صَرِيعُ الْكَأْسِ

هَيْفَاءُ مَا إِنْ عَادَهَا طَيْفُ الْهَوَى
حَتَّى غَدَتْ طَيْفًا أَرَقَّ مِنَ الْهَوَا
عَبَثَتْ بِهَا أَيْدِي النُّحُولِ فَشَابَهَتْ
بِنُحُولِهَا ظَبْيًا وَبِاللُّطْفِ الدُّمَى
لَمْ يَجْنِ ذَاكَ سِوَى زِيَارَةِ جِيرَةٍ
زَارَتْ بِهَا الْأَشْجَانُ مِنْ لَحْظَيْ فَتَى
شَجَنٌ تَضَمَّنَهُ الْغَرَامُ فَلَمْ يَعُدْ
مِنْ كَشْفِهِ بُدٌّ وَفِي الْكَتْمِ الضَّنَى

•••

وَكَأَنَّ ذَيَّاكَ الْفَتَى لَمَّا رَأَى
مِنْهَا الشُّجُونَ عَرَاهُ مِنْهَا مَا عَرَا
فَأَتَى مُطِيعًا لِلْغَرَامِ وَإِنَّهُ
قَاضٍ لَهُ الْأَقْدَارُ تَعْنُو وَالْقَضَا
وَأَبَاحَهَا الْوَجْدُ الْحَدِيثَ وَمَا دَرَى
أَنَّ الْفَتَاةَ تُحِبُّهُ فِيمَا مَضَى
فَدَنَتْ وَقَدْ صَبَغَ الْحَيَاءُ جَمَالَهَا
وَرْدًا وَقَالَتْ مَا عَسَانِي أَنْ أَرَى
أَمَلِيكَ قَلْبِي أَنْـ… فَقَالَ مُقَاطِعًا:
لَا بَلْ أَسِيرُ جَمَالِكِ الْبَاهِي السَّنَا
فَالْحُبُّ لَا يَحْلُو لِأَرْبَابِ الْهَوَى
حَتَّى يُرَافِقَهُ التَّذَلُّلُ وَالْعَنَا

•••

وَمَضَى وَإِذْ شَاءَ الْغَرَامُ تَعَاهَدَا
حِفْظًا لِأَسْرَارِ الصَّبَابَةِ وَالْوَلَا
وَغَدَتْ تَضُمُّهُمَا الزِّيَارَةُ حَيْثُ لَا
وَاشٍ يَلُومُهُمَا عَلَى نَشْرِ الْهَوَى

•••

وَأَتَتْ حَبِيبَتُهُ الْغَدَاةَ فَرَاقَهَا
مَا آنَسَتْ فِي وَجْهِ ذَيَّاكَ الْفَتَى
نَظَرَتْ بِخَدَّيْهِ احْمِرَارًا وَهْيَ مِنْ
نَارِ الْهَوَى صَفْرَاءُ لَا تَدْرِي الْكَرَى
فَتَبَسَّمَتْ فَرَحًا وَخَالَتْ نَفْسَهَا
طَيْفًا لَدَيْهِ فَهَاجَ طَرْفَيْهَا الْبُكَا
قَالَتْ تُسَائِلُهُ بِدَمْعٍ لَمْ تَكُنْ
تَخْفَى خَفَايَاهُ عَلَى أَهْلِ النُّهَى
فَرَنَا إِلَيْهَا قَائِلًا كُفِّي الْبُكَا
بِاللهِ وَابْدِي لِي حَقِيقَةَ مَا اخْتَفَى
قَالَتْ حَبِيبِي مُذْ رَأَيْتُكَ بَاسِمًا
تَزْهُو عَلَى خَدَّيْكَ أَزْهَارُ الصِّبَا
وَرَأَيْتُنِي، وَأَنَا حَبِيبَتُكَ الَّتِي …
شَجْوَى أَكَادُ أَذُوبُ مِنْ حَرِّ الْجَوَى
أَصْبَحْتُ بَيْنَ الْإِبْتِهَاجِ لِغُصْنِكَ الـ
ـزَّاهِي وَبَيْنَ الْإنْزِعَاجِ مِنَ الضَّنَى

•••

فَدَنَا فَتَاهَا قَائِلًا لَا تَجْزَعِي
مَا دَامَ هَذَا الدَّاءُ يَشْفِيهِ الدَّوَا
دَاءٌ كَبَحْتُ جِمَاحَهُ بَتَرَشُّفِي
كَأْسَ الْمُدَامَةِ دَائِمًا قَبْلَ الْغَدَا
هَذَا، وَرَاحَ حَبِيبُهَا ثُمَّ انْثَنَى
تَغْشَى أَنَامِلُ كَفِّهِ كَأْسَ الطِّلَى
وَدَنَا إِلَيْهَا بَاسِمًا فَتَبَسَّمَتْ
عَنْ دُرِّ مِبْسَمِهَا الْمُوَرَّدِ بِالْحَيَا
ثُمَّ انْثَنَتْ نَحْوَ الْمُدَامِ كَذِي ضَنًى
أَشْفَى فَصَارَ يَهِيمُ فِي طَلَبِ الشِّفَا
وَتَرَشَّفَتْ مِنْهَا الْقَلِيلَ فَرَاقَهَا
مَا شَاقَهَا مِنْ عَذْبِ ذَيَّاكَ اللَّمَى
وَرَأَتْ بِأَنَّ الرَّاحَ تَعْقُبُ رَاحَةً
لِلْقَلْبِ فَارْتَاحَتْ إِلَى دَفْعِ الْأَذَى
وَصَبَتْ إِلَى رَشْفِ الْكُئُوسِ وَقَدْ كَسَا
رِيقُ الْمُدَامَةِ خَدَّهَا لَوْنَ الدِّمَا
هَذَا وَقَلْبُ حَبِيبِهَا مِنْ فَرْحَةٍ
أَضْحَى يُرَفْرِفُ رَاقِصًا بَيْنَ الْحَشَا

•••

حَتَّى إِذَا أَزِفَ الرَّحِيلُ وَأَظْلَمَتْ
شَمْسُ اللِّقَا صَرْعَى بِأَسْيَافِ النَّوَى
رَاحَتْ تُوَدِّعُهُ فَأَوْدَعَ قَلْبَهَا
مَا أَوْدَعَتْ فِي قَلْبِهِ نَارَ الْهَوَى
وَثَنَتْ غُصَيْنَ قَوَامِهَا نَحْوَ الْحِمَى
تَرْنُو وَلَكِنْ مِثْلَمَا تَرْنُو الْمَهَا
وَسَرَى النَّسِيمُ مُصَافِحًا صَفَحَاتِ خَدَّ
يْهَا وَقَدْ نَدِيَتْ بِأَنْفَاسِ النَّدَى
فَعَرَا سَنَاهَا الْإِصْفِرَارُ وَصَدْغَهَا
دَاءُ الدُّوَارِ وَقَلْبَهَا الدَّامِي الضَّنَى
وَغَدَتْ عَلَى مَهْدِ السِّقَامِ عَلِيلَةً
مَا بَيْنَ دَاءَيْنِ الْمُدَامَةِ وَالْجَوَى

•••

وَإِذِ انْقَضَى دَاءُ الْمُدَامَةِ وَانْتَضَى
سَيْفَ الْبِعَادِ بِكَفِّهِ دَاعِي الشَّقَا
جَاءَ الْحَبِيبُ مُوَدِّعًا لَا يَرْتَجِي
بَعْدَ النَّوَى عَنْهَا سِوَى قُرْبِ اللِّقَا
مَدَّتْ وَمَدَّ يَدَ الصَّبَابَةِ وَالنَّوَى
قَالَتْ وَقَالَ بَكَتْ وَمَا يُجْدِي الْبُكَا

•••

حَتَّى إِذَا طَالَ الْفِرَاقُ وَشَاقَهَا
حُلْوُ التَّلَاقِ وَرَاعَ أَحْشَاهَا الْأَسَى
وَافَى كِتَابُ حَبِيبِهَا فَجَرَتْ لِتَأْ
خُذَهُ وَلَكِنْ لَيْسَ تَدْرِي مَا جَرَى
وَتَلَتْ وَلَكِنْ مَا يَرُوعُ فُؤَادَهَا
لَا مَا يُسَاعِدُهُ عَلَى دَفْعِ الْبَلَا
عَلِمَتْ بِأَنَّ حَبِيبَهَا أَضْحَى عَلَى
مَهْدِ الضَّنَا تَنْتَابُهُ أَيْدِي الْفَنَا
فَمَضَتْ إِلَيْهِ وَدَمْعُهَا يَجْرِي دَمًا
وَدَنَتْ بِقَلْبٍ خَافِقٍ خَفْقَ اللِّوَا
هَذَا وَلَمْ تَدْرِي بِأَنَّ حَبِيبَهَا
يَقْضِي صَرِيعَ الْكَأْسِ فِي ذَاكَ الْمَسَا
كَأْسٌ حَدَتْهُ إِلَى كُئُوسٍ حَيْثُ لَمْ
يَرْدَعْ هَوَاهُ وَكَمْ فَتًى أَرْدَى الْهَوَى

•••

فَرَأَتْ مَلِيكَ فُؤَادِهَا يَحْكِي الْهَوَا
رَسْمًا وَلَا يُبْدِي حِرَاكًا كَالْهَوَا
فَدَنَتْ مِنَ الْآسِي وَقَدْ غَلَبَ الْأَسَى
تَرْجُو شِفَاهُ حَيْثُ لَا يُرْجَى الشِّفَا
وَإِذَا بِهَا سَمِعَتْ نِدَاءَ حَبِيبِهَا
فَاتَتْهُ وَهْيَ تَظُنُّهُ رَجْعَ الصَّدَى
وَحَنَتْ عَلَيْهِ كَطَائِرٍ يَحْنُو عَلَى
غُصْنٍ ذَوَى كَيمَا تُشَاطِرَهُ الرَّدَى
فَبَكَى فَقَالَتْ — وَهْيَ تَمْسَحُ طَرْفَهُ
بِبَنَانِهَا: مَا الدَّاءُ يَا رُوحَ الْمُنَى؟
فَأَجَابَهَا نَدَمًا يَجُودُ بِنَفْسِهِ:
وَيْلَاهُ هَذَا الدَّاءُ مِنْ ذَاكَ الدَّوَا

وَقَالَ فِي زِفَافِ صَدِيقٍ عَلَى فَتَاةٍ تُدْعَى مَرْيَمَ:

أَفُؤَادِي عَلَى لِسَانِيَ أَمْلَى
مَا يُكِنُّ الْفُؤَادُ نَحْوَكَ أَمْ لَا
أَمْ تُرَى مَرْيَمٌ تَجَلَّتْ لِعَيْنِي
فَأَوْحَى جَمَالُهَا لِيَ قَوْلَا
يَا رَفِيقَ الشَّبَابِ إِنَّكَ مِنْ عَيْـ
ـنِي مَكَانَ السَّوَادِ مِنْهَا وَأَغْلَى
فَهَنِيئًا لِلْبَدْرِ زُفَّ إِلَى الشَّمْـ
ـسِ فَحَلَّتْ مِنْ قَلْبِهِ حَيْثُ حَلَّا

وَقَالَ:

مَهَاةٌ أَبَتْ إِلَّا انْتِقَامًا فَلَمْ تَرَى
لَهَا هَدَفًا تَقْضِي عَلَيْهِ سِوَى قَلْبِي
رَمَتْهُ بِسَهْمٍ مِنْ سِهَامِ لِحَاظِهَا
لِتُلْقِي عَلَى الْعُشَّاقِ أُمْثُولَةَ الْحُبِّ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤