بَيْنَ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ

تَوَلَّى الصِّبَا بَيْنَ لَهْوٍ وَحُبْ
زَمَانٌ بِهِ كَمْ يُعَانِي الْمُحِبْ
أَحَبَّ فَأَخْلَصَ فِي حُبِّهِ
فَمَاتَ شَهِيدَ هَوَى مَنْ أَحَبْ
فَهَلْ تَتَلَاقَى رُوحَاهُمَا
إِذَا غَابَ جِسْمَاهُمَا فِي التُّرَبْ
وَهَلْ يَشْكُوَانِ مَا صَادَفَاهُ
إِلَى اللهِ مِنْ لَوْعَةٍ أَوْ نَصَبْ
وَهَلْ يَلْتَقِي الْعَاشِقَانِ وَلَا صَدَّ
يَفْصِلُ رُوحَيْهِمَا أَوْ سَبَبْ
وَتَنْعَمُ رُوحُ الْمُحِبِّ بِرُوحِ الْـ
ـحَبِيبِ تَجَلَّتْ وَرَاءَ الْحُجُبْ
وَيَشْكُو الْخَلِيلُ إِلَى خِلِّهِ
وَيَعْتِبُ لَوْ كَانَ يُجْدِي الْعَتَبْ
يُرَدِّدُ ذِكْرَى حَيَاةِ الصِّبَا
تَوَلَّتْ وَلَمْ تَرْوِ غُلَّةَ صَبْ
وَفِي عَالَمِ الْخُلْدِ مَا مِنْ رَقِيبٍ
وَلَا عَاذِلٍ فِي الْحِمَى يَرْتَقِبْ
فَلَا عَجَبٌ أَنْ يَعُمَّ الصَّفَاءُ
بِدَارِ الْبَقَاءِ إِذَنْ لَا عَجَبْ
أَلَيْسَ هُنَالِكَ تَصْفُو الْقُلُوبُ
وَتَحْيَا الضِّمَائرُ فِي ظِلِّ رَبْ
وَيَخْشَى الْحَسُودُ شَرَّ الْحَسَدْ
فَيَحْتَقِرَ الْمَالَ وَالْحَسَبْ
وَيَبْرَأَ مِنْ حِقْدِهِ حَاقِدٌ
يَرَى حِقْدَهُ سَيِّئَ الْمُنْقَلَبْ
وَيَعْدِلَ عَنْ ظُلْمِهِ ظَالِمٌ
يَرَى الْعَدْلَ خَيْرَ مِثَالٍ يُحَبْ
وَيُقْلِعُ عَنْ حُبِّ ذَاتٍ وَزَهْوٍ
وَشَرِّ خِصَالٍ لَا تُسْتَحَبْ
وَيَعْلَمَ أَنَّ الْحَيَاةَ كَجِسْرٍ
وَحُسْنَ اجْتِيَازِهِ عِزُّ الطَّلَبْ
فَمَنْ لَمْ يُحَاذِرْ عِنْدَ اجْتِيَازِ
جِسْرِ الْحَيَاةِ فَقَدْ يَنْقَلِبْ
وَيَغْرَقُ فِي الْيَمِّ مَا مِنْ مُغِيثٍ
وَمَا الْيَمُّ إِلَّا سَعِيرُ اللَّهَبْ
فَلَا تَنْخَدِعْ بِحِسَانِ الْغَوَانِي
فَقَدْ يَسْلُبُ الدَّهْرُ حُسْنًا وَهَبْ
فَإِنَّ الْجَمَالَ رَبِيعُ الْحَيَاةِ
يَمُرُّ سِرَاعًا مُرُورَ السُّحُبْ
وَيَأْتِي الْخَرِيفُ فَتَذْرِي غُصُونُ الـ
ـنَّقَا فَتَنَتْ فِي الصِّبَا كُلَّ صَبْ
وَمَا ذَهَبُ الْكَوْنِ مُسْتَرْجِعٌ
إِلَى ذَاتِ خِدْرٍ جَمَالًا ذَهَبْ
وَأَفْضَلُ مِنْهُ جَمَالُ النُّفُوسِ
يَدُومُ إِذَا مَا تَوَالَتْ حِقَبْ
فَمَنْ فَاتَهُ مَنْ سَمَتْ رُوحُهَا
فَمِنْ رُوحِهَا رُوحُهُ تَقْتَرِبْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤