ذكرى لقاء

قد انتصف الليل، فاطوِ الكتاب
عن الريح والشمعةِ الخابية
فعيناكَ لا تقرآن السطور
ولكنَّها العلةِ الواهية
فأنتَ تَرَى مُقلتَيها هُناك
وذكرى من الليلة الماضية
فتطوِي على رُكبتيك الكتاب
وتَرْنُو إلى الأنجُم النائية

•••

هنا أنتَ بين الضياء الضئيل
وبين الدُّجَى في الفضاء الرحيب
وكمْ من مصابيح تَفنَى هُناك
تُنير الثَّرى والفراغَ الرهيب
مصابيح كانت تذوب
وتنحلُّ في شَعرها
خُطانا ولون الغروب
وما ضاع من عِطرها
وتُلقي على ذكريات الشتاء
ستارًا من الأدمُع الراجفة
فتخبو مصابيحهن البعاد
بطيئًا كما تبرُد العاطفة
كما افترقَتْ يومَ حانَ الرحيل
يدٌ صافحتها يدٌ واجفة
كرجع الخُطَى في الطريقِ البعيد
كما انحلَّت الرغبة الخائفة

•••

وتُصغي ولا شيء إلا السكون
وإلا خُطَى الحارس المُتعَبِ
وإلا ارتعاش الضياء الضئيل
وخفقُ الظلالِ على المَكتَب
وأسفارك البالية
كأشباحُ موتى تسير
حَيارَى إلى الهاوية
— وحُلم ادكارٍ قصير —
وتنسابُ مثل الشراعِ الكئيب
وراء الدُّجَى رُوحك الشاردة
ترى وجهها كالتماعِ النجوم
وتطويه عنك اليد الماردة
إلى أن يذوب الضبابُ الثقيل
وتنهارَ ألوانُه الجامدة
فها أنتَ ذا تستعيد اللقاء
كما عادَت الجُثَّة الباردة

•••

وتمتدُّ يُمناك نحو الكتاب
كمن يَنشُد السلوة الضائعة
فتبكي مع العبقري المريض
وقد خاطبَ النجمةَ الساطعة:
تمنيتُ يا كوكبُ
ثباتًا كهذا، أنام
على صدرها في الظلام
وأفنى كما تغربُ
ويَغشى رُؤاك الضياءُ القديم
بطيئًا، كما سارتِ القافلة
تَرَى البابَ مثل انعكاس المَغِيب
على صفحةِ الجدولِ الناحلة
ويَغشى رؤاك الضياءُ القديم
يُنيرُ لك الغرفةَ الآفلة
ويَغشَى رُؤاكَ الضياء القديم
فيا لانتفاضتِك الهائلة!

•••

تَرَى الباب ألقى عليه الأصيلُ
ظِلالًا من الكرمة العارية
فما كان غيرُ اعتناقٍ طويل
عصَرنا به القوة الباقية
وألقيتُ عبء السنين
ورأسي، على صدرها
فشدَّتْ عليه اليمين
وأدنَتْهُ من ثغرها …
وأيقنتُ أن الحياة؛ الحياة
— بغيرِ الهوى — قصةٌ فاترة
وأني بغير التي ألهبَتْ
خيالِي بأنفاسها العاطرة
شريدٌ يَشُقُّ ازدحام الرجال
وتَخنُقه الأعيُن الساخرة

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤