لَيَالِي مِصْرَ

أَمَا وَلَيَالِي الْبَدْرِ فِي الْخَمْسِ وَالْعَشْرِ
تَمِيسُ بِهَا الْغَادَاتُ خَصْرًا إِلَى خَصْرِ
وَعِفَّةِ بَثْنٍ١ إِذْ تُنَاجِي جَمِيلَهَا
بِرَائِقِ لَفْظٍ دُونَهُ رِقَّةُ الْخَمْرِ
وَلَيْلٍ سَرَى الْعُشَّاقُ فِي ظُلُمَاتِهِ
وَقَدِ ثَمِلُوا مِنْ عَذْبِ مِبْسَمِهَا الدُّرِّي
وَصَوْلَةِ نَابُلْيُونَ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى
وَحِكْمَةِ لُقْمَانٍ وَأَيْدِي ذَوِي الْبِرِّ
وَمَثْوَى كِرَامٍ أَيْنَعَتْ فِي ظِلَالِهِمْ
ثِمَارُ النَّدَى إِنَّ اللَّيَالِيَ فِي مِصْرِ
لَأَزْهَى مِنَ الزُّهْرِ٢ الْمُنِيرَةِ إِنَّمَا
بِمَا فَوْقَ تِلْكَ الْقُبَّعَاتِ مِنَ الزَّهْرِ
أَزَاهِرُ تَحْكِي وَهْيَ بَيْنَ غُصُونِهَا
خُدُودَ ظِبَاءٍ لُحْنَ فِي الْحُلَلِ الْخُضْرِ
أَجَلْتُ بِهِنَّ الطَّرْفَ لَيْلًا فَخِلْتُنِي
وَأَسْتَغْفِرُ الرَّحْمَنَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
لَيَالٍ حَوَتْ مِنْ كُلِّ غَادٍ لِغَادَةٍ
هِيَ الشَّمْسُ لَوْلَا هَالَةٌ مِنْ دُجَى الشَّعْرِ
إِذَا مَا أَرَتْنَا السِّحْرَ مِنْ لَحَظَاتِهَا
سَقَتْنَا حُمَيَّا الْحُبِّ مِنْ ذَلِكَ السِّحْرِ
وَإِنْ هِيَ مَالَتْ فَالْقُلُوبُ لِحُسْنِهَا
تَمِيلُ وَإِنْ لَامَتْ فَمَا لَكَ مِنْ عُذْرِ
وَمِنْ كُلِّ حَسْنَاءَ انْثَنَتْ لِحَبِيبِهَا
فَكَانَتْ وَإِيَّاهُ كَحَرْفَيْنِ فِي سَطْرِ
وَكَانَتْ وَكَانَتْ مَا لَنَا وَلِعَذْلِهَا
فَمَا هِيَ إِلَّا لُعْبَةٌ فِي يَدِ الْفَقْرِ
تُنَاجِي فَتَاهَا لَا لِمَيْلٍ وَإِنَّمَا
لِمَالٍ بِهِ تَنْجُو الْفَتَاةُ مِنَ الْعُسْرِ
وَتَنْظِمُ مِن آيِ الْغَرَامِ بِقَدْرِ مَا
سَتَنْثُرُ كَفَّاهُ مِنَ الْبِيضِ وَالصُّفْرِ
وَتَبْسِمُ حَتَّى لَا تَرَى غَيْرَ بَاسِمٍ
وَتَبْكِي وَلَكِنْ دَمْعُهَا فِي الْحَشَا يَجْرِي
لَقَدْ لَامَكِ الْفِتْيَانُ جَهْرًا وَحَبَّذَا
هُوَ اللَّوْمُ لَوْلَا مَيْلُهُم لَكِ فِي السِّرِّ
فَهُمْ أَفْسَدُوا بِالْمَالِ قَلْبَكِ إِذْ غَدَوْا
وَقَدْ عَوَّضُوا مِنْكِ الْفُؤَادَ وَلَمْ تَدْرِي
وَلَمْ يَكْتَفُوا حَتَّى انْثَنَوْا وَطِلَابُهُمْ
لَعَمْرُ الْهَوَى مَا لَيْسَ يَجْمُلُ بِالْحُرِّ
فَكُنْتِ لَهُمْ طَوْعَ الْبَنَانِ وَمَنْ يَذُقْ
مِنَ الدَّهْرِ كَاسَ الْفَقْرِ يَخْشَ رَدَى الدَّهْرِ
عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ أَنْصَفُوا أَجْزَلُوا لَكِ الْـ
ـعَطَاءَ وَلَا دَيْنٌ عَلَيْكِ سِوَى الشُّكْرِ
وَسُرُّوا بِأَنْ زَانُوا بِبِيضِ أَكُفِّهِمْ
بَيَاضَ التُّقَى لَا سَوَّدُوا جَبْهَةَ الطُّهْرِ
وَكُنْتِ وَكَانُوا فِي ائْتِلَافٍ يَزِينُهُ
عَفَافٌ كَثَغْرٍ زَانَهُ مَا عَلَى الثَّغْرِ
وَرُحْتِ إِذَا مَا لُحْتِ يَوْمًا لِعَاشِقٍ
صَفَا وِدُّهُ نَادَاكِ يَا رَبَّةَ الْخِدْرِ
وَلَوْ أَنَّ لُقْيَا الْقَبْرِ دُونَ لِقَا ثَرَى
حِمَاكِ انْثَنَى شَوْقًا إِلَى ذَلِكِ الْقَبْرِ
فَحَسْبُكِ بَلْ حَسْبُ الْمُحِبِّينَ أَنَّهُمْ
إِذَا عَشِقُوا مَاتُوا أَسًى فِي الْهَوَى الْعُذْرِي
١  بثينة عشيقة جميل.
٢  الكواكب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤