ملوك آخرون من هذا العهد لا نعرف مكانهم في سلسلة ملوك هذه الأسرة

ذكر الأثري «جوتييه» في كتابه عن ملوك مصر عدة ملوك حكموا في أثناء الأسرة الثالثة والعشرين؛ غير أنه لا يعرف مكان كل واحد منهم بالنسبة لملوك هذه الأسرة، وتدل شواهد الأحوال على أن هؤلاء الملوك كانوا يحملون لقب الملك فعلًا؛ غير أن كلًّا منهم كان لا يحكم إلا على جزء صغير من البلاد لا تزيد مساحته أحيانًا عن مساحة مقاطعة من مقاطعات القطر. والظاهر أن كلًّا منهم قد أخذ يستولي على جزء من البلاد ويستقل به عن بيت الملك في عهد الأسرتين: الثانية والعشرين، والثالثة والعشرين اللتين كانتا معاصرتين، وقد ظهر هذا التمزق في وحدة البلاد في الوجه البحري ومصر الوسطى بخاصة، وسنرى بعدُ أن «بيعنخي» عند دخوله مصر أخذ يُخضع هؤلاء الملوك الصغار واحدًا فواحدًا تحت حكمه، وأعاد وحدة البلاد ثانية ولكن لنفسه، ومن هؤلاء الملوك الصغار:

الملك «نفر كارع بف نيف (؟) دو باست»

نفر كارع بف نف دو باستت
وُجد اسم هذا الملك على تمثال صغير من الذهب للإله «حرشف»، وقد عُثر عليه في «أهناسية المدينة» (راجع Ehnasya (1905) Pl. 1 Frontispice & p. 18, Petrie, Hist. III p. 271 fig. 110) وهذا التمثال محفوظ في يونيفرستي كولدج بلندن، ويَعُدُّ «جتري» خطأً هذا الملك أنه والد الملك «رود آمون». ولكنه في الواقع هو زوج ابنة الملك «رود آمون» كما بيَّنَّا ذلك في قائمة نسب «رود آمون» [راجع الأسرة الثالثة والعشرين الملك رود آمون].
وذُكر اسمه كذلك على لوح من خشب تابوت محفوظ بمتحف «برلين»، وقد ذكرنا ذلك من قبل أيضًا. يضاف إلى ذلك أن اسمه جاء على لوحة الفرعون «بيعنخي» (راجع Legrain, Rec. Trav. XXXI. p. 9)، ولا نزاع في أن وجود اسم هذا الفرعون على تمثال الإله «حرشف» إله «أهناسية المدينة» لم يدع أي مجال للشك في توحيد هذا الاسم مع اسم الملك الذي يدعى على لوحة «بيعنخي» «حاكم أهناسية المدينة» «بفنفدو باست».

الملك «خبر خع رع نفر خع-تحو تمحات»

خبر خع رع نفر خع تحو تمحات
ذُكر اسم هذا الملك على تمثال كاهن يدعى «تانحسرت» اشتُرِيَ من «الأقصر» وهو محفوظ الآن بالمتحف المصري (راجع A. S 10 p. 101).
وأهمية هذا التمثال أنه كُتِبَ على كتفيه المتن التالي:
  • على الكتف اليمنى: «قدم إنعامًا من ملك الوجه القبلي والوجه البحري «خبر خع رع نفر خع» محبوب «تحوت» رب الأشمونين.»
  • وعلى الكتف اليسرى: ابن رع «تحو تمحات» المحبوب من الذي في الأشمونين.
وهذا الفرعون في الواقع لم يُعرف اسمه من قبل، وقد سهل معرفة العصر الذي عُمِلَ فيه هذا التمثال من النقوش التي كتبت عليه على الرغم من أنها ليست كاملة؛ لأن التمثال نفسه لم يوجد منه إلا الجزء الأعلى (راجع Legrain Cat. Gen. III no. 42212 Pl. XXI p. 32).

والنقوش التي على التمثال تشمل ستة أسطر على ظهره، ومنها عرفنا جزءًا من الاسم الذي تتألف منه سلسلة نسب «نختفموت» الذي تحدثنا عنه من قبل [راجع الأسرة الرابعة والعشرين «العبرانيون»].

وبقرن نقوش هذا التمثال بالنقوش التي جاءت على تمثال الكاهن «زد خنسو فعنخ» الذي عاش في عهد الملكين «أوسركون بن إزيس» (الثالث) و«تاكيلوت الثالث» أمكننا أن نكمل جزءًا كبيرًا من المتن الناقص المهشَّم في تمثال «تانحسرت».

وهاك الترجمة:

كاهن «آمون الكرنك»، والكاهن الأكبر في معبد «تحوت»، والكاتب ومنظم معبد «تحوت» … «لتحوت»، وحامل رمز العدالة «ثانحسرت» ابن الكاهن الرابع (لآمون الكرنك «حورسا إزيس» ابن الكاهن الرابع «لآمون الكرنك»، وحامل الخاتم) «نختفموت» بن «زد خنسو فعنخ» (بن «نسبر ننوب» بن «خنسو محف» بن «بادو خنسو») ابن الكاهن والد الإله «لآمون» «مري-وسر-خنسو» بن («بانفرخع» بن «تمحتب» بن «نسر آمون» بن «ثانفر») بن «باحمنتر» بن «وسر حاتمس» (بن «شبن»، وأمه هي «؟» أهداه له ابنه ليحيا اسمه) كاهن «تحوت» في معبد «الكرنك» (المسمى) «حت أبت حب» الرئيس والمنظم لمعبد «تحوت» … (؟) وبعد ذلك تستمر نقوش «زد خنسو فعنخ»: «وأن الواحد منهم هو ابن الآخر في هذا البيت من آباء لآباء على حسب الزمن وعلى حسب الملوك.» وبعد ذلك يأتي اسم الأم والإهداء.

ويلاحَظ أن «لجران» في بحثه هذا قد وضع «تانحسرت» في سلسلة النسب التي استخلصها حفيدًا «لنختفموت»، وفي الوقت نفسه يقول: إنه من المحتمل أن يكون الحفيد الثاني؛ أي ابن «زد خنسو فعنخ»، وهو الذي كان بدوره كاهنًا رابعًا «لآمون».

ويقول «لجران»: إنه في استطاعته أن يقول: إن المهدى إليه التمثال أي: «تانحسرت» يُنسب من جهة والده إلى الملك «حورسا إزيس»، ومن جهة أمه إلى الملكين: «تاكيلوت الثالث» و«أوسركون الثالث»، وإن مجاله في سلك الكهنة كان مخصصًا لعبادة «تحوت» الذي كان لا بد له معبد صغير في «الكرنك» على غرار معبد الإله «بتاح» والآلهة الآخرين الذين يتألف منهم «التاسوع»، وهم الذين يأكلون على مائدة الإله العظيم «آمون رع» كأنهم أتباعه. ولا بد أن هذا المعبد يوجد في جهة ما «بالكرنك»؛ لأنه ورد ذكره في نقوش معاصرة كما ذكر له كهنة.

ويلاحَظ أن «لجران» قد أرخى لنفسه العنان في الخيال، فخمن بعض الأنساب التي ليس لها وجود إلا في المتن الثاني الذي قَرَنَّا به المتن الذي جاء على تمثال «تانحسرت»؛ ولذلك فهو لا يرتكز على أساس متين.١

ويلاحَظ أن هذا التمثال قد مُثِّل قاعدًا القرفصاء ملفوفًا في عباءة، ويداه مبسوطتان على ركبتيه، ووجهه مستدير ومرتسم عليه ابتسامة، وعيناه مفتوحتان، وحاجباه متقن صنعهما، وله عثنون. والدعاء الذي يتضرع به نُقِشَ على ذيل عباءته وقد جاء فيه: «يأيها الكهنة والكهنة المطهرون الذين يدخلون المعبد التابع للأشمونين وكهنة الشهر …» (باقي المتن مهشَّم).

والظاهر — على حسب المتون الأخرى التي من هذا النوع — أنه كان يطلب من هؤلاء الكهنة أن يزينوا تمثاله بالأزهار، وأن يتوسطوا عند الإله لأجل أن يكون في استطاعة روحه أن يتغذى كل يوم من الأطعمة التي على المائدة الإلهية.

وخلاصة القول أن في استطاعتنا — على الرغم من قلة ما لدينا من آثار عن هذا الملك — أن نعده ملكًا من أولئك الملوك الصغار الذين سبقوا عهد الفتح الإثيوبي، بل يحتمل كثيرًا أنه واحد من صغار ملوك الجنوب الذين قهرهم «بيعنخي» في زحفه على الوجه القبلي، كما ذَكَرَ لنا هذا الفاتح في لوحته العظيمة.

وعلى أية حال، فإن تمثال هذا الكاهن الذي نحن بصدده يحمل لنا وثيقة جديدة عن العصر الذي سبق الفتح الإثيوبي، وهو العصر الذي كان فيه زعماء البلاد وهم أصحاب الإقطاعيات العظام تحت سلطان الفراعنة، ثم أعلنوا استقلالهم كلٌّ في إقليمه، واتخذ كل منهم لنفسه ألقاب الملك؛ مما جعل تمييز الملوك الحقيقيين للبلاد أمرًا مستحيلًا لدرجة أنه لما جاء الفتح الإثيوبي لم نعرف على وجه التحديد من كان ملك مصر الحقيقي.

الملك «نمروت»

نمروت
وُجد اسم هذا الملك على لوحة «بيعنخي» (راجع Urkunden Der Alt. Athiop. p. 1–56)، وهذا الملك سيجيء الحديث عنه في لوحة «بيعنخي»، وقد كان من جراء اتحاده مع «تفنخت» السايسي السبب النهائي في غزو «بيعنخي» لمصر الوسطى، ومن المحتمل أنه كان مثل «تحو تمحات» أميرًا للأشمونين، وهذا ما يفهم من لوحة «بيعنخي» كما سنرى بعد، وقد ظهرت زوجة «نس-فننت مح» (؟) على لوحة «بيعنخي» مواجهة له وتسبق زوجها وهي من دم ملكي؛ لأنها كانت تلقب الابنة الملكية.

الملك «أوبوت»

أوبوت
ظهر اسم هذا الملك على لوحة «بيعنخي» في المنظر الأعلى وفي الأسطر (١٨ و٩٩ و١١٤) من المتن. ويقول «جوتييه»: إنه لا يعتقد أن هذا الملك — الذي كان يقطن غرب الدلتا ويدعى «أوبوت» صاحب الإقطاعيتين «تنت رمو» و«ثاعان» — هو نفس الملك «أوبوت» الذي وجدت له نقوش على مرسى «الكرنك» معاصرة للملك «بدو باستت الأول» (راجع L. R. III p. 402 note 3)، وهاتان الإقطاعيتان لا يُعرَف مكانهما على وجه التحديد (راجع Dict. Geog. T. 6. p. 6).

الملك وسر نتر رع ستبن رع شيشنق (الخامس)

وسر نتر رع ستبن رع شيشنق آمون حقا نترواست
وُجدَ اسم هذا الفرعون في طغراءين من البرنز يعلو كلًّا منهما قرص الشمس (راجع Petrie, Hist. of Egypt. III. p. 271 fig. III)، و«شيشنق» هذا يختلف عن أربعة الملوك الذين سموا بهذا الاسم في عهد الأسرة الثانية والعشرين؛ غير أن «بتري» يعتقد أنه كان ملكًا صغيرًا على «بوصير» دون أن يحدد لنا أي «بوصير» يقصد. وليس لدينا أي دليل لأنْ ننسب إليه الدرع التي نشرها «بريس دافن» و«ولكنسن» (راجع Petrie, Hist. III p. 271 fig. III) كما يقول «بتري»؛ إذ هي في الواقع للملك «شيشنق الأول»، وكذلك لا ينسب إليه التمثال الصغير الذي وجد في «بوبسطة»، وقد كُتِبَ عليه الأمير العظيم «شيشنق»، والظاهر أنه لم يكن قط ملكًا (راجع Maspero, A. Z. XXII p. 93).

الملك «من خبر رع-رع مني»

من خبر رع رع مني
وُجِدَ لهذا الفرعون لوحة محفوظة الآن بمتحف اللوفر (C. 100) (راجع Wiedemann, Aegyp. Gesch. p. 588 note 3)، وهذا الملك لم يكن ترتيبه بصفة محددة، وقد ظن البعض أنه ملك يدعى «بيعنخي» دون أي سبب معقول (راجع Br. A. R. IV p. 481 note c)، وقد برهنت الكشوف الحديثة والبحوث على أنه لم يوجد غير ملك واحد يدعى «بيعنخي» (راجع A. Z, 66 p. 94 & 95 Bull. M. F. A. 19 p. 34-35 The Temple of Kawa I. The Inscriptions. p. 119)، وكذلك وجد اسمه على قطعة حجر من إناء من المرمر وجدت في «الكرنك»، وهي محفوظة بالمتحف المصري (راجع Mariette, Karnak Pl. 45 b; Bissing Catalogue General Steingefasse no. 18498 p. 100).
ومن المحتمل أن هذا الملك كان أحد صغار الأمراء المحليين في الوجه البحري أو مصر الوسطى من الذين عاصروا آخر ملوك «بوبسطة» أو «الملوك الأُوَل» من الإثيوبيين؛ غير أنه ليس لدينا أي دليل في أن نضع إمارته في «هرموبوليس» (الأشمونين) كما يدعي «بتري» (راجع Petrie, Hist. III p. 293; & L. R. III p. 404 no. 2).
ويوجد في «كابينة دي ميدلي بباريس» لوحة من الحجر من الطراز المصري الفينيقي عليها اسمه (راجع De Vogne Bull. Archeol. De L’athenoeum Francais 1855 p. 141 Lepsuis Konigsbuch no. 796).
ويوجد نقش الطغراءين على جعران عُثِرَ عليه في «قفط»، وآخر في متحف القاهرة، وثالث في مجموعة «بتري» (راجع L. R. III p. 405 note 1).
وعُثِرَ في «ميت رهينة» على أسطوانة من حجر الشيست نقش عليها لقب هذا الملك «من خبر رع» (راجع Chassinat, Bull. De L’Insti. T. VIII p. 145).

وقد قرأ الأستاذ «شاسينا» «رع مني» على الطغراء الثانية لهذا الفرعون، ومع ذلك فإنه وحَّده مع «بيعنخي» دون إعطاء سبب لذلك.

ولدينا أسماء أمراء وملوك آخرين يحتمل أنهم من هذا العصر، وقد يطول الكلام في ذكر أسمائهم.

١  إذ نجده قد اقترح أن يكون «زد خنسو فعنخ» والدًا لصاحب تمثالنا «تانحسرت» بدلًا من «حورسا إزيس»، وبذلك أمكنه أن يوفق سلسلة النسب التي وضعها لأسرة «تانحسرت».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤