الملك «شيشنق الثالث»

أوسرماعت رع ستبن رع مري آمون شيشنق
هذا الملك يدعى «شيشنق الثالث» على حسب رأي معظم المؤرخين؛ غير أن «جوتييه» يدَّعي أنه هو «شيشنق الثاني»، وأن ما يُدْعى «شيشنق الثاني» لم يكن ملكًا قط. ولكن الكشوف الحديثة قد أثبتت أنه كان ملكًا وحكم مع والده «أوسركون الثاني» مشتركَيْنِ بل يجوز أنه حكم وحده، وعلى ذلك فإن زعم «جوتييه» أصبح لا يؤخذ به (راجع L. R. III p. 361 note 1) والظاهر أن هذا الملك قد حكم مدة طويلة؛ إذ وجدنا على الآثار السنة التاسعة والثلاثين من حكمه كما سنرى بعد. أما «مانيتون» فقد جعل مدة حكم الملوك الثلاثة الذين خلفوا «تاكيلوتيس» (تاكيلوت الثاني) رقمًا واحدًا هو اثنان وأربعون سنة (راجع Unger, Chronologie des Manetho p. 232)، وهذه تظهر قليلة إذا لاحظنا التواريخ الكبيرة التي تقدمها لنا الآثار عن حكم «شيشنق الثالث» و«الرابع»، وقد اعترف المؤرخون من جهة أخرى أن «شيشنق الثالث» قد حكم اثنتين وخمسين سنة (راجع L. R. III p. 363 note 2)، وقد يجوز أن هذه المدة يمكن أن تنقص إلى ست وأربعين سنة، أو حتى إلى ٤٠ سنة (راجع Ibid. p. 365 note 1). وقد ترك لنا هذا الفرعون اسمه على مرسى «الكرنك» في مقاييس النيل في السنة السادسة من حكمه.

(١) أعماله في «تانيس»

كان أهم عمل قام به «شيشنق» في «تانيس» هو البوابة الضخمة التي أقامها في معبد «تانيس» الكبير، وهي التي تعرف بالبوابة الغربية، وقد كساها كلها بالجرانيت، وكانت بقاياها عند الكشف عنها عبارة عن تل ضخم من الأحجار، وأول من اشتغل في هذه الجهة هو الأستاذ «بتري»؛ غير أنه اكتفى بنقل النقوش التي على الأحجار دون أن يزحزحها من مكانها.

وفي عام ١٩٣٠ ابتدأ «مونتيه» في جر الأحجار التي لم تكن في موضعها الأصلي [إلى] أماكن أعدت لذلك في الجهة الشرقية والجنوبية والغربية، وقد زاد عدد هذه الأحجار عن المائة، ويزن كل منها من طنين إلى ثلاثة، وبعضها كان يزيد عن ذلك، وبعد الفراغ من هذه العملية ظهر أن البرج الشمالي لم يبقَ منه في مكانه الأصلي إلا ست قطع، ولحسن الحظ كانت حالة البرج الجنوبي أحسن؛ فقد بقي نصفه الشرقي ثلاثة مداميك في مكانها، ولكن الزاوية الغربية كانت قد زحزحت عن موضعها الأصلي كثيرًا، ومن أجل هذا كان من الضروري هدمها حجرًا حجرًا، وبعد ذلك قَوِيَ الأساس ورصت الأحجار في أماكنها الأصلية، وأقيم خلفها جدار عليه حماية لها.

وهذه البوابة كما قلنا من عمل الملك «وسرماعت رع شيشنق» الذي يلقب «باستت» ملكة عين شمس، ويتردد المؤرخون في الترتيب الذي يوضع فيه هذا الفرعون بالنسبة لملوك الأسرة الثانية والعشرين، ويقول «مونتيه»: إنه يقرب «أوسركون الثاني» الذي يسمى كذلك ابن «باستت»، وهو الذي انتهى حكمه إلى ٨٨٠ق.م.

وهذه البوابة تتألف من برجين قويين يفصلهما ممر عرضه خمسة أمتار يرتكز عليه الجداران المبنيان من اللبِن، وواجهات البوابة منحنية بعض الشيء، ونجد في كل برج الداخل كوة تواجه الداخل وتؤلف مربعًا مضبوطًا طول ضلعه خمسة أمتار ونصف متر وكان من الممكن أن يوضع مصراع من خشب الصنوبر أمام كوة البرج الجنوبي لأجل إغلاق الممر، ويلاحَظ أن برجي البوابة كان كل منهما مستقلًّا عن الآخر كما هي الحال بوابة «بوبسطة»، وكل منهما مجهز بكرنيش بدلًا من أن يتصلا بواسطة عتب، هذا هو ما نجده في بوابة «بطليموس أفرجت» بالكرنك. ونجد أن الواجهات والفرج التي للبوابة مزينة بالنقوش الغائرة الموزعة في ثلاثة صفوف ذات حجم متناقص، وكوة البرج الجنوبي وحدها — وهي التي كان يرد عليها مصراع الباب عندما كانت تفتح البوابة — قد تُركت خالية من الزينة، وهذه النقوش الغائرة كانت جميلة الصنع، ويَمْثُلُ الملك «شيشنق» فيها أمام الآلهة الذين كانوا يتمتعون بإنعام الملك بعد أن حلوا محل الآلهة الحامية القدامى للبلاد وهم ثالوث «طيبة»؛ أي «آمون»، و«موت»، و«خنسو»، وكذلك الإله «مين» هو وإله آخر للجنوب، والإلهة «سخمت» برأس لبؤة، و«حتحور» برأس بقرة، والتاسوع العظيم، ونشاهد كذلك السفن المقدسة لآلهة «طيبة»، كما نرى أثرًا نُقِشَ بحروف صغيرة لم يمكن فهمها على الوجه الأكمل.

ومواد هذه البوابة العظيمة مأخوذة كلها من آثار قديمة من نفس المكان، ومن الغريب أنه لم يُعثَر حتى الآن على قطعة واحدة يمكن أن يقال: إنها قد قطعت مباشرة من محجر. والواقع أن هذه المدينة الدينية العظيمة التي أقام فيها «رعمسيس الثاني» المباني الفخمة منذ ثلاثة قرون من العهد الذي نحن بصدده كانت محجرًا شاسعًا خصبًا منذ بداية الأسرة الواحدة والعشرين لكل الملوك الذين كانوا في حاجة إلى أحجار لإقامة مبانيهم، وقد استعملها ملوك الأسرتين الواحدة والعشرين والثانية والعشرين كما هي أو بعد محو طغراء «رعمسيس الثاني» وكتابة طغراءاتهم هم، أو كانوا يهذبونها من جديد ويصلحونها لاستعمالها في مبانيهم، وقد كان هذا هو مصير تمثال ضخم «لرعمسيس الثاني» كان لا يقل طوله عن سبعة عشر مترًا، فنجد أن حجرًا ضخمًا من البرج الشمالي قد قطع من قدم هذا التمثال الهائل، وكانت الإصبع الكبيرة من قدمه طولها ٦٠سم؛ أي قدر الإصبع العادية عشر مرات.

ويمكننا أن نتصور في ذهننا عِظَم قاعدة هذا التمثال وتاجه. والواقع أن تمثال «تانيس» المارد لم يكن لديه ما يغبطه عليه أخواه اللذان أقيما في «الرامسيوم» وفي «أبو سمبل».

وإذا ما وازنَّا به تماثيل «منف» التي يزورها الإنسان وهو في طريقه إلى «سقارة» وجدناها بجانبه أطفالًا صغيرة. وكانت أحرف العمود الذي يستند عليه ظهر التمثال عرضها مترًا، وأحجام نقوشه الهيروغليفية مثل أحجام الصور التي تُرسَم على النقوش الغائرة العادية، ومثل هذا التمثال كان ينبغي أن يقدِّم جزءًا كبيرًا من أحجار البناء بعد تكسيره، والواقع أنه قد شوهدت منه قطع من الكتف والذراع أو من التنورة! ومع ذلك لم يكن ذلك كافيًا، فقد استعمل فضلًا عن ذلك ثلاث لوحات من لوحات «رعمسيس الثاني» أيضًا وخارجات ومصاريع أبواب ومسلات من الجرانيت ومن الحجر الرملي وتماثيل ثالوثات آلهة من الجرانيت وعتب باب فخم من الحجر الرملي مثِّل عليه شعيرة جَرْيِ «رعمسيس الثاني» أمام الإله «حور-أختي».

ومن المدهش أنه عثر خلف البرج الجنوبي على قطعة من الحجر الرملي مزينة بخمسة رءوس أسرى بارزة بقدر الحجم الطبيعي مرتين ونصفًا، وقد استعملت بمثابة سناد، وهذا الحجر كان جزءًا من سناد يمكن الإنسان أن يرى — حتى الآن في مباني مدينة «هابو» — مساند تشبهه مزينة برءوس أعداء على واجهات قصر برج «رعمسيس الثاني»، ووجدت كذلك أحجار أخرى من هذه المساند معروضة الآن بالمتحف المصري، وبوجه خاص يلاحظ فيها أن الرءوس كانت سليمة تمامًا، فنجد على القطعة الجديدة التي عُثِرَ عليها في «تانيس» (Pl. 11) أن الأسيرين الساميين واللوبي والنوبي والزنجي تُمثَّل بأعينهم المفتوحة وبتقاسيمهم المنتفخة والفم المفتوح ليعبر عن الفزع والألم، وعند فحص هذه الآثار الثمينة وقلبها وجدنا بكل أسف أن «رعمسيس الثاني» الذي قد أعاد فتح محاجر الشمال والجنوب؛ لم يتورع عن استعمال آثار أسلافه في مبانيه؛ إذ نجد على مصراع بابٍ من جهةٍ اسم «رعمسيس الثاني»، ومن الجهة الأخرى نقش للفرعون «خوفو»، هذا إلى نقش غائر على حجر باسم «خوفو» قد حوِّل في عهد «رعمسيس الثاني» إلى خارجة باب، ووجد على قطعة أخرى اسم شارة «خفرع».

وقد لوحظ أن حجر الزاوية للبرج الجنوبي قد استعمل في عهد «رعمسيس الثاني» خارجة باب مزينة بمتن جميل ذُكر فيه أسماء آلهة طردت فيما بعد من «تانيس»، وهم: «عشتارت»، و«ست»، و«منتو». وقد ظهر بين النقوش الهيروغليفية الخاصة «برعمسيس الثاني» آثار ألقاب ملك أقدم منه، ويحتمل أنه الملك «نو-سر-رع» أحد ملوك الأسرة الخامسة، والواقع أنه قد جمع في بناء بوابة «شيشنق» الضخمة أحجارًا عليها نقوش ترجع إلى الوراء خمسة عشر قرنًا؛ فقد وضع جنبًا إلى جنب عتب باب من عمل الملك «تيتي الأول» أحد ملوك الأسرة السادسة، وبعض أحجار جيرية جميلة مأخوذة من أحد مباني الملك «شيشنق الأول» مؤسس الأسرة التي ينتمي إليها الفرعون صاحب البوابة؛ مما يدل حقيقة على أن البوابة الضخمة ليست إلا مختصرًا تاريخيًّا لبلدة «تانيس» حتى عهد الأسرة الثانية والعشرين.

والطرقة الوسطى لهذه البوابة كانت مرصوفة بأحجار ضخمة اغتُصبت كذلك من مبانٍ قديمة، فنجد من بينها قاعدة تمثال للفرعون «رعمسيس السادس»، ومصراع باب للملك «بيبي الأول»، ومسلة للفرعون «بيبي الثاني» كان «رعمسيس الثاني» قد صنع فيها خارجة باب. هذا، وقد وُضع على وجه السرعة في أسس رقعة الممر تماثيل وجدت مدفونة على عمق كبير من قاعدة تمثال لأم «رعمسيس الثاني» الملكة «توي».

ويمر الزوار أولًا في هذه الطرقة بين تمثالين ضخمين «لرعمسيس الثاني»: واحد منهما من الحجر الرملي، والآخر من الجرانيت الأسود. فالتمثال الأول يقع في الجهة الجنوبية، ويبلغ ارتفاعه على أقل تقدير سبعة أمتار، وكان يمثل الملك واقفًا مستندًا إلى عمود وله لحية مستعارة ولباس نمس، وتحت النمس أو الكوفية تاج مزدوج والجذع عارٍ، وله حزام كبير مرشوق فيه خنجر، ويشاهَد صورة ملكة منحوتة على جانبه الأيسر، والتمثال من القطع الفنية؛ لما في مُحَيَّاه من جمال وحسن تصوير يضارعان أحسن التماثيل التي عملت «لرعمسيس الثاني» إذا استثنينا تمثاله المحفوظ في «تورين». وهذا التمثال كان قد قُلِبَ على وجهه بنفس الحادث الذي سبَّب سقوط البوابة، وقد تدحرج التاج من على رأسه لمسافة عشرة أمتار وتهشم، وبأعجوبة لم يحدث في الجذع والوجه كسور تذكر! ولكن الساقين والقاعدة تطايرت نُتَفًا صغيرة، وينقصها الآن قطع كثيرة لتصبح كاملة.

أما التمثال المصنوع من الجرانيت الأسود الذي كان تبعًا للتمثال المصنوع من الحجر الرملي، فقد أصابه عطب كبير ولم يبقَ منه سليمًا إلا التاج، وإذا حكمنا بما تبقى منه قلنا: إنه كان دقيق الصناعة، حسن التصوير.

ونجد بعد هذين التمثالين آخرين ضخمين كل منهما قطعة واحدة من الجرانيت الأحمر، يشبه أحدهما الآخر تمام الشبه وهما «لرعمسيس الثاني» كما تدل على ذلك نقوشهما، فنشاهد الملك واقفًا على قاعدة طولها متر، ومستندًا إلى لوحة، وعلى رأسه تاج الجنوب، وله لحية مستعارة مجدولة، وقميص بسيط، وفي كل من يديه منديل، ومثِّل بجانبه على القاعدة صورة أنثى، ونقشت أسطر هيروغليفية عمودية حول القاعدة وعلى سطحها، وقد كان مصير هذين التمثالين واحدًا؛ فقد كُسِرَا من عند الرقبة ومن الوسط وعند الكعبين، وهي الأجزاء الضعيفة في كل تمثال وبخاصة عندما يكون التمثال عظيم الارتفاع، وقد تأثرت الأجزاء المفصولة. ورأس التمثال التي في الجهة الشمالية أجمل من رأس التمثال الآخر، ومن الممكن إصلاحهما ووضعهما على باب المعبد ثانية، ورأس التمثال الشمالي الجميل لا يشبه رأس التمثال المصنوع من الحجر الرملي، إن تماثيل «رعمسيس الثاني» العديدة لم تخرج كلها من مصنع واحد بعينه؛ فبعضها متشابه في الصورة وبعضها الآخر لم يُعتَنَ بصناعته ومثِّل في هيئة تقليدية.

وفي الحالة التي نحن بصددها نستطيع أن نفسر عدم التشابه بسبب آخر؛ وذلك أن التمثال الضخم المصنوع من الحجر الرملي وزميله المصنوع من الجرانيت الأسود تدل صناعتهما على أنهما عمل فني أصيل، أما التمثالان المصنوعان من الجرانيت الأحمر، فقد اغتصبهما «رعمسيس الثاني» بعد أن محا نقوشهما القديمة ووضع مكانها ألقابه ومدائحه، وليس لدينا برهان مادي على هذا الاغتصاب؛ غير أن الرأسين المصنوعين من الجرانيت الوردي لا يشبهان في شيء ما الصناعة الأصلية الخاصة بالأسرة التاسعة عشرة، ولكنهما ينتسبان إلى نحت الدولة الوسطى أو الدولة القديمة مثل تمثالي «بولهول» اللذين بمتحف اللوفر (راجع A. 21; A. 23)، وقد عثر عليهما في «تانيس».

وبالقرب من البوابة نُصِبَ ثالوثان من الجرانيت الوردي؛ فالثالوث الجنوبي سقط بوجهه إلى الأمام وكسرت الرءوس الثلاثة، غير أنها وجدت على مسافة قصيرة وقد أصابها بعض العطب، ولكنها وضعت في مكانها، وهذا الثالوث بعد إقامته يعد أجمل وأكمل أثر في إقليم «تانيس» عامة، وهو عبارة عن قطعة حجر طولها أربعة أمتار خُصِّصَ أحد وجهيها للنقوش، وفي الوجه الآخر نحتت ثلاثة أشخاص نحتًا بارزًا، فالذي في الوسط هو «رعمسيس الثاني» مُثِّل مرتديًا على رأسه الكوفية (نمس)، وله لحية مستعارة، ويلبس قميصًا ذا ثنيات، ومحلًّى من الأمام برأس لبؤة وسبعة أصلال، ويمسك بيده صاحبيه، وهما: الإله «حور أختي» على اليمين، والإله «بتاح تاتنن» على اليسار. ويلاحَظ هنا أن المفتن قد استعمل طريقة لا بد أن تكون قد ظهرت في المدة الأخيرة من عهد «رعمسيس الثاني»؛ وذلك أنه إذا فَصَل الإنسان التمثال المصنوع من الحجر الرملي ومقابله المصنوع من الجرانيت الأسود، أو التمثالين الضخمين المصنوعين من الجرانيت الوردي من العمود الذي يستند عليه خلفه، فإن الإنسان لا يحتاج إلا لعملٍ قليل ليحصل على تمثال حقيقي يمثل الجسم الإنساني بدون تشويه، ولكن على العكس من ذلك في مجموعة الثالوث الذي نحن بصدده الآن لا يمكن أن نحصل على مثل هذه النتيجة؛ وذلك لأن الشخصيات الثلاث الممثلة فيه نجد فيها أن الساق اليسرى تتقدم للأمام والرأس ليس منفصلًا عنه إلا نصفه من الحجر المنحوت فيه، هذا إلى أن الجسم والذراعين واليدين منضمة، والساق اليمنى لا يكاد يبرز منها من الحجر إلا بضعة سنتيمترات، وهذا النوع من التماثيل يعد حفرًا أكثر منها نحتًا، ولكنه حفر ليس خاضعًا للقوانين العادية الخاصة بالحفر المصري؛ وذلك لأن الجسم الإنساني قد مثِّل فيه دون تشويه يشوبه، ولم نر هذا النوع من الحفر في العهد الفرعوني حتى عهد الأسرة التاسعة عشرة، فقد كان لا يتسنى أحيانًا للنحات أن يصل تمامًا إلى فصل الشخصية الممثَّلة في الحجر من العمود الذي كان يستند عليه التمثال، وقد عُزِيَ هذا النقص إما لعدم جرأة المثَّال، أو لقلة مهارته. أما في «تانيس» فكان الأمر على العكس من ذلك، فكان النحات مسيطرًا على آلته سيطرة تامة؛ ولذلك كان في مقدوره أن يهيئ مقدمات البروز التي كان ينبغي أن يكون عليها كل جزء من الجسم، ولدينا أمثلة أخرى من النحت من هذا النوع تكاد تكون حديثة في طرازها.

وفي كل التماثيل التي تظهر أنها ملصقة في اللوحات نجد أن النقوش قد نظمت على حسب قاعدة معينة بالضبط، فنجد خطوطها عمودية في الظهر وعلى الحواف، وخطوطًا أفقية على المقدمة وجوانب القاعدة، أما الخطوط الأفقية التي على الظهر فمقسمة ثلاث مناطق؛ ففي الوسط نجد طغراءات الفرعون تسبقها الألقاب العادية، وفي أعلى وفي أسفل تُقرَأ عبارات مدح وفخار جوفاء، وأحيانًا يصادفنا اسم إلهي أو جغرافي يلفت النظر.

وفي شمال الممر عُثِرَ على ثالوث آخر يمثل «رعمسيس الثاني» واقفًا بين الإله «خبري» وإلهة؛ ولم يمكن إصلاحه لأن بناء «شيشنق» قد كسرها قطعًا صغيرة عدة، ووُجد في ردهة المعبد بعض أجزاء هذا الثالوث، وقد بقيت بوابة «شيشنق» دون أن يحدث فيها أي تغير حتى وقف هدم المعبد. والواقع أنها حلت محل بوابة من الحجر الجيري الأبيض أقامها «شيشنق الأول»، والبوابة الأخيرة كانت أقيمت على أنقاض بوابة أخرى «لرعمسيس الثاني» الذي أقام بدوره بوابته على بقايا بوابة أخرى أكثر قدمًا، ومن الجائز أنها من عهد الملك «خوفو» أو الملك «خفرع»، وينسب إلى هذه البوابة العتيقة زاوية جدار وجدت على عمق عشرة أمتار من بوابة «شيشنق الثالث»، وتحت هذه الزاوية وجدت ودائع أساس مزدوج هشِّمَ بنقل المواد التي كدست عليه. وآثار بوابة «رعمسيس الثاني» لا يزال الكثير منها موجودًا، ونخص بالذكر حجري زاوية من الجرانيت الأسود، وقطعًا من الحجر الرملي الأحمر المزين بالنقوش الهيروغليفية، وقطعة من عتب باب، وقطعة ذات خمسة رءوس وجدت في الردهة الجنوبية، وقطعًا عدة من الحجر الجيري الأبيض. ويدل تنوع المواد والأشكال الزخرفية التي وجدت من بقايا بوابة «رعمسيس الثاني» على أنها كانت أضخم من بوابة «شيشنق»، وأنها كانت تمثل في منظرها مجدلًا أو برجًا كنعانيًّا مثل مجدل «رعمسيس الثالث» — الذي كان يقلد جده العظيم «رعمسيس الثاني» في معظم تصرفاته — المقام عند مدخل معبده في مدينة «هابو»، وعلى مسافة بضعة أمتار جنوبي بوابة «شيشنق» المقامة من الجرانيت وجد تحت اللبنات التي أقيم منها الجدار المحيط بالمعبد بناء من الأحجار المستعملة يحتمل أنه تابع لبوابة «شيشنق»، ومن هذا البناء القِطَع التي ذكرناها من قبل وقد وجدت مفصولة عنه.

ومع كل ما ذكر فإن ما نعرفه عن هذه البوابة لا يزال مشوَّشًا، وسيبقى كذلك إلى أن تَدْرُسَ قطعها وتُصلَحَ من جديد إصلاحًا تامًّا، وعندئذٍ يمكن وضع تاريخ لها حافل بالمعلومات القيمة عن ملوك مصر وكيفية إقامتهم للمباني العظيمة على حسابهم أو على حساب من سبقهم من أسلافهم، ولو أدى ذلك كما شاهدنا إلى القضاء على أضخم المباني وأدق القطع الفنية وأجملها؛ كل ذلك في سبيل حب العظمة والظهور والفخر الناشئ عن الأنانية والتظاهر بغير الحقيقة اللتين طالما كشفت عنهما الآثار المادية، ولا أدل على ذلك من هذه البوابة الضخمة في ظاهرها الكاذبة في باطنها؛ فمؤسسها الأول أحد ملوك الدولة القديمة التي كان ملوكها مضرب الأمثال في إقامة المباني والعمائر، فهم الذين بنوا الأهرام ومعابدها التي لا تُدانَى في فخامتها وضخامتها ومتانتها، وخَلَفَهم ملوك الدولة الوسطى، فأقاموا في «تانيس» ما أقاموا من تماثيل ومبان أنيقة، والظاهر أنهم لم يَمَسُّوا بوابة الدولة القديمة بسوء إلى أن جاء «رعمسيس الثاني» الذي أراد أن يؤسس لنفسه مجدًا لا يدانيه مجد في كل أنحاء البلاد، فأقام على أنقاض بوابة الدولة القديمة بوابة أخرى لنفسه استعمل فيها أحجار أسلافه، ولا غرابة في ذلك؛ فقد وجدنا أن أعظم ملوك الدولة الحديثة يفعلون ذلك، ونخص بالذكر منهم «أمنحتب الثالث» الذي أقام بوابته في الكرنك من أنقاض معبدين من أفخم وأجمل المعابد المصرية؛ أحدهما «لسنوسرت الأول»، والآخر للملكة «حتشبسوت» (راجع الجزء الخامس). ولم يمض طويل زمن على ما فعله «رعمسيس» حتى جاء «شيشنق الثالث» فهدم كل ما أقامه «رعمسيس الثاني» في «تانيس» وأقام بأنقاضه بوابة ضخمة تشهد بعجزه وفقره وما آلت إليه البلاد في عصره.

(٢) مقبرة «شيشنق الثالث»

تقع مقبرة «شيشنق الثالث» على مسافة بضعة أمتار من مقبرة الملك «أمنمأبت» أحد ملوك الأسرة الواحدة والعشرين، وظاهر هذا القبر يدل على أنه مستطيل الشكل مقام من الحجر وداخله مقسم قسمين، وهما: البئر، وحجرة مزينة بالنقوش الهيروغليفية وصور شخصيات جنازية، ويحتوي على تابوتين من الجرانيت الرمادي، وقد كان هذا المكان هو المثوى الأبدي للملك المعروف في «تانيس» باسم «وسر ماعت رع» «شيشنق» باني البوابة العظيمة التي تقع على مسافة تقرب من ثلاثين مترًا في الشمال الغربي من هذه المقبرة، وهي التي أسلفنا القول في مبانيها والتقلبات التي حدثت في تاريخ أحجارها، ومما يؤسف له أن قبر هذا الملك كان قد استعمل محجرًا، وقد اختفت كل أحجار سقفه إلا واحدًا لم يكن كاملًا!

(٣) نقوش مقبرة «وسرماعت رع» «شيشنق»

وجدت جدران مقبرة هذا الملك الأربعة سليمة تقريبًا، وقُسِّمَ كل جدار صفوفًا أفقية وحفر عليها بعناية الأشخاص والكتابات بحجم صغير، وطراز نقشها يذكرنا بنقوش البوابة العظيمة التي أقامها هذا الملك، هذا إلى أن الكورنيش والسقف كانا لذلك مزينين بالرسوم، وعلى الرغم من أن أحجار السقف كانت قد انتُزعت، وأن الطين والرمل والماء قد اقتَحَمَتِ القبر؛ فإن المناظر والنقوش الهيروغليفية لم تتأثر من ذلك كثيرًا، فقد وجدت بعض الألوان لا تزال باقية نضرة، أما الزخرف فقد عُمل على غرار ما كان متبعًا في المقابر الملكية الأخرى، وهو محاكمة المتوفى والتبرؤ من كل الذنوب، ومسير الشمس بين النجوم الثابتة والنجوم السيارة، وموكب الآلهة، ورسوم بعض المناظر الجنازية. والواقع أن المؤرخ لا يستخلص من كل هذه المناظر والنقوش شيئًا يذكر، ومع ذلك فإنه من المهم أن نذكر هنا وجود عنصر هام لم يكن معروفًا من قبل في ألقاب هذا الفرعون وهو اسم شارته الذي كان ينقش في داخل مستطيل يعلوه صقر، وهذا اللقب هو الثور القوي خلقة «رع».

وتابوت هذا الفرعون المصنوع من الجرانيت له أهمية خاصة؛ فقد نحت في قاعدة تمثال ضخم يرجع عهده للأسرة الثالثة عشرة، وقد بقيت بعض نقوشه الأصلية لتحدثنا عن تاريخه، فنجد الاسمين الحوريين لملكين قد كتبا يواجه أحدهما الآخر وبينهما علامة الحياة، ومعنى ذلك أن هذين الملكين كانا مشتركين في الحكم معًا، واسم الملك الأول الذي على الجهة اليمنى من قاعدة التمثال هو «حتب أبتاوي» (وهو لملك يدعى حور) وهو الذي وَجَدَ له الأثري «دي مورجان» تمثالًا جميلًا في «دهشور»، أما الاسم الثاني فهو «خعباو»، وباقي ألقابه توجد على عتب باب في بوابة «بوبسطة»، وهي: «حور خعباو»، وملك الجنوب والشمال «سنحمخوتاوي»، وكل من هذين الملكين قد جاء ذكره في ورقة تورين في العمود الخاص بأخلاف الأسرة الثانية عشرة، فنجد اسم الملك «حور» في السطر السابع عشر، والاسم الآخر في السطر التاسع عشر، ولكن على الرغم من ذلك يتردد المؤرخون في المكان الذي يجب أن يحتله الملك «حور» بين ملوك الأسرة الثالثة عشرة.

ولما كان هذا الملك قد أراد دفن جثمانه في وسط الأسرة الثانية عشرة، فإنا نجد — لهذا السبب — بعض المؤرخين لا يريدون فصله عن ملوك هذه الأسرة، وأظن أن الموضوع قد حُلَّ بعد التفسير الذي أوردناه فيما سبق على حسب ما هو متبع في التقاليد الملكية عندما يشترك ملكان في الحكم فيكتبان معًا دلالة على ذلك.

ولم يترك اللصوص لنا من آثار هذا الفرعون إلا بعض قطع من أواني الأحشاء، وجعرانًا، وتمثال قطة صغيرة، ولا غرابة في ذلك؛ فإن القطة كانت المعبودة المحببة لملوك هذه الأسرة، وعبادتها كانت شائعة منتشرة في أنحاء القطر وبخاصة في الوجه البحري.

(٤) نقوش الكاهن الأكبر «أوسركون»١ الذي عاش في عهدي «تاكيلوت» و«شيشنق الثالث»

عاش الكاهن الأول «لآمون» «أوسركون» في عهد والده «تاكيلوت الثاني» وكان قائد جيشه في «طهنه»، حيث كان مقر قيادته، ولم تكن قيادته على الوجه القبلي إلا اسمية، وقد دلت شواهد الأحوال من النقوش على أنه كان في «طيبة» حزبٌ معادٍ له، وكانت نفسه تتطلع إلى القبض على زمام الأمور في هذه العاصمة الدينية العظيمة، فتحرك بجيشه نحو«أهناسية المدينة»، حيث جمع جموعه هناك ثم سار بها نحو«الأشمونين»، حيث كان في أرض معادية له، وهناك شدد الخناق على عدوه، وفي النهاية استمال إليه الكهنة بالوظائف التي منحها إياهم في المعبد هناك، وبذلك كان في قدرته أن يسير نحو«طيبة»؛ حيث استولى عليها ونصب نفسه كاهنًا أكبر كان لا بد للوصول إلى توطيد قدمه هناك من أن يعترف به الإله «آمون» [فعقد] من أجل ذلك محكمة في «طيبة» لمحاكمة رجال الحزب المعادي، وانتهى الأمر بطرد هؤلاء المدعين من المدينة وقُضِيَ عليهم بالإعدام حرقًا، ومن جهة أخرى اختار جيلًا جديدًا من الكهنة وموظفي المعبد وأصدر مرسومًا بهذا التجديد، يضاف إلى ذلك أنه عمل على راحة هؤلاء الموظفين من الوجهة المادية، فأغدق عليهم «أوسركون» هذا إنعامات عظيمة ضمنوا بها معاشهم.

وسنترك جانبًا الآن تحديد العلاقة التي بين هذا المتن والمتن المشابه له الذي ورد معبد «الكرنك»؛ إذ سنتحدث عنه فيما بعد، غير أنه يوجد متن آخر نقش في الكرنك (راجع L. D. III 255, t)، وهذا المتن خاص كذلك بالسنة الحادية عشرة من عهد الملك «تاكيلوت» في شهر بشنس، اليوم الحادي عشر؛ ففي هذا اليوم أي: بعد نحو أربعة أشهر من الأمر بإصدار المرسوم جاء «أوسركون» بوصفه الكاهن الأكبر لآمون إلى «طيبة» للاحتفال بعيدها، ولم يكن وقتئذٍ قد اتخذها مقرًّا دائمًا له، هذه المناسبة حضر إليه كاهن يتضرع إليه لإنصافه، وذلك أن الكاهن ينتسب من جهة أمه لكهنة آمون العظام، وكذلك كان والد آبائه كاهنًا، ويحمل لقب والد الإله ورئيس أسرار «باوت تاوي» (الإله الأزلي)، فهل يجوز كل ما له من نسب أن يطرد من «طيبة» التي ولد فيها وترعرع، ومن ثم نفهم هذا الرجل كان من الذين نفوا من طيبة، وبعد ذلك أصدر «أوسركون» أمره بتعيينه كاهنًا، ومن ثم نفهم أنه لم يكن من الذين أمر «أوسركون» في المرسوم الذي أصدره قبله، بل كان في حقيقة الأمر رجلًا من أعداء «أوسركون» الذين عاقبهم بعد بالنفي، وأنه بعد ما أصابه من فشل أتى في الوقت المناسب يستعطفه ويطلب إليه إعادته إلى مسقط رأسه.
وهذا المتن منفصل بذاته عن المتون الأخرى الخاصة «بأوسركون»، وسنورد هنا ترجمة ما تبقى منه على حسب التصحيحات والزيادات التي أدخلها الأستاذ «زيته» بعد مراجعته على الأصل، وقد تناوله بالبحث الأستاذ إرمان في مقال منفرد (راجع A. Z. 45. p. Iff).

والواقع أن النقوش الخاصة بالكاهن الأكبر «أوسركون» تعد أطول نقوش على جدران بوابة «بوبسطة» «بالكرنك»، وكلها نقشت من الداخل في الجهة الشمالية من البوابة على كِلَا مصراعي الباب، وتبتدئ عند الجهة الشرقية من المدخل (السنة الحادية عشرة)، وتستمر على الجدار الغربي في زاوية مستقيمة بالنسبة لباب الجدار الواقع غربي المدخل (السنة ١٢–١٥)، ثم تتجه نحو الركن وتسير على جدار الباب الواقع غربي المدخل السنة الواحدة والعشرين من عهد «تاكيلوت الثاني» إلى السنة التاسعة والعشرين من عهد «شيشنق الثالث».

ويلاحَظ أن الخطوط العمومية من هذه النقوش يعلوها مناظر على كل من جانبي الباب، والنقوش كما يقول «بريستد» ممزقة شر ممزق، وقد ترجم ما أمكنه فهمه، وقد اعترف أنه في الإمكان أن يتعرف الباحثون على شيء أكثر مما نشر، وهذا ما فعله الأستاذ «زيتة» كما يقول «إرمان».

وسنبتدئ بالمتن الذي أُرِّخَ بالسنة الحادية عشرة من حكم «تاكيلوت الثاني» كما ذكرنا من قبل، ولا يفوتنا أن نذكر هنا أننا فضلنا التحدث عن تاريخ «أوسركون» في عهد الملك «شيشنق الثالث»؛ لأن معظم مدة رياسته لكهنة «آمون» كانت في عهد ذلك الفرعون. وهاك نص المتن الذي لخصناه فيما سبق مع الشرح الذي أورده الأستاذ «إرمان».

(٤-١) المتن المنقوش شرقي الباب (L. D. III 257 a)

يشاهد منظر مزدوج في أعلى النقش يظهر فيه «تاكيلوت الثاني» بصحبة ابنه الكاهن الأكبر لآمون «أوسركون» أمام الإله آمون، وقد كُتِبَ معه أسماؤه وألقابه: «السنة الحادية عشرة، الشهر الأول من الفصل الثاني، اليوم الأول في عهد جلالة الملك «تاكيلوت» … (كان) المشرف على الوجه القبلي والحاكم الأعلى للأرضين، وهو الذي نصبه «آمون» برغبته، واختاره في طيبة القائد الأعلى للجيش في كل الأراضي قاطبة، والمقدم «أوسركون» الذي وضعته الأميرة الممدوحة كثيرًا والزوجة الملكية العظيمة وسيدة الأرضين «كارمعمع» … في مقرها بوصفه عظيم الانتصارات على حدوده المسماة «قمة جبل آمون العظيم» في صرخة الحرب؛ «أي: طهنة الحالية».» والمقصود من المتن السابق ذكر ماضي حياة «أوسركون» الذي ذُكر هنا أنه بوصفه قائدًا لجيش والده قد جعل مركز قيادته في «طهنة الجبل» الحالية، ولم يكن بعد قد عين كاهنًا أكبر «لآمون»؛ غير أنه كما سنرى كان تابعًا لهذا الإله ومحبوبه.

والجُمَل التالية لذلك تصف لنا قوة «أوسركون»: «فالوجه القبلي يناديه، والوجه البحري يتضرع إليه؛ لأن الخوف منه يشمل الأراضي التي تُحْضِر إليه جزيتها حتى بابه.»

وبعد ذلك تبتدئ جملة جديدة جاء فيها: «ولكن هذا الابن الملكي.» ونقرأ فيما تبقى منها الألفاظ التالية: … والعدو الذي وظفه الكاهن الأكبر لآمون الأبدي الباقي … ومثل هذا العدو يجب أن يمقت أو يبغض وكذلك يسمى من اسمه؛ أي «آمون» كان شفيعه مثل اللبن، ويحارب عن متاعه (أي متاع آمون؟) أكثر مما يحارب ثور لأجل … وأخيرًا يقول ما معناه: «وقد ذكر (؟) والده المحترم «آمون» صاحب «الكرنك» في قلبه أكثر من أي إله آخر في أي بلدة أخرى. تحت سلطانه.» وبعد ذلك يختم قوله بما يأتي: «ولم يَدَعِ الوقت يفوته مثل القمر …» أي: إنه كان مواظبًا تمامًا في إقامة أعياد «آمون»، ومن ذلك نفهم أن «أوسركون» كان فيما قبل — وهو قائد الجيش لوالده في «طهنة» — يخدم «آمون» قبل خدمته للآلهة الآخرين.

وبعد ذلك تبتدئ فقرة جديدة تقص علينا على حسب الطريقة المصرية كيف توصل «أوسركون» إلى الاستيلاء على مصر العليا و«طيبة» بإعلان الحرب على عدو لم يذكر اسمه: «وبعد ذلك نهضت طيبة وحمتها الآلهة الذين يقيمون فيها … ثم ساروا نحو «أهناسية المدينة»، وخرج في وسط جيشه مثل «حور» الذي جاء من «خميس»، وعندما كان متوجهًا نحو بلدة الأشمونين وعمل ما يحب سيده رب الأشمونين هناك …» (لم يمكن ربط الكلام هنا).

وعمل كذلك لآلهة عظام آخرين، ومواقدهم أصبحت … وقبورهم جددت، ومعابدهم نظفت من كل دنس، وجدرانها أقيمت من جديد، وهكذا كل ما هدم من أية بلدة في الوجه القبلي قد جدد، وعدوه طرد من الحكم، وأصبحت هذه الأرض حرة (؟) من الفزع في زمنه، وبذلك أصبحت الطريق مفتوحة إلى «طيبة»، و«أوسركون» … ساح في النهر بسرور وأرسى عند «الكرنك»، وقد قوبل هناك بالفرح، وقد دخل (أي أوسركون) في … لأن الآلهة الذين فيها كانوا فرحين … وعندما كان هناك فعل ما يحبه سيده الإله «آمون رع» صاحب «الكرنك»؛ وذلك بتقديم غنائم انتصاراته لآمون العظيم، وأمر بأن تقدم قرابين فاخرة من كل شيء طيب طاهر نظيف حلو، وأن تجهز بعشرات الألوف والآلاف مما يخطئه العد؛ لتكون قربانًا يوميًّا ثابتًا من الآن إلى ما بعد.

والفجوة التي تأتي بعد ذلك المتن تنتهي ببقايا تاريخ، وفي هذا التاريخ المفقود يذكر بكل المتن أو يحدد اليوم الذي احتفل فيه بظهور الإله الفاخر رب الآلهة كلها «آمون رع» ملك الآلهة والإله الأزلي، وبذلك كان الكاهن الأكبر لآمون «أوسركون» في صورته مثل الكاهن «أونموتف» (سند أمه) مع … أمامه.

والواقع أنه كان بين جنوده، ولكن الإله هز رأسه بشدة موافقًا على ما قيل له مثل الوالد الذي يكون رحيمًا بابنه، ومن المحتمل أن هذه الموافقة من جانب الإله كانت على تثبيت «أوسركون» كاهنًا أكبر. ويلاحَظ في هذا المتن أن «أوسركون» قد ذُكر للمرة الأولى في حديث هذا العيد بوصفه كاهنًا أكبر لآمون، وعلى ذلك فإنه لا بد كان قد نزع رياسة الكهنة بحضوره في «طيبة» من العضو الذي كان يشغل هذه الوظيفة من أعضاء الحزب المعادي له وهم الذين قهرهم، ولا بد أن الإله «آمون» قد مكنه في هذه الوظيفة بوساطة الوحي في أثناء الاحتفال الذي أقيم لذلك. ما يأتي بعد ذلك من المتن يتفق مع هذا الرأي، ومن الغريب أننا نجد نقوش «أوسركون» في الجمل التالية تذكرنا ثانية أنه يحمل لقب المشرف على الجنوب وعندئذ أتى الكهنة، والكهنة آباء الآلهة، والكهنة المطهرون، والكهنة المرتلون لآمون، كل أهل بيت زوج الإله يحملون بطاقات الأزهار للمشرف على الوجه القبلي، وكذلك تدفقت أهل المدن والمراكز مجتمعين معًا وقالوا بفم واحد رافعين أصواتهم للمشرف على الوجه القبلي قائلين: إنك السند القوي لكل الآلهة، ولقد نصبك «آمون» أنت يا بكر والده. وبعد فجوة في المتن يمكن للإنسان أن يفهم ما يأتي: «تأمل إنه (آمون) قد أتى بك إلينا لأجل أن تبعد عنا شقاءنا الذي حدث بسبب خراب ممتلكات الإله.» ويأتي بعد ذلك فجوة … والكلمات التي تأتي بعدها لم تفهم جزئيًّا، والظاهر أنها تفسير لحالة الأزمة التي حدثت، ومن المحتمل أن موضوعها خاص بموظفين غير مستقيمي الحال؛ إذ يقول: «كل من يحمل المحبرة في معبده يتعدى على تصميماته، وكل من … يضع ويغير ما جرت عليه العادة في بيوت الإله كل هؤلاء يكونون مذنبين.» ولكن بعد ذلك تتحسن الحالة: «فالمعابد أصبحت كما كانت في البداية (؟) … الزمن الأولي.» ويجيء بعد خطاب الكاهن كذلك ما يأتي: «وقيل: وعين شمس سارت … ضد الذي إنسان عينه …» الواقع أن عين شمس هي المساعد المعاقب لمن يتعدى على الإله، والمقصود من ذلك هو إنزال العقاب بالذين عملوا السوء، وهم الذين ذكروا فيما سبق، وعلى ذلك ينبغي على «أوسركون» أن يعاقب كل أهل السوء الذين كانوا أعداء «لآمون». هذا المقترح وافق عليه «أوسركون»، ونرى ذلك من قوله: «أحضر إليَّ واحدًا مِن كل مَن خالف عادة الأجداد … عين شمس.»

نعود بعد ذلك إلى سياق الكلام: «وقد أُحضروا في الحال أمامه مكبلين مثل رجال الجزية التابعين … وضربهم لأنهم في … وضعوا مثل العظماء … في ليلة اﻟ … العيد وأحرقوا في المواقد … مثل مواقد عيد زهور نجم الزهراء (عيد رأس السنة)، وكل واحد منهم أحرق في النار في مكان جريمته.» وقد يخامر الإنسانَ الشكُّ في تفاصيل هذه الجملة، ولكن الواضح أن «أوسركون» قد أحرق أعداءه، ومن المحتمل أن ذلك كان في المعبد نفسه إذا فهم الإنسان عبارة: «في مكان جريمته» بمعناها الحرفي. هذا إلى أن قَرْنَ كوم قطع النار بمواقد العبادة يمكن أن يشير إلى ذلك.

وبعد أن طرد رجال الحزب الذين كانوا مسيطرين على طيبة حتى الآن كان لزامًا على «أوسركون» أن يهتم بعمل تعويض عن ذلك، وهذا ما سنجده في الجملة المهشَّمة التالية: «… فدعا بإحضار أولاد أعيان حكومة (؟) هذه الأرض المتعلمين (منهم) لأجل أن يضعهم في وظائف آبائهم بقلب مِلْؤُه الفرحُ، وبذلك يصلح المعبد كما كان من قبل (؟)»

قال لهم: «لقد رأيتم ماذا حدث للذين تعدوا على أوامر أسيادهم، و… فاحذروا أن يحدث مثل ذلك …» وبعد ذلك تحدث «أوسركون» عن الإله «رع» وبلدة «أرمنت» وعن أشياء مادية لم يمكن التعرف عليها: «أمر بكتابة … الكاهن الأكبر لآمون رع «أوسركون» باسم «قصر آمون رع»، ومعبد «موت»، ومعبد «خنسو» (؟) ومعبد «منتو» صاحب طيبة و…» وهذا الأمر خاص كما يرى الإنسان مما تبقى من المتن أنه بمثابة ضمان الدخل الخاص بهؤلاء الذين عينوا كهنة جددًا، ويعقب هذا الأمر الأول أمر آخر وآخر دونت كلها في ثلاثة عشر سطرًا؛ غير أن الإنسان لا يمكن أن يحصل منها على شيء مفهوم إلا القليل، وعلى أية حال نفهم أن ما جاء فيها كان خاصًّا بتنظيم أشياء مختلفة تشير إلى وقف وتموين ومصابيح في الكرنك، وحبس قربان على معبد «آمون»، وإعالة حارس باب وبحار، وما إلى ذلك، هذا إلى الكيفية التي كان ينبغي بها زيادة النقود اللازمة للمعبد، وكذلك المواد العينية كان لا بد أن تجدد، وبعد ذلك خُتِمَ المرسوم بالحسنى على من أحسن، واللعنة على من اعتدى، على غرار ما نجده في مثل هذه الأحوال: «فكل من لا يتعدون أمري فإنهم يموتون في حظوة «آمون» سيدهم، أما من يحيد عن هذا القرار الذي أمرت به فإنه يقع تحت مقصلة «آمون رع»، ولهيبُ الإلهة «موت» يستولي عليه بهوله.»

وعلى الباب الغربي نجد منظرًا يظهر فيه «أوسركون» يقدم قربانًا أمام «آمون»، وأسفله النقش التالي الذي ليس له أي علاقة كما ذكرنا بالمتن السالف (راجع L. D. III 256 a; & 258 a-b; & Brugsch, Thesausrus p. 1225–30).

السنة الثانية عشرة، الشهر الأول من الفصل الأول، اليوم التاسع في عهد جلالة «حور» الثور القوي المضيء في طيبة ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين وسيد القربان «حز خبر رع ستبن رع» بن رع من جسمه «محبوب آمون سا إزيس تاكيلوت» (الثاني) … تأمل. إن أكبر أولاده على الأرض هو الكاهن الأكبر لآمون ملك الآلهة، والقائد الأعلى للجيش «أوسركون» …

ومن سطر (٢) إلى (٥) تبتدئ سلسلة نعوت تقليدية من المديح والإطراء ينعت بها الملوك عادة، وهي كما يقول الأستاذ «جاردنر» تعبر عن حظوة «أوسركون» وقوته عند الملك، وقد ذَكَرَتْ هذه النعوتُ على التوالي ألقابَ الملك الخمسة على حسب ترتيبها المتبع (راجع Br., A. R. p. 762 note B):
  • وصول «أوسركون»: لقد أتى في وقتنا في السنة الحادية عشرة (؟) (…) حاملًا قرباتها الخاصة بالعيد (يقصد طيبة) لأجل أن يجعلها في عيد … ولقد فرحوا برؤيته جاعلين قربانها في عيد وممدين موائد قربانها بكل شيء طيب طاهر جميل؛ ليزيد القربات اليومية.
  • الحروب الداخلية في مصر: (راجع Rec. Trav. T. XXXV. p. 136) وفيما بعد في السنة الخامسة عشرة، الشهر الرابع من الفصل الثالث، اليوم الخامس والعشرين (أي ٢٤ أبيب) في عهد جلالة والده الفاخر (أي تاكيلوت الثاني) الحاكم الإلهي لطيبة، قد حدث هياج عظيم في هذه الأرض قبل أن تأكل السماء القمر (خسوف القمر) … الممقوتون والثوار، وأشعلوا حربًا في الجنوب والشمال … دون أن ينقطعوا عن محاربة أولئك الذين كانوا هناك وأولئك الذين تبعوا والده، وعلى مر السنين في مناوشات كان كل واحد يقبض على جاره دون أن يذكر ابنه٢ الذي ولده ليحميه، وقد كان راضيًا في قلبه قائد … ممتاز لكل حجرة جميلة خاصة به.» (المعنى غير مفهوم في الجملة الأخيرة وما بعدها).
  • خطاب «أوسركون» للبلاط: قال حاكم الوجه القبلي هذا (يقصد الكاهن الأكبر «أوسركون») لأشرافه وأصحاب والده الذين كانوا بجانبه: (…) ومما يؤسف له أن تفاصيل هذا الخطاب مبهمة تمامًا! غير أنه من الواضح أن «أوسركون» كان يحثهم على الصلح، ويمكن أن نفهم الجمل التالية: «إنكم كنتم المستشارين لمن أنجبني … ولن تحاربوا …» ثم يلتجئ إلى سلطته في طيبة فيقول: «لم أجد سبيلًا إلى معرفة صالحها.» ثم ينسب الهياج ظاهرًا إلى الإله «رع» الذي يجب أن يُسترضى بالقربان.
  • إخلاص البلاط: والآن بعد أن انتهى من نطق هذه الكلمات فرحت قلوبهم وأكدوا له قائلين: «إن كل مشروعاتك قد نفذت، والآن عندما تقدم قربانًا للإله فإنه سيصلح الأرض.» وباقي الخطاب غير مؤكد في معناه، ولكن العبارات الباقية تظهر أنهم كانوا مخلصين له.
  • العودة إلى طيبة: وبعد ذلك قال له حاكم الجنوب: … اجمع هذا الجيش٣ في مكان واحد ليقيم له قاعة عمد، وقد عملت على حسب ما قاله، فأحضروا … للسفن، وحتى كل أشيائه التي عدت بمثابة متاعه، ثم أتى أولئك الذين كانوا يتبعونه رجالًا ونساء، وبلاط والده، والجنود حرسه بعدد لا يحصى، وفضلًا عن ذلك كانت هناك سفن محملة كل واحدة منها بقربانها.

    وكل هؤلاء الناس أحضروا هداياهم وأتوا بقلب فرح؛ لأنه كان محقًّا في قلوبهم مثل ابن «أوزير». (أي الإله «حور»).

  • الوصول إلى طيبة: وبعد ذلك وضعت أناس في مقدمته وفي مؤخرته مهللين بالفرح إلى عنان السماء، وبدءوا السير في الرحلة تجاه طيبة في سرور، وكان مثل «حور» سائحًا شمالًا في أثناء عيد «ركح» … (…) وكان جنوده كقطيع من الطيور البرية، وقد وصل في وقت الخضرة، وقد حضروا أمامه بقلب محب (لمدينته) المنتصرة، وعندئذ وجدوا «طيبة» في فرح، و«الكرنك» في عيد بسبب وصوله إليها … في «هليوبوليس الجنوبية» (طيبة الغربية).
  • تقديم القربان: وبعد ذلك عَمِلَ قربانًا عظيمًا … ثيران وغزلان وظباء ووعول وإوز مسمن بعشرات الآلاف والألوف … فيضان من النبيذ … والأزهار والشهد وشراب شدح أيضًا … ومكاييل من البخور، وبعد ذلك قدم هذه الأشياء للإله العظيم في طيبة … (١٦) … وهذا الإله الفاخر قد أُحْضِرَ في موكب ليزين هذا القربان، في حين كان تاسوعه الإلهي يستقبله بقلب فرح.
  • الإله «آمون» يعفو عن الطيبيين: وخاطب الكاهن الأكبر لآمون «أوسركون» الإله العظيم، وتكلم جيشه في مديحه … وقد وجهوا الآن أسئلة استغاثة للإله يمكن أن نتعرف من بينها على السؤال التالي: هل ستعمل لطيبة ما فعلته لهم؟ يقصد هل ستعاقب طيبة كما عاقبتهم؟ والمقصود هنا بالضمير «هم» أي: الذين أثاروا الفتنة من قبل وعوقبوا بالحرق كما أوضحنا فيما سبق.

    والأسطر الثلاثة التي تأتي بعد ذلك (من ١٨ إلى ٢٠) لا تحتوي إلا على بعض إشارات مبعثرة لا يمكن أن نعرف منها بقية خطابه، وقد كانت استغاثتهم ناجحة؛ لأن الإله قد أجابه بهز رأسه بعلامة الاستحسان والقبول، وبذلك نجت «طيبة» واشترك الطيبيون في مديح «أوسركون» و«آمون» ووعدوا الإله بأحسن القربان.

(٤-٢) ملخص قربان «أوسركون»

وينتقل سياق الكلام الآن إلى فترة طويلة من عهد «أوسركون» الكاهن الأكبر مبتدئًا بنظره إلى الوراء عن إنعامات «أوسركون» من أول حكمه في «طيبة»، وقد ذكرها نفسه بأنها: «قائمة بكل الإنعامات التي فعلتها لهم في أول مرة من السنة الحادية عشرة في عهد «تاكيلوت الثاني» إلى السنة الثامنة والعشرين من عهد جلالة «شيشنق الثالث».»

وبعد تعداد قائمة من المر والبخور والشهد والزيت يأتي ذكر معادن ثمينة أعطيت «آمون» و«موت» و«خنسو»، من بينها ذهب جميل من «خنت حن نفر» (بلاد النوبة) مرتين، وبعد ذلك عددت قرابين الكاهن الأكبر لآمون ملك الآلهة من السنة الثانية والعشرين حتى السنة السادسة والعشرين، ويظهر من بينها دَخْل الإلهة «ماعت»، وبعد ذلك نجد ملخص دخل الإله «آمون» في السنة الخامسة والعشرين، ويتبعه دخل الإلهة «موت»، أما آخر سطر في النقش وهو الثاني والعشرون فيحتوي على دخل الإله «آمون» والإلهة «حتحور» في السنة التاسعة والعشرين (ويحتمل أن هذا السطر قد أضيف فيما بعد).

(٥) لوحة «بدي إزيس»

عَثَرَ «مريت» على لوحة في «السرابيوم» باسم «بدي إزيس» الذي عاش في عهد الملك «شيشنق الثالث» وهي الآن بمتحف اللوفر (No 18) (راجع Mariette, Le Serapeum de Memphis III Pl. 24; Chassinat, Rec. Trav. 22 p. 9-10; & Br., A. R. IV & 771–774).

و«بدي إزيس» صاحب اللوحة هذا كان قائدًا لوبيًّا، وهو الحفيد الأكبر للملك «أوسركون الثاني»، وقد عاش في عهد الملك «شيشنق الثالث»، وهو الذي أقام هذه اللوحة في السنة الثامنة والعشرين من حكمه في مدفن «السربيوم»، وهي لوحة منذورة وفيها يقدم لنا سلسلة نسبه، وقد أضاف فيها اسمي ابنيه وهي:

ويلاحظ أن «شيشنق» الذي ذُكر في شجرة النسب هنا (رقم ٢) قد لقب بوضوح بالأمير الوراثي العظيم الأول، وليس لدينا شك في أنه هو الأمير الذي صار فيما بعد «شيشنق الثاني»، وقد أثبتت الحفائر الحديثة التي كشف فيها عن موميته أنه كان ملكًا بالفعل، ولا يمكن أن يكون ابنه هو «تاكيلوت الثاني» وإلا لوضع اسمه في طغراء وسمي ملكًا، هذا فضلًا عن أن سجل مقياس النيل الذي في مرسى «الكرنك» يسمي «تاكيلوت الثاني» بن «أوسركون الثاني».

وقد دفن أحد عجول أبيس في السنة الثامنة والعشرين من عهد «شيشنق الثالث»، وقد أعطى «بدي إيزيس» فرصة لإقامة هذه اللوحة، وقد اشترك في البحث عن «أبيس» جديد في نفس السنة، وقام بدفنه بعد ست وعشرين سنة في السنة الثانية من حكم الملك «بامي» عندما أقام لوحة أخرى كما سنرى بعد.

وهاك نص اللوحة الأولى:

السنة الثامنة والعشرون من عهد ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسرماعت رع ستبن آمون» بن «رع رب التيجان» «محبوب آمون ساباست» «شيشنق الثالث» حاكم هليوبوليس الإلهي.

وأسفل هذا المتن نشاهد ثلاثة رجال يصلُّون أمام عجل مقدس ومعهم المتن التالي الذي يدل على أنهم والد وابناه:
  • (١)

    «صاحب الحظوة المحبوب رئيس «مي» العظيم «بدي إيزيس» المبرأ ابن الرئيس العظيم للمشوش «مي» «تاكيلوت» المبرأ، وأمه «تسبر باست» المبرأة، ابن الأمير الأول العظيم الوراثي «شيشنق» المبرأ، والابن الملكي لرب الأرضين «وسرماعت رع ستبن آمون» «أوسركون الثاني» معطي الحياة مثل «رع».

  • (٢)

    صاحب الحظوة لديه ومحبوبه الكاهن الأكبر «لبتاح» «بفنفدي باست» المبرأ ابن الرئيس العظيم لقوم «مي» (المشوش) «بدي إيزيس» المبرأ، وأمه «تري» المبرأة ابنة الرئيس العظيم لقوم «مي» «تاكيلوت» المبرأ (وعلى ذلك كانت أمه أخت وزوجة والده).

متن الكرنك: هذا، ولدينا قطعة من نقوش تواريخ الكهنة التي نقشت على عُمُدٍ مربعة من أحد معابد الدولة الوسطى خلف محراب معبد «الكرنك الكبير» (راجع Legrain, Rec. Trav. 22 p. 55 note 7)، وهذه الوثيقة من نوع النقوش التي اعتاد تدوينها الموظفون الذين عاشوا في هذا العصر على الجدران القديمة في معبد «الكرنك» تذكارًا لتعيينهم أو ترقيتهم في وظائفهم. والمتن يحمل في طياته آخر تاريخ بقي لنا من عهد الكاهن الأكبر لآمون «أوسركون»، وكذلك يحدثنا عن أن أخاه «باكنبتاح» كان قائد الجيش في «أهناسية المدينة» الموطن الأصلي الذي نبت فيه ملوك الأسرة الثانية والعشرين، وهذا التاريخ هو السنة التاسعة والثلاثون من عهد «شيشنق الثالث»، ولا بد أن «باكنبتاح» كان قد اعترض على أسرة «حور باسن» في توليها رياسة الكهانة في «أهناسية المدينة»، وينبغي أن يكون هذا الأمير من الجيل الذي بين (١٢–١٤) أو حوالي ذلك في سلسلة النسب التي شرحنا فيها أسرة «حور باسن» [راجع الأسرة الثانية والعشرين الفرعون أوسركون الثاني]. والفترة التي تولى فيها «باكنبتاح» زمام الحكم في «أهناسية المدينة» تفسر لنا بلا نزاع أصل الاضطرابات التي قامت في عهد «شيشنق الثالث» و«أوسركون» الكاهن الأكبر، والمحتمل أن «أوسركون» وأخاه «باكنبتاح»، وهما ابنا «تاكيلوت الثاني» قد طُرِدَا من «أهناسيا المدينة» الأسرة التي عينها هناك «أوسركون» الثاني، وهذا يقدم لنا مقابلة هامة عن طرد الكاهن الأكبر «أوسركون» نفسه من طيبة، ويُفْهَم على الأقل أن سبب الطرد هذا كان على يد أهل «أهناسية المدينة» الذين لم ينتقم منهم. والآن يتساءل الإنسان: هل كان استرجاعهم «لأهناسية المدينة» وقتئذٍ هو نهاية مجال حياة «أوسركون» الطويل في طيبة (؟) المحتمل أن هذا هو الواقع.
المتن: «السنة التاسعة والثلاثون، الشهر — الفصل الثالث، اليوم السادس والعشرون في عهد جلالة الملك «شيشنق الثالث» العائش أبديًّا، تأمل، لقد كان الكاهن الأكبر «لآمون رع» ملك الآلهة، وحاكم الجنوب الرئيس «أوسركون» ابن الملك «تاكيلوت الثاني» العائش سرمديًّا في طيبة يحتفل بعيد آمون بقلب واحد مع أخيه القائد الأعظم لجيش «أهناسية المدينة» «باكنبتاح» — هازمين كل من حاربهم، وفي هذا اليوم كان تنصيب القاضي الأعلى وحاكم المدينة والوزير — «حور» … على العرش العظيم الفاخر لآمون.» (وبقية النقش هو خطاب للموظف الذي نصب، ولكن معظمه غير مفهوم) (راجع Legrain, Rec, Trav, XXII p. 55 note 7).
  • كوم الحصن: وجد في كوم الحصن جزء من أسفل بوابة ضاعت نهايتها، وكتب في وسط هذا الحجر نقش مهشَّم أوله خاص بالفرعون «شيشنق الثالث»: «… ليمين الإله العظيم حاكم الأبدية، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسرماعت رع ستبن رع»، معطي الحياة مثل «رع».» وعلى اليمين صور آلهة مهشمة واقفة خلف آمون قاعدًا، وكُتِبَ معه: «نسلم أعياد الآلهة، يا أيها الملك الذي مثل «أتوم» (محبوب آمون باست شيشنق حاكم هليوبوليس الإلهي).» وأمام آمون إلهة صغيرة تدعى «مري» تلبس على رأسها حزمة نباتات، وضفيرة شعرها مرسلة على ظهرها، وواقفة على كرسي الذي يمثل بعلامة الذهب في اللغة المصرية، وكان فوقها متن هُشِّم الآن. وفي النهاية مُثِّلَ الملك وهو يجري وبيده عجل، وعلى اليسار نشاهد الإلهة «إزيس» والإله «أوزير» في صورة مومية، ونقش معه: «إني أعطيك القوة والنصر يا رب الأرضين «وسرماعت رع ستبن رع» «شيشنق الثالث» معطي الحياة.» وتدل شواهد الأحوال هنا على أن آمون كان ضمن الآلهة الحامين للمقاطعة؛ إذ تجد أن قِسمًا من أقسامها يدعى حقل آمون (راجع A. S. Tom. IV p. 228).
  • طوخ القرموص في الجنوب الشرقي من هربيط: وجد في هذه البلدة لوحة من الحجر الجيري طولها ١٫١٨ متر، وقد مُثِّل في أعلاها قرص الشمس المجنح فوق علامة موضوعة بين عينين، ويشاهَد رمز السماء بنجومه، وأسفله منظر مثِّل فيه الملك «شيشنق الثالث» الملك الطيب رب الأرضين ورب القربان ابن الشمس «وسرماعت رع ستبن رع» «شيشنق محبوب آمون الحاكم الإلهي لعين شمس»، وهو يقدم رمز الحقل «لآمون رع» رب بيت الأرواح، وللإلهة «موت» العظيمة، والإله «خنسو»، وبعد ذلك متن عن هبة أرض في عهد الملك «شيشنق الثالث» (راجع Rec. Trav. XX p. 85).
  • متحف القاهرة: ويوجد بمتحف القاهرة لوحة من الحجر الجيري صغيرة الحجم، وقد رُسم في أعلاها «عنخبوخرد» أمام الإلهين: «حتحور» و«حور»، وفي أسفل هذا متن بالهيراطيقية مؤرخ بالسنة الثانية والثلاثين من عهد الملك «شيشنق الثالث» وهو خاص بهبة (راجع Rec. Trav. XXV p. 196).
  • متحف استراسبرج: ولدينا لوحة أخرى محفوظة بمعهد جامعة استراسبرج (No1379)، وقد اشتُرِيَت من القاهرة في شتاء عام سنة ١٩٠٣.
    وفي أعلى هذه اللوحة مثِّلت الشمس المجنحة وفي أسفلها ثلاثة آلهة وهم: الإلهان؛ «حت محيت» و«بانب ددو» (مندس)، ومعهما الإله «سبد» إله «فاقوس»، أما المتعبد لهم على اللوحة فلم يمكن قراءة اسمه. واللوحة مؤرخة باليوم الثامن والعشرين من شهر مسرى، السنة الثلاثين من حكم الملك «شيشنق الثالث»، ومحتويات المتن مليئة بالأخطاء، ومن المحتمل أنه يحوي مرسومًا بهبة للإلهة «حت محيت» إلهة «منديس» (راجع Rec. Trav. Ibid. p. 197).
  • متحف جيميه: ويوجد في متحف «جيميه» «بباريس» لوحة مكتوبة بالهيراطيقية خاصة بهبة من الفرعون «شيشنق الثالث»، ويشاهد في أعلى اللوحة الملك يقدم العلامة الهيروغليفية الدالة على الحقل لإلهة، وهم على حسب ما جاء في المتن (سطر ٦): «أوزير» و«حور» و«إزيس»، وهم ثالوث «بوصير»، وقد كُتِبَ فوق «أوزير» نفسه: «أوزير عنزتي.» (أي أوزير أقدم إله في بوصير). وعلى ذلك يمكن الإنسان أن يُقدِّر أن هذه اللوحة كانت في الأصل من معبد بوصير نفسه، وهاك ترجمة ما تبقى من هذه اللوحة:

    السنة الثامنة عشرة من عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين «وسر ماعت رع ستبن رع» بن «رع» «شيشنق»، كان جلالته في سكنه الخاص في قصره العظيم الفاخر مع ابن الملك حاكم رعمسيس المرحوم، وكل العظماء والرؤساء العظام لقوم «مي» (المشوش) «تاكيلوت» ابن رب الأرضين، وأمه التي تسمى «زد-باست-سعنخ»، في هذا اليوم عُمِلَ وقف: خمسون أرورا لأملاك معبد «أوزير» (…) للإله العظيم بوساطة الكاهن والد الإله، والمشرف على أسرار «أوزير»، و«حور»، و«إزيس خادمه» (؟) وحاتحور (؟) … (٧) نزم حور باخرد (؟) بن زد حورفعنخ … (٨) في المعبد حيث قال: إن من يتعدى على (هذا الوقف) فإن الإله العظيم سيعاقبه …

    وعلى الرغم مما في هذا المتن من تكسير فإن قيمته التاريخية هامة؛ فنعلم أولًا أن «شيشنق الثالث» كان له ولد يدعى «تاكيلوت»، وأن والدته «زدباست سعنخ» التي لم تحمل ألقابًا عالية كانت من عامة الشعب على ما يظهر، و«تاكيلوت هذا يحمل لقب الابن الملكي صاحب «رعمسيس»، وقد تحدثنا عن هذا اللقب وحامليه في مكانه [راجع الأسرة الثانية والعشرين الفرعون شيشنق الأول]. والظاهر أن اللقب كان يعطَى بمثابة لقب شرف كما هي الحال الآن عندما يقال: أمير «ويلز»، أو «أمير الصعيد» … إلخ (راجع Rec. Trav. XXXV. p. 41 f).
  • لوحة برلين: وفي متحف برلين لوحة لفرد يحمل لقب ابن الملك حاكم «رعمسيس»؛ (أي بلدة بررعمسيس)، وتحتوي على هبة من الأرض في السنة الثامنة والعشرين من حكم الملك «شيشنق الثالث» نفسه (راجع Rec. Trav. Ibid. p. 43).
    وهاك المتن:

    في السنة الثامنة والعشرين من عهد الفرعون «شيشنق» بن «إزيس»، والمحبوب من «آمون الحاكم الإلهي لهليوبوليس، في الشهر الثاني من فصل الصيف (شهر بؤنه)، كان الكاهن الأكبر «لآمون» ملك الآلهة ابن الملك حاكم رعمسيس العظيم أمام العظيم … «بادبحو-ن-باست» وقف عشرة أرورات لأملاك معبد آمون رع ملك الآلهة …

    ومعنى هذا المرسوم لا بد أن يكون أن «با-دبحو-ن-باست» قد أهدى أرضًا لأملاك المعبد، وأن الكاهن الأكبر وابن الملك حاكم «رعمسيس» كان له علاقة بأرض هذا الإله. والواقع أنه قد مثِّل في أعلى هذه اللوحة «الإله العظيم رب السماء» وخَلْفَه الإلهة «حتحور» ربة «آمو»، وهذه البلدة التي تقع في المقاطعة الثالثة من مقاطعات الوجه البحري (مقاطعة لوبيا) (راجع أقسام مصر الجغرافية في عهد الفراعنة للمؤلف ص٧٥) تجعل الإنسان يفكر في أن الإله «آمون» ملك الآلهة كان يُعبد في هذه الجهة، كما نجد ذلك في لوحة «تانيس» (راجع Brugsch, Thes. p. 1576)، ويسمى هناك «آمون رع». وفي هذه اللوحة ظهر الفرعون «شيشنق الثالث» وهو يقدم علامة الحقل، ومعنى ذلك أنه هو المالك الوحيد ولو اسمًا لأرض مصر كلها، ومن أجل ذلك فإن كل هبة لا بد أن تكون من يده، وقد رُسِمَ خلفه الواقف الحقيقي «بادبحو-ن-باست» (راجع Wilcken, Grundzuge der Papyruskunde 1, I, 5270ff).
  • تل أم حرب (أو تل مصطاي مديرية المنوفية مركز قويسنا): تدل الحفائر التي قام بها الأثري «إدجار» على أنه كان يوجد في جهة «تل أم حرب» معبد قديم من معهد «رعمسيس الثاني» أو قبله، وقد أصلحه أو زاد فيه الفرعون «شيشنق الثالث»، وربما كان ذلك باستعمال الأحجار القديمة التي وجدها هناك، وقد نقش اسمه على أكثر من ثلاثين قطعة من الأحجار التي عثر عليها الأثري «إدجار».
    وقد ظهر من النقوش أن أهم المعبودات التي كانت تقدس في هذه الجهة هو الإله «تحوت» وزوجه «تحماوي» (راجع A. S. XI p. 164–69).
  • منديس (تل الربع حاليًا): وُجِدَتْ قطع حجر عليها اسم الفرعون «شيشنق الثالث» ذُكر عليها الاسم الحوري لهذا الفرعون (راجع L. R. III. p. 366; & A. S. XII, p. 86).
  • البندارية: تقع هذه القرية بين تلا وطنطا، وقد قام «دارسي» بعمل حفائر في التل القائم بهذه الجهة بعد جهد كبير ولم يعثر فيه على أية آثار مصرية إلا قطعة حجر نقش عليها اسم «شيشنق» (راجع A. S. XII. p. 205 f).
  • جعارين الفرعون «شيشنق الثالث»: توجد لهذا الفرعون عدة جعارين موزعة في متاحف العالم (راجع L. R. III. p. 366-7)، وكذلك وجد له صندوق من الحجر الجيري الصلب موجود في مجموعة خاصة بباريس (راجع R. Weil, Monuments Egyptiens divers Rec. Trav. XXXVI p. 13-14).

(٦) أسرة الملك «شيشنق الثالث»

(٦-١) زوجته «تنت-أمن-أبت»

هي زوج الملك، وُجد اسم هذه الملكة على قطعة من الحجر الرملي المحبب عثر عليها في «منف»، وهي محفوظة بالمتحف المصري (راجع Rec. Trav. XXIX. p. 174, 177, 178)، وهذه قد ذكرت كذلك على قاعدة تمثال من الديوريت من مجموعة «بتري» (راجع Petrie Hist. III. p. 257). ويَظُن الأثري «لجران» أن الملكة «تنت-أمن-أبت» هي زوج الملك «شيشنق الثاني» لا زوج «شيشنق الثالث»؛ وذلك لأن حفيدتها «تابريت» كانت عائشة في السنة الثامنة والعشرين من حكم «شيشنق الثالث».

(٦-٢) بناته

  • «عنخنسس»: وقد جاء على نفس قطعة الحجر السالفة الذكر أن هذه الملكة قد وضعت ابنة تدعى «عنخنسس»، وعليها كذلك ذكر حماه «أيوف عا»، وقد استخلص «لجران» من البحث الذي عمله عن أسرة حَمِي هذا الفرعون أنه كان من أسرة رقيقة الحال، وأن الأسرة المالكة كانت تنحدر بسرعة نحو نهايتها (راجع Legrain, Rec. Trav. XXIX. p. 174–8).
  • تاشبتن-باستت: جاء ذكر هذه الأميرة على تمثال الكاهن «نسر آمون» (Legrain No 42221)، وهي التي تزوجت من حفيد «نسبا قاشوتي» الذي عاش في عهد «شيشنق الثالث»، وقد وصل إلينا تمثال له.

(٧) تماثيل عظماء رجال عصر «شيشنق الثالث»

(٧-١) تمثال الوزير نسباقا شوتي

هذا التمثال مصنوع من الحجر الجيري الصلب الشبيه بالمرمر وطوله ٧٥ سنتيمترًا، وقد عُثر عليه في خبيئة الكرنك سنة ١٩٠٤ (راجع Legrain, Stat. III PI. XL, XLI p. 78 No 42232).

ومُثِّل صاحب هذا التمثال قاعدًا القرفصاء على قاعدة منخفضة، والذراعان متقاطعان على ركبتيه، ويده اليسرى ممدودة ومنبسطة على الركبة الشمالية، واليمنى تقبض على نبات مفصلة أجزاؤه.

ملابسه: ولباس رأسه ملقًى خلف الأذنين والرقبة، وقد مُثِّل الشعر بفروق صغيرة متوازية أفقية على الجبهة وعمودية على الجانبين، وله لحية مستعارة صغيرة، وباقي الجسم مزمل في قميص ضيق لم يترك من الجسم ظاهرًا إلا الرأس واليدين، ويطوِّق جيدَ صاحب التمثال عقدٌ يتدلى منه رمز العدالة؛ أي رأس البقرة حتحور بوجه إنسان، وخلف الرقبة نشاهد تحت الشعر المستعار لوحة على هيئة طغراء نُقِشَ عليها اسم الملك الحاكم كانت تستعمل بمثابة خاتم نقش عليه اسم الفرعون «وسرماعت رع» «محبوب آمون شيشنق».

وعلى الكتف اليمنى نُقِشَ طغراءا ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسرماعت رع مري آمون» بن «رع» «شيشنق محبوب آمون»، وعلى الكتف اليسرى نقش الكاهن الأول لآمون رع ملك الآلهة، والقائد الأعلى للجيش، والمقدم «حورسا إزيس».

ومقدمة التمثال من الركبة حتى القدمين مزينة بلوحتين نقش أسفلهما ستة أسطر؛ ففي اللوحة الأولى التي على اليسار نُقش: العمدة والوزير «نسباقا شوتي»، ويقدم الحاكم «نسباقا شوتي» رمز العدالة لآمون رع رب التيجان المشرف على الكرنك.

وعلى اللوحة التي على اليمين نقش: «الكاهن الأول لآمون»، والكاتب الملكي لجيوش البلاد «زد تحو تيفعنخ» المبرأ التابع لمكان «تحوت» المحبوب، ويحمل جلد الفهد، ويصب الماء على مذبح، ويقدم البخور «لأوزير» «خنتي أمنتي» الإله الكبير رب «العرابة». وتحت هذا متن جنازي عادي ينادي فيها المتوفى الذين يزورون تمثاله أو قبره بالدعاء له.

وعلى الجهة اليسرى من التمثال منظر مُثِّل فيه خمسة آلهة ذاهبين نحو اليسار، وهم: «آمون»، وإلهة برأس لبؤة تحمل قرص الشمس، وإله برأس صقر، وإلهة مزينة بقرص الشمس والقرنين، وإله برأس صقر وقرص الشمس. وتحت هذا المنظر متن مؤلف من ثلاثة أسطر جاء فيه: «الأمير الوراثي، والحاكم، وكاهن «آمون رع» ملك الآلهة، وعمدة المدينة، والوزير، وفم «نخن» «نسبا قاشوتي» يقول: إن الملك يتسلم زينات «حور»، وأتى معه مثل «تحوت»، وجلس على الحصير في قصر المحاكم الست العظيمة وحاكم الرجل …»

ونشاهد في الجهة اليمنى منظرًا مشابهًا للسابق، والآلهة الذين يسيرون نحو اليمين هم: «رع» و«بتاح» و«منتو» و«سخمت» و«نفرتم»، والمتن الذي في أسفلهم يحتوي على ألقاب المتن التالي:

الأمير الوراثي، والحاكم كاهن «آمون رع» ملك الآلهة، وعمدة المدينة، والوزير، والقاضي، وفم «نخن» … ورئيس الحريم، ومُهدي الأرضين بتصميماته «نسبا قاشوتي» يقول: لقد تسلمت رمز العدالة وحليتها في القصر، وهدأت «تحوت» بها، ومكانها مقدس في صدري مخفي عن كل إنسان.

ونقشت أربعة أسطر عمودية على ظهر التمثال جاء فيها:

الأمير الوراثي، والحاكم، وكاهن «آمون» في الكرنك، وعمدة المدينة، والوزير، والقاضي، وفم «نخن»، وكاهن «ماعت» «نسبا قاشوتي» يقول: إني أرى «آمون» في أفقه في قاعة التماثيل (التي في المعبد) عندما يخرج من الجبل الشرقي، وإني أعرف أولاده هؤلاء الآلهة الذين رأيتهم بجواره، وإني أُلبِسْت رمز الصدق بوصفي عمدة المدينة مثل «تحوت» في بلاط «رع»، فما أجمل أن يكافأ الإنسان عليها بذكر اسمي بعد حياتي!

ونُقِشَ حول مقعد هذا التمثال المتن التالي:

يعيش الأمير الوراثي، وعمدة المدينة، والقاضي، وفم «نخن» ليهدئ الأراضي كلها كاهن «ماعت» «نسبا قاشوتي» ابن كاهن «آمون رع» ملك الآلهة، والكاهن الثالث «لآمون رع» ملك الآلهة، والمشرف على ماشية بيت «رع» للمعبد الرئيسي لبيت «آمون»، والكاهن الثاني (؟) «لموت» العظيمة ربة «أشرو»، والكاهن الثالث للإله «خنسو» في «طيبة» المثوى الجميل، وكاهن «آمون»، ومرضى «ماعت» (العدالة) في كل أشكالها، وكاهن «آمون» للقربان في ساحة المعبد (التي فيها التماثيل)، وكاهن «أوزير» … وكاهن «تحوت» … وقائد جيش الجنوب … قائد الجيش «زدتحو تيفعنخ» المبرأ ابن مثيله «أمنمأبت».

رمز العدالة

ويمتاز تمثال «نسبا قاشوتي» برمز العدالة الذي يحمله بوصفه قاضي القضاة وما عليه من نقوش خاصة بهذا الموضوع، ولما كان هذا الرمز من الأهمية بمكان، ويرجع تاريخه إلى أقدم العهود المصرية؛ فقد آثرنا التحدث عن أصله وماهية حامله من أقدم عصور التاريخ حتى آخر عهد ظهر فيه في النقوش المصرية والمصادر اليونانية، وقد كَتَبَ في هذا الشأن «جريد زلوف» مقالًا ممتعًا (راجع A. S XL. p. 186ff).
كان أول من لفت النظر من مؤرخي اليونان الأقدمين إلى رمز العدالة الذي كان يحمله قاضي القضاة في أثناء تأدية واجبه هو «هكاتا الأبدري» حوالي بداية القرن الثالث ق.م؛ إذ يقول: «كان القاضي Archidicaste يحمل حول رقبته صورة معلقة في سلسلة من الذهب مصنوعة من الأحجار الكريمة تمثل الإلهة «إليتيا Alytheia».» (راجع Levy, Divinities Egyptiennes chez les Grecs et. Semites, Bibl. De l’Ecole des Hautes Etudes 1921 p. 271).
هذا، وقد كَتَبَ مؤلف آخر يدعى «ألين» حوالي أربعة قرون بعد عصر «هكاته» (راجع Elien Van, History XIV p. 34) وهو يقول: «إن قاضي قضاة المصريين كان يضع حول رقبته صورة من حجر الياقوت تدعى العدالة.»
والواقع أن ما ذكره كل من هذين الكاتبين القديمين يوجد ما يؤكده على الآثار المصرية؛ ففي نقوش العصر الإغريقي الروماني إشارات عدة لهذا الرمز الخاص بقاضي القضاة، ذَكَرَ منها الأثري «بروتشي» أمثلة كثيرة وبخاصة متنان خاصان بالإلهة «حتحور» على البوابة الخارجية لمعبد «خونسو» بالكرنك، ويرجع تاريخ هذا النقش إلى عهد الملك «بطليموس أفرجت الثالث»، وقد سميت مرة «حتحور العظيمة القاطنة في بيت العدالة — (ماعت) — التي في رقبة قاضي القضاة» (يعني رمز العدالة التي في رقبة قاضي القضاة)، وذكرت مرة أخرى بأنها «حتحور العظيمة القاطنة في بيت سيدة الكتابة وربة السجلات والجوهرة الفاخرة التي تحلي جيد قاضي القضاة» (راجع Brugsch; Worterbuch V p. 389). وفي متون معبد إدفو يوجد متن من عهد «بطليموس الرابع فليوباتر» أن «حتحور» تحمل لقب: حتحور القاطنة في بيت «حات سبكت»؛ أي العدالة (ماعت) التي في رقبة القاضي (راجع Edfu I, p. 116 and W. B. Belegst II. p. 20–14). وكذلك في عهد «بطليموس السادس عشر» وجد على نقش في «أرمنت» أن الإلهة «نحمارت» زوج «تحوت» في «هرموبوليس»، وهي التي لا تخرج في الواقع عن كونها صورة من صور الإلهة «حتحور-ماعت» اللقب التالي: العدالة التي في رقبة القاضي (راجع L. D. IV, 63 a).

ومما سبق نجد أن قاضي قضاة مصر كان يحرص بغيرة وحماس على هذه الميزة حتى القرن الثاني من بعد الميلاد على أقل تقدير، وذلك عندما نعلم أنه حتى هذا العهد لم يكن مسموحًا لأحد أن يحمل صورة العدالة إلا رئيس مجلس القضاة.

ويمكن توضيح هذه المتون السابقة بسلسلة من التماثيل من العصر المتأخر يمثل كل منها قاضيًا يحمل حول رقبته قلادة مدلًّى منها رمزُ العدالة، وأول مثال لذلك تمثال القاضي المحفوظ بمتحف اللوفر، وقد عُثر عليه في حفائر «المدمود» (القريبة من الأقصر)، وهو مصنوع من الحجر الجيري الأبيض، ويمثل شخصية ترتدي «طوغه» (جبة) رومانية، وممسكًا بجريدة في يده اليسرى، والدلاية التي تمثل الإلهة «ماعت» معلقة في سلسلة تحيط بنحره.» وهذا الأثر يرجع إلى العهد الروماني (راجع Bisson de la Roque, Rapport sur les Fouilles de Medamoud (1929) p. 50, Musee’du Louvre Numero d’Entre E. 13892).
أما في عصر البطالمة فيكفي أن نذكر تمثال «أحمس» الذي كان يشغل منصب كاهن أكبر في «ليتوبوليس» في عهد «بطليموس الخامس أبيفان»، وهذا التمثال لم يبقَ منه إلا الجذع، وهو محفوظ الآن بمتحف برلين (راجع Berlin No 114460 cf George Moller A. Z. 56, p. 67)، والظاهر أن هذا التمثال كان قد تم صنعه عندما رُقيَ «أحمس» هذا إلى وظيفة قاضي القضاة؛ فنجد أن المَثَّال المصري قد حوَّل التعويذة التي كانت تحلي أولًا صدره إلى الدلاية التي تمثل رمز «العدالة».

وكذلك يوجد في متحف «الإسكندرية» جذع تمثال من الإردواز يرجع إلى هذا العصر، وهذه القطعة تمثل شخصية واقفة، وقد وُجد اسم صاحب التمثال ولقبه على القاعدة التي فُقدت الآن، ويمكن أن نقدِّر أنه كان يحمل لقب قاضي القضاة؛ إذ نجد قلادة العدالة منقوشة على هذا الجذع الذي بقي من التمثال.

ويجدر بنا أن نذكر بعد ذلك تمثالين من الجرانيت الأسود عُثر عليهما في «تانيس» محفوظين بالمتحف المصري الآن: واحد منهما يدعى «زد-حر» «تيوس Teos» بن «أوتوفريس» (راجع L. Borchardt, Statueu und Statutten III p. 41, No 700 cf P. Montet, Trois Gouvernneurs de Tanis d’apre’s les inscriptiou des statues 687–689, et 700 du Caire Kemi VII p. 123 & Suiv). الذي عاش حتى عهد الفتح الفارسي الثاني. وقد مُثِّل صاحب التمثال واقفًا ممسكًا بيده ثلاثة تماثيل لآلهة، ويحلي جيده قلادة قد بهتت دلايتها الآن؛ غير أنه يمكن القول إنها تمثل الإلهة «ماعت».
والتمثال الثاني: لشخص يدعى «زد-حر» بن «أبريز» (راجع Borchard, Ibid p. 32)، ومن المحتمل أنه كان موظفًا من موظفي الملك «نقطانب الثاني»، وقد مُثِّل واقفًا مرتديًا سربالًا طويلًا خاصًّا بالكهنة، وبيديه قاعدة صغيرة جلس عليها الإله «آمون» القرفصاء، ويتدلى من رقبته خيط رفيع معلق فيه رمز إلهة العدل «ماعت». ونفهم من المتن الذي على ظهر التمثال أن «زد-حر» كان يشغل وظائف قضائية؛ فهو «حامي من لا قيمة له، ومطبق القوانين دون محاباة، ومحب للعدالة، ومبغض الباطل.»
وقد ظهرت كذلك قلادة العدالة على تمثال من الجرانيت المبقع عُثر عليه في «كوم أبشان»، وهو محفوظ الآن بالمتحف المصري (راجع A. S. (1913) p. 281–3)، والتمثال يمثل أميرًا من «بهبيت» يدعى «نخت-نبف» ممسكًا بين يديه محرابًا فيه صورة الإله «أنحور»، وقد صُوِّرَ على صدر التمثال صورة إلهة العدل «ماعت» معلقة من خيط في جيده. والنقوش التي عليه لا تقول صراحة: إنه كان قاضي القضاة، ولكنه يحمل لقب «الأمير العظيم في بهبيت»، وهذا اللقب يحمل في طياته أنه كان في يده السلطة القضائية.
وأخيرًا: يُنسَب تمثال «حورسا إزيس» المحفوظ في متحف «برلين» إلى عصر الملك «نقطانب» (نخت نبف) أيضًا، ويمكن أن يقال عن القلادة التي على صدر هذا التمثال ما قيل سابقًا عن قلادة «أحمس» الكاهن الأكبر لبلدة «ليتوبوليس» — أي إن علاقة العدالة قد أضيفت فيما بعد على التمثال. ولكن أدق تمثال وأكمله لصُورَةِ كاهن أكبر لابس قلادة «ماعت» هو تمثال متحف «القاهرة» لصاحبه «بسمتيك سنب»، وهو مصنوع من الحجر الجيري، وعُثر عليه في «ميت رهينة» (راجع Daressy, Rec, Trav. 14 p. 177)، ويحمل لقب «قاضي القضاة والوزير» وقد مُثِّل راكعًا ويحمل أمامه محرابًا صغيرًا بين يديه، ويلاحظ أن صورة الإلهة «ماعت» قد صُوِّرت على رقبته معلقة في سلسلة (التمثال من الأسرة ٢٩).
وإذا ما انتقلنا إلى العصر الصاوي نجد تمثال اللوفر (A83). (راجع De Rougés, Notice des Mou. Luovre, Paris 8 ed, p. 41) لصاحبه «بن-أو-تهي-حر»، وهو معاصر الملك «نخاو» أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين، ويلبس حول رقبته قلادة الإلهة «ماعت»؛ غير أنه ليس في مقدورنا القول بأنه كان قاضي القضاة أم لا؛ وذلك لأن نقوش التمثال ممزقة عند المكان الذي فيه اللقب، ولكن من بين الألقاب التي بقيت لقب «رئيس كهنة ماعت»، ويحتمل أنه كان لها علاقة بالعدالة المصرية.
وأخيرًا نذكر جذع تمثال للملك «نفر إب رع» بن «بسمتيك الثاني»، ويلبس حول رقبته علامة قاضي القضاة؛ أي يلبس خيطًا معلقًا فيه رمز الإلهة «ماعت»، وليس بمدهش أن نرى ملكًا يلبس هذا الرمز؛ لأنه بوصفه أعلى من قاضي القضاة والقاضي الأعلى في المملكة له الصبغة الممتازة لحمل رمز العدالة، هذا فضلًا عن أن وجود رمز العدالة على صدر الملك قد شوهد في عهدٍ أقدمَ من عصر «بسمتيك»؛ فعلى لوحة للفرعون «أمنحتب الثاني» عثر عليها المؤلف بجوار تمثال «بولهول» قيل عن الإله «حور أختي» إنه وضع ابنه الملك «أمنحتب الثاني» على عرش مصر، وإنه وضع ابنته الإلهة «ماعت» بمثابة حلية على صدره (راجع Selim Hassan, A. S. 1938. p. 58 L. 5-6).
والواقع أن الإلهة «ماعت» في غالب الأحيان تدعى ابنة «رع»؛ فعلى متن من «دندرة» نجد أن علامة «ماعت» موضوعة بين القلائد والمجوهرات الخاصة بقلادة منات، وتجعل هذا الرمز متصلًا «بإنسان العين المقدس»؛ أي مع «حور» بمعنى واسع مع الملك نفسه: «ماعت العظيمة التي تحكم في «حات منات» وفي نحر «إنسان العين المقدس».» (الملك) (راجع Mariette, Denderah, III pl. 43-cf. Schott, Urkunden VI, (1929) p. 63 & Daressy, Rec Trav. 24p 164).
وعلى الرغم من الأمثلة العدة التي ذكرناها فيما سبق، فإنها ليست الأمثلة الوحيدة لتوضيح ما يقصده المؤلفون المصريون من موضوع الرمز الذي يحمله قاضي القضاة، ولكن تدل شواهد الأحوال على أنه يوجد نماذج أخرى أصيلة من العلاقات (أو الدلايات) التي كان يحملها رؤساء المحاكم المصرية وقت تأدية وظيفتهم. والواقع أن «ديدور» يذكر لنا على حسب قول «هكاته الأبدري» أن جلسة المحكمة كانت تُفتح من اللحظة التي كان يلبس فيها رمز العدالة، وكذلك كان يعلن انتهاء القضية بعمل رمزي تقديسًا للقانون يقوم به حامل هذا الرمز، ومؤداه وضع صورة العدالة على إحدى الشهادتين المكتوبتين الموضوعتين أمام الخصمين، وهذه تكون الشهادة الحقة، وصاحبها هو الذي كسب القضية. ويلاحظ أن هذه العلاقات لا بد أن يكون طولها على الأقل عشرة سنتيمترات ليمكن استعمالها بسهولة، وهذا هو حجم هذا الرمز كما يستخلص من صورته على التماثيل. ومن ثم نفهم أن التماثيل الصغيرة الحجم التي أقل مما ذكرنا لا تخرج عن كونها تعاويذ كما جاء على أحدها: «العدالة بمثابة تعويذة حول رقبتك.» (راجع A. Z. 56, p. 67).
ومع ذلك وُجد في متحف «القاهرة» صورة للإلهة «ماعت» وتعد جوهرة ثمينة، ويظهر من صنعها وشكلها أنها عُملت لتكون رمزًا أصليًّا لقاضي القضاة، ونقصد هنا التمثال (٢٥١٨٩) الذي يمثل الإلهة «ماعت» (Daressy, Statues de Divinites I, p. 227 No 38907) قاعدةً القرفصاء. والتمثال من اللازورد ويبلغ طوله ٧٫٥ سنتيمترات؛ أي ما يقرب من الحجم المطلوب من التماثيل التي يحملها قاضي القضاة، وتدل شواهد الأحوال على أنه كان يستعمل علاقة، ومع ذلك يحتمل أن هذا التمثال لم يستعمل ولم يكن لاستعمال قاضي القضاة بل كان لاستعمال كاهن «حور».
ولدينا متن من معبد «إدفو» نفهم منه أن كاهن «حور» كان يحمل في هذه المناسبة صورة العدالة، وفي وقت نقل تمثال الإله نقرأ كما جاء على المتن الذي على سلم المعبد ما يأتي: «يذهب الكهنة يمينًا وشمالًا وفي كل جوانب هذا الإله، وحول رقبتهم عُلِّقت صورة العدالة المصنوعة من اللازورد محلاة بالذهب النضار.» (راجع Edfu, I 580, 3).

أما من جهة معنى وجود صورة العدالة الآن في رقبة قاضي القضاة؛ فإن كل الأدلة تبرهن على أن هذه الصورة تشير إلى مبدأ العدالة المؤسس على عبادة «العدالة»، ولدينا عدد كبير من الحقائق يشير إلى ذلك.

فالإلهة «ماعت» أولًا وقبل كل شيء ليست إلا مخترَعًا ابتدعه القضاة المصريون (راجع Erman, Die Religion der Aegypter, p. 57).
والمقصود من ذلك فكرة معنوية محضة من نتاج العقل البشري، أو بعبارة أخرى مثلث في صورة إلهة مثالية (راجع Wiedmann, Maa deesse de la verite’et son Role dans le pantheon Egyptien Annales du Musee Guimet X. (1887) p. 561) وجدت لتكون الشفيعة لأصحاب الحِرَف عند الأشراف أصحاب الحل والعقد، ولما كانت العدالة قد وُلدت هكذا فإنها قد ظلت دائمًا الإلهة التي كان قضاتها الكهنة. والواقع أنه منذ الدولة القديمة كان الكاهن يحمل لقب «كاهن ماعت»، وكان المصري يعبر عن أداء العدالة هكذا: «فصل الحق من الباطل»، ويحتمل أن ذلك ما يقصده «ديدور» عند وضع صورة العدالة على الشهادة الحقة لتقديس القانون، وكانت القوانين تؤلف في معبد الإلهة «ماعت»، ويكفي للدلالة على ذلك أن نذكر اللقب التالي: الكاتب الملكي للسجلات التي تثبت القوانين في معبد العدالة (راجع Spiegelberg, Studien und Materialien zum Rechtswesen etc. p. 6).
ومن الوجهة الأسطورية قد أظهرنا فيما سبق أن «ماعت» كانت تعد ابنة الإله «رع»، ويجب أن نضيف أنها قد صارت زوج الإله «تحوت»، وهذه الحقيقة يمكن تفسيرها بسهولة؛ وذلك لأن الإله «تحوت» كان يعد في كل عصور التاريخ المصري القديم إله العدالة، وكان الملوك والقضاة يعدون ممثلين له على الأرض بوصفه المشرع الإلهي، وتحقيقًا لذلك يمكن ذكر الألقاب التالية للإله «تحوت» رب «الأشمونين»: قاضي القضاة الذي يثبت القوانين ويرضي سيدة الإلهة «حتحور دندرة» بأحكامه (راجع L. D. IV, 76 c). وعلى أية حال؛ فإن هذا اللقب الذي يحمله «تحوت» كما يحمله ممثلوه الملوك والقضاة هو الذي تجده على قلادة العدالة: «ماعت نيت رع … صدرية سيد هرموبوليس.» (أي تحوت) (راجع Karl Piehl Rec. Inc. Hierogl. I. p. 99).لقد بَرْهَنَّا فيما سبق على أن استعمال رمز قاضي القضاة كان شائعًا في العصور المتأخرة؛ أي منذ العصر الصاوي حتى القرن الأول من العهد المسيحي. ويتساءل الإنسان الآن فيما إذا كان هذا الرمز مستعملًا قبل ذلك العهد. والواقع أنه في استطاعتنا أن نبرهن على أن علاقة العدالة التي ظهرت منذ العصر الصاوي بمثابة رمز آخر معروف جدًّا في العهود المتأخرة، ولكن استعماله يرجع حتى عهد الدولة القديمة، ولا بد لفهم ذلك من الرجوع إلى نقوش تمثال «نسبا قاشوتي» الذي تحدثنا عنه، فمن أهم ألقابه: الأمير الوراثي والحاكم، وكاهن آمون في الكرنك، وعمدة المدينة، والوزير، وقاضي القضاة، وحارس «هيراكنبوليس»، وكاهن الإلهة «ماعت». والذي يهمنا الألقاب الثلاثة الأخيرة. والواقع أن صاحب هذا التمثال هو رجل عدالة حقيقي، ويحمل رمز العدالة المعروف لنا، وهو عبارة عن صدرية في صورة رمز الصاجات، هذا فضلًا عن أن النقوش التي توجد على التمثال تقول: «لقد تسلمت رمز العدالة (حرفيًّا العدالة بوصفها زينته) في القصر، وهدأت «تحوت» بها، ومكانتها مقدسة في صدري ومخفية عن كل الأنظار.»
ونجد على مكان آخر من التمثال أن صاحبه يقول: «لقد ارتديت رمز العدالة.» وهذا المتن يبرهن على أن الصدرية التي يحملها هذا القاضي العظيم هذا ليست إلا صورة أخرى لصورة الإلهة «ماعت»، ولا بد لتفسير هذا التوحيد بين علاقة العدالة وبين الصدرية التي في صورة الصاجات أن نحدد أولًا صبغة هذه الصاجات ومعناها؛ فنعلم أولًا أنه في متون الأهرام قد ظهرت علامة تُنطق «بات»، وقد خصصت بالصاجات، ومعناها يمكن فهمه من سياق المتن الذي وجدت فيه «الروح مع وجهيها» (Sethe Pyr. 1096 b). والواقع أن هذه الكلمات تعادل اسمًا من أسماء الإلهة «حتحور»، وبعبارة أخرى هي اسم لرمزها؛ وذلك أننا نعرف الأشكال البدائية لهذا الرمز، وهو عبارة عن عمود صغير على قاعدة ذات درج، وفوق هذا العمود نشاهد وجهين ملاصقين يمثلان الإلهة «حتحور»، وقد وجد نموذج من الخشب لهذا الرمز في معبد الدير البحري (راجع Winlock, Bull. Metrop. Mus. New York, Part II p. 39)، وهو محفوظ الآن بالمتحف المصري، والمتن الذي عليه هو: «ليت حتحور سيدة «دندرة» تمنح حياة طيبة لروح.» (وقد اختفت الألقاب والاسم)، وهذا الرمز الذي يرجع تاريخه إلى عهد الأسرة الثامنة عشرة لا بد له علاقة بالعمود «وخ» الذي كان يعبد في بلدة «القوصية» بمثابة رمز آخر للإلهة «حتحور» (راجع Blackman, The Rock Tombs of Mier I, p. 2 «القوصية» (راجع Brugsch, Religion und Mythologie der Alten Agypter p. 481)، فإنه في استطاعتنا معرفة العلاقة الوثيقة التي تربط الإلهة «ماعت» بالإلهة «حتحور»، ويرجع الفضل في توضيح ذلك لمتن جغرافي من «إدفو» نعلم منه أن «ماعت» كانت هناك (أي القوصية) بمثابة روح (كا) الإلهة «حتحور»، وهذه الحقيقة هي التي تُظْهِر منذ القدم أن «ماعت» — وهي اختراع فكري محض — كانت موحدة بروح الإلهة «حتحور»، وأنه بوساطة هذا اللقب أمكن لصورة «ماعت» في العصور المتأخرة أن تحل بجانب الصدرية القديمة «بات» وهي رمز الإلهة «حتحور».
ومع ذلك فإنه في الأصل لم يكن رمز الإلهة «حتحور» — على ما يظهر — له صلة قط أيًّا كانت بالعدالة، ولكن أولئك الذين كانوا يرتدونها في الدولة القديمة كانوا يحملون عادة لقب حارس رمز الإلهة «حتحور» (حقابات)؛ فنجد في المتون التي في الحجرة الجنائزية للموظف «حور حتب» (الأسرة الحادية عشرة) أن هذا اللقب قد كُتب بكل حروفه كاملًا، ويظهر أن ذلك جاء في اسم لملك موحد مع «حور» وهو: «ذلك الذي أمام حارس رمز البقرة «حتحور»». يضاف إلى ذلك أن هذا اللقب كان يستعمل بوجه خاص في بلاط «منف»، وقد حُفظ فيها حتى الدولة الحديثة على أقل تقدير، ومن ثم نجده بين ألقاب الوزير «باسر» (الأسرة التاسعة عشرة) على تمثاله المصنوع من الشيست الذي عُثر عليه في معبد «منف» (راجع Rec Trav. 14 p. 173) حيث نقرأ: «حارس رمز «حتحور» في قصر «سخمت».» أو بعبارة أخرى: في معبد الإلهة «سخمت» التي في صورة لبؤة زوج الإله «بتاح». وهذا المعبد مقام في أحد ربوع «منف»، ولكن يظهر أن لقب حارس رمز الإلهة «حتحور» ليس اختراعًا منفيًّا بل كان له في الأصل صلة على ما يُظَن بعبادة البقرة «حتحور» في ديوسبوليس بارفا (هو)؛ وذلك لأن نفس الإشارة التي ترمز «لحتحور» كانت في البداية الرمز البدائي لهذه المدينة التي يسميها المصريون قصر الصاجات في شمالي دندرة (راجع Reisner, Mycerinus Pl. 44 a; Borchardt, Grabdenkmal des Konig Sahura II, Pl. 20). وقد تأثرت ديوسبوليس بارفا (هو) بديانة «دندره» وهي مركز عبادة الإلهة «حتحور» (راجع K. Sethe Urgeschichte und Alteste Religion der Agypter § 50, p. 40)؛ فمنذ الدولة القديمة نجد أن اللقب «حارس رمز حتحور» يمكن أن يكون في الأصل لقب شرف يرجع أصله إلى أنه أحد المظاهر الخاصة بعبادة الإلهة «حتحور»، وهذا هو السبب في أن مُقْتَرَحَ الأستاذ «يونكر» — الذي يطلق هذا اللقب على وجهاء البلاط المتصلين بخدمة الملك شخصيًّا، وبخاصة بالولائم التي تقام في القصر تكريمًا للإلهة «حتحور» إلهة النبيذ — هو مقترح مقبول، وتدل شواهد الأحوال على أن حامل لقب «حارس الرمز الحتحوري» في عهد الدولة القديمة كان في الواقع يلقب كذلك في غالب الأحيان: «مدير القصر»، «والمشرف على الأواني السوداء»، وهي نوع من جرار الخمر الثمينة جدًّا.
والأمثلة التي نجد فيها وجهاء الدولة القديمة يحملون الصدرية الحتحورية عديدة إلى حد ما، ويكفي هنا أن نقتبس أكثرها أهمية؛ ففي عهد الملك «خوفو» نجد ابنه «خوفو خاعف» الذي يحمل لقب مدير القصر قد مُثِّل حاملًا رمز «حتحور»، ونشاهد في قبر هذا الأمير بالجيزة أنه قد ظهر مزيَّنًا بشريطين كبيرين متقاطعين على صدره ومعلقًا فيهما رمز «حتحور»، وكذلك نجد في قبر العظيم «تي» بسقارة أن صاحب المقبرة يظهر محلًّى بنفس الرمز الحتحوري، وكذلك نعرف صورة الوجيه العظيم «حور عنخ ما» تَحْمِلُ صدرية جميلة تمثل رمز «حتحور» في صورة مثلثة (راجع George Steindorff. Das Grab des Ti Pl. 27).
وفي أوائل الدولة الوسطى كان يُحمل رمز «حتحور» بوصفه حلية صدر وحافظت على معناها الأصلي، فعلى لوحة من عهد الأسرة الحادية عشرة (راجع Petrie Qurneh, Pl. 2 & 3) نشاهد زوجين جالسين، واسم الرجل «زاري» كان يحمل لقب رئيس القصر، والواقع أن خلفه وأمام قدمي زوجه نشاهد رمزه الحتحوري بصورة غريبة بعض الشيء، ومع ذلك نجد أنه منذ فترة — من الصعب تحديدها — قبل منتصف عهد الدولة الوسطى أن الرمز الحتحوري قد أصبح بصفة خاصة رمز شرف للقضاة؛ فمن ذلك أن «منتوحتب» كان يلقب الأمير الوراثي، والوزير، وقاضي القضاة، وحارس هيراكنبوليس، وكاهن «ماعت»، والمشرع (راجع Lange-Scafer, Grab-und Denkstein des Mittleren Reiches Pl. IV Pl. 69 fig. 207)، وبعبارة أخرى كان ممثلًا حقيقيًّا للإشراف يلبس الروب، ويَحْمِل — في الصورة التي على لوحة — قلادة تحتوي على رمز الإلهة «حتحور»، ومنذ ذلك العهد نجد أن هذا التفسير الجديد لرمز «حتحور» قد بقي حتى العصر المتأخر.
ومن الأمثلة الواضحة الهامة في عهد الدولة الحديثة عن ذلك ما نجده في نقوش «أمنحتب» بن «حابو»، وهو الذي كان يعد في عهد «أمنحتب الثالث» أقوى رجل في الدولة بعد الفرعون؛ فقد عُثر على بقايا رسم كان يزين معبده الجنازي (راجع Robichon et Varille, Le Temple du Scribe Royal Amenhotep, Fils de Hapou pl. 34-35)، وقد ظهر فيه على عرش يحمل حول رقبته رمز «حتحور»، والمتن الذي معه هو: «الأول لجلالته الذي قد منحت إياه المجوهرات من الذهب وكل الأحجار الكريمة والفاخرة.» وقد وُضِعَ حول رقبته رمز «حتحور» المصنوعة من السام ومن كل الأحجار الثمينة، ويجلس على عرش من الذهب مواجهًا للمقصورة الملكية، وجسمه مزين بالكتان.

ومن هذا البحث الطويل الخاص بالشارة التي كان يلبسها قاضي القضاة في كل مراحل التاريخ المصري نستخلص النتائج التالية: نفهم أنه كان رمزًا دينيًّا خاصًّا بالإلهة «حتحور»، وأنه كان في بادئ الأمر حلية بسيطة يزيَّن به صدر خُدَّامٍ خاصِّين بالملوك في عهد الدولة القديمة وفي بداية الدولة الوسطى، وقد اتُّخِذَ فيما بعد صفة شارة شرف خاصة بقاضي القضاة، ولكن منذ العصر الصاوي قد أُدخل عليه بمثابة شكل آخر لهذا الرمز صورة إلهة العدالة الحقيقية، وقد بقيت تُستعمَل بجانب رمز «حتحور» حتى نهاية النقوش المصرية القديمة.

(٧-٢) تمثال الكاهن «نسر آمون» بن حور الثاني

وُجد هذا التمثال في خبيئة «الكرنك»، وهو مصنوع من الحجر الصوان الذي يشبه المرمر، وارتفاعه ستون سنتيمترًا (راجع Legrain, cat. Gen. III p. 47, No 42221 Pl. XXIX)، وقد مُثِّل قاعدًا على قاعدة صغيرة كالمعتاد، ويرتكز على عمود خلف ظهره.
النقوش: يشاهَد على مقدمة التمثال منظر يُرَى فيه الإله «آمون» منتصبًا وسائرًا ليتسلم البخور الذي يحترق وقربانًا يصبه «نسر آمون» الذي مُثِّل برأسٍ عارٍ حليقٍ، ويرتدي جلبابًا فضفاضًا، وفوقه جلد الفهد، وينتعل حذاء.

ومع «آمون» المتن التالي: «آمون رع، رب عروش الأرضين، المشرف على الكرنك، الإله الأزلي الذي أوجد كل كائن، رب السماء وحاكم التاسوع الإلهي.»

والمتن الذي مع «نسر آمون» هو: «ممدوحه وحبيبه كاهن آمون في الكرنك كاهن الشهر لآمون من الدرجة الأولى «نسر آمون» المبرأ ابن كاهن «آمون»، ورئيس كتبة معبد بيت آمون «حور» المبرأ ابن مثيله (في الوظائف) «نسر آمون».»

ونُقش على كل من جانبي التمثال عشرة أسطر أفقية.

فنجد على الجانب الأيمن ما يأتي: قربان يقدمه الملك لآمون رع رب عروش الأرضين والمشرف على «الكرنك»، و«لأوزير» رب «بوصير» الإله العظيم ورب العرابة، وللإله «أنوبيس» المشرف على ساحته والذي على جبله ليدفن (الكاهن) في الجبانة بعد شيخوخة جميلة بجوار الإله العظيم، وليقدم له قربانًا.» ثم يأتي ذكر أنواع القربان والأعياد التي تُقَدَّم فيها: «لروح المبجل من الملك والإله العظيم كاهن «آمون رع» ملك الآلهة، وكاهن الشهر «لآمون رع» من الدرجة الأولى «نسر آمون» المبرأ ابن كاهن «آمون رع» ملك الآلهة ورئيس الكتبة لمعبد بيت «آمون»، والمشرف على وثائق معابد الآلهة للوجهين القبلي والبحري، وكاتب معبد «موت» العظيمة ربة «أشرو»، وكاهن «آمون» القاطن في «الكرنك»، والكاهن رئيس الكهنة المطهرين لمائدة القربان من الدرجة الأولى والرابعة (؟) والمشرف على التعليم في بيت الوثائق، وحامل الخاتم لبيت «آمون» وبيت «موت» و«خنسو»، ومدير إدارة الوثائق لبيت «آمون» وبيت «موت»، وكاهن معبد الإله «حمن» التابع لبلده «سنفر» وكاهن «حتحور» ربة «عجني» (بلدة بالقرب من إسنا لعبادة البقرة «حتحور»)؛ ليعطوا قربانًا (يأتي بعد ذلك أسماء القربان) لكاهن الإلهة «رعت توي» صاحبة «المدمود» إلخ …» (وعلى ظهر التمثال يستمر المتن): «خع نترو ني بينوزم» المبرأ، والكاهن «وعب» المحبب لقلب الملك أوسركون، عَيْنَا الملك في الكرنك وكاهن الشهر … في بلدته وممدوح إلهه … «حوري» ابن مثيله المشرف على البيت الملكي للمتعبدة الإلهية لآمون، وكاتب أوامر … الفرعون، وحامل خاتم الوجه البحري، والسمير العظيم، وعينا ملك الوجه القبلي، وثقة رب الأرضين لوثائق الملك، والمراقب العظيم، المحترم من المدينة «نسر آمون» ابن كاهن «آمون رع» ملك الآلهة، وكاتب الأوامر الجديدة لرب الأرضين في بيت «آمون» «حوري» ابن كاهن بيت آمون ملك الآلهة، وكاتب المعبد لبيت آمون، وكاتب المعبد لبيت «موت» العظيمة ربة «أشرو»، وكاتب الإلهة «أمونيت» القاطنة في الكرنك، والكاهن المشرف على مائدة القربان من الدرجة الأولى والرابعة، والمشرف على تعليم السجلات، حامل الخاتم الإلهي، والمشرف على إدارة السجلات لبيت «آمون» وبيت «موت» و«خنسو»، كاتب الأوامر، وكاهن الإله «حمن» القاطن في معبد أصفون (في مديرية قنا)، وكاهن «حتحور» ربة «عجني» (القريبة من إسنا)، المشرف على المعابد حامل خاتم ملك الوجه البحري، والسمير العظيم المحبوب، عينا ملك الوجه القبلي، وأُذُنَا ملك الوجه البحري، ثقة الملك مدير القصر المشرف على الأراضي الزراعية، والمشرف على بلدته (طيبة) كاهن شهره (في نوبته) … والمئونة لكل إنسان بالحق … وكاتب القرابين الإلهية (؟) لكل الآلهة والإلهات.

ونُقِشَ على الجانب الأيسر ما يلي:

… للأبرار، وحامي الملك، وخادم الوقف» «نسبا نفرحر» المبرأ ابن الكاهن والد الإله المحبوب، وفاتح باب السماء (قدس الأقداس) في «الكرنك»، والمشرف على كل ملابس الملك، والذي يجمع الملايين ويحسب مئات الألوف، والمراقب العظيم، والكاهن عق (أي الذي له حق الدخول في المعبد) لحجرة عظماء المعبد وبوابته (أي بوابة المعبد)، والذي يخرج ليُقْصِيَ شر أعدائهم (آمون) … المبرأ الذي أنجبه مثيله «بابيف نب نخت» (؟) بن «آمون موسى» المبرأ بن «حوري» بن «عشاخت» (؟) المبرأ الذي أنجبته ربة البيت المبجلة ضاربة الصاجات «لآمون رع» … (؟) من الدرجة الأولى المسمى «أتاوي» ابنة كاهن «آمون رع» ملك الآلهة كاتب الجيش لابن الملك «زد تحوتيفعنخ» ابن مثيله «أمنمأبت» المبرأ ابن مثيله «نسبا قاشوتي» المبرأ، وأمها سيدة البيت ابنة الملك محبوبته «تاشبن-باست»، وابنة الملك رب الأرضين «محبوب آمون شيشنق» عاش أبديًّا. عمله ابنه ليحيا اسمه في الكرنك؛ أي كاهن «آمون رع» ملك الآلهة كاهن شهره لبيت آمون من الدرجة الأولى المسمى «نسبا رع»، وأمه سيدة البيت … ابنة كاهن «آمون رع» ملك الآلهة المبجل في مدينته المبرأ «حور» كاتب المعبد.

(٧-٣) قاعدتا عمودين باسم «زد تحو تيفعنخ»

كُشِفَ في معبد «الكرنك» سنة ١٩٤٩ عن قاعدتي عمودين كبيرتين من الجرانيت الرمادي القاتم على مسافة ٢٧٫٦٠ مترًا و٢٦٫١٥ مترًا من الزاوية الشمالية الشرقية من بناء معبد «آمون» الكبير، ومن المحتمل أن القاعدة الثانية وجدت في مكانها الأصلي، وقد نُقِش على محيط كل منهما متن ينتهي بطغراءين عموديين باسم الإله «آمون رع» بوصفه ملكًا؛ فعلى القاعدة الأولى كُتب في الطغراء: «آمون رع» رب عروش الأرضين. وفي الطغراء الثانية: «آمون رع ملك الآلهة.» وفي طغراءَي القاعدة الثانية نُقِشَ: «آمون رع حور أختي» و«آمون رع الأزلي للأرضين».

وفي مواجهة كل من هذين الطغراءين نُقشَ سطر أفقي حول القاعدة من اليمين إلى اليسار على القاعدة الأولى وهاك النص:
ممدوحه ومحبوبه كاهن «آمون» ملك الآلهة، والكاهن الثالث «لآمون رع» ملك الآلهة، والمشرف على الماشية لبيت «رع»، ورئيس معبد «آمون»، والكاهن الرابع للإلهة «موت» العظيمة ربة «أشرو»، والكاهن الثالث للإله «خنسو» في «طيبة» المأوى الجميل … وكاهن «آمون» الذي يثوي في الردهة الغربية (من المعبد)، وكاهن «أوزير» في إقليم بق (منطقة بالقرب من العرابة، أو بعبارة أخرى المكان المخصص لإله الموتى «أوزير» في هذه الجهة)، وكاهن «إزيس» في بلدة «أحو» (Gauth, Dic, Geogr. I. p. 102)، وكاهن «تحوت» في «وزيت»، وكاتم السر، وكاتب جنود الفرعون في الجنوب، والمراقب العظيم، والقائد «زد تحو تيفعنخ» المبرأ الذي وضعته «تانزمت» ابنة كاهن «آمون رع» ملك الآلهة، وكاتب معبد «آمون» المسمى «أمنحتب».
أما النقش الذي يواجه طغراءي القاعدة الثانية فهو:
ممدوحه ومحبوبه كاهن «آمون رع» ملك الآلهة الممدوح من الفرعون أمير العظماء … وكاتب كل جنود الفرعون قاطبة، والمراقب العظيم، والقائد «زد تحوتيفعنخ» المبرأ التابع للمكان المحبوب من «تحوت»٤ ابن كاهن «آمون» ملك الآلهة، وكاتب الجيش الملكي قاطبة، والمراقب العظيم، والقائد «أمنمأبت» المبرأ ابن كاهن «آمون رع» ملك الآلهة، وكاتب الجيش الملكي قاطبة «نسبا قاشوتي» المبرأ ابن كاهن «آمون رع» ملك الآلهة والمراقب العظيم، والقائد «باكنخنسو» المبرأ ابن الكاهن والد الإله المحبوب والمراقب العظيم، وقائد الجيش «نسبا قاشوتي» المبرأ ابن الكاهن والد الإله المحبوب والمراقب العظيم، وقائد الجيش «باسن» المبرأ.
فمن نقوش هاتين القاعدتين نعلم معلومات دقيقة عن أسرة «زدتحو تيفعنخ»؛ فنعرف مما جاء على القاعدة الأولى أن أمه «تانزمت» كانت ابنة كاهن «لآمون رع» يدعى «أمنحتب»، ومما جاء على القاعدة الثانية خمسة أجيال من أسلافه وهم: (١) «أمنمأبت» (٢) «نسبا قاشوتي الثاني» (٣) «باكنخنسو» (٤) «نسبا-قاشوتي الأول» (٥) «باسن». وكل هؤلاء يحملون لقب القائد، والثلاثة الأُوَل من كهنة «آمون رع».٥

والغريب في هذين النقشين أننا نجد على القاعدة الأولى طغراءين بهما: «آمون رع رب عروش الأرضين، وآمون رع ملك الآلهة.» كما نجد أن المتن الذي حول القاعدة يذكر لنا نسب أحد كهنة «آمون رع» من جهة أمه وهو «زدتحو تيفعنخ» الذي يحمل ألقابًا عدة خاصة بالكهانة، وأخرى إدارية وسياسية وحربية مختلفة، وعلى قاعدة العمود الثانية في الطغراءين اللتين عليها: «آمون رع حور أختي» و«آمون رع الأزلي للأرضين». أما النقوش الأخرى فتعدد لنا خمسة من أسلاف «زدتحو تيفعنخ» من جهة والده، و«زدتحو تيفعنخ» هذا معروف لنا مما كتبناه عن تمثالي «نسر آمون» بن «حور» [راجع الأسرة الثانية والعشرين الفرعون أوسركون الثاني]؛ فمما جاء على التمثال رقم ٤٢٢٢١ نعرف أن هذا الكاهن كان زوج «تاشبن باستت»؛ فبذلك يكون معروفًا لدينا تاريخيًّا.

ويقول «فاري» في مقال له عن هذا المتن:٦ «إن أمثال هذا الكاهن كانوا يحيطون بالفرعون، ومع ذلك نجد أن المؤرخين يصطدمون بعقبات خطيرة شاقة عندما يريدون أن يأخذوا معنى هذه الألقاب التي يحملها هؤلاء العظماء، فيؤلفون منها صورًا عن الحياة الاجتماعية المصرية في ذلك العهد.» وقد أشار إلى خطورة ذلك الأثريُّ «ديفز»،٧ الذي كان له دراية تامة بالمقابر الفرعونية؛ إذ قال: إن ألقاب الموظف المصري على الرغم من أنها تسمح لنا أن نرى من خلالها أحيانًا مجال حياة الموظف؛ فإنها تجعل حياته العملية محاطة بجو من الغموض كأنها السراب الذي يتطلب الرؤية الواضحة، وعلى ذلك فإنه لعدم إمكانه إيجاد حل رمزي لهذه الألقاب نجد أن الأستاذ «ديفيز» كان في معظم الأحيان يضع أمثال سلسلة هذه الأنساب التي كانت تظهر تفاهتها بوضوح للقراء، فمثلًا نجده قد أراد أن يضع سلسلة نسب أسرة من عهد «أمنحتب الثالث» ممثَّلة في مقصورة الوزير الشهير «رعموسي» (راجع مصر القديمة الجزء الخامس) دون أن يفهم أن كلمة «أخ» في هذه الأسرة لا بد أن يؤخذ بمعناها الماسوني.٨ ويقول «فاري»: إنه قد أشار في مقال له إلى خطر إعطاء قيمة تاريخية فقط لمثل هذه الوثيقة،٩ ثم يقول: وسنعود إذن إلى هذا الموضوع وسنفحصه بمناسبة النقوش التي على هاتين القاعدتين اللتين عثر عليهما في الكرنك؛ ولنرى إذا كان في الإمكان أن نجد صلة بين ألقاب موظف من عهد معين وبين المنهج الذي وضح باسمه، وعلى ضوء هذا المبدأ نرى أنه من المستحسن أن يفحص الأسماء والألقاب وسلسلة النسب لكبار الموظفين الذين يتألف منهم بلاط الفراعنة وأسرته، هذا إذا أردنا أن نفهم القيمة الحقيقية لآثارهم.

إن كل أسرة تكون أمامنا في الواقع بمثابة عصر لا بمثابة أسرة، وذلك على غرار كل فرعون فإنه له وظيفة يفسرها لنا برمز خاص به؛ فالأسرة الواحدة والعشرون المصرية تنتهي بسلسلة خاصة من الملوك يحمل كل منهم اسم رعمسيس (رع هو الذي أعطاه الولادة)، وبطبيعة الحال «آمون رع» يفسر على هذا النمط. ونعلم أنه في عهد الرعامسة بدأ الحكم الشمسي «لآمون رع»، ومن المهم جدًّا أن نلحظ في نقوش هاتين القاعدتين أن الكاهن «زدتحو تيفعنخ» قد جعل نقوش أسلافه تقاطعها أسماء «آمون رع» الذي أصبح ملكًا أرضيًّا بوجود أسمائه موضوعة في طغراءات.

ونحن نعلم جيدًا الموضوع القديم الخاص باختلاط الملك و«آمون»، حيث نجد أن جسم الواحد يمر أمام جسم الآخر، والمقصود من ذلك هو أن الإله قد وحد مع الملك. وبالاختصار يمكن للآلهة أن يعرِّفوا أنفسهم بأنهم الصفات الإلهية العامة التي يتقمصها الملك، ومن ثم يمكن للفرعون أن يتخذ لنفسه الخصائص التي في صورة الإله، وعلى ذلك فإن كل انتقال صور إله ليست إلا إشارة انتقالات لتكوين الإله في الملك؛ أي إن الفرعون يتقمص صورة الإله على الأرض. والواقع أن كل التاريخ الأسري لمصر إن هو إلا صورة رمزية لفكرة الملكية ممثلة في الزمن.

وإذا تحدثنا من الوجهة الفلسفية نجد في الأسرة الأولى التي وضعت القواعد الخاصة بما وراء الطبيعة بمصر أن الفرعون كان أولًا هو الممثل لمبادئ الوجود، وبعد ذلك مر بكل مبادئ التكوين المشابهة لتكوين الجنين، وأخذ يتمثل في صورة جسمية في عهد الرعامسة لأجل أن يصير «الإنسان»، ثم استمر بعد ذلك يسمو حتى أصبح من الطراز الإلهي في عهد البطالمة. وعلى ذلك كان الملوك الذين حكموا مصر قد أحيطوا بإطار فخم فلسفي يحدد كل الدرجات التي أصبح بها الإله مجسَّمًا، أو بعبارة أخرى تجسيم مبادئ الطبيعة في صورة الملك.

ومن ثم نشاهد أنه في عهد الدولة الحديثة أن الملك أصبح الجسم الأرضي للإله، وفي هذا الوقت نرى نمو عبادة «خنسو»، وهو البيضة الملكية التي أنجبها «آمون» ووضعتها «موت»، وعلى ذلك نرى أن كل تناسل الملك قد مثِّل في وضع بيضة نتج منها أن أصبح «خنسو» هو الجنين في المشيمة التي اجتمعت فيها العناصر المغذية. وقد جعلت الأساطير والد «أمنحتب الثالث» الإله «آمون رع» الذي تمثل في صورة «تحتمس الرابع» يضع بذرة في الملكة «موت مويا» (موت في السفينة)، وعلى ذلك فإن «أمنحتب الثالث» سيعتبر من الوجهة الرمزية خارجًا من نطفة «آمون» ومن جسم «موت»؛ أي بمثابة «خنسو» في صورة واقعية، وسيكون ابنه البكر هو أول ملك شمسي إنساني مظهرًا النورَ الذي خرج من الظلام في قرص «آتون» وهو المظهر المجسم للشمس. والواقع أن هذا الملك الأتوني الثائر كما يقال كان مستمرًّا في المنهج التقليدي الذي سار عليه أجداده، غير أنه أوضحه في رمز خاص جدًّا بعهده وهو «الشخصية الإنسانية»، ولكن لم تظهر هذه الصورة الإنسانية بصورة جلية تمامًا إلا عندما رأى أخلافه الرعامسة في الإله «خنسو» الإنسان الملكي.

وكان ينبغي على موظفي الملك منطقيًّا أن يتقمصوا الوظائف المختلفة التي تنظم عمل الفرعون، وبهذه الكيفية يكونون دائمًا على اتصال رمزي مع الملك، فإذا اتخذ «زدتحو تيفعنخ» «آمون رع» بمثابة ملك أرضي له طغراءان؛ فإن معنى ذلك أنه يجب على الإنسان أن يعتقد أن هذا الإله في طريق تحقيق ما يرمي إليه العصر.

فنجد على قاعدتي العمودين السالفي الذكر أن «زدتحو تيفعنخ» قد مثل نفسه بوصفه نهاية سلسلة أسرة خاصة؛ فعلى القاعدة الأولى رأينا أنه يحدد لنا أصله من جهة أمه وهي السيدة «تانزمت» ابنة كاهن «لآمون رع» يدعى «أمنحتب»، وعلى القاعدة الثانية يقدم لنا نسبه من جهة والده؛ أي الأسلاف المتتابعين الذين أنجبوه وهم: (١) «أمنمأبت». (٢) «نسبا قاشوتي الثاني». (٣) «باكنخنسو». (٤) «نسبا قاشوتي الأولى». (٥) «باسن». وكلهم كانوا يحملون لقب القائد، ولكن نجد أن الثلاثة الأُوَل كانوا كهنة «آمون رع»، أما الاثنان الآخران فكانا يحملان لقب الكاهن والد الإله المحبوب.

ورئيس هذه السلالة «باسن» يحمل اسمًا يوحي بفكرة الإخاء، بل كذلك يوحي بفكرة التثنية، والاسم الثاني «نسبا قاشوتي» معناه: «الخاص بالإله صاحب الريشتين» كأنه يلعب دور المنعش بالنسبة لاسمه مع الريشتين العاليتين الخاصتين بالإله «آمون»، والاسم الثالث «باكنخنسو» معناه: الذي يعمل للإله «خنسو» وهو حامل للبيضة الملكية. وهذا تأليف حي للعنصرين الأوليين الشمسي والقمري، والاسم الرابع هو «نسبا قاشوتي» يكرر الدور الذي قام به «نسبا قاشوتي الأول»، والاسم الخامس «أمنمأبت» ومعناه «آمون» المثبت في الوادي، وأخيرًا «زدتحو تيفعنخ» الذي حدد دوره بجعل اسمه يتبع بالوصف «صاحب المقعد السحري للإله تحوت» فهو صاحب القاعدتين اللتين كتب عليهما اسمه.

ومما تجدر ملاحظته أن يوجد بوجه خاص من الأسرة الواحدة والعشرين عدد عظيم من أسماء الأعلام من طراز «زدتحو تيفعنخ» مؤلفة من فعل زد + اسم الإله وضمير + عنخ، ومعناه: «الإله كذا» يبرز كلمته وأنه يحيا؛ (أي حامل هذا الاسم).

ومن ثم نجد في منهاج جديد فلسفي أسري ما يقابل المسميات الجديدة في الأسماء المصرية، وقد كان المصري يكتفي حتى عهد الرعامسة أن يبرز في المعابد المصرية المبادئ السماوية؛ فالإله الرئيسي ينزل من السماء على الأرض ويتخذ صوره في مسكنه لأجل أن ينمو في المعبد «حيًّا» في صورة إله مجسَّم، ولكن لما كانت كل أعمال الخلق موجودة في الإنسان، فإنه قد ذهب في تصوره حتى جسَّم المعبد في صورة الإنسان، حيث كانت تحقق فيه وظائف السماء، ومن المؤكد أن كلمة الإله قد تقمصت الملك وموظفيه.

ولما كانت الطغراء تمثَّل رمزيًّا بحلقة تتألف من «حبل مصير الفرعون»؛ فإنه عمل هكذا ليحتوي على اسم «آمون رع» مميزًا بألقابه، كما يبرز فيه كذلك الدور الخاص لهذا الإله في عهد «زدتحو تيفعنخ».

وعلى ذلك فإن الآثار التي تركها لنا الموظفون الفرعونيون لا تقدم لنا بوجه خاص تاريخ حياتهم الحقيقي وحسب، بل تقدم لنا أكثر من ذلك التاريخ الرمزي للاسم الذي كان يحمله هؤلاء الموظفون على الآثار الخاصة بالعهد الذي عاشوا فيه؛ فأنسابهم توضح علاقات مبادئ التكون الملكي، فتقص علينا تاريخ تطور وقتٍ أكثرَ من تطور تاريخ أسرة.

فهذا الرأي الذي وضعه «فاري» أمامنا يعد من التخيلات الخصبة التي نقرأ أمثالها في القصص والخرافات التي لا ترتكز إلا على مجرد الأوهام المحبوكة السبك، فتجد منفذًا إلى عقول أولئك الأفراد الذين يريدون أن يفسروا كل مظاهر الحياة بأشياء رمزية ليس للحقائق العلمية البحتة فيها نصيب.

والواقع أن كل ما نفهمه من هذا المتن هو أن كهنة «آمون» كانوا قد سيطروا على عقول الشعب شيئًا فشيئًا منذ الأسرة الثامنة عشرة حتى نهاية الأسرة الثانية والعشرين، وقد انتهى بهم الأمر أن جعلوا القوم يعتقدون أن الإله «آمون رع» هو الحاكم الفعلي في «طيبة»، وأن الكاهن الأكبر إنْ هو إلا وزيره ومُنَفِّذ إرادته أحيانًا، أو بعبارة أخرى كان الكاهن هو القوة الكامنة وراء تمثاله أو تماثيل الإله التي توحي بالأحكام والفصل في القضايا وكل ما يتعلق بأمور الدولة. ولا غرابة في أن نجد طغراء الفرعون في «طيبة» قد حل محلها طغراء «آمون» بوصفه الفرعون الحقيقي، وأن الكهنة والموظفين كانوا ينظرون إليه بأنه هو الذي يوجههم في حكم البلاد وتدبير مصالحها سواء أكانت دينية أم دنيوية.

١  يظهر أن تواريخ هذا الكاهن الأعظم «أوسركون» تمتد فترة طويلة من الزمن؛ أي من السنة الحادية عشرة من عهد «تاكيلوت الثاني» حتى السنة الثامنة والعشرين من عهد «شيشنق الثالث»، فإذا كان «تاكيلوت» قد حكم على أقل تقدير خمسًا وعشرين سنة، فإن مدة هذه التواريخ تكون ١٥ + ٢٨ = ٤٣ سنة على الأقل. ونجد من جهة أخرى أن النقش رقم ١٧ من نقوش مرسى الكرنك يظهر لنا أن «أوسركون» كان لا يزال يشغل وظيفة كاهن أكبر في السنة التاسعة والثلاثين من حكم «شيشنق الثالث»، ولكن يظن «بريستد» أن مجموع السنين التي تولى فيها «أوسركون» منصب الكاهن الأكبر تبلغ أربعًا وخمسين سنة (راجع A. R. IV & 756)، ولكن الأثري «دارسي» (راجع Rec. Trav. XXXV p. 137) يعتقد أنه كان في مقدوره أن يبرهن أن حكم كل من «تاكيلوت الثاني» و«شيشنق الثالث» كان في وقت واحد، وأنهما لم يحكما متتابعين، وأن السنة الحادية عشرة من حكم «تاكيلوت الثاني» تقابل السنة الثانية والعشرين من حكم «شيشنق الثالث»، وعلى ذلك لا يكون «أوسركون» قد قام بأعباء وظيفة الكاهن الأكبر إلا من السنة الثانية والعشرين حتى السنة التاسعة والثلاثين من حكم «شيشنق»؛ أي مدة سبع عشرة سنة فقط، ولا تمتد تواريخ «أوسركون» في «الكرنك» إلا مدة ست سنوات؛ أي من السنة الثانية والعشرين حتى السنة الثامنة والعشرين من حكم «شيشنق الثالث» (راجع L. R. III p. 352 note 1).
٢  من المحتمل أن هذا الابن هو الوارث للعرش في «بوبسطة»، أو «أوسركون» الكاهن الأكبر.
٣  كان جنود الجيش يشتغلون في أعمال أخرى غير الحروب في كل عصور التاريخ المصرية.
٤  (راجع A. S., t. VIII p. 254–256; Corny, Late Ramesside letters. p. 59; & J. E. A Vol. 32 p. 28 Note 5).
٥  راجع A. S. T. L.
٦  راجع Varille, A., Denx Bases de Djedthotefankh a Karnak (1950) Le Caere.
٧  راجع Davies. The Tomb of Puymre T. I (1922) p. 27.
٨  راجع Davies, The Tomb of the Viztier Ramose 1941 p. 2. 3.
٩  راجع Varille, Dessertation sur une stele Pharaonique, Le Caire 1946, p. 4.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤