها البرلمان — رغمًا عن إرادته — نائبة عن «لويس الرابع عشر» مدة قصره، فكان الكردينال «مازارين» يحكم باسمها، ويقال: إنه كان متزوجًا بها سرًّا، فتزينت الأيام الأولى من نيابتها بانتصارات البرنس «كوندي»، ولكن رفْعَها لمقام الكردينال «فراريل» وجَعْله رئيسًا للوزارة هيَّج بعض عائلة كوندي، وبعض عيال من السلالة الملكية، وآخرين من عيال فرنسا الشريفة، فنشأت عن ذلك الحرب الأهلية التي تدعى حرب الفرندة؛ أي حرب القلاع، ومع ذلك كانت تُدبِّر ملكها بإدارة جيدة.

حنة يولين ملكة إنكلترا

وهي إحدى نساء «هنري الثامن». قُطع رأسها في ١٩ أيار سنة ١٥٣٦م، وأما تاريخ ولادتها فمجهول، وبعضهم قال: إنها ولدت سنة ١٥٠٠م، وآخرون سنة ١٥٠٧م. وهي ابنة الأرل «توماس بولن». كانت من السيدات اللواتي رافقن «ماري» شقيقة «هنري الثامن» إلى فرنسا عند تزوجها ﺑ «لويس الثاني عشر» سنة ١٥١٤م. ولما رجعت ماري بعد موت زوجها إلى إنكلترا بقيت حنة في فرنسا عند «كلور» زوجة «فرنسيس الأول»، ثم دُعيت إلى إنكلترا سنة ١٥٢٢م أو سنة ١٥٢٧م، ودخلت في خدمة «كاترين» الأراغونية.

وقد ظهر منها وهي هناك من الحذاقة والهمة والظرف ما لا مزيد عليه، وأما ما قيل من أن سلوكها في البلاط الفرنساوي كان محلًّا للشبهة، فلم يزل من دون دليلٍ كافٍ. ولم يمض إلا زمن قليل حتى أحبها «هنري الثامن»، فألزم الكردينال «ولسي» أن يتوسط في فسخ خطبتها من اللورد «برسي» ابن أرل «نرثمدلند». وكانت تزداد محبة «هنري» لها وتقل ثقته بصحة تزوجه ﺑ «كاترين» الأراغونية، فصرح في أواخر سنة ١٥٢٧م الكردينال «ولسي» بقصده أن يتزوج بحنة حالما طلق «كاترين»، فغلبت إرادة «هنري» ورغبته الشديدة مقاومة الكردينال «ولسي»، على أن حنة كانت تحسب الكردينال المذكور ضدها، فقاومته إلى أن اقتنعت من الملك بعزله، فتزوج «هنري» بحنة في «هويتهل» في ٢٥ كانون الثاني سنة ١٥٣٣م، بعد هياج استمر خمس سنين نشأ عن طلاق «كاترين».

وكانت قد صرفت ثلاث سنوات في القصر قبل تزوجه بها، فكانت في تلك المدة دائمًا مع «هنري»، وجَعَلها قبل تزوُّجه بها ببضعة أشهر مركيزة «بمبروك»، وعند ذلك أحيلت مسألة طلاق «كاترين» إلى مجلس «كانتريبري» الأكليريكي، وحكم «كرانمر» في أول شهر أيار من تلك السنة بفساد تزوج الملك ﺑ «كاترين» من أوله، وأن حنة هي امرأته الشرعية.

وفي أول حزيران أقيم تتويجها باحتفال عظيم، ثم بعد ذلك بثلاثة أشهر ولدت البرنسيس «أليصابات»، التي تزيَّن التاريخ الإنكليزي فيما بعدُ بأخبار مُلْكها، ولما ابتدأ «هنري» بكرهها ويميل إلى «جين سيمور» لم يكن أمرًا صعبًا الحكمُ على حنَّة بارتكاب أمورٍ مُنْكرة، فأقيمت لجنة من اللوردات — كان والدها من جملتهم — للفحص عن سيرتها، وذلك سنة ١٥٣٦م، فقررت تلك اللجنة أنها أتت المنكرات مع «بريرتن» و«نرس» و«رستن» من الحشم الخاص، و«سميتن» صاحب موسيقى الملك، وحتى مع أخيها اللورد «رتشفرد»، فأرسل الملك كل المتهمين إلى السجن، وحُوكمت حنَّة أمام لجنة من الأمراء تحت رياسة عمها دوق «ترفلك»، فثبت أنها مذنبة، وكان مِمَّن أثبته إقرار «سميتن»، مع أنها أقامت الحجة مع باقي المسجونين على براءتها، وحكم بفساد تزوجها ﻟ «هنري الثامن» وأبطله، كما حكم بفساد تزوج «كاترين»، فكانت تقضي ساعات سجنها بين السكينة والقلق، وكان تَصَرُّفها عند قَطْع رأسها بجلالٍ مَلَكي، وأما «سميتن» فعُلِّق وقُتِل خنْقًا، وأما الأربعة الباقون المتهمون فقُطعت رءوسهم.

حنة البريطانية ملكة فرنسا

ولدت في «تنست» سنة ١٤٧٦م، وتوفيت في قلعة «بلوى» سنة ١٥١٤م. كانت ابنة «فرانسيس الثامن» دوق بريطانية، ووليةً لعهده. أعطاها أبوها دوقية بريطانية مهرًا لما تزوجت «شارل الثامن» ابن «لويس الحادي عشر» سنة ١٤٩١م، فصارت الدوقية المذكورة من جملة أملاك فرنسا. وكان قد خطبها قبل ذلك الملك «مكسيميليان من «أستوريا»، ولكن حل هذه الخطبة «لويس الحادي عشر» وزوَّجها لابنه، ووسع بذل في ذلك أملاكه. وتزوجت بعد موت «شارل الثامن» بخلفه «لويس الثاني عشر» سنة ١٤٩٨م، وكانت لها سطوة قوية عليه وعلى كل رجال البلاط فكانت قدوة للفضيلة والاجتهاد في أشغالها، وكانت تدير المملكة حق الإدارة مدة غياب زوجها في الحروب التي قام بها ضد إيطاليا.

حنة ملكة نابولي

وهي ابنة «شارل» دوق «كليريا»، وحفيدة «روبرت أنجو». ولدت سنة ١٣٢٧م، وقتلت في حصن «مورو» في ولاية «باسيليكانا» في ٢٢ أيار سنة ١٣٨٢م. كان أبوها يحاول أن يجعل اتحادًا بين فرعي عائلة «أنجو»، التي كانت تدعى «بتخت نابلي»، بتزويجه حنة هذه في سن سبع سنوات بابن عمها «أندرو» المجري، إلا أن تدبيره لم يأت بالغرض المقصود؛ لأنه لما كبر الزوجان كان يبغض أحدهما الآخر بغضًا شديدًا، وكان الحزبان المتضادان من أقاربهما يُهيجان دائمًا تلك الحاسة. وتوفي الدوق «شارل» قبل أبيه «روبرت»؛ ولذلك خلفت حنة أباها عند موته سنة ١٣٤٣م، فانقسم بلاطها بسرعة إلى حزبين: حزب معها، وحزب مع زوجها، فبقي الخصام مدة سنتين، إلى أن انتهت سنة ١٣٤٥م بأن قتَل الملكَ قومٌ من الثائرين أخرجوه بحيلة من مخدعه، وعلقوه في مَمْشًى من مماشي القصر. وقد اتهمت حنة بالاشتراك في تلك المؤامرة والسعي، وتدبير كل ما يتعلق بها. والظاهر أنها غير بريئة من هذه التهمة.

وأما ما قيل من أنها كانت تلبس الحبل الذهبي الذي خُنق به زوجها «أندرو» فلا يخلو من المبالغة، ثم بعد وفاة زوجها بقليل تزوجت من دون حل من البابا «لويس دو ثارنتو»، وهو أحد أقاربها، ويُظن أنه كان عشيقها. وإذ كان «لويس» الكبير، صاحب «هنكريا»، يطلب فرصة للأخذ بثأر أخيه، اتخذ ذلك حجة وأغار سنة ١٣٤٧م على الأراضي النابولية، وإذ كانت حنة غير مستعدة للدفاع هربت إلى «أفبنيون»، التي كانت حينئذٍ موطنًا للتابوت، وبينما هي هناك إذ أُحضرت أمام مجلس حرٍّ أقرَّت بكونها قاتلة زوجها، فتخلصت من القصاص بقبولها بتسليم «أفبنيون» إلى الكرسي المقدس ملكًا مؤبدًا، بشرط دفع ثمانين ألف فلوريني ذهبًا، وإعلان البابا رسميًّا بكونها بُرِّئَتْ، وتَثبَّتَ زواجها الحديث.

وفي تلك الأثناء رجع ملك «هنكريا» عن «نابلي» تاركًا فيها حامية قوية خرجت منها بعد قليل بتوسط البابا، ثم إن «لويس دو ثارنتو» توفي سنة ١٣٦٢م، فتزوَّجت حنة سنة ١٣٦٣م «بجمسيس» الأراغوني، ملك «نيورقه»، إلا أنه لم يمض إلا قليل حتى تركها ورجع إلى بيته في إسبانيا، وتوفي هناك سنة ١٣٧٦م، فتزوجت بزوج رابع، وهو «أونو برتسويك»، فغاظت بذلك الدوق «شارك دورنسوا» الذي كانت زوجته تدَّعي وراثة التخت.

وسنة ١٣٧٨م، لما اختلف البابوان المتناظران؛ وهما: «إكليمنفس السابع» و«أوريانوس السادس»، تحزَّبت حنة «لإكليمنفس»، فغاظت بذلك «أوريانوس»، فاستحضر حالًا الدوق «دورنسوا» وأعلن أن له الحق في تخت «نابلي». أما حنة فاتباعًا لرأي «إكليمنفس» كتبت وصية مخصوصة جعلت بموجبها ابن ملك فرنسا الثاني وارثًا لها، ونزعت بالكلية حقَّ المُلْك عن الدوق وزوجته، فاتخذ «شارل دورنسوا» هذه الحوادث حُجَّة — كان يطلبها بعد زمان طويل — فأغار على بلاد حنَّة، ولم يصادف من الشعب إلا مقاومة قليلة، وتقدم إلى «نابلي» وأسر الملكة، وأرسلها تحت الحفظ ﻟ «أمور»، فكانت هناك تحت رحمة ملك «هنكريا»، فأمر بقتلها حالًا، فقطعت بالوسائد أخذًا بثأر «أندرو» على الطريقة التي قتلته بها.

حنة ملكة نابلي ابنة شارل دورتو

ولدت نحو سنة ١٣٧٠م، وتوفيت سنة ١٤٣٥م. تزوجت وهي صغيرة ﺑ «وليم»، ملك «أستوريا»، وترملت بعد ذلك عدة سنين، وخلفت أخاها «لاوس لاس» سنة ١٤١٤م بعد موت زوجها، وكان بينها وبين «كنت سازونفلوا لوبو» اتصال سري، وقد حافظت على ذلك الاتصال بعد موت زوجها، ولم تحاول ستره، فإنها وجهت إلى عشيقها المذكور أعلى المأموريات، وجعلت مصالح المملكة بيده فعلًا، إلا أن أصدقاءها أقنعوها أخيرًا بأن تتزوج ثانية، فاختارت «جاكوي دويورولون كنت لامرش» زوجًا لها، إلا أن تزوجها لم يكن واسطة لتغيُّر سيرتها ذات الخلاعة، فلما اطلع زوجها على خيانتها نظَّف البلاط من كل أصدقائها، وقطع رأس عشيقها جهارًا، وأرسلها إلى مكانٍ منفرد.

ثم إنه صالحها بعد ذلك مصالحة ظاهرة، إلا أنها حالما رجعت إلى مركزها في البلاط نجحت بحيلة في سجن زوجها في إحدى قلاع «نابلي»، ولم يخرج من ذلك السجن إلا بصعوبة، وعند خروجه خرج من البلاد ودخل ديرًا في «برغونيا»، وحينئذٍ ابتدأت سلطة المقربين إليها في الرجوع إلى البلاد.

فكان تاريخ ملكها مدة بضع سنين عبارة عن حيلٍ ومكائد، وذلك مع بعض الشعب الذي لها في كل الممكة الذي نشأ عنه تناحرات دائمة في البلاط، وثورات في البلاد. ومما زاد خصام الأحزاب قوة النزاع الذي جرى بين «لويس الثالث أنجو» و«ألفونسو دو أراغون» اللذين كانا يدعيان حق الخلافة.

أما حنة فحكمت به أولًا ﻟ «ألفونسو»، ثم عكست حكمها، وعند وفاة «لويس الثالث» حكمت به لرجل آخر من بيت «أنجو». أما «ألفونسو» فقبض على صولجان الملك رغمًا عن الوصية التي حرمته إياها.

حنة مورندي منزوليني

كانت أبرع نساء زمانها بفن التصاوير والتماثيل؛ لأنها أخذته عن زوجها «منزوليني»، وكان ماهرًا في التشريح والرسم والتصوير، وفي نقش الشمع لعمل التماثيل، ولكنه ضعيف الرأي، عصبي المزاج، سودَاويَّه، وكانت زوجته على جانبٍ عظيم من النباهة والفطنة، فتعلمت منه عمل التماثيل الشمعية، وأتقنته غاية الإتقان، وكانت تساعده في أعماله.

وكان «منزوليني» ملازمًا ﻟ «للي»، المصور الشهير، في أعماله، ويساعده على أشغاله، فوسوس شيطان الظنون في أذني «منزوليني»، وظن أن «للي» عازم على أن يستأثر بالاسم والشهرة من عمل تلك التماثيل، ولا يبقى له اسم فيها، فعزم على تركه.

وكان «للي» دائمًا يعترف بفضله ويقول: إنه لولا مساعدة «منزوليني» لم يستطع عمل تلك التماثيل، فلما رأت حنة خطأ زوجها عزمت أن تتعلم منه فن التشريح، وتتم العمل الذي أحجم عنه؛ حفظًا لصيته، فأجابها إلى طلبها؛ لشدة تعلُّقه بها، وعلَّمها هذا الفن فدرسته برغبة شديدة، وقرأت أحسن المصنفات فيه، وشرحت الأجساد البشرية بيدها رغمًا عما وجدته في نفسها من الكراهة الشديدة لذلك؛ فإنها كثيرًا ما كانت تمرض من رؤية الأجساد المشرحة، ولكنها كانت تتغلب على ما بها من الضعف الطبيعي حتى أتقنت هذا الفن واكتشفت فيه اكتشافات كثيرة.

وفي غضون ذلك أنشأ أحد الأطباء مدرسة لتعليم فن الولادة، وطلب إليها أن تصنع له أجنة من الشمع متفاوتة في النمو، فصنعت له الأجنة المطلوبة على غاية الإتقان، ثم جعلت تقدم خطابًا في فن التشريح العلمي، وتشريح المقابلة، وأتقنتهما أشد الإتقان، فذاع صيتها حتى عم أوروبا؛ لغزارة معارفها وحسن أسلوبها في التعليم.

وفي سنة ١٧٥٥م، تُوفي زوجها عن ولدين صغيرين، فحزنت عليه حزنًا شديدًا؛ لأنها كانت تحبه حبًّا مفرطًا مع كثرة عيوبه، ولكنها لم تنفك عن خدمة العلم.

وفي السنة الأولى من ترمُّلها انتخبت عضوًا في المجمع العلمي ﺑ «بولونيا»، ثم في مجامع أخرى كثيرة، وجعلتها حكومة «بولونية» أستاذة تشريح في مدرسة «بولونية» الطبية، ولكن الانتظام في سلك هذه الجمعيات كان نفعه معنويًّا لا ماديًّا؛ لأنها كانت في حالة يُرثى لها من الفقر، ولم تزد أجرتها في مدرسة الطب عن ثلاثمائة فرنك في السنة، وكانت على جانبٍ عظيم من الجمال، ولكنها كانت عفيفة النفس، طاهرة السيرة والسريرة؛ لأن العلم يعصم ذويه عن ارتكاب الدنايا.

وفي سنة ١٧٦٥م، طلبت من الحكومة أن تزيد راتبها وتجعله خمسمائة فرنك في السنة، فلم تُجبها إلى طلبها، ولكن أحد أرباب الحكومة، وهو الكونت «أنوزي»، أباح لها أن تقيم في بيته آكلة شاربة، بشرط أن تعطيه بدل ذلك كل كتبها واستحضاراتها التشريحية، فأقامت عنده؛ لأن الفقر كان قد أذلها.

ولكن الكونت أكرم مثواها، وأبقى لها كتبها واستحضاراتها، فوهبها للمجمع العلمي، حيث هي إلى يومنا، وفيها الأجزاء الصغيرة من جسد الإنسان كالأوعية الشعرية التي تُرى بالعين، وهي في غاية الضبط والإحكام.

وكانت كغيرها من مشاهير الأرض، وإذا تعبت من عمل ترتاح بمزاولة آخر، فصنعت أوقات الراحة تماثيل كثيرة لزوجها ولنفسها ولبعض أصدقائها، ومثلت نفسها قابضة على الجمجمة، وأخذتْ تُشرِّح الدماغ. ومما يكاد يفوق التصديق أن هذه المرأة الفاضلة التي توسلت إلى حكومة «بولونية» لكي يزيد راتبها السنوي مائتي فرنك ولم تجبها إلى طلبها، عُرض عليها مرارًا كثيرة أن تأتي إلى مدينة «لوندرة» براتبٍ كبير جدًّا، وأرسلت إمبراطورة روسيا تدعوها إليها، ووعدتها أن تعطيها مهما طلبت، وأرسلت مدرسة «ميلان» تدعوها إليها، وفوضت إليها أن تختار الأجرة التي تريدها، وتشترط الشروط التي تختارها، وطلبت منها مدارس أخرى نفس هذا الطلب.

فأجابت كل هؤلاء أنها تفضل البقاء في مدرسة «بولونية» على ما سواها، وأرسلت لكل منهم مجموعًا كاملًا من مصنوعاتها التشريحية، وشرحًا كافيًا وافيًا يغني عنها، ولبثت بين الدفاتر والمحابر والدرس والتدريس إلى أن وافتها المنية سنة ١٧٧٤م ولها من العمر ٦٨ سنة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤