الفصل الأول

ما الأسلحة النووية؟

في عام ١٩٥١ أشرفت إدارة الدفاع المدني الفيدرالية الأمريكية — حديثة العهد في ذلك الوقت — على إنتاج فيلم يعلِّم الأطفال كيفية الاستجابة حال وقوع هجوم نووي. كانت النتيجة هي فيلم «اخفض رأسك واختبئ»؛ وهو فيلم مدته تسع دقائق عُرِض في مدارس الولايات المتحدة خلال عَقد الخمسينيات وما بعده. كانت شخصية الفيلم الرئيسية شخصية كارتونية تُسمَّى «بيرت السلحفاة»، وكانت تتسم بأنها «يقظة للغاية وتعلم جيدًا ما يجب فعله: أن تخفض رأسها وتختبئ». وما إن ينبعث صوت صفارة الإنذار أو الضوء الساطع المشير لوقوع هجوم نووي، كانت شخصية بيرت السلحفاة تخفي جسدها على الفور داخل ترسها. بدا الأمر بسيطًا، وأحب الكل تلك السلحفاة.

أدَّتْ مبادرات أخرى لإدارة الدفاع المدني في أوائل الخمسينيات إلى إنشاء «نظام إذاعة الطوارئ»، ومخازن الطعام، وصفوف الدفاع المدني، ومخابئ القنابل الخاصة والحكومية. أشرفت إدارة الدفاع المدني أيضًا على إنتاج أفلام أخرى عن الدفاع المدني، لكن فيلم «اخفض رأسك واختبئ» صار أشهر أفلام هذا النوع. بل إنه في عام ٢٠٠٤ أدرجت مكتبة الكونجرس هذا الفيلم ضمن «سجل الأفلام الوطنية» للأفلام ذات الأهمية «الثقافية أو التاريخية أو الجمالية»، وهو شرف يتقاسمه هذا الفيلم مع أفلام سينمائية أخرى من الكلاسيكيات؛ مثل: فيلم «مولد أمة»، و«كازابلانكا»، و«قائمة شندلر». وحين أعود بذاكرتي إلى المرة الأولى التي رأيت فيها فيلم «اخفض رأسك واختبئ» — في أوائل خمسينيات القرن العشرين — إبان دراستي بالمدرسة الابتدائية في الجانب الشمالي من شيكاجو — ثالث كبرى المدن الأمريكية والهدف النووي الافتراضي لوقت طويل — أُدْرِك بطبيعة الحال أن فيلم السلحفاة بيرت ليس ذا أهمية ثقافية أو تاريخية أو جمالية بقدر ما هو مرتبط بأغراض دعائية. فحال وقوع هجوم نووي، لن يعرف أطفال المدارس الأمريكان ما أصابهم.

علم الأسلحة النووية

الطاقة الذرية هي مصدر الطاقة لكل من المفاعلات النووية والأسلحة النووية. وهذه الطاقة تنشأ عن انقسام الذرات (الانشطار الذري) أو اتحادها (الاندماج النووي). ولِفَهْم مصدر هذه الطاقة علينا أولًا تقدير البنية المعقدة للذرة نفسها.

الذرة هي أصغر جزء من العنصر يحمل الخصائص المميزة لهذا العنصر. وقد نَمَتْ معرفتنا عن الذرة ببطء فيما قبل العقد الأول من القرن العشرين، ثم تحقَّق أحد الفتوح الأولى على يد سير إرنست رذرفورد في عام ١٩١١ حين أثبت أن كتلة الذرة متركزة في نواتها، وافترض أيضًا أن للنواة شحنة موجبة، وأنها محاطة بإلكترونات سالبة الشحنة. بعدها بعدة سنوات استُكمِلَتْ هذه النظرية الخاصة بالتركيب الذري على يد الفيزيائي الدنماركي نيلز بور، الذي عيَّن موضع الإلكترونات في أغلفة أو مستويات كمية محددة. وبهذا تكون الذرة عبارة عن تركيبة معقدة من الإلكترونات سالبة الشحنة موجودة في أغلفة محددة حول نواة موجبة الشحنة. والنواة — بدورها — تحتوي على القدر الأكبر من كتلة الذرة، وهي تتألف من بروتونات ونيوترونات (خلا ذرة عنصر الهيدروجين الشائع وجوده، التي تحتوي على بروتون وحيد وحسب). وجميع الذرات لها الحجم عَيْنُه تقريبًا.

fig1
شكل ١-١: تتكون الذرة من إلكترونات وبروتونات ونيوترونات. تؤلف البروتونات والنيوترونات نواة الذرة الكثيفة فيما تتجمع الإلكترونات فيما يشبه سحابة متناثرة تحيط بالنواة.

علاوة على ذلك، تتبع الإلكترونات سالبة الشحنة نمطًا عشوائيًّا داخل أغلفة الطاقة المحددة الموجودة حول النواة. وأغلب خواص الذرة مبنيَّة على عدد الإلكترونات الموجودة بها وترتيبها. البروتون هو أحد نوعَي الجسيمات الموجودَيْنِ داخل نواة الذرة، وهو جسيم موجب الشحنة. للبروتون شحنة مكافئة في مقدارها — لكنها معاكسة — لشحنة الإلكترون السالبة، وعدد البروتونات داخل نواة الذرة هو ما يُحدِّد نوع العنصر الكيميائي الذي تنتمي له الذرة. الجسيم الآخر الموجود داخل النواة هو النيوترون. وقد اكتُشِف النيوترون على يد الفيزيائي البريطاني سير جيمس شادويك عام ١٩٣٢، وهو متعادل الشحنة الكهربية ويملك كتلة مساوية لكتلة البروتون. ونظرًا لأن النيوترون عديم الشحنة فإنه لا يتنافر مع شحنة سحابة الإلكترونات أو شحنة النواة، وهو ما يجعل منه أداة مفيدة لاستكشاف بنية الذرة. للبروتونات والنيوترونات المنفردة بنية داخلية، مكونة من جسيمات تُسمَّى الكواركات، بيد أن هذه الجسيمات دون الذرية لا يمكن تحريرها ودراستها على نحو مستقل.

من الخصائص الأساسية للذرة عددها الذري، وهو يتحدد وفق عدد ما تحويه الذرة من بروتونات. تتحدد الخصائص الكيميائية للذرة بواسطة عددها الذري، أما العدد الإجمالي لما يُسمَّى النيوكليونات (البروتونات والنيوترونات) داخل الذرة فيُسمَّى عدد الكتلة الذري. والذرات التي تشترك في العدد الذري عَيْنِه، لكنها تتباين من حيث عدد النيوترونات — ومن ثم تتباين من حيث عدد الكتلة الذري — تُسمَّى نظائر. وللنظائر خصائص كيميائية متطابقة، بيد أن لها خصائص نووية مختلفة. على سبيل المثال، هناك ثلاثة نظائر للهيدروجين؛ اثنان منها مستقران (غير مُشِعَّين)، لكن النظير الثالث (التريتيوم الذي يتألف من بروتون واحد واثنين من النيوترونات) غير مستقر. أغلب العناصر لها نظائر مستقرة، ومن الممكن معالجة النظائر المشعة للعديد من العناصر. ونواة عنصر اليورانيوم ٢٣٥ تتألف من ٩٢ بروتونًا و١٤٣ نيوترونًا (٩٢ + ١٤٣ = ٢٣٥)؛ ومن هنا جاءت التسمية «يورانيوم ٢٣٥».

تقل كتلة النواة بنحو ١ في المائة عن مجموع كُتَل البروتونات والنيوترونات المؤلفة لها. وهذا الفارق في الكتلة يُسمَّى «نقص الكتلة»، وهو ينشأ عن الطاقة المنبعثة عند اتحاد النيوكليونات (البروتونات والنيوترونات) معًا لتكوين النواة. هذه الطاقة تُسمَّى «طاقة الارتباط»، وهي بدورها تُحدِّد أي النوى مستقر ومقدار الطاقة المنبعث في التفاعل النووي. للنوى الثقيلة جدًّا والنوى الخفيفة جدًّا طاقات ارتباط منخفضة، وهذا يعني أن النواة الثقيلة ستبعث طاقة عندما تنقسم (الانشطار النووي)، وأن النواتين الخفيفتين ستبعثان طاقة عندما تتحدان (الاندماج النووي). وتربط معادلة أينشتاين الشهيرة (الطاقة = الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء) بين نقص الكتلة وطاقة الارتباط.

عام ١٩٠٥ طوَّر أينشتاين نظرية النسبية الخاصة، وكانت إحدى تبعاتها أنه بالإمكان تحويل المادة إلى طاقة والعكس بالعكس. وتنصُّ هذه المعادلة على أنه بالإمكان تحويل الكتلة إلى مقدار هائل من الطاقة، وذلك بعد ضربها في مربع سرعة الضوء. ولأن سرعة الضوء كبيرة للغاية (١٨٦ ألف ميل في الثانية) فإن مربع سرعة الضوء رَقْم كبير جدًّا؛ ومن ثم يمكن تحويل أي مقدار يسيرٍ من الكتلة إلى مقدار هائل من الطاقة. إن معادلة أينشتاين هي مفتاح قوة الأسلحة النووية والمفاعلات النووية. استُخدِم تفاعل الانشطار النووي في أول قنبلة ذرية ولا يزال يُستخدَم في المفاعلات النووية، أما تفاعل الاندماج النووي فقد صار يلعب دورًا مهمًّا في الأسلحة النووية الحرارية وفي تطوير المفاعلات النووية.

ما الأهمية العملية للأسلحة النووية إذن؟ وفيمَ تختلف عما سبقها من أسلحة؟ إن الفارق الجوهري بين السلاح النووي والسلاح التقليدي — ببساطة — هو أن الانفجار النووي يمكن أن يكون أعتى بآلاف (أو ملايين) المرات من أكبر الانفجارات التقليدية. بطبيعة الحال يعتمد النوعان كلاهما على القوة المدمرة للانفجار أو موجة الصدمة، إلا أن الحرارة التي يصل إليها الانفجار النووي أعلى بكثير من نظيرتها الناتجة عن الانفجار التقليدي، ونسبة كبيرة من الطاقة الناتجة عن الانفجار النووي تنبعث على صورة ضوء وحرارة، وعادة ما يُشار إليها بالطاقة الحرارية. هذه الحرارة قادرة على التسبب في حروق جلدية شديدة وعلى إشعال النيران في مساحات واسعة. بل في الواقع، الضرر الناجم عن العاصفة النارية التي يُحْدِثها الانفجار النووي يمكن أن يكون أشدَّ دمارًا من تأثيرات الانفجارات التقليدية المعروفة.

الانفجارات النووية تكون مصحوبة أيضًا بغبار ذرِّي مُشِعٍّ، يدوم بضع ثوانٍ، ويظل يمثِّل خطرًا عبر فترة ممتدة من الزمن، قد تصل إلى أعوام. وفي الواقع، تتفرد الانفجارات النووية بأنها الوحيدة التي تطلق إشعاعًا. فنحو ٨٥ بالمائة من الانفجارات النووية تُنتِج انفجارًا هوائيًّا (وصدمة) وطاقة حرارية، أما نسبة اﻟ ١٥ بالمائة المتبقية من طاقة الانفجار فتنبعث على صورة أنواع مختلفة من الإشعاع، منها ٥ في المائة تمثِّل الإشعاع النووي المبدئي — ذلك الإشعاع الذي ينتج في غضون دقيقة أو نحو ذلك من وقوع الانفجار — الذي يتكوَّن في أغلبه من إشعاع جاما قوي. أما نسبة اﻟ ١٠ بالمائة المتبقية من طاقة الانشطار فتمثِّل الإشعاع النووي المتبقي (أو المتأخر). وهذا يرجع بالأساس إلى النشاط الإشعاعي الذي تتسم به منتجات الانشطار النووي الموجودة في بقايا السلاح النووي، أو الحطام، وإلى الغبار الذري المتخلِّف عن الانفجار.

وعلى قدر مساوٍ من الأهمية هناك الطاقة الانفجارية التي ينتجها السلاح النووي، وعادة ما تُقاس بمسمى «قوة الانفجار». وقوة الانفجار تتحدد من حيث كمية المتفجرات التقليدية، أو مادة تي إن تي، التي من شأنها أن تُولِّد القَدْرَ عَيْنَه من الطاقة لدى انفجارها. وعلى هذا فإن السلاح النووي بقوة ١ كيلوطن هو ذلك السلاح الذي يُنتِج نفس مقدار الطاقة التي ينتجها انفجار ألف طن من مادة تي إن تي، وبالمثل، السلاح النووي بقوة ١ ميجاطن له طاقة مساوية لانفجار مليون طن من مادة تي إن تي.

إن القنبلة الذرية القائمة على عنصر اليورانيوم التي دمَّرَتْ مدينة هيروشيما في أغسطس ١٩٤٥ — وكانت طاقتها ناتجة عن انقسام (انشطار) الذرات — بلغَتْ قوَّتُها التفجيرية ٢٠ ألف طن من مادة تي إن تي، أما القنبلة النووية الحرارية — أو الهيدروجينية — التي اختُبرت بواسطة الولايات المتحدة في المحيط الهادي في أكتوبر ١٩٥٢ — وكانت طاقتها ناتجة عن اتحاد (اندماج) الذرات — فقد بلغت قوَّتها التفجيرية نحو ٧ ميجاطن؛ أي ما يعادل ٧ ملايين طن من مادة تي إن تي، إلى جانب إنتاج غبار ذري مُشِعٍّ قاتل من أشعة جاما. أجرى الاتحاد السوفييتي تجربة لقنبلة نووية حرارية مماثلة في أغسطس ١٩٥٣، وهو ما دفع قوتَي الحرب الباردة العظميين نحو سباق نووي مميت استمر حتى أفول الاتحاد السوفييتي في ديسمبر ١٩٩١.

لكن للأسف لم تَعْنِ النهايةُ السلمية للحرب الباردة نهايةَ التهديدات النووية للأمن العالمي. وهنا نقتبس ما قاله توني بلير رئيس الوزراء البريطاني في معرض دفاعه عن خطط الحكومة لتحديث منظومة الأسلحة النووية «ترايدنت» واستبدالها (انظر الفصل السابع): «هناك أيضًا تهديد جديد قد يسبب خطرًا كبيرًا آتيًا من دول مثل كوريا الشمالية التي تزعم بالفعل أنها طوَّرَتْ أسلحة نووية، أو إيران التي تخرق التزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي.» ناهيك عن «الصلة المحتملة بين هذه الدول والإرهاب الدولي». وإذا أضفنا إلى هذا المنظماتِ الإرهابيةَ غير المحدودة بدولة معينة؛ التي تسعى للحصول على وسائل للقتل الجماعي، وشبكات السوق السوداء من الموردين المارقين المستعدِّين للإتجار في المواد والخبرات الفنية التي تُفضي إلى الأسلحة النووية، فستكون الصورة أكثر وضوحًا. ومن الممكن أن يتجسَّد الكابوس الناتج عن التعرض لتبعات التفجير النووي الإنسانية واللوجستية وتلك المتعلقة بحفظ القانون والنظام على نحو مؤثر غير متوقع، في أي مدينة كبرى، بحيث تتضاءل إلى جواره أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

سيناريو مدينة نيويورك

على سبيل المثال، من الممكن لسلاح نووي صغير — قنبلة ذات قوة تفجيرية في حدود ١٥٠ كيلوطنًّا — صنعه إرهابيون وفجَّروه في قلب مانهاتن، أسفل مبنى الإمباير ستيت في ظهيرة يوم ربيعي صافٍ، أن يكون له تبعات كارثية. فبنهاية الثانية الأولى من الانفجار، ستتسبب موجة الصدمة في تغيُّر مفاجئ في الضغط الجوي المحيط مقداره ٢٠ رطلًا لكل بوصة مربعة عبر مسافة قَدْرها أربعة أعشار الميل من نقطة الانفجار، وتُدمِّر المعالم البارزة العظيمة لمانهاتن، مثل مبنى الإمباير ستيت، وقاعة ماديسون سكوير جاردن، ومحطة بين رود سنترال ستيشن، ومكتبة نيويورك التي لا نظير لها. أغلب المادة التي تتألف منها تلك المعالم ستظل موجودة وتتراكم حتى ارتفاع مئات الأقدام في مكانها، لكن لا شيء داخل هذه الحلقة سيكون من الممكن تمييزه. الأشخاص الواقعون خارج دائرة الانفجار سيكونون معرضين للتأثيرات الكاملة للانفجار، بما فيها من تَلَف حادٍّ بالرئة والأذن، علاوة على التعرض للحطام المتطاير. أما الأشخاص الواقعون في المدى المباشر للانفجار فسيتعرضون للموجة الحرارية ويُقتَلون على الفور، بينما سيموت أولئك المُحْتَمون من بعض تأثيرات الانفجار والحرارة جرَّاءَ انهيار المباني فوقهم؛ وتقريبًا سيموت ٧٥ ألف شخص من أبناء نيويورك بهذه الطُّرُق. وخلال الثواني الخمس عشرة التالية سيمتد الانفجار والعاصفة النارية حتى مسافة أربعة أميال تقريبًا؛ ما سيتسبَّب في مقتل ٧٥٠ ألف شخص آخرين إلى جانب إصابة نحو ٩٠٠ ألف غيرهم. وما هذه إلا بداية المتاعب وحَسْب لمدينة نيويورك.

ستكون مهمة الاعتناء بالمصابين خارجة عن نطاق قدرة المؤسسة الطبية على الاستجابة تمامًا، بل ربما تكون خارج نطاق تَصَوُّرها من الأساس. فجميع مستشفيات مانهاتن الكبرى، عدا واحدة، تقع داخل منطقة الانفجار وستكون مدمرة بالكامل. وليس هناك ما يكفي من الأسرَّة المتاحة في كل أنحاء نيويورك ونيوجيرسي لاستقبال حتى أكثر حالات الإصابة خطورة. إن عدد الأسرَّة الموجودة في مراكز الحروق في الدولة بأكملها لا يزيد عن ٣ آلاف سرير، وسيموت الآلاف من نقص الرعاية الطبية. في الوقت ذاته، سيكون السواد الأعظم من نيويورك دون كهرباء أو غاز أو مياه أو صرف صحي. ستكون عمليات نقل المصابين وإحضار ما هو ضروري من مؤن وأشخاص ومعدات عسيرة للغاية، وسيصير مئات الآلاف من أبناء نيويورك دون مأوى، وستواجه مهمة أفراد الطوارئ في المناطق التي تظل مشعة على نحو خطير مشكلاتٍ قد يكون من المستحيل تخطِّيها.

سيتسبَّب الانفجار الإرهابي في مقدار من الغبار الذري المشع أكبر من المقدار الذي يمكن أن ينجم عن انفجار لم تمس خلاله كرة النار الأرض؛ وسبب هذا هو أن الانفجار السطحي يُنتِج جسيمات مشعة من الأرض علاوة على تلك الآتية من السلاح النووي نفسه. سيتساقط الغبار الذري المبكر على الأرض حسب اتجاه الريح السائد، مشكِّلًا أنماطًا بيضاوية الشكل تمتدُّ من نقطة الانفجار وصولًا إلى لونج آيلاند. ولأن الرياح ستكون خفيفة نسبيًّا، سيكون الغبار الذري متركزًا في منطقة مانهاتن، شرقي الانفجار مباشرة. سيعاني الآلاف من أبناء نيويورك من التأثيرات الخطيرة للإشعاع، بما في ذلك تلف الكروموسومات وتدمير نخاع العظام والأمعاء، والنزيف. سيموت الكثيرون جراء هذه الإصابات خلال الأيام والأسابيع التالية على الانفجار. وكل شخص ناجٍ من الانفجار من المنتظر بنسبة ٢٠ بالمائة أن يموت جراء أي نوع من أنواع السرطان، علاوة على احتمالية قدرها ٨٠ بالمائة أن يموت جراء أسباب أخرى كمرض القلب أو العدوى. وسيأتي التأثير الذي سيعاني منه الجيل التالي في صورة أمراض وراثية وعيوب خلقية.

في يناير ٢٠٠٧ حرَّك العلماء المشرفون على «ساعة يوم القيامة» عقارب الساعة بمقدار دقيقتين نحو منتصف الليل، الرمز النهائي لفناء الحضارة. فقد حرك القائمون على مجلة «نشرة علماء الذرة» — وهي المجلة التي استحدثت هذه الساعة في عام ١٩٤٧ من أجل التحذير من مخاطر الأسلحة النووية — الساعةَ حتى خمس دقائق قبل منتصف الليل. وقالت مجموعة علماء الذرة في بيان لها: «إننا نقف على شفا عصر نووي ثانٍ.» مشيرة إلى أولى تجارب كوريا الشمالية للسلاح النووي في ٢٠٠٦، وطموحات إيران النووية، وتجارب أمريكا على القنابل «المخترقة للمخابئ النووية المحصنة»، والأسلحة النووية التي تمتلكها الدول الأعضاء في النادي النووي، والبالغ عددها ٢٧ ألف سلاح نووي. ذكَّرنا هؤلاء العلماء أيضًا بأن ٥٠ سلاحًا نوويًّا فقط من الأسلحة الموجودة اليوم يمكن أن تقتل ما يصل إلى ٢٠٠ مليون شخص.

منذ أن ضُبِطَتْ عقارب ساعة يوم القيامة لدى إنشائها عام ١٩٤٧ على سبع دقائق قبل منتصف الليل جرى تحريك هذه العقارب ثماني عشرة مرة. ومما لا يثير الدهشة أن أقرب موضع لهذه العقارب لمنتصف الليل النووي — دقيقتان قبل منتصف الليل — كان في أوائل عام ١٩٥٣، في أعقاب الاختبار الأمريكي الناجح للقنبلة الهيدروجينية المسماة «مايك»؛ ذلك الاختبار الذي تسبَّبَ في محو الجزيرة التي فُجِّرَتْ عليها القنبلة من الخريطة. كان ذلك تقريبًا هو الوقت الذي شاهدت فيه لأول مرة شخصية بيرت السلحفاة وتحذيرها القاتم «اخفض رأسك واختبئ». ولم يتغير الكثير منذ ذلك الوقت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤