الفصل الثالث والعشرون

محمد العشماوي في بغداد

صديقي رئيس تحرير البلاد

طلبتم مني كلمة عن سعادة الأستاذ محمد العشماوي بك — وكيل وزارة المعارف المصرية — وأجيب بأن احتياجكم إلى من يحدثكم عنه، مع معرفتكم بأكثر رجال مصر، هو الصفة الأصلية في صفات ذلك الرجل النبيل، فهو رجل لا يحب أن يعرفه أحد من الناس، هو رجل لا يعرف غير العمل، والمطمح الأعظم في نفسه أن يكون من النافعين لا من المشهورين.

فإن لم يكن بد من ذكر شيء من تاريخه فإني أذكر أنه من قدماء الأساتذة بكلية الحقوق، وهو يشغل منصبه في وزارة المعارف المصرية منذ سنين.

وإن لم يكن بد من ذكر بعض مذاهبه في الحياة فإني أذكر أنه رجل خلص خلوصًا تامًا من التعصب السياسي، فهو صديق لجميع الأحزاب، فلا يتولى وزارة المعارف وزير من أي حزب إلا عرف أن العشماوي رجل لا غنى عنه لأنه يخدم مصر ولا يخدم الأحزاب.

ومن الوجهة الأدبية والذوقية أذكر أن العشماوي أكبر نصير للآداب والفنون.

ومن الوجهة القومية أذكر أن العشماوي من أصدق أصدقاء العروبة، وهو يدعو إلى توحيد المناهج الدراسية في الأقطار العربية.

ومن الوجهة الاجتماعية هو خير الآباء، ويكفي أن تنظروا كيف يصحب ابنه وابنته في جميع الرحلات لينعموا بعطفه الأبوي الشريف.

فإن سمعتم أن في مصر قلقًا على مصير اللغة العربية فتذكروا أن محمد العشماوي هو باعث ذلك القلق، لأنه يبغض أشد البغض أن تقع كلمة من العامية في دفاتر التلاميذ.

صديقي

لقد كنت أرجو أن تكون أيام هذا الرجل في العراق فرصة أؤدي له فيها خدمة يذكرني بها حين أرجع إلى القاهرة، ولكن الحكومة العراقية انتهبته مني انتهابًا، وأقبل عليه فضلاء بغداد فغمروه بالمأثور عنهم من الكرم واللطف، بحيث لم يبق لمثلي في خدمته مجال، وكنت أود أن أكتب له ترجمة مفصلة، ولكني أخشى أن لا يرضيه ذلك، فاكتفوا مني مشكورين بهذا القليل، والسلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤