فراعنة الأسرة الثانية والعشرين

كان فراعنة الأسرة الثانية والعشرين يُسَمَّوْن على رأي «مانيتون» ملوك «بوباسطة»، في حين أن مؤرخي اليونان كانوا ينعتونهم فراعنة «تانيس» (راجع Ungar chronologie des Manetho p. 232). ومن الصعب أن يقرر الإنسان على وجه التأكيد أين كانت عاصمة الملك في زمنهم، وأين كان مقرهم في معظم الوقت، وإن كانت الكشوف الحديثة قد أثبتت أن ما كُشِفَ من مدافنهم حتى الآن موجود في «تانيس» (صان الحجر). ولا نزاع في أننا وجدنا آثارًا لهؤلاء الملوك في طول البلاد وعرضها، هذا بالإضافة إلى أن الجزء الأعظم منها عُثِرَ عليه في الوجه البحري؛ مما يدل على أن نفوذهم كان في شمال البلاد أعظم منه في جنوبها. وقد دلت الكشوف التي قام بها كلٌّ من الأثَرِيَّيْنِ؛ «ليجران» و«دارسي» على أنه أصبح في مقدورنا أن نميز عصرين ظاهرين ظهورًا واضحًا في تاريخ الأسرة الثانية والعشرين، فنجد أولًا: من بداية حكم «شيشنق الأول» حتى حكم «أوسركون الثاني» أن سلسلة الفراعنة كانت متصلة، وأن مصر في هذه الفترة كانت مملكة موحدة، فكان الوجه القبلي والوجه البحري موحدين توحيدًا قويًّا تحت صولجان واحد، وثانيًا: نلحظ أنه منذ حكم الفرعون «أوسركون الثاني» أخذ أمراء «الدلتا» الصغار ينسبون لأنفسهم صفات الملك وألقابه، وقد ساعد على ذلك ضعف الحكومة المركزية؛ مما أدى في نهاية الأمر إلى تأليف نوع من الإقطاع في الدلتا، كان معظم أمرائه يعترفون في بادئ الأمر بسيادة «أوسركون الثاني» عليهم وكذلك بأخلافه الشرعيين.

هذا، ويلاحَظ أنه منذ عهد «أوسركون الثاني» أخذت السلطة في البلاد تنقسم قسمين كما كانت الحال في عهد الأسرة الواحدة والعشرين عندما كان الكهنة العظام مستقلِّين بمقاليد الحكم في «طيبة» تمام الاستقلال من الوجهة الدينية والإدارية، في حين كان ملك مصر في تانيس يسيطر على الوجه البحري فقط، وإن كان يعد في الظاهر ملكًا لمصر عامة؛ شماليها وجنوبيها، وقد ظل هذا الانقسام باقيًا حتى الاحتلال الأثيوبي.

وبعد ذلك قامت في طيبة أسرة حقيقية مناهضة للأسرة الحاكمة، وهذه الأسرة هي التي يسميها «مانيتون» الأسرة الثالثة والعشرين، وقد جعل مقرها «طيبة»، ومن ثم نفهم أن الأسرتين؛ الثانية والعشرين، والثالثة والعشرين كانتا تحكمان في وقت واحد جنبًا لجنب، فواحدة كانت تحكم في الشمال، والأخرى كانت تحكم في الجنوب. وتدل شواهد الأحوال على أنهما كانتا من نسل واحد، ولم يمضِ طويل زمن حتى نشأت أسرة أخرى جديدة في «سايس» (صان الحالية)، وهي الأسرة الرابعة والعشرون على حسب رأي «مانيتون»، ومؤسسها الفرعون «بكنرف» الذي أطلق عليه اليونان اسم «بوكاريس» المشهور.

وقد استمر تمزيق شمل البلاد منذ ذلك الوقت دون انقطاع إلى أن أفضى إلى حكم البلاد بأكثر من اثني عشر مَلِكًا قسموا البلاد فيما بينهم حوالي عام ٨٦٠ق.م، ونعرف جزءًا كبيرًا من هذه الممالك الصغيرة، غير أننا لا نزال عاجزين حتى الآن عن تحديد مواقعها كلها. وعلى أية حال، فإن هذه الدويلات لم يمتد أجلها أمدًا طويلًا؛ إذ انتهز الأثيوبيون (الكوشيون) تلك الفوضى التي سادت البلاد وغزوا كل وادي النيل واستولوا عليه عَنْوَة، وأعادوا النظام في البلاد ولكن لمصلحتهم الشخصية، وليس لدينا مصادر وثيقة عن هذا العصر خاصَّةٌ بمدة حكم كل ملك أكثر مما ذكره «مانيتون»، وبعض مصادر أخرى جديدة، ولكن يمكن أن نحكم أن المدة التي انقضت بين تولِّي الفرعون «شيشنق الأول» — وهو أول ملوك الأسرة الثانية والعشرين — وتولِّي الملك «شبكا» — أول ملوك الأسرة الخامسة والعشرين — هي حوالي مائتين وخمسٍ وعشرين سنة تقريبًا على حسب ما جاء من توافق في التواريخ بين مصر والأمم المجاورة لها، ومن المحتمل أن آخر ملوك الأسرة الثانية والعشرين كان لا يزال على عرش الملك في مصر عند غزو الأثيوبيين لها، وأن الأسرة الخامسة والعشرين قد حلت مباشرة محل الأسرة الثانية والعشرين في مصر العليا التي كان يحكمها رؤساء كهنة «آمون»، في حين أنها حلت محل الأسرتين؛ الثالثة والعشرين، والرابعة والعشرين في الدلتا، وهذا هو رأي «بريستد» (راجع Br. A. R. IV p. 693) الذي دافع عنه عندما قدَّر مدة حكم الأسرة الثانية والعشرين بما يقرب من مائتين إلى مائتين وثلاثين سنة، ولكن الظاهر أن ملوك الأسرة الثالثة والعشرين هم الذين كانوا يحكمون في «طيبة» كما سنرى بعد.

وعلى أية حال، فإن تولي ملوك الأسرة الثانية والعشرين عرش الكنانة قد جاء في أحوال يحوطها الغموض والإبهام؛ إذ لا نعلم شيئًا قط محددًا عن نهاية الأسرة الواحدة والعشرين، ولعل الكشوف المقبلة تُميط اللثام عن هذا الموضوع.

ولما كانت الأسرة الثانية والعشرون قد حكمت البلاد مدة قصيرة منفردة، ثم اشترك معها بعد هذه المدة الأسرة الثالثة والعشرون، ثم الأسرة الرابعة والعشرون، وكانت كل أسرة تحكم في جهة خاصة، فإنَّا سنحاول هنا أن نضع قائمة بملوك كل أسرة من هذه الأسر الثلاث فيها موازنة بقدر ما يسمح به ما لدينا من معلومات عن هؤلاء الملوك ومدة حكم كل واحد منهم، ويلاحَظ أن علماء الآثار لم يستقروا حتى الآن على رأي قاطع بالنسبة لمدة حكم كل ملك من هؤلاء الملوك. هذا، وسنُلْحِق بهذه القائمة رؤساء الكهنة الذين كانوا يحكمون في طيبة في خلال تلك الأسر؛ لما لهم من أهمية بالغة في حكم البلاد؛ إذ كانوا يُعَدُّون بمثابة ملوك مستقلين في جنوب البلاد في عاصمتهم «طيبة» المقر الديني العظيم.

ملوك الأسرة ٢٢ الكهنة العظام
عدد السنين
مانيتون آثار
شيشنق الأول ٢١ ٢١ + س ٩٥٠ق.م إلى ٩٢٩ق.م أوبوت
أوسركون الأول ١٥ ٣٦ + س ٩٢٩ إلى ٨٩٣ شيشنق
تاكيلوت الأول ٢٣ + س ٨٩٣ إلى ٨٧٠ حورسا أزيس (١)
أوسركون الثاني ٢٣ + س ٨٧٠ إلى ٨٤٧ نمروت؛ حورنخت
شيشنق الثاني
تاكيلوت الثاني ١٣ ٢٥ + س ٨٤٧ إلى ٨٢٣ أوسركون
شيشنق الثالث ٥٢ ٨٢٣ إلى ٧٧٢ حورسا أزيس (٢) أوسركون
بامي … ٦ ٧٧٢ إلى ٧٦٧ تاكيلوت
شيشنق الخامس ٣٧ + س ٧٦٧ إلى ٧٣٠ أورات
سمندس
ملوك الأسرة ٢٣ ملوك الأسرة ٢٤ ملوك الأسرة ٢٥
عدد السنين عدد السنين عدد السنين
مانيتون آثار مانيتون آثار مانيتون آثار
بدوباست ٤٠ ٢٣ + س ٨١٧
٧٦٣؟
شيشنق (٤) ٦ + س ٧٦٣؟
٧٥٧؟
أوسركون (٣) ٩ ٦ + س ٧٥٧؟ بيعنخي ٢١ ٧٥١
٧٤٨؟ ٧١٦
تاكيلوت الثالث ٧٤٨ إلى ٧٣٠ تفنخت ١٠ ٧٣٠
٧٢٠
آمون رود بكنرف (نوكاريس) ٦ ٦ ٧٢٠
٧١٥
أوسركون (٤)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤