رئة تتمزق

الداءُ يُثلِجُ راحتيَّ
ويُطفِئ الغد في خيالي
ويشلُّ أنفاسي، ويُطْـ
ـلِقها كأنفاسِ الذبالِ
تهتزُّ في رئتَين ير
قُص فيهما شبَح الزَّوالِ
مشدودتَين إلى ظلا
مِ القبر بالدَّمِ والسُّعالِ

•••

وا حسرَتاه؟! كذا أمو
تُ؟ كما يجفُّ ندى الصباحِ؟
ما كاد يلمع بين أفْـ
ـوَافِ الزنابق والأقاحِي
فتضوعُ أنفاسُ الربيـ
ـعِ تهزُّ أفياءَ الدوالي
حتى تلاشَى في الهوا
ءِ كأنه خَفقُ الجناحِ!

•••

كم ليلةٍ ناديتُ باسْـ
ـمِكَ أيها الموت الرهيبُ
ووددتُ لا طلع الشرو
قُ عليَّ إن مال الغروبُ
بالأمس كنتُ أرى دُجا
ك أحبَّ من خفَقات آلِ
راقصن آمال الظِّما
ءِ فبلَّها الدمُ واللهيبُ!

•••

بالأمس كنتُ أصيح: خذ
ني في الظلام إلى ذراعِك
واعبر بيَ الأحقاب يَطْـ
ـوِيهِن ظِلٌّ من شراعِك
خُذني إلى كهفٍ تُهوِّ
مُ حوله رِيحُ الشمالِ
نامَ الزمانُ على الزما
نِ، به، وذابا في شعاعِك

•••

كان الهوى وهمًا يُعذِّ
بُني الحنينُ إلى لقائِه
ساءلتُ عنه الأمنيا
تِ، وبِتُّ أحلُم بارتمائه
زهرًا ونورًا في فرا
غٍ من شكاةٍ وابتهالِ
في ظُلمةٍ بين الأضا
لِعِ تَشرئِبُّ إلى ضيائِه

•••

واليوم حبَّبت الحيا
ةَ إليَّ وابتسم الزمانُ
في ثغرِها، وطفا على
أهدابها الغدُ والحنانُ
سمراء تلتفت النخيـ
ـل الساهمات إلى الرمالِ
في لونها … وتفرُّ وَرْ
قاءٌ ويأرج أقحُوانُ

•••

شَعَّ الهوى في ناظرَيْـ
ـها فاحتواني واحتواها
وارتاحَ صدري، وهو يخْـ
ـفِقُ باللحون، على شذاها
فغفوتُ أستَرِقُ الرؤى
والشاعرية مِن رؤاها
وأغيبُ في الدفءِ المعطَّـ
ـرِ كالغمامةِ في نَداها

•••

عينانِ سوداوانِ أصْـ
ـفَى من أماسيِّ اللقاءِ
وأَحَبُّ من نجمِ الصَّبا
حِ إلى المراعي والرِّعاءِ
تتلألآن عن الرجا
ء كلَيلةٍ تُخفي دُجاها
فجرًا يُلوِّنُ بالندى
دَربَ الربيع، وبالضياءِ

•••

سمراءُ يا نجمًا تألَّـ
ـقَ في مسائي … أبغِضِيني
واقسِي عليَّ ولا تَرِقِّـ
ـي للشكاة وعذِّبيني
خلِّي احتقارًا في العُيو
نِ، وقطِّبي تلك الشفاهَا
فالداءُ في صدري تحفَّـ
ـزَ لافتراسِكِ في عيوني!

•••

يا موت يا رَبَّ المَخَا
وِفِ والدياميسِ الضريرَة
اليوم تأتي؟! مَن دعا
كَ؟ ومن أرادكَ أن تزورَه؟
أنا ما دعوتُكَ أيُّها الْـ
ـقَاسي فتَحرمَني هواهَا
دعني أعيشُ على ابتسا
مَتِها وإن كانت قصيرَة

•••

لا! سوف أَحيَا سوف أشْـ
ـقَى، سوف تُمهلني طويلَا
لن تُطفِئ المصباح لَـ
ـكِنْ سوف تُحرقه فتيلَا
في ليلة في ليلتَيْـ
ـنِ سيلتقي آهًا فآهَا
حتى يفيضَ سَنَى النها
رِ فيُغرِق النور الضئيلَا!

•••

يا للنهاية حين تُسْـ
ـدل هذه الرئة الأكيلُ
بين السعال، على الدما
ءِ، فيُختمُ الفصلُ الطويلُ
والحفرة السوداء تفْـ
ـغرُ، بانطفاء النور، فاهَا
إني أخافُ أخافُ مِن
شَبحٍ تُخبِّئه الفصولُ!
وغدًا إذا ارتجَفَ الشتا
ءُ على ابتساماتِ الربيعِ
وانحلَّ كالظلِّ الهزيـ
ـلِ وذاب كاللحن السريعِ
وتفتَّحَتْ بين السنا
بِلِ، وهي تحلُم بالقطيعِ
والناي زَنْبَقَةٌ، مَدَدْ
تُ يدي إليها في خشوعِ

•••

وهوَيتُ أنشقها فتصْـ
ـعَد كلما صَعِد العبيرُ
مِن صدريَ المهدوم حشْـ
ـرَجةً فتحترق العطورُ
تحت الشفاهِ الراعشا
تِ ويُطفأُ الحقلُ النضيرُ
شيئًا فشيئًا في عُيُو
ني ثم يَنفلِت الأسيرُ!
١٩٤٨

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤