في القرية الظلماء

١

الكوكب الوسنان يُطفئ ناره خلف التلال،
والجدول الهدَّار يُسبره الظلام
إلَّا وميضًا، لا يزال
يطفو ويرسب مثل عينٍ لا تنام،
ألقَى به النجم البعيد
يا قلب ما لكَ، لستَ تهدأُ ساعة؟ ماذا تريد؟
النجم غاب وسوف يُشرِقُ من جديدٍ، بعد حين،
والجدول الهدَّار هَينَم ثم نام،
أمَّا الغرام، دع التشوُّق يا فؤادي والحنين!

٢

أأظلُّ أذكرها … وتنساني؟
وأبيتُ في شِبه احتضار، وهي تنعم بالرُّقاد؟
شعَّتْ عيونُ حبيبها الثاني
في ناظرَيها المُسبَلَيْن على الرؤى، أمَّا فؤادي
فيظل يهمسُ، في ضلوعي،
باسم التي خانت هواي … يظل يهمس في خشوع.
إني سأغفو … بعد حينٍ سوف أحلُم في البحار:
هاتيك أضواء المرافئ وهي تلمعُ من بعيد …
تلك المرافئ في انتظار …
تتحرَّقُ الأضواء فيها … مثلَ أصداءٍ تبيد.

٣

القرية الظلماء خاوية المعابر والدروب،
تتجاوب الأصداء فيها مثل أيام الخريف
جوفاء … في بطءٍ تذوب،
واستيقظ الموتى … هناك على التلال، على التلال
الريح تُعوِل في الحقول، ويُنصِتون إلى الحفيف.
يتطلَّعُون إلى الهلال
في آخر الليل الثقيل … ويرجعون إلى القبور
يتساءلون متى النشور!
والآن تُقرَع في المدينة ساعة البرج الوحيد.
لكنني في القرية الظلماء … في الغابِ البعيد.

٤

دعها تُحِبُّ سواي، تقضي في ذراعَيه النهار
وتراهُ في الأحلام يعبس أو يُحَدِّثُ عن هواه،
فغدًا سيهوِي ساعداه
مثل الجليد، على خطوطٍ باهتات، في إطار،
وعلى الرفوف الشاحبات رسائل
عادت تلفُّ، على نسيج العنكبوت، بها الوعود
والريح تهمس: لن يعود،
ويُلَوِّنُ المرآة ظِلٌّ من سِرَاجٍ ذابل،
وحِيالَه امرأةٌ تُحَدِّقُ في كتاب
بالٍ، وتبسُمُ في اكتئاب.

٥

الكوكب الوسنان يُطفئ ناره خلف التلال.
والجدول الهدَّار يُسبره الظلام
إلا وميضًا، لا يزال
يطفو ويرسب مثل عينٍ لا تنام؛
ألقى به النجم البعيد.
يا قلبُ، مالك في اكتئابٍ، لستَ تعرف ما تُريد؟!
٢٠ / ٦ / ١٩٤٨

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤