الفرعون شيشنق الأول

حر-خبر-رع ستبن رع مري آمون شيشنق

(١) مقدمة

تحدثنا في الفصل السابق عن دولة الكهنة العظام في عهد الأسرة الثانية والعشرين وما كان لها من شأن في تاريخ البلاد وعلاقتها بملوك مصر الذين اتخذوا مقرهم في الدلتا، غير أننا لم نتحدث عن الملوك إلا بقدر محدود، مُرجئين ذلك للتحدث عنهم بالتفصيل بقدر ما وصل إلينا من معلومات، وبخاصة ما كُشف من مقابرهم أخيرًا في «تانيس»؛ مما مهد لنا السبيل إلى معرفة ما كانت عليه البلاد من الوجهة الدينية والمادية بعض الشيء.

حَكَمَ «شيشنق» على حسب ما جاء في «مانيتون» إحدى وعشرين سنة (راجع Unger Chronologie des Manetho p. 232. Variants Sesonchusis, Senechosis, Sesochons, M. Wiedemann, Aegyp. Gesch. p. 548 note 2.)، وقد وحَّد «فيدمان» هذا الملك بالملك المسمى «سوساكوس Sousakos» الذي ذكره «جوسيفس»، وبالملك الذي ذكره «أبو الفرج» باسم «شساكوس».١
وأحدَثُ تاريخٍ عُثر عليه لهذا الملك على الآثار هو السنة الواحدة والعشرون والرابعة والعشرون (راجع Rec. Trav. XX. p. 12–21).
والظاهر أن حكم «شيشنق» كان معاصرًا بضع سنين لحكم آخِر فراعنة «تانيس»، وهو على حسب رأي «جوتييه» «بسوسنس الثالث» (راجع Rec. Trav. XXVII. p. 76 et Ibid XXV. p. 144).

وتاريخ تولية «شيشنق» الملك لا يمكن معرفته على وجه التأكيد، ولكنه لا بد قد وقع بعد عام ٩٤٥ق.م.

وقد كَشَفَتْ لنا اللوحة التي دوَّن عليها «حور باسن» تاريخ أحد عجول أبيس عن تاريخ أسرة «شيشنق» ورسوخ قدمها في مصر منذ زمن طويل، وقد عرفنا منها ومن غيرها من النقوش ما كان لهذه الأسرة اللوبية من نفوذ في أنحاء البلاد، وبخاصة من الوجهة الحربية والوجهة الدينية.

وقد رأينا فيما سبق (في الجزء الثامن من مصر القديمة) أن «شيشنق» أمير «أهناسيا المدينة» قد دفن ابنه «نمروت» في معبد «العرابة»، وأنه لجأ إلى قرار الوحي الإلهي عندما اعتُدِيَ على هذا القبر، كما كان يفعل المصريون القدامى في كل عصور تاريخهم، ومع ذلك نجد أن هؤلاء «المشوش» أو اللوبيين كانوا يحتفظون بأسمائهم اللوبية، وكذلك كانوا يحتفظون بعادة وضع ريشتين في شَعرهم المستعار وهي عادة لوبية. ولا غرابة في ذلك فقد كان يُطلَق عليهم القوم الذين يلبسون الريشتين.

وتدل ظواهر الأمور على أن أسرة «شيشنق» كان لها شأن خاص إذا ما قُرنت بالأسر اللوبية الأخرى المنتشرة في أنحاء البلاد؛ فقد كانوا أصحاب النفوذ والسلطان في «أهناسيا المدينة» منذ زمن بعيد؛ إذ إن جدهم «ماواساتا» كان يعمل في بادئ الأمر بوصفه الكاهن والد الإله في هذه المدينة، وعلى الرغم من أن أخلافه كانوا يحملون نفس هذا اللقب فإنَّا نجد فيما بعد أنهم قد أصبحوا ذوي نفوذ في هذه المقاطعة وكذلك في مصر الوسطى، فنجد أن «شيشنق» قد أفلح في بسط سلطانه الحربي بوصفه الرئيس الأعلى الحربي لهذه المستعمرة اللوبية التي كان مقرها «أهناسيا المدينة»، وكان كما ذكرنا من قبل يحمل بجانب هذا اللقب الوراثي (الرئيس الأعظم لقَوْمِ «مي») وهو اللقب الذي كان يحمله ابنه (نمروت) و«شيشنق» نفسه قبل توليته عرش الملك. وقد ذكر لنا «مانيتون» أن هذه الأسرة من أصل بوباسطي لا من أصل أهناسي، وتدل الأحوال على أن ابن «نمروت» قد أفلح في بسط نفوذه في أواخر عهد آخر ملك في «تانيس» حتى مدينة «بوباسطة»؛ وذلك لأنه قد عثر في أثناء الحفائر التي قامت في تلك الجهة على قاعدة تمثال كُتب عليها (الرئيس العظيم لقوم «مي» «شيشنق»). وهذا الأثر يدل على أنه قد عُمِلَ قبل تولي هذا العاهل ملك مصر. وبدهي أن هذا الفرعون لم يَعْتَلِ عرش الملك إلا بعد موت الملك بسوسنس آخر ملوك الأسرة الواحدة والعشرين، وليس لدينا أي دليل على أن شيشنق قد اغتصب الملك قسرًا، أو ما يشير إلى قيام أي ثورة للاستيلاء على العرش، بل على العكس نرى أن هذا الفرعون كان يمجد آثار من سبقه من ملوك الأسرة الواحدة والعشرين، والظاهر أنه قد عمل على أن تكون توليته الملك بصفة شرعية، ويدل على ذلك أنه زوَّج ابنه أوسركون الذي أصبح فيما بعد الفرعون أوسركون الأول من ابنة الملك «بسوسنس» التي تُدْعى ماعت كارع.

هذا في الوجه البحري، أما في طيبة عاصمة الملك الدينية فتدل الظواهر على أن «شيشنق» لم يمد سلطانه على الوجه القبلي و«طيبة» كما حدث في شمالي البلاد، حقًّا إن كهنة آمون لم يكن في مقدورهم تجاهل حادث تولية شيشنق عرش الملك الذي أُعلن في كل أنحاء البلاد، والظاهر أنهم لم يعترفوا بلقب الملك له في الحال، كما يدل على ذلك نقش وجد على قطعة حجر بالكرنك نقش على أحد وجهيها التاريخ التالي: «السنة الثانية من عهد الرئيس العظيم لقوم مي شيشنق.» وعلى الوجه الآخر نجد نقشًا مؤرَّخًا بالسنة الثالثة عشرة من عهد الملك شيشنق محبوب آمون (راجع Rec. Trav. 22 p. 54 note 4).

ويظن بعض المؤرخين بحق أن تولية شيشنق ملكًا على البلاد وتنصيب ابنه أوبوت كاهنًا أكبر على طيبة قد أحفظ معظم كهنة آمون وجعلهم يتركون البلاد ويلجئون إلى أعالي بلاد النوبة في إقليم «نباتا» القريبة من الشلال الرابع، ومن هؤلاء الكهنة كان أصل ملوك أثيوبيا الذين فتحوا البلاد المصرية، وأسسوا فيها الأسرة الخامسة والعشرين كما سنرى بعد.

ولا غرابة في ذلك؛ فقد كان كهنة آمون هم المسيطرون على شئون الوجه القبلي خلال الأسرة الواحدة والعشرين، وكانوا يُعَدُّون بمثابة ملوك لهذا الجزء من البلاد كما تحدثنا عن ذلك من قبل، فكان غضب بعضهم وتركه للبلاد أمرًا لا يدعو للدهشة.

وأقدمُ أثر لدينا يدل على تولية أوبوت وظيفة الكاهن الأكبر في «طيبة» من قبل والده شيشنق يرجع إلى السنة الخامسة من عهد هذا الفرعون؛ فقد عُثر باسمه واسم والده على لفافة من نسيج الكتان مهداة إلى الكاهن الثاني زد بتاحف عنخ الذي كان يلقب ابن الملك لرعمسيس، وقد وجدت لفائف أخرى مؤرخة بالسنة الحادية عشرة والسنة العاشرة.

(٢) مباني «شيشنق» في الكرنك

ترك لنا «شيشنق» آثارًا عدة من الأهمية بمكان في تلك الفترة من تاريخ البلاد التي قلَّت فيها الآثار.

ويدل ما بقي لدينا من نقوش في «طيبة» على أن ملوك الأسرة الواحدة والعشرين وكهنتها العظام لم يقوموا بأعمال جليلة في نفس معبد «الكرنك» الكبير، وأنهم وجهوا عنايتهم لمعبد «خنسو» كما فصلنا القول في ذلك في الجزء الثامن من مصر القديمة، ولكن لمَّا تولى «شيشنق» مقاليد الحكم أخذ أولًا في توطيد أركان السلام والأمن في ربوع البلاد، وبعد ذلك عزم على أن يقوم لآلهته الذين نصروه وعززوه بتجميل معابدهم، وبخاصة معبد الكرنك الذي كان مقر ملك الإله آمون رع بما يليق بأسرته؛ ولذلك صمم على أن يقيم أثرًا شاهقًا بارزًا يسترعي الأنظار بعظمته على غرار ما أقامه الملوك العظام في عهد الدولة الحديثة، فأقام بوابة النصر التي تقع بين معبد رعمسيس الثالث الصغير الذي أقامه للإله «آمون رع» (راجع مصر القديمة الجزء السابع) والبوابة الثانية التي كانت تعد وقتئذ واجهة معبد الكرنك العظيم، وتؤلِّف بوابة شيشنق جزءًا من امتداد الجدار الجنوبي لقاعة العمد العظيمة، وقد غطت هذه البوابةَ نقوشٌ تاريخية لرعمسيس الثاني واقعة في الطرف الغربي للجدار، وكذلك على الطرف الجنوبي للبوابة الثانية، وهذه البوابة تدعى عادة بوابة «بوباسطة»، وقد نقش عليها سجلات أسرة «بوباسطة» في «طيبة»، وسنرى بعد أنه قد نُقش عليها مناظر النصر التي خلدت غزوة شيشنق على فلسطين، كما نَقَشَ عليها الكهنةُ العظام أبناء هذه الأسرة تواريخهم.

وتدل النقوش التي تركها لنا على صخور بلدة السلسلة — وهي الخاصة بقطع الأحجار لإقامة المباني — على أنه كان قد صمم كذلك على إقامة الردهة الأولى لمعبد الكرنك بما في ذلك البوابة الأولى التي أمامها (راجع American Journal of Semetic Languages & Literature XXI. p. 24).

(٢-١) متن لوحة السلسلة٢

ترك لنا رئيس البعث الذي أرسله «شيشنق» لقطع أحجار البوابة المعروفة ببوابة «بوباسطة» في محاجر السلسلة لوحة ذكر عليها أعماله والغرض منها، وهذا المبعوث يدعى «حور مساف»، وفي حين نجد أن الفرعون «شيشنق» هو الذي فكر في هذا العمل نلحظ من جهة أخرى أن ابنه الكاهن الأكبر لآمون المسمى «أوبوت» قد اتخذ مكانة بارزة في منظر اللوحة ونقوشها تعادل مكانة الفرعون نفسه، ومن ألقابه الكثيرة يشعر القارئ أنه كان يتمتع بسلطان كأنه حاكم شبه مستقل في الوجه القبلي.

ويشاهَد في أعلى اللوحة الملك تقوده الإلهة (موت) إلى حضرة كل من الآلهة «آمون» و«حوراختي» و«بتاح»، وخلف الفرعون يظهر ابن الملك الكاهن الأكبر «أوبوت» ممثَّلًا بنفس الحجم الذي مُثِّلَ به الفرعون مقدِّمًا البخور. ويلاحَظ أن ألقابه على العُمُد الجانبية تمثل مكانةً تُعادل مكانة ألقاب والده.

وأسفل هذا المنظر نقش يعزو فتح هذا الجزء من المحاجر للملك، وكذلك يعزوه بنفس الكلمات للكاهن الأكبر «أوبوت»، وتحت هذا النقش نشاهد «حورمساف» رئيس البعث ممثَّلًا راكعًا وأمامه نقش سُجِّل فيه الغرض من بعثه وتنفيذه، وهاك النص:

الألقاب الملكية: «محبوب الإلهتين المنير في التاج المزدوج مثل «حور بن إزيس»، والمرضي الآلهة بالعدالة «حور الذهبي» العظيم القوة ضارب أقوام الأقواس التسعة العظيم النصر الإله الطيب، و«رع» في صورته وصورة «حوراختي» والذي وضعه آمون على عرشه ليثبت ما بدأه ولينظم مصر من جديد ملك الوجه القبلي والوجه البحري «حز-رع-خبر-ستبن رع-شيشنق الأول» فاتح المحجر، لقد قام بفتح المحجر من جديد بداية للعمل الذي عمله ابن رع «مري آمون شيشنق الأول» الذي يقيم الآثار لوالده «آمون رع» رب طيبة ليحتفل بالأعياد الثلاثينية لرع، ويقضي سِنِي «آتوم» عائشًا أبديًّا أنت يا سيدي الطيب، ليتك تجعل أولئك الذين يأتون خلال عشرات آلاف السنين يقولون: إن ما عُمل لآمون ممتاز، وليتك تشهد أني حكمت حكمًا عظيمًا.»
«أوبوت» الكاهن الأعظم فاتح المحجر: «لقد قام بفتح المحجر من جديد بداية للعمل الذي عمله الكاهن الأكبر لآمون ملك الآلهة والقائد الأعلى للجيش «أوبوت» المنتصر والذي يقود الجيش العظيم لكل الجنوب، والابن الملكي لرب الأرضين «مري آمون شيشنق الأول» لسيده (الملك) لأجل «آمون رع» ملك الآلهة حتى يحصل على الحياة والفلاح والصحة وطول العمر والقوة والشيخوخة المديدة في «طيبة» أنت يا سيدي الطيب، ليتك تجعل الذين يأتون خلال عشرات آلاف السنين يقولون: إن ما أنجزت لآمون ممتاز، وليتك تشهد بأني قد عملت عملًا عظيمًا.»
إرسال حور مساف على رأس البعث: «السنة الواحدة والعشرون، الشهر الثاني من الفصل الثالث (لم يذكر اليوم) في هذا اليوم كان جلالته في بيت «إيزيس» (الذي يسمى) روح «حوراختي» العظيمة، وقد أمر جلالته أن يصدر الأمر للكاهن والد الإله لآمون ملك الآلهة ورئيس الأشياء السرية لبيت «حوراختي» ورئيس أعمال رب الأرضين «حورمساف» المنتصر؛ ليقود كل عمل (…) أحسنها من السلسلة ليقوم بعمل آثار عظيمة لبيت والده الفاخر «آمون رع» رب طيبة.»
التصميمات التي وضعت لإقامة بوابة بوباسطة بالكرنك: «وقد أعطى جلالته شروطًا لإقامة بوابة عظيمة جدًّا من … لأجل أن تضيء طيبة، وإقامة أبوابها المزدوجة من عشرة آلاف الأذرع (ارتفاعًا)؛ وذلك لإقامة ردهة أعياد لبيت والده «آمون رع» ملك الآلهة، وليحيطها بأعمدة.»
عودة حورمساف: «وقد عاد في سلام إلى المدينة الجنوبية «طيبة» إلى المكان الذي كان فيه جلالة الكاهن والد الإله «لآمون رع» ملك الآلهة، ورئيس الأشياء السرية لبيت «حوراختي»، ورئيس الأعمال في بيت «حز خبر رع-ستبن رع» في طيبة، والعظيم الحب لدى سيده الملك «حورمساف» المنتصر قال: إن كل ما قلتَه قد أُنجز يا سيدي الطيب، فلم أنم ليلًا ولم أَغْفُ نهارًا، بل كنت أبني العمل الخالد دون انقطاع.»
مكافأة حورمساف: «وقد منح الإنعامات في حضرة الفرعون فكانت مكافأته أشياء من الفضة والذهب.» (باقي المتن غير مفهوم).
المناظر التي خلفها «شيشنق» على جدران معبد الكرنك خاصة بحروبه: بعد أن عاد «شيشنق» الأول من حملته على فلسطين نقش مناظر عظيمة يتبعها قائمة طوبوغرافية احتفالًا بهذه الحملة التي قام بشنها على أهالي فلسطين، وقد حُفرت هذه الرسوم على خارج الحائط الجنوبي (الجنوبي الغربي لمعبد آمون بالكرنك) (ولدينا مرجعان آخران عن هذه الحملة في المتون المصرية) (راجع Br. A. R. XIV. 248 note B).
ويشار عادة إلى المكان الذي فيه هذه المناظر باسم «بوابة بوباسطة» وهي في الواقع امتداد في معبد الكرنك بدأ عمله «شيشنق الأول»، ويمكن رؤية هذه المناظر على مسافة قريبة من هذه البوابة على الجزء الأول من امتداد الجدار الجنوبي لقاعة العمد بالكرنك كما ذكرنا آنفًا، ويلاحظ أنه إذا ابتدأ الإنسان من ظهر جدار البوابة الثانية يجد أن هذا الجدار قد أمده «شيشنق» نحو الغرب، وقد نتج عن ذلك أن غطَّى الجزء الأخير من المناظر الحربية الخاصة «برعمسيس الثاني» على جانب البوابة الثانية، وبذلك هُيِّئَتْ مساحة متساوية من الجدار لنقش منظر النصر الجديد الذي أحرزه «شيشنق» على الفلسطينيين، وتقع مباشرة في الغرب من ذلك بوابة بوباسطة. على أن الآراء لم تتفق بعد على مقدار المباني التي أضافها «شيشنق» للردهة العظيمة وإلى البوابة الأولى التي لم تتم بعد (راجع Legrain, les Temples de Karuak p. 929. pp. 44ff; Borchardt Zur Baugeschichte des Amonstempels von Karnak Sethe Untersu-chungen etc V. I. pp. 36-37 & Chevrier, Le Temple reposoir de Ramses III a Karnak (Text) p. 3).
ويمثِّل نقشُ المنظر كالعادة ذبح الأسرى أمام آمون، ويلاحَظ أن صورة الفرعون هنا لم تكن قد تم نقشها فيشاهَد على المسافة غير المنحوتة على يمين الجدار رسم تخطيطي لتاج الفرعون. والواقع أن هذا التاج قد رسمه الرسام رسمًا تخطيطيًّا، ولكنه لم يُنقش نقشًا غائرًا، وفي أسفل المنظر يلاحظ أن المتون كانت قد نقشت في أسطر أفقية وفوقها القائمة، ولكن لم يبقَ من تلك إلا بعض قطع من طرفيها، أما الباقي فقد أُتلف تمامًا (راجع ما بقي من هذه النقوش Muller, Egyptian Research. p. 113 fig. 38)، أما باقي المتون التابعة للمنظر فلا تحتوي إلا مدائح لقوة الفرعون وليس لها علاقة بالقائمة الطوبوغرافية، والاسمُ البارز من الأعداء الذين غزاهم «شيشنق» هو «قوم متني». وفي ذكر هذا الاسم هنا ما يكفي للدلالة على أن هذه المتون ليست كلها تاريخية، وأنها كانت تنقل من القوائم التي تركها لنا «تحتمس الثالث» وأخلافه بالتوارث؛ لأن «شيشنق» لم يغزُ قط بلاد «متني».

وتحتوي هذه القائمة على عشرة صفوف من الأسماء الموضوعة في طغراءات يصحب كلًّا منها أسير يدل على اسم المكان الذي أُسر منه، ويحتوي كل من الصفوف العليا من ١–٥ على ثلاثة عشر اسمًا في طغراءات يقودها الملك للإله آمون، أما الأسماء التي في الصفوف من ٦–٩ وهي التي يحتوي كلٌّ منها على سبعة عشر اسمًا فتقودها الإلهة «واست» (أي طيبة).

والصف الأسفل؛ أي الصف العاشر من الأسماء الموضوعة في طغراءات وهو الذي يمتد أسفل المنظر؛ فقد كَشَفَ عنه الأثري «مولر» سنة ١٩٠٤، وكان يحتوي في الأصل على أقل من خمسين اسمًا مقسمة مجموعتين؛ فالمجموعة التي على اليسار وُجدت مهشَّمة وبخاصة في البداية، في حين أن المجموعة التي على اليمين لم يبقَ منها إلا الأسماء الخمسة الأخيرة، ولا بد أن المجموع الأصلي لأسماء هذه القائمة العظيمة كان لا يقل عن نحو مائة وثمانين اسمًا، ولكن عدد الأسماء التي بقيت فعلًا أقل بكثير. ويلاحَظ أن الأجزاء التي أصابها التلف لا تقتصر على الصف الأسفل، بل كذلك في الأجزاء العليا، وبخاصة الصفَّان الرابع والخامس.

ولما كنا نجد — فضلًا عن ذلك — أن الأسماء التسعة الأولى هي أسماء أقوام الأقواس التسعة، وأن عددًا عظيمًا من الأسماء المركبة يشغل كل منها طغراءين؛ فإنه لم يصل إلينا من الأسماء الطوبوغرافية الفلسطينية إلا حوالي ثمانين اسمًا من الأسماء المختلفة من هذه القائمة، وقد نقل «لبسيوس» قطعة حجر عليها أربعة أسماء من هذه القائمة إلى برلين، وهي الآن محفوظة بالقسم المصري (راجع Agyp. Inschriften aus Staatlichen Museen zur Berlin 2 Band. p. 207).
وتمتاز قائمة «شيشنق» الطوبوغرافية عن القوائم الأخرى بما لها من علاقة بتاريخ الكتاب المقدس، وبتحديدها جغرافية فلسطين. وقد جاء ذكر غزو مصر لفلسطين على يد «شيشنق» في مناسبتين في كتاب «العهد القديم»، ومن الغريب أن اسم «أورشليم» — وهي البلدة الوحيدة التي ذكر اسمها بوضوح في التوراة عند الكلام لغزو«شيشنق» لفلسطين — لم يدون اسمها في قائمة الكرنك، إلا إذا كان هو أحد هذه الأسماء المفقودة من القائمة، (وقد لاحظ ذلك العلماء الذين درسوا هذه القائمة في بادئ الأمر، وظنوا أن ذلك ضرب من المستحيل، وهذا هو السبب في محاولاتهم العدة في الكشف عن هذا الاسم تحت اسم مستعار) (راجع J. Simons, Egyptian Topographical lists, p. 96). وهاك المصدرين اللذين جاء ذكرهما في التوراة:
  • أولًا: في كتاب «الملوك الأول» الإصحاح ١٤ سطر ٢٥: «وفي السنة الخامسة للملك «رحبعام» صعد «شيشق» ملك مصر إلى «أورشليم» وأخذ خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك، وأخذ كل شيء، وأخذ جميع طروس الذهب التي عملها «سليمان».»
  • ثانيًا: كتاب «أخبار الأيام الثاني» الإصحاح ١٢ سطر ٢–٤: «وفي السنة الخامسة للملك «رحبعام» صعد «شيشق» ملك مصر على أورشليم؛ لأنهم خانوا الرب، بألف ومائتي مركبة وستين ألف فارس، ولم يكن عدد للشعب الذين جاءوا معه من مصر لوبيين وسيكيين وكوشيين، وأخذ المدن المحصنة التي ليهودا وأتى إلى «أورشليم».»
وقد فحص علماء الكتاب المقدس فحصًا مستفيضًا طبيعة الحملة الحربية التي قام بها «شيشنق» على «فلسطين»، وبخاصة إذا كانت هذه الحملة تنحصر في جنوبي مملكة يهودا، أو كانت تشمل إسرائيل أيضًا. والواقع أنه لم يُذكر في التوراة من البلاد التي جاء ذكرها فيه خاصًّا بحملة «شيشنق» إلا بلدة «أورشليم»، وهي التي استولى عليها هذا الفرعون، وقد أضاف إلى ذلك بصفة عامة «كتاب الأيام» المدن المحصنة التابعة ليهودا. وعلى أية حال؛ فإنه من وجهة نظر تاريخ التوراة يمكن البرهنة بصفة عامة على أن التوراة لم تحفظ لنا إلا قصة غير كاملة عن هذه الحملة التي كان قد امتد مداها في إقليم كبير في المملكة الجنوبية (راجع Alt Israel und Agypten Beitrage Z. Wiss. V. A. T. Heft 9 Leipzig (1909) p. 25ff).
أما من جهة قائمة «الكرنك»؛ فمما لا شك فيه أنها تشمل جزءًا كبيرًا من الأسماء الخاصة بشمال فلسطين، ويمكننا القول (دون أن نفرض أن هذه القائمة في كلياتها يُعتمد عليها تاريخيًّا): إن احتواءها على أماكن في الشمال والجنوب يمكن أن نعرف منه جيدًا مدى اتساع رقعة الغزو المصرية. والواقع أنه قد عثر في «تل المتسلم» (مجدو) الواقع في شمال فلسطين على نقش مصري عليه اسم «شيشنق» (راجع Fischer. The Excavations of Armageddon O. I. C., 4. Chicago 1929, p. 13).

وهذه الحقيقة تتفق مع الرأي القائل بأن حملة «شيشنق» كانت جغرافيًّا أوسع مما كان يُظَن، وإن كان هذا المصدر لا يعد برهانًا قاطعًا.

تقسيم الأسماء الجغرافية مجموعات: وعلى الرغم من أن عددًا عظيمًا من أسماء هذه القائمة قد فُقِدَ، وعددًا آخر لا يمكن قراءته على الآثار، وعلى الرغم من أنه لم يُحَقَّقْ من تلك الأسماء طوبوغرافيًّا إلا عشرون اسمًا فقط؛ فإن كثيرًا من المؤرخين قد اقترح تقسيم هذه القائمة أقسامًا طوبوغرافية متماسكة كما فعل «برستد» مثلًا (راجع Br. A. R. IV §§ 712–717)، فقسمها الأقسام الثلاثة التالية: الأقواس التسعة، ومملكة إسرائيل، ومملكة الأردن. وقسمها موللر (راجع Muller, Egyptian Research. II, 114-115) الأقسام الأربعة التالية: الأقواس التسعة، ومملكة إسرائيل، ومملكة شرق الأردن، وإقليم فلسطين. وكل هذه الأقسام الواضحة قد تحتاج إلى قاعدة ثابتة من المسميات المعروفة لتبرهن على صحتها، وعلى أية حال، يمكن القول على وجه التأكيد: إنه بعد تعداد أسماء الأقوام الأجانب وهم أقوام الأقواس التسعة من ١–٩ نجد أن رقم ١٠ يحتوي على عبارة تدل على أن ما يأتي بعدها هي أسماء الأماكن التي يدَّعي «شيشنق» أنه أخضعها، ويبحث الجزء الأول من هذه القائمة (ويشمل الصفوف: الثاني والثالث، ويحتمل كذلك الرابع والخامس) بوجه خاص الأماكن الواقعة في شمالي فلسطين على وجه التقريب، في حين أن العددين ٦٥، ٦٦ (وهما اسم مركب) ويحتمل إلى رقم ١٤٩-١٥٠ (ويحتمل أن يكون اسمًا مركبًا أيضًا) نجد عددًا عظيمًا منها خاصًّا بجنوب فلسطين؛ أي إقليم «يهوذا» و«نجب».

والقطعة التي تحتوي على خمسة أسماء، التي في نهاية القائمة، صغيرة جدًّا لا تحقق نظرية الأستاذ «موللر» عن وجود مجموعة من البلاد الفلسطينية، وبخاصة رقم واحد مكرر (شردد) وخمسة مكرر (هام) يظهر أنهما لا يقعان في هذا الجزء من بلاد فلسطين.

ومن خصائص قائمة «شيشنق» وجود عدد عظيم من الأسماء المركبة فيها، والتي يشغل كل منها طغراءين متتاليين؛ الأولى فيها كلمة تدل على الجنس، والثانية فيها اسم علم مميز (راجع Simons, Ibid p. 97).

والواقع أن دراسة هذه القائمة من الوجهة الطوبوغرافية تدل على أنها تختلف من بعض الوجوه عن باقي القوائم الأخرى التي نجدها في تواريخ الملوك الآخرين في العهد الفرعوني؛ وذلك أنه على الرغم من الرأي المتَّفَق عليه عادة الذي يخالف ما ذكرناه، فإن شواهد الأحوال لا تدل على أن محتويات هذه القائمة على وجه عام ليست بأقل من سابقتها في أصليتها، ولقد كرر كثير من المؤرخين القول بأن قائمة «شيشنق» لا تخرج عن كونها ضم بعض قوائم قديمة معًا، وبذلك تكون مجردة عن كل قيمة تاريخية. غير أن المصادر التي أخذ عنها «شيشنق» إذا كان ذلك صحيحًا لم يُكشف عنها بعد، على أن ذلك لا يمنع أن بعض المصادر القديمة استُعملت في تأليفها، غير أن تحريم استعمال مصادر أخرى في تكوين هذه القائمة ليس بالحقيقة المؤكدة كما هي الحال في بعض القوائم الخاصة «بسيتي الأول» و«رعمسيس الثاني» و«رعمسيس الثالث». وأخيرًا يمكن أن ننفي نفيًا قاطعًا أن قائمة «شيشنق» ليس فيها شيء أصلي، وأن نحو خمسين اسمًا قد ذكرت فيها لم تذكر في قوائم أخرى أقدم منها.

قائمة الحيبة: ولدينا قائمة أخرى يظهر أنها مقتطفة من قائمة «الكرنك» الكبرى الخاصة «بشيشنق» غير أنها مهشَّمة الآن تمامًا. والواقع أنه لم يبقَ لنا من نقش هذا المعبد إلا الشيء القليل (راجع A. S. 2; pp. 84–91; & Daressy Ibid. pp. 154–156; Ranke. Koptische Friedhofe bei Karara und der Amontempel Sches-chonks bei el Hibe (Bericht uber die Badischen Grabungen in Agypten in den Winter 1913 & 1914 Berlin, Leipzig 1936 p. 50–52).
وهو الذي كان قد أقامه «شيشنق» تكريمًا للإله آمون، وعندما زار «دارسي» هذا المكان كانت المعالم الهامة لهذه النقوش، وكذلك اسمان من «الأقواس التسعة» لا تزال ظاهرة، كما يدل على ذلك الوصف الذي كتبه لنا (راجع A. S. 2. 1901. PI. 45-6) إذ يقول: «قد نُقش على الجدار الأيسر من الردهة الثانية لوحة كبيرة مرسوم عليها الملك «شيشنق» يقدم لإله جالس طائفة من الأسرى راكعين، وفوق ذلك نُقِشَ سطرٌ أفقي … وأخيرًا نجد صفًّا من الأسرى الأجانب حاملين على صدورهم طغراءات تحتوي على أسماء جغرافية لم يبقَ منها مما يمكن قراءته إلا اثنان.»

والآن بعد أن استعرضنا وصف هذه الأماكن الطوبوغرافية وما لها من أهمية في تاريخ «شيشنق الأول» نعود الآن إلى ذكر الأسماء الجغرافية التي بقيت من هذه القائمة، ونبتدئ أولًا بلمحة صغيرة عن أقوام الأقواس التسعة التي جاءت في أول هذه القائمة فنقول:

الأقواس التسعة: إن عبارة (الأقواس التسعة) التي يرمز بها للأقوام الخاضعين أو الذين قهرتهم مصر يرجع تاريخها إلى أقدم عصور التاريخ المصري؛ إذ نجد على مقمعة من عصر ما قبل الأسرات (راجع Quibell, Hierakonpolis I. PI XXVIe note 5; Roeder in Ebert Reallexikon d. vorgeschichte. S. V. Neunbogen-volker; & Gardiner. Ancient Egypt. Onomastica text Vol. I. p. 207) أقواسًا معلقة على شارات المقاطعات، وكذلك نجد منذ بداية عصر الأسرات هذه الأقواس التسعة مرسومة على قاعدة تمثال الملك «زوسر» (راجع A. S. XXVL (1926) p. 183 fig. 4 & 9. Sethe, Pyr. Texte Uber-sitzung und Kommentar I. p. 119-120).
والظاهر أن الأقواس التسعة في هذا العهد كانت تعني عالم بَنِي الإنسان الذي كان قد خضع للملك بالنسبة لعالم الآخرة. (راجع Pyr. Tetxe 202). والواقع أنه منذ الدولة الحديثة قد بدأ سوء فهم المقصود من الأقواس التسعة، فقد عُدُّوا أجانب عن مصر، وقد كانت الفكرة على ما يظهر في بادئ الأمر أن هؤلاء الأقوام خاضعون لمصر سواء أكانوا ساكنين واديَ النيل أم لا يحكمهم «الفرعون»، ولا شك أننا سنضطر لفهم معنى الأقواس إلى أن نتحدث هنا عن الأجناس التي كانت تتألف منها؛ فنجد على مقمعة «هراكنبوليس» وكذلك على قاعدة تمثال الملك «زوسر» أن كلمة الأقواس يقابلها كلمة «رخيت» الدالة على كائنات بشرية لا بلاد، وهذا هو السبب في أن عهد الدولة الحديثة عندما كان يذكر عبارة (الأقواس التسعة) كان لا بد أن يكون المقصود هنا هو «أقواس» أو «قوس» بلاد كذا؛ أي قوم بلد كذا.

وعلى ذلك؛ فإنه عند تحليل المتون القديمة نجد أن ذلك يقودنا إلى التفرقة بين عبارة الأقواس التسعة الدالة على تسعة الأجناس البشرية التي كان يعتقد في وجودها في أول العهد الفرعوني، وأنها منفصلة عن الجنس المسيطر عليها وبين القائمة المفصلة للأقواس التسعة الأجانب عن مصر كما وصلت إلينا من وثائق الأسرة الثامنة عشرة. غير أن فحص هذه القائمة قد أظهر لنا أن عهدها يرجع إلى ما قبل الدولة الحديثة بزمن بعيد، وأن فكرتها لا تكاد تكون حديثة عن الفكرة القديمة.

حقًّا، إن متون «الأهرام» ووثائق الدولتين القديمة والمتوسطة لا تقدم لنا معلومات مفصلة عن الأقوام التي تحويها عبارة (الأقواس التسعة)، وكذلك لم تُعرف أسماء كل واحد منها إلا من وثائق يرجع عهدها إلى ما بعد الدولة الوسطى، وهذه الأقواس تُقَدَّم لنا في صورةِ قوائمِ أقوامٍ مقهورين. ويمكننا أن نميز منها:
  • (١)

    قوائم الأقواس التسعة بصفة مبهمة؛ أي القوائم التي لا تحتوي إلا لفظة الأقواس دون ذكر أسماء أخرى.

  • (٢)

    قوائم بأسماء أقوام منوعة يسبقها تعداد الأقواس التسعة، وفي بعض الأحوال تجد أن في قائمة الأقواس التسعة قِسمًا يتخلله أسماء أقوام مختلفة بين الاسمين الأولين من القائمة.

  • (٣)

    نجد قوائمَ أقوامٍ مقهورين يتخللها أسماء أقوام من أقوام الأقواس التسعة.

  • (٤)
    وفي عهد البطالمة نجد أن المؤرخين والكتَّاب قد استعملوا القائمة البسيطة، ولكن كانوا يشفعونها بتعليق يختلف في مقدار تفاصيله. والواقع أننا حتى الآن لم نرَ قائمة لأقوام الأقواس التسعة مفصلة إلا في عهد «أمنحتب الثالث» (راجع Wresz. Atlas. I. PI 203; Davies. Bull. metr. Mus. New York Egyp. Expedition, 1914-15, Vol. X (1915). p. 233; A. S. T. XLII (1943) p. 462, PI. XXXIX).

وقد مُثِّل كل واحد من هذه الأقواس التسعة بأسيرٍ ذراعاه مقيدتان خلفه، وجذع هذا الأخير يعلو شكلًا بيضيًّا أو طغراء كتب فيه الاسم، ويميَّز قومُ كلِّ قوس بالصورة التي تمثَّل فوقه. وهذه الأقوام هي: (١) حاو-نبوت (أقوام بحر إيجه). (٢) شات. (٣) تاشمع (الوجه القبلي). (٤) سخت يام (الواحة). (٥) تامحو (الوجه البحري). (٦) بزت شو. (٧) تحنو (لوبيا). (٨) أوتيو-سبتي (النوبة). (٩) منتيو-نو-ستت (آسيا).

وهذا الترتيب الذي يظهر فيه هذه الأسماء لم يكن وليد الصدفة؛ بل وُجد في كثير من مقابر هذا العصر على هذا النظام، أما قائمة «شيشنق الأول» للأقواس التسعة، فإنها قد وُجدت في معبد الكرنك تسبق أسماء الأقوام التي أخضعها هذا الفرعون كما هي العادة، غير أن نظام ترتيبها يختلف عن القوائم الأخرى وهي: (٣) تاشمع. (٥) تامحو. (٦) بزت شو. (٤) سحت يام. (٩) منتيو-نو-ستت. (٧) ربو (لوبيا). (٢) شات. (١) حاو-نبو.

ويلاحَظ هنا أن ترتيب الأسماء مختلف، غير أن أسماء الأقواس التسعة ليست مختلفة إلا الاسم القديم للوبيين «تحنو»، فقد وُضع بدلًا منه اسم «ربو» الحديث، وهو يميز قومًا من الناس يسكنون هذه الجهة اشتق منه اسم «لوبيا».

ويلاحَظ منذ الأسرة الثامنة عشرة حتى نهاية العصر الإغريقي أن الأسماء التي يتألف منها أقوام الأقواس التسعة لم تتغير، اللهم إلا كتابة هذه الأسماء؛ فقد حُدِّدت في عهد البطالمة مع عدم تغييرها. وهذا الاستمرار في عدم تغيير الأسماء ملحوظ جدًّا؛ لأنه على الرغم من تغير ترتيب الأسماء يدل على أن القائمة كانت تقليدًا متبَعًا.

وعلى أية حال، فإن وجود اسمي: «تاشمع» و«تامحو» (الوجه القبلي والوجه البحري) في القائمة يبرهن على أنها ترجع في قِدمها إلى عهد كانت فيه «الأقواس التسعة» تعني مجموع الرعايا التي يحكمها الفرعون. ولكن من جهة أخرى نجد أن عبارة (الأقواس التسعة) لا تعني إلا الأقوام الأجانب كما تدل على ذلك الجملة التالية: «إن الأقوام التسعة يأتون إليك في مصر حاملين الهدايا.» (راجع Pap. Chester Beatty I verso BI. 30 = Gardiner Vol. I P. XXI a) وهذا التعبير يعني منذ الدولة الوسطى الأجانب (راجع. Senouhi B, 259 et 276). وعلى ذلك يجب أن نبحث في عهد قبل الدولة الحديثة وحتى قبل الدولة الوسطى عن الأصل الذي أُخذت عنه القوائم التي نجدها في مقابر «طيبة» خلال الدولة الحديثة.

وقد ذكرنا في «متون الأهرام» أن تعبد «الأقواس التسعة» يعني مجموع رعايا الملك، وعلى ذلك يظهر من الجائز جدًّا أن قائمة «الأقواس التسعة» ترجع في قِدَمِها في الواقع إلى عهد الدولة الحديثة، بل يجوز إلى عهد ما قبل الأسرات؛ وذلك لأن وجود لفظَي «الوجه القبلي» و«الوجه البحري» في القائمة لا يمكن تفسيرهما إلا على هذا الوجه.

والواقع أن قوائم «الأقواس التسعة» كانت تُفهَم بمعنًى مختلف في خلال العصور التاريخية، وعلى ذلك فإنه على حسب التقليد العتيق كان قوم «تاشمع» و«تامحو» يُرسمان على هيئة مصريين في قوائم الأسرة الثامنة عشرة، ولكن منذ الأسرة التاسعة عشرة كان قوم «تامحو» يعدون آسيويين، وقوم «تاشمع» يعدون نوبيين، وعلى ذلك فإن الاسم وإن لم يتغير كتابةً فإنه يمكن أن يتغير في المعنى. ولدينا متن منقوش على سور معبد «إدفو» من عهد البطالمة غاية في الأهمية لدرس الأقوام التسعة من الوجهة الجغرافية في هذا العهد، وهذا المتن يتضمن معناه ضمان ملك العالم الدنيوي للملك، فنجد فيه أن حمل محاصيل الأرض للإله قد رُمز له بتسعة أشخاص يتبعون الملك حاملين قربانًا، وهؤلاء الأشخاص قد مثِّل كل منهم في هيئة الإله «حعبي» (الفيضان).

وأمام الشخص الأول من هؤلاء الأشخاص المسمى المشرف على «إدفو» نقرأ ما يأتي:

الملك يخاطب الإله

إنه يحمل إليك البحيرات٣ (أو المدن) الثمانية المصرية التي يقاد بوساطتها «حعبي» (الفيضان) حتى البحر الذي خلف بلاد «حاو نبو» (البلاد الواقعة في الشمال الشرقي من مصر).
  • وخلف الإله الثاني: الذي يشرف على المحراب الجديد (اسم معبد إدفو):

    إنه يحمل إليك الأقواس التسعة «أونتيو» ومعنى ذلك السودان النوبيون لهذا الإقليم الجبلي الواقع شرقي النوبة وهم الذين يعيشون من ماء الآبار.

  • وخلف الإله الثالث: الذي يشرف على «تاور-خبشت» (مكان في المقاطعة الثالثة من مقاطعات الوجه البحري (؟) أو المقاطعة الخامسة عشرة من الوجه البحري):
    إنه يحمل إليك الأقواس التسعة «منتيو»، ومعنى ذلك بلاد «إشرو» (البلاد السورية المسوبوتامية) التي تعيش من ماء «حعبي»٤ في الشرق، ومن ماء المطر في الغرب …
  • وخلف الإله الرابع: الذي يشرف على نخن (الكاب؟):

    إنه يحمل إليك الأقواس التسعة «تحنو»، ويعني بذلك بلاد «نابيت» (اللوبيون أو يحتمل سرنيقا) التي تعيش من ماء المطر …

  • خلف الإله الخامس: الذي يشرف على تست (اسم لإدفو):

    إنه يحمل إليك الأقواس التسعة «سخت-يام»، ويعني بذلك البلاد الجبلية (أي الصحراوية) للواحات التي توجد في غربي حدود «تا-إهت» (واحة الفرافره) التي تعيش من ماء «حعبي» في الغرب، ومن ماء الآبار في الشرق. (أي إن البلاد التي في غربه تعيش من ماء الفيضان، والتي في شرقه تعيش من ماء المطر).

  • خلف الإله السادس: الذي يشرف على «أو-بجا» (مكان له علاقة بالعرابة):

    إنه يحمل إليك الأقواس التسعة «شو» (أيزت شو)، ويُعنَى بذلك الأقواس التسعة البدويون، والمقصود من ذلك بلاد موتيب (بلاد مديا) التي تعيش من ماء الفيضان (حعبي = الفرات) وكذلك من ماء النهر.

  • وخلف الإله السابع: الذي يشرف على بوصير (؟):

    إنه يحمل إليك الأقواس التسعة «شات»، والمعني بذلك بلاد «هكرو» (عرب الشمال) الذين يعيشون من ماء الغدران ومن ماء الآبار …

  • وخلف الإله الثامن: الذي يشرف على «ست ورت» (إدفو، كوم امبو، قوص أو هرمويوليس):

    إنه يحمل إليك الأقواس التسعة «حاو-نبوت»، والمقصود من ذلك جزر البحر وبلاد عدة شمالية تعيش من ماء الغدران.

ونرى من الشروح التي وُضعت لهذا المتن أنه لا يوجد من بين أسمائها اسم قد حُفظ معناه الأصلي الذي وضع له، والظاهر أن المؤلف البطلمي قد اجتهد في أن يجعل هذه القائمة الخاصة بالأقواس التسعة تمثل مجموع العالم كما هو ظاهر من المتن. ويلاحَظ هنا أن «تامحو» يقصد بها فلسطين لا مصر السفلى، و«تاشمع» تعني الصحراء الشرقية النوبية، و«تحنو» يقصد بها برقة. إلخ (راجع Bulletin De L’Iustitut Francias D’archeologie Orientale Tome. XL VIII. p. 108ff).

هذه لمحة عن أقوام الأقواس التسعة التي تحتل الأرقام من واحد إلى تسعة في القوائم الجغرافية للبلاد التي فتحها الفراعنة العظام.

وبعد ذكر أقوام الأقواس التسعة في قائمة «شيشنق» تأتي العبارة التالية: (١٠) صورة من أسماء الآسيويين الذين غزاهم «شيشنق».

(١١) «جما» (؟) (١٢) «ارا» في شمال فلسطين (١٣) «ربات» في شمال فلسطين (١٤) «تاعنكيا» في شمال فلسطين (١٥) «شنمايا» في شمال فلسطين (١٦) «بيت-شانرايا» (١٧) «رحبيا» (١٨) «حبرميا» (١٩) «ادرم» (٢٠) … الاسم مهشَّم (٢١) «شواد» (؟) (٢٢) «محنم» (٢٣) «قبعي» (٢٤) «بيت حورن» (٢٥) «قدتم» (٢٦) «إيرن» (٢٧) «مكديا»؟ (٢٨) «ادر» (٢٩) «يدهمرك» (٣٠) … (الاسم مهشم) (٣١) «حينم» (٣٢) «عرن» (٣٣) «برم» (٣٤) «زدبتر» (٣٥) «يحم» (٣٦) «بيت عرم» (٣٧) «كاقاري» (٣٨) «شيك» (٣٩) «بيت تبوح» (؟) (٤٠) «ابريا» (يحتمل أن هذا الاسم يكون مع رقم «٤١» المفقود اسمًا مركبًا). من «٤١–٤٤» … مهشمة (٤٥) بيت زابي (؟) (٤٦) ككما (؟) (٤٧–٥٠) … أسماء مهشمة (٥١) سسد … (؟) (٥٢) … مهشم (٥٣) بانير (؟) (٥٤) قدشت (٥٥) باكتت (عين بركت) (؟) (٥٦) إدميا (أدوم) (راجع «يوشع» الإصحاح ٣ سطر ١٦) (٥٧) صم-رم (= صمارايم في «يوشع» ١٨ سطر ٢٢)، وكذلك راجع «أخبار الأيام» ١٣ سطر ٤؛ حيث يقول: «وأقام إببا على جبل «صمارايم» الذي في إفرايم.» (٥٨) «مجدر» (مجدل) (٥٩) … (٦٠) … (٦١–٦٣) أسماء فقدت (٦٤) … مهشم (٦٥) باعمق (أمق الحالية) (٦٦) «عيزميا» (٦٧) «أنمر» (٦٨-٦٩) باحقل-فتيشيا (اقرن هذا الاسم بالاسم المركب «وادي قطسيس») على مسافة أربعة عشر ميلًا من الجنوب الشرقي من غزة (٧٠) إرهرر (٧١-٧٢) باحقل-أبرام = حقل إبراهيم، ويقول عنه «برستد»: «إن هذا أقدم ذكر لاسم إبراهيم.» (راجع Br. A. R. IV. p. 353 note a).
(٧٣-٧٤) شبرت نخبري (٧٥-٧٦) «شبرت — وركيت» (٧٧-٧٨) «باحقل-نعزيت» (٧٩) … (٨٠) «زبكيا» (٨١) … (٨٢) … (٨٣) خاناي (٨٤-٨٥) بانجب-عزحت (يحتمل أن يكون اسمًا مركبًا) (٨٦) «تشدنو» (؟) (٨٧-٨٨) باحقل-شنيا (٨٩) هقق (؟) (٩٠-٩١) بانجب-وهتورك (٩٢-٩٣) «بانجب-إشحرت» (٩٤-٩٥) باحقل-حنن (٩٦-٩٧) باحقل-ارقد (٩٨) «ادمم» (٩٩) حنني (١٠٠) «إدريا» (١٠١-١٠٢) باحقل-ترون (١٠٣-١٠٤) «حيدب-شرنر» (١٠٥-١٠٦) حيدب-ديوت (١٠٧-١٠٨) حقلم٥ — عرد (؟) (١٠٩) ربت (١١٠-١١١) عرد-نبت (١١٢) يرحم (١١٣–١١٥) أسماء فقدت (١١٦-١١٧) «إدر» (هذا الاسم مكرر) (١١٨) «با-بي» (هذا الاسم دون أداة التعريف «با» قرنه «برستد» باسم «با» الذي وجد على لوحة «لسيتي الأول» وجدت في تل شهاب في شرق الأردن) (١١٩) «محخ» (؟) (١٢٠) مهشم (١٢١) «فريم» (١٢٢-١٢٣) ابر-ببررد (١٢٤) بيت عنت (١٢٥) شرح (؟) (١٢٦) «إرمتن» (١٢٧) خرن (١٢٨) ادمم (١٢٩) مهشم (١٣٠) مهشم (١٣١) مهشم (١٣٢) «ارر» (؟) (١٣٣) «ير» (؟) (١٣٤–١٣٧) فقدت تمامًا (١٣٨) مهشم (١٣٩) «يرحم» (١٤٠) «إنن» (١٤١) فقد الاسم تمامًا (١٤٢) مهشم (١٤٣-١٤٤) فقد تمامًا (١٤٥) مهشم (١٤٦) «ادر»؟ (١٤٧-١٤٨) فقد (١٤٩) مهشم (١٥٠) «يردن» (وهو اسم مركب مع الاسم المفقود في رقم ١٤٩) من «١٥١» إلى النهاية أسماء فقدت إلا الأسماء الخمسة التي في أقصى اليمين (راجع Simons, Egyptian Topographical Lists p. 94 note 2). والأسماء الخمسة الباقية هي: (١) «شردد» (٢) «ربح» (٣) «ريني» (٤) «عنجرن» (٥) «هام».

وهكذا نجد (بعد دراسة هذه القائمة) أن معظم بلادها لا تتفق مع البلاد الأخرى التي ذكرت في قوائم الفراعنة العظام، ومن المحتمل أن معظمها قد فتحها «شيشنق الأول».

(٢-٢) المتون التي نقشت مع المناظر التي تركها لنا «شيشنق»

والآن بعد أن استعرضنا وصف هذه الأماكن الطوبوغرافية وذِكْر أسمائها وما لها من أهمية في تاريخ «شيشنق» الأول؛ نعود إلى ذكر النقوش التي جاءت مع المناظر التي تصور لنا هذه الحملة. أولًا: نجد على صور الأسرى الراكعين المتن التالي:

ضرب رؤساء النوبيين وكل البلاد الوعرة المسالك وكل أراضي الفنخو والممالك.

  • وأمام الملك نقش: «إن «شيشنق الأول» ملك عظيم الشهرة ضارب الممالك التي تهاجم والمنفذ بسيفه؛ لتعلم الأرضان أنه أخضع رؤساء كل الممالك.»
  • ونقش مع «آمون» ما يأتي: «مرحبًا بابني المحبوب «شيشنق» … الجبار في قوته، لقد أخضعت البلاد والممالك، وحطمت بدو النوبة، وكان سيفك جبارًا بين الآسيويين، وقد مُزقوا إربًا إربًا في كل لحظة، وشهرة انتصاراتك … كل البلاد (٣) وإنك تخرج بالنصر وتعود بالقوة، وإنك جمعت … وإني … لأجلك البلاد التي لم تعرف مصر، والتي بدأت تغزو حدودك لتقطع رءوسهم (٤) وإن النصر قد أعطى يديك، وكل البلاد وكل الممالك قد اتحدت … والخوف منك قد امتد حتى عمد السماء الأربعة، والرعب من جلالتك بين الأقواس التسعة، وإنك قد … قلوب الممالك، وإنك حور (الملك) على الأرضين (٥) وإنك … على الأعداء عندما تخضع القرن، خذ سيفي المنتصر (مشيرًا إلى السيف الذي يقدمه في الصورة إلى الملك) أنت يا من أخضعتْ مقمعته رؤساء الممالك.»
  • ما نطق به «آمون رع»: (يأتي بعد ذلك لقب الإله): (٧) إن قلبي لفرح جدًّا عندما أرى انتصاراتك يا بني محبوب آمون «شيشنق» يا محبوبي الذي خرج مني ليكون بطلي، وإني رأيت امتياز تصميماتك التي نفذتها واﻟ … لمعبدي الذي مكنته لي في طيبة، العرش العظيم الذي يميل إليه قلبي، وإنك قد بدأت إقامة آثار في هليوبوليس الجنوبية (طيبة) وهليوبوليس الشمالية (عين شمس)، وفي كل مدينة … هناك لإلهها الفريد بمقاطعته، وإنك أقمت معبدي ملايين السنين من الشام حيث أنا (١٣) … وإن قلبك مرتاح من «…» … وإنك … (١٤) أكثر من أي ملك منهم كلهم، وإنك أخضعت كل أرض، وإن سيفي الجبار كان مصدر الانتصارات التي منحتها … كل الآسيويين، وإن النار قد اندلعت كاللهيب خلفهم، وقد حاربت كل أرض وقد جمعتها معًا، وهي التي أعطاها جلالتك بوصفك منتو الجبار هازم أعدائه، وإن مقمعتك قد أسقطت أعداءك وهم آسيويو البلاد النائية وصل جبينك كان جبارًا بينهم.

ولقد جعلت حدودك تصل إلى ما ترغب فيه، وجعلت أهل الجنوب يأتون طائعين لك، وأهل الشمال يفدون لعظمة شهرتك، وإنك أوقعت مذبحة عظيمة بينهم يخطئها العد، فسقطت أقوام مهزومون في وديانهم، وقد حاق بهم الهلاك فيما بعد كالذين لم يكونوا قد ولدوا قط، وكل البلاد التي … (١٩) فإن جلالتك قد أهلكتها في لحظة، وإني قد دست لك أولئك الذين عصوك، وأخضعت لك الآسيويين التابعين لجيش «متن» (٢٠) وقد أذللتهم تحت قدميك، وإني والدك سيد الآلهة «آمون رع» رب طيبة والقائد الفريد الذي لا تهرب فلوله (أي فلول الجيش الذي هزمه هو) حتى أجعل شجاعتك تذكر في المستقبل في آباد كل السرمدية.

وكذلك لدينا في معبد الكرنك نقش في حجرة تقع في الشمال الغربي مباشرة من المحراب غير أنه مهشم، وتدل شواهد الأحوال على أنه كان تابعًا لمنظر يمثل تقديم جزية «لأمون»؛ وذلك لأن هذا المنظر يصور لنا «شيشنق» يخاطب آمون ويضع أمامه خراج «سوريا» وبلاد النوبة. ولكن مما يؤسف له أن تاريخ هذا النقش فُقِد، غير أنه مما لا شك فيه أنه دوِّن بعد حملة هذا الفرعون على فلسطين. ويُستخلَص منه أن شيشنق — فضلًا عن سيطرته على بلاد سوريا — كان يسيطر كذلك على بلاد النوبة السفلى، وإن ما دون هنا ليس من النقوش التقليدية، وبخاصة إذا علمنا أن عدد ما قدمته هذه البلاد لمصر من جرية فقد ذُكر بنوع من التخصيص الذي لا يدل على أنها مجرد ألفاظ فخر. وهذا يتفق مع ما جاء في النقش الكبير الذي ذكرناه آنفًا من أن «شيشنق» قد أخضع بلاد النوبة، وإن كان ذكره لإخضاع بلاد «متني» يوحي ببعض الشك، ولكن يظهر أنها ذكرت من باب المبالغة، وهاك النص:

السنة … في عهد جلالة الملك «شيشنق» (يأتي بعد ذلك ألقاب الفرعون) في بيت ملايين السنين للملك «حز خبر رع-ستبن رع» محبوب آمون «شيشنق الأول» الذي في منف (حكبتاح) … يأمون يا صانع أرض السود … جزية أرض سوريا … إني أحضرها لك من أرض السود … مواشي حمر وهي باكورتك وغزلانك وجلود فهودك.

تعليق: لا شك أن تولي «شيشنق» الأول عرش ملك الكنانة بوصفه فاتحة فراعنة الأسرة الثانية والعشرين يعد بداية عصر إنعاش للروح الحربية والسياسية في تاريخ مصر الحربي والسياسي؛ مما أعاد لها بعض مجدها السالف، وقد دلت الظواهر على أن هذا الفرعون الجديد كان جنديًّا عظيمًا صاحب مطامح واسعة المدى، وبخاصة أنه كان ينظر وراءه إلى سلسلة طويلة من القواد الشجعان من الأجناد المرتزقة من اللوبيين، الذين أعدوا أنفسهم لحماية أهم الحصون القائمة في مصر الوسطى والدلتا. والواقع أن هذا الفرعون كان يتوق لنيل السيطرة الحربية؛ لتمكين نسله على العرش الذي كسبه حديثًا بقوته ومَضَاء عزيمته.

وقد لاحظنا أن العلاقات الخارجية بين مصر والبلاد المجاورة تكاد تكون معدومة، اللهم إلا بعض اتصالات مع بلاد النوبة التي كانت في غالب الأزمان على وئام مع «مصر» وكذلك مع «فلسطين»، ومن جهة أخرى لا نعرف إلا النَّزْر اليسير عن هذه البلاد المتاخمة لمصر وبخاصة «فلسطين»، وقد انتهز «شيشنق» الفرصة لإعادة بعض ما كان لمصر من مجد وسلطان في آسيا وبلاد النوبة. والمعلومات الوحيدة التي وصلت إلينا عن مملكة «إسرائيل» التي كانت في فلسطين وقتئذ وعلاقتها بمصر؛ قد جاءت إلينا عن طريق الكتاب المقدس، فنعلم مثلًا أنه في عهد الملك داود (رجل الحرب) المؤسس الحقيقي للمملكة العبرانية (١٠٠٤–٩٦٠ق.م) بدأت سلسلة حملات كان من نتائجها رفع نِيرِ الاستعباد عن عاتق العبرانيين، وكذلك أخضع أدوم ومئواب وبلاد عمون لسلطانه.

وأهم ما يلفت النظر بالنسبة لمصر أنه في عهد «داود» هرب «هدد» أمير «أدوم» إلى بلاط الفرعون ومعه بعض حاشيته لينجو من المذبحة التي أوقعها القائد اليهودي «بواب» فيهم، وقد استقبل فرعون مصر هذا الأمير ومن معه استقبالًا حسنًا وآواهم وحمى ذمارهم، (ويحتمل أن الفرعون الذي كان يحكم مصر وقتئذ هو بسوسنس الثاني)، ويقال: إنه كذلك تزوج من أخت ملكة مصر «تاشبنس» (راجع «سفر الملوك» الأول الإصحاح ١١ الأسطر ١٤–٢٢).

وهاك النص: «وأقام الرب خصمًا لسليمان «هدد» الأدومي، كان من نسل الملك في أدوم، وحدَث — لما كان داود في «أدوم» عند صعود «يوآب» رئيس الجيش لدفن القتلى وضرب كل ذكر في «أدوم»؛ لأن «يوآب» وكل إسرائيل أقاموا هناك ستة أشهر حتى أفنوا كل ذكر في «أدوم» (١٧) إنَّ «هدد» هرب هو ورجال أدوميون من عبيد أبيه معه ليأتوا إلى مصر، وكان «هدد» غلامًا صغيرًا، وقاموا من «مديان» وأتوا إلى «فاران» وأخذوا معهم رجالًا من «فاران» وأتوا إلى مصر إلى فرعون ملك مصر فأعطاه بيتًا وعيَّن له طعامًا وأعطاه أرضًا (١٩) فوجد «هدد» نعمة في عيني فرعون جدًّا وزوجه أخت امرأته أخت نحفنيس الملكة، فولدت له أخت نحفنيس جنوبث ابنه وفطمته نحفنيس في وسط بيت فرعون وكان جنوبث في بيت فرعون بين بني فرعون (٢١) فسمع «هدد» في مصر بأن داود قد اضطجع مع آبائه، وبأن «يوآب» رئيس الجيش قد مات، فقال «هدد» لفرعون: أطلقني؛ فأنطلق إلى أرضي. (٢٣) فقال له فرعون: ما أعوزك عندي حتى إنك تطلب الذهاب إلى أرضك، فقال: لا شيء، ولكن أطلقني.»

وبعد ذلك العهد بزمن قصير نجد أن ملكًا — ويحتمل أنه نفس «بسوسنس» السالف الذكر — قد ولى وجهه شطر «كنعان» في أحوال ليست معلومة لنا، واستولى على مدينة «جازر» وأحرقها كما جاء في التوراة؛ حيث نقرأ (راجع كتاب «الملوك الأول» الإصحاح التاسع سطر ١٦): «صعد فرعون ملك مصر وأخذ «جازر» وأحرقها بالنار، وقتل الكنعانيين الساكنين في المدينة، وأعطاها مهرًا لابنته امرأة سليمان.» وهذا يبرهن لنا على أن فرعون كان قد حاول التقرب لجارته «فلسطين».

وفي نهاية عهد «سليمان» كان «شيشنق الأول» على ملك مصر وقتئذ وهرب «يربعام» بن «نباط» الأفرامي من «صرده» عبد «سليمان» إلى مصر، وهو الذي قد وعده الله — على لسان «أخيا الشليوني» النبي — مملكةَ إسرائيل، وقد كان «سليمان» يهدده بالموت (راجع سفر الملوك الأول الإصحاح الحادي عشر من سطر ٢٦)، وهاك النص: «ويربعام بن ناباط أفرامي من «صردة» عبد «لسليمان»، واسم أمه «صروعه» وهي امرأة أرملة، رفع يده على الملك (٢٧) وهذا هو سبب رفعه يده على الملك، إن سليمان بنى القلعة وسد شقوق مدينة داود أبيه (٢٨) وكان الرجل يربعام جبارَ بأسٍ، فلما رأى سليمان الغلام أنه عاملٌ شغلًا أقامه على كل أعمال بيت يوسف (٢٩) وكان في ذلك الزمان لما خرج يربعام من أورشليم أنه لاقاه «أخيا الشليوني» النبي في الطريق وهو لابس رداءً جديدًا وهما وحدهما في الحقل، فقبض «أخيا» على الرداء الجديد الذي عليه ومزقه اثنتي عشرة قطعة (٣١) وقال ليربعام: خذ لنفسك عشر قطع؛ لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل ها أنا أمزق المملكة من يدي سليمان وأعطيك عشرة أسباط، ويكون له سبط واحد من أجل عبدي داود، ومن أجل أورشليم المدينة التي اخترتها من كل أسباط إسرائيل (٣٣) لأنهم تركوني وسجدوا «لعشتروت» إلهة الصيدونيين و«لكموش» إله الموآبيين و«لملكوم» إله بني عمون، ولم يسلكوا في طريقي ليعملوا المستقيم في عيني وفرائضي وأحكامي كداود أبيه، ولا آخذ كل المملكة من يده بل أصيره رئيسًا كل أيام حياته لأجل داود عبدي الذي اخترته الذي حفظ وصاياي وفرائضي (٣٥) وآخذ المملكة من يد ابنه وأعطيك إياها الأسباط العشرة، وأعطي ابنه سبطًا واحدًا؛ ليكون سراج لداود عبدي كل الأيام أمامي في أورشليم المدينة التي اخترتها لنفسي لأضع اسمي فيها (٣٧) وآخذك فتملك حسب كل ما تشتهي نفسك، وتكون ملكًا على إسرائيل (٣٨) فإذا سمعت كل ما أوصيك به، وسلكت في طريقي، وفعلت ما هو مستقيم في عيني، وحفظت فرائضي ووصاياي كما فعل داود عبدي، أكون معك وأبني لك بيتًا آمنًا كما بنيت لداود، وأعطيك إسرائيل (٣٩) وأذل نسل داود من أجل هذا، ولكن لا كل الأيام. (٤٠) وطلب سليمان قتل يربعام، فقام يربعام وهرب إلى مصر إلى «شيشنق» ملك مصر، وكان في مصر إلى وفاة سليمان … إلخ.»

والواقع أن السياسة المصرية على ما يظهر كانت في ظاهرها تدل على المصافاة والود مع ملوك «إسرائيل»، غير أن الفراعنة لم يتركوا وقتئذ أية فرصة لإضعافهم؛ وذلك بانتهاز كل وسيلة لبث الخلاف بينهم، وبذلك كان يأمل الفراعنة في التدخل يومًا في أمور بلاد «فلسطين» الداخلية وتسترد لمصر نفوذها الذي كان عظيمًا فيما مضى في تلك البقاع، وهو ذلك النفوذ الذي كسبته الفراعنة بحد السيف. ولم يمضِ طويل زمن حتى حانت تلك الفرصة؛ وذلك أنه على إثر موت «سليمان» حدث التمزق الذي تنبأ به النبي «آخيا» في «فلسطين»؛ وذلك أنه بعد أن عاد «يربعام» من مصر إلى «فلسطين» أسس دولة «إسرائيل» التي كانت تشمل الاثنتي عشرة قبيلة، في حين أن «رحبام بن سليمان» أسس دولة يهودا الصغيرة التي كانت تتألف من القبيلتين الصغيرتين؛ «يهودا» و«بنيامين»، وقد حدث ذلك حوالي عام ٩٣٥ق.م، وبعد هذا التاريخ بخمس سنين قام «شيشنق» بحملة على «فلسطين»، ومن ثم نعلم أنه قد انتصر انتصارًا عظيمًا، وقد ذكرنا ما قالته النصوص المصرية في هذا الصدد غير أنه مبهم، والظاهر أن الفرعون في هذه الحملة لم يتعدَّ الحدود الشمالية لجليلي (بيت أنات).

وعلى أية حال؛ فإن حملة «شيشنق» لا بد كان لها نتائج حسنة في انتشار النفوذ المصري في تلك الأصقاع الآسيوية، كما أنها زادت في خزائن مصر، وخاصة عندما نعلم أن «داود» و«سليمان» بوجه خاص قد جمعا أموالًا طائلة في بلادهما، ولا نشك في أن «أورشليم» كانت من أغنى البلاد في هذا العهد. وقد علمنا أن «شيشنق» — على حسب ما جاء في التوارة — استولى على كل ما له قيمة هناك واستعمله في بلاده، والواقع يدل على ذلك؛ لأن مصر قد عاشت قرنين من الزمان على الغنائم التي حملها «شيشنق» من «فلسطين»، ولا أدل على ذلك من العمائر التي أخذ في إقامتها ملوك هذه الأسرة؛ مما يدل على بسطة في المال وسعة في الرزق، وهذه الآثار لا تزال باقية حتى الآن بمعبد «الكرنك»، وهي التي فصلنا القول فيها فيما سبق.

(٣) آثار الفرعون شيشنق الأول

ترك لنا «شيشنق الأول» عدة آثار هامة في أنحاء مصر، نخص بالذكر منها ما يأتي:

(٣-١) لوحة الكرنك

عَثَرَ الأثري «لجران» على قطع من لوحة من الحجر الرملي عام ١٨٩٤ وعام ١٩٠٣ (راجع Legrain, A. S. V. p. 38: Br. A. R. IV Par 924)، في قاعة «الكرنك»، ونشاهد على هذه اللوحة الملك وابنه «أوبوت» الكاهن الأكبر يقدمان قربان النبيذ للإله «آمون»، وقد دُوِّن على هذه اللوحة تقرير هام عن حملته في آسيا، غير أنه مما يؤسف له جد الأسف أن ما تبقى من نقوشها لا يقدم لنا إلا بعض جمل يفهم منها أنه قد وقعت بعض حادثة — ويحتمل أن تكون واقعة حربية وقعت — على شواطئ البحيرات المرة في خليج السويس. وما تبقى من النقوش لا يمكن فهم شيء كثير منه وهو:

… فقال جلالته للبلاط … الأشياء الشريرة التي فعلوها، فقالوا … خيله خلفه، في حين أنهم لم يعرفوها، تأمل … وقد عمل جلالته مذبحة عظيمة بينهم وهو على جسر شاطئ كمور (البحيرات المرة)، وأنه هو الذي كان …

(٣-٢) لوحة الواحة الداخلة

(راجع J. E. A. Vol. XIX. pp. 19ff). عَثَرَ على هذه اللوحة الكبتن «ليونز» في «الواحة الداخلة» عام ١٨٩٤ ومعها أخرى أصغر منها في بلدة «موت»، وكان أول من نشر نقوشها الأثري «سبيجلبرج» (راجع Rec. Trav. XXI (1889) p. 12–21)، وقد قام بنشر اللوحة الأولى من جديد الأستاذ «جاردنر» وعلق عليها تعليقًا ممتعًا، وصحح بعض الشيء الترجمة التي وضعها سلفه.

واللوحة تنقسم قسمين: الأعلى ويحتوي على منظر غريب في بابه؛ ففي وسطه نشاهد مبنًى غامضًا في كنهه يظهر لأول وهلة أنه محراب يخرج منه عمود مزين بإكليل يحمل ما يسمى «الشعر المستعار لأوزير»، وهذا الشعر هو رمز عبادة بلدة «العرابة المدفونة»، ويزين جدران هذا المحراب صورتان للإلهة «حتحور»، غير أنه لا توجد أية علاقة على ما يظهر بالإله «أوزير» والنقوش التي تتبع هذا المنظر تُشْعِر بأن هذا المبنى يعد بمثابة محراب للإله «ستخ» (أوست) نفسه، وإن كان من المستحيل علينا أن نجد العلاقة بين الصورة التي تتوسط المحراب وبين صورة الإلهة «حتحور».

وعلى يمين هذا المحراب نشاهد أميرًا ممسكًا بيده مصباحًا، واسم هذا الأمير «وايهيست» صاحب «أرض الواحة»، ويُرَى خلفه كاهن يتعبد واقفًا ويُلقب كاهن «ستخ» «نسوباست» المرحوم بن «باتي»، وعلى يسار المحراب نشاهد امرأة لم يُذكر اسمها، والمحتمل أنها أم «نسوباست» التي تسمى «توحنوت»، وخلفها امرأة أخرى تُلقب زوج كاهن «ستخ» «بيتباست» بن «باتي»، ويحتمل أن الاسم الأخير هو تحريف لاسم «نسوباست»، غير أن ذلك ليس مؤكدًا؛ إذ من المحتمل أن يكون اسمَ أخي صاحب البئر التي عليها النزاع كما سنرى بعد.

وفي أسفل المنظر السابق من جهة اليمين نشاهد امرأتين تضربان على الدف، وقد كان اسماهما ولقباهما مدونين في النقش الذي يصحبهما، غير أنه لم يبقَ إلا بعض كلمات هي: «الزوجة ربة البيت المغنية … المرحومة مغنية «ستخ» … المرحوم.»

والظاهر أن الأم والأخت كانتا قد رُسِمَتَا هنا، ويحتمل أن الابنة كانت زوج «نسوباست»، وعلى ذلك لا يمكن أن تكون الصورة التي في النصف الأعلى هي صورة زوج نفس الرجل إلا إذا كان هذا الرجل له زوجان؛ إحداهما على قيد الحياة، والأخرى توفيت، أو أن كلتيهما عائشة أو متوفاة، وإن كان هذا احتمالًا يصعب قبوله.

(أ) متن اللوحة

وفي أسفل المنظر السابق نقش متن اللوحة وهو:

(١) السنة الخامسة، الشهر الرابع من فصل الشتاء، اليوم السادس عشر من عهد الفرعون «شيشنق» محبوب «آمون»، في هذا اليوم أتى (؟) ابن أمير «مي».

(٢) ورئيس مستخدمي الأراضي، وكاهن «حتحور» صاحبة «ديوسبوليس»، وكاهن حوروسخمت (؟) صاحبة برزازه، وكاهن (ستخ) رب الواحة والمشرف على الأراضي التي يغمرها الفيضان والمشرف على المزارع (؟) وأمير الأرضين صاحب الواحة «وايهيست» القاطن ببلدة «ساواحيت» بعد أن أرسله الفرعون لإعادة النظام في أراضي الواحة.

(٤) وذلك بعد أن وجدها في حالة حرب واضطراب (؟) وفي هذا اليوم عندما ذهب ليفحص الآبار التي تفيض والآبار الأخرى التي في بلدة «سواحيت» سواء أكانت آبارًا مسدودة أم آبارًا للري وصل ليرى بئر العين الجارية المسماة «وبن رع».

(٦) وذلك بعد أن تكلم أمامه كاهن «ستخ» «ناسوباست» قائلًا: تأمل أن عين ماء جارية قد انفجرت وهي هنا بجوار هذه البئر الفائضة المسماة «وبن رع»، فافحصها؛ أي هذه البئر ملك «وبن رع» التي أنت بجوارها؛ لأنها بئر خاصة وهي ملك والدتي «توحونوت» بنت «حنتنتري». وعندئذ قال له الكاهن والأمير «وايهيست»: قف في حضرة الإله «ستخ» وادعيها لنفسك.

في السنة الخامسة، الشهر الرابع من فصل الشتاء، اليوم الخامس والعشرين؛ أي في هذا اليوم عندما طلع هذا الإله الشريف «ستخ» العظيم القوة بن «نوت» في عيده المسمى «جمال النهار»؛ وقف الأمير «وايهيست» في حضرته (٩) وعندئذ قال «ستخ» الإله العظيم: إن «نسوباست» بن «باتي» على حق، إن ماء الفيضان هذا الذي في الشمال الغربي من البئر ذات الماء الجاري الخاص «بوبن رع»، هذه البئر التابعة «لبيرع» التي تقع في «سواحيت» هي ملك والدته المسماة «توحنوت» (١٠) ثبتها له هذا اليوم. وعندئذ قال الإله العظيم: لا توجد بئران «جاريتان» تابعتان «لوبن رع»، وهذه البئر ملك «بيرع» التي في «سواحيت»، غير أنه وجدت بئر واحدة في سجل المساحات الخاصة بالآبار والبساتين التابعة «لبيرع»، وهو؛ أي «السجل» الذي أصدره المراقب «عنخف» بن «ستنخت» بمثابة نسخة من سجل الفرعون «بسوسنس العظيم» في السنة التاسعة عشرة. وعندئذ قال «ستخ» (١٢) الإله العظيم: أما عن كل عين جارية في هذا الإقليم فإن التي تقع منها غربي «سواحيت»، فإنها فروع انطلقت من عيون «حوى» الجارية كما يطلق عليها.

وهذه مياه خاصة وليس من بينها مياه ملك الفرعون، وهي ملك للفرد الذي سيديرها هذا اليوم. ثم قال الإله: أما عن العيون الجارية التي ادَّعاها لنفسه «نسوباست» ابن «باتي» فإنه سيديرها حتى يمكن … (؟) الخصب، هذا بالإضافة للعين الجارية ملك والدته «توحنوت»، فثبتوها له، وإنها ثابتة لابن ابنه (١٥) ووارث وارثه ولزوجه ولأولاده؛ ولن يكون هناك ولد آخر حر منسوب إلى «توحنوت» له نصيب فيها إلا «نسوباست» بن «باتي».

وهكذا تحدث «سوتخ» الإله العظيم أمام شهود عديدين.

قائمة بأسمائهم

  • (١)

    كاهن «ستخ» صاحب الواحة، والأمير والرئيس «وايهيست».

  • (٢)

    ماتواهر (وظيفة) «باورود».

  • (٣)

    ماتواهر (وظيفة) «وايكسهر».

  • (٤)

    ماتواهر (وظيفة) «تن» …؟ (١٨).

  • (٥)

    ماتواهر (وظيفة) «كايهام».

  • (٦)

    ضابط حملة الدروع «بتي …»

  • (٧)

    المزارع «عنخف» بن «تفنيونخت».

  • (٨)

    الكاهن والد الإله وكاتب الختم «باتي» بن «كانا».

  • (٩)

    الكاهن والد الإله وكاتب المعبد «تيرستخ» بن «سرتحوت».

  • (١٠)

    الكاتب «بكوم».

  • (١١)

    … ابن «باتي».

  • (١٢)

    الكاهن والد الإله …

  • (١٣)

    الكاهن والد الإله … «قرستخ» بن «عنخف».

  • (١٤)

    كاهن امنآبي (؟) «بنآمون» بن «باتي».

  • (١٥)

    حارس الباب «بعنخ» بن «بنجبج».

  • (١٦)

    حارس الباب «بونيش».

تعليق: لا نزاع في أن محتويات هذه اللوحة تعد من الطراز الأول بالنسبة لتاريخ مصر في هذه الفترة الغامضة من تاريخ أرض الكنانة، وبخاصة عندما عرفنا أنه قد عُثِر عليها في الواحة الداخلة، وقد زاد من أهميتها أنها تبحث في الأحوال الطبيعية والإدارية والدينية والطوبوغرافية لهذا الإقليم النائي عن مصر ذاتها. يضاف إلى ذلك أن العصر الذي نقشت فيه هذه اللوحة يعد من العصور الهامة في سياسة البلاد، وكما هو نعرف العصر الذي حكمت فيه البلادَ طائفة من الأجانب المجاورين لمصر، وهم اللوبيون الذين استوطنوا البلاد منذ زمن بعيد، وأسسوا الأسرة الثانية والعشرين، والمتون الخاصة بملوك هذه الأسرة قليلة نسبيًّا. وتمتاز هذه اللوحة بأنها الأولى من نوعها التي وجدنا في نقوشها أن لقب الفرعون قد وضع قبل اسمه الملكي، وذلك على غرار ما جاء بالتوراة؛ حيث ذكر الفرعون «حفرة» والفرعون «نخو». يضاف إلى ذلك أنه لدينا في متن هذه اللوحة مثال غريب عن المحاكمة، أو بعبارة أخرى الفصل في قضية بوساطة الوحي، ويمكننا أن نضم هذا المثل للأمثلة التي ذكرناها من هذا القَبِيل في أثناء بحوثنا في «الجزء السابق من مصر القديمة)، وهذه اللوحة كما ذكرنا من قبل هي واحدةُ اثنتينِ، وقد قطعت من الحجر الجيري الأبيض، ويبلغ طولها ٣٧ بوصة وعرضها ٢٦ بوصة، والإله الذي قضى في موضوع عيون الماء في هذه الجهة هو الإله «ستخ» الذي كانت عبادته شائعة في الواحات على وجه عام على الرغم من تغلب عبادة آمون على كل عبادة أخرى.

أما العيون المتفجرة فهي التي كانت تعيش على مائها السكان في الواحات، وهي عيون في غالب الأحوال صناعية؛ أي إما آبار كان يحفِرها الأهلون على عمق بعيد إلى أن تصادف تيارات مائية تنساب في جوف الأراضي المنخفضة وهي منحدرة من النيل، وعند بلوغها كانت تتفجر من خلالها العيون الصافية الماء فيُزرع بها أنواع الحبوب والفاكهة، ولكن في حالات أخرى كانت لا تصل هذه المياه إلى مستوى الخصب، وكان يحدث أحيانًا أن بعض الآبار يفيض ماؤها بسبب تجمع الرواسب والأقذار على فوهتها. ولا نزاع في أن ملكية الآبار كانت ولا تزال تعد من الأهمية بمكان، والواقع أنها كانت موحدة بملكية الأراضي، وإن كان في أيامنا يوجد أفراد يملكون عيون ماء ولا يملكون أرضًا، في حين أنه يوجد أشخاص آخرون يملكون أرضًا ولا يملكون عيون ماء! ونفهم من المتن الذي أوردناه هنا أنه في عهد الأسرة الثانية والعشرين كان لمالك البئر الحق في ملكية الأراضي التي تغمرها مياه هذه البئر. والواقع أن هذه هي الحالة التي نفهمها من المتن، وسنستعرض بعد هذه الإيضاحات البسيطة مضمون المتن الذي نحن بصدده على ضوء الترجمة التي أوردناها من قبل.

والظاهر أنه في نهاية الأسرة الواحدة والعشرين قامت بعض اضطرابات في الواحة الداخلية، كما كانت الحال في معظم جهات القطر، وهذا ما دلت عليه شواهد الأحوال عند تغير الملك من أسرة لأسرة؛ ولذلك نجد أن الملك «شيشنق الأول» اللوبي المَنْبت قد اضطر إلى إرسال ابنه «وايهيست» إلى هذه الواحة حاكمًا، ولا نزاع في أنه في عهد قيام الاضطرابات وانتشار سوء النظام الداخلي تكون الملكيات عرضة للضياع والاغتصاب على يدي الأقوياء، كما كانت الادعاءات بملكيتها زورًا وبهتانًا متفشية، وعلى ذلك نجد أنه كان من أولى الأعمال التي قام بها الحاكم الجديد «وايهيست» فحص الآبار وعيون الماء التي كان يتوقف عليها حياة سكان هذه الواحة، واتفق أنه عندما كان هذا الأمير في بلده «ساواحيت» طلب إليه أحد كهنة الإله «ستخ» الذي يدعى «نسوباست» أن يفحص ملكية أرض بجوار عين ماء «وبنرع»، وكان قد ادعى أن هذه العين كانت ملكًا لأمه، وبنى ادعاءه أولًا على أن عينًا جديدة من المياه الفائضة قد ظهرت بجوار هذه العين، وقد احتج «نسوباست» بأن المساحة التي تغمرها هذه العين كانت تأخذ ماءها من ماء عين «وبنرع» لا من عين غيرها، وقد كانت الأحكام في هذه الفترة من تاريخ البلاد تصدر عن لسان الوحي كما فصلنا القول في ذلك من قبل في مواضع شتى، وعلى ذلك فإن «وايهيست» دعا الكاهن «نسوباست» للمثول أمام الإله «ستخ» إله الواحة، وذلك في وقت الاحتفال بِعِيد هذا الإله الذي كان وشيك الانعقاد، وفي اليوم المعلوم وضع الأمير نفسه الأسئلة الخاصة بهذه القضية للإله «ستخ» الذي أجاب بدوره عنها بإشارات خاصة ظاهرة لكل الشهود الذين حضروا المحاكمة، وهم الذين ذُيلت بأسمائهم هذه الوثيقة.

وكان المحراب الذي فيه تمثال الإله كما هو معلوم محمولًا على أعناق الكهنة من حُجرة قدس الأقداس حتى قاعة العمد، وهناك كان يُحرَّك تمثال الإله على حسب الطرق والنظم الموضوعة لذلك للإجابة بالقبول أو بالرفض، ولسنا في حاجة إلى القول بأن الأمير هو الذي كان يقرر نتيجة الحكم، ولا نزاع في أن كل الكهنة دون استثناء يعلمون هذه الحقيقة، ومع ذلك فإن الحكم كان يُقبَل على أنه صادر عن الإله نفسه.

ومن المحتمل أن «نسوباست» قد قدم ادعاءه في عدة خطابات منفصلة، ولكن بعد إلقاء كلماته التي اختصرت لم يدون فيها إلا إجابات الوحي، وتدل شواهد الأحوال على أن بعض الوثائق قد فُحصت قبل المحاكمة، والقرار النهائي قد جاء في أربع إجابات للوحي مميزة؛ فالقرار الأول يعلن أن ادعاء «نسوباست» كان حقًّا، وأن الأرض المغمورة بالمياه الواقعة في الشمال الغربي لعين «وبنرع» كانت في الواقع ملك والدته «توحنوت» بنت «حنتنترو». أما إجابة الوحي الثانية فقد بينت لنا سبب هذه المحاكمة، وهو أنه توجد عين واحدة جارية كانت لها علاقة بالعين المسماة «وبنرع» في قطعة الأرض المعروفة باسم «بيرع»، وقد وجد أن البئر الوحيدة المسجلة باسم «توحنوت» في السجلات الرسمية التي نسخت من سجلات أخرى كانت قد دُونت في السنة التاسعة عشرة باسم ملك يدعى «بسوسنس» ونشرها المراقب «عنخف» بن «ستنخت» بوصفها معتمدة. وقد أجاب الوحي الإلهي بجواب ثالث منح به «نسوباست» حقوقًا أخرى؛ إذ الظاهر أن كل العيون الجارية غربي بلدة «ساواحيت» — بما في ذلك بطبيعة الحال عين «وبنرع» — كانت تستمد مياهها من الآبار المعروفة بأنها ملك «حوى»، وهي التي لم تكن ملك «التاج»، ويمكن أن تكون على ذلك ملك أفراد خاصين، ومن أجل هذا كانت تحت تصرف أي مواطن يمكنه أن يتصرف في مائها. والنطق الرابع والأخير الذي أدلى به الوحي نجد فيه أن «نسوباست» قد منح فيه تصريحًا بيِّنًا بتملك كل هذه الآبار بالإضافة إلى بئر «وبنرع»، وقد أعلن أن أية ملكية قد اكتسبت بهذه الطريقة ستثبت «لنسوباست» وأخلافه من بعده سرمديًّا دون أن يكون لأي ابن من أبناء «تحنوت» أَخْذُ نصيب منها.

(٣-٣) لوحة شيشنق الخاصة بالضرائب الدينية التصاعدية

ومن الآثار الهامة التي خلفها لنا الفرعون «شيشنق الأول» لوحة وجدت في «أهناسية المدينة» — التي كانت تعد المقر الأصلي لأسرته — في عام ١٩٠٧، وهي محفوظة الآن بالمتحف المصري، ويبلغ ارتفاعها «٥٧» سنتيمترًا، وعرضها «٥٦» سنتيمترًا، وقد نقش عليها تسعة وعشرون سطرًا، غير أنها وصلت إلينا مهشمة بعض الشيء، وكان أول من درس نقوشها «أحمد بك كمال» عام ١٩٠٩ (راجع Rec. Trav. XXXI. p. 33–38)، ثم فحصها «دارسي» عام ١٩١٣ (راجع Ibid XXXV p. 133)، كما درس الأسماء الجغرافية التي تحتويها (راجع Dic. Geog. (I-VI) & L. R. III. 312 et 324)، وقد أضاف الأثري «مسبرو» بعض ملاحظات على مقال «أحمد بك كمال» قال فيها: «إن هذه اللوحة لها أهمية عظيمة من حيث موضوع الأوقاف في مصر القديمة.» هذا، وقد درست أخيرًا هذه اللوحة (راجع Melanges Maspero, T. II, p. 817ff)، وقد اختلف الأثريون في كنه هذا الأثر؛ فيقول «أحمد بك كمال» و«جوتييه»: إنها كانت في الأصل مائدة قربان قطعت من حجر مكعب الشكل، غير أن نوع الحجر لم يعرف على وجه التأكيد. ويقول «أحمد بك كمال» وكذلك الأثري «فاري»: إنه من الجرانيت الأسود أو الرمادي.

ويلاحظ أن سمك هذا الأثر قد نُقش من كل جوانبه ولم يبقَ منه واحد دون نقش، فعلى وجهين نجد سلسلة من التفاصيل حُفر فيها ثماني حفر ربما كانت لوضع أحجار الضامة فيها، وقد نقش على وجه آخر أربعة أحواض ربما كانت خاصة بوضع القربان فيها ويرجع عهدها للعصر القبطي، ونقش على الوجهين الباقيين المتن المصري القديم.

وهاك ترجمة المتن:

(١) … السكتيو، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، رب الأرضين (خبرحزت-رع-ستبن رع) ابن رع رب التيجان (مري آمون شيشنق)، (٢) عندما كان جلالته له الحياة والفلاح والصحة يبحث (في نفسه) عن كل أنواع الأشياء المفيدة ليخبرها لوالده الإله «حرشف» ملك مصر وسيد «أهناسية المدينة»، وهو شيء كان على أية حال يحفظه في قلبه منذ توليه (٣) العرش، وجاء إليه الأمر الملكي رئيس الجيش «نمروت» في حضرته وقال له: حقًّا، إن معبد الإله «حرشف» سيد مصر يتوق بشدة إلى ثور القربان اليومي؛ (أي الثور الذي كان يقدم قربانًا يوميًّا إلى هذا الإله)، وقد وجدت أن توريد هذا الثور قد تُغُوضِيَ عنه تقريبًا، مع أنه كان موجودًا منذ زمن بعيد قبلي في عهد (٥) الأجداد، وإذا أعدنا تقريره ثانية كان ذلك شيئًا ممتازًا. فأجاب الملك: إني أهنئك يا ولدي الذي أنجبته؛ (٦) فإن قلبك يشبه قلب من أنجبك وكأنه هو في شبابه، وإن والدي «حرشف» سيد مصر ورب أهناسية المدينة الذي جعل كل ما يخرج من فمك نافذًا أبديًّا في معبده، فليُعمل مرسوم في القصر (له الحياة والصحة والقوة) خاص بتموين معبد «حرشف» ملك مصر وسيد أهناسية المدينة؛ ليستمر توريد ثور القربان هذا يوميًّا كما كان يحدث في عهد الأجداد.

وقد صدر على ذلك المرسوم الخاص بتموين المحراب، وقد ضربت الضرائب من أجل الثور اليومي، ووضح تمامًا بألا يكون هناك أية مخالفة (١٠) من الضياع والأماكن والمستعمرات (الإقطاعات) التابعة لأهناسية المدينة، وأن يستمر توريد هذا الحيوان دائمًا طوال الأبد السرمدي — ملك الوجه القبلي والوجه البحري — رب الأرضين (خبر-حزت رع-ستبن رع) ابن رع رب التيجان (مري آمون شيشنق) معطي الحياة مثل رع سرمديًّا.

مقدار الضرائب التي تساوي «٣٦٥ ثورًا»، وهي الضرورية لحاجيات السنة حتى نهاية الأبدية:

(١٢) رئيس جيش أهناسية المدينة نصيبه … لشَهْرَيْ؛ توت وبابه ٦٠ ثورًا
السيدة الرئيسة العامة لحريم الإله «حرشف» ملك الأرضين وبنت الرئيس العظيم للجيش (التي تسمى) «استنخب» … ١٠ ثيران
(١٣) رئيس «توهارو»* الخاص بأوزير «ماعت رع» … ١٠ ثيران
رئيس توهارو «أهناسية المدينة» … ١٠ ثيران
كاهن الإله «ست» سيد «سسو» (؟) وهذا لشهر «هاتور» ١٠ ثيران
(١٤) رئيس مُسَمِّنِي الثيران لمعبد الإله حرشف ملك الأرضين … ١٠ ثيران
رئيس «أمي-باح» … ٦ثيران
الأمين العام لمعبد مأوى الإله «حرشف» ملك مصر … ١٠ ثيران
مدير المعبد … ١ ثور
٣ ثيران
«توهارو» اسم قوم من الساميين قد أتى بهم الفراعنة إلى مصر من حملاتهم في آسيا، وتدل الأحوال على أنه كانت توجد طائفتان جيء بهما إلى مصر في عهدين مختلفين، وقد احتلت إحداهما مكانًا غير معروف في مقاطعة أهناسية المدينة، حيث وضعها «رعمسيس الثاني» كما يدل على ذلك اسمها «توهارو وسرماعت رع» (أي توهارو رعمسيس الثاني). أما الثانية فكانت تحمل اسم «توهارو» «أهناسية المدينة»؛ ولذلك يحق لنا أن نجعل مكانها في أهناسية المدينة أو بالقرب منها، وكان على رأس كل من هاتين الطائفتين رئيس يدعى كبير توهارو (راجع Melanges Maspero p. 838).
وهذه لشهر كيهك.
كاهن الإله «حرشف» ملك الأرضين … ٧ ثيران
مدير مخزن هذا المثوى … ١ ثور
رئيس فرقة الحرس لمخازن هذا المثوى … ١ ثور
(١٦) …
وهذه لشهر طوبة.
… لمخزن … ٤ ثيران
… القائد … ٨ ثيران
رئيس مخازن القائد … ٨ ثيران
١٠ ثيران
وهذه لشهر أمشير.
رئيس رماة أسطول الحرب للقائد … ١٠ ثيران
مدير بيت القائد … ٥ ثيران
(١٨) …
وهذه لشهر برمودة.
رئيس كتبة الحامية التابعة للمكان المحصن «مري أم شعف» ٥ ثيران
عظماء … «مري أم شعف» … ٦ ثيران
كاتب الجنود …
(١٩) … «أهناسية المدينة» … ٢ ثَور
مدير اﻟ … العاصمة للقائد … ٥ ثيران
الخادم الأول لبيت جرسافيس … ١ ثور
وهذه لشهر برمهات.
(٢٠) … مدينة «باسجري-ني حانتيت» ومدينة «تاعت-باقن-بامشع» ٢ ثور
مدينة بوصير … ٢ ثور
مدينة تاوحيت-سسو ومدينة … ومدينة باسيج نفر … ١ ثور
مدينة بابخن-ني-بانحسي … ٢ ثور
وهذه لشهر بشنس.
مدينة بابخن
ومدينة بابخن-ني-نفررنبت … ١ ثور
مدينة تا إت-با … بست … ١ ثور
مدينة بر … تف … ١ ثور
مدينة بروازو … ١ ثور
مدينة تا-شات راسا … ١ ثور
… (٢٣) مدينة إت-شات حرآس … ٢ ثور
مدينة برنبت … ١ ثور
مدينة حات-نبت-منتو … ٣ ثيران
وهذه لشهر بئونة.
مدينة سا واحت-كنت … ١ ثور
… (٢٤) … ١ ثور
مدينة تا أت تات … ١ ثور
مدينة آت نيت وعب … ١ ثور
مدينة حات تيت نبس … ٢ ثور
مدينة حات نزست … ١ ثور
مدينة تا-وحت إوا … ١ ثور
… (٢٥) … مدينة: نكر … ١ ثور
قرية با-ا ﻫ-ني-شد-سوخنسو … ١ ثور
قرية با-ا ﻫ-ني-نب-سمن … ١ ثور
قرية-با-ا ﻫ-ني-بن-رع … ١ ثور
… (٢٦) رئيس خدم حجرة القائد … ٢ ثور
صناع رأس … ١ ثور
وهذه لشهر أبيب.
مدير مخزن سجلات القائد … ٢ ثور
مدير …
(٢٧) … رئيس ماعز بيت الإله «حرشف» … ١ ثور
السباكون وصانعو الحلوى … ١ ثور
البستانيون والعسالون … ١ ثور
رئيس الفلاحين (؟) … ١ ثور
(٢٨) ١ ثور
العمال صانعو عربات الحرب … ١ ثور
كاهن آمون … ١ ثور
الحفارون … ١ ثور
صانعو الفخار … ١ ثور
البناءون ١ ثور
وهذه لشهر مسرى.
مدينة ٤ ثيران
كاهن معبد الإله «حرشف» التابع «لرعمسيس» … ١ ثور

وهذه لأيام النسيئ.

تعليق: لا نزاع في أن هذا المتن الذي خلفه لنا الفرعون «شيشنق الأول» له أهمية كبيرة؛ إذ يقدم لنا معلومات هامة من الوجهتين الدينية، والجغرافية عن مقاطعة أهناسية المدينة، كما أنه في الوقت نفسه يعد من المتون التاريخية الثمينة في تاريخ هذه الأسرة، وبخاصة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية من حيث توزيع الضرائب.
ويمكننا أن نؤكد هنا أن تاريخ هذا المتن معروف لنا دون أي ريب؛ لأنه على الرغم من وجود طغراء الفرعون «شيشنق الأول» مرتين فيه، فإنه يحتوي على إشارات وتلميحات تدل على حقائق تاريخية ثابتة من عهد هذا الفرعون؛ إذ ليس لدينا أي ريب في أن المتن الذي بين أيدينا يرجع إلى الفترة الأولى من عهد «شيشنق الأول»، وهو العهد الذي كانت فيه مصر خارجة من الاضطرابات والقلاقل التي كانت البلاد غارقة في لُجَّتها في عهد الأسرة الواحدة والعشرين حوالي عام ١٠٩٠ق.م. ولدينا البرهان على التدهور فيما جاء على هذا الأثر نفسه الذي بين أيدينا وهو الخاص بعبادة الإله «حرشف» الإله الأعظم في مقاطعة «أهناسية المدينة»، ولا بد أن هذا التدهور كان يشمل كل البلاد، وقد شاهدنا من قبل ما كان في الواحة الداخلة من منازعات في بادئ حكم هذا الفرعون [الأسرة الثانية والعشرون الفرعون شيشنق الأول]. وليس لدينا من شك في أن «شيشنق» عندما أخذ مقاليد الأمور في يده قد بدأ إصلاحاته بمدينة أهناسية المدينة ومعبد الإله «حرشف» معبودها العظيم؛ إذ قد دلت البحوث على أن هذه المدينة كانت كما قلنا من قبل موطن هذه الأسرة وحصنها الحصين؛ ولذلك نجد أن رئيس كهنة الإله «حرشف» كان دائمًا في عهد هذه الأسرة من أفرادها كما ذكرنا ذلك من قبل، من أجل ذلك نجد أن أول اسم يصادفنا في متن هذه اللوحة هو «نمروت»، وهو — كما سنرى بعدُ — اسمٌ أُطلق على ثلاث شخصيات عظيمة في هذه لأسرة. والذي يعنينا هنا هو «نمروت» ابن «شيشنق» كما يدل على ذلك لقبه «ابن الملك»، وقد وصلت إلينا معلومات عنه من وثيقتين أخريين؛ أولاهما الجزء الأول الأسفل من تمثال من الجرانيت عثر عليه في «تل المقدام» (مركز ميت غمر) وهو محفوظ بالمتحف المصري راجع Gauthier. L. R. III. p. 324)، واسم «نمروت» الذي كان يحمله للمرة الأولى والد «شيشنق الأول» يلاحظ عليه ما يأتي:
  • (١)
    على الرغم من أن الاشتقاق اللغوي لاسم «نمروت» غير معروف فإنه يجب أن يُلحظ الصعوبة التي تعترضنا عندما نريد أن نقرب هذا الاسم من الكلمة العبرانية «نمرود». والواقع أن هذه الصعوبة ليست بأقل من الصعوبة التي تصادفنا عندما نريد أن نُرجع اسمي؛ «أوسركون» و«تاكيلوت» إلى الاسمين البابليين «سرجون» و«تجلات» (راجع Maspero, Hist. Anc. II. p. 769 note1). وعلى أية حال؛ فليس مدهشًا أن نجد أعضاء أسرة أصلها لوبي صريح ينسب اسم من أسمائها إلى أصل أجنبي تمامًا بدلًا من أن نبحث عن أصله في لغة السلالة نفسها.
  • (٢)
    يجب أن نفرق بين اسم «نمروت» الذي ورد في السطر الثالث من اللوحة التي نحن بصددها الآن، وبين اسم الموظف الأهناسي الكبير الذي جاء ذكره في السطر الثاني عشر بنفس النطق والرسم، وذلك خلافًا لما ذكره «مسبرو» في ملاحظته عن هذا المتن (راجع Rec. Trav. XXXI. p. 38)؛ إذ يقول: «وهنا كان أحد أبناء الملك «نمروت»، وهو الذي كان قد عينه والده قائدًا حربيًّا في مقاطعة أهناسية المدينة العظيمة، وهو الذي على ما يظهر قد فكر أولًا واقترح بعد ذلك في عمل الإصلاحات.» والواقع أننا أمام شخصين مختلفين كان يقوم كل منهما بعمل مميز عن الآخر؛ فأحدهما — وهو الذي ذُكر في السطر الثاني عشر — قد عُين قائدًا لجنود أهناسية المدينة، في حين أن «نمروت» الآخر الذي ذكره في السطر الثالث كان يقوم بإدارة جيش مصر كلها كما يؤكد ذلك ما جاء على تمثال ليونتوبوليس (تل المقدام) (راجع L. R. III. p. 323-324).

والاسم الثالث الهام الذي يصادفنا في السطر الثاني عشر هو اسم السيدة «استنخب»، وهو بلا شك اسم امرأة ذات نسب عريق، ولا ريب في أنها من الأسرة المالكة، وهذا ما يوحي به لقبها: ابنة الرئيس الأعظم «للمشوش»، وكذلك توحي بذلك وظيفتها الرئيسية العامة لحريم الإله «حرشف» … ويمكن تقريب هذه الوظيفة من وظيفة «كبيرة الحريم لآمون رع ملك الآلهة» أو الرئيسة العظيمة الأولى لحريم «آمون رع ملك الآلهة»، وهذا اللقب كانت تحمله الملكات والأميرات في عهد الأسرة الواحدة والعشرين. ومن الأمور الهامة التي ينبغي الوصول إليها هو أن نتعرف على شخصية هذه الأميرة، وبخاصة أن ذلك يمكِّننا من تحديد تاريخ الحاشية التي جاءت في السطر الثاني عشر من هذا المتن، غير أن الوصول إلى حل هذا الموضوع يكاد يكون ضربًا من المستحيل، كما يؤكد لنا ذلك عدم إمكان إيجاد الروابط التي بين ثمانية الأميرات اللائي تحدث عنهن الأثري «جوتييه» في الجزءين؛ الثالث والرابع من كتاب «الملوك» وقد لُقِّبن بهذا اللقب، وكذلك كانت الحالة مع ابنة الملك «شبكا» (في الأسرة الخامسة والعشرين)؛ فقد ذُكرت كذلك باسم «استنخب»، ومن أجل ذلك نتساءل — على عكس ما قرره «مسبرو» وقد رأى أن هذه السيدة إما أن تكون أم الرئيس الحربي لمدينة أهناسية المدينة أو زوجه، إذا لم تكن هناك امرأة تُدعى «استنخب» ليست معروفة حتى هذا العهد، وأنها عاشت في عهد كان فيه سلطان «المشوش» مزدهرًا، وأنها قد أرادت أن تفخر به؛ أي إنها كانت على قيد الحياة في عهد الأسرة الثانية والعشرين، ويحتمل أن ذلك كان في السنين التي أعقبت موت الملك «أوسركون الثاني» حوالي عام ٨٥٠ق.م، وربما كان السبب في ذلك أن هذا الفرعون الذي نعرف نشاطه مدةَ حكمه الذي امتد نحو ثلاثين سنة والفرعون «شيشنق الأول» الذي كان يعد حارسًا غيورًا على الامتيازات الفرعونية، كان لا يسمح واحد منهما لأحد رعاياه — حتى ولو كان قد وصل إلى أعلى الرتب الاجتماعية — بأن يقوم بعمل أية إضافة في وثيقة رسمية يمزق وحدتها، وكان لا بد لأجل ارتكاب مثل هذه الجرأة أن تكون السلطة المركزية في البلاد قد أصبحت في أيدٍ ضعيفة تخضع لأية قوة. والواقع أن هذه كانت الحالة في عهد الفراعنة الخمسة الذين خُتمت بهم الأسرة الثانية والعشرون، وهؤلاء هم الذين تركوا «طيبة» بين عامي: ٨٥٠–٧٢٥ق.م؛ لتعلن من جديد استقلالها عن بيت الملك كما سنرى بعد، وبذلك سادت الفوضى في مصر الوسطى والدلتا. ولا نزاع في أننا نعترف هنا بأن هذا التفسير بعيد عن أن يحتل المكانة الأولى وأن يعد تفسيرًا مقنعًا تمامًا، ولكن من جهة أخرى يسمح لنا أن نستعرض النظرية القائلة: إن «استنخب» التي جاء ذكرها في هذا المتن لا بد كانت قد عاشت على ما يُظن ما بين عامي ٨٥٠ و٨٠٠ق.م، وأنها في هذه الفترة نَقَشَتِ الإضافة التي نراها في اللوحة بارزةً، وأنها عملت من طريق الزهو والفخر كما يحدث الآن، فينسب شخص نفسه لأسرة عظيمة قد يكون يحمل اسمها عن طريق الصدفة.

ومما يلاحَظ في نقوش هذه اللوحة كذلك أنه قد جاء في السطر الثالث عشر ذكر الإله «ست»، غير أن الحيوان الدال على صورة هذا الإله وُجد مهشمًا، والواقع أن وجود اسم هذا الإله في وثيقة رسمية من الأسرة الثانية والعشرين يسترعي النظر؛ وذلك لأنه يبرهن على تقديس هذا الإله واحترامه في عهد ملوك «بوبسطة»، وقد يؤكد ذلك المكانة الخاصة التي كان يحتلها كاهن هذا الإله بين أهم الشخصيات في مقاطعة أهناسية المدينة؛ إذ نلحظ أنه كان بمفرده يورد عشرة ثيران، وقد استمر ذلك حتى نهاية عهد الأسرة الخامسة والعشرين. يضاف إلى ذلك أننا وجدنا هذا الإله يوحي بالأحكام بين المتخاصمين في الواحة الداخلة كما ذكرنا ذلك من قبل. هذا على الرغم من أن نجم هذا الإله قد أخذ في الأفول في عهد الأسرة الواحدة والعشرين على رأي «مونتيه» (راجع مصر القديمة الجزء الثامن). وتدل شواهد الأحوال على أن هذا الإله لم يكن مكروهًا في عهد هذه الأسرة، ولكن قد بدأ كرهه يشتد في العصور التي تلت هذه الأسرة، ويحتمل أنه قد ازداد من أول الأسرة السادسة والعشرين فما بعد.

(أ) الضرائب وتوزيعها كما جاءت في متن هذه اللوحة

قد لا نخطئ إذا قررنا أن جزء المتن من سطر ٩ إلى ٢٩ يعد نموذجًا لوثيقة رسمية عن الضرائب؛ فقد دوِّن بدقة مبتدئًا بأنواع الأقسام الثلاثة التي تَنْقَسِمُها مقاطعة أهناسية المدينة من الوجهة المالية، وأعني بذلك أنه ذُكر فيها المدن والقرى ثم الإقطاعات الصغيرة. وجاء في المتن بعد ذلك ذكر عدد الثيران التي كانت تجمع سنويًّا لتقدم قربانًا لمعبد الإله «حرشف»، وينتهي المتن بعد ذلك بقائمة طويلة ذُكر فيها الموظفون الحربيون والدينيون وأصحاب الوظائف العالية، ثم ذكرت الأماكن مبتدئة بالمدن بمعناها الصحيح، ثم القرى والضِّياع، ثم التجار والصناع وأصحاب الحرف.

وقد قسمت الضرائب التي جمعت من ذلك على الاثني عشر شهرًا التي تحتويها السنة المصرية، ثم شُفع اسم كل دافع ضرائب من الذين تحتويهم هذه الفئات بالرقم الذي كان يجب عليه دفعه ضريبة، وكانت تورد ثيرانًا كلٌّ على حسب المركز الذي يشغله في الحياة الإقطاعية. ويلاحَظ أنه قد روعي في الدفع ذكر العناصر الثلاثة التي كانت تتألف منها الأقسام الثلاثة التي ذكرناها، وعلى ذلك نجد أن المدن قد احتلت المكانة الأولى، ثم تلاها في المنزلة القرى التي كانت أقل من المدن مساحة، وأخيرًا الضِّياع أو المستعمرات أو العِزب الصغيرة، ويأتي بعد ذلك أصحاب الحرف والصناعات. أما الأمر الذي لم يمكننا الوقوف على كنهه من نفس الوثيقة فهو: هل كانت هذه الضرائب تُجْبَى على رءوس الأموال أو على الدخل السنوي الذي يَحصل عليه كل فرد من هؤلاء الأفراد الذين جاء ذكرهم في الوثيقة؟ وكذلك لم تُشِرِ الوثيقة فيما إذا كانت هذه هي الضريبة الوحيدة التي كانت تُجْبَى من هؤلاء الأفراد أو كانت تجبى منهم ضرائب أخرى؟

والمرجح أن هذه الضريبة كانت على الدخل السنوي؛ لأننا نجد من بين دافعي الضرائب صُنَّاعًا وموظفين، ومن ثم نفهم أنه كانت توجد في البلاد وقتئذ طائفة من رجال الدين كانوا أصحاب يسار، ثم طائفةُ فلاحين قاطنين القرى والضِّياعَ، وأخيرًا طبقة صناع وأصحاب حرف كانوا على ما يظهر يسكنون المدن، وكان كل هؤلاء يدفعون ضرائب للحكومة التي كانت على الأرجح تتولى منها الإنفاق على معابد الحكومة وغيرها، هذا فضلًا عن وجود طبقة رجال الجيش الذين كان لهم سلطان عظيم وثروة ضخمة، كما يدل على ذلك مقدار ما كانوا يدفعونه من ضرائب لإمداد معبد الإله «حرشف».

(٣-٤) السجلات التي دوَّنها «شيشنق الأول» على لفائف الكاهن الثاني لآمون المسمى «زد بتاحف عنخ» الملقب ابن الملك رعمسيس

تدل المتون التي بقيت لنا على أن خبيئة الدير البحري التي كانت تحتوي على الموميات الملكية لم تكن قد فتحت لآخر مرة قبل السنة الحادية عشرة من عهد «شيشنق الأول»، وكان ذلك لدفن مومية الكاهن الثاني لآمون الذي كان يحمل لقب رئيس إقليم وابن الملك لرعمسيس «زد بتاحف عنخ». والإهداءات التي دونت على نسيج المعبد الذي استُعمل لهذه اللفائف لها أهمية عظيمة؛ وذلك لأننا نعرف منها أن «شيشنق الأول» كان في تلك الفترة يقبض على زمام الأمور في «طيبة»؛ أي في السنة الخامسة من حكمه، وذلك عندما وُطِّدَتْ قدم ابنه «أوبوت» على عرش كهنة «آمون»، وبهذا قضى على استمرار وراثة هذا المنصب في أسرة الكهنة هناك، وهو المنصب الذي نشأ في أوائل الأسرة الواحدة والعشرين، ومن ثم أصبح هذا المنصب الرفيع في أسرة «شيشنق». وهاك النص الذي وجد على لفافة هذا الكاهن (راجع Maspero, Momies Royales p. 573):

الكتان الجميل الذي عمله ملك الوجه القبلي والوجه البحري سيد الأرضين «خبر-حز رع-ستبن رع» بن رع سيد التيجان «محبوب آمون شيشنق» لوالده «آمون رع في السنة العاشرة»، الكتان الجميل الذي عمله الكاهن الأكبر لآمون رع والقائد الأعلى للجيش (المسمى) «أوبوت» المنتصر ابن الملك رب الأرضين «شيشنق الأول» لوالده «آمون» في السنة العاشرة.

ولدينا لفافة أخرى تحمل نفس النص، ولكنها مؤرخة بالسنة الحادية عشرة، وأخرى مؤرخة بالسنة الخامسة غير أن اسم الكاهن الأكبر قد فُقد.

(أ) ابن الملك لرعمسيس (أو حاكم مدينة رعمسيس أو «بررعمسيس»)

ويلفت النظر بوجه خاص في متن الكاهن «زد بتاحف عنخ» لقب ابن الملك لرعمسيس؛ ولذلك آثرنا أن نبحث هذا اللقب والشخصيات التي كانت تحمله حتى يمكن القارئ تتبع تاريخ هؤلاء الذين كانوا يحملون هذا اللقب. والواقع أن لدينا ألقابًا أخرى تشبه هذا اللقب في تركيبه؛ فقد تحدثنا في «الجزء الخامس من مصر القديمة … إلخ» عن حاكم بلاد كوش في خلال الأسرة الثامنة عشرة وما بعدها، فكان يلقب ابن الملك حاكم «كوش»، وكذلك أشرنا إلى لقب ابن الملك الأول صاحب «نخبت» (الكاب). وتدل الأحوال على أن كل من كان يحمل هذا اللقب لم يكن ابن ملك حقيقي، بل كان هذا اللقب يعد لقبًا فخريًّا يمنحه الفرعون لحاكم كل من هذين الإقليمين، وقد دلت النقوش على أن لقب الابن الأول للملك صاحب الكاب كان وراثيًّا في أسرة بعينها (راجع A. S. X. p. 199). ولقب ابن الملك الذي يعنينا هنا الآن هو ابن الملك صاحب رعمسيس، وقد كان لقبًا شائعًا في عهد الأسرة الثانية والعشرين، وسنحاول هنا قبل أن نسير شوطًا بعيدًا في تاريخ هذه الأسرة أن نعدد أسماء هؤلاء الذين كانوا يحملون هذا اللقب مستعرضين النقوش التي ورد ذكر كل منهم فيها؛ لنقف على مكانتهم في الدولة، ثم نستخلص من هذا العرض نتيجة عن علاقتهم ومراكزهم بالنسبة للفرعون، ومن ثم يمكن أن نستنبط معنى اللقب على ضوء ما نصل إليه من حقائق.

الابن الملكي لرعمسيس نمروت

إن أقدم شخصية معروفة لنا تحمل لقب «ابن الملك لرعمسيس» هو «نمروت» صاحب التمثال المحفوظ بمتحف «مرامار» القريبة من مدينة «تريسته» (راجع A. Z. XXVIII, p. 36 f)، وهذا التمثال يحمل على جانبه الخلفي الألقاب التالية: «ابن الملك لرعمسيس، وقائد كل الجنود المشاة «نمروت» صادق القول، ووالدته هي «بانورا شناس» صادقة القول.» وعلى الجانب الأمامي نقش: ««ابن الملك لرعمسيس» قائد كل الجنود المشاة «نمروت» صادق القول، ووالدته هي ابنة الرئيس العظيم للأرض الأجنبية المسماة «بانورا شناس» المرحومة.»
ونُقش على العمود الذي خلف التمثال ما يأتي: «أمه هي ابنة الأمير العظيم للمشوش «بانورا شناس».» (راجع J. E. A. Vol. XIX. p. 23). وهذا اللقب هو الذي كان يحمله والد شيشنق الأول الذي كان يسمى كذلك «نمروت» على لوحة مرسوم «كوم السلطان»، كما ذكرنا من قبل (راجع مصر القديمة الجزء الثامن)، وهو يختلف عنه في أنه كان الأمير العظيم لقوم «مي»؛ أي المشوش، ولكنهما واحد كما قال «مسبرو» وإن اختلفت الكتابة فيهما بعض الشيء.
أما السيدة «بانورا شناس» والدة «نمروت» وهي التي وجد اسمها على تمثال «مرامار»، فلا بد أنها كانت أخت «شيشنق الأول»، وعلى ذلك يكون ابن الملك «لرعمسيس» المسمى «نمروت» هو ابن أخت هذا الملك، وكان يحمل نفس الاسم الذي كان يحمله جده لوالده (راجع Maspero, Momies Royales p. 722-3).
ولم نعرف للأمير «نمروت» حتى عام ١٩٠٢ إلا تمثال «مرامار»، وبعد ذلك نشر الأثري «بدج» في كتابه تاريخ مصر ملاحظة عن نقش دوِّن على سوارين من الذهب عثر عليهما في «سايس»، وهما محفوظان بالمتحف البريطاني (راجع A Guide to the third & fourth Egyptian roonis (1904) p. 216 No 134-135; Guide to the Egyptian Collection in the Brit. Mus. (1909). p. 179 & 253). ولكن يلاحظ أن الترجمة التي أوردها «بدج» خاطئة، ويجب أن يترجم النقش كما يأتي: «عمل لأجل ابن الملك «لرعمسيس» قائد جنود المشاة «نمروت»، وأمه هي ابنة الأمير العظيم لقوم المشوش (؟) المسماة «بانوراشناس».» وقد نَسَبَ الأثريُّ «جوتييه» خطأً — تبعًا لترجمة «بدج» — هذين السوارين لابنة «نمروت» (راجع L. R. III. p. 319).
وفي عام ١٩٠٥ كشف الأثري «أحمد كمال» عن الجزء الأسفل من تمثال جالس القرفصاء في تل المقدام (مركز ميت غمر)، وهو الآن محفوظ بالمتحف المصري (راجع A. S. VII p. 236-237)، وكتب عنه جوتييه (راجع Ibid p. 323) والألقاب وسلسلة النسب التي على هذا الأثر هي ما يأتي:

على ظهر التمثال:

قائد كل جنود المشاة «نمروت» صادق القول وابن الملك لرب الأرضين …

وعلى الجانب الأيسر من المحراب الذي يحمله التمثال — ويشتمل على صورة الإله «أنخور».

المتن الثاني:

القائد لكل جنود المشاة والرئيس العظيم للمشوش (؟) «نمروت» صادق القول، وابن الملك لرب الأرضين «شيشنق»، وأمه هي الابنة الملكية … والرئيس العظيم للمشوش المسماة «بانوراشناس».

ويوجد على الجانب الأيمن لنفس المحراب متن مشابه للسابق.

ومما سبق يمكننا أن نوحد صاحب تمثال «مرامار» وصاحب السوارين بصاحب التمثال المحفوظ بالمتحف المصري. وتدل الأحوال على أن الملك «شيشنق» المذكور هنا هو الذي يحمل لقب «محبوب آمون» وهو «شيشنق» الأول مؤسس الأسرة الثانية والعشرين، وفي هذه الحالة يكون «نمروت» الذي نحن بصدده الآن يحمل اسم جده لوالده، وهذا ليس بالأمر الغريب؛ لأنه على حسب ما قررناه سابقًا كانت القاعدة المتبعة تقريبًا في مصر القديمة أن يسمى الأولاد باسم جدهم عندما يكون المولود ذكرًا، وباسم الجدة عندما تكون المولودة أنثى.

أما والدة «نمروت» المسماة «بانوراشناس» فمن المحتمل جِدًّا أنها — كما يظن «ماسبرو» — أخت «شيشنق الأول»، وعلى ذلك تكون ابنة «نمروت الأول» جد الأسرة الثانية والعشرين؛ غير أنه لا بد أنه كان منحدرًا من جهة والدته على أغلب الظن من إحدى فروع أسرة الرعامسة القديمة، وهذا الزعم يبرر لنا تلقيبها بالابنة الملكية، وهو اللقب الذي ذُكر على قطعة التمثال المحفوظة بالمتحف المصري. وسنتحدث فيما بعد عن معنى لقب «ابن الملك لرعمسيس»، ولكن مع ذلك نستطيع أن نذكر هنا أن التفسير الذي ذكره «دانيال هايج» (راجع A. Z. XVII p. 154 f.) وكذلك الأثري «لوت» (راجع Aus Agypten, p. 40) هو أول تفسير حدد معنى هذا اللقب، فقال: إن كلمة «رعمسيس» في اللقب هي اسم جغرافي ويعني إما إقليم «غوشن» أو بلدة «رعمسيس» التي جاء ذكرها في هذا الإقليم، وهي كما نعلم كانت عاصمة الملك التي أنشأها «رعمسيس الثاني» وأطلق عليها اسم «بررعمسيس» (وهي قنتير الحالية بالقرب من فاقوس)، وعلى ذلك يكون اللقب مَثَلُه كمَثَلِ «ابن الملك صاحب كوش» و«ابن الملك صاحب نخبت» و«ابن الملك صاحب طينه».

ابن الملك لرعمسيس المسمى «زدحور أف عنخ»

وثاني شخصية تحمل لقب «ابن الملك لرعمسيس» هو «زدحور أف عنخ»، وقد عثر «بروكش» على هذا الاسم منقوشًا على لوحة صغيرة من الخزف المطلي الأزرق عام ١٨٧٥م، وقد كانت محفوظة بالقاهرة ضمن مجموعة «جوستاف بوزند» (راجع A. Z. XIII p. 163)، وهي الآن بالمتحف البريطاني (راجع Petrie, History of Egypt III. p. 242). وقد كُتب على كلٍّ من جانبي هذه اللوحة نقشٌ مؤلف من سطرين؛ فكتب على الوجه: ابن الملك لرعمسيس والمشرف على جنود المشاة القائد «زدحور أف عنخ» ابن الابنة الملكية «زد-أننوب-أسعنخ». وعلى الظهر كُتِبَ: «عُملت بوساطة ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين «خبرحزرع ستبن رع» ابن رع سيد التيجان «شيشنق» العائش مثل رع.»

ويمكننا القول بأن الأميرة «زد-أننوب-أسعنخ» كانت أم ابن الملك لرعمسيس المسمى «زدحور أف عنخ»، وبهذا يكون من حق الأخير أن يرث اللقب الذي يصله بأسرة الرعامسة القديمة كما يقول البعض.

أما اللوحة نفسها فمن الجائز أنها كانت هدية منحها الفرعون «شيشنق الأول» للقائد الحربي «زدحور أف عنخ» مكافأة على عمل لامع قام به، أو لخدمة قدمها لسيده الفرعون. ومن ثم يمكننا القول بدون تردد: إن نظرية «بروكش» القائلة: إن «زدحور أف عنخ» كان يعد ابن أحد ملوك رعامسة الأسرة العشرين لا ترتكز على أساس، وإنه أصبح من المستحيل الأخذ بهذا الرأي؛ وذلك لأنه في عهد «شيشنق الأول» كان الرعامسة قد حرموا الملك منذ عدة أجيال، وكان آخر فرعون منهم يفصل بينه وبين «شيشنق الأول» مؤسس الأسرة البوباسطية سلسلة ملوك الكهنة الذين كان بعضهم يحكم في «طيبة» فقط وبعضهم الآخر في «طيبة» «وتانيس» في وقت واحد، والظاهر أن اللوحة المصنوعة من الخزف المطلي الأزرق هي التي حَفِظت لنا اسم «زدحور أف عنخ» واسم أمه الأميرة «زد أننوب أسعنخ».

زد بتاحف عنخ ابن الملك لرعمسيس

ذكرنا من قبل أنه وُجد على لفائف هذا الأمير إهداء يرجع إلى السنين: الخامسة، والعاشرة، والحادية عشرة من عهد الفرعون «شيشنق الأول»، والواقع أنه قد كُشف عن مومية هذا الكاهن في خبيئة الدير البحري عام ١٨٨٠ — ولدينا تابوتان كانا في الأصل لشخص غيره ولكنه اغتصبهما — ومومياته وتماثيله المجيبة، وكذلك صندوقان من الصناديق التي كانت توضع فيها هذه التماثيل المجيبة، وإضمامة بردي (راجع Petrie, History of Egypt III p. 242) وتابوته الداخلي كان لامرأة مجهولة الاسم، والظاهر أنه قد مُحِيَ اسمها وألقابها التي كانت مدونة على الغطاء الملون، وكُتب بدلها ما يأتي: «الكاهن الثالث لآمون رع ملك الآلهة حاكم الإقليم العظيم وابن الملك لرعمسيس «زد بتاحف عنخ».» (راجع Daressy, Cat. Gen. du Musee du Caire Cercuils des Cachettes Royales No. 6103 p. 200 et seq. et. Pl. LVIII-LX).
أما إضمامة البردي التي وجدت معه فهي التي كان قد سرقها محمد عبد الرسول عندما عَثَرَت أسرته على خبيئة الدير البحري، وقد اشترتها في «طيبة» «مس بروكلهرست»، وقد وجدت فيما بعد عند «مس إميليا إدواردز»، وكتب عنها «ماسبرو» (راجع Bulletin de L’Instit. Egyptien 1881 p. 149 et 168-169).
وعلى هذه الورقة لم يحمل لقب ابن الملك لرعمسيس كما هي الحال على تابوته، بل كتب: «ابن الملك لرب الأرضين.» وكذلك لم يحمل لقب الكاهن الثالث لآمون بل لقب الكاهن الثاني لآمون، يضاف إلى ذلك أن اسمه كُتب ببعض تحريف ولكنه سُبِقَ بلقب «حاكم الإقليم العظيم»، وقد فحص «ماسبرو» التماثيل المجيبة التي باسم هذا العظيم على حدة، وهي المحفوظة الآن بمتحف القاهرة مع تابوته وموميته، وقد كُتب اسمه بصور مختلفة على هذه التماثيل، أما لقب «ابن الملك لرعمسيس» فقد دوِّن أحيانًا ابن الملك، وكذلك كُتب: ابن الملك لرب الأرضين (راجع A. Z. XXI. p. 68-69; & Momies Royales p. 590).
ونستنبط مما كُتب على حمالات المومية كما ذكرنا من قبل بعض أدلة تاريخية ثمينة؛ فنجد في الإهداءات المختلفة المكتوبة بالهيراطيقية أنها المؤرخة بالسنة العاشرة أو الحادية عشرة من عهد «شيشنق الأول». هذا، وقد طُبِعَ على لوحة صغيرة وُجِدَتْ على صدر المومية اسم الكاهن الأعظم لآمون «أوبوت» ابن الفرعون «شيشنق» (راجع Maspero, Guide du Visiteur 1915 p. 401 No 3849).
وقد استنبط «ماسبرو» بحقٍّ من هذه المعلومات أن «زدبتاحف عنخ» كان قد توفي في السنة العاشرة من حكم «شيشنق الأول»، ولكن «بريستد» يظن أنه في السنة الحادية عشرة قد فُتحت خبيئة الدير البحري للمرة الأخيرة لتدفن فيها مومية هذا الكاهن كما ذكرنا من قبل، وقد نال «زدبتاحف عنخ» شرف الدفن على يد الكاهن الأعظم لآمون المسمى «أوبوت» بجوار فراعنة الأسرات: الثامنة عشرة، والتاسعة عشرة، والعشرين وأقاربهم، ومن ذلك نرى أن كون «زدبتاحف عنخ» كان حفيدًا بعيدًا لأسرة الرعامسة من جهة أمه يعد سببًا كافيًا — كما يقول البعض — لأن يُكْسِبَه شرف الدفن في المقبرة الملكية. ولسنا في حاجة إلى القول إن هذا الأمير كان زوج السيدة «نسيتانب أشرو»؛ أي إنه كان حَمَا الكاهن الأعظم لآمون «بينوزوم الثاني» وامرأته «نسخنسو» (راجع Bull. Instit. Egypt 1881. p. 169; L. R. III p. 284 note 2).

ابن الملك لرعمسيس «أوسركون» (؟)

توجد في متحف برلين لوحة جاء عليها ذكر لقب «ابن الملك لرعمسيس» غير أن اسمه لم يُذكر، وهذه اللوحة مؤرخة بالسنة الثامنة والعشرين من عهد «شيشنق الثالث»، وموضوع اللوحة هو وقف للإله آمون رب هليوبوليس في عاصمة المقاطعة الثالثة من مقاطعات الوجه البحري، أو بعبارة أخرى: المقاطعة اللوبية٦ (راجع A. Z. XXI p. 188; Maspero, Momies Royales p. 197; L. R. III p. 364; Rec. Trav. XXXV (1913) p. 43-44).
وتحمل هذه الشخصية الألقاب التالية: الكاهن الأكبر لآمون رع ملك الآلهة، وابن الملك لرعمسيس. وقد رُسِمَ هذا الكاهن أمام شخصية أخرى قد هُشِّمت ألقابها ولكن يحتمل أنه رئيس عظيم للمشوش يُدعى «باديحو باست»، وقد لاحظ «ماسبرو» أن الكاهن الأعظم لآمون الذي كان يحمل أعباء هذه الوظيفة في السنة السادسة والعشرين من حكم الملك «شيشنق الثالث» يدعى «أوسركون»، ومن المحتمل إذن أنه كان لا يزال يقوم بأعباء وظيفته بعد هذا التاريخ بعامين؛ أي في السنة الثامنة والعشرين، وعلى ذلك يكون من حقنا أن نوحده مع الاسم الذي لم يُذكر على لوحة «برلين» وهي التي نتحدث عنها الآن، وقد عزز هذه النظريةَ «ماسبرو» وكذلك وثائق أخرى لم تكن معروفة له بعد؛ إذ لدينا الآن وثائق تثبت أن مدة تولي «أوسركون» كرسي الكاهن الأعظم لآمون كانت طويلة، فمن ذلك نعلم أنه قد عُيِّن في وظيفته في السنة الحادية عشرة من حكم والده الملك «تاكيلوت الثاني»، وهذه السنة تقابل السنة الثانية والعشرين من عهد «شيشنق الثالث» (راجع L. R. III p. 36–38)، وقد كان «أوسركون» لا يزال يشغل هذا المنصب الرفيع في السنة التاسعة والثلاثين من حكم «شيشنق الثالث» (راجع Rec. Trav. XXXV p. 148 & p. 137).
ولا نزاع في أن «أوسركون» هذا هو الذي نجده مذكورًا على لوحة وقف بمتحف «جيميه» بباريس (راجع Rec. Trav. XXXV p. 41–43)، ونعلم من هذه اللوحة أنه في السنة الثامنة عشرة من حكم جلالة «شيشنق الثالث» هذا كان في مجلسه مع «ابن الملك لرعمسيس» وهو الذي كان قد مات حينذاك، وكذلك مع كل العظماء، ومع رئيس المشوش «تاكيلوت» ابن الملك «شيشنق الثالث»، والسيدة «زد باسنت اسعنخ». ولم يفكر الأستاذ «سبيجل برج» الذي بحث اللوحة السابقة أن «ابن الملك لرعمسيس» الذي لم يُذكر اسمه على لوحة متحف «جيميه» (بباريس) في السنة الثامنة عشرة، وعلى لوحة متحف برلين في السنة الثامنة والعشرين من حكم نفس الملك «شيشنق الثالث» لا يمكن أن يكون إلا شخصًا واحدًا بعينه، ولم تُوَاتِهِ الفكرة بتوحيده بالكاهن الأكبر لآمون «أوسركون» الذي نتعرف من آثار عدة أنه كان يقوم بوظيفة رياسة الكهنة في «طيبة» في عهد «شيشنق الثالث»، كما سنتحدث عن ذلك فيما بعد بالتفصيل. ومع ذلك فإن الأمر ليس فيه ما يدعو إلى الريبة أو الشك؛ إذ الواقع أن «أوسركون» هذا كان لا يزال يُدعى في السنة الثامنة عشرة «ابن الملك لرعمسيس» وحسب، في حين أنه في السنة الثامنة والعشرين يسبق هذا اللقب لقب آخر وهو: الكاهن الأكبر لآمون، وعلى ذلك يجب علينا أن نعترف في هذه الحالة بأنه لم يكن قد عُيِّن بعد كاهنًا أكبر إلا بين عامي ١٨ و٢٨ من حكم الملك البوباسطي إذا كان التوافق التاريخي الذي أورده «دارسي» صحيحًا، وهو أنه عين بين السنتين؛ السابعة، والسابعة عشرة من عهد والده «تاكيلوت الثاني». والواقع أنه بعد فحص طويل تطلَّب صبرًا وأناة قام به «دارسي» في درس الآثار الغامضة الخاصة بهذا العهد؛ قد أسفر عن اقتراح يجعل انتخاب «أوسركون» لرياسة كهنة «آمون» في السنة الحادية عشرة من عهد «تاكيلوت»، وهذه السنة تقابل السنة الثانية والعشرين من عهد «شيشنق الثالث». وهذه الاستنباطات يطابق بعضها بعضًا تمامًا. وقد حققت اللوحتان اللتان ذُكر عليهما لقب «ابن الملك لرعمسيس» بدون ذكر اسمٍ عليهما ما وصل إليه «دارسي» بطريقة غاية في النجاح وسعة الحيلة من أن الاسم الذي لم يذكر على اللوحتين هو «أوسركون». ونحن نعلم أن الكاهن الأكبر «أوسركون» كان ابن الملك «تاكيلوت» والملكة «كارمعمع» محبوبة «آمون» (راجع L. R. III p. 357).

والواقع أن «أوسركون» هو الولد الوحيد المعروف لنا بصفة قاطعة للملك تاكيلوت وزوجه. هذا، ولا نعرف من أي آبائه الأقدمين قد ورث لقبه الفخري «ابن الملك لرعمسيس»، هذا على فرض أنه لقب موروث.

ابن الملك لرعمسيس أوبوت

كان أول من تحدث عن ابن الملك لرعمسيس «أوبوت» هو الأثري «مسبرو»؛ إذ وجد اسمه منقوشًا على قطعة من إناء من المرمر محفوظ الآن بمتحف القاهرة (راجع Petrie, Hist. of Egypt. III p. 242; Momies Royales, p. 719)، وهذا الإناء كان مُهدًى لابن «أوبوت» المسمى «حور». وهاك هذا الإهداء: «إلى روح المشرف على … «حور» بن «ابن الملك لرعمسيس» قائد جنود كل المشاة «أوبوت» صادق القول.»

ولا نعرف شيئًا آخر عن هذه الشخصية، ولكن الاسم الذي كان يحمله موحد مع اسم الكاهن الأكبر لآمون ابن «شيشنق الأول». وهذا يحدو بنا إلى التفكير في احتمال أنه عاش في أوائل الأسرة الثانية والعشرين البوبسطية.

ابن الملك لرعمسيس «باشد-باستت»

كان أول من ذكر اسم «باشد-باستت» بوصفه «ابن الملك لرعمسيس» هو الأثري «بتري»، وقد جاء اسمه على لوحة في مجموعته الخاصة وتحمل تاريخ السنة السادسة والثلاثين من عهد ثاني ملوك الأسرة الثانية والعشرين وهو «أوسركون الأول» (راجع Petrie, History of Egypt III p. 241-2)، وكان «بتري» قد اشترى هذه اللوحة من «العرابة المدفونة»، وجاء فيها «أن الكاهن الرابع لآمون ملك الآلهة «وابن الملك لرعمسيس» ورئيس «المعهاساو» والقائد «باشد-باستت» المتوفى الآن (؟) كان يستريض يومًا في صحراء العرابة المدفونة فوجد فيها لوحة، فأحاطها بسور وبلوحات أخرى، وأهدى الكل للإله «أوزير خنتي أمنتي» رب العرابة.»
وهنا يتساءل الإنسان عن شخصية «باشد-باستت» هذا؛ فهل من الممكن أن يكون نفس الشخص الذي يحمل نفس الاسم الذي وجد له نقش في الكرنك على مبنًى يقع أمام المصراع الغربي للبوابة العاشرة؟ والواقع أنه على الرغم من تهشيم هذا المتن نعرف مما تبقى منه أن «باشد-باستت» هذا هو ابن الملك «شيشنق» محبوب آمون. ومن سياق المتن نفهم أنه لا بد كان معاصرًا للملك «بادو باست» محبوب آمون من ملوك الأسرة الثالثة والعشرين (راجع L. R. III p. 378). ومن جهة أخرى استخلص الأثري «لجران» بمساعدة آثار أخرى أنه من الممكن أن يفرض الإنسان أن هذا العظيم كان ابن «شيشنق الثالث» بن «أوسركون الثاني» وأخَا الملك «تاكيلوت الثاني». وإذا كان هذا النسب يتفق مع الحقيقة فليس هناك ما يمنع أن «باشد-باستت» هذا قد عاش في «طيبة»، وأقام مباني في الكرنك في عهد «بادو باست» محبوب آمون، وقد كان معاصرًا في الواقع في آخر مدته للملك «شيشنق الثالث» (راجع Rec. Trav. XXXV p. 147). ونتساءل كذلك: هل من الممكن أن نخطو خطوة أخرى إلى الأمام ونعد «باشد — باستت» هذا الذي جاء على نقش الكرنك موحدًا بابن الملك لرعمسيس وهو الذي يحمل نفس الاسم، وقد عرفناه في السنة السادسة والثلاثين من حكم الفرعون «أوسركون الأول» من اللوحة التي عثر عليها «بتري»؟ ولكن هذا التوحيد يظهر من الصعب قبوله بصفة قاطعة إذا سلمنا بالأرقام التي وصل إليها «دارسي».
والواقع أنه لم يكن قد مر أقل من اثنتين وخمسين سنة بين السنة السادسة والثلاثين من حكم «أوسركون الأول» وتولية «شيشنق الأول» عرش الملك؛ (أي الوقت الذي كان فيه «باشد-باستت» صاحب حق في أن يعلن نفسه «ابن الملك لرعمسيس» لسيد الأرضين «شيشنق مري آمون»)، وهذه المدة تحسب هكذا: أربع سنوات من السادسة والثلاثين من حكم الملك «أوسركون الأول» لنهاية حكمه، ثم ثلاث وعشرون سنة وهي مدة حكم الملك «أوسركون الثاني»، وعشرون سنة مدة حكم «شيشنق الثاني»، وخمس سنوات (؟) مدة حكم «أوبوت»؛ فيكون المجموع اثنتين وخمسين سنة. وفي هذه الحالة نفهم أنه إما أن يكون ابن الملك لرعمسيس «باشد باستت» في هذه اللحظة كان لا يزال طفلًا عندما قام بعمل الوقف الخيري الذي عمله في «العرابة» في السنة السادسة والثلاثين، وذلك على غرار الملوك الذين كانوا يزورون منطقة «بولهول» قبل توليهم عرش الملك أو بعده، ويقيمون هناك لوحات تذكارية أو يحافظون على الآثار القديمة ويضعونها في أحراز خاصة (راجع The Sphinx and its History in the Light of Recent Excavations p. 47)، أو أن ابن الملك لرعمسيس ابن «شيشنق» محبوب آمون الذي كان يحمل نفس الاسم كان وقتئذ طاعنًا في السن في عهد والده «شيشنق الثالث» وعهد الملك «بادوباست» محبوب آمون في «طيبة»، وهو الذي أقام من جديد البوابة العاشرة التي وجدها مخربة في الكرنك. وإذا حدث يومًا ما أنه عُثر على آثار تدل على حقيقة هاتين الشخصيتين بصفة قاطعة، فإن النتيجة التي سنستخلصها من ذلك تكون ذات أهمية تاريخية كبيرة.

والواقع أن الأستاذ «ريزنر» قد وجد خلال الحفائر التي قام بها في منطقة جبال نوري بالسودان نقشًا باسم «باشد نباستت» ابن الملك «شيشنق الثالث»، والمفروض أن يكون نفسَ الشخص الذي وَجَدَ له «لجران» نقشًا على البوابة العاشرة بالكرنك وإن اختلفت الكتابة بعض الشيء. ويلقب «باشد نباستت» في هذا النقش: «القائد الأعظم للجيش» (كما وجد في نقش الكرنك على ما يُظَنُّ).

ويرى الأستاذ «ريزنر» أن هذا القائد الأعلى لجنود والده «شيشنق الثالث» في بلاد «إثيوبيا» قد قام بفتح مستقلٍّ بصورة ما عن سلطان والده الذي كان مقره «بوبسطة» بالدلتا، وأنه كان في الواقع حاكمًا حقيقيًّا لبلاد «كوش»، ولا يبعد أن يكون قد أعلن استقلاله عن بلاد «إثيوبيا» ولكن الملك «كاشتا» — الذي يَظن «ريزنر» أنه ابن «باشد نباستت» وخليفته — قد استولى على لقب الملك وطرد الملك «أوسركون الثالث» البوبسطي من «طيبة» وأقصاه إلى الدلتا، وأجبره أن تكون ابنته «أمنردس» خَلَفَ ابنة «أوسركون» المسماة «شابنأبت» التي كانت تحمل لقب «الزوجة الإلهية»؛ أي الكاهنة العظمى «لآمون رع».

ويُعَد «كاشتا» المؤسس للأسرة الإثيوبية التي حكمت حوالي قرن من الزمان (٧٥٠–٦٦١ق.م) كلًّا من بلاد إثيوبيا والوجه القبلي متخذة «طيبة» عاصمة للملك كما سنرى بعدُ (راجع Reisner, Outline of the Ancient History of the Sudan, Part IV The First kingdom of Ethiopia Sudan Notes and Records, Vol. II, Khartum (1919) p. 43-44).
فإذا كان على هذا الزعم ابنُ الملك لرعمسيس المسمى «باشد باستت» وابن الملك «شيشنق الثالث» المسمى «باشد نباستت» هما فرد واحد؛ فإنه من الممكن أن نربط مباشرة الأسرة الإثيوبية التي أسسها «كاشتا» و«بيعنخي» و«شبكا» وغيرهم بأسرة الرعامسة التي ذهب عن أفرادها ملك مصر منذ ثلاثة قرون مضت. ولا ريب في أن هذه النظرية في ظاهرها خلابة؛ غير أنه يعترضها أمران: الأول أن حكم «شيشنق الثاني» لم يكن طويلًا قط؛ بل تدل شواهد الأحوال على أنه إما أن يكون قد مات مدة حكم والده «أوسركون الثاني»، أو أنه حكم مدة قصيرة جدًّا بعد وفاة والده، وبخاصة عندما نعلم أنه لم يترك من الآثار إلا أثاثه الجنازي كما سنرى بعد، ومن جهة أخرى؛ نلحظ أنَّ هناك اختلافًا بين كتابة الاسمين: «باشد باستت» و«باشد نباستت»، وهذا الرأي الذي أورده «ريزنر» لا يتفق مع الكشوف الحديثة التي تَنسب على ما يُظن أصلَ الأسرة إلى الزعيم «ألارا» (راجع Journal Egyptien Archeology XXXV p. 139ff).

ابن الملك لرعمسيس «استمخب»

وأخيرًا لدينا شخصية تُدعى «استمخب» تحمل لقب ابن الملك «لرعمسيس»، وقد اقترح الأستاذ «بتري» إضافة هذا الاسم لأولئك الذين يحملون هذا اللقب، وقد ذُكر الاسم على لوحة أهداها قطاوي بك لمتحف اللوفر ومؤرخ بعهد «أوسركون الأول» (راجع Rev. Egyptologique T. V. p. 84, Daressy Rec. Trav. XXXV p. 144 note 1). ويدل مخصص «استمخب» كما يدل الاسم نفسه على أنه لامرأة على الرغم من أن اللقب قد كُتب بصيغة المذكر: «ابن الملك». وعلى أية حال؛ فإنه من الجائز بالقياس أن تَحمل هذا اللقبَ امرأة؛ إذ وجدنا لقب ابن الملك صاحب كوش تحمله أميرة تدعى «نسخنسو» وقد كُتب اللقب كذلك في صيغة المذكر، وقد تحدثنا عن ذلك في غير هذا المكان (راجع مصر القديمة الجزء الثامن).

ومن المهم هنا أن نلحظ أن اللوحة التي وجد عليها هذا اللقب، وكذلك اللوحة التي في متحف «جيميه» بباريس السالفة الذكر، ولوحة «برلين» أيضًا كلها هبات قام بها الملك «أوسركون» الأول للكاهن مرتل الإلهة «حتحور»، ونحن لا نعرف شيئًا عن المكان الذي وجدت فيه اللوحة، ولكن لا يبعد أن يكون قد عُثر عليها في دندرة؛ إذ كانت هذه البلدة أهم مركز لعبادة الإلهة «حتحور».

هذا، وقد طلعت علينا الكشوف الحديثة بأشخاص آخرين يحملون هذا اللقب: (٩) «أوندباوندد» القائد الحربي وابن الملك (حاكم) رعمسيس [راجع فراعنة الأسرة الواحدة والعشرين في تانيس الفرعون «بسوسنس» (باسب خعنوت)].

(١٠) الأمير «حور نخت» ابن الملك (حاكم) رعمسيس. وسنتحدث عنه فيما بعد.

(٨) القائد الأول لجيش جلالة («الملك بسوسنس الأول» والمدير العظيم لبيت آمون رع ملك الآلهة) وابن الملك لرعمسيس المسمى «عنخفتموت» والرئيس الأعلى للخيل لآمون ملك الآلهة … إلخ [انظر فراعنة الأسرة الواحدة والعشرين في تانيس الفرعون «بسوسنس» (باسب خعنوت)].

تعليق: هؤلاء الأفراد العشرة الذين يحملون لقب اسم ابن الملك لرعمسيس الذين ذكرناهم فيما سبق هم الذين يعرف عنهم حتى الآن أنهم كانوا يحملون هذا اللقب في خلال الأسرة الواحدة والعشرين والثانية والعشرين، وقد اقترح كثير من وجوه علماء الآثار عدة تفاسير لهذا اللقب منذ أن ظهر على الآثار، وقد كان آخر من تحدث عن معنى هذا اللقب الأثَرِيَّيْنِ: «سبيجلبرج»، «ودارسي»، ومن بعدهما «مونتيه». والواقع أن العلماء قد أثاروا عدة نظريات لتفسير هذا اللقب الغريب وبقاء اسم «رعمسيس» فيه عدة أجيال بعد أن اختفى آخر فرعون يحمل اسم «رعمسيس»، ولن نتحدث هنا عن كل النظريات التي اقترحها هؤلاء العلماء، وسنكتفي هنا بذكر النتائج التي وصل إليها «مسبرو» في هذا الصدد، وهي التي يعتقد البعض الأخذ بها؛ إذ تقرب من الصواب (راجع Maspero, Guide du Visiteur (1915). p. 401) حيث يقول: إن لقب ابن الملك لرعمسيس كان يحمله عدة أشخاص منذ عهد الأسرات: الواحدة والعشرين، والثانية والعشرين، والثالثة والعشرين، ولكن لا يتضمن إلا رعمسيس واحدًا قد حكم حوالي هذا العهد، وكما أن أسرة الرعامسة قد خَلَّد اسمَها ملكاتٌ نقلن حقوق الوراثة للملك من أبنائهن؛ فإن هذه الوراثة قد استمرت في أمراء كانوا يحملون بعض الألقابِ الملكيةِ وشرفها، ولم يكن — أي «رعمسيس» — من هذه الأسرة في حاجة ليكون ملكًا حتى يُدعى أولاده أبناء الملك كما كان يُدعى هو نفسُه، وسنذهب إلى أبعد من هذا ونقول: إن أي وارث مهما كان من أسرة الرعامسة ليس في حاجة إلى أن والده يُدعى «رعمسيس» حتى يستحق أن يحمل لقب «ابن الملك لرعمسيس».

والواقع أنه لا يوجد واحد من بين هؤلاء العشرة الذين يحملون لقب «ابن الملك لرعمسيس» كان والده يدعى «رعمسيس».

وهؤلاء الأشخاص لم يكونوا — كما اعتقد الأثري «فيدمان» — أبناء الملك «رعمسيس» كذا أو الأمير «رعمسيس» كذا؛ سواء أكان «رعمسيس الثالث» أم آخِر «رعمسيس» حكَمَ مصر أم «رعمسيس السادس عشر» المزعوم الذي يقول عنه «بروكش» إنه استمر في الحكم في الواحة الكبرى بعد تولية «حريحور»، أو أمير يدعى «رعمسيس» من الأسرة الواحدة والعشرين. وعلى ذلك فهؤلاء الشخصيات الذين كانوا يحملون هذا اللقب لم يكونوا إخوة، يبرهن على ذلك اختلاف العصور التي نجدهم ظهروا فيها منذ «شيشنق الأول» حتى عهد الملك «بادو باست» محبوب آمون. ومن ثم ينبغي أن يكون لقبهم هذا واسعًا في معناه؛ أي إنه أصبح يعني أن حامله كان من نسل الفراعنة دون أن يحدَّد «رعمسيس» الذي كان على رأس هذا الفرع من الأسرة.

وهذا النسب قد جاء على وجه التأكيد — إذا أخذنا به — عن طريق النسوة؛ وذلك لأن الأبناء الملكيين «لرعمسيس» إذا لم يكونوا منتسبين إلى ملك يحكم فعلًا فإنهم يذكرون دائمًا أمهاتهم ولم يذكروا قط والدهم، وقد يحدث في كثير من الأحيان أن يُنسبوا للرعامسة عن طريق أمهاتهم، ومع ذلك فإنهم في الوقت نفسه أبناء ملوك حاكمين (مثل «شيشنق الأول» و«شيشنق الثالث»)، وليس في ذلك ما يدهش؛ لأن أوائل ملوك الأسرة الثانية والعشرين كانوا حريصين أكثر من ملوك الأسرة الواحدة والعشرين على تعزيز شرعيتهم للملك الذي اغتصبوه بواسطة الزواج من نساء انتسبن إلى أواخر نسل أسرة الرعامسة التي أنجبت للبلاد فراعنة عظام في الأسرتين التاسعة عشرة، والعشرين.

وقد نتج من التزاوج من هؤلاء النسوة اللائي كان يجري في عروقهن دم هؤلاء الرعامسة أن ادَّعى اللوبيون المحدثون الغرباء — وهم الذين تناسلوا من أسرة رئيس مغمور الذكر من قبائل لوبيا (المشوش وغيرها) — أن لهم الحقَّ في أن يحملوا لقب الفراعنة الذين خلعوهم من عروشهم، وأصبحوا يدَّعون لأنفسهم أنهم أولاد «رع»، وأصبح لهم الشرف في أن يحكموا على مملكة هذا الإله.

ومن المهم أن نلحظ هنا أن بقاء هذا التقليد الدال على بهاء وعظمة الرعامسة في نسلهم البعيد، قد استمر ما لا يقل عن ثلاثة قرون تقريبًا، غير أنه استمر آخذًا في الضعف شيئًا فشيئًا مدة خمسة عشر جيلًا. هذا، ولا نظن أنه من الضروري أن نرجع بأصل هذا اللقب وحامليه إلى أخلاف «رعمسيس الثاني» العديدين كما يظن بعض المؤرخين، بل من الجائز أن ذلك يرجع إلى نسل «رعمسيس الثالث» مباشرة؛ وذلك لأنه كان يُعَدُّ أعظم ملوك الأسرة العشرين، كما أنه لا يبعد حكمه عن آخر الرعامسة أكثر من جيلين أو ثلاثة.

وقد لاحظ كل من الأثري «برج مان» والمؤرخ «بتري» بحقٍّ أن أبناء الملوك «لرعمسيس» قد انخفضت منزلتهم في الأجيال الأولى إلى وظائف حربية (قُواد كل الجنود المشاة)، أو رجال شرطة (قواد الشرطة)، ومن الجائز أن هذه الألقاب والوظائف لم تكن إلا ألقاب شرف وحسب، وفيما بعد نجد أن الذين كانوا يحملون لقب «ابن الملك لرعمسيس» كانوا يحملون ألقابًا دينية مثل: الكاهن الرابع، والكاهن الثالث، والكاهن الثاني لآمون، وقد وجدنا واحدًا منهم يحمل لقب الكاهن الأول «لآمون رع» ملك الآلهة، غير أننا لا نعرف إلى أي حد كان مقدار سلطان الكاهن الأكبر «لآمون» بالنسبة للقب «ابن الملك لرعمسيس» «أوسركون» الذي كان له سلطان محَسٌّ على جميع رجال كهنة «آمون» الطيبيين.

والحقيقة أن وظيفة رئيس كهنة «آمون» كانت تعد — كما نعلم — أهم وظيفة بعد الفرعون في الدولة المصرية، وبخاصة في العهد الذي كان فيه الملوك لا يتخذون مقرهم على وجه عام في «طيبة» بل في شمال البلاد، فكان الكاهن الأكبر «لآمون» في «طيبة» يعد نائبَ الملك في الوجه القبلي. يضاف إلى ذلك أن كل ملوك «تانيس» و«بوباسطة» كانوا لا يَكِلُون أمر هذه الوظيفة إلا إلى شخصية معروفة بالإخلاص؛ ولذلك كانوا ينتخبونها من بين أفراد أسرتهم، فكان يُنتخب أخو الملك أو الابن الأكبر له أو ابن الأخ، والفرد الوحيد الذي لم تجتمع فيه هذه الشروط، وكان يحمل لقب الكاهن الأكبر «لآمون» كان في عهد «شيشنق الثالث». ويمكن أن نفسر ذلك بأحد أمرين؛ فإما أن الملك ليس له في نسله المباشر ولا في نسله من الأقربين شخص يمكن أن يقوم بأعباء رياسة كهنة «آمون»، وإما أن يكون «أوسركون» الذي شغل هذا المنصب هو من نسل الرعامسة البعيدين، وكان أقرب فرد في متناول الفرعون لشغل هذه الوظيفة وقتئذ، هذا بالإضافة إلى أنه شخصيًّا كان قد فقد كل سلطان سياسي بالنسبة لأجداده الأبعدين من الرعامسة؛ ولذلك كان في مقدور الفرعون أن يسند إليه شغل هذه الوظيفة دون أن يكون هناك أي خطر منه على عرش ملوك «بوباسطة».

وخلاصة القول أن القليل الذي نعرفه عن أبناء الملك «لرعمسيس» يشير بوجه خاص إلى أن هؤلاء الشخصيات كانوا يعيشون في البلاط متمتعين بحظوة الفرعون الذي كان يتخذ منهم سُمَّارًا، ومن المحتمل كذلك أنه كان يختار منهم مستشارين مقربين، وقد كان يغدق عليهم بسخاء اعترافًا بنصائحهم واحترامًا لأصلهم العريق، فكان يمنحهم الألقاب والرتب العالية، غير أن كل هذه الإنعامات كانت ميزات شرف وحسب، وليس لها سلطة عملية.

هذا، وقد طلع علينا «مونتيه» حديثًا برأي آخر يتفق مع الرأي الذي ذكرناه من قبل، وهو أن هذا اللقب كان يُمنَح لحاكم بلدة «رعمسيس الثاني» المعروفة باسم «بررعمسيس» «قنتير الحالية»، كما كان يلقب حاكم «كوش» بابن الملك. وهذا الرأي لا يبعد أن يكون أقرب إلى الصواب على الرغم مما قدمه لنا «مسبرو» وغيره من مقترحات مغرية تستحق تفكيرًا عميقًا (راجع Montet. OSorkon II p. 66). وسنتكلم عن ذلك فيما بعد.

(٤) آثار أخرى لشيشنق الأول

  • تانيس: نَقَشَ «شيشنق الأول» اسمه على قاعدتي تمثالين لبلهول يرجع عهدهما للأسرة الثانية عشرة (راجع Petrie, Tanis I p. 15).
  • تل المسخوطة: عثر «بتري» في «تل المسخوطة» على قطعة من لوحة، ويدل الحجر الذي قطعت منه وصناعتها على أنها غاية في الدقة، وقد رُسم على الجزء الباقي آلهتان تُمثِّلان الوجه القبلي والوجه البحري وتَعِدَان المَلِكَ حياة طويلة سعيدة، والملك المذكور هنا هو «شيشنق الأول»، ولا بد أن ملوك «بوباسطة» وبخاصة «شيشنق الأول» قد استعملوا مخازن «بتوم» (تل المسخوطة) لتموين جيوشهم الذاهبة إلى بلاد سوريا (راجع Naville, the City of Pethom. p. 13).
  • تل بسطة: لما كانت مدينة «تل بوباسطة» هي موطن «شيشنق الأول» كما هو المفروض؛ فقد كان المنتظر أن يزين جدران آثارها ويحيلها بالنقوش التي تتحدث عن انتصاراته ومفاخره، ولكن ما حدث هو العكس؛ إذ لم يُعثَر على أية نقوش للفرعون «شيشنق الأول» في هذه البلدة إلا قطعة صغيرة من الحجر الجيري عليها جزء من طغرائه، ومن المحتمل أن «شيشنق» عندما احتل عرش الملك قد لاقى مقاومة في «طيبة» وفي الوجه القبلي عامة، فرأى تثبيتًا لسلطانه بصورة واضحة أن يقيم الجزء الأعظم من آثاره في الوجه القبلي تاركًا الوجه البحري؛ لأنه كان مقر ملكه (راجع Naville Bubastis. p. 46-47).
  • منف: كَشَفَ الأثري «بروكش» بالقرب من تمثال «رعمسيس الثاني» ﺑ «ميت رهينة» عن قطعة ضخمة من المرمر يحتمل أنها كانت قاعدة مائدة قربان طولها ١٫٩٠ مترًا، وارتفاعها ٥٠سم، وعرضها ١٫٠٥ متر، وعليها نقوش تدل على أنها من عهد الملك «شيشنق الأول»، فنجد على وجهها الأمامي سطرًا من النقوش جاء فيه: «أوزير حابي» — «آتوم حورنسبي». وهذا يدل على أن هذا النقش كان للعجل أبيس المتوفى. وعلى يمين ويسار هذا النقش كُتِبَ اسم الفرعون ولقبه في طغراءين، ونجد كذلك على يسار طغراء الملك صورة الإله «أنوبيس» وفي يده إناء طهور يسيل منه الماء على طغراء الفرعون الذي مُحِيَ وكتب مع هذا المنظر: تقديم القربان «لأوزير أبيس» (أربع مرات)، وعلى اليمين من طغراء لقب الملك نشاهد الكاهن الأعظم للإله «بتاح» حاملًا في يده اليسرى الصولجان الخاص بهذا الإله، وفي يده اليمنى آلة لفتح الفم كانت تستعمل في احتفال فتح الفم الخاص (راجع مصر القديمة الجزء الرابع). وقد كُتِبَ مع هذا الكاهن النقش التالي: «إجراء عملية فتح الفم لوالده «أوزير أبيس» على يد الكاهن الملقب عمود أمه وتطهيره في البيت العظيم …»
  • وفوق الكاهن نُقِشَ ما يأتي: «الكاهن الأعظم للإله «بتاح» المسمى «شدس نفرتم» ابن الكاهن الأعظم «عنختف-سخمت» المرحوم.» ومن هذا نعلم الدور الذي كان يقوم به كل من هذين الكاهنين العظيمين للإله «بتاح»، وبخاصة من الجزء التالي من النقوش الذي يوضح الأعمال التي كان قد كُلف بها هذا الكاهن، ومعناه: (المرسوم الذي كلف به الكاهن الأكبر للإله «بتاح» المسمى «شدس نفرتم» من قبل جلالته، وهو تحضير مكان تطهير والده «أوزير أبيس» وذلك بشغل فاخر). ومما هو جدير بالذكر هنا أنه توجد في متحف اللوفر لوحة للعجل أبيس قد ذكر عليها قائمة أسماء جاء فيها اسْمَا هذين الكاهنين العظيمين، وقد أورد الأثري «ليبلين» سلسلة نسب هذين الكاهنين مدلِّلًا على أن هذه الوظيفة كانت وراثية فيها. (راجع A. Z. 16. p. 37–43).
    وكُشف كذلك في «ميت رهينة» قطعتان من عامود من الجرانيت الأسود عليهما طغراء هذا الفرعون (راجع Rec. Trav. XXII p. 143)، وقد عثر لهذا الفرعون على آثار صغيرة محفوظة في مختلف متاحف العالم منها لوحة صغيرة من الفخار، وقطعة جلد، وقمة صاجات، وصندوق من الفخار، وكبش مصنوع من العجينة الزرقاء، ولوحة مطلية بالأخضر وعليها صورة، وجعارين عادية نُقِشَ عليها اسم هذا الفرعون بصور مختلفة، وكذلك جعران من الذهب (راجع Petrie, Hist. of Egypt III p. 233).
    وكذلك توجد صورة لهذا الفرعون نقلها لبسيوس عن آثاره (راجع L. D. III, 300, 78).

(٥) أسرة الفرعون شيشنق الأول

تحدثنا فيما سبق عن أجداد الفرعون «شيشنق الأول» من جهة أبيه وأمه [انظر الأسرة الثانية والعشرين فراعنة الأسرة الثانية والعشرين].
  • زوجه «كارمعمع»: ذُكر اسمُ زوجِه «كارمعمع» على لوحة «حور باسن» [انظر الأسرة الثانية والعشرين فراعنة الأسرة الثانية والعشرين]، وكذلك جاء اسمها على تمثال مجيب في متحف برلين، وقد لُقِّبت عليه «أوزير المتعبدة الإلهية لآمون الأم المحبوبة كارمعمع» (L. D. III 256 f, ausfu-hrliches Verseichniss (1899) p. 240)، وكذلك ذكر اسمها على تمثال مجيب آخر يحمل نفس اللقب (راجع L. D. III 266 g.)، ويوجد لها تمثال مجيب محفوظ بمتحف اللوفر، وآخر في مجموعة خاصة بمدينة «فلادلفيا».
    وفي متحف برلين آنية أحشاء نُقِشَ عليها: «زوج الإله رب الأرضين (المتعبدة الإلهية لآمون) ربة التيجان الأم المحبوبة «كارمعمع».» (راجع L. D. III p. 256 b).
    ويلاحَظ أن «بتري» قد وحَّد هذه الملكة بابنة الملك «بسوسنس الثاني» المسماة «ماعت كارع»، وهي أم الملك «أوسركون الأول»، وقد ذُكرت على تمثال النيل المحفوظ بالمتحف المصري، غير أن هذا التوحيد يظهر مستحيلًا؛ لأن «ماعت كارع» (الثانية) كانت زوجة «لأوسركون» لا أمه، وقد اعترف «بتري» نفسه بهذه الحقيقة فيما بعد (راجع Petrie. Hist. III p. 237).
    وقبر هذه الملكة — الذي جاءت منه أواني الأحشاء والتماثيل المجيبة السالفة الذكر — ليس معروفًا، ويحتمل أنه في «طيبة»، والظاهر أن «مسبرو» (راجع Momies Royales p. 749-750) يَنْسُبُ أوانيَ الأحشاء هذه وكذلك التماثيل المجيبة التي تحمل اسم «موت مريكارع مع» إلى ملكة أخرى تدعى «كارع مع» (الثانية) زوج «أوسركون الثاني» وجدة «كارمعمع» التي تزوجت الملك «تاكيلوت الثاني»، فإذا كان هذا النسب صحيحًا فإنه لم يتبقَّ «لكارع مع» الأولى زوج «شيشنق الأول» ذكر إلا ما جاء على لوحة «حور باسن»؛ حيث تُلَقَّبُ «الأم الإلهية» ولم يوضَّح اسمُها في طغراء.

    وقد كُشِفَ حديثًا في الكرنك بالقرب من السور الشرقي عن مبنيين؛ أولهما عليه طغراء الملك «أوسركون» مُزَيَّن من الداخل بمناظر دينية، أهم ما يلفت النظر فيها ضاربات على الدف يمثلن الإلهة «حتحور».

    وواجهة المقصورة تحتوي على عمد أوزيرية الشكل. أما من جهة الزينة الخارجية فقد عملت بالطوب المحروق، وكذلك رقعة المقصورة، وهذا يدلنا على أن الطوب المحروق كان يستعمل في مصر في أزمان أقدم مما كنا نظن (راجع A. S. Tome LI. p. 554. Pl. II, I). والمقصورة الثانية في الجهة الغربية على بعد قليل من الثانية ورقعتها كذلك مرتفعة عنها بعض الشيء.

    وقد وُجد فيه حجرة نُقش عليها طغراءا الملكة (ماعت كارع) (ابنة الملك وسيدة الأرضين).

    وقد زينت هذه الحجرة بزينة مفرغة، وفي أعلاها نجد اسم الملكة السابق في طغراءين يحميهما إلهان بأجنحتهما (راجع Ibid. Pl. II 2).
  • «أوسركون» الابن الأكبر لشيشنق (؟): خلف أوسركون هذا والده على عرش الملك، وليس لدينا أية معلومات أكيدة تثبت أنه كان بِكرَ أولاده، وقد زوجه والده من «ماعت كارع» ابنة آخر ملوك الأسرة التانيسية المسمى «بسوسنس».
  • أوبوت الابن الأصغر: يضم «أوبوت» هذا كما ذكرنا من قبل إلى لقبه «رئيس المشوش» الوراثي في أسرته لقبي: الكاهن الأول «لآمون»، وقائد المشاة، ولا نعلم إذا كان «أوبوت» هذا قد خلف «بينوزم الثاني» مباشرة بمثابة كاهن أكبر «لآمون»، كما نجهل كيف تولى رياسة الكهنة.
    ويظن «مسبرو» (راجع Maspero, Histoire II p. 770.) أنه وصل إلى ذلك بالزواج من إحدى بنات «بينوزم الثاني» أو إحدى بنات أخت له.
    وقد حدثنا فيما سبق عن الأعمال التي قام بها في معبد الكرنك، كما جاء في لوحة السلسلة في السنة الواحدة والعشرين من حكم والده، وعلى ذلك كان «أوبوت» لا يزال يشغل وظيفة الكاهن الأكبر في عهد والده، ولمَّا كان «شيشنق الأول» لم يَعِشْ بعد ذلك التاريخ مدة طويلة فإنه من المحتمل أن «أوبوت» كان لا يزال يشغل وظيفة الكاهن الأكبر في عهد أخيه الأصغر «أوسركون» الأول (راجع Maspero Momies Royales p. 735–737)، غير أن هذا ليس رأي «بتري» الذي يقول: إن «أوبوت» قد مات قبل والده (راجع Petrie. Hist. III p. 239).
    وقد عثر الأثري «أمليونو» على مقصورة جنازية لهذا الكاهن الأكبر في «العرابة المدفونة» كتب عليها: «الكاهن الأول «لآمون رع» ملك الآلهة والقائد الأعظم للجنود «أوبوت» صادق القول ابن رب الأرضين «شيشنق» محبوب «آمون».» (راجع Les Nouvelles fouilles D’abydos (1899). p. 14 et 53 cf Daressy I p. 85).
    ووُجد اسم «أوبوت» كذلك على ذراع تمثال من المرمر في معبد الإلهة «موت» بالكرنك في عام ١٨٩٧ (راجع Benson and Gourlay, The Temple of Mut in Asher p. 349-350).
    أما تابوت «أوبوت» هذا فقد عَثَرَ عليه «كويبل» في معبد الرمسيوم (The Ramesseum p. 21 Pl. XXXA. Note 2).
  • «نسخنسو-با-خرد» حفيدة «شيشنق» وبنت «أوبوت»: وُجد اسم هذه السيدة على قطعة من لوحة للكاهن الرابع المسمى «نختفموت» عُثر عليها في الرامسيوم (راجع Ibid. p. 21 Pl. XXXA. Note 3)، وصاحب اللوحة هو ابن هذه السيدة، وقد جاء عليها: «… أمه» «نسخنسو باخرد» ابنة «أوبوت» المشرف على المدينة الجنوبية (طيبة)، صادق القول ابن الملك رب الأرضين «شيشنق» محبوب آمون معطي الحياة. وقد ظن «بتري» خطأً أن السيدة «نسخنسو باخرد» اسم رجل؛ ولذلك حسبه ابنَ «أوبوت» (راجع Petrie Hist. III p. 233) غير أنه فيما بعد صحح خطأه (راجع Ibid. p. 239).
    وجاء ذكر «نسخنسو باخرد» — فضلًا عن ذكرها على لوحة «الرامسيوم» — على ثلاثة تماثيل عُثر عليها في خبيئة الدير البحري لابنها «نختفموت» وهو حفيد الملك «شيشنق الأول»، وقد عاش هذا الكاهن في عهد «أوسركون الثاني» والملك «حورسا أزيس»، كما سنرى بعد (راجع L. D. III p. 323, Legrain. Rec. Trav. XXVII p. 76).
    وهذا الكاهن يدعى «زد تحوتف عنخ» أيضًا كما يسمى «نختفتموت»، وقد جاء ذكر ابنها «زد موت سعنح» على تمثال كاهن «آمون» المسمى «باكنخنسو» (راجع Legrain Cat. Gen. III No. 42213 & Pl. XXII).

    «نمروت» الابن الثالث للملك «شيشنق» [راجع الأسرة الثانية والعشرين الفرعون شيشنق الأول].

    «تاشبتن-باستت» ابنة «شيشنق الأول» وقد وُجد لها تمثال عثر عليه في خبيئة الكرنك (راجع Rec. Trav. XXX p. 85–87).
١  وقد اختُلف في نطق اسم «شيشنق»؛ فبعضهم ينطقه «شوشنق» وقد كُتب بالمصرية «شيشق» (راجع في هذا الموضوع (J-Simons. Egyptian Topographical Lists p. 88). وإنه لمن الصعب القول بأن أسرة «شيشنق» ترجع إلى أصل بابلي، غير أن الأثري «مونتيه» قد قرر ذلك دون أن يفسر لنا السبب الذي دعاه إلى اتخاذ هذا الرأي تفسيرًا شافيًا. وعلى أية حال، فإن هؤلاء الأمراء اللوبيين قد تمصَّروا بمرور الزمن. أما موضوع وجود أسطوانات بابلية في مقابر «شيشنق حقا خبر رع» والأمير «حورنخت» ابن «أوسركون» الثاني فيمكن أن تكون دليلًا يَعْضُدُ فكرة أن هذه الأسرة من أصل شرقي، وقد كان في الإمكان أن نضيف إلى ذلك عادة وجود الضحايا الإنسانية التي تبرهن على وجودها الهياكل الإنسانية في الرمال موضوعة على سرير مثلث من اللبنات بجوار المقابر الملكية إذا لم يكن أقرب هذه المقابر الملكية من هذه الدفنات هو قبر الملك «بسوسنس» الذي لم يكن من أسرة «شيشنق»، وكذلك إذا لم يكن قرب آسيا كافيًا لتفسير هذه العلاقات الدالة على تأثير عاداتها في مصر (راجع Chronique D’Egypte p. 47 1949).
٢  حُفر هذا المتن في محاجر السلسلة الواقعة بين إدفو وأسوان (راجع Champ. Mon II, 122 bis; L. D. III 254 C; Brugsch Thesaurus VI. 1241).
٣  أو الأقاليم التي على حدود مصر (W. B. III. p. 195, 1. 20).
٤  المقصود هنا من «حعبي» هو فيضان الفرات.
٥  «حقلم»: جمع «حقل» بالعبرية.
٦  انظر كتاب «أقسام مصر الجغرافية في العهد الفرعوني» للمؤلف ص٧٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤