الفصل السابع

قُلْتُ لك يا سيدي: إني رُزِقْتُ من زوجي بولدين؛ فسَمَّيْتُ أحدهما روبير، والآخر جيلبير، وكان أَوَّلُهما رقيق الطباع، جميل الخُلق والخَلق، كثير الفطنة والذكاء، وثانيهما عنيدًا مستَبِدًّا حادَّ الطباع، شديد العارضة، صعب المراس.

وكان راعول يبغض الأول رَغْمًا عن كل هذه المبادئ والمزايا؛ لأنه على زَعْمه كان يُشْبه حبيبي موريس في هيئته وصفاته، ويخص الثاني بحبه وانعطافه، وهذه طبيعة غريبة لا أخالها موجودة في كل الآباء.

ففي إحدى الليالي احتفل راعول بإقامة ليلة ساهرة في القصر، ولما حان وقت الاجتماع أوْعَزْتُ إلى خادمتي دانيز في أن تأخذ الأولاد إلى غرفة النوم ليستريحوا؛ فما كان من راعول إلا أنه وَجَّه الكلام إلى روبير وقال له: اذهب أنت يا روبير إلى غرفة النوم؛ فما كان مني إلا أن قُلْتُ لأخيه الثاني: واذهب أنت أيضًا يا جيلبير مع أخيك.

فاعترضني زوجي على ذلك وأمرني بأن أترك جيلبير ليكون معنا وحده في تلك الحفلة، زاعمًا أن وجوده يَسُرُّنا ويُسَلِّينا.

فعندئذ نهضْتُ على قدمي وحَمَلْتُ روبير بين ذراعَيَّ وقبلْتُه قبلة المحبة والحنان، وأَخَذْتُه إلى غرفة النوم، ولكن هذا الطفل كان على جانب عظيم من الأنفة وعزة النفس؛ فتأثر من هذه المعاملة القاسية التي أَظْهَرَهَا له والده واستلم لعوامل البكاء والنحيب؛ فطَفِقْتُ ألاطفه وأسكن روعه، ولكن على غير جدوى.

ثم انسحبت من الغرفة بعد أن وَعَدْتُه بأني سأحضر له هدية نفيسة.

ولما عدت إلى قاعة الاجتماع لم أَرَ راعول بين الحاضرين، فسألت جيلبير عنه فأجابني: أنه تذمر من سماع بكاء أخيه روبير وبادر إلى غرفته لإسكاته، وطلب إليَّ جيلبير أن أُدْخِله إلى سريره؛ لأنه يريد هو أيضًا أن ينام، أما أنا فحدثتني نفسي بوقوع مصاب قريب؛ فهَرْوَلْتُ مسرعة إلى غرفة النوم، فاندهشت لما رأيت ابني روبير يخبط في دمائه، وقد وَضَعَ أبوه يده على فمه لكي لا يسمع أحد نداءه، وقد كاد يموت الطفل المسكين مخنوقًا، فتحركت في قلبي عوامل الغيظ ودواعي الشفقة؛ فتقدَّمْتُ إلى راعول ولطمته وناديت بأعلى صوتي: يا لك من وحْش قاسٍ، ونَذْل لئيم، كيف سَوَّلَتْ لك نفسك الشريرة أن ترتكب هذا الإثم الفظيع، وكانت هذه أول مرة تظاهرت فيها أمام زوجي بالتمرد والعصيان؛ فما كان من ذلك القاسي القلب إلا أنه قبض على شعري ودفعني بقدمه إلى الأمام، فَوَقَعْتُ مَغْشيًا عليَّ. وحينذاك هَرَع الحاضرون إليَّ وخَلَّصُوني منه، وعادوا كلهم يندبون سوء حظي لوجودي مع رجل هو من جنس الوحوش الضارية والحيوانات المفترسة، وليس فيه شيء من صفات الآدميِّين.

ووَرَدَتْ إليَّ على إثر هذه الحادثة الرسائل والمكاتيب تترى من كثير من المعارف والأصدقاء يطلبون بها مني أن أقيم الحجة أمام مواقف القضاء على ما أتاه زوجي من المنكر، وهم مستعدون لتقديم أنفسهم للشهادة، ولكني كَظَمْتُ غيظي، وصبرت على بلواي، ولم أُذْعِن لهذه النصائح والإرشادات، ومن ثَمَّ أَخَذَ زوجي يزداد اندفاعًا وتهورًا، ويرتكب أعظم الجرائم وأكبر الآثام جهرًا، ويمتطي صهوة الشرور والمفاسد بلا خجل ولا حياء؛ فلم يترك بابًا من أبواب الفسق والفجور إلا وَلَجَه، ولم يغادر بيتًا من بيوت المُقامَرة إلا ودَخَلَهُ، ولم يكن يُكَدِّرني من سلوكه بنوع خاص غير تبديده لثروة أولاده المساكين التي صارت على وشك الزوال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤